النوم حكم وأحكام وسنن وآداب
التصنيفات
الوصف المفصل
- النوم
حكم وأحكام وسنن وآداب
- المسألة الأولى أن الإسلام دين الكمال
- المسألة الثانية النوم فترة راحة للبدن والعقل
- المسألة الثالثة النوم ، والموت بينهما اتفاق وافتراق
- المسألة الرابعة خلق الله الأسباب ورتب عليها المسببات ، وجعل من راحة الأبدان النوم
- المسألة الخامسة نوع من المرض يُبْتَلَى به بعض الناس وهو (( الأرق ))
- المسألة السادسة : أنواع الأرق
- المسألة السابعة أنواع هذا الأرق ، من حيث الطول
- المسألة الثامنة من أسباب الأرق - كما ذكر بعض أهل الطب - .
- المسألة التاسعة من أسباب علاج الأرق
- المسألة العاشرة أنواع النوم
- المسألة الحادية عشر أقسام الناس بعد صلاة العشاء
- المسألة الثانية عشر النوم صفة نقص في المخلوق وعدم النوم صفة كمال في الخالق .
- المسالة الثالثة عشر إذا نام الإنسان فإنه قد مات موتة صغرى
- المسألة الرابعة عشر أكمل الناس نومًا نبينا ﷺ
- المسألة الخامسة عشر من السنة الوضوء عند النوم
- المسألة السادسة عشر إذا أراد أحد الناس أن ينام وكان جنبًا فإن السنة أن يغسل فرجه ويتوضأ كما كان يفعل ذلك النبي ﷺ
- المسألة السابعة عشر من السنة نفض الفراش عند النوم
- المسألة الثامنة عشر السنة النوم على الجنب الأيمن
- المسألة التاسعة عشر وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن
- المسألة العشرون النوم إلى جهة القبلة
- المسألة الحادية والعشرون ما يسن قراءته عند النوم
- المسألة الثانية والعشرون تنبيه على بعض ما جاء في كتب الأذكار
- المسألة الثالثة والعشرون من أذكار النوم في السنة
- المسألة الرابعة والعشرون هل أذكار النوم خاصة بنوم الليل أو لكل نوم
- المسألة الخامسة والعشرون الفزع في النوم
- المسألة السادسة والعشرون التعارّ في النوم .
- المسألة السابعة والعشرون عقد الشيطان على قافية رأس النائم
- المسألة الثامنة والعشرون إذا قام الإنسان من النوم ، ثم أراد الوضوء إن عليه أن يغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء
- المسألة التاسعة والعشرون من السنة السواك بعد القيام من النوم
- المسألة الثلاثون من السنة مسح الوجه باليدين عند الاستيقاظ من النوم
- المسألة الحادية والثلاثون وهذه تتبع الأذكار بعد النوم كما تقدم الأذكار قبل النوم وعندما يستيقظ في أثناء النوم وعندما يقوم من النوم بالكلية
- المسألة الثانية والثلاثون هل النوم ينقض الوضوء ؟
- المسألة الثالثة والثلاثون إذا قام الإنسان فزعًا من رؤيا رآها أو قام فرحًا يضحك من رؤيا رآها
- المسألة الخامسة والثلاثون نهيٌ عن النوم على البطن
- المسألة السادسة والثلاثون نُهي الإنسان أن يبيت وحده
- المسألة السابعة والثلاثون النوم دون التنظف
- المسألة الثامنة والثلاثون النوم في الطريق منهي عنه وفي الأودية
- المسألة التاسعة والثلاثون اتقاء ما يكون خطرًا في أثناء الغفلة عنه
- المسألة الأربعون إغلاق الأبواب
- المسألة الحادية والأربعون أُمرنا بتخمير الآنية
- المسألة الثانية والأربعون التحذير والنهي من أن ينام الإنسان على ظهر سطح ليس محجورًا
- المسألة الثالثة والأربعون أدب وأمر من النبي وفيه حماية للأعراض وطرد للشك والريبة
- المسألة الرابعة والأربعون نهي عن النوم قبل العشاء
- المسألة الخامسة والأربعون إذا كان الإنسان قريبًا من صلاة الفجر ومتعبًا
- المسألة السادسة والأربعون كراهة النوم بعد العصر
- المسألة السابعة والأربعون القيلولة
- المسألة الثامنة والأربعون فضل القيلولة
- المسألة التاسعة والأربعون النوم بعد الفجر
- المسألة الخمسون هل الأفضل أن ينام الإنسان قبل أن يوتر أو أن ينام ثم يوتر
- المسألة الحادية والخمسون لو قُدِّرَ أن الإنسان نام عن وتره نام فقام بعد أن أصبح
- المسألة الثانية والخمسون نهينا أن نصلي خلف المتحدث والنائم
- المسألة الثالثة والخمسون إذا نعس الإنسان في المسجد ماذا يعمل ؟
- المسألة الرابعة والخمسون النوم في المسجد
- المسألة الخامسة والخمسون إذا نعس الإنسان وهو يصلي ماذا يفعل ؟
- المسألة السادسة والخمسون إذا دخل الإنسان على قوم نيام هل يسلم عليهم
- المسألة السابعة والخمسون السهر وقلة النوم
- المسألة الثامنة والخمسون ذمَّ من نام الليل
- المسألة التاسعة والخمسون إذا أراد الإنسان إيقاظ النائم
- المسألة الستون - قبل الأخيرة – بعض الناس محروم من قيام الليل مع قدرته عليه
- المسألة الأخيرة طلاق النائم
النوم حكم وأحكام وسنن وآداب
إعداد
فضيلة الدكتور الشيخ
· عبد العزيز السدحان
· اعتنى بها
· سلطان بن حميد الجهني
حُقُوقُ الطَّبْعِ مَحْفُوظَةٌ
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد .
النوم حِكَمٌ وأحكام وسنن وآداب
في هذا الموضوع سأتكلم على شكل مسائل ، وهذه المسائل كلها تدور في فلك هذا الموضوع ، وما فاتني وتركته قد يكون أكثر مما ذكرته أو سأذكره إن شاء الله تعالى .
المسألة الأولى أن الإسلام دين الكمال
قد أخبر الله تعالى الناس جميع ما يحتاجونه ، في شئون دينهم ودنياهم ، والناظر في أحكام الإسلام يرى أنها أحكام شمولية صالحة لكل زمان ومكان ، على اختلاف أحوال الناس ، وتباعد أمصارهم وأقطارهم ، واختلاف لهجاتهم وألوانهم ، فأحكام الشريعة شاملة ، أحكام الشريعة كاملة ، أحكام الشريعة فيها جميع ما يحتاج الناس في أمور حياتهم ومعاشهم لدينهم ودنياهم ، ولهذا من تصفح دواوين الإسلام رأى العجب العجاب من إحاطة الشريعة وشموليتها لكل ما يحصل وسيحصل وما قد حصل في حياة الناس .
المسألة الثانية النوم فترة راحة للبدن والعقل
يغيب خلال النوم الإرادة والوعي . تارة تغيب غيابًا جزئيًا ، وتارة تغيب غيابًا كليًا ، وتتوقف الوظائف البدنية ، الحركة ، الكلام ، توقفًا جزئيًا .
