الاختلاط بين الجنسين [حقائق وتنبيهات]
التصنيفات
- فقه >> الأسرة >> المجتمع المسلم
- فقه >> الأسرة >> شؤون النساء >> الاختلاط
المصادر
الوصف المفصل
الاختلاط بين الجنسين [حقائق وتنبيهات]
تقديم معالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان
الحمد لله وبعد: فقد اطلعت على رسالة: «الاختلاط بين الجنسين حقائق وتنبيهات» للشيخ سلميان بن صالح بن عبد العزيز الجربوع فوجدتها رسالة مفيدة في موضوعها تمس الحاجة إليها للرد على دعاة الاختلاط بين الرجال والنساء.
فجزاه الله خيرًا على ما كتب ونفع به.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
27/7/1429هـ
* * * * بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته وسار على طريقه إلى يوم الدين.
فهذه رسالة أردت بها تبيين خطر الاختلاط بين الجنسين، ومدى نتائجه السلبية في نظر الإسلام، وحيث كثرت في هذا الوقت الدعوات بجواز الاختلاط بين الجنسين وأن المُحرم هو الخلوة، ثم يأتينا بعد ذلك من يقول: ليس المقصود الخلوة إنما إذا أطفئت السُرج وأُرخيت الستور يكون كذلك، ثم يزداد الأمر إلى ما لا يحمد عقباه، والأصل الرجوع للكتاب والسنة وأفعال سلف الأمة من الصحابة والتابعين، وسأبين في هذا البحث الآتي:
1- معنى الاختلاط.
2- الأدلة على تحريم الاختلاط في القرآن والسنة.
3- أسباب الاختلاط.
4- تجارب المجتمعات المختلطة.
5- أقوال أهل العلم في الاختلاط.
سائلاً الله تعالى أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، والحمد لله رب العالمين.
أولاً: معنى الاختلاط
الاختلاط في اللغة هو الممازجة، واختلط الرجال والنساء أي: تداخل بعضهم في بعض. يُقال خَلَطْتُ الشيْء بالشيْءِ فاخْتَلَط، ومنه الخِلْطُ ([1]).
جاء في معجم «لسان العرب» في مادة «خلط»: خلط الشيء بالشيء يخلطه خلطًا، وخلطه فاختلط: مزجه واختلطا، وخالط الشيء مخالطة وخلاطًا: مازجَهُ ([2]).
وتعريفه بالشرع: هو امتزاج الرجل بالمرأة التي ليست بمحرم – أي التي يباح له زواجها – اجتماعًا يؤدي إلى ريبة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في تعريف الاختلاط: «هو اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات، في مكان واحد، بحكم العمل، أو البيع، أو الشراء، أو النزهة، أو السفر، أو نحو ذلك»([3]).
ثانيًا: الأدلة على تحريم الاختلاط من الكتاب والسنة
أما من الكتاب فكثيرة، منها:
قول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
فقد دلت هذه الآية على أن الأصل احتجاب النساء عن الرجال، وعدم الاختلاط، قال الإمام الطبري: يقول تعالى ذكره: سؤالكم إياهن المتاع إذا سألتموهن ذلك من وراء حجاب أطهر لقلوبكم وقلوبهن من عوارض العين فيها، التي تعرض في صدور الرجال من أمر النساء وفي صدور النساء من أمر الرجال، وأحرى من أن لا يكون للشيطان عليكم وعليهن سبيل ([4]).
قال الواحدي في تفسيره: وكانت النساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرجال فلما نزلت هذه الآية ضرب عليهن الحجاب فكانت هذه آية الحجاب بينهن وبين الرجال ذلكم؛ أي الحجاب أطهر لقلوبكم وقلوبهن ([5]).
وقال السمرقندي: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا} يعني: إذا سألتم من نسائه متاعًا فلا تدخلوا عليهن {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} يعني: من خلف الستر. ويقال: خارج الباب ([6]).
وقال صاحب التفسير الكبير: يعني العين روزنة القلب؛ فإذا لم تر العين لا يشتهي القلب، أما إن رأت العين فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي، فالقلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر ([7]).
قال الشيخ السعدي: قوله تعالى: {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} أي: يكون بينكم وبينهن ستر، يستر عن النظر، لعدم الحاجة إليه، ثم ذكر حكمة ذلك بقوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} لأنه أبعد عن الريبة، وكلما بعُد الإنسان عن الأسباب الداعية إلى الشر، فإنه أسلم له، وأطهر لقلبه ([8]).
قال سيد قطب: فلا يقل أحد غير ما قال الله. لا يقل أحد إن الاختلاط، وإزالة الحجب، والترخص في الحديث واللقاء والجلوس والمشاركة بين الجنسين أطهر للقلوب، وأعف للضمائر، وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة، وعلى إشعار الجنسين بالأدب وترقيق المشاعر والسلوك... إلى آخر ما يقوله نفر من خلق الله الضعاف والمهازيل الجهال المحجوبين. لا يقل أحد شيئًا من هذا... يقول الله هذا عن نساء النبي الطاهرات. أمهات المؤمنين. وعن رجال الصدر الأول من صحابة رسول الله ﷺ ممن لا تتطاول إليهن وإليهم الأعناق ([9]).
