×
قال المصنف رحمه الله: «فهذه كلماتٌ مختصرات من سيرة والدتي الغالية العزيزة الكريمة: نشطا بنت سعيد بن محمد بن جازعة: آل جحيش من آل سليمان، من عبيدة، قحطان رحمها الله تعالى، ورفع منزلتها، بينتُ فيها سيرتها الجميلة، ومواقفها الحكيمة التي لا تُنسى - إن شاء الله تعالى -، لعلّ الله أن يشرح صدر من قرأها إلى أن يدعوَ لها، ويستغفر لها، ويترحَّم عليها».

 مواقف لا تنسى من سيرة والدتي رحمها الله تعالى

1345 هـ- 1428هـ

تأليف الفقير إلى الله تعالى

د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

بسم الله الرحمن الرحيم

 المقدمة

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فهذه كلمات مختصرات من سيرة والدتي الغالية العزيزة الكريمة:نشطا بنت سعيد بن محمد بن جازعة: آل جحيش من آل سليمان، من عبيدة، قحطان، رحمها الله تعالى، ورفع منزلتها، بينت فيها سيرتها الجميلة، ومواقفها الحكيمة التي لا تنسى إن شاء الله تعالى، لعلّ الله أن يشرح صدر من قرأها إلى أن يدعوَ لها، ويستغفر لها، ويترحَّم عليها.

والله تعالى أسأل أن يجعل هذه الكلمات اليسيرات خالصةً لوجهه الكريم، وبِرّاً بوالدتي الغالية، وسبباً للدعاء لها، وأن يغفر لها، ويُعلي درجتها، وأن يجزيها عنِّي خير ما جزى والدة عن ولدها، وأن يجمعنا بها في الفردوس الأعلى مع نبيّنا محمد بن عبد الله ، ووالدينا، ومشايخنا، وذرّياتنا، وأزواجنا، وأحبابنا في الله جميعاً، وكل من قرأ هذه الرسالة من المؤمنين الصادقين؛ إنه تعالى على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وإذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، لا إله إلا هو، ولا ربّ سواه، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.

وصلّى الله على عبده،ورسوله،وخليله،وأمينه على وحيه،نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قاله وكتبه ابنها: أبو عبد الرحمن

سعيد بن علي بن وهف القحطاني

حرر بعد ظهر يوم الأحد الموافق 4/ 9/ 1428هـ

 * أولاً: ولادتها:

 وُلِدَتْ رحمها الله تعالى في ضواحي العرين التابع لأبها، يبعد عن أبها شرقاً 125 كيلو تقريباً في البادية، وكان والدها من أهل الأغنام الذين يتتبّعون مواقع القطر، وشعف الجبال في هذه البلاد المذكورة، وكان زمن ولادتها على حسب إخبار  كبار السن من أقربائها عام 1345هـ تقريباً.

 * ثانياً: نشأتها:

 نشأتْ بتوفيق الله تعالى ورعايته، وفضله، وإحسانه على ما نشأ عليه أهل التوحيد، وكانت في مجتمع أمّيّ لا يقرأ، ولا يكتب، إلا أنهم على فطرة التوحيد، فلا يعرفون في الرخاء ولا في الشدة الالتجاء إلاَّ إلى الله وحده، ولا يصرفون شيئاً من العبادات إلا له وحده لا شريك له.

وَتَربَّتْ مع والدها، وكانت ترعى البهم ((صغار الأغنام )) في طفولتها، وكان والدها رحمه الله رجلاً صالحاً، كريماً، شجاعاً، من الذاكرين الله كثيراً، وقد عُرف بالإصابة في الرمي، فلا يُخطئ في رميه، سواء كان ذلك في رمي الصيد أو غيره، وقد ثبت عندي أنه: أثناء اصطياده للصيد قيل له: اجعل طلقة البندقية في أسفل قرن الغزال، فرماه فوقعت في المكان الذي حُدِّد له أسفل قرنها.

وقد عُـرِفَ عنه إجابة الدعوة في مواقف كثيرة، منها: أن الوالدة نشطا رحمها الله كانت ذات يوم في صغرها تأكل من قطعة لحم قد وضعتها في يدها، فجاءت حدأةٌ فاختطفت قطعة اللحم من يدها، فأغضب ذلك والدها؛ لأن اللحم في ذاك الوقت كان عزيزاً، وربما لا يأكلون اللحم إلا من عيد الأضحى إلى عيد الأضحى لقلّة ما في اليد، وشدّة الحال عند أهل البادية، فعند ذلك دعا والدها على الحدأة، فقال: ((اللهم إن كان أجلها في السماء فأنزله عليها، وإن كان في الأرض فابعثه إليها))، أو كما قال في دعائه رحمه الله، وفوراً وقعت الحدأة قريباً من بيت الشَّعْر الذي كانوا يسكنونه في ذلك الوقت، وإذا هي قد قُتلت، ونظروا فإذا الذي قتلها صقر هجم عليها، وضربها ضربة قضت  عليها؛ من أجل قطعة اللحم التي كانت معها، استجابةً لدعوةِ والد الطفلة الصغيرة التي أخذت قطعة اللحم من يدها، وكانت أغلى ما تملك، وأحبَّ إليها من الحلوى للأطفال في عصرنا هذا.

 * ثالثاً: زواجها؛

 بعد أن أمضت مع والدها خمساً وعشرين سنة في حدود عام 1370هـ تقريباً، زوّجها من ابن أخته علي بن وهف بن محمد رحمه الله، وكانت أمُّه مهرة بنت محمد بن جازعة عمة الوالدة،رحم الله الجميع رحمةً واسعة،وكانت الوالدة هي الزوجة الثانية للوالد رحمه الله،حيث كان قد تزوج قبلها بنت عمه صالحة بنت دغش بن محمد رحمة الله على الجميع، وختم لزوجة أبي صالحة بخير.

وبقيت الوالدة لم تحمل عند الوالد علي بن وهف لمدة سنتين تقريباً، وكانت ترعى الأغنام عند زوجها: الوالد علي، كما كانت ترعاها عند والدها، فيسرحون بالأغنام من بيوت الشعر إلى الجبال والأودية بعد ارتفاع الشمس، وبعد ما يحلبون الأغنام، ويُرضعون البهم ((صغار الأغنام))، ثم يعودون قبل غروب الشمس، ويسمّونه الرّواح، فيقولون: راحت الأغنام إذا وصلت البيوت بعد الرعي مساءً، ويقولون: سرحت إذا ذهبت صباحاً.

 * رابعاً: حملها وولادتها

بعد سنتين من زواجها تقريباً حملت بابنها الأكبر، وهو بكرها: سعيد، كاتب هذه الأسطر: عفا الله عني، وتجاوز، وغفر، وعن والدتي الغالية، ووالدي العزيز، وعن ذريتهما، وجميع المؤمنين المخلصين.