المسألة الثالثة النوم ، والموت بينهما اتفاق وافتراق
اتفاق في أن النوم شبيه بالموت ، ولذا جاء في الحديث : « أن النوم أخو الموت » . وجاء في السنة أن المسلم إذا قام من نومه يقول : « الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور » . ويقول عند إرادة النوم : « بسمك اللهم أموت وأحيى » . فالنائم كالميت في بعض الوجوه ، غياب الوعي ، تعطل الوظائف البدنية وقتيًا أو بعضها ، بينما يفترقان في أن الموت تعطل كلي وتوقف أبدي في هذه الحياة .
المسألة الرابعة خلق الله الأسباب ورتب عليها المسببات ، وجعل من راحة الأبدان النوم
ولهذا إذا كان الإنسان على فطرته تستقيم كثير من أموره البدنية بخلاف ما لو خالف فطرته ، فقد جعل الله النوم سباتًا ، والليل لباسًا ، جعل الليل ليسكن الناس فيه فترى الإنسان إذا جعل ليله نهارًا ونهاره ليلاً خالف الفطرة التي فطر عليها ، والعجب أن البهائم والطيور باقية على فطرة الله التي فُطرت عليها ، تغدو خماصًا في الصباح تسترزق وتروح بطانًا ، ترى البهائم والطيور تبدأ حياتها في أول الصباح وعند المساء تبدأ في السكون والنوم بخلاف كثير من بني الإنسان ، فقد جعلوا نهارهم رقادًا وجعلوا ليلهم سهرًا .
المسألة الخامسة نوع من المرض يُبْتَلَى به بعض الناس وهو (( الأرق ))
قلة النوم وصعوبة الدخول في النوم ، وتعذر استمرار النوم بشكل مريح ، فترى هذا المصاب بالأرق لا يرتاح في نومه بل يتضجر ، يصاب بنوع من القلق والتشكي .
المسألة السادسة : أنواع الأرق
النوع الأول : أرق يكون في بداية النوم
بعض الناس يأتي إلى فراشه ويضع جنبه على فراشه ، ويحاول أن يغالب نفسه حتى تستسلم للنوم . ولكن يتأخر عليه النوم .
النوع الثاني : أرق في استمرارية النوم
ينام ثم يقوم ، ينام ثم يقوم ، وهكذا .. ، مد وجزر .
النوع الثالث : أرق من حيث الاستيقاظ المبكر . منذ أن يسلم نفسه للرقاد يستيقظ ، ثم يصعب عليه أن يعود مرة أخرى إلى النوم .
المسألة السابعة أنواع هذا الأرق ، من حيث الطول
النوع الأول : أرق مؤقت .
يستمر عدة أيام والغالب أن يكون بسبب تغيرات ، إما في بيئته أو في نفسيته في حصول حوادث .
النوع الثاني : قصير الأمد . قد يكون عدة أسابيع ، ولا يقولن قائل هذا طويل ، لأنه يعتبر قصير بالنسبة لما بعده . - أي للنوع الثالث - .
النوع الثالث : قد يستمر الأرق أشهرًا ، بل قد يستمر سنين مع بعض الناس . وهذا ملحوظ ومعروف من حيث ما يقرأ ويكتب ويسمع .
المسألة الثامنة من أسباب الأرق - كما ذكر بعض أهل الطب - .
السبب الأول : التوهم والاسترسال في ذلك . فبعض الناس قد يكون مصابًا بالأرق لكن كثرة التفكير واستصعاب الشفاء والعلاج هذا مما يرسخ ذلك الأرق فيه .
السبب الثاني : عدم تنظيم وقت النوم . فبعض الناس فوضوي ينام تارة بعد العصر ، تارة بعد المغرب ، تارة قبل الظهر ، تارة بعد الظهر ، تارة .. ، فتلك الفوضوية في الوقت تحرم الإنسان من تكيف نفسه مع النوم ، وتحرم الإنسان من التلذذ بالنوم .
السبب الثالث : التغير المستمر بين أماكن النوم . إذا كنت مصابًا بالأرق فإن مما يعين على بقاء هذا الأرق أن تغير مكان النوم ، تارة في المكان الفلاني - غرفة - ، وتارة في غرفة ثانية ، تارة على السرير ، تارة على الأرض ، تارة كذا ، تارة كذا .. ، هذا التغير مما يتعب النفس يتعب الشخص إذا أراد أن ينام .
السبب الرابع : بعض الناس يجعل فراشه أو وقت نومه استعراضًا واستحضارًا للمشاكل . فيبدأ في أخذ ورد ، فلا يعطي نفسه حظها من الراحة والاستقرار ، ولا يخرج بفائدة ، بل يزيد تعبه ويقل نومه ، ولهذا إن لنفسك عليك حقًا ، كما قال عليه الصلاة والسلام : « وإن لعينك عليك حقًا » .
السبب الخامس : عدم الهدوء في مكان النوم . فبعض الناس يعرف أنه مصاب بالأرق وقلة النوم فيتعمد أن ينام في مكان غير مهيأ للنوم ، هذه الأسباب قد تجتمع عند بعضهم ، وقد تفترق عند آخرين ، لكن هذا الأمر يهون إن شاء الله بالمسألة التاسعة .
المسألة التاسعة من أسباب علاج الأرق
السبب الأول : - أول سبب وأعظم سبب - الدعاء . الجأ إلى ربك في كل أمر ، افتقر إلى الله في كل شيء ، قال ﷺ : « ليسترجع أحدكم ولو في شسع نعله » . إذا انقطعت نعلك إصلاحها لا يأخذ إلا وقتًا يسيرًا ، لكن أنت في إصلاحها بحاجة إلى عون من الله تعالى ، فعليك بالدعاء ، ألسنا نستعين بالله في كل شيء حتى في العبادة ، إذًا فلا نترك هذه الاستعاذة في كل أمورنا ، نقول بعد كل صلاة : « اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك » . ادع الله تعالى ، فإذا كنت مصابًا بأي مرض حسي أو معنوي . فارفع أكف الضراعة واضرع إلى الله في سجودك ، وتحرى مواقيت الإجابة وسل الله العفو والمعافاة في الدنيا الآخرة .
السبب الثاني : الحرص على أذكار النوم . - وسيأتي بيان بعضها - الحرص على أن لا تنام إلا بعد أن تأتي بالسنن ، كما سيأتي إيضاح بعض ذلك .
السبب الثالث : احرص على أن تنام على طهارة . فالنوم على طهارة له تأثير وبخاصة إذا استشعر النائم أو من أراد النوم أن تلك الطهارة قربة وسنة يتقرب بها إلى الله تعالى .
السبب الرابع : تجنب السهر . يعرف بعض الناس من نفسه الأرق والقلق عند النوم ، ومع هذا يزيد إذكاء النار فيتعمد السهر ، ولا شك أن هذا يزيد مرضه بنفسه .
السبب الخامس - والأخير - : وهو مراجعة الطبيب : ما أنزل الله من داء إلا وله دواء . راجع الطب وإياك واليأس ، وسترى من الله تعالى ما يسرك ، إن شفيت فذلك فضل الله ، وإن لم تشف فذلك من عدل الله ، وقد يكون ذلك من أسباب رفع درجة .
المسألة العاشرة أنواع النوم
أجملها بعضهم في أنواع ثلاثة قد تلخص فيقال :
نوم طاعة .
نوم معصية .
نوم مباح .
فمن نام بقصد ترك الطاعة فذلك نوم معصية ، ومن نام بقصد أن يتقوى لفعل الطاعة فذلك نوم طاعة ، أما من باب الاسترواح والراحة فذلك من باب المباح .
