×
اللهم سلم: في زمن النسيان والغفلة والأمل والتسويف أقدم للإخوة القراء الجزء العاشر من سلسة «أين نحن من هؤلاء؟» تحت عنوان: «اللهم سلم». وفيه ذكر فضيلة الخوف من الله التي تقود إلى العمل وتحرك الهمم. وطرزته بحال السلف خوفًا ورجاء».

  اللهم سلم

د. عبد الملك القاسم

 المقدمة

الحمد لله الذي أمن الخائفين منه وجعل مثواهم جنات عدن، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.

وبعد:

في زمن النسيان والغفلة والأمل والتسويف أقدم للإخوة القراء الجزء العاشر من سلسة «أين نحن من هؤلاء؟» تحت عنوان: «اللهم سلم».

وفيه ذكر فضيلة الخوف من الله التي تقود إلى العمل وتحرك الهمم. وطرزته بحال السلف خوفًا ورجاء.

جعل الله لنا نصيبًا من ذلك ورزقنا خشيته سرًا وعلانية..

ورزقنا من التقوى ما نتزود به ليوم المعاد

عبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم


 مدخل

لقد نثر طول الأمل رداءه على البعض فأصبح الكثير من الناس يقترف المحرمات، ويتهاون في الطاعات وأمسى التسويف حاجزًا لهم عن التوبة، والفرح بهذه الدنيا منسيًا لما أمامهم من الأهوال والعقبات. فلم يطرق الخوف قلوبهم، ولم يلازم الوجل نفوسهم. فانهمكوا في الفرح والترح، وكأنهم مخلدون في هذه الدنيا.. تجاهلوا سيرة من كانوا قبلهم في تذكر الموت والخوف مما بعد الموت.. فقد كان يقرأ على بعض السلف ما يلين القلوب ويحيي النفوس.. يشحذ الهمم، ويقوي العزائم ويزيل ران الغفلة والسفه.. فهذا ابن المبارك إذا قرئ عليه كتاب الزهد كأنه ثور قد ذبح؛ لا يقدر أن يتكلم([1]).

والخوف أخي الحبيب! عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل.

ومن توقع مكروهًا في المستقبل سعى إلى الاستعداد له، والمثابرة على اجتيازه.

وقد جمع الله للخائف منه فضلاً عظيمًا، فقال تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾([2]).

قال القرطبي: المعنى خاف مقامه بين يدي ربه للحساب، فترك المعصية([3]).

وقال ابن كثير - رحمه الله -: أي خاف القيام بين يدي الله -عز وجل-، وخاف حكم الله فيه، ونهى النفس عن هواها، وردها إلى طاعة مولاها ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ أي منقلبه ومصيره ومرجعه إلى الجنة الفيحاء([4]).

وقال مجاهد والنخعي -رحمهما الله-: هو الرجل يهم بالمعصية، فيذكر الله فيدعها من خوفه.

وقال محمد بن علي الترمذي - رحمه الله -: جنة لخوفه من ربه، وجنة لتركه شهوته.

ومن فضل الله ومنه على عباده الطائعين المنيبين ما جاء في الحديث القدسي، قال الله تعالى: «وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي»([5]).

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط. قال:

«لو تعملون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، فغطى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجوههم ولهم خنين»([6]) [متفق عليه].

ومن ثمرة الخوف من الله -جل وعلا- في الدنيا ما ذكره عامر بن قيس بقوله: من خاف الله أخاف الله منه كل شيء, ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.

وانظر إلى أهل الوجل والخوف من الله؛ إنهم أهل القدوة، وأصحاب الكلمة المسموعة.

أما من عصى الله وفرط في حدوده، فإنه زائغ النظرات، يترقب وقوع المصيبة.. بل هو في قلق وحسرة وندامة.

ويظن البعض أن الخوف هو خوف الدنيا الطبعي من الوحوش والسباع والظلام والوحدة، وما علموا أن ما قطع قلوب المؤمنين الصادقين إنما هو الخوف من عذاب الله ورجاء رحمته وعفوه ومغفرته..

قال عمر بن عبد العزيز: اللهم إن كنت تعلم أني أخاف شيئًا دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي([7]).

قال يزيد بن حوشب محدثًا بما كان يراه من صلاح القوم وخوفهم:

ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز كأن النار لم تخلق إلا لهما.

وعن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال:

سمعت عبد الله بن حنظلة يومًا وهو على فراشه، وعدته من علته، فتلا رجل عنده هذه الآية: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ فبكى حتى ظننت أن نفسه ستخرج، وقال: صاروا بين أطباق النار ثم قام على رجليه، فقال قائل: يا أبا عبد الرحمن اقعد قال: منعني ذكر جهنم القعود، ولا أدري لعلي أحدهم.

فإن هذا هو الخوف المحمود الذي يحرك النفس البشرية إلى الاستعداد والعمل والاستقامة والإنابة.

وهذا هو الخوف الحقيقي والوجل الصادق..

كان عمر بن الخطاب يسأل حذيفة.. أنشدك الله: هل سماني لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يعني في المنافقين؟ فيقول: لا، ولا أزكي بعدك أحدًا([8]).

نعم هذا وهو عمر بن الخطاب.. أمير المؤمنين الفاروق وثاني الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة.

بل ها هو قد جعل نقش خاتمه: كفى بالموت واعظًا يا عمر([9]).

مستوفدين على رحل كأنهم

ركب يريدون أن يمضوا وينتقلوا

عفت جوارحهم عن كل فاحشة

فالصدق مذهبهم والخوف والوجل([10])

أخي المسلم: إن اتباع الهوى وطول الأمل مادة كل فساد. فإن اتباع الهوى يعمي عن الحق معرفة وقصدًا، وطول الأمل ينسي الآخرة ويصد عن الاستعداد لها([11]).

قال الفضيل بن عياض: إذا قيل لك: هل تخاف الله؟ فاسكت، فإنك إن قلت: نعم، كذبت، وإن قلت: لا، كفرت([12]).

والكثير لو سئل هذا السؤال لأجاب بالجواب الأول، وهو مقيم على معصية، مصر على كبيرة، مستغرق في صغيرة؟!

فأين الخوف من الله؟ وأين التفكر في المآل والمعاد والجزاء والحساب..

أيها الحبيب:

هذا أبو سليمان الداراني لما حضره الموت، قال له أصحابه:

أبشر فإنك تقدم على رب غفور رحيم. فقال لهم: ألا تقولون تقدم على رب يحاسبك بالصغير ويعاقبك بالكبير.

وصدق الله عز وجل إذ يقول: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.

والخوف ليس من الذنوب وحدها، بل أيضًا من سوء الخاتمة وسوء المنقلب.. قال عبد الرحمن بن مهدي: بات سفيان عندي فلما اشتد به الأمر، جعل يبكي. فقال له رجل: يا أبا عبد الله أراك كثير الذنوب. فرفع شيئًا من الأرض، وقال: والله لذنوبي أهون عندي من ذا، إني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت([13]).

وقال جل وعلا: ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾.

نعم يا عبد الله لقد خافوا هذا اليوم العظيم يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾[الحج: 2].

قال الحسن - رحمه الله -:

ما ظنك بيوم قاموا فيه على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة، لا يأكلون فيها أكلة، ولا يشربون فيها شربة، حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشًا، واحترقت أجوافهم جوعًا، انصرف بهم -يقصد العصاة والمجرمين- إلى النار فسقوا من عين آنية قد آن حرها، واشتد لفحها([14]).

قال وهيب بن الورد:

بلغنا أنه ضرب لخوف الله مثل في الجسد، قيل: إنما مثل خوف الله كمثل الرجل يكون في منزله فلا يزال عامرًا ما دام فيه ربه، فإذا فارق المنزل ربه وسكنه غيره خرب المنزل، وكذلك خوف الله تعالى إذا كان في جسد لم يزل عامرًا ما دام فيه خوف من الله، فإذا فارق خوف الله الجسد خرب، حتى إن المار يمر بالمجلس من الناس فيقولون: بئس العبد فلان، فيقول بعضهم لبعض: ما رأيتم منه؟ فيقولون: ما رأينا منه شيئًا غير أنا نبغضه، وذلك أن خوف الله فارق جسده.

وإذا مر بهم الرجل فيه خوف الله، قالوا: نعم والله الرجل فيقولون: أي شيء رأيتم منه؟ فيقولون ما رأينا منه شيئًا غير أنا نحبه([15]).

فكرت في نار الجحيم وحرها

يـا ويلتاه ولات حين مناص

فدعوت ربي إن خير وسيلتي

يوم المعاد شهادة الإخلاص([16])

جاء سائل إلى ابن عمر فقال لابنه: أعطه دينارًا، فلما انصرف قال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه، فقال: لو علمت أن الله يتقبل مني سجدة واحدة وصدقة درهم لم يكن غائب أحب إلي من الموت، أتدري ممن يتقبل؟ إنما يتقبل الله من المتقين.

وقد فسر الحسن قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾.

قال: كانوا يعملون ما يعملون من أعمال البر وهم مشفقون؛ ألا ينجيهم ذلك من عذاب الله عز وجل([17]).

ولهذا الفهم الصحيح والإدراك الصادق، قال يونس بن عبيد عن الحسن: ما رأيت أطول حزنًا من الحسن. وكان يقول: نضحك ولعل الله قد اطلع على أعمالنا، فقال: لا أقبل منكم شيئًا.

والخوف من الله حصن من المهالك، وحماية دون المنزلقات.. قال الفضيل: من خاف الله دله الخوف على كل خير([18]).

والقدر الواجب من الخوف ما حمل على أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإن زاد على ذلك بحيث صار باعثًا للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات، والتبسط في فضول المباحات كان ذلك فضلاً محمودًا، فإن تزايد على ذلك بأن أورث مرضًا أو موتًا أو همًا لازمًا بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المطلوبة المحبوبة لله عز وجل لم يكن محمودًا([19]).

قال ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: الخوف المحمود ما حجز عن محارم الله([20]).

وحين مر طاوس برأس (بائع الرؤوس) قد أخرج رؤوسًا، فغشي عليه وكان إذا رأى الرؤوس المشوية لم يتعش تلك الليلة([21]).

قال: سفيان بن عيينة: خلق الله النار رحمة يخوف بها عبادة لينتهوا.

والخائفون الوجلون المشفقون هم أهل الصلاح والتقى والورع والزهد..

فإن من لامس الخوف شغاف قلبه وسرى في عروقه أورثه ذلك عملاً وصلاحًا.. أولئك الخائفون الذين سئل عنهم ابن عباس رضي الله عنهما: قال: قلوبهم بالخوف فرحة، وأعينهم باكية، يقولون: كيف نفرح والموت من ورائنا، والقبر أمامنا، والقيامة موعدنا، وعلى جهنم طريقنا، وبين يدي الله موقفنا([22]).

والخوف الحقيقي خوف السر والخلوة حيث لا يراك مخلوق ولا تراءى عيون وآذان هذا أنس بن مالك يقول: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا، وخرجت معه، حتى دخل حائطًا، فسمعته يقول، وبيني وبينه جدار، وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين.. بخ([23])، والله لتتقين الله يا ابن الخطاب أو ليعذبنك([24]).

وبكى معاذ رضي الله عنه بكاءً شديدًا فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: لأن الله عز وجل قبض قبضتين، فجعل واحدة في الجنة والأخرى في النار، فأنا لا أدري من أي الفريقين أكون([25]).