وكانت ولادتها ببكرها سعيد في شهر الفطر 25/10/ عام 1372 تقريباً، كما أخبرتني الوالدة رحمها الله، وكانت حالة الوضع صعبة جداً، فقد أخبرتني الوالدة رحمها الله أنها سرحت بالأغنام في ذلك اليوم من شهر الفطر من ذلك العام، وكان الوقت صيفاً، وفي حرٍّ شديد، فكانت تُطْلَقُ طلقاً شديداً في الرّمضاء الحارّة الشديدة في منتصف النهار، فدخلت رحمها الله تحت سدرة تستظلّ، ويسمّون السّدْر ((العِلْب))، فوضعت تحت شجرة السدرة وقت الظهر تقريباً، وهي عند الأغنام، وليس معها أحد إلا الله ، وقد جَهَّزَت سكّيناً معها؛ لتقطع السرَّ للمولود، وفعلاً قطعت السرّ، وقد كانت بكراً لا تُحسن القطع للسرِّ رحمها الله، فلم تربط السرّ، بل قطعته، وتركته ينزف دماً، وحملت الطفل الغالي عندها جداً، بعد أن لَفَّته في خرقة، وقامت تسوق الغنم حتى وصلت بيت الشعر قبل غروب الشمس، وعندما رأتها عمّتها أخت أبيها، وهي أمُّ زوجها، مهرة بنت محمد بن جازعة استقبلتها، ودعت لها وبرّكت، وهالها ما رأت من الدماء المتدفّقة من سرِّ المولود، فما كان من عمّتها مهرة إلا أن ربطت السرّ،فوقفت الدماء،وقد كاد الطفل أن يموت لولا رحمة الله تعالى، وأنه تعالى جعل جدتي مهرة المذكورة سبباً في حياة الطفل، رحمها الله، وقد كانت جدتي مهرة من الذاكرات الله كثيراً، وخاصة في آخر حياتها، ومما سمعته من ذكرها في طفولتي: أنها كانت تستغفر الله كثيراً، وتسبّح، وتهلِّل، وتكبّر، ومن ذلك أنها كانت تقول: ((أستغفر الله ألفاً في ألف، عدد حروف القرآن حرفاً حرفاً، والملائكة تكتب، والله يعفو... ))، وكنت أسمع دويَّ صوتها بالذكر في غرفتها كدويّ صوت النحل، وكانت إذا شربت لبناً أو حليباً قالت بعد الشرب: ((الحمد لله الذي أخرجه لي من بين فرثٍ ودمٍ ) أو: ((الحمد لله الذي سقاني هذا من بين فرثٍ ودمٍ)).

وقد كانت لا تقرأ ولا تكتب، ولكن دعاءها هذا مقتبس من قول الله تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ ( )  ، وقوله تعالى:وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ( ) .

وكان مكان حادثة الولادة المذكورة -كما أخبرتني الوالدة رحمها الله، وكما أخبرتني أمي من الرضاعة زوجة أبي صالحة بنت دغش أحسن الله لنا ولها الخاتمة - في جبال السّود شرق وادي العلوبي أسفل العرين، في ظهر جبال السّود، في شِعبٍ يُقال له شوحطة، وَسَيْلُه يقع في وادي الإسلي، ووادي الإسلي في الجهة الغربية الجنوبية لوادي الأمواه، وسيل الإسلي يقع في وادي العَوَص غرب الأمواه، وسيل وادي العَوَص يقع في تثليث.

واستمرَّت الوالدة مع الوالد، ومع أمي من الرضاعة زوجة أبي صالحة، ومع عمتها أخت أبيها أم زوجها  مهرة،يتنقَّلون من شِعبٍ إلى شِعبٍ يتتبعون مواقع القطر،وشعف الجبال بأغنامهم، وكانوا يحملون الماء على الحمير في القِرَب، وربما حملوها على الإبل، لكن الجمال في الغالب يحملون عليها الأثاث وبيوت الشَّعْر، ويركبون عليها، أما الماء فيحملونه على الحمير في الغالب.

ولم تحمل الوالدة بعد ولدها الأول إلا بعد سنتين تقريباً، ثم حملت بالأخ الشقيق حسين أبي عليّ، مؤذّن الجامع الكبير بطريب، ومغسِّل الأموات هناك، أمدَّ الله في عمره على طاعته، ووضعت حملها في أسفل وادي العلوبي، وهو وادٍ في أسفل وادي العرين، يبعد عنه ثلاثين كيلو تقريباً، وسيله يصبُّ في وادي عرقة، وسيل عرقة يصبُّ في وادي تثليث، وقد كان مكان ولادة الأخ حسين شمال شرق وادي العلوبي، في شِعبٍ يقال له كُرَيْشة،   وبداية سيل شعب كريشة تبدأ من أعلى جبال السود، ونهايته تصبُّ في وادي عرقة، وهي معروفة الآن بعرقة آل سليمان.

وكان ذلك ليلاً، حين جاء الوالدة الطلقُ، فتركتني في وسط الغنم، وأمرت راعيةً عندنا أن تُشْغِلَني عنها ((والراعية هي رفعة بنت جبران بن محمد بن جازعة، وهي بنت عم الوالدة، وهي أم زوجتي أم عبد الرحمن))، فوضعت الوالدة في الجبل، وكان من عادة النساء إذا أردن الوضع أن تذهب إحداهن لأعلى الجبل، لتستتر عن الناس، وتبتعد عنهم حتى لا يسمعوا ما يحصل عند الوضع، والله أعلم.

وكان ذلك الزمن يُعرَف بخريف كويع، وهو سيل شديد  قلع الأشجار، وأهلك كثيراً من الناس، وحصل به دمار عظيم، ومات فيه خلق كثير، منهم رجل يقال له: كويع، فأرّخوا به هذه الحادثة، وهو عام 1375هـ.

ثم لم تحمل الوالدة بعد الأخ حسين مدة ست سنين تقريباً، واستمرّوا على ما هم عليه من رعي الأغنام، والتنقلات من مكان إلى مكان على حسب الأمطار، ومواقع القطر، وشعف الجبال، والأودية، والشعاب.

وفي عام 1382هـ وضعت الوالدة الأخ الشقيق الدكتور سعداً أبا عبد العزيز، الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود، أمدَّ الله في عمره على طاعته.

وكنت على علمٍ بما يحدث، وكانت الولادة آنذاك في شعبٍ يقال له قرضة، في حدباء يُقال لها: البيضاء، وشِعب قرضة وحدباء البيضاء بداية سيلهما من جبال السود جنوب شعب شوحطة الذي وُلِدْتُ فيه، فإذا ذهب الذاهب إلى جبال السود من أعلى قرضة، وتجاوز الجبل، وقع في شعب شوحطة.

وشعب قرضة مع حدباء البيضاء يقع سيلهما في وادي العلوبي الذي سبق ذكره.