ومن الأدلة كذلك:
{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 30، 31] وعن علي t أن النبي ﷺ قال له: «يَا عَلِي، لا تُتْبع النَّظْرَةَ؛ فإنَّما لكَ الأولىَ، وَلَيْسَت لك الآخِرة»([10]).
وعن أبي هريرة t، عن النبي ﷺ أنه قال: «العينان زناهما النظر، والأُذنان زناهما الاستماع، واللسان زناهُ الكلام، واليد زناها البطش، والرِّجْلُ زناها الخُطا»([11]).
قال الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ: فإذا نهى الشارع عن النظر إليهن لما يؤدي إليه من المفسدة، وهو حاصل في الاختلاط، فكذلك الاختلاط يُنهى عنه؛ لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه ([12]).
ومن أدلة القرآن الكريم:
قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33]، قال مجاهد تلميذ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «كانت المرأة تخرج فتمشي بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية الأولى»([13]).
قال القرطبي: «معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي ﷺ فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة؟»([14]).
قال الشيخ بكر أبو زيد: «ومن نظر في آيات القرآن الكريم، وجد أن البيوت مضافة إلى النساء في ثلاث آيات من كتاب الله تعالى، مع أن البيوت للأزواج أو لأوليائهن، وإنما حصلت هذه الإضافة والله أعلم مراعاة لاستمرار لزوم النساء للبيوت، فهي إضافة إسكان ولزوم للمسكن والتصاق به، لا إضافة تمليك، قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33]، وقال سبحانه: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34]، وقال عز شأنه: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1]»([15]).
ومن الأدلة كذلك:
قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} الآية [النور: 31].
قال ابن عباس: لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن أو آبائهن: {أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ} [النور: 31]([16]).
قال الإمام القرطبي: فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تبدي زينتها إلا لمن تحل له، أو لمن هي محرمة عليه على التأبيد، فهو آمن أن يتحرك طبعه إليها لوقوع اليأس له منها ([17]).
وأخرج ابن المنذر. وابن أبي شيبة عن الشعبي وفيه من الدلالة على وجوب التستر من الأجانب ([18]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فأمر الله سبحانه الرجال والنساء بالغض من البصر وحفظ الفرج، كما أمرهم جميعًا بالتوبة، وأمر النساء خصوصًا بالاستتار، وألا يبدين زينتهن إلى لبعولتهن ومن استثناه الله تعالى في الآية، فما ظهر من الزينة هو الثياب الظاهرة، فهذا لا جناح عليها في إبدائها إذا لم يكن في ذلك محذور آخر، فإن هذه لابد من إبدائها، وهذا قول ابن مسعود وغيره، وهو المشهور عن أحمد.
وقال ابن عباس: الوجه واليدين من الزينة الظاهرة، وهي الرواية الثانية عن أحمد، وهو قول طائفة من العلماء كالشافعي وغيره ([19]).
فمنع الشارع الحكيم جميع الأسباب المفضية للفاحشة وميل أحدهما للآخر، ومن تلك الطُرق بلا شك هو اختلاط الجنسين بالآخر.
وأما الأدلة من السنة فكثيرة منها
1- عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»([20]).
قال النووي: «أما صفوف النساء؛ فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال. وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال؛ فهن كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آخرها.
والمراد بشرِّ الصفوف في الرجال: أقلها ثوابًا وفضلاً، وأبعدها من مطلب الشرع، وخيرها بعكسه».
ثم قال: «وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبُعْدهن عن مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك. وذم أول صفوفهن لعكس ذلك، والله أعلم»([21]). اهـ.
وهذا الحديث فيه بيان لفساد توهم قد يتوهمه بعض الناس، وهو: أن الاختلاط إنما يُنهى عنه إذا كان بالجلوس، وطول المكث في مكان واحد مع ما يصاحب ذلك من كلام وأحاديث([22]).
فهذا وإن كان منهيًا عنه بلا شك؛ فإن مجرد الاختلاط العارض الذي يقع في الطريق؛ فإنه منهي عنه أيضًا، وهذا الحديث موافقٌ لحديث أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «ليس للنساء وسط الطريق»([23]).
ولعل ذلك ما دعا علي بن أبي طالب t أن ينكر ما رآه مخالفًا لتلك النصوص من اختلاط النساء بالرجال، فقال: «أما تغارون؟؛ فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج»([24]).