قال موسى بن مسعود:

كنا إذا جلسنا إلى الثوري كأن النار قد أحاطت بنا لما نرى من خوفه وجزعه([26]).

قال الحسن البصري:

يخرج من النار رجل بعد ألف عام ياليتني كنت ذلك الرجل([27]).

أيها الحبيب أولئك أعلام أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فبهداهم اقتد وعلى نهجهم سر وأسرع الخطا.

قال شقيق بن إبراهيم - رحمه الله -:

ليس للعبد صاحب خيرًا له من الهم والخوف، هم فيما مضى من ذنوبه وخوف فيما بقى لا يدري ما ينزل به.

وقال عامر بن قيس - رحمه الله - وكأنه يرى حال كثير منا:

أكثر الناس فرحًا في الآخرة أطولهم حزنًا في الدنيا، وأكثر الناس ضحكًا في الآخرة أكثرهم بكاءً في الدنيا، وأخلص الناس إيمانًا يوم القيامة أكثرهم تفكرًا في الدنيا.

والإنسان -أخي المسلم- بين منزلتي الخوف والرجاء.. خوف من الله، ورجاء لما عنده. وهو بهذا الميزان يسير خائفًا راجيًا.

قال الفضيل بن عياض: ما دمت حيًا فلا يكن شيء عندك أخوف من الله عز وجل، وإذا نزل بك الموت فلا يكن عندك شيء أرجى من الله عز وجل([28]).

وقال صالح بن أحمد بن حنبل: كان أبي إذا دعا له رجل، يقول الأعمال بخواتيمها([29]).

أخي الحبيب:

للعبد بين يدي الله موقفان: موقف بين يديه للصلاة، وموقف بين يديه يوم لقائه، فمن قام بحق الموقف الأول هون عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفه حقه، شدد عليه ذلك الموقف، قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا * إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾ [الإنسان: 27].

كان شميط بن عجلان يقول في مواعظه: إن المؤمن يقول لنفسه: إنما هي ثلاثة أيام: فقد مضى أمس بما فيه، وغدًا أمل لعلك لا تدركيه، إنما هو يومك فإن كنت من أهل غد فسيجيء رب غد برزق غد، إن دون غد يومًا وليلة تخترم فيه أنفس كثيرة فلعلك المخترم فيه.

كفى كل يوم همه، ثم حملت على قلبك الضعيف هم السنين والدهور والأزمنة وهم الغلاء والرخص وهم الشتاء قبل أن يجيء، وهم الصيف قبل أن يجيء، فماذا أبقيت من قلبك الضعيف للآخرة؟

ما تطلب الجنة بهذا، متى تهرب من النار؟ كل يوم ينقص من أجلك ثم لا تحزن. أعطيت ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع.

فالعجب كل العجب لمن صدق بدار الحيوان كيف يسعى لدار الغرور.

أخي الحبيب! أين نحن من هؤلاء؟!

قال أبو مسهر: ما رأيت سعيد بن عبد العزيز ضحك قط، ولا تبسم، ولا شكا شيئًا قط.

وقال بعض أصحاب الحسن: كنا ندخل على الحسن فما هو إلا النار والقيامة والآخرة وذكر الموت([30]).

وعندما سأل الحجاج سعيد بن جبير متعجبًا: بلغني أنك لم تضحك قط!!

قال له: كيف أضحك وجهنم قد سعرت، والأغلال قد نصبت، والزبانية قد أعدت.

وعندما بكى الحسن فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني غدًا في النار ولا يبالي([31]).

أين أصحاب السهر والسمر والضحكات التي تجلجل من هذه الدرر؟!

امنع جفــونك أن تذوق منامًا

وذر الدموع على الخدود سجامًا

واعلم بأنــك ميت ومحـاسب

يـا من على سخط الجليل أقاما

لله قوم أخـلصـوا في حــبه

فـرضى بهـم واختصهم خداما

قوم إذا جـن الظـلام عليهـم

باتـوا هنـالك سـجدًا وقياما

خمص البطون من التعفف ضمرا

لا يعـرفون سوى الحلال طعاما

أخي الحبيب:

قال ابن عون: لا تثق بكثرة العمل فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا؟!

ولا تأمن ذنوبك فإنك لا تدري أكفرت عنك أم لا؟ إن عملك مغيب عنك كله([32]).

وقال الحسن: أدركت أقوامًا لو أنفق أحدهم ملء الأرض ما أمن لعظم الذنب في نفسه([33]).

وكثير من الجهال اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه، فضيعوا أمره ونهيه، ونسوا أنه شديد العقاب، وأنه لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، ومن اعتمد على العفو مع الإصرار على الذنب فهو كالمعاند.

قال معروف: رجاؤك لرحمة من لا تطيعه من الخذلان والحمق.

وقال بعض العلماء: من قطع عضوا منك في الدنيا بسرقة ثلاثة دراهم لا تأمن أن تكون عقوبته في الآخرة على نحو هذا([34]).

ولنر البون الشاسع والفرق الكبير بيننا وبين من سبقنا.. بماذا كانوا يطرزون مجالسهم وبماذا كانوا يجملون حديثهم؟

قال موسى بن مسعود: كنا إذا جلسنا إلى الثوري كأن النار قد أحاطت بنا لما نرى من خوفه وفزعه.

وكان سفيان إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم.

وصح أن زرارة بن أوفى صلى بالناس الغداة، فلما قرأ: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ خر مغشيًا عليه فحمل ميتًا([35]).


أخي الحبيب.. أين نحن من هؤلاء؟!

بكى بُديل بن ميسرة حتى قرحت مآقيه([36] فكان يعاتب في ذلك فيقول: إنما أبكي من طول العطش يوم القيامة([37]).

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يسير بين الرجاء والخوف يقول: لو نادى مناد من السماء: أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلاً واحدًا، لخفت أن أكون هو، ولو نادى مناد: أيها الناس إنكم داخلون النار إلا رجلاً واحدًا لرجوت أن أكون هو([38]).

عن عروة عن أبيه قال: كنت إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة أسلم عليها، فغدوت يومًا فإذا هي قائمة تقرأ: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ وتدعو وتبكي وترددها. فقمت حتى مللت القيام فذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت فإذا هي قائمة كما هي، تصلي وتبكي([39]).

عن إبراهيم التيمي قال: لقد أدركت ستين من أصحاب عبد الله في مسجدنا هذا أصغرهم الحارث بن سويد وسمعته يقرأ: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ﴾ حتى بلغ: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ قال: فيبكي ثم يقول: إن هذا الإحصاء شديد([40]).

أخي المسلم:

الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين، وليس لهم حط عن رحالهم إلا في الجنة أو النار، والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذة وراحة، إنما ذلك بعد انتهاء السفر، ومن المعلوم أن كل وطأة قدم أو كل آن من آنات السفر غير واقفة ولا المكلف واقف وقد ثبت أنه مسافر على الحال التي يجب أن يكون المسافر عليها من تهيئة الزاد الموصل، وإذا نزل أو نام أو استراح فعلى قدم الاستعداد للسير([41]).

قال الجنيد كنت بين يدي السري ألعب وأنا ابن سبع سنين، فتكلموا في الشكر، فقال: يا غلام ما الشكر؟ قلت: أن لا يعصى الله بنعمه، فقال: أخشى أن يكون حظك من الله لسانك.

قال الجنيد: فلا أزال أبكي على قوله([42]).

وتأمل أخي الكريم في بعد النظرة وصدق الإخلاص والخوف من الله عز وجل.. قال يونس بن عبيد دخلنا على محمد بن واسع نعوده فقال: وما يغني عني ما يقول الناس إذا أخذ بيدي ورجلي، فألقيت في النار([43]).

وقيل عن يونس بن عبيد: ما كان بأكثرهم صلاة ولا صومًا ولكن لا والله ما حضر حق لله إلا وهو متهيئ له([44]).

ونظر عمر بن عبد العزيز إلى رجل متغير اللون فقال له: ما الذي أرى بك؟

قال: أسقام وأمراض يا أمير المؤمنين إن شاء الله.

فأعاد عليه عمر فأعاد الرجل مثل ذلك ثلاث مرات.

فقال: إذا أبيت إلا أن أخبرك، فإني ذقت حلاوة الدنيا فصغر في عيني زهرتها وملاعبها، واستوى عندي حجارتها وذهبها، ورأيت كأن الناس يساقون إلى الجنة وأنا أساق إلى النار، فأسهرت لذلك ليلي وأظمأت له نهاري، كل ذلك صغير حقير في جنب عفو الله وثواب الله عز وجل وجنب عقابه([45]).

أخي المسلم:

لله على العبد في كل عضو من أعضائه أمرٌ، وله عليه فيه نهي، وله فيه نعمة، وله به منفعة ولذة، فإن قام لله في ذلك العضو بأمره واجتنب فيه نهيه فقد أدى شكر نعمته عليه فيه وسعى في تكميل انتفاعه ولذته به، وإن عطل أمر الله ونهيه فيه عطله الله من انتفاعه بذلك العضو، وجعله من أكبر أسباب ألمه ومضرته.

وله عليه في كل وقت من أوقات عبوديته تقدمه إليه وتقربه منه، فإن شغل وقته بعبودية الوقت تقدم إلى ربه، وإن شغله بهوى أو راحة وبطالة تأخر، فالعبد لا يزال في تقدم أو تأخر ولا وقوف في الطريق البتة. قال تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾([46]).

ومن سبر حال الناس اليوم لم يجد للخوف في قلوبهم موطنًا ولا للوجل في أنفسهم مكانًا، بل ألهتهم الدنيا وغرتهم الأماني. فلا يرجون جنة ورحمة ولا يخافون نارًا وغضبًا.

أخي الحبيب: أين نحن من هؤلاء؟!

قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه([47]).

وعندما سئل الحسن: أتخاف من النفاق؟! قال: وما يؤمنني وقد خافه عمر رضي الله عنه([48]).

وكان مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضًا على لحيته ويقول: يا رب قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار ففي أي الدارين منزل مالك؟!([49])

وكان بعضهم يبكي ليلاً ونهارًا، فقيل له في ذلك، فقال: أخاف أن الله تعالى رآني على معصية، فيقول: مر عني فإني غضبان عليك([50]).

وأثر الخوف من الله يتجلى في صفات وأخلاق المؤمنين من محافظة على الأمانة وتأدية للحقوق وابتعاد عن المظالم.. فحين خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة فعرس في بعض الطريق فانحدر عليه راع من الجبل فقال له: يا راعي بعني شاة من هذه الغنم، فقال: إنني مملوك، فقال: قل لسيدك أكلها الذئب، قال: فأين الله، فبكى عمر بن الخطاب ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه وأعتقه وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة وأرجو أن تعتقك في الآخرة.

وأما ما شاع بين الناس من أخذ الحقوق ونقص المكاييل وبخس الموازين فهو علامة من علامات خلو القلب من الخوف والمراقبة والمحاسبة والمراجعة.. وإلا فكل صغيرة وكبيرة ستعرض يوم القيامة.. فأين الاستعداد؟

قال الحسن رضي الله عنه : إن الرجل ليتعلق بالرجل يوم القيامة فيقول: بيني وبينك الله، فيقول: والله ما أعرفك، فيقول: أنت أخذت طينة من حائطي وآخر يقول: أنت أخذت خيطًا من ثوبي.. فهذا وأمثاله قطع قلوب الخائفين([51]).

