×
كتاب مختصر في أبواب الفقه عامة وفصول مهمة في الآداب والحقوق، صاغه المؤلف رحمه الله بعبارةٍ موجزة سهلة يشترك في فهمها الجميع، مُقتصرًا على القول الراجح دون تعرُّض للخلاف، ويتميَّز أيضًا بأنه يُعدُّ من أواخر ما صنّف؛ حيث فرغ منه قبل وفاته بعامين تقريبًا. اعتنى به: الشيخ خالد بن عثمان السبت أثابه الله.

 نورُ البصَائرِ والأَلبابِ في  أحْكَامِ العباداتِ والمُعاملاتِ والحُقوقِ والآدابِ

تأليف

الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي

رحمه الله

(1307هـ  1376هـ)

اعتنى به

خالد بن عثمان السبت


بسم الله الرحمن الرحيم

 مقِّدمة التحقيق

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وبعد:

فهذا كتاب صغير في حجمه، كبير في معناه؛ حيث حوَى من أبواب الفقه عامتها، ومن فصوله ومسائله أشهرها، ومن الحقوق والآداب مهمَّاتها.

وقد صاغ المؤلف ـ رحمه الله ـ ذلك كله بعبارة موجزة سهلة يشترك في فهمها الجميع، مقتصراً على القول الراجح دون تعرُّض للخلاف، فجاء هذا الكتاب جامعاً بين تحرير المعنى ووضوح العبارة، مما يرشحه ليكون تبصرة لكل مسلم، سواء كان من المبتدئين في الطلب، أو غيرهم من الراغبين في معرفة مهمَّات الفقه من غير المشتغلين بالعلوم الشرعية.

وإن كتاباً هذه صفته حري بالعناية من كل وجه: طباعة، وترجمة، ودراسة، وفهماً، وتدريساً: في المساجد، والدور، والمدارس، والمعاهد، وغيرها.

وليس ذلك بِدْعاً من مؤلفات الشيخ ـ رحمه الله ـ بل هو سمة بارزة تميَّزت بها مؤلفاته عن غيرها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

ويُعدُّ هذا الكتاب من أواخر مؤلَّفات الشيخ ـ رحمه الله ـ حيث كتبه قبل وفاته بعامين تقريباً، وكان فراغه منه في السابع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وثلاثمائة بعد الألف.

وقد اعتمدت في إخراج الكتاب على نسخة بخط الشيخ ـ رحمه الله ـ وعليها بعض التصويبات بخط المؤلف. وتقع في أربع وثلاثين صفحة ([1]).

وأما المنهج المتَّبع في إخراج الكتاب فعلى النحو الآتي:

أولاً: نص الكتاب: فقد عملت على إخراجه كما وضعه مؤلفه دون تصرُّف، ونسخته على حسب المشهور من قواعد الإملاء الحديثة.

ثانياً: عزو الآيات القرآنية: وقد جعلت ذلك عقب الآية مباشرة، رغبة في تقليل الهوامش.

ثالثاً: تخريج الأحاديث النبوية: وقد اقتصرت في التخريج على ما صرَّح المؤلف بإضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال... فحسب، دون ما اقتبسه المؤلف من بعض الأحاديث.

وإذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فإني أكتفي بتخريجه منهما أو أحدهما.

رابعاً: عناوين الكتب والأبواب والفصول والمسائل: فقد وضع المؤلف ـ رحمه الله ـ عناوين الكتب والأبواب، كما وضع عناوين بعض الفصول، وترك بعضها الآخر دون عنوان؛ حيث اكتفى بكتابة «فصل». فقمت بوضع عناوين للفصول التي لم يضع لها المؤلف عنواناً يترجم عن مضمونها، كما وضعت عناوين للمسائل التي تعرَّض لها المؤلف؛ ليكون ذلك أيسر على القارئ، وجعلت ذلك في البياض الذي في جانب الصفحة.

خامساً: شرح المصطلحات والألفاظ المفتقِرة للتوضيح: حيث بيَّنت المراد ببعض المصطلحات والألفاظ التي قد تشكل على القارئ العادي.

سادساً: الفهارس: وقد اقتصرت على فهرس واحد، هو فهرس الموضوعات، حرصاً على صغر حجم الكتاب.

وقد وجدت لدى أبناء الشيخ ـ حفظهم الله ـ كلمة كتبها فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسَّام ـ حفظه الله ـ (وهو من تلامذة المؤلف) يصف فيها مؤلفات الشيخ ـ رحمه الله ـ عموماً، وهذا الكتاب على وجه الخصوص، فأثبتُّ كلمته ـ حفظه الله ـ في صدر الكتاب.

واللَّهَ أسأل أن ينفع به كاتبه وكل من قرأه، وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

                  وكتب: خالد بن عثمان السبت

الدمَّام ص.ب 6177


 مقِّدمة

الحمد لله المفقِّه من شاء من خلقِه في الدين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه أعلام الهدى وقادة المهتدين.

أما بعد: فبين كل آونة وأخرى نعثر على أثر جديد لعالم عصره وعلاَّمة مِصره الشيخ عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي ـ رحمه الله تعالى ـ. وهذه الآثار المفيدة والأعلاق النفيسة نجد فيها من الفوائد ونجني منها من العوائد غير ما جنيناه من ثمار سبقت له تشابهها في اللون والزهو وتخالفها في الطعم و المذاق.

وأصل هذا المزاج اللذيذ راجع إلى أن الشيخ عبد الرحمن ـ رحمه الله تعالى ـ واسع المعارف، غزير الأفكار، قد هضم ما علم حتى سيطت بحواسه، فصارت تجري على لسانه، وتسيل من قلمه ألفاظاً عذبة، وجُملاً منتقاة، تحيا بها القلوب، وتتغذى بها الأفكار، بأسلوب واضح، وعرض جميل، ومعان منقادة إلى الذهن بلا عناء، فلا تتعثر بعبارة معقدة، ولا لفظة وعرة، ولا معنى غامض.

هكذا أخرج المؤلف كتبه، وهكذا عرض أفكاره، فأوصل العلم إلى كل قارئ، ومنح أفكاره كل مستفيد.

والآن بأيدينا هذا المختصر الذي سمَّاه (نور البصائر والألباب في أحكام العبادات والمعاملات والحقوق والآداب) جمع فيه أحكام العبادات، وعقود المعاملات، وأبواب التبرُّعات في الحياة وبعد الممات،  


ثم أتبع ذلك بالعلاقات الزوجية من عقوده وفُرقه وآدابه ونفقاته، ثم صان الأصول الخمسة بالعقوبات الرادعة، فالنفس بالنفس، والعرض بالجلد، والمال بالقطع، والدين بالإعدام، حتى تمَّ للإنسان المعصوم أمانه على دينه، وعرضه، ودمه، وماله.

ثم إن المؤلف ـ رحمه الله تعالى ـ ختم كتابه بجمل صالحة من الآداب الكريمة، والشيم الرفيعة، مما يجمل بالمسلم أن يسير عليها مع والديه، وأقاربه، وجيرانه، وأصحابه، ومما ينبغي أن يحلِّي بها نفسه، ويُحسن بها سلوكه، من تلك الأخلاق العالية، والآداب السامية.

فجاء هذا المختصر اللطيف جامعاً الأحكام والسلوك، حاوياً الشريعة وآدابها، يخرج منه قارئه بدراية للعلوم الظاهرة، وتحلٍّ بالأخلاق الكريمة الباطنة، فيسير إلى ربه على هدى من الله في أعماله الظاهرة وسلوكه.

هكذا كان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي المعلِّم، والمزكِّي، والمدرِّس، والمربِّي؛ ولذا أنصح الشباب بقراءة هذا المختصر المفيد؛ ليسيروا ولديهم إلمام بالأحكام الشرعية، ومبادئ طيبة من الأخلاق الكريمة.

والله الموفق، وصلَّى الله وسلَّم على نبينامحمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه: عبد الله بن عبد الرحمن البسَّام

عضو هيئة كبار العلماء

(رئيس محكمة التمييز بالمنطقة الغربية سابقاً)

16/3/1420


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وأُصلِّي وأُسلِّم على محمد وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فهذا كتابٌ مختصرٌ في ([2]) الأحكام والفقه في الآدابِ، واضح الألفاظ والمعاني، خاص في المسائل التي يَحْتَاجُ إليها كلُ أحد، مقتصراً فيه على القول الصحيح، منبِّهاً على مَأْخَذِهِ من الكتاب والسنّة، راجياً من الله تسهيله ونفعه وبركته.

 كتاب الطهارة

 باب ما يُتَطهَّر به

أنعم الله على عباده بطهارة الماء، وهو الأصل، وطهارة التراب، وهي الفرع والبدل.

أقسام المياه:

 فَأَمَّا الماء فكل ماء غير متغيِّر بالنجاسة فإنه يُتطهر به من النجاسات، ومن الحدث الأكبر، والحدث الأصغر، سواء نزل من السماء، أو نبع من الأرض، أو تغيَّر بشيء طاهر، أو بقي على خِلْقَتِه. فمتى وُجد الماء المذكور وجب ([3]) استعماله في الطهارة كلها.

فإن كان الماء متغيِّراً لونه، أو طعمه، أو ريحه بالنجاسة فهو نجس لا يحل استعماله، ولا يطهر إلا إذا زال تَغَيُّره بنَزْحٍ أو غيره.

التيمم

فإن عُدم الماء، أو تضرَّر الإنسانُ باستعماله لمرض، أو حاجة إلى الماء، عَدَلَ إلى التيمم، فينوي الطهارة ويقول: «بسم الله»، ويضرب الأرض مرة واحدة، يمسح بها جميع وجهه وكفَّيه، ويكفيه، وينوبُ مَنَابَ طهارة الماء في كل شيء.

 فصل في نواقض الوضوء

فما دام المتطهِّر على طهارته السابقة بالماء، أو بالتراب عند التعذُّر، لم يزل يستبيح جميع العبادات من صلاة وغيرها، حتى يُوجد ناقضٌ ينقضُ الطهارة، وذلك: كالخارج من السبيلين، وكذلك: الدم والقيْح الخارج من غير السبيلين إذا كثر، وكذلك: النوم الكثير المستغرِق للإحساس، إلا من قائم وقاعد، ومسّ الفرج بلا حائل، ومس الرجل للمرأة بلذة، وأكل لحوم الإبل، وتغسيل الميت، وموجبات الغُسل.

 باب صفة الطهارة

الاستنجاء والاستجمار

إذا قضى الإنسانُ حاجته استجمرَ بثلاثة أحجار ونحوها، وتجزيه إذا اقتصر عليها، ولكن الأفضل أن يستنجي بعدها بالماء. فإذا غسل ما عليه من النجاسة نوى بقلبه رفع الحدث، أو نوى الطهارة للصلاة ونحوها، ثم قال:

صفة الوضوء

 «بسم الله»، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثاً ثلاثاً، ثم يغسل وجهه ثلاثاً، ثم يديه مع المرفقين ثلاثاً، ثم يمسح رأسه يبدأ بمقدَّم رأسه إلى قفاه ثم يرد يديه إلى المكان الذي بدأ منه، ثم يمسح أذنيه، ثم يغسل رجليه ثلاثاً. فإن اقتصر على غَسْلَة واحدة أو غَسْلَتين في أعضائه جاز ذلك.

وغَسْلُ هذه الأعضاء الأربعة فرضٌ فرضه الله في كتابه، وكذلك الترتيب بينها والموالاة، وأما النية فإنها شرط في جميع العبادات من طهارة وصلاة وغيرهما.


فصل

 المسح على الخفين

فإن كان عليه خِفَافٌ من جلود أو غيرها، وقد لبسها وهو طاهر، فله أن يمسحها بدل غَسْل الرجلين، للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وذلك خاص بالحدث الأصغر.

المسح على الجبيرة ونحوها

وإن كان على بعض أعضاء طهارته جبيرة، أو خِرْقَةٌ، أو دواءٌ، مضطراً إلى وضعها، فله المسح على ذلك في الحدث الأكبر والأصغر حتى يبرأ، ليس لذلك توقيت.

فصل

 الغُسل

 فإن كان عليه حدثٌ أكبر كجنابة ونحوها وأراد التطهر غسل فرجه وما لَوَّثه من الأذى، ثم نوى رفع الحدث الأكبر، وقال: «بسم الله»، وتوضأ وضوءاً كاملاً، ثم أفاض الماء على رأسه ثلاثاً، وغسل سائر جسده، وغسل رجليه في مكان آخر، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، وهو الأفضل الأكمل.

والفرض المُجْزي من ذلك: أن يغسل جميع بدنه، ولا يترك منه شيئاً، حتى الذي تحت الشعور الكثيفة والمواضع الخفيَّة.

 باب الأشياء التي يُتَطَهَّرُ لها

تجب طهارة الحدث الأكبر والأصغر للصلاة والطواف ـ فَرْض ذلك ونفله ـ ومسّ المصحف. فإن كان عليه حدث أكبر لم يحل له أن يقرأ شيئاً من القرآن، ولا يلبث في المسجد إلا بوضوء.

فصل

 الحيض والنفاس

والحائض والنُفَساء حكمهما حكم الجُنُب فيما مُنع منه، وكذلك لا يحل لزوجها وطؤها، وتحل المباشرة دون الفرج. ولا يحل لهما أن يصوما، ويقضيان الصوم لا

الصلاة.

وليس للحيض مدة ولا سن، بل متى وجدت المرأةُ الدمَ المعتاد جلست عن العبادات ونحوها. ومتى انقطع انقطاعاً بيّناً اغتسلت، إلا أن تكون مستحاضة قد أطبق عليها الدم، أو كانت لا تطهر إلا وقتاً لا يُذكر، فإنها تعمل بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، تجلس عادة أيامها إن كان لها عادة، فإن لم يكن ([4]) جلست الدم الأسود دون الأحمر، أو الغليظ دون الرقيق، أو المنتن دون غيره، فإن لم يكن لها تمييز جلست ستة أيام أو سبعة أيام، ثم اغتسلت، وغسلت الدم، واجتهدت في إيقاف الدم إن قدرت ولا عليها ضرر، وصلّت وتعبَّدت مع وجود هذا الدم؛ لأنه ليس بحيض، والله أعلم.

* **


 كتاب الصلاة

فَرَضَ اللَّهُ ورسولُه على الأمة خمسَ صلوات في اليوم والليلة، على كل مسلم مكلَّف، إلا الحائض والنفساء.

ومن جحد وجوب الصلاة، أو تركها تهاوناً وكسلاً، حُكم بكُفره، وجرى عليه ما جرى على المرتدِّين.

وللصلاة شروط تتقدَّمها، وهي: الطهارة من النجاسات في البدن والثوب والبقعة، والطهارة من الحدث، ودخول الوقت، واستقبال القبلة، إلا عند الضرورة، أو النافلة في السفر، فإنه يصلي على ظهر مركوبه إلى الجهة التي يقصدها.

ومن شروط الصلاة: ستر العورة: الرجل من السُّرَّة إلى الركبة، والمرأة الحرة البالغة تستر جميع بدنها إلا وجهها. ومن شروطها: النية، فينوي الصلاة إن كانت فرضاً، أو نفلاً معيناً كالراتبة، فإن كان النفل مطلقاً غير معيَّن كفاه نية الصلاة.

 باب صفة الصلاة المشتمِلة على الأركان والواجبات والسنن

ينبغي للمصلي أن يجتهد فيصلي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وكما أرشد أمته إلى ذلك، وذلك أنه إذا قام إلى الصلاة كبّر تكبيرة الإحرام، ورفع يديه إلى حذو منكبيه، ويضع يده اليمنى على اليسرى، ويجعلهما فوق سُرَّته، أو تحتها، أو على صدره، وينظر موضع سجوده، ثم يستفتح ويتعوَّذ سراً، ويقول: «بسم الله الرحمن الرحيم» سرّاً، ثم يقرأ الفاتحة، ويقرأ بعدها سورة أو بعض سورة، يطيل في صلاة الفجر، ويخفِّف في المغرب، ويتوسَّط في بقيَّتها.

ثم يرفع يديه حذوَ منكبيه، ويكبّر للركوع، فيضع يديه مفرَّجتي الأصابع على ركبتيه، ويجعل رأسه حيال ظهره، ثم يقول: «سبحان ربي العظيم» يكررها، وإن قالها مرة واحدة أجزأت، ثم يرفع رأسه من الركوع ويقول: «سَمِعَ الله لمن حَمِدَه، ربنا ولك الحمد»، إن كان إماماً أو منفرداً، وإن كان مأموماً قال: «ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه»، ويقول الجميع: «ربنا ولك الحمد» ملءَ السموات والأرض، وما بينهما، وملءَ ما شئت من شيء بعد، ويرفع يديه إلى حذو منكبيه عند الرفع من الركوع، وهكذا في كل ركعة يرفعهما عند الركوع، وعند الرفع منه، ثم يهوي ساجداً على سبعة أعضائه ([5]): وجهه مع أنفه، وكفيه، وركبتيه، وأطراف قدميه، ويقول: «سبحان ربي الأعلى» يكررها.

ثم يجلس بين السجدتين مفترشاً رجله اليسرى، ناصباً رجله اليمنى، وجميع جلسات الصلاة يفترش هذا الافتراش، إلا في التشهد الأخير في الصلاة التي فيها تشهُّدان، فإنه يتورَّك: بأن يجلس على الأرض، ويُخرج رجله اليسرى من تحت رجله اليمنى، واليمنى على حالها منصوبة، ويقول بين السجدتين: «ربِّ اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، واجبرني»، ثم يسجد الثانية كالأولى ثم يقوم للركعة الثانية فيصليها كالأولى، إلا أنه لا يكبّر فيها للإحرام، ولا يستفتح، ولا يستعيذ.

فإذا جلس للتشهد قال: «التحيات لله» ـ إلى قوله ـ: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله»، ثم يقوم ـ إن كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية ـ ويقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب وحدها، ثم يجلس للتشهد الأخير، ويصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم،

ويتعوَّذ من عذاب جهنم،وعذاب القبر،ومن فتنة المحيا والممات،ومن فتنة المسيح الدجال، ويدعو في آخر صلاته بما أحبَّ من خير الدنيا والآخرة.


فهذه الصفة الكاملة للصلاة.

 أركان الصلاة

والأركان منها: الركوع، والسجود، والرفع منهما، والقيام، والقعود، والطمأنينة فيها كلها، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والتشهد الأخير، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه، والتسليمتان.

 واجبات الصلاة:

 والواجبات التي تسقط سهواً وجهلاً ويجبرها سجود السهو: التكبيرات كلها غير التحريمة ([6])، و«سمع الله لمن حمده» للإمام والمنفرد، و«ربنا ولك الحمد» للكل، و«سبحان ربي العظيم» في الركوع، و«سبحان ربي الأعلى» في السجود، و«رب اغفر لي» بين السجدتين، والتشهد الأول، والجلوس له.

وما سوى ذلك فإنه سنن أقوال وأفعال لا تبطل الصلاة بتركه ولو عمداً، ولكنها تكون ناقصة بحسب ما ترك من مسنوناتها، والله أعلم.

فصل

 مبطلات الصلاة:

 تبطل الصلاة بترك شيء من شروطها، وأركانها؛ عمداً، أو سهواً، أو جهلاً، إلا في حقِّ العاجز. وتبطل بترك الواجبات عمداً، وتبطل بالقهقهة والكلام إذا تعمَّده الإنسان وكان عالماً، وبالحركة الكثيرة عُرفاً إذا توالت وكانت لغير ضرورة، فإن قلَّت لحاجة فلا بأس بها، وإن كانت لغير حاجة كُرهت، وتبطل بالأكل والشرب فيها إلا اليسير مع السهو أو الجهل.


فصل

 المكروهات في الصلاة

ويكره في الصلاة الالتفات في العنق، ووضع يده على خاصرته، وإقعاؤه في الجلوس ([7])، وافتراش ذراعيه، وأن يكون بين يديه أو عنده ما يشغله ويلهيه، واستقبال صورة.

فصل

 مكملات الصلاة ومستحباتها:

 روح الصلاة وكمالها بحضور القلب، وأن يجتهد في تدبُّر ما يقوله من قراءة وذكر وتسبيح ودعاء، وتدبر ما يفعله من خضوعه لله في ركوعه وسجوده، ويستحضر أنه واقف بين يدي الله يناجيه ويتعبَّد له، ويحقق مقام الإحسان: أن يعبد الله كأنه يراه، فإن لم يقوَ على ذلك استحضر أن الله يراه.

ويجاهد قلبه عن ذهابه في الأفكار والوساوس التي لا تفيده إلا نقصان صلاته، والله أعلم.

فصل

 السهو في الصلاة

إذا ترك ركناً من أركان صلاته ـ ولم يطل الفصل ـ أتى به وبما بعده من الركعة، وسجد للسهو قبل السلام؛ وكذلك لو زاد في صلاته ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً، ناسياً أو جاهلاً، فعليه السجود للسهو؛ وكذلك لو شك في صلاته فيبني على اليقين ـ وهو الأقل ـ ثم يسجد للسهو.

 باب صلاة الجماعة

قد أوجب الشارع على الرجال الصلوات الخمس في المساجد في جماعة،

وأمر بتقديم الأحق بالإمامة: الجامع بين العلم والقراءة والدين، ثم الأمثل فالأمثل، وأمر بتسوية الصفوف بالمناكب والأكعب.

والصلاة في الجماعة ـ مع وجوبها ـ تزيد على صلاة الفذِّ بسبع وعشرين ضعفاً. وكلما كانت الجماعة أكثر فهو أحب إلى الله، وكلما بعد عن المسجد كان أعظم لثوابه؛ لكثرة الخُطا في الذهاب والإياب، ولما يتبع العبادة من عبادات أُخر، والله أعلم.

فصل

 صلاة التطوع

النوافل التي حثَّ الشارع عليها: الرواتب.

أربع قبل الظهر، وركعتان بعد الظهر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء الآخرة، وركعتان قبل الفجر.

وصلاة الوتر: من صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر، إن شاء أوتر بركعة، أو بثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة ركعة، فإن كان له عادة يقوم من آخر الليل أخَّر وتره إلى ذلك الوقت، وإلا أوتر قبل أن ينام.

ومن النوافل المؤكدة: صلاة الكسوف، وصلاة الاستسقاء، عند وجود أسبابهما المعروفة.

 باب صلاة أهل الأعذار

وهم: المريض، والمسافر، والخائف. فيصلي المريض المكتوبة قائماً، فإن لم يستطع صلَّى قاعداً، فإن لم يستطع صلّى على جنبه، فإن لم يستطع صلّى مستلقياً، ويُومي عند ذلك بالركوع والسجود، ويجعل السجود أخفض من الركوع؛ فإن لم يستطع صلّى بطرفه، فإن لم يستطع فبقلبه. ومَثَل ذلك ـ عند الحاجة ـ: وقت العلاج للعين، أو لشق البطن، ونحو ذلك.


 الجمع والقصر

ومن سافر فله أن يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، في وقت إحدى الصلاتين، ويتبع الأرفق له.

ويسن له قصر الصلاة الرباعية، فيصليها ركعتين، وهو أفضل من الإتمام.

 صلاة الخوف

والمريض إذا احتاج إلى الجمع بين الصلاتين فله ذلك.

وصلاة الخوف صحَّت عن النبي صلى الله عليه وسلم بصفات كلها جائزة.

 باب صلاة الجمعة

 شروط صحة الجمعة

وهي أعظم صلاة، وأفضلها، وأوجبها.

ومن شروطها: أن تكون في بلد يستوطنه أهله استيطان إقامة، وأن يتقدَّمها خطبتان يشتملان على الثناء على الله ورسوله، والوعظ والتذكير بقراءة آيات من كتاب الله.

ومن شروطها: الوقت، وهو من ارتفاع الشمس قِيد رمح إلى آخر وقت الظهر، فإن فات الوقت أو أدرك المسبوق منها أقل من ركعة قضى بدلها ظهر ([8]) أربع ركعات.

صفة صلاة الجمعة

وصلاة الجمعة ركعتان، يقرأ في الأولى منها جهراً الفاتحة وسورة الجمعة، وفي الثانية الفاتحة والمنافقين، أو بدل السورتين سبِّح والغاشية.

ما يُستحب لصلاة الجمعة وفي يومها

وينبغي الاغتسال لها، وتبكير المأموم، والتنظف، والتطيب لها، والإكثار من الذكر والدعاء فيها، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة سورة الكهف في يومها.

 باب صلاة العيدين

وهما من فروض الأعيان على الصحيح على الرجال المكلَّفين.

صفة صلاة العيد

وهي كصلاة الجمعة، إلا أن وقتها من ارتفاع الشمس إلى قبيل الزوال، وأنها تُقضى إذا فاتت من الغد أو بعده في وقتها.

وفي الركعة الأولى يكبِّر بعد تكبيرة الإحرام ستاً زوائد، وفي الثانية بعد تكبيرة النهوض خمساً، ويخطب بعدها، والخطبتان سنّة.

وينبغي إذا خرج من طريق أن يرجع من طريق آخر ([9])، وأن يأكل قبل الخروج لصلاة عيد الفطر ثلاث تمرات، أو خمساً، أو سبعاً، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ([10])، والمستحب أن تكون في الصحراء بخلاف الجمعة.

 باب أحكام الميت والمريض

ينبغي للمريض أن يتوب إلى الله؛ فإنها واجبة كل وقت، وتتأكد في هذه الحال، وأن يُنيب إلى الله تعالى، ويُكثر من ذكره، والتضرع إليه، واحتساب الأجر والثواب عند الله، ورجاء أن يُختم له بخاتمة السعادة.

عيادة المريض

وعيادة المريض من آكد الأعمال، ومن حق المسلم على أخيه، وتتأكد في حق القريب، والصاحب، ومن له حق عام أو خاص، وتذكيره التوبة والوصية.

وينبغي أن لا يطيل الجلوس عنده، ولا يضجره بكثرة الأسئلة، بل يراعي

حاله، وإذا احتُضِرَ سُنَّ تعاهد بلِّ حلقه، وتلقينه الشهادة؛ فإذا مات سُنَّ تغميض عينيه، وتليين مفاصله، والمبادرة في تجهيزه بالتغسيل، والتكفين، والحمل، والدفن، وهذه فروض كفاية.

غسل الميت وتكفينه

وينبغي أن يتولَّى تغسيله عارف بأحكام الغسل، أمين. ثم بعد تغسيله يكفَّن الرجل في ثلاث لفائفَ بيض، يُلف في كل واحدة منها، ويُجعل الحنوط على منافذه، ومواضع سجوده، وبين أكفانه؛ والمرأة تكفن في إزار ورداء وخِمار ولُفافتين، ثم يصلَّى عليه.

صلاة الجنازة

 وينبغي أن يجتهد في كثرة المصلين عليه ليحصل الثواب لهم وله، فيكبِّر عليه أربع تكبيرات، يقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة سراً، وبعد الثانية يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد الثالثة يدعو للميت، والأحسن بالدعاء الوارد، ويسلم بعد التكبيرة الرابعة تسليمة واحدة.

ومن صلّى عليها فله قيراط، ومن تبِعها حتى تُدفن فله قيراطان من الأجر والثواب.

دفن الميت

ويجب في دفنه أن يُستقبلَ به القبلة، وينبغي أن يُلحد له لحد مع الإمكان، فإذا تم دفنه سُنَّ الوقوف عند قبره، والدعاء له، والاستغفار، وأن يُسأل الله له التثبيت.

التعزية

ويُعَزَّى المصاب بالميت بما يناسب الحال، ويجب الصبر على المصائب فلا يتسخَّطَ المصيبة لا بقلبه ولا بلسانه ولا بجوارحه، والله أعلم.


 كتاب الزكاة

وهي أحد أركان الإسلام، وهي فرضٌ على كل مسلم، صغيرٍ أو كبير، عاقلٍ أو غيره، عنده مال زكَوي، كامل النصاب، وقد حال عليه الحول، وذلك في أربعة أصناف:

زكاة بهيمة الأنعام

 أحدها: المواشي، من الإبل، والبقر، والغنم، إذا كانت للدَّرِّ والنسل، وبلغت نصاباً.

نصاب الإبل

 فنصاب الإبل: خمسٌ، وفيها شاة، ثم في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض، وهي التي تمَّ لها سنة. وفي ست وثلاثين بنت لبون، لها سنتان. وفي ست وأربعين حقَّة، لها ثلاث سنين. وفي إحدى وستين جذعة، لها أربع سنين. وفي ست وسبعين ابنتا لبون. وفي إحدى وتسعين حقَّتان. وفي إحدى وعشرين ومائة ثلاث بنات لبون. ثم يستقر السن الأوسط ([11]) في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقَّة.

نصاب البقر

 وأما نصاب البقر: فثلاثون فيها تبيع، له سنة. وفي أربعين مسنَّة لها سنتان. ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنَّة

نصاب الغنم

وأما نصاب الغنم: فأربعون فيها شاة. وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان. وفي مائتين وواحدة ثلاث شياه. ثم في كل مائة شاة. وما بين الفرضين في جميع هذه المسائل عفو لا شيء فيه.

فصل

وأما النوع الثاني:

       زكاة الحبوب والثمار

فهو الخارج من الأرض، من حبوب، وثمار، مكيلة مدَّخرة، ونصابها: خمسة أوسق، وهي: ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم. فتجب زكاتها إذا بلغت ذلك وقت الحصاد والجذاذ: عُشر كامل فيما سُقي بلا مؤنة كالأنهار والأمطار، وما كان بعلاً يشرب بعروقه؛ ونصف العُشر إذا كان يُسقى بمؤنة، كالذي يُسقى بالنضح والمكائن ونحوها.

فصل

زكاة النقدين وعروض التجارة

النوع الثالث والرابع: زكاة النقدين وعُروض التجارة.

ونصابها: خمس أواق من الفضة، ومقدارها في الريال العربي: ست ([12]) وخمسون ريالاً، وما كان مقدارها من العُروض.

والعُروض: كل ما أُعد للبيع والشراء لأجل الربح، من حيوان وأثاث، وسلع، وغيرها، حتى العقارات إذا قُصد بها العُروض. فإذا تمَّ الحول قوَّم ما عنده من عُروض التجارة، وضمَّها إلى ما عنده من النقد، وأخرج من الجميع ربع العشر، والله أعلم.

زكاة الفطر

وقد فرض صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر: صاعاً من طعام، أو تمر، أو زبيب، أو أقِط، أو شعير، على الذكر والأنثى، والصغير والكبير، والحرِّ والرقيق، وأمر أن تؤدَّى قبل صلاة العيد. وكان الصحابة يُخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين.

فصل

مصارف الزكاة والمستحقون للزكاة: هم الثمانية المذكورون في قوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60]، لا تُصرف لغير هؤلاء المذكورين من طرق الخير.

فصل

الأموال التي لا تجب فيها الزكاة وأما البيت الذي يسكنه الإنسان، والعقار الذي يقتنيه، والفرش والأواني التي يستعملها، والحيوانات ـ غير الإبل والبقر والغنم ـ فلا زكاة فيها، إلا إذا كانت للتجارة فتُزكَّى زكاة عُروض، والله أعلم.


 كتاب الصيام

صيام رمضان أحد أركان الإسلام ومبانيه، وهو فرض على كل مكلَّف قادر، فمن كان مريضاً مرضاً لا يُرجى زواله، أو كبيراً لا يستطيع الصيام بالكلية، أطعم عن كل يوم مسكيناً؛ ومن كان مريضاً مرضاً يُرجى زواله، أو مسافراً، فله الفطر في رمضان، ويقضي بعدده أياماً أُخر.

ويجب الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وهي: الأكل، والشرب، والجماع ومقدماته، والحجامة، والقيء عمداً؛ وما سوى ذلك فلا دليل على الفطر به، كالاكتحال ونحوه.

ويتأكد في حقِّ الصائم ترك جميع المحرَّمات من أقوال وأفعال، وإذا سابَّه أحدٌ أو شاتمه فليقل له ـ زاجراً له ولنفسه ـ: إني امرؤ صائم.

وينبغي للصائم الاشتغال بأنواع العبادات، وأن يُؤخِّر السحور، ويقدِّم الفطور على رُطب، فإن عدم فتمر، فإن تعذر فماء. ويدعو في صيامه وعند فطره.

فصل

صوم التطوع

 ويستحب صيام الأوقات الفاضلة: كإتباع رمضان بستٍّ من شوال، وعشر ذي الحجة، وخصوصاً يوم عرفة، وصوم المحرَّم، وخصوصاً التاسع والعاشر، وثلاثة أيام من كل شهر، وينبغي أن تكون الثلاثة عشر، والأربعة عشر، والخمسة عشر، والاثنين والخميس.

ويسن الاعتكاف في عَشْر رمضان الأخيرة، ليتجرَّد لعبادة الله، وليتحرَّى فيها ليلة القدر، وتتأكد في أوتار العشر.

ومن صام رمضان وقامه وقام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه.


 كتاب الحج

وهو أحد أركان الإسلام، ويجب على كل مكلَّف مستطيع السبيل في بدنه وماله في عمره مرة واحدة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» ([13])، فعلينا الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما كان يقوله ويفعله في المناسك،

المواقيت

 وذلك أنه لما حجَّ صلى الله عليه وسلم أحرم هو والمسلمون من ذي الحُليفة ووقّت لأهل كل قُطر ميقاتاً؛ لأهل نجد: قرن المنازل، ولأهل العراق: ذات عرق، ولأهل المغرب: الجحفة، ولأهل اليمن: يَلَمْلَم، وقال: «هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، ومن كان دون ذلك فميقاته من أهله، حتى أهل مكة يُهِلُّون من مكة»([14]).

الأنساك الثلاثة

ثم قال لأصحابه: «من شاء أن يُهلَّ بعمرة فليفعل، ومن شاء أن يهلَّ بحجة فليفعل، ومن شاء أن يهل بعمرة وحجة فليفعل» ([15]).

صفة الحج والعمرة

 فلما قدموا وطافوا بالبيت وبين الصفا والمروة أمر جميع

المسلمين الذين حجوا معه أن يُحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، إلا من ساق الهدي، فإنه لا يُحل حتى يبلغ الهدي محله، فراجعه بعضهم في ذلك، فغضب وقال: «انظروا ما أمرتكم به فافعلوه» ([16]).

وكان قد ساق الهدي فلم يحل من إحرامه، وقال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة، ولولا أن معي الهدي لأحللت» ([17])، فحلّ المسلمون جميعهم، إلا النفر الذين ساقوا الهدي، منهم رسول الله وعلي وطلحة.

فلما كان يوم التروية أحرم المُحلون بالحج وهم ذاهبون إلى منى، فبات بهم تلك الليلة بمِنى، وصلَّى بهم فيها الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر. ثم سار بهم بعد طلوع الشمس إلى عرفة على طريق ضَبّ ([18])، فلما زالت الشمس خطب بهم وهو على راحلته، وبيّن لهم أحكام الوقوف، والدفع، وما يحتاجون في ذلك الوقت، ثم نزل فصلى بهم الظهر والعصر مقصورتين مجموعتين، ثم سار والمسلمون معه إلى الموقف بعرفة، واستقبل القبلة، ووقف تجاه الجبل، وأقر الناس على مواقفهم، فلم يزل في الذكر والدعاء إلى أن غربت الشمس، فدفع بهم إلى مزدلفة، فصلَّى المغرب والعشاء بعد مغيب الشمس قبل حطِّ الرحال حيث نزلوا بمزدلفة، وبات بها حتى طلع الفجر، فصلّى بالمسلمين الفجر بأول وقتها مُغَلِّساً بها زيادة على كل يوم. ثم وقف عند قُزَح ـ وهو جبل مزدلفة الذي يُسمَّى: المشعر الحرام ـ فلم يَزَل واقفاً بالمسلمين إلى أن أسفَر جداً. ثم دفع بهم حتى قدم مِنَى فاستفتحها برمي جمرة العقبة، ثم رجع إلى منزله بمِنَى فنحر هديه وحلق رأسه. ثم أفاض إلى مكة فطاف طواف الإفاضة. وكان قد عجَّل ضَعَفَة أهله من مزدلفة قبل طلوع الفجر فرموا الجمرة بليل.

ثم أقام بالمسلمين أيام منى الثلاث يصلي بهم الصلوات الخمس مقصورة غير مجموعة، يرمي كل يوم الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس، يستفتح بالجمرة الأولى ـ وهي الصغرى، وهي الدنيا إلى مِنى، والقصوى من مكة ـ ويختم بجمرة العقبة، ويقف بين الجمرتين الأولى والثانية، وبين الثانية والثالثة وقوفاً طويلاً بقدر سورة البقرة، فإن المواقف ثلاث: عرفة، ومزدلفة، ومنى.

ثم أفاض آخر أيام التشريق بعد رمي الجمرات هو والمسلمون، فنزل بالمُحَصَّب ([19]) عند خيف بني كنانة ([20])، فبات والمسلمون فيه ليلة الأربعاء، وبعث تلك الليلة عائشة مع أخيها عبد الرحمن لتعتمر من التنعيم، ثم ودّع البيت هو والمسلمون ورجعوا إلى المدينة، ولم يُقِم بعد أيام التشريق، فأخذ فقهاء الحديث كأحمد وغيره بسنته في ذلك كله. انتهى ملخصاً من كلام شيخ الإسلام رحمه الله([21]).

 أركان الحج وواجباته ومسنوناته

قال العلماء: أمور الحج تنقسم ثلاثة أقسام:

            أركان أربعة، وهي:

        1-*الإحرام،

2-*والوقوف بعرفة،

3-*والطواف،

4-*والسعي.

والواجبات التي يجبرها الدم:

1-*الإحرام من الميقات،

2-*والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس،

3-*والمبيت في مزدلفة إلى جزء من النصف الثاني من الليل،

4-*والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق،

5-*ورمي الجمار مرتباً،

6-*والحلق أو التقصير،

7-*وطواف الوداع.

وما سوى ذلك مسنونات مكملات، وخصوصاً التلبية تبتدئ من حين الإحرام وتنتهي بالشروع في جمرة العقبة، والله أعلم.


 كتاب المعاملات

وهي أخذ معوَّض وإعطاء عِوض، والأصل فيها الحل والإباحة، قال الله تعالى: { إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } [النساء: 29]، ولكثرة فوائدها الضرورية والكمالية وسَّع الشارع حكمها، ولم يمنع منها إلا ما فيه ضرر على الخلق في أديانهم وأموالهم؛ ولهذا شرط فيها: التراضي من الطرفين، وأن يكون العاقدان جائزَي التصرف، سواء تصرَّفا في ملكهما، أو فيما لهما عليه ولاية أو وكالة، وأن يكون العوضان معلومين لا غرر فيهما، وأن يكون العقد واقعاً على الأمور المباحة لا المحرمة.

وحرَّم الشارع كل معاملة تشغل عن الواجبات، أو تُدخل المتعاملَين أو أحدهما في المحرَّم. ونهى عن الغش بأنواعه: إما بكتم العيوب، أو بإظهار صفات ليست في المعقود عليه، وأثبت في ذلك الخِيار للمخدوع؛ كما أثبت خيار المجلس تحقيقاً لمنع الغرر والغش والخداع. ومنَع من تلقي الجَلَب ([22])، ومن النَجْشِ ([23]).


فصل

مفسدات العقد

 العقد يفسد ويختل لفقد شرط من شروطه السابقة، أو لوجود مانع. ومن

أعظم الموانع عقود الربا،

الربا وأنواعه

والربا ثلاثة أنواع:

1 ـ ربا الفضل

ربا الفضل: في بيع المكيل بالمكيل من جنسه، أو الموزون بالموزون من جنسه. ويشترط في هذا ([24]) شرطان: التماثل في الكيل والوزن، والقبض قبل التفرق؛ ولهذا نُهي عن المُزَابنة، وهي: بيع ثمر النخل بتمر إلا في العرايا، وعن المُحَاقَلة، وهي: بيع الزرع المُشْتَدّ في سُنبله بحَبٍّ من جنسه؛ لأن التساوي مجهول.

2 ـ ربا النسيئة

النوع الثاني: ربا النسيئة، وهو: بيع المكيل بجنسه أو بغير جنسه بلا قبض لهما، أو بيع الموزون بموزون من جنسه أو غير جنسه كذلك، ويشترط القبض للعِوَضين قبل التفرق. وأشد أنواع هذا: بيع ما في الذمة إلى أجل، وسواء كان ذلك صريحاً، أو بحيلة، كالحيل التي يتوصل بها إلى قلب الدَّين.

3 ـ ربا القرض

النوع الثالث: ربا القرض؛ وذلك أن القرض من أفضل أنواع الإحسان، وهو عقد إحسان وإرفاق، فإذا شرط فيه عوض أو نفع خرج عن موضوعه وصار معاوضة، فكل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا.


فصل

احتياط الشارع في حفظ أموال الناس

 ثم من نعمة الشارع على الأمة: حفظ عليهم أموالهم ومعاملاتهم بكل طريق، وأمرهم بحسن المعاملة، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَطْلُ الغني ظلم، وإذا أُتْبِعَ أحدُكم على مليء فَلْيَتْبع» ([25]). وشَرَعَ الوثائق التي فيها حفظ الأموال وهي: الشهادة، بها تُحفظ الحقوق وتثبت، والرهن، والضمان، والكفالة، وفائدتها: تحضيض من عليه الحق بسرعة الوفاء، والاستيفاء منها إذا تعذر الوفاء لِمَطْلٍ، أو عدم، أو تغيب، أو موت.

فصل

الصلح

 وجوَّز الشارع الصلح بين المتعاملين، سواء حصل إقرار واعتراف بالحق أو لم يحصل. فالصلح جائز بينهم إلا صلحاً يدخلهم في الحرام ومخالفة القواعد الشرعية. وكذلك جوّز جميع الشروط التي يشرطها أحدهما على الآخر مما له فيها نفع ومقصود إذا لم تُحِل حراماً أو تُحرِّم حلالاً، ومصلحة ذلك ونفعه معلوم.

فصل

الحجر

ويُحجر على الإنسان في ماله إذا كان في ذلك ضرر عليه، كالحَجْرِ على الصغير، والسفيه، والمجنون، قال تعالى: { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا } [النساء: 5]. وكذلك يُحجر على المَدِيْن إذا كانت موجوداته لا تفي بحقوق الغرماء، وطلبوا من الحاكم الحجر عليه ليستدركوا حقهم أو بعضه.

ومن حُجر عليه وتصرَّف فتصرُّفه غير صحيح، ولا يُفك الحجر عنه حتى يزول السبب الذي حُجر عليه لأجله برشد السفيه ونحوه، وإيفاء المدين ما عليه.

فصل

حق الجار

وقد حثَّ صلى الله عليه وسلم على القيام بحق الجار، وأقل ما على الإنسان أن يكف أذاه القولي والفعلي عن جاره، ويحسن إليه ما استطاع. وينبغي أن يتساهل معه في حقوق الملك والجوار، وأن لا يمنعه من الانتفاع بملكه الذي لا يضر كوضع الخشب على جداره، وإجراء الماء في أرضه، وما أشبه ذلك، ولا يحل له أن يحدث في ملكه ما يضر بجاره، ويُمنع من ذلك، وأحق الجيران بالبر أقربهم باباً أو نسباً.

فصل

الوكالة

ومن تيسير الشارع أنْ أباح التوكيل والتوكل في جميع المعاملات والحقوق، لما في ذلك من المصلحة، وسواء كان بجُعل ([26]) أم لا، وذلك شامل للعقود كلها، والفسوخ والعبادات التي تدخلها النيابة، دون ما لا تدخله النيابة، كالأمور المتعلقة بنفس الإنسان، من صلاة، وصيام، ونحوها، ومن حلف، ونذر، ووفاء حق زوجة، ونحوها من قَسْمٍ ونحوه.

فالوكالة: نيابة جائز التصرف لمثله فيما تدخله النيابة.

ومثل ذلك: الولاية على أموال اليتامى، والمجانين، ونحوهم، والنظر في الأوقاف والوصايا، فكل هذه جائزة للحاجة إليها.

وجميع الأُمناء إذا تلف الشيء عندهم بلا تَعَدٍّ ولا تفريط فلا ضمان عليهم، فإن تعدّوا أو فرَّطوا في أداء الواجب بها ضمنوا.


فصل

الغصب

والغصب وهو: الاستيلاء على مال الغير بغير حق، وهو من أعظم المحرَّمات، ويجب على الغاصب رد المغصوب ولو غرم على رده أضعافه ([27])، فإن تلف ضمن المِثْلي بِمِثْلهِ، والمُتقوَّم بقيمته، فرَّط أو لا، وعليه أجرته مدة مقامه بيده. ونماء المغصوب وكسبه لمالكه، وليس لِعِرْقٍ ظالمٍ حق ([28])، فيُلزم الغاصبُ بقلع غرسه وبنيانه إذا لم يرض صاحبُ الأرض بالمعاوضة.

وأما غير الظالم: كغِرَاس المُستأجر وبنيانه فإنه مستحق الإبقاء، لكن يتفق هو ومالك الأرض إما على إبقائه بأجرة، أو يتملكه صاحب الأرض بقيمته، أو بما اتفقا عليه.

فصل

الشركة

وجميع أنواع الشركات في المعاملات جائزة بما فيها من الشروط، إلا إذا شرط فيها شروطاً تُدخلها في الجهالة والغَرَر. وكل من الشركاء أصيل عن نفسه، ووكيل عن الآخر، وكفيل عنه بما يلزمهما من مُتَعلَّقات الشركة. والزيادة الحاصلة في الأموال المشتركة للشركاء على قدر أملاكهم، وكذلك النقص عليهم على قدر أملاكهم.

ومن أنواع الشركات: المُساقاة على الأشجار ([29])، والمُغارسة عليها ([30])، والمُزارعة على الأرض ([31]). فكل ما اتفق عليه المتعاملان فيها مما لهما وعليهما، أو لأحدهما أو على أحدهما، فهو جائز. وهذا لا يُحصى من كثرته، وإنما الممنوع فيها وفي غيرها الشروط التي تعود إلى الغَرَر؛ فإن الغرر مَيْسِر وقمار، سواء دخل في المعاملات، أو في المُغالبات.

السبق

وإنما أجاز الشارع المُغالبة في مسابقة الخيل، والركاب، والسهام، ولو بجُعل؛ لما في ذلك من مصلحة التقوية على الجهاد، فمصلحتها راجحة على مضرَّتها، وأما ما سواها من المُغالبات بعِوض فهو مُحرَم ومَيْسِر، والله أعلم.

فصل

الإجارة

ويجوز عقد الكِرَاء والتأجير على جميع الأعيان المنتفع بها؛ كمنافع الإنسان من خدمة وعمل، وكالأراضي، والدور، والدكاكين، والحيوانات، والسلاح، والأواني، والآلات، والأثاث على اختلاف أنواعه، والكتب، وغيرها، إذا كان صادراً ـ العقد ـ من مالك أو نائبه، والإجارة معلومة، والنفع محرراً مفهوماً، وبهذا تكون عقداً؛ لأن ما يملك المستأجر فيها: المنافع التي وقع عليها عقد الإجارة، وله أن يؤجرها غيره، أو يعيره إياه؛ لأنه مالك نفعها.

العارية

وأما المستعير فلأن المُعِيْر محسن، وقد أباحه الانتفاع بنفسه، فليس للمستعير أن يعيرها أو يؤجرها إلا بإذن ربها؛ لأنه لم يملك المنافع.

والعاريَّة مستحبة، وخصوصاً عاريَّة الأمور المحتاج إليها، التي ليس على مالكها ضرر في ذلك، وخصوصاً عواري الكتب الدينية، والسلاح ليقاتل به الكفار، فإن هذا النفع لا يعادله شيء.


فصل

الإتلاف والضمان

ومن كان في ملكه أو حوزته بهيمة فجناياتها على الغير هدر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «العجماء جُبار ([32])» ([33])، إلا إذا كان غاصباً، أو بهيمة معروفة بالأذى إذا فرَّط صاحبها، أو أَتْلَفَت في الليل، أو كان صاحبها متصرِّفاً فيها، أو أطلقها بقرب ما تتلفه عادة، فإنه متعدٍّ في هذه الصور، وعليه الضمان.

ومن صال عليه إنسان أو بهيمة دفعه بالأسهل بالأسهل ([34])، فإن لم يندفع إلا بالإتلاف أتلفه ولا حرج ولا ضمان عليه.

فصل

الشُّفعة

وإذا باع أحد الشركاء نصيبه من مشترَك، فإن كان غير عقار فلا شُفْعَةَ ([35]) فيه، مع أن الأولى أن يعرضه على شريكه ويقدِّمه على غيره؛ وإن كان عقاراً فللشريك الآخر أن يشفع فيه فيأخذه بالثمن الذي وقع فيه العقد دفعاً لضرر الشركة، ولا تسقط شُفْعَتُه إلا بإسقاطها بعد علمه بقول أو فعل دال على الرضا. ولا يحل التحيل لإسقاط الشُّفْعَة بأي حيلة تكون، ولا بإسقاط أي حق لله أو للعباد.

والجار لا شُفْعَةَ له لازمة، لكن من الخير والمروءة أن يعرضه على جاره، ولا يبيع داره ولا يؤجرها إلا لمن يرتضيه الجيران.

فصل

إحياء الموات قال صلى الله عليه وسلم: «من أحيا أرضاً ميتة فهي له» ([36]). ويحصل الإحياء بما يدل العُرف أنه إحياء، وذلك كحفر بئر فيها يصل إلى

الماء، أو إجراء ماء إلى الأرض، أو تنقيتها من الأحجار ونحوها، أو منع المياه المستنقعة فيها التي لا يمكن إحياؤها مع وجودها، أو بناء بنيان عليها، فهذه تفيد الملك.

وأما التحجُر بإدارة الأحجار أو الأشجار على الأرض، أو إقطاعها من إمام أو نائبه ([37])، فإنه يكون أحق بها، ولا يملكها بمجرد ذلك حتى يحييها. ويُمنع من التحجرُ الذي لا يَنْتَفِعُ به ويمنعها من الغير.

ومن سبق إلى شيء من المباحات كالأراضي، والحطب، والصيد، واللُّقَطَة، والجلوس في المساجد والطرق ونحوها، أو سكنى الأوقاف التي لا تحتاج إلى ناظر يقوم فيها بنظره، فمن سبق إلى شيء من المذكورات وغيرها فهو أحق به من غيره.

فصل

الجعالة من قال: من ردَّ لُقَطَتي، أو عبدي، أو أذَّن في هذا المسجد، أو أمّ فيه، أو درَّس في هذه المدرسة، فله كذا، فهذا جعالة ([38]) تجوز على وجه العموم كهذه الأمثلة، وعلى وجه الخصوص كأن يقول لشخص معين: إن فعلت شيئاً من هذه فلك كذا. وهي أوسع من الإجارة؛ لهذا يكون العمل فيها معلوماً ومجهولاً. وتجوز على أعمال الخير، والقُرَب، كالحج، والإمامة، ونحوها.

فصل

اللُّقطة

من وجد مال غيره ضائعاً فهو لُقَطَة، فإن كان شيئاً يسيراً لا تتبعه همَّة أوساط الناس، كالسَّوْط، والرغيف، ونحوه، مَلَكَه وَاجِدُه بلا تعريف. وإن كان من الضوال التي تمتنع من صغار السباع كالإبل، لم يحل له التقاطُها، وإن التقطها لم يملكها بالتعريف، وما عدا ذلك فله التقاطه، ولكن يُعَرِّفه حولاً كاملاً، فيقول: من ضاع له شيء ونحوه، فإن لم تُعْرَف مَلَكَها وَاجِدُها، وإن جاء من يدّعي أنها مُلكه فإن وصفها وصفاً يطابق ما هي عليه وجب دفعها إليه.


 كتاب الوقف والهبة والوصية

الوقف

الوقف من الأعمال الصالحة الجاري أجرها ما دام نفعها؛ ولهذا يشترط أن يكون الموقوف على جهة من جهات البرِّ الخاصة أو العامة، وأن يكون الموقوف عيناً يُنتفع بها مع بقاء أصلها، كالعقارات، والأواني، والسلاح، والحيوانات، والمصاحف، والكتب، ونحوها.

ويُتَّبَع فيها نصُّ المُوقِف إذا كان على وفق الشرع، وإلا وجب تعديلها لتوافق المشروع.

وعلى الناظر ملاحظة الوقف بالحفظ والتعمير بالمعروف، وقبض الريع وتنفيذه على المستحقين، والمعاملة عليه بالمساقاة، والمزارعة، والتأجير، والمشاركة، وعليه أن يجتهد في أصلح الأمور.

ولا يحل بيع الموقوف إلا إذا تعطلت منافعه بخراب أو غيره، فيباع ويصرف ثمنه في مثله أو بعض مثله، ويكون ذلك البدل وقفاً بمجرد الشراء.

الهبة والوصية

 وأما الهبة: فهي التبرع بالمال في حال الحياة، والوصية التبرع به بعد الوفاة، أو الأمر بالتصرف فيه بعد الموت، وهما من طرق الإحسان. ويتفاوت الإحسان، بحسب نفعه ومصلحته وعموم نفعه.

والوصية تكون من الثلث فأقل لغير وارث.