قال ابن القيم: «وليُّ الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق، والفُرج ومجامع الرجال». وقال: «وقد منع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t النساء من المشي في طريق الرجال، والاختلاط بهم في الطريق. فعلى ولي الأمر أن يقتدي به في ذلك».
إلى أن يقول: «ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة»([25]).
2- وعن ابن جريج: أخبرني عطاء إذ منع ابنُ هشام النساء الطواف مع الرجال، قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي ﷺ مع الرجال؟ قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟ قال: أي! لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن؛ كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حَجْرَةً من الرجال لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين! قالت: انطلقي عَنْكِ، وَأَبَتْ...»([26]).
3- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ لما بنى المسجد جعل بابًا للنساء، وقال: «لو تركنا هذا الباب للنساء» قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات ([27]).
وروى نافع أن عمر t كان ينهى أن يدخل من باب النساء([28]).
4- ومن معقل بن يسار قال: قال رسول الله ﷺ: «لأن يُطعن أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له»([29])، «لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط» بكسر الميم وفتح الياء وهو: ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوها «من حديد» خصه؛ لأنه أصلب من غيره وأشد بالطعن وأقوى في الإيلام «خير له من أن يمس امرأة لا تحل له» أي لا يحل له نكاحها. وإذا كان هذا في مجرد المس. والله المستعان.
قال الشيخ الألباني: وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك، وقد بلي بها كثير من المسلمين في هذا العصر([30]).
5- وعن أبي أمامة عن رسول الله ﷺ قال: «إياكم والخلوة بالنساء والذي نفسي بيده ما خلا رجل وامرأة إلا دخل الشيطان بينهما وليزحم رجل خنزيرًا متلطخًا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له»([31]).
وأما الخلوة بالمرأة الأجنبية جاءت الأدلة بتحريمها، ومنها:
1- قال ﷺ: «لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان»([32]).
قال الإمام أبو بكر الكاساني: «فإن كان في البيت امرأة أجنبية أو ذات رحم محرم لا يحل للرجل أن يخلو لها؛ لأن فيه خوف الفتنة والوقوع في الحرام»([33]).
2- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم»([34]).
3- وقال النبي ﷺ: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها مَحْرَم» فقال رجل: يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج؟ فقال: «اخرج معها»([35]).
4- وعن عقبة بن عامر t أن رسول الله ﷺ قال: «إياكم والدخول على النساء»، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحموَ؟ قال: «الحمو الموت»([36]).
5- وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت عند رسول الله ﷺ وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أُمِرْنا بالحجاب فقال النبي ﷺ: «احتجبا منه». فقلنا: يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟! فقال النبي ﷺ: «أفعمياوان أنتما؟! ألستما تبصرانه؟!»([37]) وهذا الحديث فيه الدلالة على أن النساء تحتجب عن الرجال، وحتى عمن كان أعمى.
وأما أقوال أئمة المذاهب عن الاختلاط فهي على الآتي:
* قال مالك رحمه الله ورضي عنه: «أرى للإمام أن يتقدم إلى الصُيَّاغ في قعود النساء إليهم، وأرى ألا يَترُك المرأة الشابة تجلس إلى الصُيَّاغ»([38]).
* وقد نقل أئمة المالكية؛ كابن فرحون، وقال ابن زيد البرناسي: وهذا إذا كان في العرس المباح الذي لا يختلط فيه الرجال مع النساء، ولم يكن هناك منكر بَيِّنٌ. ثم قال: [وأما] الأعراس التي يمتزج فيها الرجال والنساء فلا يختلف في المذهب أن شهادة بعضهن لبعض لا تقبل، وثم قالوا: أنه لا يختلف في المذهب في عدم قبول شهادة من يحضرون الأعراس التي يمتزج فيها الرجال بالنساء؛ لأن بحضورهم في هذه المواضع تسقط عدالتهم([39]).
* قال الحموي الحنفي معللاً حكمه على الزفاف: «وهو حرام في زماننا فضلاً عن الكراهة لأمور لا تخفى عليك؛ منها اختلاط النساء بالرجال»([40]).
* قال الإمام البيهقي في «شعب الإيمان»: «فدخل في جملة ذلك أن يحمي الرجل امرأته وبنته من مخالطة الرجال ومحادثتهم والخلوة بهم»([41]).
أسباب الاختلاط
ونذكر هنا أبرز أسباب الاختلاط:
أ- تَفلُّت الكثير من المسلمين من مفاهيم الإسلام وتبعاته، وتقصير كثير من أهل العلم في القيام بواجب الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى تُركت الواجبات والأوامر، وارتُكبَت المنهيات والنواهي، وقال ﷺ: «لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتَنْهَونَّ عن المنكر؛ أو ليسلطن الله عليكم شراركم؛ فيدعوا خياركم فلا يُستجاب لهم»([42]).