أخي المسلم: إنما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادة وسير الليل.. فإذا حاد المسافر عن الطريق ونام الليل كله فمتى يصل إلى مقصده([52])؟!

قال سفيان الثوري: رأيت رجلاً متعلقًا بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم سلم، فقلت له: ما شأنك؟ ومم تطلب السلامة؟ فقال لي: يا أخي.. كنا أربعة إخوة، تنصر أحدنا عندًا، وتهود الآخر، وتمجس الثالث، وبقيت أنا خائفًا من الله تعالى، وراغبًا في السلامة([53]).

بين العبد وبين الله والجنة قنطرة تقطع بخطوتين: خطوة عن نفسه، وخطوة عن الخلق، فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبين الناس، ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبين الله، فلا يلتفت إلا إلى من دله على الله وعلى الطريق الموصلة إليه([54]).

وعن عثمان بن أبي دهرش أنه كان إذا رأى الفجر قد أقبل عليه تنبه وقال: أصير الآن مع الناس ولا أدري ما أجني على نفسي([55]).

وقال أبو القاسم الحكيم: من خاف شيئًا هرب منه، ومن خاف الله هرب إليه([56]).

وعندما قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: ما أكثر الداعين لك، تغرغرت عينه وقال: أخاف أن يكون هذا استدراجًا([57]).

أخي المسلم:

أعظم الخلق غرورًا من اغتر بالدنيا وعاجلها، فآثرها على الآخرة، ورضي بها من الآخرة، حتى يقول بعض هؤلاء: الدنيا نقد، والآخرة نسيئة، والنقد أحسن من النسيئة ويقول بعضهم: ذرة منقودة، ولا درة موعودة.

ويقول آخر منهم: لذات الدنيا متيقنة، ولذات الآخرة مشكوك فيها، ولا أدع اليقين بالشك.

وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله، والبهائم العجم أعقل من هؤلاء، فإن البهيمة إذا خافت مضرة شيء لم تقدم عليه ولو ضربت، وهؤلاء يقدم أحدهم على عطبة وهو بين مصدق ومكذب.

فهذا الضرب إن آمن أحدهم بالله ورسوله ولقائه والجزاء فهو من أعظم الناس حسرة لأنه أقدم على علم، وإن لم يؤمن بالله ورسوله فأبعد له([58]).

أخي الحبيب:

أين موقع قدمك؟ وما هو عملك وأين مكانك غدًا عندما ينصرف الناس إلى أحد الدارين وهل تجهزت لهذا الأمر كما تحرص وتجتهد في أمر الدنيا؟!

قال إبراهيم التيمي: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبًا([59]).

قال الغزالي عن الخوف: إنه يقمع الشهوات، ويكدر اللذات، فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة، كما يصير العسل مكروهًا عند من يشتهيه إذا علم أن فيه سمًا فتحترق الشهوات بالخوف، وتتأدب الجوارح، ويذل القلب ويستكين، ويفارقه الكبر والحقد والحسد، ويصير مستوعب الهم لخوفه، والنظر في عاقبته، فلا يتفرغ لغيره، ولا يكون له شغل إلا المراقبة والمحاسبة، والمجاهدة والضنة بالأنفاس، واللحظات([60]).

قالت فاطمة بنت عبد الله بن مروان امرأة عمر بن عبد العزيز: يكون في الناس من هو أكثر صومًا وصلاة من عمر، وما رأيت أحدًا أشد خوفًا من ربه من عمر، كان إذا صلى العشاء قعد في المسجد ثم رفع يديه فلم يزل يبكي حتى يغلبه النوم، ثم ينتبه فلا يزال يدعو رافعًا يديه يبكي حتى تغلبه عيناه([61]).

هذا هو الخوف الذي يمنع من الوقوع في المعصية ويحول دون اقتراف السيئة.

قال حكيم من الحكماء: الحزن يمنع الطعام، والخوف يمنع الذنوب، والرجاء يقوي على الطاعة، وذكر الموت يزهد في الفضول([62]).

والخوف المطلوب يجب أن لا ينقلب إلى اليأس والقنوط من رحمة الله لأنه ﴿لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].

فرحمة الله وسعت كل شيء وهو الرحيم الغفور الجواد الكريم ولكن لا بد من الخوف وتذكر الآخرة وما أعده الله عز وجل للعصاة المذنبين حتى يكون ذلك الخوف مانعًا له من تخطي حواجز المعاصي والولوج في مائها والوقوع في أدرانها.

ولا بد من بقاء الأمل برحمة الله وما أعده الله عز وجل من نعيم وثواب جزيل للمؤمنين المتقين الذين يقفون عند حدود الله.

ومهما يكن من أمر فإن عصرنا هذا الذي تفشى فيه مرض الغفلة عن الله وتنازعتنا الدنيا بزينتها وانتشر وباء التبلد وعدم الاهتمام بالمصير فيما بعد هذه الحياة الدنيا.. يتطلب منا أن نلجأ إلى الدواء ونلتمس مواطن الخلل... ونتذكر الدار الآخرة وما أعد الله فيها للمحسنين وما أعد الله فيها للعاصين المذنبين.. لعل قلوبنا تستيقظ من غفلتها وتهب من رقدتها.

وحالنا لاهية ضاحكة عابثة كيف تكون حال من سبقنا؟ أيا ترى هم مثلنا في الغفلة والتفريط؟

قال إبراهيم بن عيسى: ما رأيت أطول حزنًا من الحسن وما رأيته إلا حسبته حديث عهد بمصيبة([63]).

وحين دخل العلاء بن محمد على عطاء السليمي وقد غشي عليه، فقال لامرأته أم جعفر: ما شأن عطاء؟! فقالت: سجرت جارتنا التنور، فنظر إليه فخر مغشيًا عليه([64]).

أخي الحبيب.. أين نحن من هؤلاء؟!

قال سليمان الداراني: ما رأيت من الخوف أظهر عليه من الحسن بن صالح قام ليلة بـ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ فغشي عليه فلم يختمها إلى الفجر([65]).

إذا ما الليل أظلم كابدوه

فيـسفر عنهم وهـو ركوع

أطار الخوف نومهم فقاموا

وأهل الأمن في الدنيا هجوع

يا مغرورًا بالأماني: لعن إبليس وأهبط من منزل العز بترك سجدة واحدة أمر بها، وأخرج آدم من الجنة بلقمة تناولها. وأمر بقتل الزاني أشنع القتلات بإيلاج قدر الأنملة فيما لا يحل، وأمر بإيساع الظهر سياطًا بكلمة قذف أو بقطرة من مسكر، وأبان عضوًا من أعضائك بثلاثة دراهم.

فلا تأمنه أن يحبسك في النار بمعصية واحدة من معاصيه ﴿وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ دخلت امرأة النار في هرة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب، وإن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة، فإذا كان عند الموت جار في الوصية فيختم له بسوء عمله فيدخل النار، العمر بآخره والعمل بخاتمته([66]).

ولهذا كان سفيان يبكي ويقول: أخاف أن أسلب الإيمان عند الموت([67]).

والدنيا عند هؤلاء معبر للآخرة ما رأوا أمرًا إلا تمثلت أمامهم الآخرة وما وقفوا بموقف إلا تذكروا الموقف الأكبر.. إنها حياة القلوب.

قالت رابعة بنت إسماعيل: ما سمعت الأذان إلا ذكرت منادي القيامة، ولا رأيت الثلج إلا ذكرت تطاير الصحف، ولا رأيت جرادًا إلا ذكرت الحشر.

والقلوب المتجددة الإيمان يسري في نبضتها ومضات الخوف وتستشعر الموقف مع كل لحظة تعلم اقتراب الأجل وبعد نهاية كل يوم توقن بدنو الحساب والعقاب.

قال خالد بن خداش: قرئ على عبد الله بن وهب كتاب أهوال يوم القيامة -تأليفه- فخر مغشيًا عليه، قال: فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد أيام رحمه الله تعالى([68]).

أخي المسلم:

إن قوة المراقبة والمحاسبة والمجاهدة بحسب قوة الخوف الذي هو تألم القلب واحتراقه. وقوة الخوف بحسب قوة المعرفة بجلال الله وصفاته وأفعاله، وبعيوب النفس وما بين يديها من الأخطار والأهوال، وأقل درجات الخوف مما يظهر أثره في الأعمال، أن يمنع عن المحظورات ويسمى الكف الحاصل عن المحظورات ورعًا فإن زادت قوته كف عما يتطرق إليه إمكان التحريم فكف أيضًا عما لا يتيقن تحريمه ويسمى ذلك تقوى، إذ التقوى أن يترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، وقد يحمله على أن يترك ما لا بأس به مخافة ما به بأس. وهو الصدق في التقوى، فإذا انضم إليه التجرد للخدمة فصار لا يبني ما لا يسكنه ولا يجمع ما لا يأكله ولا يلتفت إلى دنيا يعلم أنها تفارقه ولا يصرف إلى غير الله تعالى نفسًا من أنفاسه فهو الصدق، وصاحبه جدير بأن يسمى صديقًا ويدخل في الصدق التقوى، ويدخل في التقوى الورع، ويدخل في الورع العفة فإنها عبارة عن الامتناع عن مقتضى الشهوات خاصة، فإذن الخوف يؤثر في الجوارح بالكف والإقدام ويتجدد له بسبب الكف اسم العفة وهو كف عن مقتضى الشهوة وأعلى منه الورع فإنه أعم لأنه كف عن كل محظور، وأعلى منه التقوى فإنه اسم للكف عن المحظور والشبهة جميعًا، ووراء اسم الصديق والمقرب([69]).

عن يحيى بن الفضل قال سمعت بعض من يذكر عن محمد بن المنكدر أنه بينما هو ذات ليلة قائم يصلي إذ استبكى فكثر بكاؤه ففزع له أهله، فسألوه ما الذي أبكاك؟ فاستعجم عليهم، فتمادى في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم وأخبروه بأمره، فجاء أبو حازم إليه فإذا هو يبكي، فقال: يا أخي ما الذي أبكاك قد رعت أهلك؟! فقال له: إني مرت بي آية من كتاب الله عز وجل، قال: ما هي؟ فقال: قول الله عز وجل: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ [الزمر: 47] قال: فبكى أبو حازم واشتد بكاؤهما، قال: فقال بعض أهله لأبي حازم جئنا بك لتفرج عنه فزدته.

قال: فأخبرهم ما الذي أبكاهما([70]).

وما شاب رأسي عن سنين تتابعت

عـلي ولكـن شيبتني الوقائع([71])

وعندما سئل حسان بن أبي سنان في مرضه: كيف تجدك؟!

قال: بخير إن نجوت من النار([72]).

وهذه نصائح غالية ودرر صافية من مطرف بن عبد الله إذ يقول: اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات، وإن يكن الأمر شديدًا كما نخاف ونحذر لم نقل ربنا أرجعنا نعمل صالحًا غير الذي كنا نعمل، نقول: قد علمنا فلم ينفعنا ذلك([73]).

أخي الحبيب: أين نحن من هؤلاء؟!

قال يوسف بن أسباط رأيت الحسن ثلاثين سنة لم يضحك وأربعين سنة لم يخرج، قال.. وقال الحسن: لقد أدركت أقوامًا ما أنا عندهم إلا لص([74]).