ومن كان عنده مال كثير، وورثته أغنياء، سُنّ له أن يوصي بخُمس ماله في أعمال البر التي يخرجها عن ورثته؛ ليتم الأجر والثواب، وينحسم الشر والنزاع بين الورثة المتعلقين بالوصايا، وإذا كان قصده بر أولاده فلا يوصي بشيء، بل يجعل ماله ميراثاً بينهم على مواريثهم من كتاب الله. ولا عبرة بما اعتاده جمهور الناس من حصر الوصية على الأولاد، ثم على أولاد البنين فقط، فإن هذا خلاف الشرع، وخلاف العقل، وقد أضرّ بنفسه وبهم؛ إذ تسبب لإحداث البغضاء والعداوة بينهم، والاتكال عليها والكسل.

ولا تنبغي الوصية لفقير له ورثة محتاجون.

وَمَنْ عليه حقوق للناس، وديون خالية من البيِّنات، وجب عليه وجوباً مؤكداً أن يوصي بقضائها، فإن لم يفعل فلا يلومنَّ إلا نفسه إذا بقي في قبره معذباً متحسِّراً معلَّقة روحه في دَيْنه.

فصل

الهبة والعطية

 ويجب التعديل بين الأولاد في العطية، ولا يحل أن يفضَّل أو يخصَّص بعضهم على بعض إلا بإذن الباقين، وللأب أن يتملك من مال ولده ما لا يضره، وليس لأحد أن يرجع في عطيته اللازمة إلا الأب فيما يعطيه لولده.

 باب المواريث

الحقوق المتعلقة بالتركة

 إذا مات الإنسان بُدِئ من تركته بمؤنة تجهيزه، ثم يوفَّى ما عليه من دَيْن، وذلك من رأس المال أوصى به أو لا، ثم تنفذ وصيته إذا كانت بالثلث فأقل لغير وارث، أو أجاز الوارث الرشيد ما زاد على الثلث أو لوارث، ثم يُقسم الباقي على ورثته، سواء كانت أعياناً، أو ديوناً، أو حقوقاً، أو توابع ذلك، والله أعلم.

فصل

قسمة المواريث

قال صلى الله عليه وسلم: «أَلْحِقُوا الفرائض بأهلها، فما بقي فَلأَوْلَى رجل ذكر» ([39]). فالفروض التي ذكرها الله في كتابه يُبدأ بها، ثم إن بقي شيء فلأقرب ما

يكون من العَصَبَة ([40]).

أصحاب الفروض

فللزوج من زوجته النصف إن لم يكن لها ولد صُلْب، أو ولد ابن، ذكر أو أنثى، منه أو من غيره، وله الربع مع عدم ذلك.

وللزوجة أو الزوجات نصف حاليه فيهما.

وللأم السدس مع الولد أو اثنين فأكثر من الإخوة والأخوات، والثلث مع عدم ذلك، وثلث الباقي في أبوين وأحد الزوجين.

وللجدة أو الجدَّات المتساويات السدس مع عدم الأم.

وللأب السدس مع الأولاد الذكور، والسدس فرضاً والباقي تعصيباً إذا كان الولد أنثى أو إناثاً وبقي بعد الفرض شيء، ومع عدم الأولاد يكون عاصباً يرث المال كله، أو ما بقي بعد الفروض.

والجد حكمه حكم الأب عند عدمه إلا في العمريتين ([41])، فللأم مع الجد ثلث كامل، وإلا مع الإخوة الأشقاء، أو لأب فيرثون مع الجد في المشهور من مذهب الإمام، والرواية الثانية ـ هي الصحيحة ـ أنهم لا يرثون مع الجد كما لا يرثون مع الأب.

ولبنت الصلب، أو بنت الابن الواحدة النصف، وللثنتين فأكثر من المذكورات الثلثان، فإن كان بنت وبنت ابن فللبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين، ومثلهن الأخوات الشقيقات والأخوات للأب.

فإن كان مع الجميع ذكر في منزلتهن عصبهن وصار للذكر مثل حظ الأنثيين.

وللأخ أو الأخت من الأم السدس، ولاثنين فأكثر منهما الثلث، يستوي فيه ذكرهم وأنثاهم، ولا يرثون إلا في الكَلاَلة، أي: إذا عدم الفروع مطلقاً والأصول الذكور.

وإذ وُجد أخوات لغير أم مع البنات، أو بنات الابن، أخذ البنات فرضهن السابق، وما بقي فللأخوات.

فالأخوات الشقيقات أو لأب مع البنات أو بنات الابن عصبات.

فصل

العَصبات

والعَصَبة

هم كل ذكر ليس بينه وبين الميت أحد، أو ليس بينه وبينه إلا ذكور، فيدخل في ذلك الفروع الذكور وإن نزلوا، والأصول الذكور وإن علوا، وفروع الأصول الذكور وإن نزلوا، وكذلك صاحب الولاء.

وجهاتهم على الصحيح خمس: البُنُوَّة، ثم الأُبُوَّة، ثم الإخوة وبنوهم، ثم الأعمام وبنوهم، ثم الولاء، فإن وُجد من هؤلاء عاصب واحد أخذ المال كله، أو ما أبقت الفروض.

وإن وُجد اثنان منهم قُدم الأقرب جهة على حسب الترتيب الذي ذكرنا، فإن كانوا في جهة واحدة قُدِّم الأقرب منزلة، ثم إن استووا قُدِّم الشقيق على الذي لأب، ثم إن استووا من كل وجه اشتركوا.

فصل

العول

فإن كثرت الفروض وزادت على أصل المسألة عوّلت ([42]) بين الجميع، وكان

النقص بينهم على قدر فروضهم، وتأخذ سهامهم من أصلها، فزوج، وأخت شقيقة، وجدة: من ستة، وتعول إلى سبعة، فإن كان معهم أخ لأم عالت إلى ثمانية، وإن كان الإخوة اثنين فأكثر فإلى تسعة، فإن كانت الشقيقات ثنتين فأكثر فإلى عشرة.

وفي زوجة، وأختين شقيقتين، وأخ لأم: من اثني عشر، وتعول إلى ثلاثة عشر، فإن كان الإخوة اثنين فأكثر عالت إلى خمسة عشر، فإن كان معهم جدة فإلى سبعة عشر.

وفي زوجة، وأبوين، وابنتين: من أربعة وعشرين، وتعول إلى سبعة وعشرين.

الرد

فإن نقصت الفروض عن أصل المسألة وليس فيها عاصب لا قريب ولا بعيد رد على أهل الفروض بقدر فروضهم، فجدة وأخ من أم: من اثنين، فإن كان الإخوة اثنين فأكثر فمن ثلاثة.

وفي بنت وبنت ابن: من أربعة، فإن كان معهما أم فمن خمسة، ولا تزيد على ذلك؛ لأنها لو زادت سدساً لاستغرقت الفروض فلا رد، وإن كان صاحب الفرض واحداً أخذ الجميع فرضاً وردّاً.

فصل

ميراث ذوي الأرحام

 فإذا مات ميت وليس له من الورثة أحد من أصحاب الفروض ولا العَصَبَات ورثه ذوو الأرحام وهم بقية الأقارب الذين ليسوا بذي فروض ولا عَصَبَة كأولاد البنات، وأولاد الأخوات، وأولاد الإخوة لأم، وبنات الإخوة، وبنات الأعمام، والعمَّات، والأخوال، والخالات، والجد الذي من جهة الأم.

وصفة توريثهم أن يُنزلوا منزلة من أَدْلَوا به من أصحاب الفروض أو العَصَبَة فيقومون مقامهم؛ لأنهم متفرِّعون عنه وبه أدلوا، والله أعلم.


فصل

ميراث الحمل

ولا يرث الحمل إلا إذا خرج حياً بأن استهل صارخاً ونحوه، ويوقف نصيبه إن قُسمت التركة قبل الوضع، فإن خرج ميتاً رُدَّ ما وقف له على بقية الورثة، وإن وقف له أقل رجع على الورثة ببقية حقه.

ميراث المطلقة

 ومن مات وقد طلَّق زوجته طلاقاً بائناً، فإن كان في مرض موته المَخُوْف ورثت منه، وإن كان الطلاق في الصحة أو في مرض غير مَخُوْف لم ترث، وأما الرجعية فإذا مات زوجها وهي في العدة ورثت واعتدَّت واحتدَّت.

باب العتق

وهو تحرير الرقبة وتخليصها من الرِّق، وهو من أفضل الطاعات، وخصوصاً عتق من لهم كسب ولا يُخشى منهم الفساد.

ويحصل العتق:

بالقول: كقوله: أعتقتك، أو حرَّرتك، ونحوه.

وبالفعل: كما لو مثَّل برقيقه فجدع بعض أعضائه، أو حرقها، أو خرقها. فيعتق بذلك.

وبالملك: كما لو ملك أحداً من أصوله، أو من فروعه، أو من فروع أصوله، فيعتق بمجرد دخوله في ملكه.

ويحصل العتق بالسراية، فإذا أعتق جزءاً من رقيقه عتق كله، وإن كان مشتركاً فأعتق أحد الشركاء نصيبه عتق عليه كله إن كان موسراً، وغرم لشريكه حصته منه؛ وإن كان معسراً عتق الجميع واستسعي العبد بما يقابل نصيب الشريك الذي لم يباشر العتق بحسب العرف على الصحيح.

الولاء ومن أعتق مملوكاً بشيء مما تقدَّم فله عليه الولاء وعلى أولاده بشرط كونهم من زوجة عتيقة أو أَمة، فيرث المعتِق ما خلَّفه العتيق إن لم يكن له ورثة، وما أبقت الفروض إن بقي شيء، فإن وُجد له عاصب من النسب قُدِّم على الولاء، والله أعلم.


 كتاب أحكام الأنكحة وهي كثيرة جداً

وسبب ذلك أن له أحكاماً في أوله، وأحكاماً في استمراره، وأحكاماً عند انتهائه؛ وكلًّا منها يتفرَّع إلى أحكام كثيرة، فنذكر منها المهم:

أما النكاح فإنه من سنن المرسلين، ومما حثَّ الله ورسوله عليه؛ لما فيه من الفوائد الضرورية، والكمالية، الدينية، والدنيوية.

وينبغي أن يختار ما طاب من النساء، وكمل دينها، وحسنت آدابها، وشرف بيتها، فإن حصَل مع ذلك الجمال وبقية الصفات المقصودة فهو أكمل.

ولذلك ينبغي قبل الخطبة أن ينظر إلى من أراد تزوجها، أو يصفها له من يثق به؛ ليكون على بصيرة من أمره، ولا يحل له أن يخطب على خطبة أخيه حتى يأذن أو يُرَد.

فصل

أركان النكاح وشروطه ومستحباته

 ولا بد للنكاح من الإيجاب، وهو: اللفظ الصادر من الولي أو نائبه، كقوله: زوجتُك فلانة. ومن القبول، وهو: اللفظ الصادر من الزوج، أو من يقوم مقامه، كقوله: قَبِلْتُ نكاحها ونحوه.

ولا بدَّ من الرضى وعدم الإكراه لكل منهما، إلا للولي المُجْبِر، كالأب الذي يُجبر البكر الصغيرة.

ولا بد من الولي، وهو: الأب، ثم الأقرب فالأقرب من العصبات البالغين المرشدين، وأَنْ تأذن له بالقول إن كانت ثيباً، وبه أو بالسكوت إن كانت بكراً، ولا بد من الشاهِدَيْن عند عقده، ومن تعيين الزوجة باسمها أو صفتها التي تميزها.

فإذا تم العقد وحصل الدخول فينبغي أن يأخذ بناصيتها ويقول: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرِّها وشر ما جبلتها عليه» ([43])، وعند الوقاع يقول: «بسم الله، اللهم جنّبنا الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا» ([44]).

وينبغي تخفيف الصَّداق مع موافقتها وموافقة وليها، وإلا فلا بد له أن يعطي في الصداق ما يعطي أمثاله في بلده، فإن الصداق وما يتبعه، والنفقات من طعام وكسوة، مرجعها إلى العُرف الجاري بين الناس، إلا مع الاتفاق والرضى على أقل أو أكثر.

والوليمة على عقد الزواج مستحبة بحسب حال الزوج يساراً وإعساراً، والإجابة إليها واجبة، وإلى باقي الدعوات سنّة. وعلى الناس في الولائم والدعوات ونحوها سلوك طريق الاقتصاد، واجتناب الإسراف.

فصل

 المحرَّمات في النكـاح علـى التأبـيـد

المحرمات على التأبيد

 والمحرَّمات من النساء: الفروع وإن نزلن، والأصول وإن علَون، وفروع

الأب والأُم وإن نزلن، وفروع الأجدَّاد والجدات لصلبهم فقط، فالقرابات كلهن حرام، إلا بنات العم، وبنات العمَّات، وبنات الأخوال، وبنات الخالات.

ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب من جهة المرضعة وصاحب اللبن، وأما من جهة أقارب الراضع فلا يدخل في التحريم إلا ذريته فقط.

وأما المحرَّمات بالصِّهْر: فإذا تزوج الرجل أنثى حرمت على أبنائه وإن نزلوا، وعلى آبائه وإن علَوا، وحرم على المتزوج أمهات زوجته وإن علون، وبناتها من غيره وإن نزلن بشرط أن يدخل بها في الأخيرة، وحكم الرضاع في ذلك حكم النسب. هؤلاء الأقسام الثلاثة يحرمن على التأبيد.

فصل

المحرمات إلى أمد

وأما المحرَّمات إلى أمد فهي: أخت الزوجة، وعمَّتها، وخالتها، أو من هي عمَّتها، أو خالتها، بنسب أو رضاع. ولا تحل المُعْتَدَّة والمُسْتَبرَأة من الغير حتى تنقضي عدتُها، ولا يحل التعريض ولا التصريح بخطبة المُعْتَدَّة الرجعية. وأما البائن فيحل التعريض ويحرم التصريح لها بالخطبة، وتحرم الزانية على الزاني وغيره حتى تتوب، ولا يُعقد النكاح في حال إحرام الرجل أو المرأة، وتحرم مطلقته ثلاثاً حتى تنقضي عدتها وتتزوج غيره بنكاح صحيح غير نكاح التحليل فإنه حرام لا يفيد الحل، ويطأها الزوج الثاني، ثم إذا رغب عنها وطلَّقها وانقضت عدتها حلَّت للأول، ولا يحل للمسلم نكاح الكافرة، إلا اليهودية، والنصرانية، ولا للكافر نكاح المسلمة على كل حال.


فصل

الشروط في النكاح

 قال صلى الله عليه وسلم: «إن أحقَّ الشروط أن توفوا به ما استحلَلْتم به الفروج»، متفق عليه ([45]).

فكل شرط شرطه أحد الزوجين على الآخر فإنه صحيح يجب الوفاء به، إلا نكاح الشِّغَار، بأن يزوج كل منهما الآخر موليته بشرط أن يزوِّجه الآخر ولا مهر بينهما، وإلا نكاح التحليل، الذي يقصد به حلها لمطلقها ثلاثاً، وإلا نكاح المتعة، بأن يتزوجها إلى مدة ثم يفارقها، فهذه شروط فاسدة مُفْسِدة للنكاح، وما سواها مما لهما أو لأحدهما فيه مقصود صحيح فإنه صحيح لازم.

فصل

العشرة بين الزوجين

ويلزم كل واحد من الزوجين عِشرة الآخر بالمعروف من الصحبة الجميلة، وكفّ الأذى عنه، واحتمال الهفوات.

قال صلى الله عليه وسلم: «لا يَفْرَك ([46]) مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقاً رضي منها خُلقاً آخر» ([47]).

وعلى المرأة احتمال ما يَرِدُ عليها من زوجها، وخدمته بالمعروف. وينبغي أن تتشرَّف له ([48]) وتتجمَّل، خصوصاً في أوقات الفراغ من مهنة البيت، وأن لا يقع بصرُه منها على ما يكره، وعليها أن تطيعه، وتقدم طاعته على طاعة أبويها إن تعذَّر الجمع ورِضَى الطرفين، ولا تخرج إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته لأحد إلا بإذنه.

وينبغي أن تحتسب الأجر عند الله في طاعة الزوج، وخدمته، وإدخال السرور عليه، وخصوصاً إذا كَبِرَ، أو مرض، مع ما لها من الخير العاجل في ذلك، قال تعالى: { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ } [النساء: 34].

فصل

العدل والقسم بين الزوجات

وعليه أن يعدل بين زوجاته في القَسْم، وكذا على الصحيح في النفقة، والكسوة، وتوابعها. وأما المحبة وما يتبعها من الوطء فلا يجب؛ لأنه لا يستطيعه ولا يملكه.

ومن تزوَّج زوجة بكراً أقام عندها سبع ليال بأيامها ثم عاد إلى القَسْم، وإن كانت ثيِّباً أقام عندها ثلاثاً ثم قسم، وإن شاءت قسم لها سبعاً وقسم مثلها لبقية زوجاته.

النشوز

ومن عصت زوجها ونَشَزَت وتركت طاعته الواجبة بلا تقصير منه سقط حقها من القَسْم والنفقة حتى ترجع إلى طاعته، ويقوِّمها بالوعظ والتذكير لها بما يجب من حقه، فإن أصرَّت هجرها، ثم إن تمرَّدت فله أن يضربها ضرباً غير مُبَرِّح.

الخُلع

وإذا تعذَّرت الملاءمة بينهما فلها أن تُخَالِعَه ([49]) وتفتدي منه بما يتفقان عليه من قليل أو كثير، فإذا خلعها كان ذلك فسخاً بائناً لا ينقص به عدد الطلقات، ومثل ذلك: من فسخها الحاكم لموجب، كتقصيره فيما يجب من نفقة، أو وطء، أو حضور من سافر، إذا رُوجع في ذلك وليس له عذر شرعي، فالفسوخ كلها لا ينقص بها عدد الطلاق، ويكون ذلك بائناً إلا أنه ليس كالطلاق الثلاث، بل يحل أن يتزوجها بنكاح جديد برضاها وولي وشهود، ولو في عدتها؛ لأن العدة لمبينها أو للمفسوخة منه.