المسألة الحادية عشر أقسام الناس بعد صلاة العشاء
وقت النوم بعد العشاء . جاء في كتاب قيام الليل لمحمد بن نصر ، في خبر طويل : أن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال : إذا صلى الناس العشاء كانوا على أقسام ثلاثة :
قسم له ولا عليه .
وقسم عليه ولا له .
وقسم لا له ولا عليه .
أما الذي له ولا عليه فرجل لما صلى العشاء نام ثم قام فصلى ما شاء الله له ، فهذا له .
وأما الذي عليه فرجل صلى العشاء ثم ركب رأسه في المعاصي . فهذا عليه .
وأما الذي لا له ولا عليه ، فرجل صلى العشاء ثم نام حتى أصبح لصلاة الفجر ، فلم يقم الليل فيستفيد أجرًا ولم يلوث جوارحه بمعاصي الله تعالى .
المسألة الثانية عشر النوم صفة نقص في المخلوق وعدم النوم صفة كمال في الخالق .
﴿ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [ البقرة : 255] . وفي الحديث : « إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام » . لما ؟ لأن النوم عبارة عن راحة بعد التعب ، والنوم دليل على نقص الإنسان ، والنوم يفوت الإنسان فيه أشياء كثيرة قد يغفل قد يُؤخذ حقه .. إلى آخره ، ولهذا نفى الله تعالى عن نفسه السنة وهي النعاس والنوم من باب أولى .
المسالة الثالثة عشر إذا نام الإنسان فإنه قد مات موتة صغرى
ولهذا يقول الله تعالى : ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ [ الزمر : 42 ] ، فالله يتوفى الأنفس حين موتها يمسك من شاء إمساكًا ، ويرسل من شاء إرسالاً . وفي هذه الآية آية أخرى : ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ ﴾ [ السجدة : 11 ] ، وفي آية ثالثة ﴿ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ﴾ [ الأنعام : 61 ] . قد يقول قائل : كيف الجمع ، ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ ، وفي الآية الأخرى ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ ﴾ ، وفي الثالثة ﴿ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ﴾ ؟
قال أهل العلم : لا تعارض ولا تخالف ، بل توافق وتعاضد ، ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ ﴾ يأمر الله تعالى بذلك ، ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ ﴾ يباشر ذلك ملك لموت ، ﴿ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ﴾ يؤدون الوظيفة بعد قبض الروح .
المسألة الرابعة عشر أكمل الناس نومًا نبينا ﷺ
قال ابن القيم رحمه الله تعالى عن نوم النبي ﷺ : كان نومه أعدل النوم ، وهو أنفع ما يكون من النوم ، والأطباء يقولون هو ثلث الليل والنهار ثمان ساعات .انتهى كلامه. يقول بعض أهل الطب : الطفل الصغير الرضيع في أول سنينه أو أعوامه ينام قرابة ثلاثة أرباع وقته ، أو يومه ، بينما الشاب والرجل المكتمل ينام ثلث وقته كما جاء في وصف نوم النبي ﷺ . وكلما تقدمت السن كلما قل النوم ، وهذا مشاهد في أحوال الناس .
المسألة الخامسة عشر من السنة الوضوء عند النوم
وفي الوضوء مصالح كثيرة :
أولاً : جاء في الحديث الصحيح قال ﷺ : « إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة » .
من فوائد الوضوء :
أولاً : إحياء هذه السنة .
وثانيًا : دعاء الملك . قال ﷺ : « من بات طاهرًا بات في شعاره ملك ، فلا يستيقظ إلا قال الملك : اللهم اغفر له - أو اللهم اغفر لعبدك - فإنه بات طاهرًا » .
الشعار ما يلي بدن الإنسان من الثوب .
أيضًا : في الحديث الآخر قال ﷺ : « استقيموا ولن تحصوا ، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن » . كلما كنت على طهارة في يقظتك عند إرادة النوم كلما كان ذلك أكمل لك وأزكى وأطهر .
المسألة السادسة عشر إذا أراد أحد الناس أن ينام وكان جنبًا فإن السنة أن يغسل فرجه ويتوضأ كما كان يفعل ذلك النبي ﷺ
الوضوء للجنب كسر وتخفيف للحدث الأكبر ، وقد جاء في الحديث : « ثلاثة لا تقربهم الملائكة : السكران ، والمتضمخ بالخلوق ، والجنب حتى يغتسل أو حتى يتوضأ » . [ الشك مني ] فإذا توضأ الإنسان فقد كسر حدة الحدث .
المسألة السابعة عشر من السنة نفض الفراش عند النوم
جاء في الحديث عند البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال ﷺ : « إذا جاء أحدكم فراشه فلينفضه بصنفة إزاره » . بطرف ردائه ، لماذا ؟ قال بعض الشراح : قد يكون على الفراش نوع من دواب الأرض وقوارض الأرض فقد تؤذي الإنسان ، فقد يستقبح رؤيتها ، وقد جاء في بعض الروايات : « فإنه قد يخلفكم عليه من لا ترونه » . يقول بعضهم : قد يكون هذا من الجن .
فالشاهد أن نفض الفراش هذا من السنة ، وفيه دفع للأذى ، ويتأكد الخطاب في الفرش التي تكون في الخلاء ، فالحديث يشمل ما كان في البيوت وما كان في الخلاء ، لكن ما كان في الصحاري والخلاء فذلك آكد في حقهم .
المسألة الثامنة عشر السنة النوم على الجنب الأيمن
في الحديث السابق - حديث البراء - قال ﷺ : « إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن » .
يقول أهل الطب : إن ذلك أكثر رفقًا بالنائم ، وأحسن لحال صحته ، فذلك أريح للقلب ، وذلك أكثر استقرارًا للطعام في المعدة . فالطب الحديث يشهد بأن النوم على الجنب الأيمن أنفع ، وهذا يؤكد أن كل ما جاء به الشرع فهو حق وفيه المصلحة الكبرى للناس في أمور معاشهم ودينهم ودنياهم .
المسألة التاسعة عشر وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن
جاء ذلك في الحديث ، وهذا أرفق بالنائم ، وأرفق برأسه إذا وضع ، كان النبي ﷺ يضع يده كفه اليمين تحت خده ويقول : « اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك » . وقد ذكر بعض أهل الطب أن في ذلك مصلحة للنائم .
المسألة العشرون النوم إلى جهة القبلة
جهة القبلة أشرف الجهات ، قد جاء في أحاديث فيها كلام لكن حسنها بعضهم : « إن لك شيء سيدًا ، وسيد المجالس قبالة القبلة » . وفي حديث آخر : « إن لك شيء سنامًا ، وسنام المجالس قبالة القبلة » . وفي حديث ثالث : « إن لكل شيء شرفًا ، وشرف المجالس قبالة القبلة » .
ومما يستأنس به في توجه النائم للقبلة قوله ﷺ : « أكبر الكبائر الإشراك بالله ، واستحلال البيت قبتلكم أحياءً وأمواتًا » . فالميت يوجه إلى القبلة ، قالوا : كذلك النائم. فالنوم أخو الموت .
فالشاهد أن الأفضل للنائم أن يستقبل جهة القبلة .
المسألة الحادية والعشرون ما يسن قراءته عند النوم
أذكار النوم على أقسام ثلاثة من حيث وقتها ، وعلى قسمين من حيث نوعها .
أما من حيث وقتها فهناك أذكار قبل النوم ، وأذكار في أثناء الفزع من النوم ، وأذكار بعد النوم . فهذه ثلاثة .