ولما احتضر عمرو بن قيس بكى، فقال له أصحابه: على ما تبكي في الدنيا فوالله لقد كنت تبغض العيش أيام حياتك؟! فقال: والله ما أبكي على الدنيا وإنما أبكي خوفًا أن أحرم خوف الآخرة([75]).

قد كنت ميتًا فصرت حيًا

وعـن قلـيل تصير ميتًا

بنيت بـدار الفـناء بيتًا

فابن لدار البـقاء بيتًا([76])

وهذه القلوب العامرة بالطاعة والعيون المنهمرة بالعبرات ملأ الخوف والرجاء جوانحها وأثار مكامنها.. تهب إلى جنات عدن.. ترجو رحمة الله وتخشى عذابه.

قال أبو سليمان الداراني رحمه الله: ما فارق الخوف قلبًا إلا خرب([77]).

فانظر أخي الحبيب إلى قلبك واصدق القول مع نفسك..

ما منزلة الخوف من الله في نفسك؟!

أخي:

طالب الله والدار الآخرة لا يستقيم له سيره وطلبه إلا بحبسين: حبس قلبه في طلبه ومطلوبه، وحبسه عن الالتفاف إلى غيره، وحبس لسانه عما لا يفيد، وحبسه على ذكر الله وما يزيد في إيمانه ومعرفته، وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات وحبسها على الواجبات والمندوبات، فلا يفارق الحبس حتى يلقى ربه فيخلصه من السجن إلى أوٍسع فضاء وأطيبه، ومتى لم يصبر على هذين الحبسين وفر منهما إلى فضاء الشهوات أعقبه ذلك الحبس الفظيع عند خروجه من الدنيا، فكل خارج من الدنيا، إما متخلص من الحبس وإما ذاهب إلى الحبس([78]).

وهذا الحبس أدمى الأفئدة، وأبكى العيون، وجرح القلوب.. بكى عبد الله بن رواحة فبكت امرأته فقال: ما يبكيك؟ قالت: رأيتك بكيت فبكيت لبكائك، قال: إني أنبئت أني وارد، ولم أنبأ أني صادر([79]).

قال التيمي: شيئان قطعا عني لذة الدنيا، ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى([80]).

وقيل: إن أبا عبيدة الخواص لم يضحك منذ أربعين سنة، ولا رفع رأسه إلى السماء حياء من الله.

إذا المرء لم يكفف بوادر غيظه

شكا الدهر أو ألقى المقادة صاغرا

وإن هو لم يزجر عن الغي نفسه

أصاب لها من حادث الدهر زاجرا

قال حفص بن غياث: كنا ذات يوم عند ابن ذر وهو يتكلم فذكر رواجف القيامة وزلزالها، فوثب رجل من بني عجل، يقال له: وراد، فجعل يبكي ويصرخ ويضطرب، فحمل من بين القوم صريعًا، فقال ابن ذر: ما الذي قصر بنا وكلم قلبه حتى أبكاه؟! والله إن هذا يا أخا بني عجل إلا من صفاء قلبك وتراكم الذنوب على قلوبنا([81]).

إن الأماني الكاذبة والأحلام الباطلة والتسويف الطويل سبب من أسباب الغفلة وران على القلوب الضعيفة.. فها نحن كل يوم نسمع عن الموت وتطرق مسامعنا المواعظ والخطب.. والقلوب كما هي.. غفلة طويلة وسبات عميق فلا حول ولا قوة إلا بالله.

قال مالك بن دينار: لو استطعت أن لا أنام لم أنم مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم، ولو وجدت أعوانًا لفرقتهم ينادون في سائر الدنيا كلها: أيها الناس النار النار([82]).

وهذا الخوف والوجل متى ينتهي .. ومتى يزول؟!

قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : إن المؤمن لا يسكن روعه حتى يترك جسر جهنم وراءه..

أخي المسلم:

إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله، وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله وتودد إليه تنل بذلك غاية العز والرفعة([83]).

قال سهل بن عبد الله: من دق الصراط عليه في الدنيا عرض([84]) عليه في الآخرة، ومن عرض عليه الصراط في الدنيا دق عليه في الآخرة([85]).

والمسلم في هذه الدنيا بين أمرين يملآن جوانحه ويضيفان عليهما من نبعه ألا وهما الخوف والرجاء.. الخوف من الله والرجاء فيما عند الله..

قال الحسن: الرجاء والخوف مطيتا المؤمن.

فإذن لا بد من الجمع بين هذه الأمور، وغلبة الخوف هو الأصلح ولكن قبل الإشراف على الموت، أما عند الموت فالأصلح غلبة الرجاء وحسن الظن، لأن الخوف جار مجرى السوط الباعث على العمل وقد انقضى وقت العمل، فالمشرف على الموت لا يقدر على العمل ثم لا يطيق أسباب الخوف فإن ذلك يقطع أنياط قلبه ويعين على تعجيل موته.

وأما روح الرجاء فإنه يقوي قلبه ويحبب إليه ربه الذي إليه رجاؤه، ولا ينبغي أن يفارق أحد الدنيا إلا محبًا لله تعالى ليكون محبًا للقاء الله تعالى، فإن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، والرجاء تقارنه المحبة فمن ارتجى كرمه فهو محبوب([86]).

وقال ابن القيم رحمه الله: إن الخوف إن أدى إلى القنوط واليأس من رحمة الله فهو مذموم، بل إساءة أدب على رحمة الله تعالى، التي سبقت غضبه، وجهل بها([87]).

وكان أبو عبيدة الخواص رضي الله عنه يقول في مناجاته: قد كبر سني، وضعف جسمي، ووهن العظم مني فأعتقني([88]).

وقد أثنى الله جل وعلا على من قرن الخوف بالرجاء في مواضع كثيرة من كتابه فقال تعالى في حق الأنبياء عليهم السلام:

﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ [الأنبياء: 90].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الخشية أبدًا متضمنة للرجاء ولولا ذلك لكانت قنوطًا، كما أن الرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمنًا، فأهل الخوف لله والرجاء له هم أهل العلم الذين مدحهم الله.

أيا عجبًا للناس في طول ما سهوا

وفي طول ما اغتروا وفي طول ما لهو

يقولون نرجو الله ثم افتروا به

ولو أنهم يرجون خافوا كما رجوا

قال أبو سليمان الداراني:

أصل كل خير في الدنيا والآخرة الخوف من الله عز وجل، وكل قلب ليس فيه خوف فهو قلب خرب([89]).

يا فرقة الأحباب لا بد لي منك

ويـا دار دنيـا إنني راحـل عنك

ويا قصر الأيام مـا لي وللمنى

ويا سكرات الموت ما لي وللضحك


فما لي لا أبكي لنـفسي بعبرة

إذا كنت لا أبكي لنفسي فمن يبكي

ألا أي حي ليس بالموت موقنًا

وأي يقـين أشـبه الـيوم بالشك

اشتكى ثابت البناني عينه فقال له الطبيب: اضمن لي خصلة تبرأ عينك. قال: ما هي؟ قال: لا تبك، قال: وما خير في عين لا تبكي([90]).

وكان الحسن يقول: ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله إلا حرم الله جسدها على النار، فإن فاضت على خدها لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة، وليس من عمل إلا له وزن وثواب إلا الدمعة من خشية الله فإنها تطفئ ما شاء الله من حر النار ولو أن رجلاً بكى من خشية الله في أمة لرجوت أن يرحم الله ببكائه تلك الأمة بأسرها([91]).

رحمنا الله برحمته وأزال قساوة قلوبنا أين تلك الدموع وأنات الضلوع؟ بل أين التوبة والرجوع؟

ونحن أحوج ما نكون لتنـزل الرحمات وتكفير السيئات وعلو المقامات هذا عمر بن الخطاب الخليفة الثاني المبشر بالجنة.. كان في وجهه خطان أسودان من البكاء([92]).

والدموع أخي المسلم عنها سؤال ولها موقف؟؟

قال سفيان: البكاء عشرة أجزاء: جزء لله، وتسعة لغير الله. فإذا جاء الذي لله في العام مرة فهو كثير!!

والدموع الصادقة والعبرات المتتالية علامة على صدق التوبة وحسن الالتجاء إلى الله جل وعلا.. وأكثر الموفقين إلى العبادة هم أهل الرقة والخوف.. رقيقة قلوبهم، لطيفة مشاربهم.. الكلمة الصادقة تؤثر فيهم والآية من القرآن تبكي مدامعهم.. فتراهم يقبلون على الطاعة بحب وشوق ويستثمرون أوقات العبادات وتنزل الرحمات.. مشغولون عن الدنيا، سائرون إلى الآخرة في جادة طرقت من قلبهم بهدي سيد المرسلين - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام البررة.

قال الحسن: اعلم أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته([93]).

وكان محمد بن المسيب يقرأ فإذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى يرحم([94]).

وقرأ عمر بن الخطاب سورة الطور حتى قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه([95]).

وأهل الخير والصلاح يبكون ويخافون من انقطاع الدنيا، وهي دار التزود ومحطة التوقف ومزرعة الآخرة.

فقد بكى بعض العباد فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أن يصوم الصائمون ولست فيهم ويذكر الذاكرون ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم([96]).

ونحن نسير مع الصالحين ونلمح تلك القسمات المضيئة والحياة المشرقة.. أين نصيب الخوف والمحبة من حياتنا.. وأين واقعها في مسيرتنا!!

قال أبو يعقوب النهراجوري: كل من ادعى محبة الله عز وجل ولم يوافق الله في أمره فدعواه باطلة([97]).

وأين نحن من هذه الدعوى إنها عودة من قريب، ونحن في دار العمل، دعوة إلى التوبة والعودة إلى البكاء والندم على ما سلف وكان.. واغتنام لأيام بقيت.

قال يحيى بن معاذ: من عبد الله تعالى بمحض الخوف غرق في بحار الأفكار، ومن عبده بمحض الرجاء تاه في مفازة الاغترار، ومن عبده بالخوف والرجاء استقام في محجة الادكار([98]).

وأثر الدمعة على قلب المسلم عجيب، ولهيبها على وجنتي التائب غريب، تطفئ لهب المعصية وتزيل أثر المهلكة.. فهي كالغيث للأرض.. تحيي الغافل، وتنير الطريق، إنها دموع التوبة..

قال كعب الأحبار: لأن أبكي من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إليَّ من أن أتصدق بوزني ذهبًا([99]).

والبكاء والدموع أحيانًا تكون في لحظات صفاء ودقائق توجه إلى الله، ثم يزول كل ذلك، ويزول أثر الدمعة بعد ساعات أو ربما أقل.

ولهذا قال بعضهم.. ليس الخائف من بكى، وإنما الخائف من ترك ما يقدر عليه([100]).

أخي الحبيب: أين نحن من هؤلاء؟؟

كان سعيد بن المسيب يبكي بالليل حتى عمش([101]).

وكان حذيفة رضي الله عنه يبكي بكاء شديدًا فقيل له: ما بكاؤك؟ فقال: لا أدري على ما أقدم؟ على رضا أم على سخط([102]).

وقال أبو رجاء العطاردي: رأيت ابن عباس وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من الدموع. وهذا أبو بكر بن عياش يقول: كنت إذا رأيت عطاء بن السائب وضرار بن مرة رأيت أثر البكاء على خدودهما([103]).

قال حفص بن عمر:

بكى الحسن فقيل له ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني غدًا في النار ولا يبالي([104]).