فصل

الطلاق والعدة وتوابع ذلك

وأما الطلاق فقد أباحه الله تعالى وخصوصاً عند الحاجة إليه، فإن لم يحتج إليه فينبغي للزوج أن يصبر على زوجته، وخصوصاً إذا كان لها أولاد منه، فإن في الصبر عليها خيراً كثيراً في الدين والدنيا، وعواقب حميدة. وإذا بدى له طلاقها طلقها طلقة واحدة في طهر لم يطأها فيه، ولا يحل له أن يطلقها وهي حائض، أو في طهر قد وطئها فيه، إلا أن تكون صغيرة لم تحض، أو آيسة من الحيض، أو حاملاً قد استبان حملها، فلا بأس بطلاقها؛ لأنها حينئذ تشرع في عدتها من طلاقه، وذلك بوضع الحمل إن كانت حاملاً، وبثلاثة أشهر للآيسة ولمن لم تحض لصغر ونحوه.

وأما من تحيض فعدتها ثلاث حيض كاملات، ولا يعتد بالحيضة التي طلقها وهي فيها؛ ولهذا حرم طلاقها في الحيض كما تقدم.

ولها ([50]) النفقة في مدَّة العدَّة، وحكمها حكم الزوجات في كل شيء من الأحكام إلا في القَسْم. وأما المطلقة ثلاثاً والبائن بفسخ من الفسوخ، فلا نفقة لها ولا سكنى.

وعدة المتوفى عنها زوجها وضع الحمل إن كانت حاملاً، فإن لم تكن حاملاً فعدتها أربعة أشهر وعشر، وعليها في مدة العدة الإحداد، وهو: ترك ما يدعو إليها ويرغِّب الرجال فيها، من الطيب، والحلي، وثياب الزينة، والتحسين بالحناء ونحوه، وعليها لزوم المسكن، فلا تخرج منه في مدة العدة إلا إذا احتاجت في النهار لا في الليل.

فصل

الشك في الطلاق

ومن شكَّ في الطلاق، أو في عدده، لم يلزمه ما شكَّ فيه، واستصحب العصمة.

تعليق الطلاق

ومن علَّق طلاق زوجته بزمن، أو وجود شيء، صحَّ التعليق، ولم تطلق حتى يجيء المعلَّق عليه وهي في عصمته.

الصور التي تبين بها المرأة من زوجها

ويصير الفراق بائناً في ستِّ صور: إذا مات الزوج، وإذا فُسخت منه لموجب، وإذا كان الطلاق على عوض، وإذا كان الطلاق بالثلاث، وإذا طلق قبل الدخول، وإذا طلق في نكاح فاسد.

فصل

الظِّهار والتحريم

وإذا ظاهر ([51]) الزوج من زوجته أو حرَّمها فقد فعل مُنكراً من القول وزوراً، وعليه الكفارة قبل المسيس. عليه عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فإذا كفَّر حلَّت له.

وأما من حرَّم غير زوجته، من طعام، أو شراب، أو كسوة، أو أَمَة، أو غيرها، فعليه لذلك كفارة يمين.

الإيلاء

 وإذا حلف أن لا يطأ زوجته أبداً، أو مدة تزيد على أربعة أشهر، فهو مُؤْل ([52])، فإن طلبت الزوجة منه الوطء أُلزم بذلك، وضُرب له أربعة أشهر، فإن وطأها فقد فاء، وعليه كفارة يمين، وإن مضت ولم يطأ ـ وهي مقيمة على دعواها ـ أُمر بالوطء، فإن امتنع أُجبر على فراقها، فإن امتنع طلقها منه الحاكم.

اللِّعان ومن قَذَف زوجته بالزنى حُدَّ للقذف ثمانون، إلا أن يقيم البيِّنة أربعة رجال، فيقام عليها الحد، أو يُلاعن بأن يَشْهَد عليها خمس مرات أنها زانية، ويلعن نفسه في الخامسة إن كان من الكاذبين.

ويدرأ عنها العذاب ـ إما الحد على الصحيح، أو التعزير ـ أن تشهد خمس شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، وتزيد في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم تحصل الفرقة المؤبدة. وينتفي بذلك الولد الذي نفاه ولاَعَنَ على ذلك، فالولد للفراش إلا بأحد أمرين: إما اللعان، وإما عدم الإمكان، بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر من تزوّجِه بها ويعيش، أو بعد فراقه في مدة يعلم أنه ليس منه.

فصل

النفقات

ونفقة القريب الفقير واجبة على قريبه الموسر بهذين الشرطين: غِنَى المنفِق، وفقر المُنْفَق عليه، وكون المُنْفِق وارثاً للمُنْفَق عليه إذا كان من الحواشي.

وأما الأصول والفروع فلا يشترط غير الشرطين الأولين، وعليه نفقة مماليكه من الآدميين، والبهائم، وأن يقوم بكفايتهم، ولا يكلفهم من العمل ما لا يطيقون.

 باب الجنايات على النفوس

القتل ثلاثة أقسام:

أحدها: العمد العدوان: وهو أن يقصد الجاني المجني عليه المعصوم بجناية تقتل غالباً، فيخيَّر أولياء المقتول بين قتله إن كان مكافئاً له في الإسلام والحرية، وبين أخذ الدية، وهي مائة بعير للذكر، ونصفها للأنثى.

والثاني: شِبْهُ عمد: وهو أن يقصده بجناية لا تقتل غالباً.

والثالث: الخطأ المحض.

فهذان القسمان فيهما الكفارة في مال القاتل، وهي عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، والدِّية على عَاقِلَتهِ، وهم: ذكور عصبته، قريبين أو بعيدين، وتوزع بينهم على حسب غناهم وقربهم، كل عام يحل منها ثلث الدية، ولا قصاص في هذين القسمين.

فصل

القصاص فيما دون النفس

وحكم إتلاف الأطراف حكم إتلاف النفوس في وجوب القصاص في العمد العدوان، وعدم القصاص في غيره، ولكن يشترط في القصاص المساواة في الاسم والموضع، وكذلك الجروح التي تنتهي إلى حد أو مفصل، فيها القصاص لإمكان المساواة وإلا فلا قصاص فيها.

ديات الأعضاء ومنافعها

وأما ديات الأعضاء والجروح: فما في الإنسان منه شيء واحد كالذكر، واللسان، والأنف، ففيه دية كاملة؛ وما فيه شيئان كاليدين، والعينين، ونحوهما، ففيهما دية كاملة، وفي أحدهما نصفها؛ وما فيه ثلاثة كالمنخرين مع الحاجز، ففيها دية كاملة، وفي أحدها ثلثها؛ وما فيه أربعة كالأجفان ففيها دية كاملة، وفي أحدها ربعها؛ وما فيه عشرة كأصابع اليدين والرجلين ففيها دية كاملة، وفي كل واحد منها عُشرها.

وفي المُوْضِحَة ([53]) خمس من الإبل، وفي الهَاشِمَة ([54]) عشر من الإبل، وفي المُنَقِّلة ([55]) خمسة عشر من الإبل، وفي المَأمُومة ([56]) والجَائِفَة ([57]) ثلث الدية، ويستوي الذكر والأنثى فيما يوجب دون ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث كانت الأنثى على النصف من الرجل.

وما سوى ذلك من الأطراف والجروح التي لا مقدر فيها ففيها حكومة ([58]).

والمنافع: كالسمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، ومنفعة الأكل، والبطش، والمشي، والنكاح، وغيرها في كل واحدة منها إذا جنى عليه فذهبت دية كاملة، فلو جنى عليه فذهب منها عدة منافع فلكل واحدة دية كاملة، والله أعلم.

 باب الحدود

حد الزنا

 لا تجب الحدود إلا على مكلَّف، ملتزم ([59])، عالم بالتحريم. وإقامتها حقٌّ لله، ونكالٌ للمجرمين، ومنع لهم ولغيرهم من الوقوع في مثلها، فمن زنى بلا شبهة حاصلة له، وشهد عليه أربعة رجال عدول، وصرَّحوا بحقيقة الزنى، أو أقرَّ على نفسه أربع مرات، رُجِم بالحجارة حتى يموت إن كان مُحصَناً، وهو الذي قد تزوج ووطأ زوجته، وإن كان غير مُحصن جُلد مائة جلدة، وغُرِّب عاماً عن وطنه.

حد القذف

 ومن قذف غيره بالزنى ولم يُثبت ذلك بأربعة شهود، أو بإقرار المقذوف، جُلد ثمانين جلدة، وإن قذفه بغير الزنى كالكفر، والفسق، ونحوه عُزِّر تعزيراً يردعه وغيره عن الوقوع في أعراض الناس.

حد المسكر

ومن شرب الخمر، وهو: كل شراب مسكر حُدَّ ثمانين جلدة.

حد السرقة

ومن سرق من حِرز نصاباً لا شبهة له فيه، وهو ربع دينار فأكثر، قُطعت يده من مفصل الكوع وحُسِمَت وجوباً في زيت، أو ودَك مغلي؛ لتنسد العروق.

فصل

حكم المرتد

 والمرتد عن الإسلام يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتل، والردة تكون بالشك، والتكذيب، كالشك والتكذيب بالأصول الستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشرِّه، وتكون بتكذيب الله ورسوله في كل خبر ثبت بالنص والإجماع القطعي، بل وكل خبر علم الإنسان ثبوته عن الله ورسوله وكذَّبه فهو كافر.

وتكون بالفعل، كأن يعبد غير الله مع الله بأن يصرف نوعاً من العبادة لغير الله من المخلوقين.

وإذا كان الشرك كفراً أكبر يخلد صاحبه في النار، فالمستكبر عن عبادة الله، والجاحد، والزنديق، والمنافق، أعظم وأطم.

فالكفر في الحقيقة ضد الإيمان، فمن لم يأت بالإيمان الكافي فهو كافر أو مرتد، وأما أهل البدع ففيهم تفصيل يرجع إلى هذه الضوابط المذكورة في هذا المختصر، والله أعلم.

فصل

حد الحرابة

 قال تعالى: { 8 إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ } الآية. [المائدة: 33]. هذه العقوبة مرتَّبة على قُطّاع الطريق بحسب جرائمهم: فمن قتل منهم وأخذ مالاً قُتل وصُلب حتى يشتهر خزيه، ومن قتل ولم يأخذ مالاً قُتل، ومن أخذ مالاً قُطعت يده اليمنى ورجله اليسرى، ومن أخاف الناس نُفي من الأرض لزوال شرِّه، فإن تابوا قبل القدرة عليهم سقطت عنهم حقوق الله، وأُخذوا بحقوق الآدميين.

 كتاب الأطعمة، والأشربة، والأكسية

الأصل في هذه الأنواع الثلاثة الحل، فلا يحرم منها إلا ما حرَّمه الله ورسوله؛ ولهذا أنكر تعالى على من حرَّم منها ما لم يحرمه في قوله: {   قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } الآية [الأعراف: 32].

أحكام الأطعمة

فالأطعمة كلها حلال، حيوانات البحر كلها، والخارج من الأرض، من حبوب، وثمار، وغيرها، والحيوانات البرية إلا كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مِخْلَب من الطير، والخبائث، وما فيه ضرر كالسُّميَّات ونحوها، وما أمر الشارع بقتله، وما نهى عن قتله، والحُمُر الأهلية، والبغال، والنجاسات الأصلية والعارضة، كالجلاَّلة التي أكثر علفها النجاسة، فيحرم لحمها، ولبنها، وبيضها، حتى تُمنع أكل النجس، وتأكل الطاهر ثلاثاً، فحينئذ تطهر وتحل.


فصل

أحكام الذكاة

ومن شروط حِلّ الحيوانات البرية: أن يذبحها مسلم، أو كتابي، ويذكر اسم الله، وينهر الدم بمُحدد غير السن، والظفر، والعظام، ويقطع الحلقوم والمريء إن كان مقدوراً عليه، فإن كان معجوزاً عنه كالإبل إذا شردت وعجز عنها، وكالصيود، فإن ذكاتها رميها مع ذكر اسم الله، أو إصابتها في أي موضع من جسدها، فإن أدركها بعد رميها ميتة حلَّت، وإن أدركها وفيها حياة مستقرة فلا بد من ذكاتها.

وما أصابه سبب الموت من منخنقة، وموقوذة ([60])، ومتردِّية ([61])، ونطيحة، وأكيلة سبع، إن ماتت من ذلك السبب فهي ميتة، فإن أدركت حية وذُكِّيت حلَّت.

والطيور والكلاب المعلَّمة إذا أرسلها صاحبها على الصيد وذكر اسم الله عليها حلَّت. وأما الجراد فحكمه حكم حيوانات البحر لا تحتاج إلى تذكية، والله أعلم.

فصل

أحكام الأشربة واللباس

والأشربة كلها حلال مفردة أو مركبة إلا المسكرات، والأشربة الخبيثة النجسة. وكذلك الأكسية من ثياب وغيرها كلها حلال، سوى الحرير للرجال، والذهب والفضة للرجال، وسوى ما فيه تشبه الرجال بالنساء، وعكسه، وسوى ثياب الفخر والخُيلاء، والله أعلم.

باب الأيمان والنذور

من حلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته على شيء أن يفعله أو لا يفعله، انعقدت يمينه إذا كان غير مُكره، فإن تمَّمها ولم يَحْنَث ([62]) فلا كفارة عليه، وإن حَنِثَ فعليه كفارة يمين: إما عتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، ويُخيّر في الكفارة بين أن يقدمها على الحِنْث أو يؤخرها عنه.

وينبغي حفظ يمينه، بأن لا يَحْنَث فيها إلا إذا حلف على ترك خير، أو على فعل محرَّم، أو مكروه، فلا يجعل يمينه مانعة له من فعل الخير أو ترك الشر، بل يكفِّر، ويفعل الخير، ويترك الشر، وهذا معنى قوله تعالى: { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ } [البقرة: 224]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا حلفتَ على يمين فرأيتَ غيرها خيراً منها فأْتِ الذي هو خير وكفِّر عن يمينك» ([63]).

ولَغْو اليمين الذي لا إثم فيه ولا كفَّارة: هو قول الإنسان في عرض حديثه: لا والله، بلى والله، من غير قصد، أو يحلف على ماضٍ يظنه كما قال فيتبين خلاف ما قال.

وأما من حلف على أمر ماض وهو يعلم إنه كاذب ـ وخصوصاً إذا اقتطع بها مال امرئ مسلم ـ فهو اليمين الغَمُوس، الموجبة لغضب الله وعقابه.

فصل

النذر

وعَقْد النذر على قسمين:

أحدهما: أن يعقده نذراً صحيحاً ينذر طاعة لله، كصلاة، وصيام، وعتق، وصدقة، وغيرها، غير معلَّق، أو يُعلقها على حصول نعمة أو دفع نِقْمَة ثم يتم له مراده، فهذا يجب عليه الوفاء بنذره، فمن نذر أن يطيع الله فليطعه.

الثاني: النذر الذي يجري مجرى اليمين، وذلك بقية أقسام النذر، كالنذر المباح، أو المحرَّم، ونذر اللجاج، أو الغضب، فهذا إذا حَنِثَ عليه كفارة يمين.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الحلف بالطلاق والعتق والظهار ونحوها يجري مجرى اليمين بالله تعالى، فيها الكفارة فقط لا الوقوع، وأنها داخلة في مسمَّى الأيمان.

والمُفتى به عند الحنابلة وغيرهم من أرباب المذاهب الأربعة: الوقوع للطلاق، والعتق، والظهار، بمنزلة التعاليق المحضة، والله أعلم.

 باب القضاء، والدَّعَاوَى، والشهادات

نَصْبُ القضاة فرض كفاية بقدر ما يحصل بهم المقصود. ويُشترط أن يكون القاضي عالماً بالأحكام الشرعية، ويُحْسِن تطبيقها على الأمور الجزئية الواقعة، ويجب عليه العدل بين الخصوم في كل شيء، ولا يحكم بعلمه إلا في الأمور التي يُقرُّ بها أحد الخصمين، أو تبيَّن له في مجلس حكمه.

 الدعاوى والبينات والشهادات

وإذا تداعيا عَيْناً، أو ادعى أحدهما على الآخر دَيْناً، أو ادَّعى من عليه الدَّين أنه أبرأه، أو قضاه ونحوه، فعلى المُدّعي البينة، وهي في الأموال وتوابعها: رجلان مرضيان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين المدعي. وظاهر الدليل يقتضي أن المرأتين في حكم الرجل في جميع الشهادات، فإن لم يكن له بينة حَلَفَ المُدَّعَى عليه، وصرف الحاكم المُدَّعِي عنه. وإن كانت العين بيد أحدهما فهي له بيمينه.

وإذا تشابهت الأمور على الحاكم عمل بالقرائن المُرَجِّحة، فإن تعذر عليه فعليه بالصلح العادل الذي لا يميل فيه على أحدهما، بل يحث كلاً منهما على السماح عن حقه، أو بعضه إن كان له حق، ويذكر له فضل ذلك وثوابه، وأنه مع عدم ذلك يتعذر البت فيها.

فصل

شروط من تُقبل شهادته ويشترط في الشاهد: البلوغ، والعقل، والعدالة، وأن لا يكون يُتهم في أحدهما ([64])، أو على أحدهما ([65])، كالأصول، والفروع، وأحد الزوجين للآخر، والسيد أو العبد لسيده، والعدو على عدوه. فإن جهل الحاكم عدالة الشاهد فلا بد من المزكِّين له، وإن ارتاب الحاكم من الشاهد عمل الأسباب التي يمتحن فيها صدق الصادق وكذب الكاذب، ولِحُذَّاقِ الحُكَّام في هذا من الفِطْنَة والفراسة أمور عجيبة نافعة لهم وللناس.

فصل

القسمة بين الشركاء

 والمال المُشترك، والعَيْن، والأرض، والدار المُشتركة، إذا طلب أحد الشركاء قسمتها، ولا ضرر في ذلك، أُجيب إلى القسمة، فإن كان في قسمتها ضرر، ولم يتَّفقا على التأجير، ولا على المهايأة ([66]) بالمكان ([67])، أو الزمان ([68])، أو النفع، بيعت عليهما، وقُسم الثمن على قدر الأملاك، كما يُجبر الشريك على المجاراة في التعميرات اللازمة.

فصل

الإقرار

ومن أقرَّ لغيره بعين، أو دَين، أو حق من الحقوق، وهو جائز التصرف، ثبت ما أقرّ به على الوجه الذي أقرّ به، إذا صدَّقه المُقَرّ له، والله أعلم.

باب الآداب المتنوعة، والحقوق

 فصل في حق الله

أما أعظم الحقوق على المكلَّفين، وأوجبها، فهو حق الله. وعَقْدُ ذلك: أن نعلم ونعترف بما لله من الكمال والوحدانية، وما له من الحقوق على عباده، من الإخلاص، والعبودية، فعلينا أن نؤمن أن الله تعالى هو الرب، الخالق، الرازق، المدبِّر، المتوحِّد بصفات الكمال، وغاية الجلال والجمال، الذي لا يُحصي أحدٌ ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه؛ وأن نصفه بما وصف به نفسه في كتابه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وننزِّهه عما نزَّه عنه نفسه ونزَّهه عنه رسوله.

ونعلم أن الله ليس كمثله شيء في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، وأن ما قاله حق وصدق لا ريب فيه، ثم نقوم بعبادته التي شرعها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مخلصين له الدين.

فهذا مجمل حقه على العباد، وقد اعتنى علماء السلف في تفاصيل هذه الجملة العظيمة فَلْيُطلب هناك.

 فصل في حق الرسول

ثم بعد حق الله علينا: حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أولى بنا من أنفسنا ووالدينا، وأرحم بنا وأشفق علينا من جميع الخلق، ولم يصل إلينا من الهدى والعلم والخير شيء إلا على يديه.

هو الذي وجدنا ضالين فهدانا الله به، وأشقياء غاوين فاستنقذنا الله به، ووجدنا مُوَجِّهين وجوهنا إلى كل كفر وفسق وعصيان، فوجَّهنا الله به إلى كل خير وطاعة وإيمان، لم يبق خير إلا دلَّنا عليه، ولا شرَّ إلا حذَّرنا عنه، فله علينا أن نعلم أنه رسول الله حقاً، وأنه خاتم النبيين، لا نبي بعده، وأنه أُرسل رسالة عامة للمُرسَل إليهم، وعامة في المُرسَل به.

فأما المُرسَل إليهم؛ فإنه مُرسل إلى العرب وغيرهم من أصناف الأمم، على اختلاف أنواعهم، وأجناسهم، وإلى الجن.

وأما ما أُرسل به: فإنه أُرسل ليبيِّن للخلق أصول دينهم، وفروعه، وظاهره، وباطنه؛ لإصلاح العقائد، والأخلاق، والأعمال، ولصلاح الدين، وصلاح الدنيا.

ونعلم أنه أعلم الخلق وأصدقهم وأنصحهم وأعظمهم بياناً وأعرفهم بما يصلح للخلق على اختلاف طبقاتهم ومشاربهم، فعلينا أن نؤمن به كما نؤمن بالله، ونطيعه كما نطيع الله، ونقدم محبته على أنفسنا ووالدينا والناس أجمعين.

وعلينا أن نتبعه في كل شيء ولا نقدم على هديه وقوله قول أحد وهديه كائناً من كان، وعلينا أن نوقره ونعظمه وننصره، وننصر دينه بأنفسنا وأموالنا وألسنتنا، وبكل ما نقدر عليه، وذلك كله من أعظم منن الله علينا.

ونؤمن بأن الله جمع له من الفضائل والخصائص والكمالات ما لم يجمعه لأحد غيره من الأولين والآخرين، فهو أعلى الخلق مقاماً وأعظمهم جاهاً وأقربهم وسيلة، وأجلّهم وأكملهم في كل فضيلة، وحقوقه صلى الله عليه وسلم كثيرة قد أفردت فيها المؤلفات الكثيرة.

 فصل في حقوق أهل العلم

أعظم الحقوق الواجبة بعد حق الرسول: حقوق العلماء المعلِّمين الذين هم الواسطة بين الرسول وبين أمته في تبليغ دينه، وبيان شريعته، الذين لولاهم لكان الناس كالبهائم. حقوقهم على الأمة أعظم من حق الآباء والأمهات، فإنهم رَبَّوا أرواح العباد وقلوبهم بالعلوم النافعة، والمعارف الصحيحة، وهم هُداة الأمة في أصول دينهم وفروعه، وهم المَرْجُوع إليهم في أحكام الحقوق والمعاملات، كما أنهم المَرْجُوع إليهم في أمور العبادات.بهم قام الكتاب والسنة، وبهم اتضح الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والحلال من الحرام، والخير من الشر، والصلاح من الفساد.

وهم في ذلك على مراتبهم طبقات،بحسب ما قاموا به من العلم والتعليم،والنفع الكثير أو القليل، فحقهم على الأمة كبير، ومقامهم جليل، فعلى الناس أن يحبوهم، ويجلُّوهم، ويوقِّروهم، ويعترفوا بفضائلهم، وفواضلهم، ويشكروهم على ذلك غاية الشكر، ويدعوا لهم سراً وعلناً، ويتقرَّبوا إلى الله بمحبتهم والثناء عليهم، وينشروا محاسنهم، ويغضُّوا القلب واللسان عن مساويهم التي إذا وُجدت اضمحلت في جنب محاسنهم.

وعليهم أن ينتهزوا الفرصة في وجودهم، فيغترفوا من معين علمهم، ويسترشدوا بنورهم، ويعملوا جميع ما يقدرون عليه من الأسباب التي تريحهم وتفرغهم لما هم بصدده من مهماتهم التي هي أعظم المهمات على الإطلاق، من تعليم الطلبة المستعدين، والتجرد لهم، ومن إرشاد العوام، ومن الفتاوى الصادرة منهم والواردة عليهم، ومن استعدادهم للحكم في قضايا الخلق، وفصل خصوماتهم، إلى غير ذلك مما لا يُحصى مما هو متوقف عليهم. والناس مضطرون إليهم، وحقوقهم على وجه التفصيل لا يمكن عدُّها.

 فصل في حقوق الأئمة

ثم بعد حقوق العلماء المعلمين المرشدين: يجب القيام بحق الأئمة، وخصوصاً الأئمة العادلين، من أمراء المسلمين، وملوكهم، وولاة أمرهم؛ فإن الله أمر بطاعتهم في قوله: { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } [النساء: 59] وهم العلماء والملوك. وقال صلى الله عليه وسلم: «ومن يطع الأمير فقد أطاعني» ([69]).

ومن إجلال الله إجلال السلطان المُقْسِط، وهو أحد السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، والملوك هم الذين إذا صلحوا صلحت الرعية، وإذا فسدوا فسدت الرعية، وبهم قيام الدين، والإلزام بجميع شعائر الدين، وإقامة الحدود، وردع المفسدين، وبهم أَمِنَت السُبل.

لولا الخلافة لم تأمن لنا سبل        وكانَ أضْعَفُنَا نَهبْاً لأِقْوَانَا ([70])

وبهم قام الجهاد، بالعلم، والحجة، والبرهان، وبالسلاح، والسيف، والسِّنان.

فكم لهم من الآثار الخيرية، فحقهم عظيم على جميع الرعية؛ عليهم النصح لهم في كل ما يقدرون على نصحهم، وإعانتهم على مهمَّاتهم، واعتقاد ولايتهم، وحثّ الناس على لزوم طاعتهم، وإرشادهم إلى كل خير وصلاح، وتحذيرهم عن كل شر وضرر في الدين والدنيا على وجه الرفق واللين، والدعاء لله بصلاحهم، فإن الدعاء لهم دعاء للرعية كلها، كما أن إرشادهم إلى مصلحة ومشروع خيري نَفْعٌ شامل.

وعلى الناس أن يغضوا عن مساويهم، ولا يشتغلوا بسبِّهم، بل يسألون الله لهم التوفيق، فإن سبَّ الملوك والأمراء فيه شر كبير، وضرر عام وخاص، وربما تجد السَّاب لهم لم تُحَدِّثه نفسه بنصيحتهم يوماً من الأيام، وهذا عنوان الغش للراعي والرعية.

وحقوق الملوك الصالحين لا تُعد ولا تُحصى، فهم وإن كانت لهم سيئات كثيرة فإن لهم حسنات أكثر من غيرهم من الرعية.

فنسأل الله أن يأخذ بنواصيهم إلى الخير إنه جواد كريم.


 فصل في حقوق المحسنين بأموالهم

ثم من بعد هؤلاء: حق أئمة المحسنين، الذين إحسانهم شمل خلقاً كثيراً من أهل الصدقات المالية، والبذل الكثير في طرق الخير، سواء كان ذلك في دفع حاجة الفقراء والمساكين، أو في المشاريع الخيرية، كبناء المساجد، والمدارس، والآبار، والعيون، والمياه، التي نفعها شامل، فهؤلاء حقهم عظيم على الناس؛ لما أَبْدَوه نحوهم من سدِّ حاجة المحتاجين، وإزالة الضرِّ عن المضطرين، والقيام بمؤنة العاجزين، وقيام المشاريع الخيرية بهم، التي لا يُحصى ما فيها من الخير والنفع الدائم المتسلسل.

فهؤلاء المحسنون على الناس شكرهم على ما فعلوا، والدعاء لهم، وتنشيطهم على أعمالهم النافعة، ومحبتهم، والثناء عليهم، فإن الخلق عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، وإذا كان صلى الله عليه وسلم يقول: «من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه» ([71]).

فما ظنك بمن إحسانه انتفع به الغني والفقير، والقريب والبعيد، وانتُفع به على وجه الخصوص، وعلى وجه العموم، ودفع الحاجات الخاصة، والحاجات العامة، فهذا حقه كبير.

فرحم الله المحسنين، وضاعف لهم الأجر والثواب، وأدخلهم الجنة بغير حساب، وجعل أعمالهم خالصة لوجهه الكريم، ونفع الله بها النفع العميم، إنه جواد كريم.

 فصل في حق الوالدين

ومن آكد الحقوق الخاصة: حق الوالدين الذي أمر الله به في عدة آيات، وقَرَنَ حقهما بحقه، ونبَّه على السبب في ذلك في قوله: { وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء: 24].

فهذه التربية التي اختص بها الأبوان رتبتها عظيمة، أولاً: تسببا في اجتماعهما في وجودك، فوجودك أثر بسببهما، والوجود أصل النعم وأساسها، ثم حملتك الأم في بطنها مدة الحمل، ووضعتك كرهاً ووهناً على وهن، ثم غذَّتك بِدَرِّهَا، وباشرت حضانتك وملاحظتك، وإزالة الأضرار عنك، وعمل المصالح، وهي في ذلك مبسوطة ممنونة لما في ضميرها من الحنان والشفقة التي لا نظير لها إلا رحمة الله التي هي منها، وكم أَسْهَرْتَ ليلها وأَقْلَقْتَهَا.

والأب منذ كنت في بطن الأم وهو يُجري عليك النفقات، وبعد وضعك ضاعف ذلك. ولم تزل في تربيتهما البدنية والمالية، والإرشاد إلى مصالحك الدينية والدنيوية حتى اكتمل عقلك وقوتك، فوجب عليك من الحق العظيم لهما شيء كثير من القول الكريم، والإحسان المالي، والخدمة البدنية، والخضوع لهما، وطاعتهما في المعروف، والتوقير لهما، وكف الأذى اليسير والكثير، بالقول والفعل، والدعاء لهما، والشكر لهما، والثناء عليهما على ما أبديا نحوك من البر والتكريم، وقضاء حاجاتهما والدَّين الذي عليهما أحياءً وأمواتاً، وتنفيذ وصيتهما بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من جهتهما، ليجتمع لك البر والصلة.

وحقوق الوالدين كثيرة، ولكن ضابطها: ما ذكره الله في كتابه؛ فإنه أمر بالإحسان إليهما، وذلك شامل لكل إحسان بجميع وجوهه، ويُرجع في ذلك إلى العُرف والعادة، فكل ما عدَّه الناس إحساناً فهو داخل في الإحسان المأمور به.


 فصل في حق الأولاد

وللأولاد على والديهم حقوق؛ فإنهم أمانات عندهم، وهم مسؤولون عنهم، فعليهم بسببهم.

جنسان من الواجبات:

أحدهما: القيام بالمؤنة البدنية، من نفقة، وكسوة، وما يتبع ذلك، فهو واجب لا بد منه، مع أنه من أفضل العبادات، وخصوصاً مع احتساب الثواب عند الله، فإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها، حتى ما تجعله في فِي امرأتك، أي: وعيالك.

والنوع الثاني: واجب التربية الدينية، فعلى الوالدين تعليمهم القرآن، والعلم، والكتابة، وتوابع ذلك، وتربية أخلاقهم بكفِّهم عن المفاسد كلها، وحثِّهم على الفرائض.

وبتمام الأمرين يربح العبد أولاده، وبتقصيره بالتربية الدينية يخسر أولاده خسراناً مبيناً. فالأولاد كما أنهم مسؤولون عن القيام ببر الوالدين، والقيام بواجبهم، كذلك قبلهم الأبوان مسؤولان عن إصلاح أولادهما: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } [التحريم: 6] الآية، وذلك بالقيام بالأسباب التي تقيهم النار، والملاحظة التامة، وعدم إهمالهم، ومن أهملهم فلا يلومنَّ إلا نفسه إذا فاته الثواب، واستحقَّ بترك ما يجب عليه العقاب، وفاته بر أولاده وخيرهم، { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا } [فصلت: 46].

 فصل في صلة الأرحام

وقد أمر الله ورسوله بصلة الأرحام، وهم جميع الأقارب، قريبهم وبعيدهم. وأخبر بفضل الواصلين لأرحامهم، وأن الله يجمع لهم بين سعة العمر وسعة الرزق، وفتح أبواب البركة والأجر العظيم عند الله، وأن القاطعين لهم خلاف ذلك.

فعلى الإنسان أن يتعاهد أقاربه بالصلة في بدنه، وزيارته وقضاء حوائجهم، وإعانتهم على أمورهم، وبذل ما يقدر عليه في ذلك، ويتعاهد الهدية لموسرهم، والصدقة على مُعسرهم، ويتحبب إليهم بكل ممكن، وذلك ميسور على من وفقه الله ويسّره عليه، ويجاهد نفسه على صلة القاطع منهم، فإن الواصل الحقيقي هو الذي يصل أرحامه كلهم، من وَصَلَه ومن قطعه، وذلك عنوان على الإخلاص لله. ولا بد إذا ثابر على ذلك أن يُؤْثِرَهُ الله، ويجعل له العاقبة الحميدة.

وإذا كان بينه وبينهم شيء من المشاكل الدنيوية المُحْدِثَة للخصام فليحتسب صلتهم عند الله، وليتنازل عن حقه أو بعضه، ويربح الصلة التي هي أفضل المكاسب، إذا كان غيره يرى المكسب في الحطام الخسيس من الدنيا.

ومن أبواب الصلة: أن يسعى في الإصلاح بينهم إذا كان بينهم ضغائن وإحن، فإن الإصلاح فضله عظيم، وخصوصاً لمن لهم حق على الإنسان كالأقارب، ويتسبب لهم بالأسباب التي تنفعهم في دينهم ودنياهم.

واعلم أن من بينك وبينه رضاع، وإن لم يكونوا مثل الأقارب، وهم قاصرون عن رتبتهم في أمور كثيرة، لكن في باب البر والصلة ينبغي أن تراعي فيهم ذلك، وأن تحفظ لهم ذلك السبب الذي قوي في باب التحريم حتى ساوى النسب، فميِّز بين من بينك وبينه رضاع عن غيرهم، وخصوصاً الأم المرضعة، وصاحب اللبن، والله الموفق.

 فصل في حقوق الجيران والأصحاب

تقدم في مسائل الصلح بعض حقوق الجيران، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جاره» ([72]).

واعلم أن الأصحاب والرفقاء لهم حقوق مشتركة مع المسلمين، وحقوق خاصة. أما ضابط الحقوق المشتركة فميزانها الجامع لكل متفرقاتها قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» ([73]). فالأصحاب داخلون في ذلك، وعليك أن تساعدهم على مهمَّاتهم الدينية والدنيوية، وتقضي حاجاتهم، وتنوب عنهم إذا غابوا في كل أمر ينوبهم، وحيث لك من الاتصال بهم، والإدلال عليهم، والثقة بهم، ما ليس لغيرهم؛ فبمقتضى هذه الحال: انصحهم، وأرشدهم في كل قليل وكثير، وفي الأمور التي يُحتشم منها، وفي غيرها، وفي كثير من الأمور التي يتعذر، أو يتعسَّر، أو يشق إجراؤها مع غيرهم؛ لأن ما بينك وبينهم من الأسباب، والقرب، والاتصال، يوجب ذلك.

وكن وفياً لهم، حافظاً لودِّهم، مواظباً على أخذ خواطرهم، حريصاً على تأسيس الصحبة وتنميتها بعيداً عمَّا يخالف ذلك، مغضياً عن معائبهم وعدم قيامهم بحقوق الصحبة، واسلك معهم ومع غيرهم ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَفْرَك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر» ([74]).

فكذلك الأصحاب إذا كرهت منهم بعض الأخلاق، أو رأيت تقصيراً وقصوراً فيها، فاذكر محاسنهم، واذكر حقوق الصحبة، واذكر حقوق الوفاء، وانظر سير الموفقين الأخيار، فإنك إذا فعلت ذلك أدركت كل مراد، وفزت بطاعة رب العباد.

