×
نكاح الصالحات ثماره وآثاره: قال المصنف - حفظه الله -: «يسر الله وكتبت فيما سبق كتيبًا بعنوان «يا أبي زوجني» وأردت أن أتممه بهذا الموضوع الهام، ألا وهو: صفات المرأة التي يختارها الشاب المقبل على الزواج، خاصةً مع كثرة الفتن وتوسُّع دائرة وسائل الفساد، فأردتُّ أن يكون بعد التفكير في الزواج والعزم على ذلك، إعانةً على مهمة الاختيار، وهي المهمة التي تتوقف عليها سعادة الزوجين».

 نكاح الصالحات ثماره وآثاره

د. عبد الملك القاسم

 المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد:

يسر الله وكتبت فيما سبق كتيبًا بعنوان «يا أبي زوجني» وأردت أن أتممه بهذا الموضوع الهام؛ ألا وهو: صفات المرأة التي يختارها الشاب المقبل على الزواج؛ خاصة مع كثرة الفتن وتوسع دائرة وسائل الفساد؛ فأردت أن يكون بعد التفكير في الزواج والعزم على ذلك، إعانة على مهمة الاختيار؛ وهي المهمة التي تتوقف عليها سعادة الزوجين.

أسأل الله عز وجل أن ينفع به.


 ثمار نكاح الصالحات

إذا فكر الشاب في الزواج فلابد أن يضع نصب عينه هدفًا لهذا الزواج، وعلى هذا الأساس يبدأ البحث والاختيار، فإن انصب هدفه على ذات الجمال بدأ يسأل ويرسل من يرى المخطوبة، وسؤال حاله في كل مرة عن جمالها، والآخر يبحث عن المادة في زواجه فتراه يبحث عن أهل الغنى ويشترط أن تكون ذات مرتب مثلاً وإلا فهو يحجم؛ والآخر يبحث عن ذات الحسب والنسب ولو توفرت له امرأة فيها جميع الصفات إلا هذا الشرط لعزف وتوقف! والآخر يبحث عن ذات الدين فتراه يفتش عن مواطن الخير والصلاح ويتفرس في البيوت ويسأل الصالحات حتى ينال مراده، ولا تخرج الأهداف عن هذه المطالب الأربعة، وأميز النساء ذات الدين لأنها صاحبة ثمرات دانية وآثار يانعة.

أخي الشاب:

للنكاح في الإسلام ثمار عديدة، ولنكاح الصالحات ثمار أخص وأعظم؛ ومن تلك الثمار مع النية والاحتساب:

أولاً: طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حثه على الزواج ابتداء، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج» [متفق عليه].

وفي التماس هديه وتوجيهه، الخير والبركة في الدنيا والآخرة.

ثانيًا: امتثال أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوجيهه في الزواج بالمرأة الصالحة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : «تنكح المرأة لأربع»، ثم قال حاثًا على أعلاهن مرتبة وأكملهن عشرة وأعظمهن أثرًا: «عليك بذات الدين تربت يداك» [متفق عليه].

ثالثًا: البعد عما يظن به من عجز أو فجور أو مواضع التهم والسوء، كما قال عمر - رضي الله عنه - : (لا يمنع من النكاح إلا عجز أو فجور).

وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: (لو لم يبق من عمري إلا عشرة أيام، لأحببت أن أتزوج لكيلا ألقى الله عزبًا).

رابعًا حصول الذرية الطيبة واستمرار بقاء النسل ونيل الثواب، بسبب الولد الصالح كما قال - صلى الله عليه وسلم - : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» وذكر منها: «أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].

والولد الصالح نتيجة تربية الأب الصالح والأم الصالحة، بل الأم هي الأقرب في أمر التربية خاصة في سنوات الابن الأولى.

وأذكر امرأة توفي زوجها وبدأت تحرص على أبنائها وتحثهم على صلاة الفجر وهم صغار، حتى كبروا وشبوا عن الطوق وكانوا حفظة لكتاب الله - عز وجل -.

أما المرأة غير الصالحة فإنها لا تنفع نفسها، بل تضر نفسها ومن ولاها الله - عز وجل - من الصغار والأطفال فينشئون في منابت السوء وضعف الدين.

خامسًا: حصول الأجر والمثوبة لكل من الزوجين من إنفاق وإعفاف وإعانة وكلمة طيبة وكف أذى، ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ما كسب الرجل كسبًا أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله، وولده، وخادمه، فهو له صدقة» وقد وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن: «لا يأكل طعامك إلا تقي» وهذا يقع في المرأة الصالحة.

سادسًا: دعاء الزوجة الصالحة لزوجها في صلاتها وقيامها وقعودها، مع كثرة شكرها لأعمالك وإنفاقك وإحسانك، فإن ديدن الصالحات شكر من أسدى إليهن معروفًا، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : «من أسدى إليكم معروفًا فكافئوه..».

سابعًا: الثواب الجزيل المترتب على إنجاب الأبناء والصبر على تربيتهم التربية الصالحة وجعلهم دعاة إلى الدين وأعوانًا له، ونكاح الصالحات مظنة إخراج أولئك من تحت يدها بإذن الله - عز وجل - فهي ترى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «تزوجوا الولود الودود فإني مفاخر بكم الأمم» وليس لدعوات تحديد وإيقاف النسل مكان في عقلها وفكرها وواقع حياتها؛ بل هي تنجب وتربي، فالأمة بحاجة إلى أبناء بررة وبنات صالحات.. وتأمل في سيرة السابقين واللاحقين ودور الأم في تربية الأبناء في حياة والدهم أو بعد وفاته.

ثامنًا: نكاح الصالحات من أسباب حصول الرزق ونزول البركة فيه، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور].

قال أبو بكر - رضي الله عنه - : (أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى).

وقال علي - رضي الله عنه - : (التمسوا الغنى بالنكاح).