وفي يومٍ من الأيام من عام 1382هـ وَلَدت أمي رحمها الله الأخ سعداً داخل بيت الشَّعْر، وليس معها أحدٌ إلاّ الله تعالى، وأظن أن الأغنام كانت محيطة بها في ذلك البيت، وأظن أن ذلك كان وقت العصر، و من شدة التعب الذي حصل لها خرج الطفل أسود، والله المستعان.

ولكن أخبرني الأخ الشقيق حسين أنه كان عند الوالدة في ذلك اليوم، وكان في السابعة من عمره قال: ذهبتَ أنتَ يا أخي سعيد عند الغنم ترعاها في الجبال صباحاً، وبقيتُ أنا عند الوالدة في بيت الشعر، وفي الضحى أخرَجَتْني من البيت، فامتنعتُ، فأخذت ترميني بالحجارة حتى خرجتُ، وحينما كنتُ خارج البيت سمعتُ صوت الطفل يصرخ صُراخاً عظيماً، فجئتُ مسرعاً، وجاء الكلب من خارج البيت ينبح نُباحاً عظيماً لشدة صياح الصبي، وكاد الكلب أن يخطف الطفل من بين يدي الوالدة، فرمتْه رحمها الله بالتراب حتى خرج من البيت، ثم جئتَ أنت يا أخي سعيد بالأغنام وقت العصر.

وقد أخبرتني الوالدة رحمها الله أنها عندما وضعت الأخ سعداً، وسمع الأخ حسين صياح الطفل، ونباح الكلب، ورأى الكلب يقترب وينبح، فزع الأخ حسين فزعاً شديداً، وجاء إليها وقال: يا أمي لا تعطيهِ الكلب،وذكرت رحمها الله: أنها طلبت من الأخ حسين أن يعطيها السكين؛ لتقطع سرّ الطفل، ففزع وقال: يا أمي، لا تذبحيه، اتركيه معنا! فقالت له: لا، يا ولدي إنما أريد أن أقطع سرّه، فأعطاها السكين، فقطعت سرّه!.

وهذا يدلّ على أن الأخ حسين كان في سنِّ التمييز، ويدلّ على شدّة الحال، وعلى صبر الوالدة رحمها الله تعالى.

واستمرت الوالدة مع الوالد في رعي الأغنام، والانتقال من مكان إلى مكان.

 * خامساً: انتقالها من الحياة البدوية 40 سنة إلى الحياة القرويَّة 15 سنة

في عام 1384 أو 1385هـ تقريباً حصل الوالد على قطعة أرض زراعية في وادي الغرس، وهو وادٍ في أعلى وادي العرين، في شعب يقال له البقلة، فحفر هناك بئراً، وغرس نخلاً، وفي هذا الزمن حملت الوالدة بالأخ هادي أبي سعد، أمدَّ الله في عمره على طاعته، ووَضَعَتْه في عام 1386هـ تقريباً، وأذكر أن حالة الوضع كانت وهي عند والدها سعيد بن محمد بن جازعة المذكور، وعند والدتها نورة بنت حسن، وكانت جدتي نورة من النساء الصالحات، الذاكرات لله تعالى، رحم الله الجميع.

وبعد إنجاب الأخ هادي استمرت الوالدة مع الوالد في حياة قرويّةٍ جديدة، في قرية البقلة بالغرس، وشاركت الوالدة الوالد علي بن وهف في بناء قصر من الطين، واستمرّت الوالدة تزرع في هذه المزرعة: البر، والشعير، والذرة، والطماطم، أما أمِّي من الرضاعة زوجة أبي صالحة بنت دغش فبقيت في البادية عند أغنامها وأغنام الوالد أحياناً.

 * سادساً: انتقالها إلى الرياض والحياة المدنية 28 سنة:

في عام 1400هـ انتقلت الوالدة نشطا رحمها الله إلى الرياض معي أنا ولدها: سعيد، وانتقل معها الأخ هادي،وقبله الأخ سعد،وبقي الوالد في مزرعةٍ له أخرى في وادي العلوبي المذكور آنفاً يسكن فيها،  ويخدم أمَّه:مهرة بنت محمد بن جازعة، حيث بلغت من الكِبَرِ عتِيّاً، فكان الوالد لا يفارقها أبداً، ولا يسافر مطلقاً، بل رابط عندها عدد سنين، وجعل نفسه لها مقام الخادمة في كل شيء، حتى اشتهر بذلك بين الناس في برِّ أمه، فلا يرون أن أحداً منهم يبلغ منزلته في خدمة أمِّه وبرِّها، وكان يسرُّه أن يخدمها سروراً كثيراً، وآثر خدمتها، ولم يرغب أن يخدمها غيره، لا خادمة ولا غيرها، حتى ماتت في الشهر السادس من عام 1406 هـ عن عمر يقارب 150 مائة وخمسين سنة كما يذكر أخوها جدي لأمي سعيد بن محمد بن جازعة الذي توفي عام 1419هـ، وهو ممن بايع الملك عبدالعزيز رحمه الله بعد عام 1319هـ، فقد ذكر: أنه أصغر من أخته مهرة، وقال: عمرها 150 سنة تقريباً،  وقال: ((بايعت الملك عبد العزيز رحمه الله وأنا قد تزوّجت ثم طلّقت، وقد بلغت من العمر خمسين سنة تقريباً ))، وقد مات رحمه الله عن عمر يقارب مائة وعشرين سنة تقريباً.

وبعد أن ماتت أمُّ الوالد علي رحمه الله، صار يتنقَّل بين الرياض وبين مزرعته المذكورة، وكان رجلاً صالحاً، من الذاكرين الله تعالى، ومن ذلك أنه كان يستيقظ آخر الليل، ويصلي، ويذكر الله إلى طلوع الفجر، وكان من ذكره قبل الفجر: أنه كان يقول: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) مائة مرة كل يوم قبل الفجر، وقد قال له بعض أبنائه: ((ألا تجعل هذا التهليل بعد طلوع الفجر؟ ) فردَّ عليه قائلاً: يا ولدي أخاف أن أنشغل عنه، وكان يقول في هذا الوقت: ((سبحان الله  وبحمده، سبحان الله العظيم)) مائة مرة، ويقول: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)).

وقد كان رحمه الله أُمّيّاً لا يقرأ، ولا يكتب، ولكنه يحفظ من القرآن ما تصحُّ به صلاته، وبعض قصار السور، والحمد لله. ثم منَّ الله تعالى عليه بعد السبعين من عمره، فدرس في مدرسة مكافحة الأمية الليلية بالعلوبي، لمدة سنة تقريباً، وذلك عام 1405هـ تقريباً، فحفظ أكثر سوَر جزء عمّ يتساءلون تلقيناً من بعض المدرسين في هذه المدرسة، وكنت أسمعه كثيراً يكرر في قراءته عن ظهر قلب من سورة الأعلى إلى سورة الناس، وخاصّةً في خَلَواتِهِ، أو إذا كان جالساً في المسجد، وأحياناً يطلب من بعض أولاده، أو أحفاده: أن يسمِّعوا له ما يحفظ؛ ليثبِّت حفظه، رحمه الله تعالى.