 فصل في آداب مجالسة الناس

وإذا جالست الناس، واجتمعت بهم، فاجعل التواضع شعارك، وتقوى الله دِثَارَك، والنصح للعباد طريقك المستمر.

فاحرص على أن كل مجلس جلست معهم فيه يحتوي على خير، إما بحث علمي، أو نصح ديني، أو توجيه إلى مصلحة عامة أو خاصة، أو تذكير بنعم الله، أو تذكير بفضائل الأخلاق الحميدة، والآداب الحسنة، أو تحذير من شر ديني أو دنيوي. وأقل ذلك أن تغتنم إشغالهم بالمباحات عن المحرمات. وحَسِّن خُلقك مع الصغير، والكبير، والنظير، وعامل كلاً منهم بما يليق به، ووقِّر من يستحق التوقير والإجلال. واحرص على تأنيس جليسك بالكلام المناسب الطيب ولو كان متعلقاً بالدنيا، فإن الكلام المباح والاجتماع المباح إذا أثمر تأنيس المُجَالَس، وَبْسط المُحَادَث، وأثمر راحة القلب عاد محموداً، والعاقل الحازم يدرك بمجالسة الناس خيراً كثيراً، ويكون أحب إليهم من كل محبوب؛ لأنه يدخل عليهم من الأبواب التي يعرفون، والأحاديث التي يرغبونها، والأصل في ذلك كله توفيق من أزِمَّة الأمور كلها بيديه.

وتتأكد هذه الأمور في صحبة السفر، فإن السفر تطول فيه المجالسة، ويحتاج المسافرون إلى من يروِّحهم بالأحاديث الطيبة، والماجريات، والمزح أحياناً إذا كان صدقاً ولم يكثرُ، ومساعدتهم على مهمات السفر، فالآداب الطيبة تجعل أصحابها عند الناس ألذ من بارد الشراب، والثقيل أشد على أرواحهم من الأحجار الصلاب، فسبحان من فاوت بين عباده في أخلاقهم وأعمالهم وجميع أحوالهم، والله الموفِّق وحده.

 فصل في الجمع بين مصالح الدين والدنيا

العاقل الحازم يتمكن من التزود من الباقيات الصالحات مع استكمال نصيبه من الدنيا على وجه السهولة، فليستعين ([75])  بالغُدْوَة، والرَّوْحَة، وبشيء من الدُّلجة، وهو في ذلك قائم بأمور دنياه وأسبابه؛ فلو أنه جعل له وِرْداً من آخر الليل، يصلي ويناجي ربه، ويسأله صلاح دينه ودنياه، ولو كان ذلك يسيراً، وافتتح نهاره بالخير، والقراءة، وأوراد الصباح، واختتمه كذلك، وبادر للصلوات الخمس في أول وقتها، وجعل معها، وقبلها، وبعدها، ما يسّره الله من أعمال الخير من صلاة، وقراءة، وذِكْر، وسماع علم، وغيرها، وعَوَّد لسانه ذكر الله، والاستغفار، وباشر الأسباب الدنيوية، من تجارة، أو صناعة، أو فلاحة، ونحوها، برفق وطلب جميل، واستعان بربه في ذلك، واكتفى بالأسباب المباحة، وبحلال الله عن حرامه، وقصد بذلك القيام بواجب النفس، ومن يعول، والاستغناء عن الخلق، لو فعل هذا أو ما يقاربه لحصَّل خيراً، وغنم ثواباً جزيلاً، ومع ذلك لم ينسَ نصيبه من دنياه، ولا فاته من لذاتها شيء، وربما منّ الله عليه بالقناعة التي هي الغنى الحقيقي، وبها تتم الحياة الطيبة، والله هو الموفق لكل خير.

 فصل فيما تُقابل به النعم والمكاره، واغتنام الفرص النافعة

العبد يتقلب في الدنيا بين حصول ما يحبه، واندفاع ما يكرهه، فوظيفته الشكر والثناء على الله بذلك؛ وبين وجود المصائب والمكاره المتنوعة، فوظيفته الصبر عليها،واحتساب أجرها وثوابها؛ ليكون غانماً في الحالين، «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سرَّاء شكر كان خيراً له، وإن أصابته ضرَّاء صبر كان خيراً له، وليس ذلك إلا للمؤمن».

وينبغي للموفَّق أن يكون له مشاركة في كل عمل خيري، ومساعدة مالية، ولو قلَّت، فإن لم يكن فمساعدة عملية، أو قولية، أو تنشيط للمشتركين، ليكتسب بذلك الفضل والثواب، وذلك يسير على من يسَّره الله عليه.

 فصل فيمن ينبغي صحبته

لا بد للإنسان من أصحاب وقرناء يجتمع بهم ويقضي كثيراً من أوقاته في صحبتهم، فاغتنم صحبة الأخيار الذين لا تعدم من صحبتهم علماً تتعلمه، أو نصيحة تنتفع بها، أو اشتغالاً بما يقرِّب إلى الله. وأقل ما في ذلك: السلامة من التَّبِعات القولية والفعلية، مع أنك آمن من سخريتهم، وهمزهم، ولمزهم، حاضراً أو غائباً، مع الفائدة العظيمة، وهي أن الرغبة في قلبك للخير تزيد وتنمو، وداعية الشر تضعف أو تضمحل، فالمرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يُخالل، مع ما يحصل لك من ثناء الناس، وحسن السمعة؛ فإنهم يعتبرون الناس بقرنائهم، فيحق للمرء أن يفخر بصحبة الأخيار، وإياك وصحبة الأشرار؛ فإنهم بضد ما ذكرنا.

فالجليس الصالح كحامل المسك، إما أن يُحذيك، أو تجد منه رائحة طيبة، والجليس السوء كنافخ الكير، إما أن يحرقك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة، والله أعلم.

 فصل في نبذة يسيرة من آداب المتعلمين والمعلِّمين

الآداب المشتركة يتعيَّن على أهل العلم على وجه الخصوص أن يجعلوا أساس أمرهم في تعلمهم وتعليمهم الإخلاص الكامل، والتقرُّب إلى الله بهذه العبادة التي هي أجلّ العبادات وأفضلها، وتستغرق من عمر العبد جَوْهَرَه وصَفْوَه، ويتفقَّدوا هذا الأصل في كل دقيق وجليل من أمورهم، فإن درسوا أو دارسوا، أو بحثوا أو ناظروا، أو أسمعوا أو استمعوا، أو جلسوا مجلس علم، أو نقلوا أقدامهم لمجالس العلم، أو كتبوا، أو حفظوا، أو كرَّروا دروسهم الخاصة، أو راجعوا عليها أو على غيرها الكتب الأخرى، أو اشتروا كتباً، أو ما يعين على العلم، كانوا في ذلك كله محتسبين ليتحقَّقوا بقوله صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له طريقاً إلى الجنة» ([76]). فكل طريق حسِّي أو معنوي يسلكه الإنسان في سبيل العلم، فإنه داخل في هذا الحديث.


ثم بعد هذا يتعيَّن البداءة بالأهم فالأهم من العلوم الشرعية ووسائلها. وتفصيل هذه الجملة كثير معروف، والطريق التقريبي أن ينتقي من مصنفات الفن الذي يشتغل به أحسنها وأوضحها وأكثرها فائدة، ويجعل هذا الكتاب جُلّ همه حفظاً عند الإمكان، أو دراسة تكرير، بحيث تصير المعاني معقولة في قلبه محفوظة، ثم لا يزال يكرره ويعيده حتى يتقنه إتقاناً طيباً، وبعد ذلك ينتقل إلى الكتب المبسوطة في هذا الفن؛ لتكون كالشرح له، ويكون كتابه الذي اهتم به ذلك الاهتمام أساساً لها وأصلاً تتفرع عنه.

 آداب المعلم

وعلى المعلم أن ينظر إلى ذهن المتعلم، وقوة استعداده، أو ضعفه، فلا يدعه يشتغل بكتاب لا يناسب حاله؛ فإن القليل الذي يفهمه وينتفع به خير من الكثير الذي هو عرضة لنسيان معناه ولفظه.

وعلى المعلم أن يلقي على المتعلم من التوضيح وتبيين المعنى بقدر ما يتَّسع فهمه لإدراكه، ولا يخلط المسائل بعضها ببعض، ولا ينتقل من نوع إلى آخر حتى يتصور ويحقق السابق، فإن ذلك دَرَك للسابق، ويتوفر الذهن على اللاحق.

وعلى المعلم النصح للمتعلم، وترغيبه بكل ما يقدر عليه، وأن يصبر على عدم إدراكه، أو سوء أدبه، مع ملاحظته في كل ما يقوِّمه ويحسن أدبه؛ لأن المتعلم له حق على المعلم، حيث أقبل على العلم الذي ينفعه وينفع الناس، وحيث كان ما يحمله عن معلمه هو عين بضاعة المعلم، يحفظها وينميها ويتطلب بها المكاسب الرابحة، فهو الولد الحقيقي للمعلم، الوارث له، فالمعلم مثاب على نفس تعليمه، سواء فهم أو لم يفهم، فإن فهم وأدرك كان أجراً جارياً للمعلم ما دام ذلك النفع متسلسلاً، وهذه تجارة عظيمة لمثلها فليتنافس المتنافسون. فعلى المعلم إيجاد هذه التجارة وتنميتها، فهي من عمله وآثار عمله، قال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ } [يس: 12]، فما قدَّموه: هو ما باشروا عمله. وآثارهم: ما ترتب على أعمالهم من الخير الذي عمله غيرهم.

 آداب المتعلم

 وعلى المتعلم أن يوقِّر معلمه، ويتأدب معه؛ لما له من الحق العام والخاص:

أما العام: فإن معلم الخير قد استعد وباشر نفع الخلق، فوجب حقه عليهم؛ لكونه يعلمهم ما جهلوا، ويرشدهم إلى كل خير، ويحذرهم من كل شرٍّ، ويحصل به من نشر العلم والدين، وتسلسل ذلك النفع في الموجودين، وفيمن يأتي من بعدهم، وهذا النفع ليس له نظير من الإحسان.

وأما حقه الخاص على المتعلم: فلما بذله من تعليمه، وحرصه على كل ما يرشده ويوصله إلى أعلى الدرجات، وقد بذل صفوة وقته، وجوهر فكره، في تفهيم المسترشدين، وإفادة الطالبين، وصبر على ذلك بطيب نفس وسماحة، وإذا كانت الهداية الدنيوية، والإحسان الدنيوي، يوجب لصاحبه حقاً كبيراً على من وصل إليه إحسانه، فما الظن بهدايا العلوم النافعة الكثيرة، الباقي نفعها، العظيم وقعها.

وليجلس بين يديه متأدِّباً، ويظهر غاية حاجته إلى علمه، ويكثر من الدعاء له حاضراً وغائباً، وإذا أتحفه بفائدة غريبة فَلْيُصغ إليه إصغاء المضطر إلى عقلها والانتفاع بها.

وإذا أخطأ المعلم في شيء فلينبِّهه برفق ولطف بحسب المقام، ولا يقول له: أخطأت!! أو: ليس الأمر كما قلت!! بل يأتي بعبارة لطيفة يدرك بها المعلم خطأه من دون تشويش؛ فإن هذا من الحقوق اللازمة، وهو أدعى إلى الوصول إلى الصواب.

والمعلم عليه إذا أخطأ أن يرجع إلى الصواب، ولا يمنعه قول قاله ثم بان له الحق بخلافه أن يراجع الحق ويعترف به؛ فإن هذا علامة الإنصاف والتواضع للحق وللخلق، ومن نعمة الله على المعلم أن يجد من تلاميذه من ينبهه على خطئه، ويرشده إلى الصواب.

ولهذا كان من أعظم الواجبات على المعلمين والمفتين أن يتوقفوا عن الفتوى أو الجزم بما لم يعلموه، وهذا من علامات الدين والإنصاف، وضده من علامات الرياء وضعف الدين، بل هذا التوقف من التعليمات النافعة؛ ليحصل به القدوة الحسنة.

 آداب مشتركة

 وليكن قصد المعلمين والمتعلمين في جميع بحوثهم طلب الحق والصواب، واتباع ما رجَّحته الأدلة الصحيحة.

والحذر الحذر من الاشتغال بالعلم للأغراض الفاسدة، من المباهاة، والمماراة، والرياء، والرياسات، والتوسل به إلى الأمور الدنيوية، فمن طلبه لهذه الأمور فليس له في الآخرة من نصيب.

ومن أعظم ما يتعيَّن على أهل العلم من المعلِّمين والمتعلِّمين: الاتصاف بما يدعو إليه العلم من الأخلاق الجميلة، والتنزُّه عن الأخلاق الرذيلة؛ فإنهم أحق الناس بذلك؛ لتميزهم بالعلم؛ ولأنهم القدوة، والناس مجبولون على الاقتداء بأهل العلم منهم؛ ولأنه يتطرق إليهم من الاعتراض ما لا يتطرق لغيرهم.

والعلم إذا عمل به ثبت ونمت بركته، فروح العلم وحياته بالقيام به عملاً، وتخلُّقاً، وتعليماً، ونصحاً.

وينبغي تعاهد محفوظات المتعلمين ومعلوماتهم بالإعادة والامتحان، والحث على المذاكرة والمراجعة، وتكرار الدروس الحاضرة والسابقة. فالتعلم بمنزلة الغراس والبذور للزرع، وتعاهده بالمذاكرة والتكرار بمنزلة السقي، وإزالة الأشياء المضرَّة؛ لينمو ويزداد على الدوام.

وليحذر أهل العلم من الاشتغال بالتفتيش عن أحوال الناس وعيبهم؛ فإنه مع أن صاحبه مستحق للعقوبة، فإنه يشغل عن العلم، ويصد عن كل أمر نافع.

ومن آداب العالم والمتعلم: النصح، وبث العلوم النافعة بحسب الإمكان، حتى لو تعلم الإنسان مسألة وبثها وبحث بها مع من يتصل به كان ذلك من بركة العلم وخيره، ومن شحَّ بعلمه مات علمه قبل أن يموت، كما أن من بث علمه كان له حياة ثانية، وجازاه الله من جنس عمله.

ومن أهم ما يتعين على أهل العلم:

السعي في جمع كلمتهم، وتأليف القلوب؛ لأن هذا من أوجب الواجبات، وخصوصاً على أهل العلم الذي بهم الأسوة، وبه يحصل خير كثير، ويندفع شر كبير، والحذر من الحسد لأحد من أهل العلم؛ فأنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، وهو مناف للنصيحة التي هي الدين. والله أعلم.

فصل في الهمِّ، والفأل ([77])، والطِّيَرة ([78])،

والرُّقية وتوقي المواضع الوبيئة

الهمُّ

إذا همّ العبد بأمر، فإن كانت مصلحته ظاهرة واضحة فليعزم عليه متوكلاً على الله، وإن اتضحت مضرَّته فليدعه، وإن اشتبه عليه الأمر، أو لا يدري عن العاقبة، فليستخر الله، ويستشر من يثق بدينه، ومودَّته، وخبرته.

الفأل والطيرة

وكان صلى الله عليه وسلم يحب الفأل، ويكره الطِّيرة؛ وسبب ذلك: لما في الفأل من الاستبشار؛ وقوة الرجاء بحصول المحبوب. وأما الطيرة: فعلى العكس من ذلك؛ لأنها تحدث الهمَّ والغمَّ، وهي عقيدة فاسدة يتأثر لها المتطيِّر.

الرُّقية

الرُّقية بالأمور المحرمة أو المجهولة لا تجوز، وبالأدعية الشرعية وما أشبهها إحسان من الراقي على المرقي. وينبغي للمرقي أن لا يطلبها ابتداء؛ لمنافاة ذلك لكمال التوكل.

توقي المواضع الوبيئة

لا يحل للإنسان الإقدام على القدوم إلى المحل الذي فيه الوباء، ولا يخرج منه فراراً من الوباء، ولا بأس بقصد المواضع الطيبة الهواء لقصد الانتفاع بجوِّها.

ولا ينبغي للإنسان أن يكون ضعيف القلب، قليل التوكل، عند أقل عارض يذهب إلى الطبيب، فإن التهالك في ذلك يُضعف القلب، ويُحدث الأوهام الضارة، ويُضعف التوكل، وقوة التوكل وقوة القلب بطبعها تدفع كثيراً من العوارض، خصوصاً الأمور اليسيرة؛ وضد هذا ترك التداوي مع الاضطرار إليه وغلبة الظن بنجاحه مذموم.

 فصل في آداب من دخل المسجد

ينبغي لمن دخل المسجد أن يقدِّم رِجله اليمنى ويقول: «بسم الله، اللهم صل وسلِّم على محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك». ويشتغل بالصلاة، والذكر، والقراءة، والعلم تعلماً، أو تعليماً، أو سماعاً، والنصح لمن فيه، وإرشاده إلى ما فيه الخير، ولا يشتغل بغير ذلك من الخوض في أمور الدنيا، فإن المساجد لم تُبْنَ إلا للقرُبات. والمواضع الأخر هي مواضع البحث والاشتغال بالدنيا.

 آداب دخول المنزل

وينبغي إذا دخل بيته أن يقول: «بسم الله ولجنا، وبسم الله خَرَجنا، وعلى الله ربنا توكلنا، اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج»؛ ثم ليسلِّم على من فيه، أو يقول إذا لم يصادف أحداً: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وليكن في بيته معاشراً لأهله وأولاده بالمعروف، كل أحد بما يليق به ويناسبه، وكان صلى الله عليه وسلم في بيته إذا دخله يشتغل في مهنة أهله ومتعلقاتهم.

 فصل في فروض الكفاية

فروض الكفايات هي الأمور الضرورية التي يقصد حصولها بقطع النظر عن فاعلها، مثل: الأذان، والإقامة، والإمامة، والقضاء، والتدريس، والإفتاء، والطب، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وبناء ما يحتاج الناس إليه: كالمساجد، والقناطر، والأسوار، والقيام بالصناعات، والحراثة، والنساجة، ونحوها، وعيادة المرضى، وتجهيز الجنائز بالتغسيل، والتكفين، والصلاة، والدفن، وإطعام المضطرين، وكسوة العارين، وما أشبه هذه الأمور، والله أعلم.

 فصل في الحثِّ على تقوى الله ومراقبته

على العبد أن يتقي الله حيثما كان، فيقوم بما عليه من الواجبات التي لله ولخلقه، ويتجنَّب جميع المعاصي القلبية: كالكِبر، والعُجب، والرياء والنفاق، والحسد، والغِل، والحقد.

والمعاصي القولية: كالكذب، والغيبة، والنميمة، والشتم، ونحوها.

والمعاصي الفعلية:كالقتل، والسرقة، وأكل الحرام، والزنى، وشرب المسكرات.

فمتى حقق التقوى بفعل الواجبات وترك المحرمات كان من المتقين، ومتى أخلّ بشيء من ذلك فعليه التوبة والاستدراك، { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } [الأعراف: 201].

والورع هو من التقوى؛ فإنه: التورع عن كل قول محرَّم، وفعل محرَّم، ظاهر وباطن.

ومراقبة الله وخوفه ورجاؤه ومحبته هي العون الأكبر على القيام بالتقوى. فنسأل الله الكريم أن يعمر قلوبنا بمعرفته، والإنابة إليه، ويجمّل ألسنتنا بذكره، والثناء عليه، ويزيِّن جوارحنا بخدمته.

وصلَّى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.

تم ذلك في 27 ربيع الآخر 1374هـ



[1]- وهي محفوظة لدى أبناء المؤلف حفظهم الله.

[2]- قوله: «في» مكرَّر في الأصل.

[3]- المناسب هنا أن يُعبر بالجواز.

[4]- هكذا في الأصل. ولعل المناسب أن يكون الكلام هكذا: تجلس أيام عادتها إن كانت لها عادة، فإن لم تكن جلست...إلخ.

[5]- هكذا في الأصل. ولعل المناسب أن يُقال: «على أعضائه السبعة» أو «على سبعة أعضاء».

[6]- أي: تكبيرة الإحرام

[7]- قال في النهاية (4/89): «الإقعاء: أن يُلصق الرجل أليته بالأرض، وينصب ساقيه وفخذيه، ويضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب» اهـ.

[8]- هكذا في الأصل، وصوابه: ظهراً.

[9]- كما في البخاري، كتاب العيدين، باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد. حديث رقم: (986) 2/472 من حديث جابر رضي الله عنه، وقد جاء في هذا المعنى عدة أحاديث عن جماعة من الصحابة، منهم ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم.

[10]- أصله في الصحيح، كتاب العيدين، باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج. حديث رقم: (953) 2/446. من حديث أنس رضي الله عنه، دون ذكر الثلاث والخمس والسبع، وقد جاء التصريح بذلك في رواية أخرجها الحاكم 1/294 وابن حبان (الإحسان 4/207).

[11]- أي: بين بنت المخاض ـ وهي الأصغر ـ وبين الجذعة ـ وهي الأكبر ـ وذلك في أسنان الإبل التي تُخرج في الزكاة.

[12]- كذا في الأصل، والصواب: ستة.

[13]- مسلم في الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً. حديث رقم: (1297) 2/943 من حديث جابر رضي الله عنه.

[14]- البخاري في الحج، باب مهل أهل مكة للحج والعمرة. حديث رقم: (1524) 3/384. ومسلم في الحج، باب مواقيت الحج والعمرة حديث رقم: (1181) 2/838 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[15]- البخاري في الحج، باب العمرة ليلة الحصبة وغيرها. حديث رقم (1783) 3/605، ومسلم في الحج، باب بيان وجوه الإحرام. حديث رقم: (1211) 2/871 من حديث عائشة رضي الله عنها.

[16]- البخاري في الحج، باب التمتع والقران والإفراد بالحج. حديث رقم: (1568) 3/422. ومسلم في الحج، باب بيان وجوه الإحرام حديث رقم: (1216) 2/885. من حديث جابر رضي الله عنه.

[17]- البخاري في الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت. حديث رقم: (1651) 3/504. ومسلم في الحج، باب بيان وجوه الإحرام. حديث رقم: (1216) 2/883 من حديث جابر رضي الله عنه.

وقد ثبت ذلك أيضاً من حديث البراء وعائشة رضي الله عنهما.

[18]- قال البكري: «ضب: بفتح أوله وتشديد ثانيه: اسم الجبل الذي مسجد الخيف في أصله» اهـ. معجم ما استعجم 3/854. وقال بعضهم: «وطريق ضب يبتدئ من أول المأزمين على يمين عرفة... والمأزمان: مضيق بين المزدلفة وعرفة» اهـ. حجة الوداع للكاندهلوي ص95.

[19]- الظاهر أن «المُحَصَّب» ـ في مكة وما جاورها ـ يُطلق على موضعين:

الأول: موضع رمي الجمار في منى. وذلك لكونها تُرمى بالحصباء.

الثاني: موضع فيما بين مكة ومنى ـ وهو المراد هنا ـ وهو إلى منى أقرب. وذلك من الحصباء التي في أرضه وهو الأبطح. واختلفوا في حده.

انظر: معجم ما استعجم 2/526، معجم البلدان ص62، فتح الباري 3/590، معالم مكة التاريخية والأثرية ص252، معجم المعالم الجغرافية في السنة النبوية ص283.

[20]- قال بعضهم: هو خيف منى الذي فيه المسجد. وذهب آخرون إلى أنه بين منى ومكة، وهو المُحصَّب الموضح في الهامش قبله. والله أعلم. راجع المصادر في الهامش السابق.

[21]- وهو في منسك شيخ الإسلام (مجموع الفتاوي 26/128 ـ 143).

[22]- أي: المجلوب الذي جاء من بلد للتجارة. (معجم بحار الأنوار 1/370).

[23]- هو الزيادة في ثمن سلعة ممن لا يريد شراءها، ليقع غيرُه فيها. (القاموس الفقهي ص348).

[24]- أي: في بيع المكيل من جنسه، أو الموزون بموزون من جنسه.

[25]- البخاري في الاستقراض، باب: مطل الغني ظلم. حديث رقم: (2400) 5/61.

ومسلم في المساقاة، باب تحريم مطل الغني. حديث رقم: (1564) 3/1197 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[26]- وهو ما يُجعل على العمل من أجر. (انظر: القاموس الفقهي ص63).

[27]- كأن يكون الغاصب نقل المغصوب إلى مكان بعيد فاحتاج أجرة لإعادته تزيد على قيمة المغصوب وكأن يضعه في بناء ونحوه بحيث يتطلب نزعه أضعاف قيمته.

[28]- قال في النهاية (3/219): «وهو أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجلٌ قبله فيغرس فيها غرساً غصباً ليستوجب به الأرض» ا.هـ.

[29]- وهي: أن يدفع الرجل شجره إلى آخر ليقوم بسقيه وعمل سائر ما يحتاج إليه بجزء معلوم له من ثمره. (المغني 7/527).

[30]- قال في الروض (5/280 مع حاشية ابن قاسم): «وهي دفع أرض وشجر لمن يغرسه بجزء مشاع معلوم من الشجر» اهـ.

[31]- وهي: دفع أرض وحب لمن يزرعه ويقوم عليه، أو حب مزروع يُنمَّى بالعمل لمن يقوم عليه بجزء مشاع معلوم النسبة مما يخرج من الأرض لربها أو للعامل والباقي للآخر. (الروض مع حاشية ابن قاسم 5/288).

[32]- الجُبار: الهدر. أي: أن جنايتها غير مضمونة.

[33]- البخاري في الزكاة، باب في الركاز الخمس. حديث رقم: (1499) 3/364، ومسلم في الحدود، باب جُرح العجماء. حديث رقم: (1710) 3/1334 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[34]- هكذا في الأصل، ولعل صوابه: فالأسهل.

[35]- الشُّفعة: هي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه. (المغني 7/435).

[36]- روى هذا الحديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، منهم:

1 ـ جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عند أحمد 3/338، 381، والترمذي في الأحكام، باب ما ذُكر في إحياء أرض الموات. حديث رقم: (1379) 3/654، والبيهقي 6/148، وابن حبان (الإحسان 7/319، 320). وصححه الألباني في الإرواء (1550).

2 ـ سعيد بن زيد رضي الله عنه، عند الترمذي في الأحكام، باب ما ذُكر في إحياء أرض الموات. حديث رقم: (1378) 3/653. وقال: «هذا حديث حسن غريب. وقد رواه بعضهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً». اهـ. والبيهقي 6/142. وصححه الألباني في الإرواء (1520، 1551).

3 ـ كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده، عند البيهقي 6/142، 147. وقد رواه جماعة ـ منهم الإمام مالك في الموطأ ص528 ـ عن عروة بن الزبير مرسلاً. وفي بعض الروايات: عروة بن الزبير عن سعيد بن زيد.

وأخرج البيهقي (6/142) نحوه من حديث سمرة، وعائشة: (6/142). وانظر الإرواء (5/353 ـ 356).

[37]- تحتمل: كاتبه. والمُثبت أعلاه أقرب من جهة المعنى.

[38]- هي: التزام عوض معلوم على عمل معين. انظر: أنيس الفقهاء ص169، القاموس الفقهي ص63.

[39]- البخاري في الفرائض، باب ميراث الولد من أبيه وأمه. حديث رقم: (6732) 12/11. ومسلم في الفرائض، باب: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر. حديث رقم: (1615) 3/1233 من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

[40]- سيأتي تعريف المؤلف للعَصبة ص44.

[41]- نسبة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لأنه أول من قضى فيهما. وهما: زوج وأم وأب. أو: زوجة فأكثر وأم وأب. انظر: التحقيقات المرضية ص88.

[42]- العَول: هو زيادة السهام على الفريضة، فتعول المسألة إلى سهام الفريضة، فيدخل النقصان على سهام أهل الفروض بقدر حصصهم. انظر: أنيس الفقهاء ص301، القاموس الفقهي ص268.

[43]- أخرجه البخاري في أفعال العباد ص65، وأبو داود في النكاح، باب في جامع النكاح، حديث رقم: (2146) 6ر196، وابن ماجه في النكاح، باب ما يقول الرجل إذا دخلت عليه أهله. حديث رقم: (1918) 1/617، والبيهقي 7/148، والحاكم 2/185، 186، وابن السني في عمل اليوم والليلة ص224 من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

[44]- البخاري في النكاح، باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله. حديث رقم: (5165) 9/228. ومسلم في النكاح، باب ما يُستحب أن يقوله عند الجماع. حديث رقم: (1434) 3/1058 من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

[45]- البخاري في الشروط، باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح. حديث رقم: (2721) 5/323. ومسلم في النكاح، باب الوفاء بالشروط في النكاح. حديث رقم: (1418) 2/1035.

[46]- أي: لا يبغض.

[47]- مسلم في الرضاع، باب الوصية بالنساء. حديث رقم: (1469) 2/1091.

[48]- أي: تتهيأ وتتطلع له.

[49]- الخُلع: فراق الرجل امرأته بعوض يأخذه الزوج من امرأته أو غيرها. (انظر: ابن قاسم على الروض 6/459، القاموس الفقهي ص120).

[50]- أي: المطلقة الرجعية.

[51]- الظِّهار: تشبيه الرجل زوجته أو بعضها ببعض أو بكل من تحرم عليه أبداً. (انظر: ابن قاسم على الروض 7/4، القاموس الفقهي ص239).

[52]- الإيلاء: حلف الزوج القادر على الوطء، بالله تعالى أو صفة من صفاته، على ترك وطء زوجته في قُبلها مدة زائدة على أربعة أشهر.(انظر: ابن قاسم على الروض 7/619، القاموس الفقهي ص23).

[53]- هي الشجَّة التي تُبدي بياض العظام. وفي المذهب: في الرأس والوجه خاصة. (انظر: ابن قاسم على الروض 7/221، القاموس الفقهي ص382).

[54]- هي الشجَّة التي تكسر العظم. (انظر: ابن قاسم على الروض 7/223، القاموس الفقهي ص367).

[55]- هي الشجَّة التي تخرج منها كِسَر العِظَام. سُميت بذلك لأنها تنقل العظام. (انظر: ابن قاسم على الروض 7/223، القاموس الفقهي ص360

[56]- هي الشجَّة التي كسرت عظم الرأس وبلغت أم الدماغ. (انظر: ابن قاسم على الروض 7/223، القاموس الفقهي ص23).

[57]- وهي التي تنفذ إلى جوف، كبطن وصدر وثغرة نحر وخاصرة ونحو ذلك. (انظر: ابن قاسم على الروض 7/223، القاموس الفقهي ص75).

[58]- وهي أن يُقَوَّم المجني عليه كأنه عبد لا جناية به، ثم يُقَوَّم وهي به قد برئت، فما نقصته الجناية فله مثله من الدية. كأن تكون قيمته وهو عبد صحيح عشرة، وقيمته وهو عبد به الجناية تسعة، فيكون فيه عُشْر الدية. (انظر: القاموس الفقهي ص97).

[59]- أي: ملتزم أحكام المسلمين، سواء كان مسلماً أو ذمياً.

[60]- هي التي ضُربت بالعصا أو غيرها حتى ماتت. (انظر: القاموس الفقهي ص384).

[61]- هي التي تسقط من علو فتموت (السابق ص148).

[62]- الحِنْثُ: هو المخالفة لما انعقدت عليه اليمين، وذلك بفعل ما حلف على تركه، والعكس. (انظر: القاموس الفقهي ص104).

[63]- البخاري في الأيمان والنذور، باب قول الله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو...} حديث رقم: (6622) 11/ 517 ومسلم في الأيمان، باب ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها أن يأتي الذي هو خير له ويكفِّر عن يمينه، حديث رقم: (1652) 2/1273 من حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه. وقد رواه مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة (1650) وعدي بن حاتم (1651) رضي الله عنهما.

[64]- أي: بالمحاباة لقرابة ونحوها.

[65]- لعداوة مثلاً.

[66]- التهايؤ: التمالؤ، والمهايأة: الأمر المتهايأ عليه، والمهايأة: أمر يتهايأ القوم عليه فيتراضون به. (انظر: اللسان، مادة: هيأ، 4/851). والمراد هنا: الاتفاق على قسمة المنافع على التعاقب.

[67]- المُهايأة بالمكان: كأن يسكن أحدهما في طرفها والثاني في الطرف الآخر.

[68]- المهايأة زماناً: كما لو اتفقنا على سُكنى الدار بالمناوبة هذا سنة، والآخر سنة.

في معنى المهايأة وأنواعها انظر: القاموس الفقهي ص369، معجم لغة الفقهاء ص466.

[69]- البخاري في الجهاد، باب: يقاتل من وراء الإمام ويُتقى به. حديث رقم: (2957) 6/116. ومسلم في الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية. حديث رقم: (1835) 3/1466 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[70]- البيت لابن المبارك رحمه الله، وهو في السير 8/414، وصدره: «لولا الأئمة...».

[71]- رواه أحمد 2/68، 99، 127، والبخاري في الأدب المفرد ص87، وأبو داود في الزكاة، باب عطية من سأل بالله عز وجل. حديث رقم: (1656) 5/89، والنسائي في الزكاة، باب من سأل بالله عز وجل. حديث رقم: (2567) 5/82، وابن حبان (الإحسان 5/173)، والحاكم 1/412، 413، والبيهقي 4/199 من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وقد صححه الألباني كما في صحيح الأدب المفرد (158) والسلسلة الصحيحة (254) 67، وصحيح أبي داود (1468)، وصحيح النسائي (2407)، والإرواء (1617).

[72]- جاء هذا المعنى في عدة أحاديث عن جماعة من الصحابة بألفاظ متقاربة، بعضها في الصحيحين، وفي غيرهما.

= وقد ورد بهذا اللفظ في عدد من الروايات والأحاديث، فمن ذلك.

1 ـ حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، عند الطبراني في الكبير 4/124، والأوسط (8658)، وذكره الذهبي في حق الجار ص13، والهيثمي في المجمع (1/278) وقال: «وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وقد ضعفه أحمد وغيره. وقال عبد الملك بن  شعيب بن الليث: ثقة مأمون» اهـ.

2 ـ حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عند مسلم في الإيمان، باب الحث على: إكرام الجار  والضيف... حديث رقم: (47) 1/68.

3 ـ حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، عند الطبراني في الكبير 5/233.

وأورده الذهبي في حق الجار ص13، والهيثمي في المجمع (8/176).

4 ـ حديث أبي شُريح الخزاعي، عند البخاري في الصحيح، كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره. حديث رقم: (6019) 10/445.

5 ـ حديث علقمة بن عبد الله المزني عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عند أحمد 5/24 بلفظ: «فليتق الله وليكرم جاره».

6 ـ حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ذكره الهيثمي في المجمع (8/177) وقال: «رواه الطبراني وأحمد وإسنادهما حسن» اهـ.

[73]- البخاري في الإيمان، باب من الإيمان أن يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه. حديث رقم: (13) 1/56 ـ 57، ومسلم في الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يُحب لأخيه المسلم ما يُحب لنفسه من الخير. حديث رقم: (45) 1/67.

[74]- تقدم تخريجه ص50.

[75]- هكذا في الأصل، وصوابه: فليستعن.

[76]- رواه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. حديث رقم: (2699) 3/2074.

وقد جاء نحوه من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عند أحمد والدارمي وأبي داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان.

[77]- الفأل: ضد الطِّيَرة، ويكون بسماع الكلمة الطيبة ونحوها. وقد يُستعمل في الخير والشر. (انظر: القاموس: مادة: فأل). ص1345، فتح المجيد ص357.

[78]- أصل الطِّيَرة: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم.