×
تذكير الخلق بأسباب الرزق : في هذه الرسالة بيان بعض أسباب الرزق، ثم بيان الحكمة في تفاوت الناس في الرزق.

 تذكير الخلق بأسباب الرزق

تأليف الفقير إلى الله تعالى

عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله

غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي فضَّل بعض الناس على بعض في الرزق، فجعل منهم الغني، ومنهم الفقير، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا وهو الحكيم العليم، الذي لا راد لقضائه، ولا مبدل لحكمه.

وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد فقد اقتضت حكمة الله أن يفضل بعض الناس على بعضٍ في الرزق، والقوة، والصحة، وله الحكمة البالغة في ذلك كله، وليس عطاء الله للإنسان هذه النعم دليلاً على محبته له ورضاه عنه وكرامته عليه، كما أن ابتلاء الإنسان بالفقر والمرض ليس دليلاً على إهانته وبغضه له.

وإنما كرامة الإنسان بتوفيقه لطاعة الله وإهانته بخذلانه في معصيته. والله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه، وهو الحكيم العليم، الذي يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها اللائقة بها.

ثم إن الله تعالى جعل لكل شيء سببًا وجعل للرزق أسبابًا يُنال بها حسية ومعنوية، قولية وفعلية، وقد كتبت في هذا الموضوع كلمة ضمنتها بعض مؤلفاتي ثم بدا لي أن أفردها برسالة مستقلة، فأفردتها وزدت عليها ما تيسر.

فعلى العبد أن يفعل الأسباب المشروعة التي ينال بها الرزق الحلال وأن يبتعد كل البعد عن طرق الكسب الحرام، ففي الحلال بركة وكفاية عن الحرام.

و هذه الرسالة مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسول صلى الله عليه وسلم وكلام المحققين من أهل العلم. أسأل الله تعالى أن ينفع بها وأن يوسع لنا في الرزق الحلال، وأن يكفينا بحلاله عن حرامه، وبطاعته عن معصيته وبفضله عمن سواه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المؤلف في 20/6/1411هـ


 من أسباب الرزق

يؤمن المسلم أنه مكتوب ومقدر رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته وهو في بطن أمه، ينال ذلك بالأسباب المقدرة له، كما في حديث ابن مسعود المتفق عليه فمن أسباب الرزق:

1- السعي في تحصيله بالأسباب المقدرة له: من زراعة، أو تجارة، أو صناعة، أو وظيفة، أو غير ذلك من الأسباب المقدرة، قال الله تعالى }هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ{ [سورة الملك، الآية 15].

2- وتقوى الله تعالى وطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، قال تعالى: }وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ{ [سورة الطلاق، الآيتان 2، 3]، أي من أطاع الله جعل له مخرجًا من كل ضيق ورزقه من حيث لا يخطر بباله.

3- وكثرة الاستغفار – طلب المغفرة من الله تعالى، قال تعالى إخبارًا عن نبيه ورسوله نوح عليه السلام: }فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا{ [سورة نوح، الآيات: 10-12]. وفي الحديث: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هَمٍ فرجًا ومن كل ضيقٍ مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي والحاكم وصححه.

4- والتوكل على الله، والاعتماد عليه، والاستعانة به في حصول الرزق، فإن من توكل على الله كفاه، قال تعالى: }وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ{ [سورة الطلاق، الآية 3]. أي من يعتمد على الله وحده في حصول مطلوبه فهو كافيه.

وقال ﷺ‬: «لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصًا وتروح بطانًا» رواه الامام أحمد والترمذي وقال حسن صحيح والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم.

5- والدعاء بحصول الرزق فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، قال تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [سورة غافر، الآية 60] فقد أمر بالدعاء وتكفل بالإجابة إذا لم يمنع من ذلك مانع من معصية الله بترك واجب أو فعل محرم أو أكل حرام أو لبسه أو استبطاء الإجابة تقول: يا رزَّاق ارزقني وأنت خير الرازقين، اللهم إني أسألك رزقًا طيبًا واسعًا يا من لا تغيض خزائنه مع كثرة الإنفاق، اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيما آتيتني قال ﷺ‬: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا وقنعه الله بما آتاه» رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه عن عبدالله بن عمرو ورمز السيوطي لصحته.

6- من أسباب الرزق الكرم والجود والإنفاق في سبيل الله كما قال الله تعالى: }وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{ [سورة سبأ، الآية 39]، أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل وفي الآخرة بالأجر والثواب. وفي الحديث القدسي قال الله تبارك وتعالى: }يا ابن آدم انفق أنفق عليك{ رواه مسلم وقال ﷺ‬: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم اعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر اللهم اعط ممسكًا تلفًا) رواه البخاري ومسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: (ما نقصت صدقة من مال) رواه مسلم، فليثق المنفق بوعد الله ولينفق مما رزقه الله.

7- والحمد والشكر لله على رزقه ونعمه عمومًا، فإن الشكر مقرون بالمزيد، قال تعالى: }وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{ [سورة إبراهيم، الآية 7]، اللهم لك الحمد والشكر والثناء على جزيل أنعامك والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين، والحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه، وصلوات الله وسلامه على خير خلقه وأنبيائه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

تنبيه: الإنسان بطبيعته يحب الغنى ويكره الفقر وهو لا يعلم عواقب الأمور ورب قليل خير من كثير وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، ولعله يجمع المال من حلال وحرام، ثم يموت ويتركه لورثته فيكون لهم غنمه وعليه غرمه له الشوك وللوارث الرطب وسوف يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وأغبط الناس في هذه الحياة وأسعدهم فيها من كان رزقه بقدر حاجته وكفايته، لا فقر ينسي ولا غنى يطغي، ولهذا حكم الرسول ﷺ‬ بالفلاح لمن أسلم ورزق كفافًا وقنعه الله بما آتاه. في الحديث الذي رواه مسلم، ودعا لأهل بيته أن يكون رزقهم في الدنيا بقدر القوت، فقال في الحديث الذي رواه مسلم والترمذي وابن ماجه (اللهم اجعل رزق آل محمد في الدنيا قوتًا) ولا يختار لهم إلا الأفضل، وقلة المال أيسر للحساب وقال تعالى: }بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{ [سورة الأعلى، الآيتان 16، 17]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من كانت الدنيا همه فرَّق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت الآخرة نيَّته جمع الله عليه أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة) رواه أحمد وابن ماجه والترمذي.


 الصدق والأمانة في المعاملات سبب لحصول الرزق وبركته

قال الله تعالى: }وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ{ [سورة الطلاق، الآيتان 2، 3]. فرتب على التقوى التي أساسها الصدق وأداء الأمانة في المعاملة التيسير والخروج من كل ما ضاق على الناس، وفتح أبواب الرزق، وفي الصحيحين عنه ﷺ‬ (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما). وفي السنن مرفوعًا: (يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان أحدهما صاحبه، خرجتُ من بينهما).

وإنما كان الصدق والبيان وأداء الأمانة في جميع المعاملات سببًا للبركة وتيسير أبواب الرزق لأمرين مُهمين.

أحدهما: وعد الله ووعد رسوله والله لا يخلف الميعاد، أن من سلك الطرق التي أمر بها، وتجنب ما نهى عنه، بارك الله له في سعيه ورزقه من حيث لا يحتسب، وفتح له من خزائن جوده وكرمه ما لا يناله الناس بسعيهم وجدّهم وحذقهم، وهذا أمر رباني وجزاء إلهي مشاهد معلوم بالتجربة.

والثاني: أن من عامل الناس وعرفوا منه الصدق والنصح اطمأنوا إليه، وركنوا إلى معاملته، ورغبوا في الأخذ منه وإعطائه، لأن قلوبهم إليه مطمئنة، ونفوسهم إلى أمانته منقادة واثقة، وحاز الاعتبار والشرف اللذين عليهم أسست المعاملات النزيهة الطيبة، وبذلك مشت أسبابه مع الناس.

وكذلك عقد الشركات بين الشركاء إذا بنيت على الصدق والأمانة أفادت أهلها خيرًا كثيرًا، فإنه من كان الله معه أيده بعونه وتوفيقه وتسديده؛ وكانت حركاته مقرونة بالنجاح مع ما في اتفاق الشريكين على مصالحهما واجتماع رأيهما، وحصول التشاور الذي هو مدار الأعمال مع ما يقترن بذلك من التعاون البدني والسعي المشترك من المنافع ودفع ما يخشى ضرره، كل هذه الأمور أسباب ومفاتيح لحصول الرزق وبركته ونمائه.

وضد ذلك إذا بنيت المعاملات والشركات على الكذب وعدم النصح وحصول الغش والخيانة، فإن الله ينزع بركته ويحل المحق بدل ذلك، وتتأخر المعاملة، وتنحط بالخيانة والكذب، وهذا كله مشاهد مجرب ([1]).

· · · ·


 بيان الحكمة في تفاوت الناس في الرزق

الحمد لله الواحد القهار الحكيم في خلقه وشرعه، ففي خلقه وفي شرعه غاية الحكم والأسرار، قسم الرزق بين عباده ما بين غنى واقتار، لتقوم مصالح العباد في المعاش والمعاد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الغني الكريم الجواد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد الرسل وخلاصة العباد، وأبلغ الناس في الزهد والورع والشكر والصبر على أحكام الملك الجبار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان آناء الليل والنهار وسلم تسليمًا.

أما بعد... أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله له الحكمة البالغة في الخلق والتقدير والتضييق على عباده والتيسير، وله الحكمة البالغة في الحكم والتشريع، فأحكام شريعته كلها عدل ورحمة وحكمة مصلحة للعباد في دنياهم وأُخراهم: }وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ{ [سورة المائدة، الآية50]. فله الحمد في منعه وعطائه، وعلى العباد إذا وسع عليهم أرزاقهم أن يشكروه، ويقوموا بما يجب عليهم في هذه الأرزاق، وعلى العباد إذا قدرت عليهم أرزاقهم أن يصبروا على تقدير الواحد الخلاق، فهو أعلم بمصالحهم وهو أرحم بهم من أُمهاتهم، لقد قسم العليم الحكيم الرزق على عباده، فمنهم من بسط له في رزقه، ومنهم من قدر عليه رزقه، وذلك لِحَكمٍ عظيمة باهرة، قسم الله الرزق على عباده ليعرفوا بذلك أنه المدبر لجميع الأمور، وأن بيده مقاليد السموات والأرض، فهذا يوسَّع عليه والآخر يضيَّق عليه، ولا راد لقضائه وقدره: }يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ [سورة الشورى، آية 12]. بسط العليم الحكيم الرزق لبعض العباد، وضيَّقه على بعضهم، ليعتبروا بهذا التفاوت في الدنيا تفاوت ما بينهم في درجات الآخرة، فكما أن الناس في هذه الدنيا متفاوتون، فمنهم من يسكن القصور المشيدة العالية، ويركب المراكب الفخمة الغالية، ويتقلب في ماله وأهله وبنيه في سرور وحبور، ومنهم من لا مأوى له ولا أهل ولا مال ولا بنون، ومنهم ما بين ذلك على درجات مختلفة، فإن التفاوت في درجات الآخرة أعظم وأكبر وأجل وأبقى: }انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً{ [سورة الإسراء، الآية 21]. فإذا كانت الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً فإنه ينبغي أن نتسابق إلى درجاتها العالية وحياتها الباقية ذلك خير وأحسن تأويلاً، قسم الله الرزق بين عباده ليعرف الغني قدر نعمة الله عليه بالإيسار فيشكره عليها ويلتحق بالشاكرين، ويعرف الفقير ما ابتلاه الله به من الفقر فيصبر عليه وينال درجة الصابرين: }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ{ [سورة الزمر، الآية 10]، وهو مع ذلك لا يزال يسأل ربه الميسرة وينتظر الفرج من رب العالمين، قسم الله الرزق بين عباده لتقوم مصالحهم الدينية والدنيوية، فلو بسط الرزق لجميع العباد لبغوا في الأرض بالكفر والطغيان والفساد، ولو ضيق الرزق على جميعهم لاختل نظامهم وتهاوت من معيشتهم الأركان، لو كان الناس في الرزق على درجة واحدة لم يتخذ بعضهم بعضًا سخريًا، لم يعمل أحدهم للأخر صنعة، ولم يحترف له بحرفة، لأن الكل في درجة واحدة، فليس أحدهم أولى بهذا من الآخر، أين الرحمة والعطف من الغني للفقير، إذا قدرنا أن الناس كلهم في درجة واحدة، أين الموقع العظيم الذي يحصل بصلة الأقارب بالمال إذا كان الكل في درجة واحدة، إن هذا وأضعافه من المصالح يفقد لو تساوى الناس في الأرزاق، ولكن الحكيم العليم قسم بينهم أرزاقهم، وأمر الأغنياء بالشكر والإنفاق، وأمر الفقراء بالصبر وأنتظار الفرج من الكريم الرزاق، فعلينا معشر المسلمين أن نرضى به ربَّا فنرضى بقسمه وأقداره، وأن نرضى به حَكَمًا فنؤمن بحكمه وأسراره، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: }اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ [سورة العنكبوت، الآية 62]([2]).

· · · ·


 موجبات الشكر

قال الشاعر:

إذا اجتمع الإسلام والقوت للفتى

وكان صحيحًا جسمه وهو في أمن

فقد ملك الدنيا جميعا وحازها

وحق عليه الشكر لله ذي المن

ذكر في هذين البيتين أعظم النعم الموجبة للحمد والشكر والثناء لله رب العالمين.

1-        الإسلام الذي يسلم به المسلم من الشقاوة ويفوز بالسعادة فهو دين الله الذي خلق خلقه لأجله وبه أنزل كتبه وأرسل رسله وهو الدين المقبول عند الله فلا يقبل من أحد دينًا سواه، وقد أكمله الله لعباده وأتم عليهم به النعمة، ورضيه منهم، فلن يسخطه أبدًا ولن يتطرق إليه نقص أبدًا، فهو الدين الشامل الكامل الذي لم يترك خيرًا إلا أمر به، ولا شرًا إلا حذر منه، قال تعالى: }إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ{ [سورة آل عمران، الآية 19]، وقال تعالى: }وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{ [سورة آل عمران، الآية 85]، وقال تعالى }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا{ [سورة المائدة، الآية 5]. فلله الحمد والشكر والثناء على ذلك فهو دين الأمن والأمان والكمال والشمول والسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة.

2-    ومن موجبات الشكر حصول القوت الضروري للإنسان الذي به قوام البدن وراحته وقوته: }اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ{ [سورة الروم، الآية 40]، }وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا{ [سورة هود، الآية 6]، }هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ{ [سورة الملك،الآية 15]، وفي الحديث: (من أصبح آمنًا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) رواه البخاري في الأدب المفرد، والترمذي وابن ماجه ورمز السيوطي لحسنه.

3-    ومن أعظم النعم الموجبة للشكر صحة البدن والعقل والسمع والبصر واليدين والرجلين والعينين واللسان والشفتين وقد قيل: (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفها إلا المرضى). وقال الله تعالى: }وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ والأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{ [سورة النحل، الآية 78]، فلله الحمد والشكر والثناء على ذلك.

وقال تعالى: }أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ{ [سورة البلد، الآيات 8 – 10]. وقد حث النبي ﷺ‬ على اغتنام الصحة بالعمل الصالح قبل المرض، قال عليه الصلاة والسلام: (اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وحياتك قبل موتك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك) رواه الحاكم وصححه.

4-    و من أعظم النعم الموجبة للشكر، الأمن والاستقرار في الأوطان حيث يأمن الإنسان على نفسه وأهله وماله وهو من النعم التي لا يعرفها إلا من فقدها ولا يحصل الأمن التام في الدنيا والاخرة إلا للمؤمنين قال الله تعالى: }الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ{[سورة الأنعام، الآية 82]. فيا لها من نعم ما أجلها وأعظمها. فإذا أراد المسلم أن تستقر عليه هذه النعم فليحمد الله وليشكره بقلبه ولسانه وعمله بمحبته وطاعته لله رب العالمين بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وفعل ما أوجب وترك ما حرم والإكثار من ذكره وشكره وحسن عبادته.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم لك الحمد والشكر والثناء على ما أنعمت به علينا من نعمك العظيمة وآلائك الجسيمة حيث أنزلت علينا خير كتبك وأرسلت إلينا أفضل رسلك وشرعت لنا أفضل شرائع دينك وجعلتنا من خير أمة أخرجت للناس. }رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ{ [سورة النمل، الآية:19].

}رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ{([3]) والحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه وصلوات الله وسلامه على خير خلقه وأنبيائه نبيًا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

· · · ·




([1]) الرياض الناضرة للشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي ص 216.

([2]) الضياء اللامع من الخطب الجوامع للشيخ محمد الصالح العثيمين ص298.

([3]) سورة الأحقاف، الآية :15.