أما من حيث نوعها فعلى قسمين : آيات وأحاديث أدعية وأذكار .
ما يسن قراءته عند النوم آية الكرسي ، وكذلك سور ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ ، و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ ، و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ . قد جاء في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجمع كفيه فينفث فيهما ثم يقرأ بالإخلاص والمعوذتين ويمسح بدنه ويبدأ برأسه .
أيضًا مما جاء في الحديث عند الطبراني عن عبادة بن أخضر أن النبي ﷺ كان يقرأ سورة ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ وأنها براءة من الشرك أو براءة من النفاق ، وأيضًا مما كان يقرأه عليه الصلاة والسلام أحيانًا ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن جابر رضا الله تعالى عنه قال : كان النبي ﷺ لا ينام حتى يقرأ ﴿ آلم * تَنزِيلُ ﴾ السجدة، و ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾ . وأيضًا جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها فيما رواه الإمام أحمد والترمذي والحاكم أن النبي ﷺ كان لا ينام حتى يقرأ سورة بني إسرائيل الإسراء والزمر .
وهذا ليس في كل ليلة ولكن أحيانًا .
المسألة الثانية والعشرون تنبيه على بعض ما جاء في كتب الأذكار
عَدَّ بعض من صنف في الأذكار أن قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ ﴾ ، و﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ ﴾ أنها من أذكار النوم ، والذي يتأمل في لفظ الحديث يجد أنها من أذكار المساء قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو مسعود البدري : « من قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه » . فإذا غربت الشمس فقد دخل الليل ، لأن في لسان العرب أو عند العرب أن الليل يبدأ بغروب الشمس . قال ﷺ : « إذا أقبل الليل من ها هنا ، وأدبر النهار من ها هنا ، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم » . فجعل الفارق بين دخول الليل وخروج النهار ، هو غروب الشمس .
المسألة الثالثة والعشرون من أذكار النوم في السنة
كثيرة تلك الأحاديث التي جاءت عن النبي ﷺ فيما كان يقوله عند النوم ، من الشريعة كما تقدم حديث البراء بن عازب الذي جمع كثيرًا من سنن النوم ، أنه كان إذا أمر البراء أن يتوضأ ثم يضع جنبه الأيمن على فراشه ثم يقول : اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك .. " إلى آخره .
وهناك : « اللهم رب السماوات والأرض ، ورب جبرائيل وميكال .. إلى آخره . الشاهد : أن أدعية النوم كثيرة ، وكتب الأذكار مليئة ، وحري بنا جميعًا أن نحرص عليها ، وأن نعلمها لأنفسنا ، ونعلمها أولادنا ومن نحب .
المسألة الرابعة والعشرون هل أذكار النوم خاصة بنوم الليل أو لكل نوم
هذه المسألة في الحقيقة من خلال التصفح وخلال النقاش وجدت أن لأهل العلم قولين : بعضهم يقول : هذه الأذكار خاصة بنوم الليل . والآخر يقول : بل هي عامة في نوم الليل وغيره من نوم النهار . ولعل القول الثالث من خلال النظر القاصر أنه يجمع الأمرين ، فما كان من الأذكار فيه النص على ذكر الليل ، يكون هذا خاصًا بنوم الليل ، وما لم يكن فيه فيكون شاملاً لنوم الليل والنهار . والأمر في ذلك يسير ، فإذا قام الإنسان من القيلولة فقال : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا )) . نعم . لكن قالوا : لكن يعكر عليه قوله (( وإليه النشور )) . لأنه لا يكون هذا إلا عند نوم الليل . وبكل حال فالأمر في ذلك يسير ، فمن قالها في نوم الليل والنهار فلا حرج ولا تثريب . وهذا يذكرنا جميعًا بمسائل أذكار المساء ، متى تقال ؟ هل تقال بعد غروب الشمس ؟ أو تقال بعد زوالها على أن المساء يكون بعد زوال الشمس ؟ يقول بعض أهل العلم : أذكار المساء تبدأ من زوال الشمس وأفضلها قبيل غروب الشمس ، أما ما كان فيه ذكر الليل فلا يقال إلا غروب الشمس .
المسألة الخامسة والعشرون الفزع في النوم
فبعض الناس قد يفزع بسبب رؤيا رآها ، أو بسبب أو بغير سبب ، يقوم بعضهم يبكي ، وبعضهم يصرخ ، وبعضهم يقوم فزعًا قلقًا . هذا يحصل ، فقد جاء في السنة علاج ذلك ، جاء عند أبي داود والترمذي حديث ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال ﷺ : « إذا فزع أحدكم في النوم فليقل أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لن تضره » . إذا قالها الإنسان متأملاً في ألفاظها معتقدًا بأن هذا الكلام حق وأن الله تعالى يُشفي مَنْ مَرِضَ ، ويُعَافِي مَنْ سَقَمَ إذا شاء ، فلا شك أن هذا سيُحظى بخير كثير وسيتخلص مما أفزعه وأقلقه .
المسألة السادسة والعشرون التعارّ في النوم .
التعار هو الاستيقاظ بعض الناس يقوم كأنه قد أُوقِظ لا تشعر به في أثناء نومه إلا وهو يقوم قاعدًا أو يقوم قائمًا دون فزع دون قلق دون بكاء دون صراخ ، فمثل هذا جاء في حديث عبادة عن البخاري أن النبي ﷺ قال : « من تعار من الليل فقال : (( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد الله وسبحان الله ولا إله إلا الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله )) ثم قال : اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له ، فإن صلى قُبِلَتْ صلاته » . أو كما قال ﷺ .
المسألة السابعة والعشرون عقد الشيطان على قافية رأس النائم
القافية آخر الرأس إذا نام الإنسان عقد الشيطان على رأسه ثلاثة عقد لأن الشيطان يتربص بالعبد في كل أحواله حتى عند خروج روحه لا يزال يريد إغوائهم ، يريد إضلاله ، وكل ما كان العبد مستمسكًا بالنصوص الشرعية متمثلاً بما أمر به منتهيًا عما نهي عنه ، كلما كان ذلك حرز له ، وإنقاذ وإنجاء من الشيطان . جاء في الحديث : « يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاثة عقد ، يضرب على كل عقدة - على مكانها - عليك ليل طويل فارقد - لأن رقاد العبد يصده عن خير كثير - فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ - هذا دليل على فضل الوضوء - انحلت عقدة أخرى ، فإن قام فصلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطًا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان . هذه العقد قال بعضهم بأنها عقد حقيقية الله أعلم بكيفيتها ، وقال بعضهم : إنها كعقد السحر . وقال بعضهم بأنها مجاز بأنها الشيطان يُثَقِّلُ عليه النوم ، ويطيل الوقت عليه حتى يستغرق في نومه فيكسل عن القيام إلى طاعة أو ذكر .