ب- بعض الأفراد الذين تربوا في المدارس الأجنبية حيث لم يتفهموا الإسلام، وفقدوا الغيرة الإسلامية، مما جعلهم يتمكنون، ويتجرَّؤُون على نشر الكثير من المحرمات، وإباحة الكثير من المفاسد، والتشجيع على تقليد الأجانب واتباعهم في جميع العادات والتقاليد، والانخلاع، والانسلاخ من عادات الإسلام وتقاليده وأخلاقه.
قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16].
جـ- سوء التربية والتوجيه والتعليم: سواء من جهة الآباء لجهلهم أو غفلتهم وتفريطهم، أو من جهة المدرسة التي لا تضم الموجهين الأكفاء؛ دينًا، وعلمًا، وسلوكًا.
د- وسائل الدعاية والنشر من كتب، ومجلات، وجرائد، وإذاعة، وتلفاز وغيرها وما تشجع عليه من الاختلاط، وتحاول إقناع الناس مكرًا وادعاء بأن هذه المفاسد مصالح، وأن هذه المضار منافع، وأن هذه المحرمات مباحات.
هـ- نظرة أكثر الناس من أمتنا النظرة السطحية إلى الغرب، وأنهم المثل الأعلى.
و- التخطيط من الأعداء: ولا يخفى على ذي لبٍّ أن العدو مهما ظهر بمسوح الديمقراطية والعدالة المزعومة، ومهما تنازل إلا أنه يعمل ويتنازل لهدف يصبو إليه {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]([43]).
رابعًا: تجارب المجتمعات المختلطة
لقد أريدَ للمرأة في هذا العصر أن تكون عنوان الجنس لا ترمز إلا إليه، ولا تعني إلا إثارته والإغراء به... أُريدَ لها أن تكون محطًا للعيون النهمة، والنفوس العفنة المتعطشة للمجون. وهذا ما جعل المجتمعات الغربية تتبارى وتتنافس في إنتاج كل الوسائل التي من شأنها دفع المرأة في سلم الإغراء، والإغواء، والإثارة إلى النهاية؟!!
ولقد أريد للمرأة – كذلك – أن تكون العنصر الأساسي في الدعايات التجارية... في لفت الناس إلى السلع الاستهلاكية وفي اجتذابهم إلى المطاعم، والفنادق، والمقاهي، وبذلك استُغِلَّت أنوثتها أبشع استغلال، وتعطلت وظيفتها الفطرية في الحياة، وغدت متاعًا أو شبع متاع.
إن تحرر المرأة المُزيف في المدينة الغربية جعلها تتحرر حقًا من واجباتها كزوجة، من واجباتها كأم، من واجباتها كمُربية أجيال، وصانعة رجال....
إن هذه المدنية الزائفة أقحمت المرأة لتعمل في كل ميدان...؛ ميدان الصناعة، والزراعة، والفن، والتجارة، وغيرها من الميادين؛ مما يتعارض في كثير من الأحيان مع تركيبها العضوي، وطاقاتها الجسدية والنفسية... كل ذلك على حساب مسئوليتها الأصلية في نطاق الزوجة والأمومة.
إن الفاجعة الكبرى في العالم الإسلامي أن تسلك نساؤه نفس الطريق الذي سلكته المرأة الأجنبية، وتتبع خطاها خطوة خطوة، اتباع انقياد واقتداء... مبهورة بالأضواء والضوضاء، مفتتنة بالزينة، والمساحيق، والعطور، مصروعة بحمى الأزياء، والملابس الفاضحة.
وليت المرأة في عالمنا الإسلامي تدرك الحقيقة. ليتها تستطلع وضع المرأة الأجنبية بدون أضواء، تستطلع وضعها النفسي. وحينذاك ستدرك أنها في شقاء، وتعاسة، وقلق لا تحسد عليه...
ليت المرأة في عالمنا الإسلامي تقرأ، وتطالع وتطَّلع على ما يكتبه عقلاء الغرب، وعلماؤه، وأطباؤه عن النكبات والمآسي التي خلفتها الحضارة الغربية، وتخلفها في حياة الناس هناك؟!!
1- تقول: «مارلين مونرو»، وهي أشهر ممثلة إغراء في رسالتها التي كتبتها عند انتحارها ما يلى: «... إني أتعس امرأة على هذه الأرض، لم أستطع أن أكون أمًا. إني امرأة، أُفَضِّل البيت، والحياة العائلية الشريفة الطاهرة، بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة؛ بل الإنسانية. لقد ظلمني الناس، وإن العمل في السينما يجعلُ المرأة سلعة رخيصة تافهة، مهما نالت من المجد والشُهرة الزائفة...».
2- وقالت الممثلة الأمريكية «بربارة سترياند» في آخر مقالة صحفية لها: «لقد بدأت أتأكد من أن أشياء كثيرة تنقصني، اهتممت أكثر مما يجب بحياتي الفنية، ونسيتُ حياتي كامرأة وكإنسانة، مما جعلني اليوم أحسد النساء اللواتي عندهن الوقت الكافي للاعتناء بأزواجهن وأطفالهن، والحقيقة أن النجاح والشهرة لا معنى لهما في غياب الحياة العائلية العادية حيث تشعر المرأة أنها امرأة»([44]).