تاسعًا: إعانة الله - عز وجل - لمن أراد النكاح فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : «ثلاثة حق على الله عونهم» وذكر منهم: «الناكح يريد العفاف»، وقد زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل الذي لم يجد عليه إلا إزاره، ولم يقدر على خاتم من حديد، ومع هذا فزوجه بتلك المرأة، وجعل صداقها عليه أن يعلمها ما معه من القرآن.

قال ابن كثير -رحمه الله-: (والمعهود من كرم الله -تعالى- ولطفه أن يرزقه ما فيه كفاية لها وله..)

عاشرًا: إن النكاح عند أهل العلم والفقه الشرعي مقدم على نوافل العبادات، وقد ذهب جمع من الفقهاء إلى أن الزواج يقدم على الحج، مع أن الحج ركن من أركان الإسلام وفيه إعفاف للزوج والزوجة في زمن الفتن.

الحادي عشر: حصول المرأة على الأجر، الأجر المماثل لأجر الرجل المجاهد بحسن تبعلها لزوجها وقيامها على أسرتها، والزوج هو السبب في ذلك إذا احتسب ونوى ذلك.

الثاني عشر: إن نكاح الصالحات من متاع الدنيا وجمالها وبهائها، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : «الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» [رواه مسلم].

ألق نظرة إلى هذا التفاهم الجميل والانسجام في حياة الأخيار، قال أبو الدرداء لأم الدرداء: (إذا غضبت فرضيني، وإذا غضبت رضيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق)([1]).

الثالث عشر: المرأة الصالحة تعين على نوائب الدهر وتقلبات الأيام وأمور الدنيا، والأمثلة أكثر من أن تحصى في التاريخ القديم وسير الصالحات في عصرنا هذا.

لما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - من غار حراء، بعد أن أتاه الملك، كان فؤاده يرجف خوفًا وفزعًا، فدخل على زوجته الصالحة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- فقال لها: «زملوني! زملوني!» فزملوه حتى ذهب عنه الخوف، ثم قص -عليه الصلاة والسلام- الخبر على خديجة، وقال: «والله لقد خشيت على نفسي»!! فقالت له خديجة بلسان الزوجة الصالحة الناصحة المواسية لزوجها في محنته:

كلا! والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم؛ وتقري الضيف؛ وتحمل الكل؛ وتكسب المعدوم؛ وتعين على نوائب الحق.

ثم انطلقت به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة وكان امرءًا قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك! فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي كان ينزل على موسى!! يا ليتني فيها جذعًا! يا ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك! فقال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: «أومخرجي هم؟» قال: نعم! لم يأت أحد بمثل ما جئت به إلا عودي! وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا!، ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي فترة!!

الرابع عشر: نكاح المرأة الصالحة يعين على الطاعة وييسر أمر العبادة؛ فإنها ستكون لك صاحبة وقريبة، وبعض الشباب التزم وحسنت حاله إثر زواجه بامرأة صالحة، فانظر ماذا قدمت له! بل إنه أعظم أمر: الدلالة على الخير والتحذير من الشر.

وما أجمل الصورة التي ذكرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - للزوجين المتعاونين على الطاعة، روى أبو هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإنه أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت فصلت، وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء» [رواه أبو داود].

الخامس عشر: نكاح الزوجة الصالحة أقرب للسعادة وسير الحياة الأسرية بعيدًا عن التصادم والتنازع، فالزوجة الصالحة امرأة ذات عقل ودين، تعرف للرجل حق القوامة: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ [النساء: 34].

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (يعني أمراء عليهن، أي مطيعة فيما أمرها به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله، حافظة لماله).

وما تمردت المرأة على الرجل وكثر الشقاق والخلاف إلا من كان أمر القوامة عندها مضيعًا، فالأسرة سفينة تمخر عباب الحياة بأكثر من قائد، فتختل في سيرها ولربما غرقت وضاعت الأسرة.

السادس عشر: حسن الخلق وطيب المعشر تمتاز به الزوجة الصالحة: فإن الزوجة الصالحة تتعبد الله -عز وجل- في طيب المعاملة وحسن التبعل ترجو بذلك وجه الله - عز وجل - والدار الآخرة، قال - صلى الله عليه وسلم - : «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة» [رواه ابن ماجه].

والزوج يتقرب إلى الله - عز وجل - في معاملة الزوجة، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله» [رواه الترمذي].

السابع عشر: الزوجة الصالحة من خير النساء بشهادة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فقد سئل أي النساء خير؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله» [رواه أحمد]، وقال - صلى الله عليه وسلم - : «ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرًا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله» [رواه ابن ماجه].

الثامن عشر: المرأة الصالحة تنظر بعين القرآن وتعاليمه: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق]، فهي لا ترهق زوجها ولا تشق عليه ولا تحمله ما لا يطيق.

وما ظهر الإسراف والتبذير إلا من غير الصالحات حتى أضحى الزوج المسكين يلاحق الأزياء والموديلات وتغيير أثاث منزله كل حين.. فأرهقته الديون وأثقلته الهموم.

التاسع عشر: إنها امرأة تحتسب الأجر في كل عمل، ولا تخالف الزوج أو تعصيه قال - صلى الله عليه وسلم - : «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح» [رواه البخاري].

العشرون: الزوجة الصالحة تحفظ الأسرار ولا تنشرها ولا تذيع سر زوجها ولا أسرار حياته، أما سمعتم بالنكت السمجة والعبارات المخلة بالأدب والمروءة، وتلك تتحدث عن فعل زوجها؟! أما الزوجة الصالحة فقد سمعت ووعت قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها» [رواه مسلم].

الحادي والعشرون: ذكر الله - عز وجل - بعض صفات الصالحات، فقال تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾ [النساء: 4] أي فالصالحات من النساء مطيعات لأزواجهن، تحفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله، وتعلم حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنها: «رعاية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها».

بل حتى في نوافل الطاعات تستأذنه وتطيع أمره، قال - صلى الله عليه وسلم - : «لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه» [رواه البخاري].

الثاني والعشرون: الزوجة الصالحة امرأة عاقلة تتبع مواضع الرضا من زوجها؛ فلا تشوش ذهنه ولا تكدر خاطره، وإليك هذه القصة لتعلم ذلك:

قال - صلى الله عليه وسلم - : «ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟» قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «ولود ودود، إذا غضبت، أو أسيء إليها، أو غضب زوجها، قالت: هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى» [رواه الطبراني].

ولعل في إيراد قصة أبي طلحة عندما قدم من السفر وما فعلت أم سليم -رضي الله عنهما- أصدق صورة للمرأة الصالحة.

فقد مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال: فجاء فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب، ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة: أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك، فغضب! وقال: تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتني بابني، فانطلق حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما كان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «بارك الله لكما في غابر ليلتكما» [رواه الإمام أحمد].

الثالث والعشرون: الزوجة الصالحة امرأة وفية جبلت على ذلك، روي عن نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، وكانت قطعت أصابع يديها، وهي تدافع عنه يوم قتله، أن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- خطبها، فقالت: ما يعجب الرجل مني وأصابعي مقلعة؟! فقيل لها: ثناياك، فكسرت ثناياها! وقالت: لا أبغي بعثمان - رضي الله عنه - بديلاً.

ويقول ميمون بن مهران رضي الله عنه: خطب معاوية أم الدرداء -رضي الله عنها- فأبت أن تزوجه وقالت: سمعت أبا الدرداء - رضي الله عنه - يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «المرأة لآخر أزواجها» ولست أريد بأبي الدرداء بديلا!

بل ذكر أصحاب السير والتراجم: أن فاطمة بنت عبد الملك - رحمه الله - كانت بنت خليفة وزوجة خليفة، وأخت أربعة من الخلفاء، زفت إلى زوجها يوم زفافها، وهي مثقلة بالذهب والمجوهرات والحلي، فلما أراد عمر بن عبد العزيز الخروج من المظالم خيرها بين زوجها وبين خروجها من حليها، فاختارت زوجها فوضع عمر تلك الحلي والمجوهرات في بيت مال المسلمين، ولما توفي أراد من أراد أن تأخذ أموالها وحليها من بيت مال المسلمين، فقالت: ما كنت لأطيعه حيًا، وأعصيه ميتًا، تعني زوجها عمر بن عبد العزيز.

والزوجة الصالحة حافظة لسرك ومدخلك ومخرجك؛ فلا تفشي سرًا ولا توغر صدرًا ولا تسعى إلا لرضاك بعد رضا الله - عز وجل -.

الرابع والعشرون: إن المرأة الصالحة مظنة أن يقع عليها حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس».

والمرأة الصالحة غالبًا ما تكون -بإذن الله- قد نشأت في موطن صلاح ومن أصل طيب، وليست مثل فلانة خضراء الدمن التي حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الزواج بها، فعن أبي سعيد الخدري موقوفًا: «إياكم وخضراء الدمن!» قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: «المرأة الحسناء في المنبت السوء» [مسند الشهاب].

الخامس والعشرون: إن اختيار الزوج لزوجته الصالحة من حقوق أبنائه، فقد سئل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : ما حق الولد على أبيه؟ فقال: (أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه القرآن).

السادس والعشرون: إن المرأة الصالحة نعمة عظيمة تقر بها العين وتهنأ النفس، قال - صلى الله عليه وسلم - : «أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: قلبًا شاكرًا، ولسانًا ذاكرًا، وبدنًا على البلاء صابرًا، وزوجة لا تبغيه حوبًا في نفسها وماله» [رواه ابن ماجه].

وقال - صلى الله عليه وسلم - : «من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقوة ابن آدم ثلاثة. من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح. ومن شقوة ابن آدم: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء» [رواه أحمد].

السابع والعشرون: المرأة الصالحة تحفظ الرجل في عرضه وماله، لأنها تعلم حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «لا يحل لها أن تطعم من بيته إلا بإذنه ..» بل ولا تأذن في دخول أحد إلى بيته إلا بإذنه.

عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ليزورها، فاستأذن فقال لها زوجها علي بن أبي طالب: يا فاطمة، هذا أبو بكر يستأذن عليك! فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم.

قلت: -أي الذهبي- علمت السنة -رضي الله عنها- فلم تأذن في بيت زوجها إلا بإذنه!! قال: فأذنت له، فدخل عليها يترضاها.. حتى رضيت([2])!

الثامن والعشرون: المرأة الصالحة صاحبة قرار في البيت ليست خراجة ولاجة، تمتثل أمر الله - عز وجل -: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: 4]. وفي هذا من الاستقرار وحسن التبعل والبعد عن الفتن ما لا يخفى على عاقل.

التاسع والعشرون: الزوجة الصالحة لا تتطلع إلى ما في أيدي الناس، ولا تقارن حال زوجها بغيره من الأزواج، بل هي في قرارة نفسها راضية بما قسم الله -عز وجل- صابرة على ما أصابها.. صاف ذهنها، قانعة بحالها، وعقلها مستريح، ونفسها طيبة.. واستقرار الصالحات العاطفي واضح جلي، فلا هي تبحث عن كلمة إعجاب ولا ثناء ومحبة من رجل آخر، بل قد قرت عينها ببعلها تخدمه وتنظر مواطن قربه.

الثلاثون: المرأة الصالحة من منبت طيب، يبحث أهلها عن الزوج الصالح، وليس الهدف التكثر من الأموال في المهر والولائم؛ فقد رضوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أكثر النساء بركة: أيسرهن مؤنة» ومن الصالحات من تزوجت بمهر قليل جدًا ولم تحمل زوجها بعد النكاح ديونًا، ولا أرهقته بطلبات تثقل كاهله وتجعله مهمومًا بالنهار مغمومًا بالليل.