وكان يحفظ مختصراً للأصول الثلاثة، فإذا قلنا له: من ربك؟ قال: ربي الله الذي رباني وربَّى جميع العالمين بنعمه،وهو معبودي،ليس لي معبود سواه.

وإذا قلنا: ما دينك؟ قال: ديني الإسلام: وهو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.

وإذا قلنا له: من نبيك؟ قال: نبيي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش من العرب، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة، وأتمُّ التسليم، نُبّئ بـ(اقرأ)، وأُرسل بـ(المدثر)، وبلده مكة، وهاجر إلى المدينة، وبها توفي، لا خير إلا دلّ أمّته عليه، ولا شرَّ إلا حذّرها منه،من أطاعه دخل الجنة،ومن عصاه دخل النار.

وكان بعد أن توفيت والدته يعتمر كل سنة في رمضان، إلا سنة واحدة - على ما أظن -، وآخر حجّة حجّها عام 1416هـ، ثم رجع إلى مزرعته، وتوفي رحمه الله بسبب حادث مروري وهو يقود سيارته في سوق المضه على طريق الرياض، في يوم السبت 27/ 3/ 1417هـ عن ثلاث وثمانين سنة تقريباً؛ لأنه أخبرني رحمه الله أن والده وهف رحمه الله حضر فتح أبها حينما فتحها الملك عبدالعزيز رحمه الله بقيادة ابنه الملك فيصل، وكان ذلك عام 1342هـ تقريباً، وكانوا يقولون: ضربة أبها، أي: فتح أبها، ويذكرون أن الجيش اجتمع في حِجلى بين مدينة أبها وخميس مشيط.

 قال الوالد رحمه الله: ((رجع إلينا والدي وهف رحمه الله من ضربة أبها فأصابه مرض الجدري، وأصابني، فمات، وشفاني الله، وعمري ثمان سنوات تقريباً)). فعلى هذا يكون ميلاد الوالد علي بن وهف رحمه الله عام 1334هـ تقريباً.

وكانت نعمةً من الله تعالى عليَّ حينما انتقلتِ الوالدةُ معي في مدينة الرياض؛ لِـما رأيتُ من دينها، وخلقها الكريم، ومساعدتها لي، بالقول، والفعل، والرأي.

وبَقيتْ تصنع لي الطعام من وقت انتقالها إليَّ لمدة ثلاث سنوات، فقد عشت أعزباً إلى شهر شوال عام 1402هـ، حيث تزوجت بعد ذلك بأم عبد الرحمن في ذلك الشهر.

 * سابعاً: تعلمها القراءة:

كانت الوالدة تشتاق إلى تعلُّم القرآن الكريم بعد انتقالها إلى الرياض، ولكنها أميّة لا تقرأ، ولا تكتب، وكانت تحفظ ما تصحُّ به صلاتها، ولله الحمد: الفاتحة، وتحفظ من قصار السور ما تيسّر،وتعرضها عليَّ، وهي معذورة في تأخّرها في تعلّم القرآن إلى هذه السن المتأخرة رحمها الله؛ لأنها كانت في مجتمعٍ أمّيٍّ في البادية، لا يعرفون القراءة، ولا الكتابة. وفي عام 1403هـ طلبت منّي أن أعلمها القراءة؛ لكي تقرأ القرآن، فبدأتْ تتعلّمُ في ذلك الوقت الأحرفَ الهجائية، وكانت تتعلّم معها زوجتي أمُّ عبد الرحمن، وكانت في الرابعة عشرة من عمرها، فكانت الوالدة رحمها الله تداعبني وتقول: ((أنت تهتم بالطالبة الصغيرة أكثر من اهتمامك بالطالبة الكبيرة))، وقد استفادت هذه المداعبة من ابنها الثالث الأخ سعد، حيث كان يداعبها عن طريق الهاتف من ألمانيا، أو من بريطانيا؛ لأنه تنقّل بين هاتين الدولتين، حيث كان في دورة هناك، فكان يقول لها: هل الأخ سعيد يهتمّ بالطالبة الصغيرة أكثر من الطالبة الكبيرة؟ فأعجبها ذلك، وصارت تداعبني بذلك رحمها الله.

 * ثامناً: حفظها للقرآن:

 بعد أن تعلّمتِ الوالدة الأحرف الهجائية قراءةً وكتابةً، بدأت تَتَهَجَّى القرآن الكريم، وتطلب من يتابع لها القراءة في المصحف.

ثم يسّر الله تعالى مدرسةً لتحفيظ القرآن في إسكان أفراد القوات المسلحة، حيث كنت إماماً وخطيباً لجامع هذا الإسكان، فسجّلت الوالدة في هذه المدرسة النسائية، وبدأت تحفظ القرآن الكريم بعد الستين من عمرها.

وفي عام 1412هـ حصلت على شهادة لحفظ جزأين من القرآن الكريم.

وفي 25/10/1413هـ حصلت على شهادة تفوّق في حفظ ثلاثة أجزاء بتقدير ممتاز، وذلك في تمام السابعة والستين من عمرها رحمها الله.

وفي 29/7/1417هـ حصلت على شهادة تفوّق في حفظ أربعة أجزاء بتقدير ممتاز.

وفي عام 1418هـ حفظت خمسة أجزاء،وحصلت على شهادة بتقدير ممتاز.

وفي عام 1423هـ تقريباً كمَّلت حفظ ثمانية أجزاء من سورة (يس) إلى سورة (الناس)،وذلك في تمام الثامنة والسبعين من عمرها، وكانت تراجع ما حفظت كثيراً خشية النسيان؛ لكبر سنها رحمها الله تعالى.

وقد وجدنا عندها بعد موتها رحمها الله ثلاث عشرة شهادة في القرآن، ما بين شهادة تفوّق، ودورة، ومسابقة، وكلها في الأجزاء الثمانية المذكورة، وكلها ما بين عام 1412هـ إلى قبيل عام 1423هـ، وهذا يدلّ على حرصها رحمها الله تعالى، وغفر لها.

 * تاسعاً: صلاتها:

 صلاتها: كانت تحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها في أول الوقت ولله الحمد، وتَنْهَى عن تأخيرها عن وقتها.

 * عاشراً: نوافل الصلاة:

كانت رحمها الله تحافظ على كثير من النوافل، ومنها:

صلاة الليل في السحر، فكانت تستيقظ قبل صلاة الفجر بساعة كاملة، ثم تتوضأ وتصلّي، وتدعو، وتذكر الله حتى يؤذّن مؤذّن الفجر، فإذا أذّن الفجر صلت سُنّة الفجر، ثم بعد ذلك تصلّي الفريضة إذا تأكدت من طلوع الفجر، ثم تبدأ بأذكار أدبار الصلاة، وأذكار الصباح، ثم تقرأ ما تيسّر مراجعته مما تحفظ من القرآن.

كانت تحافظ على سنة الوضوء، فإذا توضأت في أي وقت من ليلٍ أو نهارٍ صلّت ركعتين.

كانت تحافظ على ركعتي الضحى إذا اشتدّ النهار ضحىً.

 * الحادي عشر: صيامها:

كانت رحمها الله تصوم رمضان، وتُتبعه ستاً من شوال كل سنة، وكانت تصوم ما تيسّر لها من صيام التطوع: كيوم عرفة، فلا تترك صيامه أبداً إن لم تكن في الحج، وصيام يوم عاشوراء مع يومٍ قبله أو يومٍ بعده، وكانت تصوم ما تيسّر لها من عشر ذي الحجة، وما تيسّر من أيام الشهور الأخرى، رحمها الله.

 * الثاني عشر:ذكرها لله تعالى:

كانت رحمها الله تذكر الله كثيراً: وتدعو دعاء الصباح والمساء، وخاصة سيّد الاستغفار،وقد كانت تقول:لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد،وهو على كل شيء قدير مائة مرة،في اليوم،وغير ذلك من الأذكار والدعوات التي تذكر الله بها رحمها الله.

وكانت تكثر من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وكانت إذا صلت الفجر، وأدّت أذكار أدبار الصلاة، وأذكار الصباح، قرأت من القرآن مما تحفظ، مراجِعةً ما تيسّر لها.

وكانت تستمع إلى إذاعة القرآن الكريم كثيراً، وتحبّ الاستماع لبرنامج ((نور على الدرب ))، وقد استفادت من هذه الإذاعة،ومن هذا البرنامج كثيراً ولله الحمد، وكانت تنقل بعض ما تسمع من الفوائد لغيرها من النساء والمحارم، وتفيدهم بذلك، جزاها الله خيراً، وغفر لها.

 * الثالث عشر:حجّها:

حجّت حجّة الإسلام عام 1398هـ بمرافقة الوالد علي بن وهف رحمهما الله، والأخ حسين،وبعض أولادها.

وحجّت عام 1403 بمرافقة الأخ هادي، وأم عبدالرحمن، وبعض محارمها.

ثم حجّت عام 1408هـ، بمرافقة بعض أولادها، والابن عبد الرحمن، والابن عبد العزيز، وهم صغار، ومعهم الأسرة، وأم عبد الرحمن، وأم عبدالعزيز، وبعض محارمها.

ثم حجّت عام 1416هـ بمرافقة الوالد علي بن وهف رحمهما الله،وأم عبدالكريم،وبعض محارمها.

ولا أذكر، فربما حجّت ما بين 1398 هـ إلى عام 1416هـ حجّة، لكني أُنسيت فلا أدري؟

وحصل موقف عظيم في حجّها عام 1416هـ، فقد أُصيبت قبل الحج بمرض في الرُّكَبِ، واحتكاكٍ في عظام الرُّكب، وكانت تتلقّى العلاج الطبيعي في المستشفى العسكري،واستمرّ معها الاحتكاك حتى نهاية الحج،وفي أيام التشريق كانت تنزل مع درج جمرة العقبة ترمي الجمار،ثم تُجهد نفسها مع الوالد علي بن وهف رحمهما الله في صعود هذا الدرج العالي، ولم تنتهِ أيام التشريق إلا وقد شُفيت تماماً من هذا الاحتكاك في الرُّكب إلى أن تُوفيّت رحمها الله تعالى، فقد أعطاها الله العافية في رُكَبها مدّةَ اثنتي عشرة سنة حتى تُوفيّت، وهذا ببركة الطاعة لله تعالى، وقبل ذلك بفضل الله . حيث كان هذا الصعود لهذا الدرج العالي من أسباب شفائها العاجل الدائم.

 * الرابع عشر: عُمَرُها:

 اعتمرت كثيراً رحمها الله تعالى، ومن هذه العمر أربع عُمَرٍ مع حجاتها الأربع، وكانت تعتمر كثيراً، ولكن الذي أذكر من عمرها أنها كانت تعتمر كلَّ رمضان لمدة سِتٍّ وعشرين سنة مع محارمها، من عام 1400هـ إلى رمضان عام 1426هـ.

ثم بدأ معها المرض في بداية عام 1427هـ، فلم تعتمر بعد ذلك. وكانت تعتمر في الإجازات: إجازات الربيع والصيف، لكني لا أدري كم عددها، تقبَّل الله منها، ولا تسافر رحمها الله إلا مع محرم للحج والعمرة أو غيرها، وكانت تنهى النساء عن السفر بدون محرم رحمها الله تعالى.

 * الخامس عشر: صدقاتها، وكرمها:

كانت رحمها الله كريمةً كرماً ظاهراً، لا تكنز ككنز العجائز، فقد تصدّقت بكلّ ما تملك في حال صحتها ولله الحمد، وأرجو الله أن تدخل في قول النبي   حينما ســُــئل:أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: ((أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تُمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلانٍ كذا، ولفلانٍ كذا، وقد كان لفلان)) متفق على صحته، ومن ذلك ما يأتي:

1- قد يسّر الله تعالى لذرّية الوالد علي بن وهف رحمه الله أن يتنازلوا عن إرثهم منه، ويتصدّقوا به في بناء مسجدٍ على نيةِ والدهم رحمه الله تعالى في المنطقة الجنوبية في مركز طريب - مخطط الدخل المحدود- بجوار المحكمة العامة هناك، جزاهم الله خيراً، وأصلحهم، وعندما علِمَت الوالدة بذلك كانت تشارك في هذا المسجد، فمرةً تعطي ألفي ريال، وتقول للمشرف على البناء من محارمها: خذ هذا مكان مصلٍّ، ومرة تقول: خذ هذا مكان مصلٍ أو مُصَلِّيين صدقة عن أمّي، ومرةً صدقة عن أبي، ومرةً صدقة عن نفسها، حتى كان جميع ما شاركت به في هذا المسجد أربعين ألف ريال، من آخرها جميع المكيّفات للتبريد من صدقاتها إلا قليلاً، وكانت تأمر من يأخذ المشاركة منها بعدم الإخبار ، ولم يخبر المشرف على بناء هذا المسجد بما فعلت إلا بعد موتها رحمها الله، وتقَبَّل منها، وعفا عن المشرف بإخباره عن هذا السرِّ بعد موتها.

2-قبل موتها رحمها الله تعالى بسنة تقريباً جمعت ما عندها من ذهب ونقود، وكان ذلك بعد رمضان عام 1427هـ، وسلَّمت هذا المبلغ لبعض أولادها، فكان جميع ثمن الذهب وما معه: ستة عشر ألفاً وخمسمائة ريال 16500، وقالت: تصدّق به حيث شئتَ؛ لأنها تعلم رحمها الله أن أولادها كلهم أغنياء، وليسوا بحاجة إلى شيء من المال، فجعل ولدها بأمرها هذا المال مشاركةً في مسجد عبد الرحمن بن عوف في المنطقة الجنوبية في مخطط الدخل المحدود في طريب على بُعد خمسمائة متر شمالاً من مسجد علي بن وهف رحمه الله المذكور آنفاً، واستلمه المقاول في يوم 25/10/1427هـ، وكانت تقول لمن تعطيه الصَّدَقَةَ من أولادها: لا تخبر أحداً بهذا، ولكنه جزاه الله خيراً حفظ سرّها حتى ماتت، وأُمنت فتنة الرياء في حقها رحمها الله تعالى، وعفا عن ولدها، فقد أخبر بسرّها بعد موتها رجاء نشر محاسنها؛ للدعاء لها؛ وللاقتداء بها في النفقة، والكرم، والرغبة فيما عند الله تعالى والدار الآخرة.

وكانت لا دخلَ لها، ولا مرتَّب، إلا ما يـُهدَى لها من أولادها، فقد كانوا بارِّين بها جزاهم الله خيراً، وكانت تتصدَّق بكل ما يأتيها رغبةً فيما عند الله تعالى، حتى الشؤون الاجتماعية وافقت بعض أولادها على إيقافه؛ لأنه كان من الزكاة، كما أخبر بذلك وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية، فقال: ((ما يُصرف من الشؤون الاجتماعية للمحتاجين سنوياً هو من الزكاة))، فعند ذلك أوقفت هذا الدخل، وأغناها الله عنه، والحمد لله .

3- لم تترك شيئاً من مالها بعد موتها، وإنما تصدّقتْ به كله، ولم نجد ريالاً واحداً، ولا قرشاً بعدها، وهذا خلاف ما عليه العجائز الكبيرات في الغالب، وحُبّهن للكنز، حتى أن بعض العجائز توجد المبالغ الكبيرة تحت مخداتِـهِنَّ عند موتهن، ولم يكن شيء من ذلك للوالدة رحمها الله تعالى.

4- ومن كرمها وجودها رحمها الله:أنها كانت تُعِينُ أولادها على الزواج بما تملك،فأعانت أولادها الأربعة،وكل واحد تعطيه وقت زواجه ما تملك من مال،وكانت تعدل بينهم رحمها الله تعالى.

5- في سنةٍ من السنين احتاج بعض الناس العاملين في المملكة من خارجها، لمبلغٍ من المال، ولم يجد من يُقرضه، وكان بحاجة شديدة جداً، فبلغها ذلك، فأرسلت أحد أولادها بمبلغ خمسمائة (500) ريال، وقالت: أعطه هذا المبلغ صدقةً، ولا تخبر أحداً.

6- أخبرني ابن أخيها:محمد بن علي بن سعيد بن جازعة: أنها سافرت معه من الرياض إلى المنطقة الجنوبية،فكانت تُلْزِمه في الطريق بأن تدفع هي ثمن البنزين عند المحطات، فتعطيه ابن أخيها المذكور ليدفعه عنها لصاحب المحطة، وكذلك كانت تقوم بإعطاء ثمن بعض ما يحتاجونه في الطريق،من باب المشاركة في نفقة السفر،رحمها الله تعالى.

7- كانت تكرم نساء أولادها عندما تضع الواحدة مِنْهُنَّ، فتقدِّم لها خدمةً خاصةً من صنع الأطعمة المناسبة لهُنَّ، وتُقدِّم لهُنَّ الهدايا الخاصة، ولأولادهِنَّ الصغار، وأذكر أنها هي القابلة للابن عبد الرحمن بن سعيد: ابن ابنها عند وِلاَدته في البيت رحمه الله في 27/11/ 1403هـ، فقامت بما تحتاجه المرأة عند وِلاَدَتِها ، فقطعت سرّه، وربطته، وعملت الإسعافات الأوَّلية التي تحتاجها المرأة، والطفل المولود الجديد.

ثم تكرَّرَ هذا لها مع الابن عبد الرحيم بن سعيد رحمه الله عام 1410هـ، وفعلت معه ومع أُمِّه ما فعلته عند وِلادة شقيقه عبد الرحمن، رحم الله الجميع.

 * السادس عشر:أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر:

كانت الوالدة رحمها الله تعالى تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولا تسكت عن منكر محرم إلا نهت عنه، وكانت تستخدم حكمة القوة بالقول مع غير أولادها، أما مع أولادها فبالقول والفعل، وأذكر من ذلك ما يأتي:

1- كانت تقول لأولادها في الصغر: اتقوا الله، الذي لا يصلي ويموت على ذلك يُدخله الله النار، أو كما قالت رحمها الله.

2- وكان معها عصا صغيرة حينما كان أولادها صغاراً، وفي رأس هذه العصا سيرٌ ملفوف مربوط برأس العصا، يسمونها ((العَرَقَة))، تضرب بها أولادها عندما يحتاجون إلى تأديب.

3- وأذكر أنها كانت توقظ أولادها الصغار لصلاة الفجر قبل بلوغهم، وبعده كذلك، وإذا تأخروا عن الاستيقاظ تأتي إليهم المرة الثانية بماءٍ باردٍ في إناء، ثم تدفق هذا الماء البارد على وجوههم بقوة، فما يكون من أحدهم إلا أن يقوم فوراً فزعاً خائفاً مما حصل له، ثم يتوضأ ويذهب إلى المسجد بعد هذا الأدب القوي الحكيم، وكانت قوية في شخصيتها، فلا يستطيع أحد من أولادها أن يراجعها، أو يتردَّدَ في امتثال أمرها؛ لقوتها في الحق، وشجاعتها رحمها الله.

4- كانت تأمر بعض محارمها بإعفاء اللحية، وتقبِّح وتنفِّر من حلقها، ومن إسبال الثياب، وتقول: ((لا تتشبهوا بالنساء، اتقوا الله، هذا حرام لا يجوز)).

وأذكر أنها هجرت بعض محارمها مرّات حينما لم يمتثل لذلك، ولكن قد رأت رحمها الله أن تتراجع عن هجرها حينما رأت أن الأصلح عدم الهجر إلا عند المصلحة الراجحة.

5- كانت في أول الأمر لا تدخل بيت بعض محارمها إذا أدخل التلفاز في بيته؛لأنها شاهدت بعض البرامج التي لا تليق،وأقسمت بالله أن لا تدخل البيت الذي فيه تلفاز [أي من بيوت بعض محارمها المقرَّبين]،ولكن عندما اختلط الأمر،وعمَّ كل بيت إلا القليل،كفَّرتْ عن يمينها، ولازمت النصح مع كراهتها لذلك،رحمها الله تعالى.

6- أخبرني الأخ الشقيق الدكتور أبو عبدالعزيز سعد أنها اتصلت به وهو مبتعث إلى أمريكا، والوالدة في المملكة العربية السعودية، وقال: ونصحتنا، وحذَّرتنا من الاختلاط بالنساء، وقد كان أولادي معي وزوجتي، والحمد لله، وكان معنا الدكتور سعد بن هادي بن مرعي

آل حشاش،آل سلطان،آل سليمان؛ ولكن لحرص الوالدة على نصيحتنا وتحذيرنا، غفر الله لها.

7- كانت مرة في المستشفى قبل موتها بشهر أو شهرين، جاء إليها أحد أقاربها المحارم، وكان ابن أختها، وكان له لحية جميلة قد أعفاها، وكان بعض محارمها جالساً، ومنهم من قد قصَّر من لحيته، فتناولت لحية ابن أختها بيدها، وقبَضَتْها، وقبَّلتها من باب الدعوة للحاضرين، وأشارت إليه بيدها، وكأنها تقول: اقتدوا به.

وفعلتها مرة أخرى وهي على السرير أيضاً في المستشفى مع ابنها حسين،وكان ذا لحية طويلة جميلة، فقبّلتها، وكأني فهمت منها أنها تدعو الحاضرين من محارمها للاقتداء به، رحمها الله تعالى.

8- أذكر في الصغر أن بعض محارمها تخاصموا على قطعة أرض، وعلى حدود زراعية بينهم، فنصحتهم وقالت: تموتون ويبقى التراب، لا تختصموا وأنتم تموتون وتتركون التراب، وفعلاً ماتوا كلهم قبلها، وبقي التراب مهجوراً، رحم الله الجميع.

9- بعد أن كبر أولادها، وتزوَّجوا كانت تتصل ببعضهم إذا أذن المؤذن لصلاة الفجر، وتقول: ((صلّوا))، وإذا لم يردُّوا عليها أبلغت أهاليهم، وقالت: أيقظوا فلاناً لصلاة الصبح لا تفوته الصلاة، وهذا من حرصها على أولادها حتى وهم كبار، رحمة الله عليها.

وقد أخبرني ابن أخيها: حسين بن علي بن سعيد بن جازعة، فقال: تزوج فلان من أولاد عمتي نشطا، وسافر بزوجته إلى مدينة الرياض، وبقيت عمتي عند أهلها في المنطقة الجنوبية، فكانت تتصل بابنها المتزوج وقت صلاة الفجر من بلادها في العرين في المنطقة الجنوبية، وتقول: صلُّوا، لا تفوتكم الصلاة مع الجماعة، وهذا من حرصها على أولادها حتى ولو كانوا في بلاد غير بلادها، رحمها الله تعالى.

10- شاركت في دورة لتغسيل الأموات مرَّاتٍ عديدةً في مغسلة الأموات بجامع الراجحي بالربوة بمدينة الرياض، وآخر دورة شاركت فيها عام 1425هـ، أو عام 1426هـ بعد أن تجاوز عمرها ثمانين سنة.

ومن المناسبات العجيبة أن بعض النساء اللواتي اشتركن معها في الدورة،وبعض من كان يغسّل معها من المدرّبات غسّلنها بعد موتها في مغسلة الراجحي نفسها،وترحَّمنَ عليها ودعونَ لها.

11- كانت حريصة على أهل بيت أولادها، وخاصة في غيابهم، فكانت تراقب سير الأولاد، وتأمرهم بالصلاة، وبعد صلاة العشاء تتفقّد الأبواب،فتغلق المفتوح منها،وبعد نوم أهل البيت كذلك تنظر في صنابير المياه،وتُغلق ما لم يُغلق منها، وتنظر للأنوار الكهربائية فتطفئ ما لا حاجة له، وتحذِّر من التبذير والإسراف، رحمها الله تعالى.

 * السابع عشر: برُّها بأمها وأبيها رحمهم الله تعالى:

 كانت بارةً بأمها، وأبيها، وقد أُصيبت أمُّها بمرضٍ أقعدها في حدود عام 1412هـ، فذهبت إلى أمها ولازمتها، وكانت هي الخادمة لأمها في جميع ما تحتاجه، وكان والدها بجوارها في المنزل، فكانت تخدم الجميع: أمها، وأباها، وبقيت على هذه الحال حتى سقطت من مكانٍ عالٍ عام 1414هـ، فانكسرت فخذها، وبعد أن تعالجت وجبرت رجعت إلى خدمة أمها حتى ماتت أمها، رحمة الله على الجميع.

وكان برُّها موصولاً لأقاربها،فقد مرضت أختها أم مهدي بن عبد الله بن حضرم،وأم سعيد بن عبدالله بن حضرم، وأُقعدت، فلازمتها الوالدة حتى ماتت أم مهدي، رحمهما الله جميعاً.

 * الثامن عشر: ذريتها:

لها من الأولاد الذكور أربعة، هم: سعيد أبو عبد الرحمن؛ كاتب هذه الأسطر، وحسين أبو علي، وسعد أبو عبد العزيز، وهادي أبو سعد، وليس لها بنات، وقد كانت ترغب في أن يكون لها بنات، وتتمنَّى ذلك، ولكن قدر الله، وما شاء فعل.

وعدد أحفادها الموجودين الآن إلى 4/ 9/ 1428هـ (57) سبعة وخمسون،فأصبح مجموع ذريتها قبل موتها (61) واحداً وستين،أصلحهم الله تعالى،وغفر للميت منهم( ).

 * التاسع عشر: مرضها العظيم:

 قد عافى الله تعالى الوالدة من الأمراض الخطيرة مدة إحدى وثمانين سنة، ولله الحمد، وفي أواخر شهر ذي الحجة عام 1426هـ أصابها مرض عظيم قوي خطير في ظهرها، ثم انتقل المرض بإذن الله تعالى إلى كبدها وباطنيّتها، وكان المرض قوياً شديداً خطيراً، فاحتسبت وصبرت كثيراً.

وانتقلت مرة إلى ابنها حسين بالمنطقة الجنوبية، فاشتدَّ مرضُها، وطلبنا منها الموافقة على نقلها إلى الرياض، فأبدت رغبتها في البقاء هناك، إلا أنها قالت: عندكم في الرياض مسجد الراجحي؟ فوافقت على نقلها إلى الرياض من أجل إذا ماتت أن يُـصلّى عليها في مسجد الراجحي؛ لأنها تعلم رحمها الله تعالى كثرة المصلين في هذا الجامع على الجنائز، فأُدخلت مدينة الملك فهد الطبية بالرياض في بداية شعبان عام 1427هـ، وكانت تقول في مرضها: ((الله يحسن الخاتمة))، وتكرَّر ذلك كثيراً، وأحياناً تقول: ((يا الله بالذي فيه الخير ))! وكأنها تريد بقولها هذا قول النبي : ((اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْـحَيَاةُ خَيْرًا لي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي)) ( ).