3- وها هي «أني رود» الكاتبة الإنجليزية كتبت في جريدة «أيسترن ميل»: «ألا ليت بلادنا؛ كبلاد المسلمين، فيها الحشمة والوقار، وفيها الخادم والرقيق، ينعمان بأرغد العيش، ويعاملان كما يُعامل أولاد البيت، ولا تمس الأعراض بسوء»([45]).
4- نشرت الكاتبة الفرنسية الشهيرة «مريم هاري» خطابًا موجهًا منها إلى النساء المسلمات في كتابها «الأحاريم الأخيرة» تقول لهن: «يا أخواتي العزيزات... لا تحسدننا نحن الأوربيات، ولا تقتدين بنا؛ إنكن لا تعرفن بأي ثمن من عبوديتنا الأدبية اشتريت حريتنا المزعومة. إني لا أقول لكن كما يُقال لفتيات دمشق: إلى الحريم... إلى الحريم، ولكن أقول لكن: إلى البيت... إلى البيت، كن حلائل...، ابقين أمهات. كن نساء قبل كل شيء. قد أعطاكن الله كثيرًا من اللطف الأنثوي. فلا ترغبن في مصارعة الرجال...، ولا تجتهدن في مسابقتهم...، ولترض الزوجة بالتأخر عن زوجها وهي سيدته، ذلك خير من أن تساويه، وأن يكرهها»([46]).
5- لقد شعرت المرأة الأوربية، أن سبيل النجاة الوحيد لها من هذا العذاب الذي تعيشه أن تعود إلى البيت، معززة مكرمة تؤدي واجبها.
نشرت جريدة الأخبار المصرية ما يلي: «مللنا المساواة مع الرجال... مللنا حالة التوتر الدائم ليل نهار... مللنا الاستيقاظ عند الفجر؛ للجري وراء المترو... مللنا الحياة الزوجية؛ التي لا يرى فيها الزوج زوجته إلا عند النوم... مللنا الحياة العائلية؛ التي لا ترى الحرية والمساواة... وأهلاً بعصر الحريم.
والتوقيع 2.5مليون نسمة فرنسية بمجلة «ماري كليير الباريسية»([47]).
6- صرح البروفسور (كلين) رئيس أطباء مستشفى حكومي في ألمانيا، وذلك في مؤتمر للأطباء عقد هناك، قال: «إن نسبة كبيرة وكبيرة جدًا من النساء في مجتمعنا لسنَ سعيدان في حياتهن؛ والسبب في ذلك هو المتطلبات الجسيمة، والروحية المتصاعدة؛ وعلى هذا فإنني أعلن النفير العام لعلم الطب.
إن الواجب على (المجلس البلدي) أن ينظر إلى هذه الفاجعة التي تحل بكثير من نسائنا العاملات بعين الجدِ والاعتبار.
إن هذا الخطر يُهدد كثيرين منا؛ لأن هذا معناه انهيار عظيم، وخسارة مزدوجة لملايين من البشر»([48]).
7- الغرب يبدأ في منع الاختلاط: قامت مدرسة «شنفيلد» الثانوية في مقاطعة (إيسكس) البريطانية بتنظيم فصول تضم طلابًا من جنس واحد منذ عام 1994م، وكانت النتيجة حدوث تحسُّن متواصل في نتائج الاختبارات لدى الجنسين؛ ففي اللغة الإنجليزية ارتفع عدد الطلاب الحاصلين على تقديرات ممتاز، وجيد جدًا؛ في اختبارات الثانوية العامة بنسبة (26%)، بينما ارتفع عدد الحاصلات على هذه التقديرات بنسبة (22%).
وبسبب مثل هذه النتائج لكثير من الدراسات والأبحاث المحكمة؛ أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي (بوش الابن) تشجيعها لمشروع الفصل بين الجنسين في المدارس العامة، وصدر إعلان عن هذا المشروع في 8 مايو 2003 م في السجل الفيدرالي (الصحيفة الرسمية الأمريكية)([49])، وجاء في الصحيفة الرسمية أيضًا أن وزير التربية ينوي اقتراح تعديلات لـ (التنظيمات المطبقة) تهدف إلى توفير هامش مبادرة أوسع للمربين من أجل إقامة صفوف ومدارس غير مختلطة. وتابعت الصحيفة: «إن الهدف من هذا الإجراء هو توفير وسائل جديدة فُضْلى لمساعد التلاميذ على الانكباب على الدراسة، وتحقيق نتائج أفضل».
وقد نشرت صحيفة (واشنطن بوست)، مقالاً مطولاً تناول هذا الموضوع بتاريخ 14/5/2002م، وأوردت فيه تعليقًا لافتًا لمدير إحدى المدارس يقول فيه – بعد أن ضاق ذرعًا بمشكلات الطلاب في مدرسته -: «على الأولاد أن يتعلموا كيف يكونون أولادًا، وعلى البنات أن يتعلمن كيف يكنَّ بناتٍ، ولن يستطيعوا أن يفعلوا ذلك في الغرفة نفسها»!([50]).
خامسًا: أقوال أهل العلم في الاختلاط
1- قال الشيخ: محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله وغيره من المخصلين، في خطابهم الموجه لولاة الأمور وذكروا في نهاية كتابهم: «ويحرم توظيف المرأة في المجالات التي تخالط فيها الرجال، وتدعو إلى بروزها، والإخلال بكرامتها، والإسفار عن بعض محاسنها، مثل كونها مضيفة في الطائرة، وعاملة في الخدمة الاجتماعية، ومذيعة في الإذاعة، أو مغنية، أو عاملة في المصنع مع الرجال، أو كاتبة في مكاتب الرجال، ونحو ذلك؛ أما عملها فيما يختص بالنساء، كالتعليم والتمريض، ونحو ذلك فلا مانع منه»([51]).
2- خطاب من عبد الرحمن بن حسن إلى الإمام المكرم فيصل بن تركي وجاء من ضمنه: «ومما يجب على ولي الأمر: تفقد الناس، عن الوقوع فيما نهى الله عنه ورسوله، من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، بإزالة أسبابها، وكذلك بخس الكيل والميزان، والربا، فيجعل في ذلك من يقوم به، ممن له غيرة لدين الله، وأمانة.
وكذلك مخالطة الرجال للنساء، وكف النساء عن الخروج، إذا كانت المرأة تجد من يقضي حاجتها، من زوج أو قريب أو غير ذلك.
وكذلك تفقد أطراف البلاد، في صلاتهم وغير ذلك، مثل أهل النخيل النائية؛ لأنه ربما يقع فيها من فساد ما يُدْرَى عنه، وأكثر الناس ما يُبالي ولو فعل ما نُهي عنه، وفي الحديث: «ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء».
وفي الحديث أيضًا: «ما ظهرت الفاحشة في قوم، إلا ابتلوا بالطواعين، والأمراض التي لم تكن في أسلافهم»، نعوذ بالله من عقوبات المعاصي، ونسأله العفو والعافية في الدنيا والآخرة»([52]).
3- من عبد الله بن فيصل: إلى من يراه من إخواننا المسلمين، أصلح الله لنا ولهم الحال والدين؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجاء من ضمنه نصائح قيمة ومنها: «ومن الواجبات الدينية: نهي النساء عن مخالطة الرجال الأجانب، ومعاشرتهم في الأسواق، والعيون وغير ذلك من المجامع التي يجتمعون فيها، فإن هذا وسيلة إلى وقوع الفاحشة، وظهورها»([53]).
4- من حمد بن عتيق: إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجاء فيه: «ومن المنكرات: اختلاط النساء بالرجال في الأسواق، وخروج النساء بالزينة، أو الطيب.
ومن المنكرات: ظهور أصوات النساء، وأعظم منه اجتماع المتهمين مع النساء في العروس، على الدفوف ومن رضي بذلك لنسائه، أو في بيته؛ فهذا نوع دياثة منه، فما أقرب شبهه بالديوث»([54]).
5- من محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ: إلى كافة من يراه من المسلمين سلمهم الله وتولاهم، ووفقهم لما يرضى، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
وجاء من النصيحة: «ومن المنكرات أيضًا: اختلاط النساء بالرجال، في الحارات، والأسواق، فهذا من المنكرات، والتساهل فيه، وعدم الإنكار له، دليلٌ على عدم الغيرة؛ فإن الذي لا يغار لحرمه، ولا يأنف من دخول النساء على الرجال، والرجال على النساء «ديوث»؛ والديوث لا يدخل الجنة، بنص رسول الله ﷺ.
فالواجب عليكم؛ معشر المسلمين: الغيرة على نسائكم، ومنعهن من الدخول على الرجال الأجانب، ومباشرتهم للأضياف، فإن غالب من لا غيرة له، يرى أن من إكرام الضيف: أن نساءه تخدمه، وهذا من الفضائح - عياذًا بك اللهم من المخازي – التي تنكرها الفطر السليمة، والعقول المستقيمة، فالذي لا غيرة له، لا دين له.
فيجب عليكم منعهن من ذلك، وإلزامهن بتغطية وجوههن، وعدم كشفها؛ لأن المرأة عورة، لا يجوز لها كشف شيء من جسدها، إلا الوجه في الصلاة، فيجب عليكم تعليم نسائكم الصلاة، وتفقد أحوالهن، قال ﷺ: «ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته ومسئول عن رعيته، ألا فكلكم راع ومسئول عن رعيته»([55]).
6- من سعد بن حميد بن عتيق: إلى الإمام المكرم عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل سلمه الله تعالى وهداه، وجعله ممن اتبع هداه؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته... إلى أن قال: «ومن أعظم المنكرات: اختلاط الرجال بالنساء، في البيوت، والمجالس، والأسواق، وخروج النساء بالزينة في الأسواق، والمعاملات الربوية، والكذب في البيوع، والتطفيف في المكيال والميزان، والظلم لعباد الله، والعدوان عليهم في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم»([56]).
7- الحمد لله رب العلامين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وسيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود: إلى من يراه من إخواننا الحجازيين، والنجديين، واليمانيين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد... وجاء منها: «وأقبح من ذلك في الأخلاق: ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء، بدعوى تهذيبهن، وترقيتهن، وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها، حتى نبذوا وظائفهن الأساسية، من تدبير المنزل، وتربية الطفل، وتوجيه الناشئة – التي هي فلذة أكبادهن، وأمل المستقبل – إلى ما فيه حب الدين والوطن، ومكارم الأخلاق.
ونسوا واجباتهن الخلقية، من حب العائلة التي عليها قوام الأمم، وإبدال ذلك بالتبرج والخلاعة، ودخولهن في بؤرات الفساد والرذائل، وادعاء أن ذلك من عمل التقدم والتمدن، فلا والله ليس هذا التمدن في شرعنا، وعرفنا، وعادتنا. ولا يرضى أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان أو إسلام، أو مروءة، أن يرى زوجته، أو أحدًا من عائلته، أو المنتسبين للخير، في هذا الموقف المخزي، هذه طريق شائكة، تدفع بالأمة إلى هوة الدمار. ولا يقبل السير عليها، إلا رجل خارج من دينه، خارج من عقله، خارج من عربيته؛ فالعائلة هي الركن الركين في بناء الأمم، وهي الحصن الحصين، الذي يجب على كل ذي شمم، أن يدافع عنها.
إننا لا نريد من كلامنا هذا التعسف، والتجبر، في أمر النساء، فالدين الإسلامي قد شرع لهن حقوقًا يتمتعن بها، لا توجد حتى الآن في قوانين أرقى الأمم المتمدنة.
وإذا اتبعنا تعاليمه كما يجب، فلا تجد في تقاليدنا الإسلامية، وشرعنا السامي ما يؤخذ علينا، ولا يمنع من تقدمنا في مضمار الحياة والرقي، إذا وجهنا المرأة في وظائفها الأساسية، وهذا ما يعترف به كثير من الأوربيين، من أرباب الحصافة والإنصاف»([57]).
خاتمـة
قال العلامة بكر أبو زيد رحمه الله: يجب على كل مؤمن ومؤمنة بهذا الدين: الحذر الشديد من دعوات أعدائه... الرامية إلى التغريب، وإخراج نساء المؤمنين من حجابهن – تاج العفة والحصانة – إلى السفور والتكشف والحسور ورميهن في أحضان الرجال الأجانب عنهن، وأن لا يغتروا ببعض الأقوال الشاذة التي تخترق النصوص، وتهدم الأصول وتنابذ المقاصد الشرعية ([58]).
نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يردنا إليه ردًا جميلاً، وأن يغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنَّا، إنه على كل شيء قدير.
اعتنى به
سليمان بن صالح الجربوع
27رجب 1429هـ
0504203620
ص.ب 246763 الرياض 11312
([1]) المحيط في اللغة (1/352).
([2]) انظر: «لسان العرب» مادة (خلط) (7/291).
([3]) في مقال بعنوان خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان العمل، انظر: «فتاوى ومقالات متنوعة» (1/420).
([4]) تفسير الطبري (22/39).
([5]) تفسير الواحدي (2/872).
([6]) تفسير السمرقندي (3/66).
([7]) التفسير الكبير (25/194).
([8]) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (6/242).
([9]) في ظلال القرآن لسيد قطب (5/2878).
([10]) انظر: سنن الترمذي (5/101)، ومسند الإمام أحمد (3/357) قال الأرنؤوط: حسن لغيره، ورواه الحاكم في المستدرك، قال الحاكم بعد إخراجه: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي في «تلخيصه» انظر (2/212).
([11]) أخرجه: البخاري (8/67) برقم (6243)، ومسلم (8/52) (2657) (21).
([12]) مجموع فتاوى الإمام محمد آل الشيخ (10/35-55).
([13]) انظر: «تفسير ابن كثير» للآية (3/483).
([14]) تفسير القرطبي (14/178).
([15]) حراسة الفضيلة (ص89-90).
([16]) انظر: تفسير الخازن (4/499).
([17]) انظر تفسير القرطبي (12/227).
([18]) انظر: تفسير الألوسي (13/408).
([19]) مجموع الفتاوى (4/22).
([20]) أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، رقم 664.
([21]) المنهاج شرح النووي على صحيح مسلم (4/210).
([22]) محمد بن شاكر الشريف. مجلة البيان عدد رقم (248).
([23]) أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (12/415)، وقال الألباني: حسن لشواهده «السلسلة الصحيحة» (2/511 رقم: 856).
([24]) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في «المسند» رقم: (1062)، وقال الشيخ أحمد بن محمد شاكر: إسناداه صحيحان. والعلوج: جمع علج، وهو الرجل الكافر من العجم.
([25]) انظر: «الطرق الحكمية» (ص237-239).
([26]) أخرجه البخاري في «كتاب الحج» رقم: 1513، وعبد الرزاق في «المصنف» (5/66)، وفيه (حجزة) بدلاً من (حجرة).
([27]) «سنن أبي داود» (1/126) و «الأوسط» للطبراني (1/304).
([28]) «سنن أبي داود» (1/126) وسنده صحيح.
([29]) أخرجه الرُّوياني في مسنده (2/323) والطبراني في الكبير (20/212)، قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه الطبراني والبيهقي، ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح (3/66)، وقال الهيثمي: «رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح» (57)، قال الشيخ الألباني: «صحيح» انظر السلسلة الصحيحة (1/447/ح226) ثم قال الألباني: وقد روي مرسلاً من حديث عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي. قال: قال رسول الله ﷺ: «لأن يقرع الرجل قرعًا يخلص إلى عظم رأسه خير له من أن تضع امرأة يدها على رأسه لا تحل له، ولأن يبرص الرجل برصًا حتى يخلص البرص إلى عظم ساعده خير له من أن تضع امرأة يدها على ساعده لا تحل له». أخرجه أبو نعيم في «الطب» (2/33-34) عن هشيم عن داود بن عمرو أنبأ عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي. قلت «أي الألباني»: وهذا مع إرساله أو إعضاله، فإن هشيمًا كان مدلسًا وقد عنعنه. انظر: فتوى اللجنة الدائمة 18999.
([30]) انظر: السلسلة الصحيحة (1/225).
([31]) أخرجه الطبراني (8/205) قال المنذري (3/26): غريب. وقال الهيثمي (4/326): فيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف جدًا وفيه توثيق. وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (13/142).
([32]) أخرجه الترمذي (3/474)، والنسائي (5/387)، وأحمد (1/26) قال الألباني: صحيح.
([33]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (10/500).
([34]) صحيح البخاري (5/2005)، مسلم (4/104)، البيهقي بالكبري (5/226).
([35]) صحيح البخاري (2/658).
([36]) صحيح البخاري (5/2005)، مسلم (7/7)، الترمذي (3/474)، مسند أحمد (4/149)، البيهقي بالكبرى (7/90) صححه الإمام الألباني.
([37]) رواه الترمذي (5/103) وقال بعد إخراجه: (حديث حسن صحيح)، وقال ابن حجر: (إسناده قوي). [الفتح 9/337]، وأبو داود (4/109)، والنسائي بالكبري (5/393)، وأحمد (6/296)، وابن حبان (12/389)، قال شعيب الأرنؤوط: ضعيف.
([38]) انظر: «المدخل» لابن الحاج فإن فيه مزيد تفصيل (4/199).
([39]) انظر: «أنوار البروق في أنواع الفروق» للقرافي (7/429)، و «منهج الأحكام» لابن فرحون (1/361).
([40]) انظر: «غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر» (2/114).
([41]) «شعب الإيمان» (7/411-412).
([42]) الطبراني في الأوسط (2/99)، أحمد (1/7)، والبزار (135).
([43]) بتصرف من كتاب الاختلاط لعيد الباقي رمضون.
([44]) راجع كتاب «خطر التبرج والاختلاط» لعبد الباقي رمضون (ص165، 166).
([45]) راجع كتاب «أهداف الأسرة في الإسلام والتيارات المضادة» للأستاذ حسين محمد يوسف (ص32).
([46]) انظر كتاب: «الأحاريم الأخيرة» (ص242).
([47]) جريدة الأخبار في 25/12/1976م.
([48]) راجع كتاب «الإسلام والجنس» لفتحي يكن (ص68-70).
([49]) انظر: صحيفة الوطن، مايو 2004م.
([50]) انظر مجلة البيان عدد رقم (240).
([51]) انظر: «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» الجزء 16/70.
([52]) انظر: «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» الجزء 14/73.
([53]) انظر: «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» الجزء 14/174.
([54]) انظر: «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» الجزء 14/236.
([55]) انظر: «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» الجزء 14/307.
([56]) انظر: «الدرر السنية في الأجوبة النجدية» الجزء 14/531.
([57]) الدرر السنية في الأجوبة النجدية (14/403-406).
([58]) حراسة الفضيلة.