الغلو [ الأسباب والعلاج ]
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
الغلو الأسباب والعلاج
إعداد
أ.د. ناصر بن عبد الكريم العقل
أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة
كلية أصول الدين بالرياض - جامعة الإمام
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا الخلفيات والأصول العلمية والتاريخية للغلو في الدين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:
فهذه بعض الأفكار والانطباعات والاقتراحات حول التكفير والعنف (الغلو) حقيقته وأسبابه وعلاجه، وهي عناصر وخواطر كتبت على عجل.
أولا - الخلفيات والأصول (الجذور العلمية والتاريخية) للغلو في الدين:
ترجع بذور الغلو في الدين إلى بعض العبَاد الجهلة الأوائل، وأصحاب الأهواء، وأهل النفاق والزندقة، وكان من ضحيتهم بعض الغيورين والمندفعين إلى التدين عاطفيا، من صغار السن (حدثاء الأسنان) كما وصفهم النبي ﷺ الذين يقل فقههم للدين، وتجربتهم في الحياة، ولم تنضج عقولهم، ولم يرجعوا إلى أهل الذكر والراسخين كما أمر الله وأمر رسوله ﷺ.
ومن هذين الصنفين تكونت الخوارج الأولى الذين قاتلهم الصحابة بعد أن حاوروهم وجادلوهم، وبعد أن استحلوا الدماء. وتكونت كذلك الشيعة وبذور التصوف البدعي.
{ وقد أخبر النبي ﷺ أنه سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية } ([1])... إلخ الحديث في البخاري (6930) وغيره، وقد أمر النبي ﷺ بقتال الخوارج لأنهم يُهلكون الحرث والنَّسْل ويسعون في الأرض فسادا، والله لا يحب الفساد (وليس كل أصحاب الغلو من الخوارج).
وقد ظهرت مثل هذه الظواهر على مدار التاريخ، وكان منها في العصر الحديث (جماعة التكفير والهجرة) و (جماعة التوقف والتبين) التي ظهرت في مصر في آخر القرن الماضي ثم امتدت آثارها في كثير من بلاد المسلمين والعالم، ولا تزال آثارها النكدة على شباب الأمة، ولا سيما حين تسللت أفكار الغلاة بين صفوف الجهاد الأفغاني السابق.
ونزعة التشدد التي قد تنشأ عنها ظواهر العنف والتكفير (الغلو) قد تصاحب كلَّ نهضة أو دعوة وتشذ عنها... فكما ظهرت في أول الإسلام وهي ليست من الإسلام في شيء لكنها نشاز؛ لا تزال تظهر بين وقت وآخر.
كذلك نجد أن ظاهرة التشدد صاحبت قيام الدعوة الإصلاحية دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب وقيام الدولة السعودية في مراحلها الثلاث. وهذه الظواهر ليست على نهج الدعوة، ولا على نهج الدولة، بل كانت تسبب لها الكثير من الإحراج، مع العلم أن الدعوة تقوم على السنة، وهي بريئة من الغلو والعنف والتكفير، وما يثيره بعض الجاهلين وأهل الأهواء من أن العنف والغلو والتشدد صادر عن منهج الدعوة فهو باطل قطعا.
فلا يجوز بحال نسبة شيء من ذلك إلى دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ومنهجها، لكنها ظواهر تبتلى بها كل أمة.
ولعله من المناسب التذكير بما تعرضت له الدعوة ودولتها (المملكة العربية السعودية) منذ أن قام بها الملك عبد العزيز - رحمه الله - من نزعات التشدد التي تم علاجها بالحكمة والحزم، من قبل الملك عبد العزيز والعلماء وأهل الحل والعقد، وكان من آخر حلقات (الغلو) ظهور تلكم الفئة التي دخلت الحرم عام 1400هـ ، ثم يليها بعض ظواهر التشدد التي انتهت الآن إلى بروز ظواهر خطيرة متعددة الوجوه والأغراض والتوجهات، من التكفير واستباحة الدماء والإفساد في الأرض، والتنكر للعلماء والولاة والمجتمع.
وتجرؤ الناس على تجاوز الأمور الخطيرة، وتحطيم المسلمات والثوابت في الدين والعقيدة والبيعة والأمن، وانتهاك حقوق العلماء والولاة والمواطنين والمقيمين، تحت شعارات الدين والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والولاء والبراء (وهي أصول حق لكنها توظف خطأ) ونحو ذلك مما يعد من الفساد والإفساد الذي يجب على الجميع الإسراع في علاجه من قبل الدولة والعلماء وأهل الرأي والمشورة، والآباء والمربيين والدعاة " فكلهم راع ومسؤول عن رعيته " والله حسبنا ونعم الوكيل.
ثانيا أهم أسباب الغلو
أسباب داخل المجتمع السعودي
إضافة إلى ما ذكر في بعض الكتب المتخصصة الحديثة في أسباب الغلو مثل: الغلو في الدين للدكتور عبد الرحمن اللويحق، وإصدارات الجماعة الإسلامية بمصر -الأخيرة التي تراجعت فيها عن الغلو ونحوها- بالإضافة إلى ذلك أشير إلى بعض ما هو سبب في الغلو تجاه الدولة والعلماء في هذه البلاد بخاصة فمن ذلك:
1- هناك سبب شرعي وكوني وأزلي وتاريخي في حصول الفتن والفرقة والتنازع في الدين والدنيا، وينشأ عنه القتال وانفلات الأمن وشيوع الخوف والفوضى، ألا وهو الإعراض عن شرع الله وذكره وشكره وظهور الفساد والظلم والمعاصي والمنكرات، ونحو ذلك مما يستجلب العقوبة من الله تعالى. وكل الأسباب تؤول إلى هذا السبب، كما قال تعالى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} ([2]).
2- عدم (أو ضعف) ربط قرارات الدولة وأنظمتها ومواقفها وتصريحات المسؤولين فيها بالأسس الشرعية التي تقوم عليها الفتاوى المعتبرة والأدلة الشرعية، مثل البيعة، ونظام الحكم (وهو إسلامي جيد بحمد الله) مع التنويه بأسلوب صاحب السمو الملكي الأمير نايف في تصريحاته ولقاءاته، في التأكيد على الثوابت الشرعية، والتي ينبغي أن تكون منهجا يحتذى من قبل المسؤولين.
3- ضعف ورداءة الأسلوب والخطاب الإعلامي في التعبير عن الوجهة الشرعية لمواقف الدولة وقراراتها بل كثير من تعبيرات وسائل إعلامنا عن هذه الأمور يثير السخرية والأسف، ويفقد مصداقيته لدى الأصدقاء والعقلاء، فكيف بالخصوم والسفهاء وهم كثيرون، وسأبين الحل لذلك (في نظري) في العلاج.
4- غموض موقف الدولة من قضايا حساسة تغذي التكفير والغلو والتطرف لدى المغرضين والجاهلين، وعلى غير بصيرة، وتحاكم فيها الدولة غيابيا ويجعلون صمتها دليلا على الإدانة بزعمهم، مثل وجود غير المسلمين في البلاد، وصدور بعض الأنظمة التي يزعمون أنها تخالف الشرع، وأنها حكم بغير ما أنزل الله - كنظام التأمينات ومعاشات التقاعد والجمارك والمحاكم التجارية والعسكرية، والبنوك الربوية وحمايتها، واشتراك الدولة في بعض المنظمات والعقود والعهود والأنظمة الدولية المخالفة للشرع، وكذلك بعض القرارات والمواقف الأخيرة للدولة، مثل التأمين على الرخصة، ومثل بعض أساليب تحية العلم، ومثل توجهات السياحة إلى مواطن البدع في الآثار (وهذه قضية حساسة جدا جدا) تتعارض مع ثوابت الدين والسنة التي قامت عليها الدولة في هذه البلاد.
وهذه الأمور أغلبها إما أن يكون للدولة فيها مساغ شرعي، أو اعتمدت فيها على فتاوى معتبرة، وبعضها يعتمد على الشائعات وعدم التثبت والمبالغات، والجهل بحقائق الأمور، وبعض آخر للدولة فيها عذر أو تأويل، وقد يكون هناك أخطاء وقعت فيها الدولة فعلا من غير قصد معارضة الدين، فيجب أن يُرجع فيها إلى الحق... وهكذا وهذا أمر مهم جدا كذلك.
5- ظهور بعض القرارات والظواهر الاستفزازية التي لم تكن مناسبة مثل دمج رئاسة تعليم البنات، وأساليب وزارة التربية والتعليم في تغيير المناهج الشرعية، ومحاولة النيل من سياسة التعليم، وظهور بعض الأمور الاستفزازية في وسائل الإعلام الرسمية، كما في بعض حلقات (طاش ما طاش)! وبعض المقالات التي تجرح العقيدة والدين، وتهز المسلمات الشرعية في الصحف المحلية (لا سيما الوطن وعكاظ والرياض أحيانا)، وتطعن في السلف الصالح، وفي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب (التي هي أصل شرعية الدولة السعودية عند أهل السنة في كل العالم)، وتلمز الصالحين والمتدينين، ونحو ذلك مما يتخذه أهل الغلو ذرائع للفتنة وشحن عواطف الناس - لا سيما الشباب - ضد الدولة والعلماء والمجتمع.
6- التحول الاجتماعي والرسمي السريع إلى أمور غير محمودة (مثل الاختلاط) كما في بعض المستشفيات، وبعض المؤسسات، وشيوع كثير من المنكرات والممارسات المنافية للدين والأخلاق والفضيلة مع ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم الارتقاء بالهيئات عددا وطريقة لتؤدي الواجب على نحو رزين.
ملحوظة مهمة وضرورية:
قد يتجرأ بعض الجاهلين ومن في قلوبهم مرض إلى اتهام المناهج الدراسية في التعليم في المملكة.. (بمراحله أو بعضها) بمساندة الغلو، وهذه دعوى عريَّة من البرهان.
والحق أن المناهج بجملتها تقرر الاعتدال والوسطية، وتربي الشباب على رعاية الحقوق المشروعة من حب الله ورسوله ﷺ والإسلام والسلف الصالح، ورعاية حقوق الولاة والعلماء والآباء والمعلمين، وترسم منهج الاعتدال في القلوب والعقول، والمواد التي تدرس في مناهجنا شاهدة بذلك، لكن حسبنا الله ونعم الوكيل.
الأسباب العامة في ظهور الغلو والتشدد في كل زمان وكل مكان ([3])
أذكر هنا ما تيسر لي استقراؤه من أسباب ظهور نزعات الغلو والتنطع في الدين بين المسلمين في العصر الحديث، وهي الأسباب العامة (التاريخية) التي غالبا ما تكون ممهدة لظهور هذه النزعات في أي زمان أو بيئة، وأهمها في نظري ما يأتي:
1- قلة الفقه في الدين (أي ضعف العلم الشرعي)، أو أخذ العلم على غير نهج سليم، أو تلقيه عن غير أهلية ولا جدارة.
2- ظهور نزعات الأهواء والعصبيات والتحزبات.
3- الابتعاد عن العلماء وجفوتهم وترك التلقي عنهم والاقتداء بهم، والتلقي عن دعاة السوء والفتنة والالتفاف حولهم.
4- التعالم والغرور، والتعالي على العلماء وعلى الناس، واحتقار الآخرين وآرائهم.
5- حداثة السن وقلة التجارب، والغيرة غير المتزنة؛ (عواطف بلا علم ولا حكمة).
6- شيوع المنكرات والفساد والظلم في المجتمعات، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو التقصير فيه، كما في كثير من البلاد الإسلامية.
7- النقمة على الواقع وأهله، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية في كثير من بلاد المسلمين.
8- تحدي الخصوم (في الداخل والخارج) واستفزازهم للغيورين، وللشباب وللدعاة (المكر الكبَّار)، وكيدهم للدين وأهله، وطعنهم في السلف الصالح.
9- قلة الصبر وضعف الحكمة في الدعوة لدى كثير من الغيورين ولا سيما الشباب المتدين.
إذا توافرت هذه الأسباب ونحوها أو أكثرها، مهَّد هذا لظهور الغلو والتنطع في أي زمان وأي مكان وأي مجتمع، وبخاصة إذا انضاف إلى هذه الأسباب تقصير الولاة وغفلة العلماء وطلاب العلم والدعاة والمربيين والآباء والمتصدِّرين عن معالجة هذه السمات وأسبابها في وقت مبكر.
هذا ما يتعلق بالأسباب العامة على مدار التاريخ.
أما الأسباب التي هيأت لظهور الغلو والعنف في العصر الحديث بين المسلمين في شتى بلاد العالم فأذكرها في الفقرة الآتية:
أسباب ظهور الغلو ومظاهره في العصر الحديث ([4])
أما ما يتعلق بالأسباب التي هيأت لبروز الغلو الذي هو سبب من أسباب العنف والإرهاب بين المسلمين في العصر الحديث ([5]) فهي كثيرة ومتشابكة تتمثل - في نظري - بما يأتي:
أولا: إعراض أكثر المسلمين عن دينهم، عقيدة وشريعة وأخلاقا، إعراضا لم يحدث مثله في تاريخ الإسلام، مما أوقعهم في ضنك العيش وفي حياة الشقاء. كما قال تعـالى: { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} ([6]) يتجلى هذا الإعراض بأمور كثيرة في حياة كثيرة من المسلمين اليوم؛ أفرادا وجماعات ودولا وشعوبا وهيئات ومؤسسات، ومن مظاهر هذا الإعراض:
1- كثرة البدع والعقائد الفاسدة، وما نتج عن ذلك من الافتراق والفرق والأهواء، والتنازع والخصومات في الدين.
2- الإعراض عن نهج السلف الصالح وجهله، أو التنكر له.
3- العلمنة الصريحة في أكثر بلاد المسلمين، والتي أدت إلى الإعراض عن شرع الله، وإلى الحكم بغير ما أنزل الله، وظهور الزندقة والتيارات الضالة، والتنكر للدين والفضيلة، مما أدى إلى:
4- شيوع الفساد، وظهور الفواحش والمنكرات، وحمايتها.
5- التعلق بالشعارات والمبادئ الهدامة والأفكار المستوردة.
وكل هذه الأمور ونحوها مما يندرج تحت مفهوم الإعراض عن شرع الله، وتثير غيرة الشباب المتدين، وحين لا يظهر له السعي الجاد لتغيير الحال وإنكار المنكر، يلجأ إلى التصدي لهذه الانحرافات بلا علم ولا حكمة.
6- وقوع أكثر المسلمين في التقصير في حق الله تعالى، وارتكابهم للذنوب والمعاصي، والمنكرات، وضعف مظاهر التقوى والورع والخشوع في حياة المسلمين اليوم.
7- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو التقصير فيه في أكثر بلاد المسلمين.
ثانيا - شيوع الظلم بشتى صوره وأشكاله:
ظلم الأفراد، وظلم الشعوب، وظلم الولاة وجورهم، وظلم الناس بعضهم لبعض، مما ينافي أعظم مقاصد الشريعة، وما أمر الله به وأمر به رسوله ﷺ من تحقيق العدل ونفي الظلم، مما يُنمي مظاهر السخط والتذمر والحقد والتشفي في النفوس.
ثالثا - تحكُّم الكافرين (من اليهود والنصارى والملحدين والوثنيين) في مصالح المسلمين، وتدخلهم في شؤون البلاد الإسلامية، ومصائر شعوبها عبر الاحتلال، والغزو الفكري والإعلامي والاقتصادي، وتحت ستار المصالح المشتركة، أو المنظمات الدولية، ونحو ذلك مما تداعت به الأمم على المسلمين من كل حدب وصوب، بين طامع وكائد وحاسد.
وغير ذلك من صور التحكم في مصائر المسلمين والحجر عليهم، مما أدى إلى تذمرهم وشعور طوائف من شبابهم ومثقفيهم وأهل الغيرة منهم بالضيم والإذلال والإحباط وما ينتج عن ذلك من ردود الأفعال والسخط والعنف.
رابعا - محاربة التمسك بالدين والعمل بالسنن:
والتضييق على الصالحين والمتمسكين بالسنة، والعلماء والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وبالمقابل التمكين لأهل الفسق والفجور والإلحاد، مما يعد أعظم استفزاز لذوي الغيرة والاستقامة.
خامسا - الجهل بالعلم الشرعي وقلة الفقه في الدين:
فالمتأمل لواقع أكثر أصحاب التوجهات التي يميل أصحابها إلى الغلو والعنف يجد أنهم يتميزون بالجهل وضعف الفقه في الدين، وضحالة الحصيلة في العلوم الشرعية، فحين يتصدون للأمور الكبار والمصالح العظمى يكثر منهم التخبط والخلط والأحكام المتسرعة والمواقف المتشنجة.
سادسا - الجفوة بين العلماء والشباب (وبين الشباب والمسؤولين):
ففي أغلب بلاد المسلمين تجد العلماء (بعلمهم وحكمتهم وفقههم وتجاربهم) في معزل عن أكثر الشباب، وربما يسيؤون الظن بالكثير منهم كذلك، وبالمقابل تجد الشباب بحيويتهم ونشاطهم وهمتهم بمعزل عن العلماء، وربما تكون سمعتهم في أذهان الكثيرين على غير الحقيقة، وبعض ذلك بسبب انحراف مناهج التربية لدى بعض الجماعات، وبسبب وسائل الإعلام المغرضة التي تفرق بين المؤمنين، مما أوقع بعض الشباب في الأحكام والتصرفات الجائرة والخاطئة التي لا تليق تجاه علمائهم، وتجاه حكامهم، وكذلك هناك حاجز نفسي كبير بين النخبة من الشباب، وبين المسؤولين، تجعل كلا منهم يسيء الظن بالآخر، ولا يفهم حقيقة ما عليه الآخر إلا عبر وسائط غير أمينة غالبا، ومن هنا يفقد الحوار الذي هو أساس التفاهم والإصلاح.
سابعا - الخلل في مناهج بعض الدعوات المعاصرة:
فأغلبها تعتمد في مناهجها على الشحن العاطفي، وتربي أتباعها على مجرد أمور عاطفية وغايات دنيوية: سياسية واقتصادية ونحوها، وتحشو أذهانهم بالأفكار والمفاهيم التي لم تؤصَّل شرعا، والتي تؤدي إلى التصادم مع المخالفين بلا حكمة. وفي الوقت نفسه تقصِّر في أعظم الواجبات، فتنسى الغايات الكبرى في الدعوة، من غرس العقيدة السليمة والفقه في دين الله تعالى، والحرص على الجماعة، وتحقيق الأمن، والتجرد من الهوى والعصبية، وفقه التعامل مع المخالفين ومع الإحداث على قواعد الشرع.
ثامنا - ضيق العقل وقصر النظر وقلة الصبر وضعف الحكمة:
ونحو ذلك مما هو موجود لدى بعض الشباب، فإذا انضاف إلى هذه الخصال ما ذكرته في الأسباب الأخرى؛ من سوء الأحوال، وشيوع الفساد، والإعراض عن دين الله، والظلم، ومحاربة التدين وفقدان الحوار الجاد - أدى ذلك إلى الغلو في الأحكام والمواقف.
تاسعا - تصدر حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام:
وأشباههم للدعوة والشباب بلا علم ولا فقه، فاتخذ بعض الشباب منهم رؤساء جهالا، فأفتوا بغير علم، وحكموا في الأمور بلا فقه، وواجهوا الأحداث الجسام بلا تجربة ولا رأي ولا رجوع إلى أهل العلم والفقه والتجربة والرأي، بل كثير منهم يستنقص العلماء والمشايخ ولا يعرف لهم قدرهم، وإذا أفتى بعض المشايخ على غير هواه ومذهبه، أو بخلاف موقفه أخذ يلمزهم إما بالقصور أو التقصير، أو بالجبن أو المداهنة أو العمالة، أو بالسذاجة وقلة الوعي والإدراك! ونحو ذلك مما يحصل بإشاعته الفرقة والفساد العظيم وغرس الغل على العلماء والحط من قدرهم ومن اعتبارهم، وغير ذلك مما يعود على المسلمين بالضرر البالغ في دينهم ودنياهم.