وقال أبو حيان التيمي سمعت منذ ثلاثين سنة أو أكثر أن عبد الله بن مسعود مر على الذين ينفخون على الكير فسقط.

وقال سعد بن الأخرم كنت أمشي مع ابن مسعود فمر بالحدادين وقد أخرجوا حديدًا من النار فقام ينظر إليه ويبكي.

وعن سمير الرياحي عن أبيه قال: شرب عبد الله بن عمر ماءً مبردًا فبكى فاشتد بكاؤه، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت آية في كتاب الله عز وجل: ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾ فعرفت أن أهل النار لا يشتهون شيئًا، شهوتهم الماء، وقد قال الله -عز وجل- ﴿أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾.

والبكاء والحزن مرده إلى أمر ذكره الحسن بقوله: يحق لمن يعلم أن الموت مورده وأن الساعة موعده وأن القيام بين يدي الله مشهده أن يطول حزنه([105]).

فيبكي على ميت ويغفل نفسه

كـأن بكفـيه أمـانًا من الردى

وما الميت المقبور في صدر يومه

أحق بأن يبكيه من ميت غدا([106])

قال الحسن بن عرفة: رأيت يزيد بن هارون بواسط، من أحسن الناس عينين، ثم رأيته بعين واحدة، ثم رأيته أعمى - فقلت: يا أبا خالد! ما فعلت العينان الجميلتان؟ قال: ذهب بهما بكاء الأسحار([107]).

الله أكبر ما أجمل الفعل، وما أجمل القول.. ذهب بهما بكاء الأسحار أين نحن من وقت السحر؟؟ .. وقت تتنزل فيه الرحمات وتوزع فيه العطيات. إنها غفلة طويلة وأمل بعيد.

كان مالك بن دينار رضي الله عنه يبكي حتى سودت الدموع خده. وكان يقول: لو ملكت البكاء لبكيت أيام حياتي([108]).

أما السري السقطي فإنه يدافع البكاء في أول الليل، فإذا نام الناس أخذ في البكاء إلى الصباح([109]).

ومن الناس اليوم. بل غالبهم لا يبكي من خشية الله إلا مرة في العام أو مرة في عمره كله..

أما النساء اليوم فتوسعن في البكاء من كل شيء وفي كل شيء، إلا من خشية الله.. فتراها تبكي لتأخر ثيابها.. وتراها تبكي لنقص في ملبسها.. تبكي من كل شيء إلا من خشية الله.. وهي رقيقة القلب. قريبة إلى التوبة.. صاحبة الخير ومنادية الفلاح. فأين هي من خشية الله والبكاء على الذنوب والتقصير في الطاعات؟

أيهما أشد لتبكي عليه سقط من حطام الدنيا أم الآخرة وأهوالها؟

قال مالك بن دينار: البكاء على الخطيئة يحط الخطايا كما يحط الريح الورق اليابس([110]).

لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها

لنفسي في نفسي عن الناس شاغل([111])

أخي المسلم:

إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كل ما أهمه، وفرغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته. وإن أصبح وأمسى والدنيا همه حمله الله همومها وغمومها وأفكارها، ووكله إلى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره. كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره، فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بلي بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾([112]) [الزخرف: 31].

كان محمد بن المنكدر رحمه الله إذا بكى مسح وجهه ولحيته بدموعه ويقول: بلغني أن النار لا تأكل موضعًا مسته الدموع([113]).

وروي عن بعض الصالحين وقد بكى عند الموت فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: والله ما أبكى لفراق هذه الدار حرصًا على غرس الأشجار وإجراء الأنهار، لكن على ما يفوتني من الادخار ليوم الافتقار، والاكتساب ليوم الحساب([114]).

جسمي على مبرد ليس يقوى

ولا عـلى الـنار والحـرارة

وكيف يقـوى عـلى سعير

وقـودها الناس والحجارة([115])

أخي المسلم:

اعلم أن الخوف محمود، وربما يظن أن كل ما هو خوف محمود. فكل ما كان أقوى وأكثر كان أحمد، وهو غلط بل الخوف سوط الله يسوق عباده إلى المواظبة على العلم والعمل، لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالى، والأصلح للبهيمة أن لا تخلو عن سوط وكذا الصبي، ولكن ذلك لا يدل على أن المبالغة في الضرب محمودة، وكذلك الخوف له قصور وله إفراط وله اعتدال، والمحمود هو الاعتدال والوسط([116]).

والخوف مع مراقبة الله يثمر الاستمرار على الجادة والسير الحثيث إلى جنة عرضها السموات والأرض بعد رحمة الله وسعة فضله.

قيل لأم الدرداء: ما كان أكثر عمل أبي الدرداء؟ قالت: التفكر([117]).

ومن تفكر في المآل والمصير فقد أبصر الطريق وعرف الجادة!

نرجو البقاء بدار لا ثبات بها

فهـل سمعت بظل غير منتقل

أخي الحبيب: أين نحن من هؤلاء؟!

كان أبو سنان يقول: الآن كبر السن، ووهن العظم، ووقع التحفظ.. فلا يزال يبكي حتى يغشى عليه([118]).

وبكى يزيد الرقاشي حتى أظلمت عيناه، وأحرقت الدموع مجاريها([119]).

وقال أبو النضر إسحاق بن إبراهيم: كنت أسمع وقع دموع سعيد بن عبد العزيز على الحصير في الصلاة([120]).

وهذا إسماعيل بن زكريا يروي حال حبيب بن محمد وكان جارًا له يقول: كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه. وإذا أصبحت سمعت بكاءه، فأتيت أهله. فقلت: ما شأنه؟! يبكي إذا أمسى. ويبكي إذا أصبح؟! قال: فقالت لي: يخاف والله إذا أمسى أن لا يصبح. وإذا أصبح أن لا يمسي.

وانتبه الحسن ليلة فبكى، فضج أهل الدار بالبكاء، فسألوه عن حاله فقال: ذكرت ذنبًا لي فبكيت([121]).

وذكر عن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - أنه كان يصلي ذات ليلة فقرأ: ﴿إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾ فجعل يرددها ويبكي، حتى أصبح([122]).

عن تميم الداري -رضي الله عنه - أنه قرأ هذه الآية: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي.

أخي المسلم:

ألا فأبشر بالخير وأنت تقصد باب الكريم الجواد، رب غفور رحيم.

اسمع قول ابن عرف: لو أن رجلاًَ انقطع إلى هؤلاء الملوك في الدنيا لانتفع، فكيف من ينقطع إلى من له السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى؟!

هذا هو ملك الملوك رب الدنيا والآخرة، بيده مفاتيح الخير.. نغفل عن دعائه ورجاء ما عنده، وننصرف إلى زخارف الدنيا؟

قال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ليزيد بن مرثد: مالي أرى عينيك لا تجف؟؟ قال: وما مسألتك عنه؟ قلت: عسى أن ينفعني به في الدنيا. قال: لو لم يتواعدني أن يسجنني إلا في الحمام لكنت حريًا أن لا تجف لي عين([123]).

ما بالك أخي بمن يتوعده الملك الجبار بسجن في نار جهنم؟! أليس حريًّا أن يطول حزنه ويزيد بكاؤه ويعلن توبته.

كان الضحاك بن مزاحم إذا أمسى بكى. فيقال له: ما يبكيك؟ فيقول: لا أدري ما صعد اليوم من عملي([124]).

يا لـيتني والأماني غـير طائلة

إلا تـعلل مشغوف بها شغلا

علمت أي بلاد الله مضطجعي

إذا تباين عني الروح وانفصلا

لعلني أن أشوب أدمعي بـدمي

فيه وأشرح من حزني به جملا

وأن أسوي من تربائه بـيدي

حتى يكون وثير المسن معتدلا

هيهات هيهات ما للقبر تسوية

إلا اليقين وإلا القول والعملا

أخي المسلم:

اعلم أن فضل الخوف تارة يعرف بالتأمل والاعتبار، وتارة بالآيات والأخبار، أما الاعتبار، فسبيله أن فضيلة الشيء بقدر غنائه في الإفضاء إلى سعادة لقاء الله تعالى في الآخرة، إذ لا مقصود سوى السعادة ولا سعادة للعبد إلا في لقاء مولاه والقرب منه، فكل ما أعان عليه فله فضيلة، وفضيلته بقدر غايته، وقد ظهر أنه لا وصول إلى سعادة لقاء الله في الآخرة، إلا بتحصيل محبته والأنس به في الدنيا، ولا تحصل المحبة إلا بالمعرفة، ولا تحصل المعرفة إلا بدوام الفكر ولا يحصل الأنس إلا بالمحبة ودوام الذكر ولا تتيسر المواظبة على الذكر والفكر إلا بانقطاع حب الدنيا من القلب ، ولا ينقطع ذلك إلا بترك لذات الدنيا وشهواتها ولا يمكن ترك المشتهيات إلا بقمع الشهوات ولا تنقمع الشهوة بشيء كما تقمع بنار الخوف . فالخوف هو النار المحرقة للشهوات... فإن فضيلته بقدر ما يحرق من الشهوات.

بقدر ما يكف عن المعاصي، ويحث على الطاعات ، ويختلف ذلك باختلاف درجات الخوف كما سبق . وكيف لا يكون الخوف ذا فضيلة ، وبه تحصل العفة والورع والتقوى والمجاهدة، وهي الأعمال الفاضلة المحمودة التي تقرب إلى الله زلفى .

وأما بطريق الاقتباس من الآيات والأخبار فما ورد في فضيلة الخوف خارج عن الحصر ، وناهيك دلالة على فضيلته جمع الله تعالى للخائفين الهدى والرحمة والعلم والرضوان ، وهي مجامع مقامات أهل الجنان ([125]).

* حين عوتب يزيد الرقاشي على كثرة بكائه ، وقيل له : لو كانت النار خلقت لك ما زدت على هذا ؟! فقال: وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولإخواننا من الجن والإنس ([126]).

أما الربيع بن خُثَيم فقد كان لا ينام ، ويخاف البيات ، وكان يبكي ليلا ونهارًا، ولا يفتر عن البكاء ([127]).

وصور الخوف تترى أمام أعيننا ، ولحظات الصفاء تطرق قلوبنا ، هذه رسالة حفظت لنا ... وجهها محمد بن سمرة إلى يوسف بن أسباط قال فيها : أي أخي إياك وتاثير التسويف على نفسك، وإمكانه من قلبك ، فإنه محل الكلال وموئل التلف، وبه تقطع الآمال ، وفيه تنقطع الآجال، فإنك إن فعلت ذلك أدلته من عزمك فاجتمع وهواك عليك ، فغلبا واسترجعا من بدنك بنافعة ، وبادر يا أخي فإنك مبادر، وأسرع فإنك مسروع بك ، وجدّ فإن الأمر جدٌّ، وتيقظ من رقدتك ، وانتبه من غفلتك ، وتذكر ما أسلفت، وقصرت، وأفرطت، وجنيت، وعملت، فإنه مُثْبَتٌ مُحْصَى، كأنك بالأمر قد بغتك فاغتبطك بما قدمت، وندمت على ما فرطت. فعليك بالبكاء والمراقبة والاعتزال، وقلة الملاقاة. فإن السلامة في ذلك موجودة ، وفقنا الله وإياك لأرشد الأمور، ولا قوة بنا إلا بالله ، وصلى الله على سيدنا محمد ([128]).

قال غزوان: لله تبارك وتعالى عليَّ ألا يراني الله ضاحكا حتى أعلم أي الدارين داري؟ قال الحسن: فعزم ففعل ما رئي ضاحكًا حتى لحق بالله عز وجل ([129]).

* فإن الخوف من الله صفة من صفات الكمال في حق الله ، وكذلك الحب في الله صفة كمال فسبحان من تتعدد وتضاد له الصفات ولكن كلها صفات كمال، وهذا بعكس الإنسان ، فإن الخوف فيه من غير الله صفة نقص ، وخور ، وضعف.

والإنسان إذا خاف من شيء خشي لقاءه، بل وكره ذلك اللقاء، ولكن بالضد تمامًا ، وهو أننا نجد أن الإنسان إذا خاف من الخالق - جلت قدرته - عاد إلى طاعته ولجأ إليه واحتمى به ، وهنا نرى الروعة الإلهية ، والقدرة الربانية ، ويبدو ذلك واضحًا في قوله تعالى: ﴿ففروا إلى الله﴾.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: فروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم ، فروا منه إليه ، واعملوا بطاعته .

إن الخوف من الله يدخل فيه الخوف من النار، والبكاء من خشية الجبار ، والندم على التقصير في حق القهار، وهذا الخوف من الله من الخوف المحمود؛ لأنه يؤدي إلى الوصول إلى المحبوب ، والفوز بالمرغوب ، والنجاة من المرهوب.

وأهل الخير والصلاح والتقى فعلهم عجيب، وأمرهم مجاهدة استثمار للأوقات وتعرض للنفحات بإخلاص وصدق وبُعد عن الرياء والتصنع.

قال محمد بن واسع: إن كان الرجل ليبكي عشرين سنة وامرأته معه لا تعلم .

وحين سُئل عطاء السليمي: ما هذا الحزن؟ قال : ويحك؟ الموت في عنقي ، والقبر بيتي، وفي القيامة موقفي، وعلى جسر جهنم طريقي... لا أدري ما يصنع بي؟([130]).

أخي المسلم:

واقع الناس اليوم وتوسعهم في أمر الحديث والضحك والدعابة والهزال والمزاح مدعاة إلى التفكر والسؤال ... سؤال يطرق الآذان : ما الذي دعاهم إلى كل هذا الفرح والسرور؟

قال الحسن: ضحك المؤمن إنما هو غفلة منه ([131]).

وقد كان الحسن يطبق هذا القول في واقع حياته فقد قال عنه يونس: لا تكاد تلقاه إلا وكأنه رجل قد أصيب بمصيبة ([132]).

هذه هي حالهم ، وتلك دنياهم ... رحلوا ورحلت معهم أعمالهم ... ونحن نسير على الجادة ... راحلون لا محالة قرب الأجل أو بَعُد!!

قال سلام بن أبي مطيع: دخلنا على مالك بن دينار ليلا وهو في بيت بغير سراج ، وفي يده رغيف يكدمه([133]) فقلنا له : أبا يحيى ! ألا سراج ؟! ألا شيء تضع عليه خبزك؟! فقال: دعوني فوالله إني لنادم على ما مضى. وما ذاك إلا لعلمهم بأن الأمر جد والحساب قادم ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

هذا عمر بن الخطاب وهو الصائم القائم، رآه ولده في المنام بعد موته، فقال : يا بني منذ كم فارقتكم؟ قال: يا أبت منذ عشرين سنة ، فقال: الآن لما خرجت من الحساب ، كأن عرشي يهوي لولا أني لقيت ربًا كريمًا ([134]).

أخي المسلم:

اعلم أن الأخبار في فضل الخوف والرجاء كثرت وربما ينظر الناظر إليها فيعتريه شك في أن أيهما أفضل؟

وقول القائل: الخوف أفضل أم الرجاء؟ سؤال فاسد يضاهي قول القائل : الخبز أفضل أم الماء؟

وجوابه أن يقال: الخبز أفضل للجائع، والماء أفضل للعطشان، فإن اجتمعا نظر إلى الأغلب ، فإن كان الجوع أغلب فالخبز أفضل، وإن كان العطش أغلب فالماء أفضل، وإن استويا فهما متساويان، وهذا لأن كل ما يراد لمقصوده ففضله يظهر بالإضافة إلى مقصوده لا إلى نفسه، والخوف والرجاء دواءان يداوي بهما القلوب، ففضلهما بحسب الداء الموجود. فإن كان الغالب على القلب داء الأمن من مكر الله تعالى والاغترار به فالخوف أفضل ، وإن كان الأغلب هو اليأس والقنوط من رحمة الله ، فالرجاء أفضل وكذلك إنك إن الغالب على العبد المعصية فالخوف أفضل، ويجوز أن يقال مطلقًا : الخوف أفضل على التأويل الذي يقال فيه الخبز أفضل من السكنجبين، إذ يعالج بالخبز مرضى الجوع، وبالسكنجبين مرضى الصفراء ، ومرضى الجوع أغلب وأكثر فالحاجة إلى الخبز أكثر فهو أفضل فبهذا الاعتبار غلبة الخوف أفضل ؛ لأن المعاصي والاغترار على الخلق أغلب، وإن نظر إلى مطلع الخوف والرجاء فالرجاء أفضل؛ لأنه مستسقى من بحر الرحمة ومستسقى الخوف من بحر الغضب ، ومن لاحظ من صفات الله تعالى ما يقتضي اللطف والرحمة كانت المحبة عليه أغلب ، وليس وراء المحبة مقام ، وأما الخوف فمستنده الالتفات إلى الصفات التي تقتضي العنف فلا تمازجه المحبة ممازجتها للرجاء ([135]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : كل عاص لله فهو جاهل، وكل خائف منه فهو عالم مطيع لله . وإنما يكون جاهلاً لنقص خوفه من الله ، إذ لو تم خوفه من الله لم يعص ([136]).

وقال الشيخ ابن سعدي : علامة الخوف أن يسعى ويجتهد في تكميل العمل وإصلاحه والنصح به ([137]).

* قال ابن القيم في فضيلة منزلة الخوف:

هي من أجلِّ منازل الطريق وأنفعها للقلب، وهي فرض على كل أحد.

قال الله تعالى: ﴿فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين﴾.

وقال تعالى: ﴿فإياي فارهبون﴾.

ومدح أهله وأثنى عليهم فقال:

﴿إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون﴾ إلى قوله: ﴿أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون﴾.

والخوف المحمود الصادق : ما حال بين صاحبه وبين محارم الله عز وجل فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط([138]).

أيها الحبيب : نحن رفقاء طريق وأحبة سطور.. بعد مسيرة مع الخوف تقطع أنياط القلب وتبعث الهمم وتجدد التوبة.. هذا الرجاء يطلُّ وهو باب من أبواب الرحمة يدفع للتوبة ويقود للعودة .. يستحث الخطى بعظيم رحمة الله وكرمه ومَنِّه..

لما اشتد بسفيان الثوري المرض جزع جزعًا شديدًا. فدخل عليه مرحوم بن عبد العزيز فقال: ما هذا الجزع يا أبا عبد الله ؟ تقدم على رب عبدته ستين سنة ، صمت له ، صليت له ، وحججت له ، فسُرِّي عن الثوري ([139]).

وها هو الثوري يقول وهو يعلم سعة رحمة الله جل وعلا: ما أحب أن يجعل حسابي إلى أبوي؛ لأني أعلم أن الله تعالى أرحم بي منهما .

وكان أبو عبيدة الخواص يبكي ويقول: قد كبرتُ فأعتقني من النار ([140]).

وذلك لعلمه كرم الله عز وجل ورحمته بعباده.

أخي المسلم:

إن الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقام محمود، ومطيتان بهما يقطع من طرق الآخرة كل عقبة كؤود، فلا يقود إلى قرب الرحمن وروح الجنان مع كونه بعيد الأرجاء، ثقيل الأعباء، محفوفًا بمكاره القلوب ومشاق الجوارح والأعضاء إلا أزمة الرجاء، ولا يصد عنه نار الجحيم والعذاب الأليم مع كونه محفوفًا بلطائف الشهوات وعجائب اللذات إلا سياط التخويف وسطوات التعنيف ([141]).

قال سفيان الثوري رضي الله عنه : مات أخي لي ، فرايته في المنام ، فقلت له : ما فعل الله بك ؟ قال: رضي عني وأدخلني الجنة، وقال : افرح كما كنت تحزن.

* وآمال الناس اليوم طويلة .. وأحلامهم بعيدة، لا ينتظرون آجالا ولا يتذكرون مآلا..

تُؤمِّل في الدنيا طويلا ولا تدري

إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر

فكم من صحيح مات من غير علة

وكم من عليل عاش دهرًا إلى دهرِ

وكم من فتى يمسي ويُصبحُ آمنًا

وقد نُسجت أكفانه وهو لا يدري ([142])

قال سفيان الثوري: الزهد في الدنيا قصر الأمل ، ليس بأكل الغليظ ولا لبس العباء ([143]).

وطول الأمل داء عضال، ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه واشتد علاجه ولم يفارقه داء، ولا نجع فيه دواء، بل أعيا الأطباء ويئس من بُرْئه الحكماء والعلماء، وما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل([144]) وبطول الأمل تقسو القلوب وبإخلاص النية تقلُّ الذنوب ([145]).

وطول الأمل الذي داهمنا والتوسيف الذي لازمنا جعلنا لا نرى نهاية لهذا الإنسان ولا نستشعر قرب الرحيل من هذا المكان.

قال بعض السلف : ما نمت نومًا قط فحدثت نفسي أني استيقظ منه ([146]).

يا أيها الناس كان لي أملٌ

قصر بي بلوغه الأجل

فليتق الله ربه رجلٌ

أمكنه في حياته العمل

ما أنا وحدي بفناء بيت

يرى كل إلى مثله سينتقل ([147])

قال الحسن : اجتمع ثلاثة من العلماء فقالوا لأحدهم: ما أَمَلُكَ؟ قال: ما أتى عليَّ شهر إلا ظننت أني سأموت فيه ، قال : فقال صاحباه : إن هذا هو الأمل، فقال للآخر: فما أملك ؟ قال: ما أتت عليَّ جمعة إلا ظننت أني سأموت فيها ، قال : فقال صاحباه: إن هذا هو الأمل، فقال : للآخر : فما أملك؟ ما أملُ من نفسه في يد غيره؟


أخي الحبيب أين نحن من هؤلاء؟

قال بكر المزني: إن استطاع أحدكم أن لا يبيت إلا وعهده عند رأسه مكتوبة فليفعل. فإنه لا يدري لعله أن يبيت في أهل الدنيا ، ويصبح في أهل الآخرة ([148]).

وقال محمد بن أبي توبة: أقام معروف الكرخي الصلاة ، ثم قال لي : تقدم ، فقلت : إن صليت لكم هذه الصلاة لم أصل لكم غيرها .

فقال لي : أراك تحدث نفسك أنك تعيش حتى تصلي صلاة أخرى ، أعوذ بالله من طول الأمل . فإنه يمنع من خير العمل ([149]).

وقيل لمحمد بن واسع : كيف أصبحت؟ قال: قريبا أجلي بعيدًا أملي سيئا عملي ([150]).

هوِّن عليك فما الدنيا بدائمةٍ

وإنما أنت مثل الناس مغرورُ

لو تصور أهل الدهر صورته

لم يمس منهم لبيبٌ وهو مسرور ([151])

قال داود الطائي : سألت عطوان بن عمرو التميمي قلت: ما قصر الأمل؟ قال: ما بين تردد النفس .

قال رستم: فحدثت به الفضيل بن عياض فبكى، وقال: يقول: يتنفس فيخاف أن يموت قبل أن ينقطع نفسه، لقد كان عطوان من الموت على حذر ([152]).

وقال داود الطائي: لو أَمَّلت أن أعيش شهرًا لرأيتني قد أتيت عظيمًا ، وكيف أُؤمِّل، ذلك وأرى الفجائع تفني الخلائق في ساعات الليل والنهار ([153]).

قَصِّر الآمَالَ في الدنيا تَفُزْ

فدَليلُ العقل تقصير الأملِ

يا طويل الأمل في قصير الأجل، أما رأيت مستلبًا وما كمل؟! أتؤخر الإنابة وتعجل الزلل؟

يا من يعدُّ غدًا لتوبته

أعلى يقين من بلوغ غدٍ

المرء في زلل على أملٍ

ومنيةُ الإنسان بالرصدِ

أيام عمرك كلها عدد

ولعل يومك آخر العدد

يا أخي التوبة التوبة قبل أن تصل إليك النوبة، الإنابة الإنابة قبل أن يغلق باب الإجابة، الإفاقة الإفاقة فيا قرب وقت الفاقة ، إنما الدنيا سوق للتجر ومجلس وعظ للزجر، وليل صيف قريب الفجر ، المكنة مزنة صيف، الفرصة زرورة طيف، الصحة رقدة ضيف، الغرة نقدة زيف، الدنيا معشوقة وكيف.. البدار البدار فالوقت سيف([154]).

ولقصر عمر الدنيا ومخافة الفوت قال عبد الله العصري: المؤمن لا تلقاه إلا في ثلاث خلال، مسجد يعمره ، أو بيت يستره أو حاجة من أمر دنياه لا بأس بها ([155]).

يا من بدنياه اشتغلَ

وغرَّه طولُ الأملِ

الموت يأتي بَغْتَةً

والقبر صندوقُ العملِ ([156])

وما ضر المسلم مثل الأمل. وما أضاع أوقاته إلا التسويف..

قال سعيد بن سعيد : لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت ([157]).

وقال عيسى عليه السلام: عجبت لثلاثة: غافل غير مغفول عنه، ومؤمل الدنيا والموت يطلبه، وباني قصرًا والقبر مسكنه.

أخي الحبيب:

أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت

ولم تخف سوء ما يأتي به القدر

وسالمتك الليالي فاغتررت بها

وعند صفو الليالي يحدث الكدر

كان فضالة بن صيفي كثير البكاء، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته: ما شأنه ؟ قالت: زعم أنه يريد سفرًا بعيدًا وما له زاد.

ونحن مثله أصحاب سفر طويل ورحلة شاقة .. ولكن أين الزاد ؟؟

الزاد أخي هو قصر الأمل والتزود لدار المعاد .. إنها رحلة بدأت وستنتهي .. نسير في دنيا كأضغاث أحلام أو كظل زائد.. زمن يسير.. ثم نتوقف في موقف عظيم .. يوم يبعثر مَنْ في القبور ويحصل ما في الصدور.

قال إبراهيم بن خميس : يضحك القضاء من الحذر ، ويضحك الأجل من الأمل ، ويضحك التقدير من التدبير ، وتضحك القسمة من الجهد والعناء.

قصِّر الآمال في الدنيا تفزْ

فدليل العقل تقصير الأمل

إن من يطلبه الموت على

غرة منه جدير بالوجل ([158])

فلا تطمئن يا أخي حتى تعلم أين مسكنك ومصيرك ومستقرك ومنزلك؟ فانظر لنفسك ، واقض ما فاتك ، واقض ما أنت قاض منه أمرك ، وكأني بالأمر يأتيك على بغتة، وإني لا أقول ولا أعلم أحدًا أشد تضييعًا مني لذلك فكأنك بالقيامة وقد قامت وبالنفس الأمارة وقد لامت وانفجعت عينٌ طالمًا نامت ونحرت قلوب العصاة وقد هامت ([159]).

غدًا توفى النفوس ما كسبت

ويحصد الزارعون ما زرعوا

إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم

وإن أساءوا فبئس ما صنعوا

وحالنا العجيبة في اللهث وراء حطام الدنيا تعجَّب منها بعض الحكماء بقوله: عجبت ممن يحزن على نقصان ماله، ولا يحزن على نقصان عمره، وعجبت مِمَّنْ الدنيا مدبرة عنه ، والآخرة مقبلة عليه ، كيف يشتغل بالمدبرة ويعرض عن المقبلة ([160]).

وقال في هذا الأمر عمر بن الخطاب قولة بليغة وموعظة سديدة. قال: عباد الله لا تغتروا بطول حلم الله، واتقوا السفه فقد سمعتم قوله عز وجل في كتابه : ﴿فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين﴾ [الزخرف: 55].

وكان الحسن يقول في موعظة تحيي القلوب وتحرك النفوس. المبادرة فإنما هي الأنفاس لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل ، رحم الله امرءًا نظر إلى نفسه وبكى على عدد ذنوبه ([161]).

فقل للذي قد غره طول عمره

وما قد حواه من زخارف تخدع

أفق وانظر الدنيا بعين بصيرة

تجد كل ما فيها ودائع ترجع ([162])

ولقد غرنا طول الأمل وألهانا التسويف .. فإذا بنا نجري في هذه الدنيا غافلين لاهين حتى إذا فاجأ الموت البعض قال: ﴿رب ارجعون﴾ لماذا ترجع وتعود؟ ﴿لعلي أعمل صالحًا﴾.

أما حال من سبقنا فهي حال التيقظ والفطنة وتجهيز العدة والاستعداد ليوم الرحيل. روي عن حبيب العجمي أنه كان إذا أصبح يقول لامرأته: إذا مت اليوم ففلان يغلسني وفلان يحملني ([163]).

ما الدهر إلا يقظة ونومُ

وليلة بينهما ويوم

يعيش قوم ويموت قوم

والدهر قاض ما عليه لومُ ([164])

قال سعد بن معاذ : ما صليت صلاة منذ أسلمت فحدثت نفسي بغيرها، ولا تبعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هي قائلة؟ وما هو مقول لها؟ وما سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول قولا إلا علمت أنه حق([165]).

أخي المسلم:

كم ذا التشاغل والأمل

كم ذا التواني والكسل

حتى متى وإلى متى

يحصى عليك فلا تملُّ

هل بعد شيب العارضين

سوى التوقع للأجل

يا من يعز بنفسه

وعن الصلاح قد امتهل

فالموت أقرب نازل

والقبر صندوق العمل

قال بعض الصالحين رضي الله عنهم: رأيت بعض الصالحين في النوم بعد وفاته فقلت له : ما فعل الله بك ؟ قال: أدخلني الجنة، قلت: أي الأعمال أفضل عندكم؟ قال: التوكل وقصر الأمل ([166]).

أخي المسلم:

إياك والغفلة عمن جعل لحياتك أجلا ولأيامك وأنفاسك أمدًا، ومن كل ما سواه بد ولا بد لك منه ([167]).

والناس في غفلاتهم

ورحى المنية تطحن ([168])

كل يوم نسمع بنعي فلان .. نسترجع .. ونتأمل لحظات .. ثم نعود إلى غفلتنا وطول أملنا وكأن الموت لا يطرق أبوابنا ولا يأخذ أرواحنا ([169])..

قال عبدالله بن ثعلبة : تضحك؟ ولعل أكفانك قد خرجت من عند القصار ([170]).

وهذه درر من كلام عمر بن الخطاب وبعض من حديثه قال: ويل لمن كانت الدنيا همه ، والخطايا عمله ، كيفما يقدم غدًا، بقدر ما تحرثون تحصدون!!

وقال محمد بن يزيد: رأيت وُهيب بن الورد صلى ذات يوم العيد ، فلما انصرف الناس جعلوا يمرون به ، فنظر إليهم ثم زفر، ثم قال: لئن كان هؤلاء القوم أصبحوا متيقنين أنه قد تقبل منهم شهرهم هذا لكان ينبغي لهم أن يكونوا مشاغيل بأداء الشكر عما هم فيه ، وإن كانت الأخرى لقد كان ينبغي لهم أن يصبحوا أشغل وأشغل. ثم قال: لا يكن هم أحدكم في كثرة العمل، ولكن ليكن همه في أحكامه وتحسينه، فإن العبد قد يصلي وهو يعصي الله في صلاته ، وقد يصوم وهو يعصي الله في حياته ([171]).

وطول الأمل أودى بالناس إلى الفرح بهذه الدنيا والتشاغل بها عن الآخرة ، فلا ترى إلا مهمومًا بالدنيا .. خطوته يتبعها الأخرى من أجل الدنيا لهث وجري.. عناء ونصب من أجل حطام الدنيا .. أما ساعات الراحة وأوقات الاستراحة فإنها ضائعة في ضحك ولعب وغفلة.. فأين التذكر والتفكر؟

قال وهيب : عجبا للعالم كيف تجيبه دواعي قلبه إلى ارتياح الضحك، وقد علم أن له في القيامة روعات ووقفات وفزعات. ثم غُشي عليه ([172]).

أخي الحبيب:

قال محكول الدمشقي: مَنْ عَبَدَ الله بالخوف فهو حروري، ومن عبده بالرجاء فهو مرجئ ومن عبده بالمحبة فهو زنديق، ومن عبده بالخوف والرجاء والمحبة فهو مُوحِّدٌ ([173]).

وقال الشيخ ابن سعدي: يجب على العبد أن يكون خائفًا من الله ، راجيًا راغبًا راهبًا ، إن نظر إلى ذنوبه وعدل الله وشدة عقابه خشي ربه وخافه ، وإن نظر إلى فضله العام والخاص وعفوه الشامل رجا وطمع، إن وفق لطاعة رجا من ربه تمام النعمة بقبولها وخاف من ردها بتقصيره في حقها، وإن ابتُلي بمعصية رجا من ربه قبول توبته ومحوها، وخشي لسبب ضعف التوبة والالتفات للذنب أن يعاقب عليها، وعند النعم والمسار يرجو الله دوامها والزيادة منها والتوفيق لشكرها، ويخشى بإخلاله بالشكر من سبلها ، وعند المكاره والمصائب يرجو الله دفعها وينتظر الفرج بحلها، ويرجو أيضًا أن يثبته الله عليها حين يقوم بوظيفة الصبر ويخشى من اجتماع المعصيتين: فوات الأجر المحبوب، وحصول الأمر المكروه إذا لم يُوفَّقْ للقيام بالصبر الواجب، فالمؤمن الموحِّد في كل أحواله ملازم للخوف والرجاء، وهذا هو الواجب النافع ، وبه تحصل السعادة([174]).

أخي المسلم:

هلم إلى الدخول على الله ومجاورته في دار السلام بلا نصب ولا تعب ولا عناء بل من أقرب الطرق وأسهلها، وذلك أنك في وقت بين وقتين ، وهو في الحقيقة عمرك، وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل ، فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار، وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ، ولا معاناة عمل شاق، إنما هو عمل قلب ، وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب وامتناعك وترك وراحة ، ليس هو عملا بالجوارح يشق عليك معاناته وإنما هو عزم ونية جازمة تيح بدنك وقلبك وسرك، فما مضى تصلحه بالتوبة وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية، وليس للجوارح في هذين نصب ولا تعب ، ولكن الشأن في عمرك وهو وقتك الذي بين الوقتين فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك ، وإن حفظته مع إصلاح الوقتين اللذين قبله بما ذكرت نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم وحفظه أسعد من إصلاح ما قبله وما بعده، فإن حفظه أن تُلزم نفسك بما هو أولى بها وأنفع لها وأعظم تحصيلاً لسعادتها، وفي هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت، فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك إما الجنة وإما النار، فإن اتخذت إليها سبيلاً إلى ربك بلغت السعادة العظمى والفوز الأكبر في هذه المدة اليسيرة التي لا نسبة لها إلى الأبد، وإن آثرت الشهوات والراحات واللهو واللعب انقضت عنك بسرعة وأعقبتك الألم العظيم الدائم الذي مقاساته ومعاناته أشق وأصعب وأدوم من معاناة الصبر عن محارم الله والصبر على طاعته ومخالفة الهوى لأَجْلِهِ ([175]).


 علامات الخوف من الله

إن العبد يستطيع أن يعرف نفسه هل هو من الخائفين من الجليل ، أم هو من الغافلين اللاهين ، وهذا بيان ببعض هذه العلامات:

أولها: يتبين في لسانه ، فيمتنع من الكذب والغيبة وكلام الفضول ويجعل لسانه مشغولاً بذكر الله، وتلاوة القرآن ومذاكرة العلم.

والثاني: أن يخاف في أمر قلبه ، فيخرج منه العداوة والبغضاء وحسد الإخوان ، ويدخل فيه النصيحة والشفقة للمسلمين.

والثالث: أن يخاف في أمر بطنه فلا يأخذ إلا طيبًا حلالاً، ويأكل من الطعام مقدار حاجته.

والرابع: أن يخاف في أمر بصره، فلا ينظر إلى الحرام ، ولا إلى الدنيا بعين الرغبة وإنما يكون نظره على وجه العبرة.

والخامس: أن يخاف في أمر قدميه فلا يمشي في معصية.

والسادس: أن يخاف في أمر يده ، فلا يُمدَّن يده إلى الحرام ، وإنما يمدُّ يده إلى ما فيه طاعة الله عز وجل.

والسابع: أن يكون خائفًا في أمر طاعته فيجعل طاعته خالصة لوجه الله ، ويخاف الرياء والنفاق ، فإذا فعل ذلك فهو من الذين قال الله فيهم: ﴿والآخرة عند ربك للمتقين﴾.

يقول الفقيه السمرقندي رحمه الله: من عمل الحسنة يحتاج إلى خوف أربعة أشياء، فما ظنك بمن يعمل السيئة:

أولها: خوف عدم القبول؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿إنما يتقبل الله من المتقين﴾.

والثاني: خوف الرياء؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾.

والثالث: خوف التسليم والحفظ؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها﴾.

فاشترط المجيء بها إلى دار الآخرة.

والرابع: خوف الخذلان في الطاعة؛ لأن لا يدري أنه هل يوفَّق لها أم لا؟ لقول الله تعالى: ﴿وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب﴾([176]).

أخي الحبيب:

جعلني الله وإياك ووالدينا وأحبابنا من الآمنين حين الخوف والفزع ﴿يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبينه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه﴾ وممن ينادون في ذلك اليوم العظيم: ﴿ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون﴾ [الأعراف: 49].



([1]) تذكرة الحفاظ: 1/278.

([2]) سورة الرحمن، آية: 46.

([3]) الجامع لأحكام القرآن: 17/176.

([4]) تفسير ابن كثير 4/469.

([5]) أخرجه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي في الشعب.

([6]) الخنين: البكاء مع غنة وانتشاق الصوت من الأنف.

([7]) تاريخ الخلفاء: 224.

([8]) الجواب الكافي: 79.

([9]) البداية والنهاية: 7/147.

([10]) ترتيب المدارك: 1/36.

([11]) الفوائد: 130.

([12]) تزكية النفوس: 117.

([13]) صفة الصفوة: 3/150.

([14]) الإحياء: 4/500.

([15]) التخويف من النار لابن رجب 5.

([16]) شذرات الذهب: 4/3.

([17]) الزهد: 420.

([18]) الإحياء: 4/170.

([19]) التخويف من النار: 33.

([20]) مدارج السالكين: 1/514.

([21]) حلية الأولياء: 4/4، والبداية والنهاية: 9/272.

([22]) الإحياء: 4/194.

([23]) بخ! أي: عظم الأمر وفخم.

([24]) محاسبة النفس: 31، والزهد للإمام أحمد: 171.

([25]) الزهر الفائح: 21.

([26]) الإحياء: 4/181.

([27]) الإحياء: 4/181.

([28]) العاقبة: 146.

([29]) السير: 11/226.

([30]) العاقبة: 39.

([31]) صفة الصفوة: 3/233.

([32]) جامع العلوم والحكم: 211.

([33]) جامع العلوم والحكم: 211.

([34]) الجواب الكافي: 26.

([35]) الإحياء: 169، والسير 4/516.

([36]) مآق: جمع مأق العين وهو مجرى الدمع من العين.

([37]) صفة الصفوة: 3/265.

([38]) حلية الأولياء: 1/53.

([39]) صفة الصفوة: 2/229.

([40]) أخرجه أبو نعيم في الحلية: 4/127.

([41]) الفوائد: 245.

([42]) السير: 14/68.

([43]) محاسبة النفس: 51.

([44]) السير: 6/291.

([45]) التخويف من النار: 44.

([46]) الفوائد: 249.

([47]) الجواب الكافي: 79.

([48]) تذكرة الحفاظ: 2/451.

([49]) جامع العلوم والحكم: 700.

([50]) الزهر الفائح: 91.

([51]) الزهر الفائح: 69.

([52]) الفوائد: 131.

([53]) الزهر الفائح: 34.

([54]) الفوائد: 72.

([55]) صفة الصفوة: 2/218.

([56]) تزكية النفوس: 117.

([57]) الورع عبد الله بن حنبل: 152.

([58]) الجواب الكافي: 36.

([59]) الجواب الكافي: 79.

([60]) الإحياء: 4/16.

([61]) تذكرة الحفاظ: 1/120.

([62]) تنبيه الغافلين: 2/419.

([63]) صفة الصفوة: 3/233.

([64]) صفة الصفوة: 3/326.

([65]) تذكرة الحفاظ: 1/216.

([66]) الفوائد: 83.

([67]) جامع العلوم والحكم: 70.

([68]) السير: 9/226.

([69]) الإحياء: 4/164.

([70]) شذرات الذهب: 118.

([71]) صفة الصفوة 2/141، السير 5/355.

([72]) الزهر الفائح: 101.

([73]) جامع العلوم والحكم: 283.

([74]) صفة الصفوة: 3/234.

([75]) صفة الصفوة: 3/125.

([76]) ديوان الإمام علي: 52.

([77]) الإحياء: 4/170.

([78]) الفوائد: 70.

([79]) الزهر الفائح: 294.

([80]) التذكرة للقرطبي: 10.

([81]) صفة الصفوة: 3/161.

([82]) حلية الأولياء: 2/369.

([83]) الفوائد: 152.

([84]) أي: وسع.

([85]) صفة الصفوة: 4/64.

([86]) الإحياء: 4/174.

([87]) مدارج السالكين: 2/42.

([88]) الزهر الفائح: 111.

([89]) الإحياء: 4/159.

([90]) صفة الصفوة: 3/262.

([91]) الزهد للحسن البصري: 99.

([92]) الزهد للبيهقي: 678.

([93]) جامع العلوم والحكم: 92.

([94]) تذكرة الحفاظ: 3/790.

([95]) الجواب الكافي: 77.

([96]) التبصرة: 1/217.

([97]) جامع العلوم والحكم: 92.

([98]) الإحياء: 4/174.

([99]) حلية الأولياء: 5/366.

([100]) منهاج القاصدين: 331.

([101]) تذكرة الحفاظ: 1/76.

([102]) الزهر الفائح: 21.

([103]) السير: 6/113.

([104]) صفة الصفوة: 3/246.

([105]) حلية الأولياء: 2/133.

([106]) محاسبة النفس: 83.

([107]) تذكرة الحفاظ: 3/790.

([108]) الزهر الفائح: 21.

([109]) الزهر الفائح: 18.

([110]) الزهر الفائح: 18.

([111]) محاسبة النفس: 79.

([112]) الفوائد: 110.

([113]) الإحياء: 4/172.

([114]) العاقبة: 30.

([115]) الزهر الفائح: 107.

([116]) الإحياء: 4/165.

([117]) حلية الأولياء: 1/208.

([118]) الزهر الفائح: 111.

([119]) الزهر الفائح: 21.

([120]) السير: 8/34.

([121]) التبصرة: 1/287.

([122]) تنبيه الغافلين: 2/620.

([123]) صفة الصفوة: 4/ 205.

([124]) صفة الصفوة: 4/ 150.

([125]) الإحياء : 4/168.

([126]) التخويف من النار: 25.

([127])الزهر الفائح: 18.

([128])صفة الصفوة: 4/238.

([129])الزهد للإمام أحمد: 300.

([130]) صفة الصفوة: 3/327.

([131]) الزهد للإمام أحمد: 393.

([132]) الزهر الفائح: 66.

([133]) كدم الرغيف: عضه بمقدم فمه.

([134]) الزهر الفائح: 70.

([135]) الإحياء: 4/173.

([136]) الإيمان: 19.

([137]) تيسير الكريم الرحمن: 2/185.

([138]) مدارج السالكين 1/548.

([139]) البداية والنهاية : 8/47

([140]) الزهر الفائح: 21.

([141]) الإحياء: 4/149.

([142]) ديوان الإمام علي : 96.

([143]) مدارج السالكين: 2/11.

([144]) أداب الدنيا والدين : 108.

([145]) العاقبة: 68.

([146]) جامع العلوم والحكم: 465.

([147]) البداية والنهاية : 13/40.

([148]) جامع العلوم والحكم: 465.

([149]) حلية الأولياء: 8/361، العاقبة 90.

([150]) السير: 6/121.

([151]) إرشاد العباد: 71.

([152]) صفة الصفوة: 3/127.

([153]) الإحياء: 4/483.

([154]) المدهش: 232.

([155]) الزهد للإمام أحمد: 338.

([156]) ديوان الإمام علي: 158.

([157]) الزهر الفائح: 95.

([158]) موارد الظمآن : 2/26.

([159]) الزهر الفائح: 11.

([160]) العاقبة: 90.

([161]) الإحياء: 4/488.

([162]) إرشاد العباد: 70.

([163]) صيد الخاطر: 204.

([164]) ديوان الإمام علي: 172.

([165]) الإحياء: 3/336.

([166]) الزهر الفائح: 50.

([167]) الفوائد: 129.

([168]) السير: 10/196.

([169]) صفة الصفوة: 3/381.

([170]) القصار: هو محور الثياب ومبيضها.

([171]) صفة الصفوة: 2/25.

([172]) صفة الصفوة: 2/221.

([173]) الإحياء: 4/174.

([174]) القول السديد: 119.

([175]) الفوائد: 151.

([176]) الإحياء : 4/16.