وكانت إذا اشتدَّ عليها المرض فبلغ منتهاه في الألَمِ تقول: ((الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله... )) ولا نُحصِي تكرار حمدها لله، فذكَّرتْني بحمدها المتكرِّر لله بقول النبي : ((...إِنَّ الْـمُؤْمِنَ بِكُلِّ خَيْرٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ، إِنَّ نَفْسَهُ تَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ جَنْبَيْهِ وَهُوَ يَحْمَدُ الله ))( ).

وذكَّرتني أيضاً بقول النبي   فيما يرويه عن ربه قال: ((قَالَ الله : إِنَّ الْـمُؤْمِنَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ كُلِّ خَيْرٍ يَحْمَدُنِي وَأَنَا أَنْزِعُ نَفْسَهُ مِنْ بَيْنِ جَنْبَيْهِ ))( ). ومعنى قوله : ((بمنزلة كل خير)): أي: في منزلةٍ يستحقُّ فيها كلَّ خير.

وكُنَّا إذا سألناها عن حالها وهي على سريرها في المستشفى في أشدِّ المرض، فقلنا: كيف حالك يا أمي؟ فتقول: ((الحمد لله)).

والله أسأل أن يجعل لها أوفر الحظِّ والنّصيب من قول النبي : ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة: في نفسه، وماله، وولده حتى يلقَى الله وما عليه خطيئة ))( ).

وخرجت أياماً من المستشفى في عام 1427هـ بعد رمضان، وفي 1/1/1428هـ كلَّفت على نفسها، فصامت سبعة وعشرين يوماً قضاءً لرمضان عام 1427هـ، وكنا نقول لها: الصيام يشقُّ عليك وأنتِ معذورة لا حرج عليك، فتقول: لا، الصيام سهل عليَّ، ولا تحرموني من قضاء الدين: تعني رحمها الله قضاء دين رمضان.

ويُرجى لها الخير، فقد كان آخر عمرها معموراً بالعبادات، ومن أعظمها توفيق الله لها بدراسة القرآن، وحفظ ثمانية أجزاء، وأعمالها الصالحة، في آخر حياتها، غفر الله لها ورحمها.

وأسأل الله العظيم أن يجعل لها أوفر الحظِّ والنّصيب من قول النبي : ((إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله) فقيل: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: ((يوفِّقَه لِعَمَلٍ صالحٍ قبل الموت ))( ).

 * العشرون: اشتدّ مرضـُها،

 وأُدخلت المستشفى في الشهر الرابع: ربيع الثاني من عام 1428هـ تقريباً، وبقيت فيه، وكان بعض أولادها يلقّنها: لا إله إلا الله، فكانت تقولها ولله الحمد، وآخر ما فُهِم من كلامها قبل موتها: ((لا إله إلا الله))، ثم أُغمي عليها بعد ذلك لمدة ثلاثة أيام تقريباً، وفي يوم الجمعة بعد صلاة العصر في الساعة الخامسة وأربعين دقيقة (5.40) ، وقبل صلاة المغرب بخمسين دقيقة الموافق 27/7/1428هـ خرجت روحها عن ثلاث وثمانين سنة تقريباً، رحمها الله تعالى وغفر لها، وأسكنها فسيح الجنّات في الفردوس الأعلى؛إنه تعالى على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.

واللهَ أسأل أن يحقق لها ما جاء في الحديث: ((ما من مسلم يموت يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر ))( ).

وقد ماتت رحمها الله  بالمرض القوي العظيم الشديد، الخطير، الذي بدأ  بظهرها، وانتقل إلى كبدها وباطنيَّتها، والله أسأل أن يجعلها شهيدة، وأن يجعلَ لها أوفر الحظِّ والنّصيب من قول النبي :((والمبطون شهيد)) ( ).

والمبطون: هو الذي يموت من علّة البطن... وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقاً.

وغُسِّلت في مغسلة جامع الراجحي،ثم صـُـلِّيَ عليها في جامع الراجحي بالربوة الذي كانت تتمناه في يوم السبت الموافق 28/7/1428هـ بعد صلاة الظهر،ثم دفنت بمقبرة النسيم بجوار حفيديها: عبد الرحمن، وعبد الرحيم،رحمة الله على الجميع.

وقد تُوفيّت رحمها الله تعالى في مدينة الرياض، وكان مولدها في ضواحي العرين، وبين مكان مولدها ومكان موتها ما يقارب ألف كيلو.

فأسأل الله تعالى أن يحقِّق لها  ما ثبت من قول النبي في حديث عَبْدِالله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ بِالْـمَدِينَةِ مِمَّنْ وُلِدَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ الله   ثُمَّ قَال: « يَا لَيْتَهُ مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ». قَالُـوا وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: « إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ في الْـجَنَّةِ »( ).

ومعنى قوله :((قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْـجَنَّةِ)): أيْ إِلَى مَوْضِع قَطْع أَجَله، فَالْـمُـرَاد بِالْأَثَرِ الْأَجَل؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْعُمُـرَ. [والمعنى: أنه يُقاس له في الجنة، فيعطى منها بمقدار المسافة ما بين مكان مولده، ومكان موته، والله تعالى أعلم].

 * الحادي والعشرون: بعد موتها أثنى عليها كثير ممن يعرفها: ذكوراً وإناثاً.

والله أسأل أن يجعل لها أوفر الحظَّ والنّصيب من قول النبي : ((أيّما مسلم شَهِدَ له أربعةٌ بخيرٍ أدخله الله الجنة ))، قال الصحابة : قلنا: وثلاثة؟ قال : ((وثلاثة) قلنا: واثنان؟ قال: ((واثنان ))، ثم لم نسأله عن الواحد( ).

كما أسأله تعالى أن يجعل لها أوفر الحظَّ والنّصيب من قول النبي : ((إذا أراد الله بعبدٍ خيراً عَسَلَه)) قالوا: وكيف يعسله؟ قال: ((يفتح الله له عملاً صالحاً بين يدي موته حتى يرضى عنه جيرانه أو من حوله ))( ).

والله أسأل أن يعيذها من النار، وأن يغفر لها، وأن يرفع منزلتها، وأن يجعلها شهيدة، وأن يسكنها الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يجزيها عنَّا خير ما جزى والدة عن أولادها، وأن يجمعنا بها في أعلى جنات النعيم في أعلى الفردوس الأعلى، وأن يصلح ذرّيتها، وأن يجعلهم هداةً مُهتدين، غير ضالين ولا مُضلين، وأن يمنَّ عليهم ببرِّها، والإحسان إليها، والاستغفار لها، والصدقة عنها، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بها؛ إنه تعالى جواد كريم، وهو خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.