المسألة الثامنة والعشرون إذا قام الإنسان من النوم ، ثم أراد الوضوء إن عليه أن يغسل يده قبل أن يدخلها في الإناء
قال ﷺ : « إذا قام أحدكم من النوم فأراد أن يتوضأ فلا يُدخل يده في الإناء حتى يغسلها ، فإنه لا يدري أن باتت يده » . هذا أمر تعبدي . قال بعض الشراح : لعلها مرت على موضع نجاسة . هذا الأمر قد يُعرف أو يُقطع بعدمه ، لكن يقال : نحن أمرنا بغسل اليد نغسل ، ظهرت الحكمة أو لم تظهر سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير . ذكر بعض أهل العلم أن رجلاً قال : أين تبات يدي ؟ يعني اعترض أو أورد هذا الأمر اعتراضًا واستخفافًا بحكم الشريعة ، فمن عناده ربط يده في حبل ثم ربطها في السقف قال : حتى أدلل لكم وأبين لكن أني أعرف أين باتت يدي .قال فأصبح ويده في دبره عقوبة من الله تعالى. ولهذا ينبغي للإنسان دائمًا ، بل يجب أن يتأدب مع أحكام الشريعة . ذكر بعض أهل التفسير ، وجاء في تفسير الجلالين في آخر سورة تبارك عند قوله تعالى ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ ﴾ قرأت هذه الآية عند بعض المتكبرين فقال : تأتي به الفئوس والمعاول . فأذهب الله عينه وأغار ماءها .
المسألة التاسعة والعشرون من السنة السواك بعد القيام من النوم
كان النبي ﷺ لا ينام إلا والسواك عند رأسه . من حرصه عليه . وكان ﷺ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك . أخرجه البخاري عن حذيفة . لأن الغالب إذا الإنسان تختزن بعض الروائح من جوفه في فمه ، فعند الكلام أو عند التلاوة قد تكون رائحته غير مقبولة ، ولهذا كان النبي ﷺ وهو أطيب الناس رائحة وأكمل الناس خُلُقًا وخلْقًا ، كان ﷺ يحرص على أن يشوص فاه بالسواك كما تقدم في حديث البخاري عن حذيفة ، وكذلك فيما تقدم من أنه يضع السواك عند رأسه في حديث الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما . وأيضًا كان عليه الصلاة والسلام كما جاء عنه لا يرقد من ليل أو نهار إلا إذا استيقظ تسوك قبل أن يتوضأ . أخرجه الإمام أحمد عن عائشة .
المسألة الثلاثون من السنة مسح الوجه باليدين عند الاستيقاظ من النوم
جاء في البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عندما بات عند خالته ميمونة قال - يصف حال النبي عليه الصلاة والسلام - : أنه لما استيقظ جلس ثم مسح وجهه بيديه . سمعت من بعض أهل العلم أن في مسح الوجه باليدين هي أكثر للتنبه والتيقظ وطرد النعاس عن النفس .
المسألة الحادية والثلاثون وهذه تتبع الأذكار بعد النوم كما تقدم الأذكار قبل النوم وعندما يستيقظ في أثناء النوم وعندما يقوم من النوم بالكلية
كان النبي ﷺ يقرأ العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ [ آل عمران : 190] وفي هذه الآيات تأمل وفيها ذكر لبعض الأمور الكونية والإنسان إذا قام من نومه فإنه قد انتقل من حياة إلى حياة ، انتقل من موت أصغر إلى حياة ، وكان غائبًا بالوعي وإدراكه عن أمور الناس وحياة الناس فإذا استيقظ فكأنه قد رجع إلى الحياة من جديد ، فإذا تلا تلك الآيات كان فيها تكامل وتتطابق لحاله .
المسألة الثانية والثلاثون هل النوم ينقض الوضوء ؟
المسألة طويلة عند أهل العلم في خلاف بينهم وفي سياق الأدلة ، لكن لعل الراجح إن شاء الله تعالى أن ذلك على قسمين أو على تفصيل : إذا كان النائم مستغرقًا في نومه لا يعي ما حوله ولا يشعر ولا يدرك فإن عليه أن يتوضأ ، أما إذا كان النوم نعاسًا وخفقان ويشعر بمن حوله فإن ذلك لا ينقض وضوئه . المسألة خلافية في الأصل هل النوم حدث أو مظنة حدث ؟ الشاهد التفريق السابق إذا نام الإنسان واستغرق فإنه يتوضأ لحديث : « العينان وكاء السِّه ، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء ، من نام فليتوضأ » . وكما قال صفوان : أمرنا أن لا ننزع خفافنا ... قال فيها : أو نوم . أما النوم خفيف النعاس فلا ينقض .
المسألة الثالثة والثلاثون إذا قام الإنسان فزعًا من رؤيا رآها أو قام فرحًا يضحك من رؤيا رآها
- يحصل هذا – جاءت في السنة بآداب أذكرها باختصار فيمن رأى ما أفزعه وكره وفيمن رأى ما يغبطه يفرحه :
الرؤيا المفزعة :
أولاً : استعذ بالله من الشيطان الرجيم .
ثانيًا : استعذ بالله من شر ما رأيت .
ثالثًا : لا تحدث بها أحدًا .
رابعًا : انفث عن يسارك ثلاثًا .
خامسًا : اعتقد بإذن الله تعالى أنها لن تضرك .
سادسًا : توضأ .
سابعًا : صل ركعتين .
ثامنًا : إذا رجعت إلى فراشك فغير الجنب الذي كنت نائمًا عليه .
هذه الآداب جاءت بها السنة وقد غاب عني كثير من غير ذلك ، أما إذا رأيت ما تحب وتغتبط فقد جاء في السنة آداب :
الأول : أنت تحدث بها من تحب .
الأمر الثاني : أن تتفاءل بها خيرًا .
الأمر الثالث : أن تحذر من العجب .
جاء في السنة أن تحدث بها من تحب وجاء في كلام أهل العلم أن الإنسان يحذر من العجب إذا رأى ما يسره . قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى : الرؤيا تسر المؤمن ولا تغره . ولما أُخبر سفيان برؤيا فيها ثناء عليه في المنام قال سفيان رحمه الله تعالى : نحن أعلم بأنفسنا من أهل الرؤى بنا . وهذا من تواضعه رحمه الله تعالى ، أما التفاؤل فالإنسان إذا رأى ما يسره يتفاءل ويحذر من العجب .
المسألة الخامسة والثلاثون نهيٌ عن النوم على البطن
حديث طغفة الغفاري رضي الله عنه قيل طهفة رآه النبي ﷺ نائمًا في المسجد على بطنه فغمزه أو ركضه برجله وقال : « قم » . أو قال : « هذه نومةٌ يكرهها الله » . أو « يبغضها الله » . وأبو ذر رضي الله تعالى عنه كان نائمًا على بطنه فقال عليه الصلاة والسلام : « يا جنيدب - تصغير جندب - إنما هذه ضجعة أهل النار » . لكن قد يكون بعض الناس يشكو من مرض في ظهره أو في جوانبه هذا له شأن لكن الشأن فيمن كان لا يحتاج إلى هذه النومة ، بعض الناس قد يكون مرض في ظهره فقرات تألمه أو في جانبيه حروق أو ما شاكله فلا يستطيع إلا أن ينام على بطنه هذا له شأنه ، لكن الغرض أن ينام الإنسان بغير حاجة أو لغير ضرورة فلا شك أن هذا واقع في النهي الذي حذر منه النبي ﷺ .
المسألة السادسة والثلاثون نُهي الإنسان أن يبيت وحده
أن ينام وحده في البيت ، قال ﷺ : « نهى عن الوحدة » فسرها إما جاءت مرفوعة أو من تفسير الراوي إيضاحًا يعني أن يبات الرجل وحده ، قيل لأنه قد يحصل له ما يخيفه قد يتمثل له الجن ،وهل هذا الأمر عام في كل بيت ؟
البيوت على أقسام فيها بيوت يعني قد تكون متجاورة متلاصقة يسمع أصوات جيرانهم ويسمع أصوات أولادهم إلى آخره ، فيكون في أنس وبُعْد عن الوحدة والسكون التام . هذا يترخص فيه بعض أهل العلم لكن الأحوط والأكمل عدم النوم في البيت وحده إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك .
المسألة السابعة والثلاثون النوم دون التنظف
بعضهم يأكل ويكون في يديه نوع من بقايا الأكل فينام دون أن يغسلها ، هذا منهي عنه بل هو معرض للإصابة قال ﷺ : « من نام وفي يديه غَمَر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه » . أخرجه الإمام أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه .
الغَمَر ذكر ابن الأثير أنه الدسومة والزهومة من اللحم ، والزهومة هي الرائحة النتنة التي تبقى في اليد والفم كذلك . النبي عليه السلام لما شرب لبنًا تمضمض وقال : « إن له دسمًا » . فكيف من نام وفي يديه أثر لبقايا الدسم واللحم وكذلك في فمه لا شك أن هذا يُعَرِّضُ نفسه للمرض وأيضًا لو استيقظ فلا شك أن رائحته تكون غير مقبولة بل مستقبحة عند من يجالسهم أو يمر بهم ، في لفظ آخر : « من نام وفي يديه غمر فأصابه وضح » . الوضح : قيل بأنه مرض نفسي - الخمول - ، وقيل بأنه نوع من برص .
المسألة الثامنة والثلاثون النوم في الطريق منهي عنه وفي الأودية
قال ﷺ في بقية الحديث : « وإذا عرستم - أي نزلتم في أثناء السفر - في الليل فاجتنوا الطريق فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل » . أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه . النوم في الطريق بمثل وضعنا الآن خطر سيارات وما شاكلها ، ثم لم يكن سيارات ليس لك الحق فيه أعطي الطريق حقه هذا حق للمارة وليس للنوم ، فأيضًا في الأودية النزول في بطون الأودية هذا خطر قد يكون مجرى سيل قد يأتي سيل وأنت نائم ، قد تأتي دواب وحوش حتى لو أمنت ذلك فأنت مأمور بالتمثل لهذا الأمر النبوي .
المسألة التاسعة والثلاثون اتقاء ما يكون خطرًا في أثناء الغفلة عنه
وهذا من كمال شريعة الإسلام في حفظ المسلم وأمر المسلم بالابتعاد عن كل ما يضره أو يخشى أن يضره . قال ﷺ في حديث عبد الله بن سرجس رضي الله تعالى عنه : « إذا نمتم فأطفئوا السرج -فأطفئوا المصباح في بعض الألفاظ - فإن الفأرة تأخذ الفتيلة فتُحرق أهل البيت » . وفي رواية : « فإن الشيطان يدل مثل هذه الفأرة على مثل هذا » . أي : السراج ، وأيضًا هذا الأمر ينطبق على النار والدفايات الكهربائية قد تكون خطرًا على أهل الدار وقد حصل وفيات وكوارث اذكر هنا قصة حُدِّثْتُ بها من زمن أن رجلاً كان يستخف ويقول : وهل الفأرة الحقيرة تحرق البيت كيف يكون ذلك ؟ يقال : بأنه كان يبني بيتًا وفي عداد الكهرباء كان مكشوفًا فكان هناك نوع من الجرذ كان يقرض التيار السالب فاتصل بالتيار الموجب فحصل احتراق للتلامس الكهربائي في بيته عقوبة من الله وعدلاً ، فالمسلم ينبغي أن يكون لسانه حال دائمًا مقاله ولسان حاله سمعنا وأطعنا بقناعة لا تردد فيها .
المسألة الأربعون إغلاق الأبواب
في نفس الحديث السابق حديث ابن سرجس : « أغلقوا الأبواب » . وفي بعض الألفاظ : « فإن الشيطان لا يفتح المستغلق » .
إغلاق الأبواب فيه مصالح :
أولاً : قد يكون أصواتها مع الهواء تفزع النائم فإذا سلم من هذه العلة ، قد يكون هناك أطفال دخول عليه في عوراته الثلاث وقد يكون متكشفًا في نومه عن غير قصد فيدخل الداخل عليه .
والأمر الثاني : أن يكون تعبديًّا ، أغلق الأبواب كما أُمِرت بذلك ، لكن بعض الناس يكون بابه مفتوحًا وهو نائم فيخيل له أشياء قد تكون من تلبيس إبليس فإذا أغلقها كان أكثر أمنًا إذا نوى بذلك إحياءً للسنة .
المسألة الحادية والأربعون أُمرنا بتخمير الآنية
أن نغطيها وأن نوكأ السقاء حتى جاء في الحديث إذا كان عندك إناء وليس عندك غطاء له فضع عليه ولو عودًا فإنه ينزل من السماء داء في كل ليلة .
المسألة الثانية والأربعون التحذير والنهي من أن ينام الإنسان على ظهر سطح ليس محجورًا
ويدخل في ذلك بعض النساء تضع طفلها الصغير على سرير مرتفع وليس للسرير حد ، حتى ولو كان السرير غير مرتفع إذا كان ليس له حد فهذا أمر منهي عنه ، لأن الطفل قد يتقلب ولهذا قال ﷺ : « من نام على ظهر بيتٍ ليس بمحجور فقد برأت منه الذمة » . أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد .
سأل الخلال الإمام أحمد : عن ارتفاع الحجاب للبيت ؟ فقال : مثل مؤخرة الرحل ثلثي ذراع . لكن الضابط فيها حسب حال الناس فالطفل الصغير غير الرجل الكبير ، فالشاهد وبخاصة فيمن يعرف في نفسه أنه يتقلب في نومه أن يحتاط فلا ينام إلا وقد وضع حائطًا فوق فراشه أو حول السطح الذي كان نائمًا عليه .
المسألة الثالثة والأربعون أدب وأمر من النبي وفيه حماية للأعراض وطرد للشك والريبة
قال عليه الصلاة والسلام : « مروا أولادكم بالصلاة في سبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع عند النوم » . جمع الأولاد بجانب بعض قد يحصل ما لا تحمد عقباه ، والغريزة قد تغلب صحابها وبخاصة مع براءة الصبيان ، البراءة تفتح لصاحبها أبوابًا من باب الفضول فإغلاق هذا الباب من النبي عليه الصلاة من كمال التشريع ففرق بينهم في المضاجع .
المسألة الرابعة والأربعون نهي عن النوم قبل العشاء
نهى ﷺ عن النوم قبل العشاء والحديث بعدها . من نام بعد المغرب فالغالب أن يستمر النوم وتفوته الجماعة والحديث بعدها قد يطول في حديثه فيترتب عليه تأخر نومه وبخاصة إذا كان يعرف ذلك من نفسه فينام عن صلاة الفجر أو يتأخر في القيام إليها ، وهناك كلام لأهل العلم يقول : لو كان الإنسان لا يستطيع أن ينام أو يرتاح إلا في فترة ما بين المغرب والعشاء إذا كان عنده من يوقظه - مثلاً شخص عنده خفارة كالعسكري أو طبيب يريد أن يرتاح في أثناء العمل وليس له فرصة إلا بعد المغرب فهذا ينام ولا مانع من ذلك إذا كان عنده من يوقظه .
المسألة الخامسة والأربعون إذا كان الإنسان قريبًا من صلاة الفجر ومتعبًا
فهناك تفريق يدل على عناية النبي عليه الصلاة والسلام وحرص النبي عليه الصلاة والسلام على المحافظة على أمر الصلاة . فعن أبي قتادة قال : كان رسول الله ﷺ إذا عرس وعيه ليل توسد يمينه ، وإذا عرس الصبح وضع رأسه على كفه اليمنى وأقام ساعده . يعني إذا كان في أول الليل وضع كفه ووضع رأسه عليها - لأنه سيستغرق في النوم - أما إذا كان مجرد استرخاء وارتياح والفجر قريب فكان يبسط ذراعه ويضع رأسه عليه حتى لا يستغرق في نومه . وهذا الحديث عند الإمام أحمد وابن حبان والحاكم عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه .
المسألة السادسة والأربعون كراهة النوم بعد العصر
جاء في حديث : « من نام بعض العصر فاختلط عقله فلا يلومن إلا نفسه » . هذا الحديث لا يصح فيه ابن لهيعة ومن طرائف الليث بن سعد رحمه الله تعالى لما أخبروه بهذا الحديث كان ينام بعد العصر فقالوا : يا إمام لقد روى ابن لهيعة . فذكروا الحديث . فقال : لا أدع نومتي وراحتي لأجل حديث رواه ابن لهيعة . لأنه يعلم أن ابن لهيعة ضعيف ، وأن هذا الحديث لا يصح عن النبي ﷺ .
لكن كان بعض أهل العلم يكره النوم بعض العصر ويقول بأن هذا الوقت هو وقت طلب الرزق وحركة الناس فالسكون في هذا الوقت قد يتأثر أو يتخالف مع الفطرة ، ولهذا بعض الأطباء يوصون بعدم النوم بعد العصر قصدهم المداومة عليه فقط لكن من نام أحيانًا لحاجة لمرض أو لتعب فهذا شأن آخر .
المسألة السابعة والأربعون القيلولة
أولاً : ما هي القيلولة ؟ القيلولة قال ابن الأثير : هي الاستراحة في وسط النهار ولو لم يصحبها نوم . الصحابة كانت قيلولتهم قبل الظهر قال : سهل بن سعد كنا لا نقيل ولا نتغذى يوم جمعة إلا بعد الصلاة . فدل على ماذا ؟ على أن في الجمعة يكون قبل الصلاة . لكن بحكم وضعنا الحالي للموظفين والمدرسين وطلاب لا يجد الإنسان فرصة إلا بعد الظهر والضابط الراحة في ذلك .
الشاهد أن القيلولة قد جاء فيها حس جاء في الحديث قال عليه الصلاة والسلام : « قيلوا فإن الشياطين لا تقيل » . هذا الحديث حسنه بعضهم وجاء موقوفًا ثابتًا عن عمر رضي الله تعالى عنه . وينبغي أن يحرص الإنسان على القيلولة وبخاصة الشخص المتعب الشخص الذي عنده أعمال كثيرة ، فيتبين فضل القيلولة في المسألة الثامنة والأربعين .
المسألة الثامنة والأربعون فضل القيلولة
أولاً : تطبيقًا للحديث النبوي .
ثانيًا : تزيد الإنسان نشاطًا لما يستقبل من أعمالهم .
ثالثًا : تعينه على قيام الليل . جاء في الأثر « استعينوا على قيام الليل بنومة الضحى » . وقال بعضهم : استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبالقيلولة على قيام الليل .
المسألة التاسعة والأربعون النوم بعد الفجر
يكره بعضهم النوم بعد الفجر ويقول : هذا الوقت وقت مبارك . قال ﷺ : « بورك لأمتي في بكورها » . ويقول أهل الطب الحديث : بأن عند بدور الصباح يكون هناك غاز يسمى بغاز الأوزون ينشط به الجسم قتنتعش به الأعضاء . ولهذا في أهل القرى وأهل المزارع نشاط متميز عن أهل المدن ، وهذا النوم يفقد الإنسان كثيرًا من هذا ، لكن لو نام الإنسان بعد الفجر هل يقال ارتكب نهيًا ؟
لا . جاء في أحاديث لا تصح في ذم نومة الصبح منها حديث فاطمة أنها كانت مضطجعة بعد الصبح فوكزها النبي عليه السلام وقال : « يا بنية قومي فهذا وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها » . أو كما قال ﷺ لكن أحاديث النوم عن الصبح كما يقول بعض العلماء : لا تصح .
المسألة الخمسون هل الأفضل أن ينام الإنسان قبل أن يوتر أو أن ينام ثم يوتر
هذا بحسب حال الشخص إذا كنت تعلم من نفسك الثقل في النوم وأنك لن تستيقظ فصلِّ وترك قبل أن تنام ، أما إذا كنت تعلم أنك تقوم أو هناك من يوقظك فصلِّ وترك في آخر الليل ، قد جاء في الحديث أن الصديق كان يوتر قبل أن ينام وعمر بعد النوم فقال : « أما هذا الصديق فقد أخذ بالأحذر وأما هذا فقد أخذ بالأفضل ». فالأفضل بحسب حالك ، لا تفوت الوتر إذا كنت تعرف من نفسك أنك لن تقوم فصلِّ قبل أن تنام .
المسألة الحادية والخمسون لو قُدِّرَ أن الإنسان نام عن وتره نام فقام بعد أن أصبح
تصلي وترك ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر سواء نمت عنه أو نسيته : « من نام عن حزبه أو عن وتره فليصليه إذا أصبح » . وقد جاء في النص النبوي أنه ما بين الفجر إلى الظهر .
المسألة الثانية والخمسون نهينا أن نصلي خلف المتحدث والنائم
شخص نائم أمامك قد جاء في الحديث النهي عن الصلاة إليه . يقول بعضهم : هذا نهي كراهة . قد صلى النبي عليه السلام وأمامه عائشة . قال بعضهم : كانت نائمة . وقال آخرون : بل كانت مستيقظة . بكل حال فالصلاة خلف النائم أمامك لا تصلِّ وهو أمامك قد يتحرك قد يفعل ما يستقبح من إحداث وما شاكله فلا ينبغي أن تصلي بل أن تبتعد يمنة أو يسرة .
المسألة الثالثة والخمسون إذا نعس الإنسان في المسجد ماذا يعمل ؟
جاء الحديث عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال : قال ﷺ : « إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فليتحول عن مجلسه إلى غيره » . رواه أبو داود والترمذي يقول أهل العلم : لأن التحول قيام وحركة ففي هذا تيقظ ثم إذا أوقظ أو تيقظ من نفسه وقام فيكون أشد تنبهًا لنفسه بأن ينام ، ولهذا قد قال بعضهم : إذا لم يكن هناك مكان المسجد مليء ؟ قالوا له : يقوم ثم يقعد المهم يتحرك من باب التشبث ولو بشيء من السنة .
المسألة الرابعة والخمسون النوم في المسجد
هذه مسألة ذكر أهل العلم أن لها أقسامًا :
القسم الأول : أن يكون معتكفًا هذا لا شك أن هذا النوم من السنة .
القسم الثاني : أن ينام لعذر وليس ذلك من عادة جاء مسافرًا أضاع مفتاح بيته فلا حرج في أن ينام .
القسم الثالث : أن يكون عادةً له دائمًا كل وقت ، كل ليل ، أو كل أيامه ينام في المسجد هذا يفرق بين أن يكون له مسكن أو ليس له مسكن ؟ الإمام مالك يفرق يقول : فإن كان له مسكن فذلك مكروه في حقه وإن كان ليس له مسكن فذلك مباح ، كما قال أصحاب الصفة رضي الله عنهم ما كان لهم مسكن فكان مقامهم وطعامهم وشرابهم المسجد .