الحادي والثلاثون: إن نزل بالزوج مصيبة الموت وتوفاه الله - عز وجل -، فإنها زوجة وفية تدعو لك بالرحمة والمغفرة، وتسعى لأن تجلب إليك ما يرفع درجتك.

وأذكر أن امرأة تزوجت رجلاً توفي بعد سنوات قليلة من زواجه، فما كان من الزوجة الوفية إلا أن جمعت من راتبها -وهي معلمة- حتى بنت له مسجدًا على مدى ثلاث سنوات.

الثاني والثلاثون: الزوجة الصالحة امرأة مطيعة، تشبع رغبات زوجها العاطفية والنفسية، حتى وهي في أشد حالات العمل؛ لأنها سمعت حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فأطاعت وامتثلت: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح» [رواه البخاري].

الثالث والثلاثون: الزوجة الصالحة امرأة خدوم في بيتها وأولادها على قدر استطاعتها.

وحسبك بابنة نبي الأمة فاطمة رضي الله عنها، عندما جاءت إلى أبيها - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى.. فهذه الأمة وابنة نبي وأثر فيها الرحى خدمة لزوجها وأولادها.

وأخرى من الصالحات هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء، غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستسقي الماء وأحرز غربه وأعجن، ولم أكن أخبز وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ([3]) ، [رواه مسلم] ومعنى هذا أنها تحمل الماء على رأسها أكثر من ثلاث كيلومتر ونصف.

الرابع والثلاثون: إن الزوجة الصالحة غضيضة الطرف عن غير زوجها، امتثالاً لأمر الله - عز وجل -: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ [النور: 24]، ولذلك لديها سكون عاطفي ونفسي، لا تتطلع إليه ولا ترمق سواه. امرأة حيية والحياء لا يأتي إلا بخير.

عن أسماء بنت أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- قالت: جئت يومًا، والنوى على رأسي فلقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومعه نفر من الأنصار، فدعاني -عليه الصلاة والسلام- ثم قال: (إخ!! إخ!!) ليحملني خلفه!! [رواه مسلم].

 [أي أن النبي عليه الصلاة والسلام، رحمها وأشفق عليها من مشقة الحمل الثقيل الذي تحمله على رأسها، فأراد أن يركبها خلفه على البعير، ليوصلها إلى مقصدها!!].

قالت أسماء: فاستحييت أن أسير مع الرجال!! وذكرت الزبير وغيرته، وكان من أغير الناس!!

قالت أسماء: فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إني قد استحييت فمضى!! فجئت إلى الزبير فقلت: لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه، وعرفت غيرتك! [رواه البخاري].

الخامس والثلاثون: يسرك أن تسمع كلام الله يتلا: ﴿وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: 24] فكن أنت وزوجك ممن ذكرهم الله - عز وجل - وجمع بينهم على التقوى والهدى.

السادس والثلاثون: إنها امرأة تحفظ نفسها وعرضها عن شياطين الإنس والجن: علمت أن الخير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال، ولذا فهي لك وحدك، ليس معك شريك في النظر إليها أو محادثتها أو غير ذلك.

كانت عتبة فتاة بارعة الجمال، فائقة الحسن والدلال، فعشقها أحدهم وتعلق قلبه بها، فطلب منها أن يراها، ولو مرة واحدة، فأبت عليه وامتنعت، فاشتد تعلقه بها، ومرض واشتد مرضه، ثم مات!! فقيل لها لما مات: ما كان يضرك لو أمتعتيه بوجهك!! فقالت: منعني من ذلك: مخافة القوي الجبار، وخوف العار، وشماتة الجار، وإن بقلبي -أي من الحب والشوق إليه- أضعاف ما بقلبه، غير أني أجد ستره وكتمانه، أبقى للمودة، وأحمد للعاقبة، وأطوع للرب، وأخف للذنب([4]) !

قال إبراهيم بن الجنيد: راود رجل امرأة عن نفسها، في حال خلوة بها، فقالت له: أنت قد سمعت القرآن والحديث، فأنت أعلم!! قال: فأغلقي الأبواب، فأغلقتها كلها!! فلما دنا منها، قالت له: بقي باب لم أغلقه! فقال لها مستغربًا: أي باب؟! فقالت والدموع تتحدر من عينيها: الباب الذي بينك وبين الله تعالى!! فأفاق الرجل من غفلته، وتركها لله -تعالى-، ولم يتعرض لها بسوء([5])!!

وبعض الناس إذا تزوج بامرأة غير صالحة؛ يرتاب في أمرها ويشك في حالها وتنقلب حياته تعاسة ونعيمه بؤسًا، أما الزوجة الصالحة الحافظة لحدود الله - عز وجل - فإنها قرة عين وموطن ثقة ولله الحمد.


 إنها منهن

في عمر الزهور تسابقت مع زميلاتها في المدرسة وتنافست أعظم منافسة، سعت مع أخواتها في المدرسة إلى حفظ القرآن الكريم فكان لها ذلك بعد جهد ثلاث سنوات وكان المصحف لا يسقط من يدها!

ما علمت بعمل يقربها إلى الله زلفى؛ إلا وسارت إليه وتحرت عمله، تصوم الاثنين والخميس، والأيام البيض، أما قيام الليل فهو بساعات طوال!

لما يسر الله - عز وجل - وأنهت الدراسة الجامعية ونالت مرتبًا شهريًا.. فرحت به.. ليس للمال بل محبة في الإنفاق.. تسارع إلى والدتها تلبي حاجتها، وتسر في أذن قريبتها: ماذا تريد؟ أما أبواب الخير الأخرى فهي أمامها مشرعة، والعجب جمع الله لها بين الأدب الرفيع والخلق الحسن.. وجميل الحديث صفة من بعض صفاتها.. إن هذه الدرة المصونة والياقوتة المتلألئة قد قاربت الثلاثين ولم تتزوج، والأخرى قاربت الأربعين، والثالثة بينهما عمرًا وسنًا.

أين من يتسابقون إلى مثلهن، وتهفو قلوبهم إلى الصالحات؟ لقد أبعدهن لسواد في بشرتها، أو قصر سنتمترات في طولها، أو ضعف في بصرها..

أما تلك الشابة الصالحة؛ فنسيت في بيت والدها مع أنها تحمل كتاب الله - عز وجل - في صدرها.. والسبب أنها مطلقة([6]) ..

وقد اختار الإمام أحمد بن حنبل عوراء على أختها، وكانت أختها جميلة، فسأل عن أعقلهما؟ فقيل: العوراء، فقال: (زوجوني إياها)([7]).

وقال شميط بن عجلان: (رحم الله رجلاً تبلغ بامرأة وإن كانت نصفًا، وكان في وجهها رداءة، إن كان موقنًا بنساء أهل الجنة)([8]) .

وكان مالك بن دينار رحمه الله، يقول: (يترك أحدكم أن يتزوج يتيمة فيؤجر فيها إن أطعمها وكساها، تكون خفيفة المؤنة، ترضى باليسير، ويتزوج بنت فلان وفلان يعني أبناء الدنيا، فتشتهي عليه الشهوات وتقول: اكسني بكذا وكذا)([9]) .


 تجارب

قال يحيى بن يحيى: كنت عند سفيان بن عيينة، إذ جاء رجل فقال: يا أبا محمد أشكو إليك من فلانة -يعني امرأته- أنا أذل الأشياء عندها وأحقرها، فأطرق سفيان مليًا ثم رفع رأسه فقال: لعلك رغبت إليها لتزداد عزًا؟ فقال: نعم يا أبا محمد، قال: من طلب العز ابتلي بالذل، ومن طلب المال ابتلي بالفقر، ومن طلب الدين جمع الله له العز والمال مع الدين.

ثم أنشأ يحدثه فقال: كنا إخوة أربعة: محمد وعمران وإبراهيم وأنا، فمحمد أكبرنا وعمران أصغرنا، وكنت أوسطهم؛ فلما أراد محمد أن يتزوج رغب في الحسب فتزوج من هي أكبر منه حسبًا فابتلاه الله بالذل، وعمران رغب في المال فتزوج من هي أكثر منه مالاً فابتلاه الله بالفقر، وأخذوا ما في يديه ولم يعطوه شيئًا، فقدم علينا عمران بن راشد، فشاورته وقصصت عليه قصة إخوتي، فذكرني حديث يحيى بن يحيى بن جعدة وحديث عائشة، فأما حديث يحيى بن جعدة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «تنكح المرأة على أربع: على دينها وحسبها ومالها وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك» وحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة» فاخترت لنفسي الدين وتخفيف الظهر اقتداء بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فجمع الله لي العز والمال مع الدين([10]) .


 نماذج من ثمار نكاح الصالحات

ذكر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نهى في خلافته عن مذق اللبن بالماء (أي مزجه به) فخرج ذات ليلة في حواشي المدينة، فإذا بامرأة تقول لابنةٍ لها:

ألا تمذقين لبنك فقد أصبحت؟

فقالت الجارية: كيف أمذق، وقد نهى أمير المؤمنين عن المذق؟

فقالت: قد مذق الناس فامذقي، فما يدري أمير المؤمنين.

فقالت: إن كان عمر لا يعلم، فاالله عمر يعلم، ما كنت لأفعله وقد نهى عنه.

فوقعت مقالتها من عمر، فلما أصبح دعا عاصمًا ابنه فقال: يا بني اذهب إلى موضع كذا وكذا، فاسأل عن الجارية -ووصفها له- فذهب عاصم، فإذا هي جارية من بني هلال، فقال له عمر: اذهب يا بني فتزوجها، فما أحراها أن تأتي بفارس يسود العرب، فتزوجها عاصم بن عمر فولدت له أم عاصم بنت عاصم بن عمر ابن الخطاب، فتزوجها عبد العزيز بن مروان بن الحكم، فأتت بالخليفة عمر بن عبد العزيز([11]) .

خطب أبو طلحة أم سليم قبل أن يسلم، فقالت: ما مثلك يرد، ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم فذلك مهري لا أسألك غيره، فأسلم وتزوجها.

أخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي: أن امرأة دفعت إلى ابنها يوم أحد السيف فلم يطق حمله، فشدته على ساعدة بنسعة، ثم أتت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، هذا ابني يقاتل عنك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أي بني، احمل هاهنا، احمل هاهنا» فأصابته جراح فانصرع، فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أي بني لعلك جزعت» قال: لا يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزل قول الله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة: 245] قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله، وإن الله - عز وجل - ليريد منا القرض؟ قال: «نعم يا أبا الدحداح» قال: أرني يدك يا رسول الله، قال: فناوله يده، فإني قد أقرضت ربي -عز وجل- حائطي قال: وحائط له فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها، قال: فجاء أبو الدحداح فنادها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرجي، فقد أقرضته ربي -عز وجل-، فحملت ما لها من متاع، وكان بيد أحد أبنائها تمرة فألقتها من يده وخرجت مع صغارها([12]).

قال الإمام أحمد -رحمه الله- عن زوجته عباسة بنت الفضل: أقامت معي ثلاثين سنة، فما اختلفت أنا وهي في كلمة، ثم ماتت رحمها الله.

وكان ببغداد رجل بزاز([13]) له ثروة، فبينا هو في حانوته أقبلت إليه صبية فالتمست منه شيئًا تشتريه، فبينا هي تحادثه كشفت وجهها في خلال ذلك، فتحير، وقال: قد والله تحيرت مما رأيت.

فقالت: ما جئت لأشتري شيئًا، إنما لي أيام أتردد إلى السوق ليقع بقلبي رجل أتزوجه، وقد وقعت أنت بقلبي، ولي مال، فهل لك في التزوج بي؟

فقال لها: لي ابنة عم وهي زوجتي، وقد عاهدتها ألا أغيرها، ولي منها ولد.

فقالت: وقد رضيت أن تجيء إلي في الأسبوع نوبتين، فرضي، وقام معها، فعقد العقد ومضى إلى منزلها، فدخل بها.

ثم ذهب إلى منزله، فقال لزوجته: إن بعض أصدقائي قد سألني أن أكون الليلة عنده.

ومضى، فبات عندها، وكان يمضي كل يوم بعد الظهر إليها. فبقي على هذا ثمانية أشهر. فأنكرت ابنة عمه أحواله، فقالت لجارية لها: إذا خرج فانظري أين يمضي؟

فتبعته الجارية، فجاء إلى الدكان، فلما جاءت الظهر قام، وتبعته الجارية، وهو لا يدري، إلى أن دخل بيت تلك المرأة. فجاءت الجارية إلى الجيران فسألتهم: لمن هذا الدار؟ فقالوا: لصبية قد تزوجت برجل تاجر بزاز.

فعادت إلى سيدتها، فأخبرتها، فقالت لها: إياك أن يعلم بهذا أحد، ولم تظهر لزوجها شيئًا.

فأقام الرجل تمام السنة، ثم مرض، ومات، وخلف ثمانية آلاف دينار، فعمدت المرأة التي هي ابنة عمه إلى ما يستحقه الولد من التركة، وهو سبعة آلاف دينار، فأفردتها وقسمت الألف الباقية نصفين، وتركت النصف في كيس، وقالت للجارية: خذي هذا الكيس واذهبي إلى بيت المرأة، وأعلميها أن الرجل مات، وقد خلف ثمانية آلاف دينار، وقد أخذ الابن سبعة آلاف بحقه، وبقيت ألف فقسمتها بيني وبينك، وهذا حقك، وسلميه إليها، فمضت الجارية، فطرقت عليها الباب، ودخلت، وأخبرتها خبر الرجل، وحدثتها بموته، وأعلمتها الحال، فبكت، وفتحت صندوقها وأخرجت منه رقعة وقالت للجارية: عودي إلى سيدتك، وسلمي عليها عني، وأعلميها أن الرجل طلقني، وكتب لي براءة، وردي عليها هذا المال، فإني ما استحق في تركته شيئًا([14]).

وقد ذكر ابن أبي الدنيا في كتابه [الورع]؛ قال العباس بن سهم: إن امرأة من الصالحات أتاها نعي زوجها وهي تعجن، فرفعت يديها من العجين، وقالت: هذا طعام قد صار لنا فيه شريك [أي الورثة].

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كنت مع أبي يومًا من الأيام في المنزل، فدق الباب، وقال لي: اخرج انظر من بالباب، قال: فخرجت فإذا امرأة، قالت لي: أستأذن على أبي عبد الله تعني أباه، قال: فاستأذنت، فقال: ادخلها، فدخلت فجلست، فسلمت عليه، وقالت له: يا أبا عبد الله أنا امرأة أغزل بالليل في السراج فربما طفئ السراج فأغزل في القمر، فعلي أن أبين غزل القمر من غزل السراج؟ قال: فقال لها: إن كان عندك بينهما فرق فعليك أن تبيني ذلك، قال: قالت له: يا أبا عبد الله، أنين المرض شكوى؟ قال: أرجو أن لا يكون شكوى، ولكنه اشتكاه إلى الله، قال: فودعته وخرجت، قال: فقال لي: يا بني، ما سمعت قط إنسانًا يسأل عن مثل هذا، اتبع هذه المرأة فانظر أين تدخل؟ قال: فتبعتها، فإذا هي قد دخلت إلى بيت بشر بن الحارث، وإذا هي أخته، قال: فرجعت فقلت له، فقال: محال أن تكون مثل هذه إلا أخت بشر([15]).

من ثمار وآثار زواج الصالحات حفظ ورعاية الأبناء في حياة الأب وبعد مماته، وإليك نماذج تبين دور المرأة المسلمة في تربية قادة الأمة وعلمائها وعظمائها:

- الإمام الثقة الثبت، أمام أهل الشام وفقيههم: أبو عمرو الأوزاعي -رحمه الله- قال عنه النووي: وقد أجمع العلماء على إمامة الأوزاعي، وجلالته وعلو مرتبته، وكمال فضله، وأقاويل السلف -رحمهم الله- كثيرة مشهورة، مصرحة بورعه وزهده وعبادته وقيامه بالحق وكثرة حديثه وغزارة فقهه، وشدة تمسكه بالسنة، وبراعته في الفصاحة، وإجلال أعيان أئمة عصره من الأقطار له واعترافهم بمرتبته اهـ.

ذلك الحبر البحر كان أيضًا ثمرة أم عظيمة!! هي التي رعته وربته بعد وفاة والده.

وهذا ربيعة الرأي -رحمه الله- شيخ الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- سافر أبوه للغزو والجهاد في سبيل الله، وهو جنين في بطن أمه، ثم غاب ولم يعد، وترك عند زوجته ثلاثين ألف دينار، فأنفقتها تلك الأم الفاضلة في تعليم ولدها وتفقيهه في دينه، حتى صار ذلك الابن ربيعة الرأي شيخ أهل المدينة، وعالمها المقدم ومفتيها وفقيهها!!

وهذا الإمام مالك بن أنس -رحمه الله- إمام دار الهجرة، وصاحب الكتاب العظيم [الموطأ] وهو الذي كانت تشد له المطايا من أقطار الدنيا، طلبًا لعلمه وفتواه، وهو كانت تهابه الملوك والسلاطين!!

هذا الإمام الجليل، كان ثمرة أم فاضلة، يسرت له سبل طلب العلم، وحثته عليه، وربته على تحصيله، واسمع إلى الإمام مالك وهو يحكي ذلك فيقول: قلت لأمي: أذهب فأكتب العلم؟ فقالت لي: تعال فالبس ثياب العلم!! قال: فألبستني مسمرة! ووضعت الطويلة على رأسي، وعممتني فوقها، ثم قالت لي: اذهب فاكتب العلم الآن!! وكانت تقول لي: اذهب إلى ربيعة الرأي، فتعلم من أدبه قبل علمه!!

وهذا الإمام الشافعي محمد بن إدريس -رحمه الله- كان ثمرة مباركة لأم صالحة عظيمة، فقد مات أبوه، وهو جنين أو رضيع فتولته أمه بعنايتها، وأشرفت عليه بحكمتها، وكانت امرأة عاقلة فاضلة، من فضليات عقائل الأزد، وكانت -رحمها الله-، باتفاق النقلة من العابدات القانتات، ومن أزكى الخلق فطرة([16])!!

قال عبد الوهاب بن عطاء الخفاف: حدثني مشايخ أهل المدينة أن فروخًا أبا عبد الرحمن بن ربيعة رحمه الله، خرج في البعوث الغازية إلى خراسان أيام بني أمية، وكان ولده ربيعة يومئذ جنينًا في بطن أمه!! وخلف عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار!! فغاب عن المدينة فترة طويلة من السنين، ثم قدمها بعد سبع وعشرين سنة!! وهو راكب فرسًا وفي يده رمح، فلما وصل المدينة توجه إلى منزله، ودفع الباب برمحه، دخل الدار!! فخرج إليه ربيعة وهو لا يدري أنه أبوه، وقال له: يا عدو الله، أتهجم على منزلي؟ فقال فروخ: يا عدو الله، بل أنت الذي دخلت على زوجتي في بيتي!

فتواثبا وأمسك كل منهما برقبة الآخر، يريد أن يضربه، وارتفعت أصواتهما، حتى اجتمع الجيران، فبلغ الخبر مالك بن أنس -رحمه الله- والمشيخة، فأتوا يعينون شيخهم ربيعة على هذا المعتدي على بيته!! وجعل ربيعة يقول: والله لا فارقتك إلا عند السلطان. وجعل فروخ يقول: والله لا فارقتك إلا بالسلطان، وأنت مع امرأتي!! وكثر الضجيج!! فلما أبصروا الإمام مالك سكتوا، فقال مالك لفروخ: أيها الشيخ: لك سمعة في غير هذه الدار!! فقال فروخ: هي داري، وأنا فروخ. فسمعت امرأته كلامه!! فخرجت وقالت: هذا زوجي وهذا ابني الذي خلفه وأنا حامل به، فاعتنقا جميعًا فروخ وولده ربيعة وجعلا يبكيان!!

فدخل فروخ المنزل وقال لزوجته: هذا ابني الذي تركته في بطنك جنينًا؟ فقالت: نعم!! فقال لها: أخرجي المال الذي تركته عندك!! وهذه معي أربعة آلاف دينار فقالت: لقد دفنته وأنا أخرجه لك بعد أيام. ثم خرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته، فأتاه مالك والحسن بن زيد وابن أبي علي وأشراف أهل المدينة يطلبون العلم على يديه، وأحدق الناس به!!

فقالت أم ربيعة لزوجها فروخ: اخرج فصل في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فخرج إلى المسجد، فنظر إلى حلقة وافرة ممتلئة بالطلاب!! فأتاها فوقف عليها، فأفسحوا له قليلاً، فجلس ليسمع العلم، فنكس ربيعة رأسه يوهمه أنه لم يره.

ولكن الأب حين سمع صوت الشيخ المتكلم، فقالوا له: هذا ربيعة بن أبي عبد الرحمن!! فقال: قد رفع الله ابني! ورجع إلى منزله وقال لزوجته: والله لقد رأيت ولدك على حالة ما رأيت أحدًا من أهل العلم والفقه عليها!! فقالت له زوجته: فأيهما أحب إليك ثلاثون ألف دينار، أو هذا الذي هو فيه؟! فقال: لا والله، بل هذا الذي هو فيه (أي من العلم والمكانة).

فقالت: فإني قد أنفقت كل المال الذي تركته عندي عليه!! فقال: فوالله ما ضيعته([17])!!


 أين تجد الصالحات؟

لا شك أن نفسك تاقت للفتاة المصون من صالحات هذه الأمة، والسؤال منك بدأ يرتفع في لهف وشوق: أين أجد هذه؟ وأين منبتها؟

كل تلك الأسئلة تدور في ذهن المسلم العاقل الرزين. بل تتواتر مثل تلك الأسئلة أو أكثر؛ إذا أراد شراء منزل أو سيارة، فما باله يبخس نفسه وذريته حق السؤال والمتابعة والتدقيق؟!

أخي الشاب:

جعل الله - عز وجل - علامات وأماكن لأهل الخير والصلاح، وكذلك لأهل الفسق والمجون.

فأماكن الصالحات في قعر البيوت لا يعرفن الخروج إلا لضرورة، إن رأيتها في سوق أو شارع فإذا بها ممتثلة أمر الله - عز وجل - ورسوله في الحجاب.

تجدها في مصليات المدارس والجامعات، وتجدها في دور التحفيظ النسائية، وتجدها في مدارس تحفيظ القرآن للبنات، وتجدها عند الخيرات من أمثالها، فالطيور على أشباهها تقع.

تجد الصالحات في بيوت أهل العلم والدين والخير والنبلاء، تتلألأ بهن تلك البيوت ولله الحمد.

ومن نعم الله أن كثرة الالتزام في الفتيات ليس له حد، بل قد يفوق عددهن على الشباب خلال هذه العشرة سنوات.

بجهد بسيط تجد بغيتك، وبسؤال عابر تحقق أمنيتك.


 أنموذج من الصالحات

التقى الشعبي -رحمه الله- مع شريح القاضي -رحمه الله- ذات مرة، فسأل الشعبي شريحًا، عن حاله في بيته، فقال له شريح: من عشرين عامًا لم أر ما يغضبني من أهلي!! فقال له الشعبي: وكيف ذلك؟ فقال شريح: من أول ليلة دخلت على امرأتي، رأيت فيها حسنًا وجمالاً نادرًا، فقلت في نفسي: فلأطهر وأصلي ركعتين شكرًا لله!! فلما سلمت من صلاتي، وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، تسلم بسلامي.

فلما خلا البيت من الأصحاب والأصدقاء، قمت إليها، اقتربت منها، لأصيب منها ما يصيب الرجل من زوجته، فقالت لي: على رسلك يا أبا أمية!! كما أنت!!

ثم قالت: الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، إني امرأة غريبة عنك!! لا علم لي بأخلاقك!! فبين لي ما تحب أن آتيه فآتيه، وما تكره فأتركه!!

ثم قالت: إنه كان في قومك من تتزوجه من نسائكم وفي قومي من الرجال من هو كفء لي!! ولكن إذا قضى الله أمرًا كان مفعولاً!! قد ملكت فاصنع ما أمرك الله به: إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان!! أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولك!!

قال شريح: فأحوجتني -والله يا شعبي- إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد: فإنك قلت كلامًا إن ثبت عليه يكن ذلك حظك!! (أي يكن خيرًا كثيرًا لك) وإن تدعيه يكن حجة عليك!!

ثم قال: وإني أحب كذا وكذا، وكذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما رأيت من حسنة فانشريها!! وما رأيت من سيئة فاستريها!!

فقالت لي: كيف محبتك لزيارة أهلي؟ فقلت: ما أحب أن يملني أصهاري!! (لا أحب أن يكثروا من الزيارة باستمرار فأمل منهم).

فقالت: فمن تحب من جيرانك، أن يدخل دارك فآذن له؟ ومن تكره فأكره؟

فقلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم صالحون، فأذني لهم!! وأما بنو فلان وبنو فلان فقوم سوء، فلا تأذني لهم!!

قال شريح: فبت معها تلك الليلة بأنعم ليلة!! وعشت معها عامًا كاملاً، لا أرى منها إلا ما أحب وأتمنى.

فلما كان رأس السنة الجديدة، رجعت من مجلس القضاء إلى بيتي، فإذا بفلانة في بيتي!! فقلت: من هذه المرأة؟ فقالوا: ختنك -أي أم زوجتك-!! فالتفتت إلي وسألتني: كيف رأيت زوجتك يا أبا أمية؟ فقلت: خير زوجة!!

فقالت: يا أبا أمية، إن المرأة لا تكون أسوأ حالاً منها في حالين:

إذا ولدت غلامًا، أو حظيت عند زوجها!! (أي شعرت بحبه وتعلقه بها) فوالله، ما حاز الرجال في بيوتهم شرًا من المرأة المدللة!! فأدب ما شئت أن تؤدب!! وهذب ما شئت أن تهذب!!

قال شريح: فمكثت معي تلك المرأة عشرين عامًا، لم أعقب عليها في شيء إلا مرة واحدة، وكنت فيها مخطئًا!! ثم ماتت -رحمها الله-.


 وقفة

قيل لأبي عثمان النيسابوري: ما أرجى عمل عندك؟ قال: كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج فآبى، فجاءتني امرأة فقالت: يا أبا عثمان! أسألك بالله أن تتزوجني، فأحضرت -أباها- وكان فقيرًا فزوجني منها، وفرح بذلك، فلما دخلت إلي رأيتها عوراء عرجاء مشوهة!! قال: وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج، فأقعد حفظًا لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئًا، وإني على جمر الغضى من بغضها، قال: فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتى ماتت، فما من عملي شيء هو أرجى عندي من حفظي لقلبها([18]).

 همسة

أخي الشاب:

لابد من توفر شروط الاستقامة في شخصك حتى تفوز بيد الزوجة الصالحة، فهي تبحث عن رجل صالح خلقه القرآن، يمتثل لأمر الله - عز وجل - وأمر رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - .. وأني للاهٍ ساهٍ أن يخطب الحسناء.. ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر.. ومن أول ثمار تفكيرك بالزواج من امرأة صالحة أنك تفكر في إصلاح نفسك.. وهذه نعمة عظيمة وبداية للخير سديدة.

جمع الله بينكما على خير، ورزقكما الذرية الصالحة في دوحة هنية سعيدة.

أخي الحبيب:

لن تندم أبدًا وأنت تطيع أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «عليك بذات الدين تربت يداك» فقر عينًا، وأكثر من الدعاء بصلاح الذرية!



([1]) روضة العقلاء، ص122.

([2]) كتاب سير أعلام النبلاء، (1/121).

([3]) الفرسخ نحو خمس كيلومترات.

([4]) كتاب روضة المحبين، لابن القيم.

([5]) كتاب روضة المحبين، لابن القيم، بتصرف.

([6]) ليس معنى هذا أن الصالحات قبيحات دميمات، بل هن من قد جمع الله لهن جمال الخلقة وجمال الخلق.

([7]) الإحياء: (3/131).

([8]) المرجع السابق.

([9]) الإحياء: (2/44).

([10]) حلية الأولياء: (7/289).

([11]) سيرة عمر بن عبد العزيز، لابن عبد الحكم، (ص22، 23).

([12]) انظر تفسير ابن كثير، (1/299).

([13]) البزاز: بائع البز، والبز: الثياب أو متاع البيت من الثياب ونحوها.

([14]) صفة الصفوة: (2/532).

([15]) طبقات الحنابلة: (ص427).

([16]) كتاب (عودة الحجاب) لمحمد بن إسماعيل، (2/204) بتصرف.

([17]) وفيات الأعيان: (2/290).

([18]) صيد الخاطر: (ص349).