عاشرا - التعالم والغرور:
وأعني بذلك أنه من أسباب ظهور الغلو والعنف في بعض فئات الأمة اليوم ادعاء العلم، في حين أنك تجد أحدهم لا يعرف بدهيات العلم الشرعي والأحكام وقواعد الدين، أو قد يكون عنده علم قليل بلا أصول ولا ضوابط ولا فقه ولا رأي سديد، ويظن أنه بعلمه القليل وفهمه السقيم قد حاز علوم الأولين والآخرين، فيستقل بغروره عن العلماء، عن مواصلة طلب العلم فَيَهْلك بغروره وَيُهلك. وهكذا كان الخوارج الأولون يدَّعون العلم والاجتهاد ويتطاولون على العلماء، وهم من أجهل الناس.
حادي عشر - التشدد في الدين والتنطع:
والخروج عن منهج الاعتدال في الدين الذي كان عليه النبي ﷺ وقد حذر النبي ﷺ من ذلك في الحديث الذي رواه أبو هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ { إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه } ([7]) ([8])
والتشدد في الدين كثيرا ما ينشأ عن قلة الفقه في الدين، وهما من أبرز سماته الخوارج، أعني التشدد في الدين وقلة الفقه، وأغلب الذين ينزعون إلى الغلو والعنف اليوم تجد فيهم هاتين الخصلتين، ولا يعني ذلكم أنهم خوارج، ولا أن يوصفوا بهذا الوصف.
ثاني عشر - شدة الغيرة وقوة العاطفة لدى فئات من الشباب والمثقفين وغيرهم
بلا علم ولا فقه ولا حكمة، مع العلم أن الغيرة على محارم الله وعلى دين الله أمر محمود شرعا، لكن ذلك مشروط بالحكمة والفقه والبصيرة، ومراعاة المصالح ودرء المفاسد. فإذا فقدت هذه الشروط أو بعضها أدى ذلك إلى الغلو والتنطع والشدة والعنف في معالجة الأمور، وهذا مما لا يستقيم به للمسلمين أمر لا في دينهم ولا في دنياهم.
ثالث عشر - فساد الإعلام:
الإعلام في العصر الحديث صار -غالبا- مطية الشيطان إلى كل فتنة وضلالة وبدعة ورذيلة، فإن وسائل الإعلام في أكثر البلاد الإسلامية غالبا ما تسخَّر في سبيل الشيطان، وهي من خيله ورجله في الدعوة إلى الضلالة ونشر البدعة والزندقة وترويج الرّذيلة والفساد، وهتك الفضيلة، وحرب التدين وأهله، وبالمقابل فإن إسهام الإعلام في نشر الحق والفضيلة قليل وباهت جدا، ولا شك أن هذا الوضع منكر عظيم ومكر كبّار، ويعد أعظم استفزاز يثير غيرة كل مؤمن وحفيظة كل مسلم، فإذا اقترن ذلك بشيء من قلة العلم والحلم والصبر والحكمة، وغياب التوجيه الشرعي السليم، أدَّى ذلك بالضرورة إلى الصَّلف والقسوة في الأحكام والتعامل، وإلى الإحباط والتشاؤم واليأس عند بعضهم فيندفع إلى التغيير بعنف. لذا فإن علاج هذه الظواهر لن يكون حاسما إلا بإزالة أسبابها.
ثالثا العلاج
كما ذكرت سابقا كثير من البحوث والمقالات المعاصرة أسهمت في طرح مقترحات جيدة في علاج هذه الظواهر الخطيرة مثل كتاب: الغلو للدكتور عبد الرحمن اللويحق وكثير من المقالات والبحوث التي ظهرت أخيرا.
وفي هذه العجالة أرى التركيز على ما يأتي (في المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص):
1- أهمية الوضوح والشفافية والصراحة في طرح قضايا التكفير والعنف والغلو وأسبابها والاعتراف بوجودها وآثارها، ولا سيما بعد أن شاعت هذه الأمور عبر وسائل الإعلام والإنترنت ومجالس الناس الخاصة والعامة.
2- يجب عدم الخلط بين القضايا التي لها أصول شرعية وبين ما فيه مخالفة للشرع، فالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والولاء والبراء ونحوها كلها أصول عقدية معتبرة شرعا بشروطها، فيجب بيان الخطأ في تفسيرها وفهمها، وعدم الخلط بينها وبين التكفير والعنف والإرهاب والغلو، ولا سيما في الخطاب الرسمي للدولة، وفي الخطاب الإعلامي الذي يمثلها.
فليس كل أهل الغلو والتكفير خوارج. وليس كل مكفِّر جهاديا، وليس كل مجاهد مكفِّرا، والخلط بينهم أدى إلى تعاطف بعضهم مع بعض وإلى التباس الأمور على كثير من الناس، وإلى تعاطف آخرين معهم كذلك.
3- كشف مواطن الإشكال واللبس والغموض في القضايا الحساسة، وإعلان الوجهة الشرعية فيها، وتأصيل ما لم يتم تأصيله شرعا وربطها بنظام الدولة (وهو نظام إسلامي جيد بحمد الله) وفتاوى العلماء، كما ذكرت آنفا من الأنظمة والعلاقات الدولية والبنوك، وبعض المواقف والقرارات التي هي مظنة المخالفة الشرعية، أو الشائعات حول هذه الأمور ونحوها، فَتُأَصِّلُ الأمور ويكشف الزيف علنا وبصراحة ووضوح، وليس من العيب أن تدافع الدولة عن نفسها بالحجة والبرهان، بل هو عين الحق والقوة والشجاعة والصواب، فتحرر جميع المسائل المشكلة شرعا، وتربط بأصولها وقواعدها وأدلتها وفتاوى العلماء، وربط ذلك كله في نظام الحكم وهو بحمد الله نظام متين أصيل. ثم بيان أنه لو ثبت مخالفة بعض الأنظمة والقرارات والمواقف والمعاهدات للشريعة؛ فإن المعهود أن الدولة لم تقصد الخروج عن الشريعة، وأن هذه الأخطاء لا تلغي شرعية الدولة وبيعتها وحقوقها، لكنها توجب مناصحتها، وبيان الحق، والمطالبة بتصحيح الخطأ فحسب.
4- ثم يتبع ذلك أهمية استقراء شبهات الغلاة ودعاويهم وتلبيساتهم أو الأمور الملتبسة عليهم، وتتبع مقالاتهم ومؤلفاتهم وسائر مزاعمهم والتعرف على رؤوسهم ومرجعياتهم، ثم الرد عليهم بالحجة والدليل والبرهان الشرعي والعقلي، والحوار الجاد مع المنظِّرين والمتبوعين منهم، وسأقترح قريبا بعض وسائل ذلك مع أهمية الإشارة إلى أن أصول الغلاة على مختلف فئاتهم ترجع إلى أصول واحدة أو متشابهة يمكن إسقاطها من قبل المختصين، ويغني عن الخوض في أكثر الجزئيات فمن هذه الأصول:
1. إمامة المسلمين وحقوقها وواجباتها، وأن الملك - حفظه الله - هو إمام المسلمين في هذه البلاد.
2. البيعة وتحققها للدولة شرعا، وأنها في عنق كل مواطن في هذه البلاد ووجوب السمع والطاعة بالمعروف.
3. العلماء ومرجعيتهم، وأنهم على رأس أهل الحل والعقد، وهم الذي يقررون المواقف المهمة والأحكام في قضايا الأمة الكبرى، ومصالحها العظمى.
4. نظام الحكم وكونه إسلاميا مستمدا من المصادر (القرآن والسنة) والأصول الشرعية المعتبرة الملزمة للجميع.
5. وجوب رعاية مصالح الأمة العظمى، ودرء المفاسد الكبرى عنها من الحاكم والمحكومين.
6. اعتبار شرعية المؤسسات القضائية والمدنية والعسكرية في البلاد تبعا للبيعة والعلماء ونظام الحكم وأهل الحل والعقد، وغير ذلك من الأصول الشرعية المعتبرة.
7. حفظ الأمن، وأنه واجب على الجميع، وأن الإخلال به فساد في الأرض، والدين جاء بحفظ الضروريات الخمس (الدين والنفس والمال والعرض والعقل) ولا يمكن ذلك إلاّ بالأمن.
هذه الأصول الكبرى إذا حرَّرت مع الغلاة (ورؤوسهم بخاصة) تميز الحق من الباطل والهدى من الضلال والهوى، وانهدمت ذرائعهم من أصولها.
وكان للبلاد تجربة في عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - حين ظهرت آراء حول الدولة وتصرفاتها وعلاقاتها، بعضها يشبه الآراء المعاصرة، كالموقف الحادّ من الدولة فعولج ذلك أولا بحوار العلماء بعضهم مع بعض ومع المخالفين، واستقر الأمر على الأصول التي ذكرتها آنفا، والتي تقوم على البيعة والجماعة والأمن.
5- أما وسائل العلاج والحوار التي يمكن تفعيلها أو إنشاؤها والمقترحات حول ذلك، فمنها:
أولا: طرح برامج وخطط علمية مدروسة ومحددة ومبرمجة بعناية لعلاج ظواهر الغلو بالحوار والمناقشة والحجة والتربية وبالبرامج العلمية والإعلامية والتربوية والاجتماعية قريبة المدى وبعيدة المدى.
فمن الجانب العقدي والفقهي يجب أن تسهم الجامعات والمؤسسات التربوية كأقسام العقيدة والفقه والكتاب والسنة والثقافة، ومراكز البحث ومراكز خدمة المجتمع، في كل الجامعات، وبخاصة الجامعة الإسلامية بالمدينة وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والملك سعود وأم القرى والملك خالد، لأنها كلها توجد فيها تخصصات شرعية قوية ومحترمة، وتُدعم البحوث والدراسات والمواقف الإيجابية بحوافز - فكما وعدت الدولة بجوائز كبيرة لمن يسهم في التعرف على الغلاة، يجب أن تعلن مثل ذلك لمن يقنع ويهتدي على يده أحدهم أو فئات منهم كذلك! وهذا أقرب للعافية والسلام ودرء الفتنة، ويتبع ذلك.
ثانيا: استنهاض همم العلماء والدعاة والمفكرين والمربين للإسهام في حل المشكلة وتخفيف آثارها والحد من انتشارها بأكثر مما هو حاصل وبكل الوسائل المتاحة -والتقصير في هذا حاصل- فمثلا لا نعرف أي خطوة رسمية جادة في اللقاء المباشر مع أساتذة الجامعات، والقضاة والدعاة من قبل المسؤولين في الدولة -اللهم إلا النادر- للتشاور والتعاون في حل هذه المشكلات الكبرى.
فيجب على الجميع طرح المشكلة بوسائل الإعلام، ومؤسسات التربية والتعليم، بأسلوب علمي مدروس، لا بما يحصل في بعض اللقاء والبرامج والإسهامات (شبه العفوية) وغير المعدة إعدادا جيدا أو التي غالبا تكون كما يقول المثل: (افتح فمك يرزقك الله!).
ثالثا: التأكيد على أهل الحل والعقد وعلية القوم في المجتمع في ممارسة دورهم الريادي للانفتاح على الناس وضبطهم بالمرجعية الدينية والقبلية والاجتماعية والرسمية.
وأول ذلك: العلماء وكبار المسؤولين في كل منطقة يجب لزاما التأكيد عليهم بفتح أبوابهم للشباب وعامة المجتمع، وأن يخصص كل واحد منهم وقتا يوميا أو أسبوعيا، يستقبل فيه الناس ويحاورهم، ويخصص للشباب المندفع وقتا يحاورهم ويرفق بهم ويرشدهم، وأشهد أن غالب الشباب المندفع الذي قد يتعاطف مع الغلاة مستعدون للرجوع للحق، إذا تم حوارهم برفق وسعة صدر وحلم وتذكير بالأصول الشرعية، وهذا مجرب وناجح، لكن العلماء غالبا مشغولون عن هذه المهمة، فانصرف كثير من الشباب إلى الفضائيات والإنترنت ودعاة السوء والفتنة والتيارات المعادية، والله حسبنا ونعم الوكيل.
وأرى أن يكون ذلك بتكليف رسمي من ولاة الأمر.
رابعا: يجب إنشاء مراكز وجمعيات ومؤسسات متخصصة رسمية وغير رسمية، تعنى بهذه الأمور يكون فيها باحثون ومتخصصون متفرعون يعكفون على البحث والدراسة والحوار، وتوفر لهم الإمكانات اللازمة والوسائل العلمية والإعلامية وغيرها.
خامسا: حبذا لو كان في أجهزة الدولة ومؤسساتها المعنية مراكز وإدارات متخصصة في العقيدة والفكر والتيارات المعاصرة كالداخلية - والشورى - والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والثقافة والإعلام، والصحف، والعمل والشؤون الاجتماعية، والشؤون الإسلامية، والإفتاء، وما كان موجودا منها يطوَّر ويفعَّل ويدعم ليؤدي الدور الواجب في هذه الظروف.
سادسا: توسيع دائرة الفتوى والمفتين نوعا وعددا وطريقة، وإنشاء دوائر للفتوى في كل المناطق واسعة الصلاحيات كبيرة الإمكانات تتصدى لحاجات المجتمع ومشكلاته وإشكالاته الكبيرة والكثيرة والخطيرة، وكذلك الدعوة والشؤون الإسلامية.
فالناس في هذه البلاد لا تزال ثقتهم بعلمائهم جيدة على رغم ما حدث لها من صدع كبير، لكن لم تتوافر للعلماء الإمكانات والوسائل المتطورة لسدّ حاجة الناس، ولا يزال عدد الذين يسمح لهم بالفتوى على نطاق إعلامي محدود جدا.
سابعا: كبار المسؤولين من المدنيين والعسكريين بحاجة ملحة إلى دورات مركزة في أصول الدين وثوابته ومسلَّماته، وأصول الغلو واتجاهاته، والقواعد الشرعية حول الحاكم والبيعة والسمع والطاعة والجماعة، وضروريات الأحكام، ونحو ذلك مما يؤدي الجهل به إلى الاستهانة والاستهجان لمقام المسؤول والحط من قدره.
ثامنا: مهم جدا التأكيد (مرة أخرى) على التفريق بين أحكام الدين في الجهاد بشروطه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والولاء والبراء بضوابطهما الشرعية، وبين التشدد والغلو والتطرف الذي يحدث باسم هذه الأصول الشرعية العظيمة؛ لأن الخلط وتجاوز هذه الأصول من قبل البعض، والتنكر لها من بعض وسائل الإعلام والكتَّاب يؤدي إلى استفزاز الناس، ويتذرع به أهل الفتنة والغلو.
تاسعا: أهمية تفعيل دور رئاسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والارتقاء بمستواها من حيث الوظائف والإدارة، والوسائل والإمكانات والدراسات.
بحيث يُنهض بها كما كان الأمر في هيئة التحقيق والادعاء التي وصلت إلى مستوى مشرِّف وأداء متميز وحققت للدولة والمجتمع خدمات مشكورة... وهكذا يجب أن تكون الهيئات... وهذا مما سيقضي على كثير من دعاوى الغلاة.
عاشرا: حول الفئة الغالية واستصلاحها:
أغلب أفراد الغلاة من المتدينين ذوي العاطفة والغيرة والحماس، لكنهم ينقصهم عمق الفقه، والحكمة والصبر والتجارب، واستهوتهم التيارات والأهواء، وأرى حيالهم:
أ - الحوار المباشر ما أمكن من قبل العلماء والدعاة والدولة، ولو في السجون، وأظن ما أعلنه علي الخضير وناصر الفهد والخالدي كان نتيجة حوار متميز.
ب- توجيه رسائل وبحوث علمية مؤصلة (ومطويات) تطرح بكل الوسائل المتاحة ولا سيما الإنترنت، وتكون من متخصصين جديرين، وتعالج القضايا الكبرى بأسلوب ميسر، ويتبع ذلك:
ج- الإكثار من الإصدارات والندوات والدورات والمحاضرات واللقاءات في علاج الغلو، وأن تكون هناك برامج ثابتة في الإعلام ولا سيما - إذاعة القرآن - لأن بعض الغلاة يسمعونها وكذلك قناة المجد.
د - الإسراع بالإذن للجمعيات الخيرية والمؤسسات التطوعية لأنها تستوعب كثيرا من طاقات الشباب وتسد فراغهم وتمتص عواطفهم.
ه- يجب تسديد الخطاب الديني الرسمي وشبه الرسمي وتهذيبه في قرارات الدولة وبياناتها ووسائل الإعلام؛ لأن أغلب صياغات الخطاب الديني وأساليبه غير جيدة ولا محترمة، وبعضها يثير السخرية، ولذا أقترح أن لا يصدر خطاب أو بيان رسمي أو قرار له علاقة بالشرع والدين حتى يعرض على مستشارين شرعيين.
و- كما تجدّ الدولة والعلماء والمفكرون في معالجة مظاهر الغلو والعنف - يجب بالمقابل الجد في معالجة المظاهر المعاكسة من الطعن في العقيدة والأخلاق والسلف الصالح، من قبل بعض مرضى القلوب والعقول في صحفنا المحلية، الذين يستفزون كل مسلم عادي، فضلا عن المتدين والغيور. وأظنه من الضحك على الذقون أن يكون الأمر مجرد تبديل رئيس التحرير، كما يكون في جريدة الوطن التي تعد أكبر مغذي للعنف بإيوائها لكتاب ومقالات تخالف بدهيات الدين، وصحف أخرى كذلك. وهذا مما يؤكد ضرورة وجود متخصصين في هذه الأمور في الصحف المحلية ووسائل الإعلام.
الحادي عشر: أمور يحسن التنبه لها في معالجة الغلو أو ما يسمى (التطرف الديني) منها:
* أن أعظم سبب لوجود التطرف في العصر الحاضر، هو التطرف المعاكس في رفض الدين أو التساهل والإعراض عنه وعدم الجدية في علاج النوعين بتوازن.
* يجب في هذه الحال التفريق (بوضوح) بين التمسك بالدين والسنة (وهو حق) وبين الغلو والتطرف (وهو باطل).
* أن الغلو (التطرف الديني) لا يمكن علاجه علاجا حاسما إلاّ بأمرين، وهما:
1- الحوار الجاد والمجادلة بالتي هي أحسن، ومن خلال النصوص الشرعية والقواعد المعتبرة من قبل الراسخين والمتخصصين الذين يحترمهم المحاور ويعترف بجدارتهم.
2- ثم الجد والحزم في معالجة أسباب الغلو، بعد إقامة الحجة وكشف مواطن الانحراف بجلاء.
* أن أكثر ما يثيره أهل الغلو (التطرف الديني) مبني على أوهام وظنون وشائعات، وتلبيس، ثم أدى ذلك إلى التهاجر والقطيعة بينهم وبين العلماء والمفكرين ورجال الدولة.
* فالحل هو كشف الحقائق، والشفافية والحوار الجاد واللقاء المباشر وفتح الأبواب بضوابط.
* يجب أن تضبط التعددية (وحرية) الرأي التي ظهرت الدعوة إليها أخيرا بالضوابط الشرعية؛ بحيث تكون التعددية في الاجتهادات لا في العقيدة والمسلَّمات والثوابت، ولا تكون ترويجا للفرق والبدع والأهواء؛ فالبلد بلد الإسلام والسنة ويجب أن تبقى كذلك.
وأرى أن تجاوز هذه الثوابت من قبل بعض الجاهلين كان من أسباب تصاعد الغلو وذرائعه.
([1]) البخاري استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم (6531)، مسلم الزكاة (1066)، النسائي تحريم الدم (4102)، أبو داود السنة (4767)، أحمد (1/131).
([2]) سورة طه، آية (124).
([3]) راجع كتاب (الخوارج) ناصر العقل 123-124.
([4]) راجع (الخوارج) لناصر العقل 125-131.
([5]) الإرهاب والعنف ظاهرة شعوبية عالمية، لكنها قد تبدو بين المسلمين أكثر؛ لأنهم مستهدفون وهم أكثر إباء للضيم.
([6]) سورة طه، آية (124).
([7]) البخاري الإيمان (39)، النسائي الإيمان وشرائعه (5034).
([8]) صحيح البخاري -كتاب الإيمان باب الدين يسر- فتح الباري 1 93.