المسألة الخامسة والخمسون إذا نعس الإنسان وهو يصلي ماذا يفعل ؟
الجواب قال نبينا ﷺ : « إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم » . لماذا ؟ جاءت روايات تبين أن الإنسان إذا نعس فينبغي له أن لا يصلي لما ؟
جاءت في الروايات أن القرآن يستعجم على لسانه ، يخلط يقرأ قد يقول كلامًا هدرمةً ليس بقرآن .
الثاني : أنه قد يدعو على نفسه .
الثالث : أنه لا يعلم حركات الصلاة ، ولا يفقه ما يقول ولا ما يفعل . وكل هذه قد جاءت في الأحاديث ، بل أن المنذري رحمه الله تعالى قال : باب الترهيب من صلاة الإنسان وقراءته حال النعاس . حتى لو كنت في غير الصلاة وأنت تقرأ وجاءك النعاس افصل القراءة حتى ما تشتغل بكلام لغو من تحريف القرآن أو استعجام أو ما شاكله ، بل النبي ﷺ يقول : « إذا اختلفتم في القرآن فقوموا » . خشية فتح باب اللغط . ويدخل في هذا أيضًا من كان نعسان لأن العلة هي ماذا ؟
إثارة المحاذير الشرعية فهذا الناعس أو النعسان لا ينبغي له أن يقرأ ولا أن يصلي ، وهل هذا خاص بالفرض أو النفل ؟
بالفرض والنفل عمومًا لكن بعض الناس يتعمد يسهر فإذا أذن المؤذن كان في تعب يقال لا تصلي يعني لا يعقل صلاته . لكنك آثم ، كمن أكل بصلاً أو ثومًا بقصد التخلص من الجماعة ، لكن لو أكلها كدواء أو هذا الإنسان سهر لعمل فيقال ليس عليك إثم ، لكن لا تصلي لأنك لا تفقه ما تقول ، كالجائع لا يصلي حتى يشبع والعطشان .
المسألة السادسة والخمسون إذا دخل الإنسان على قوم نيام هل يسلم عليهم
جاء في الحديث عند مسلم عن المقداد في قصة طويلة المهم قال : فدخل علينا النبي عليه السلام ونحن نيام فسلم سلامًا يُسمع اليقظان ولا يُوقظ النائم . وهذا من كمال أخلاقه ﷺ لأن بعض الناس إذا دخل يسلم سلامًا يفزع به النائم من نومه ، ليس هذا من السنة بل سلم سلامًا لا تزعج النائمين ولا تحرم القائمين من أجر السلام .
المسألة السابعة والخمسون السهر وقلة النوم
السهر سهران :
سهر شرعي : يؤجر العبد عليه .
وسهر غير شرعي : يؤثم العبد عليه .
السهر الشرعي كما قال شيخ الإسلام : ما كان في مصالح المسلمين . وأيضًا في البخاري باب السمر في طلب العلم قد جاء في الحديث :« لا سمر إلا لمصلٍّ أو مسافر ». المسافر يحتاج يقطع الطريق في الليل وسيأتي الصباح وقد يكون على سيره ، لكن بعض الناس يسهر على معصية أو يسهر على طاعة فيترتب عليها تفويت طاعة آكد منها . فقد الفاروق عمر رضي الله عنه صحابيًا اسمه سلمان بن أبي حزمة كما جاء في الموطأ في صلاة الفجر فلما صلى عمر الفجر ذهب إلى بيت أم سلمان وكان على أول الطرق فطرق الباب وقال : يا أم سلمان لم أر سلمان في صلاة الصبح ؟ قالت : يا أمير المؤمنين - ماذا كان عذره تتوقعون - قالت : كان قام الليل حتى كلَّ قدميه . - تهجد - فقال عمر : والله لئن أشهد الفجر مع الجماعة أحب إليّ من قيام الليل كله .
المسألة الثامنة والخمسون ذمَّ من نام الليل
كله جاء في الحديث عند البخاري ومسلم عن عبد الله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رجلاً نام من الليل حتى أصبح فقال عليه السلام : « ذاك امرؤٌ قد بال الشيطان في أذنه » . قيل بأن هذا نام ولم يقم الليل ، وقيل بأنه نام عن صلاة الصبح . قال بعضهم : وقد يكون هذا أقرب . أنه ما صلى فريضة لأن صلاة الليل ليست واجبة ، لكن لعل هذا يقال فيمن كان قادرًا على قيام الليل ولا يكلفه شيئًا وحرم نفسه فهذا قد يكون للشيطان له نصيب .
المسألة التاسعة والخمسون إذا أراد الإنسان إيقاظ النائم
قال ﷺ فيما رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : « رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى - صلاة الليل - وأيقظ امرأته - ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [ طه : 132] - فصلت فإن أبت وإلا نضح في وجهها الماء » . برفق ، كذلك : « ورحم الله امرأةً قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء » . لكن برفق يعني بعض الأزواج لو أراقت المرأة الماء بقوة على زوجها قد تصبح مطلقة ذلك اليوم .
المسألة الستون - قبل الأخيرة – بعض الناس محروم من قيام الليل مع قدرته عليه
ولا شك أن من أسباب ذلك المعاصي وعدم إعطاء النفس حقها وحظها ، أو أن يشق على نفسه . يقول بعض السلف : من عوَّدَ نفسه السهر اعتادته ومن عود نفسه النوم اعتادته ومن عود نفسه النوم والقيام اعتادته . كان بعض السلف يقول : لا أترك حزبي - في قيام الليل - وآتي تارةً متعبًا وأخشى أن يفوتني الليل فيمر النوم وقفت على قدمي فيوقظني .
قال رجل لعمر رضي الله تعالى عنهما : يا ابن عمر إني أحب التهجد والصلاة لله ولا أقدر عليها مع الضعف . فقال : يا ابن أخي أرقد ما استطعت واتق الله ما استطعت . يعطي الإنسان حظه ولا يجد نفسه بعض الناس يقول : سأقوم من الليل ساعتين أو ثلاثة يعرف من نفسه الضعف أو النوم متأخرًا فلا أدرك خيرًا في نومه ولا في صلاته ولكن إن أحب العمل لله أدومه وإن قل .
المسألة الأخيرة طلاق النائم
لو أن الإنسان سمع النائم يتكلم ويطلق الخلاصة في هذه المسألة أن النائم غير مؤاخذ بما يقول لأنه في غير إدراك في غير وعي قد يتكلم كلام كفريًا إذا كان ذلك الذي قال : الله أنت عبدي وأنا ربك . أخطأ من شدة الفرح فكيف بمن كان لا يعي كليًّا أو شبه غياب عن الوعي أختم بهذه المسألة .
والله أسأل أن يجعل نومنا في طاعته وأن يجعل استيقاظنا في طاعته وأن يجعل محيانا ومماتنا في طاعته عز وجل ويجعلنا ممن شملهم قوله تعالى : ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [ الأنعام :162] .
الله جل وعلا أسأل أن يجعلنا وإياكم ممن عَمَرَ أوقاته بطاعة الله وكان استيقاظه ورقاده في طاعة الله . كما أسأله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن علم العلم النافع وعمل به وكان علمه وعمله حجة له لا عليه .
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .