الجامع الفريد للأسئلة والأجوبة على كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد
التصنيفات
الوصف المفصل
- الجامع الفريد للأسئلة والأجوبة على
كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد
- مقدمة
- 1- كتاب التوحيد
- 2- باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
- 3- باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
- 4- باب الخوف من الشرك
- 5- باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
- 6- باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله
- 7- باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
- 8- باب ما جاء في الرقى والتمائم
- 9- باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما كبقعة أو قبر فهو مشرك
- 10- باب ما جاء في الذبح لغير الله من الوعيد وأنه شرك
- 11- باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله
- 12- باب من الشرك النذر لغير الله
- 13- باب من الشرك الاستعاذة بغير الله
- 14- باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره
- 15- باب قوله الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ* وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ{([33])
- 16- باب قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{([37])
- 17- باب الشفاعة
- 18- باب قول الله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ{([46])
- 19- باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
- 20- باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟
- 21- باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله
- 22- باب ما جاء في حماية المصطفى ﷺ جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك
- 23- باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان
- 24- باب ما جاء في السحر أي من الوعيد فيه والتحذير منه
- 25- باب بيان شيء من أنواع السحر
- 26- باب ما جاء في الكهان ونحوهم
- 27- باب ما جاء في النشرة
- 28- «باب ما جاء في التطير» أي من النهي عنه والوعيد فيه
- 29- باب ما جاء في التنجيم
- 30- باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء أي من الوعيد
- 31- باب قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ{([69])
- 32- باب قول الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{([72])
- 33- باب قول الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ{([75])
- 34- باب قول الله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{([80])
- 35- باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله
- 36- باب ما جاء في الرياء أي من النهي عنه والتحذير منه
- 37- باب من الشرك إرادة الإنسان بعلمه الدنيا
- 38- باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابًا من دون الله
- 39- باب قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا{([87])
- 40- باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات
- 41- باب قول الله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ{([92])
- 42- باب قول الله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ{([93])
- 43- باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله
- 44- باب قول ما شاء الله وشئت
- 45- باب من سب الدهر فقد آذى الله
- 46- باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه
- 47- باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك
- 48- باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول «أي فهو كافر»
- 49- باب قول الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي{([97])
- 50- باب قول الله تعالى: }فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ{([99])
- 51- باب قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{([101])
- 52- باب لا يقال السلام على الله من عباده
- 53- باب قول اللهم اغفر لي إن شئت
- 54- باب لا يقول عبدي وأمتي
- 55- باب لا يرد من سأل بالله
- 56- باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة
- 57- باب ما جاء في لو
- 58- باب النهي عن سب الريح
- 59- باب قول الله تعالى: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ{([109])، وقوله: }الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ{([110])
- 60- باب ما جاء في منكري القدر: «أي من الوعيد الشديد»
- 61- باب ما جاء في المصورين «أي من الوعيد وعظيم عقوبة الله لهم وعذابه»
- 62- باب ما جاء في كثرة الحلف أي من النهي عنه والوعيد والذم لمن كان كذلك
- 63- «باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه» أي مع الدليل على وجوب الوفاء بها وإتمامها إذا أعطيت أحدًا والذمة العهد
- 64- باب ما جاء في الإقسام على الله
- 65- باب لا يستشفع بالله على خلقه
- 66- باب ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك
- 67- باب ما جاء في قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{([115])
الجامع الفريد للأسئلة والأجوبة على كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد
تأليف
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي خلقنا لعبادته وأمرنا بتوحيده وطاعته وأنزل بذلك كتبه وأرسل به رسله مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وقيوم السموات والأرضين الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه الذي أرسله الله رحمة للعالمين، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أرسله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا فبلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا وحتى أتاه اليقين من ربه وقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد الذي ألفه الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي المولود عام 1115هـ والمتوفى عام 1206هـ رحمه الله تعالى. ألفه لما رأى حالة الناس وما هم عليه من الشرك وعبادة غير الله ودعوة غيره والذبح لغيره وصرف أنواع العبادة لغير الله فرأى من واجبه الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله فجاهد في الله حق جهاده وألف عدة مؤلفات قيمة ومن أهمها هذا الكتاب القيم الذي هو من أهم الكتب المصنفة في التوحيد وهو مستفاد من كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ فأقام الله هذا الإمام في أهل نجد مقام نبي وأيده بالأمراء العادلين والأئمة المهديين من آل سعود وعلى رأسهم الإمام محمد بن سعود رحمه الله فصار يجاهد ويناضل # ويدعو إلى الله ليلاً ونهارًا وسرًا وجهرًا فهدى الله -وله الحمد والشكر والثناء- أهل نجد وغيرهم على يديه وأخرجهم الله به من ظلمات الشرك والكفر والجهل إلى نور التوحيد والإيمان والعلم فنال بذلك مثل ثواب هذه الأمة إلى قيام الساعة كما قال ﷺ: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا» رواه مسلم وغيره.
وسار على نهج الإمامين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود أولادهما وأحفادهما وتلاميذهما إلى يومنا هذا فلله الحمد والشكر والثناء ونسأله تعالى أن يديم على هذه الدولة نعمة الإسلام والصحة في الأبدان والأمن والاستقرار في الأوطان وتحكيم شريعة الله التي هي أساس عزها ونصرها إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبعد فلقد منّ الله عليّ بدراسة كتاب التوحيد الآنف الذكر حينما كنت طالبًا في المعهد العلمي فوجدت في دراسته لذة الإيمان وحلاوته وصفاء العقيدة الخالية من الشوائب. فلما تخرجت وكنت مدرسًا أحببت أن أضع عليه شرحًا متوسطًا جامعًا ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل. وقد تضمن ما يلي:
1- بيان معاني مفردات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
2- الشرح الإجمالي لكل منها.
3- ما يستفاد منه.
4- بيان المناسبة والشاهد من الحديث للباب أو لكتاب التوحيد.
5- مناسبة الأبواب لكتاب التوحيد.
6- بيان مراد المؤلف من هذه الأبواب.#
وهو مستفاد من كتب التفسير والحديث ومؤلفات ابن القيم وشروح كتاب التوحيد التي سوف تذكر في آخر الكتاب.
وجعلته على طريقة السؤال والجواب ليكون أوقع في النفس وأبلغ في فهم المتعلم، وليكون واضحًا جليًا لكل أحد، يستفيد منه الطالب المبتدئ ولا يستغني عنه الراغب المنتهي فهو يتناسب مع الطالب والمدرس والعالم والمتعلم وغيرهم وسميته "الجامع الفريد للأسئلة والأجوبة على كتاب التوحيد" وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفع به كاتبه وقارئه وسامعه كما نفع بأصله وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه وصلوات الله وسلامه على خير خلقه وأنبيائه نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
***#
1- كتاب التوحيد
س: ما موضوع كتاب التوحيد؟
جـ: بيان ما بعث الله به رسله من توحيد الألوهية والعبادة بالأدلة من الكتاب والسنة وذكر ما ينافيه من الشرك الأكبر أو ينافي كماله الواجب من الشرك الأصغر ونحوه وما يقرب إلى ذلك أو يوصل إليه.
س: عرف التوحيد واذكر أنواعه مع التعريف لكل نوع وبيان الذي أقر به المشركون والذي حجدوه؟
جـ: التوحيد هو إفراد الله سبحانه بالعبادة وأنواعه ثلاثة:
الأول: توحيد الربوبية وهو العلم والاعتقاد بأن الله هو المتفرد بالخلق والرزق والتدبير وهذا النوع قد أقر به المشركون ولم يدخلهم في الإسلام والدليل قوله تعالى: }وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ{([1]).
الثاني: توحيد الأسماء والصفات وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه في كتابه أو وصفه به رسوله ﷺ على الوجه اللائق بعظمته وجلاله وهذا النوع قد أقر به بعض المشركين وأنكره بعضهم جهلاً أو عنادًا.
الثالث: توحيد الألوهية وهو إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له بجميع أنواع العبادة كالمحبة والخوف والرجاء والتوكل والدعاء وغير ذلك من أنواع العبادة.
وهذا النوع الذي أنكره المشركون وعليه مدار البحث في هذا الكتاب.
س: كم أركان توحيد الألوهية وما هي؟#
جـ: اثنان الصدق والإخلاص.
س: ما الحكمة في خلق الجن والإنس وما الدليل؟
جـ: هي عبادة الله وحده لا شريك له والدليل قوله تعالى: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{([2]).
س: ما معنى هذه الآية؟
جـ: أخبر الله تعالى أنه ما أوجد الجن والإنس إلا لعبادته، وعبادته طاعته بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى.
س: ما هي العبادة لغة وشرعًا؟
جـ: العبادة لغة التذليل والخضوع، وشرعًا اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
س: ما الحكمة في إرسال الرسل وما الدليل؟
جـ: هي دعوة أممهم إلى عبادة الله وحده والنهي عن عبادة ما سواه والدليل قوله تعالى: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ{([3]).
س: بين معاني الكلمات الآتية: بعثنا، أمة، رسولاً، اعبدوا الله، اجتنبوا، الطاغوت، ثم اشرح الآية واذكر ما يستفاد منها؟
جـ: بعثنا: أوجدنا وأرسلنا، أمة: جماعة من الناس، رسولاً: الرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، اعبدوا الله: وحدوا الله، اجتنبوا: ابتعدوا، الطاغوت: لغة مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد وشرعًا كل ما# تجاوز به العبد حده مع معبود أو متبوع أو مطاع.
شرح الآية: أخبر الله تعالى أنه أرسل في كل طائفة من الناس رسولاً يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة ما سواه.
ويستفاد منها:
1- أن الرسالة عمت كل أمة.
2- أن دين الأنبياء واحد وهو التوحيد.
3- أن عبادة الله لا تصح إلا بالكفر بالطاغوت.
قال تعالى: }وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا{([4]).
س: اشرح هذه الآية وما هو الإحسان إلى الوالدين، ولماذا قرن الله الإحسان إليهما بعبادته؟
جـ: أخبر الله تعالى أنه قضى أي أمر وأوصى بعبادته وحده دون سواه وأمر وأوصى بالإحسان إلى الوالدين كما أمر بعبادته وحده لا شريك له.
والإحسان إلى الوالدين: برهما وطاعتهما والتواضع لهما.
وقرن الله الإحسان إليهما بعبادته للتنبيه على فضلهما وتأكد حقهما وأنه أوجب الحقوق بعد حق الله تعالى.
س: اشرح قوله تعالى: }وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا{([5])؟
جـ: هذا أمر من الله لعباده بأن يفردوه بالعبادة ولا يشركوا به شيئًا في عبادته.#
س: اذكر مناسبة الآيات المذكورة في هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أنها تدل بأجمعها على وجوب إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة دون غيره. قال تعالى: }قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا{([6]).
س: وضح معاني الكلمات الآتية: تعالوا، أتل، ثم اشرح هذه الآية؟
جـ: تعالوا: هلموا وأقبلوا، أتل: أقرأ وأقص.
شرح الآية: يقول الله تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين عبدوا غير الله وحرموا ما رزقهم الله هلموا وأقبلوا أقص عليكم ما حرم ربكم عليكم، وأوصاكم بتركه وهو الشرك.
«قال ابن مسعود رضي الله عنه: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد ﷺ التي عليها خاتمة فليقرأ قوله تعالى }قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا{ إلى قوله: }وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا{» رواه الترمذي وحسنه.
س: ما معنى قول ابن مسعود هذا، واذكر مناسبته لكتاب التوحيد؟
جـ: معناه من أراد أن ينظر إلى الوصية التي كأنها كتبت وختم عليها، فلم تغير ولم تبدل –شبهها بالكتاب الذي كتب ثم ختم فلم يزد فيه ولم ينقص- فليقرأ هذه الآيات فإنها متضمنة لوصية محمد ﷺ فإنه لم يوص إلا بكتاب الله كما قال: «وإني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله» رواه مسلم.
ومناسبته لكتاب التوحيد: أنه أفاد أهمية هذه الأوامر المذكورة في الآيات وقد بدأت بالنهي عن الشرك المنافي للتوحيد. وأن النبي ﷺ لو أوصى بشيء لأوصى بها.#
«وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال كنت رديف النبي ﷺ على حمار فقال: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله. قلت الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا. قلت يا رسول الله أفلا أبشر الناس قال: لا تبشرهم فيتكلوا» متفق عليه.
س: ما الفرق بين حق الله على العباد وبين حق العباد على الله؟ وما هو الرديف؟ ولماذا أخرج السؤال بصيغة الاستفهام وكيف أخبر معاذ بذلك وقد نهاه النبي ﷺ ولماذا أمره النبي ﷺ بكتم ذلك العلم. ما الذي يفيده الحديث؟ واذكر مناسبته لكتاب التوحيد؟
جـ: حق الله على العباد حق وجوب وتحتم، وحق العباد على الله تفضل وإحسان، والرديف: الراكب خلف من يركب الدابة. وأخرج السؤال بصيغة الاستفهام ليكون أوقع في النفس وأبلغ في فهم المتعلم. وأخبر معاذ بذلك عند وفاته خوفًا من الإثم المترتب على كتمان العلم.
وأمر النبي ﷺ معاذًا بكتم ذلك العلم خوفًا من الاتكال على سعة رحمة الله وترك العمل، ويستفاد من الحديث:
1- تواضع النبي ﷺ لركوب الحمار مع الإرداف عليه.
2- جواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق ذلك.
3- استحباب بشارة المسلم بما يسره.
4- جواز كتمان العلم للمصلحة.
5- فضل معاذ بن جبل رضي الله عنه.
ومناسبة الحديث لكتاب التوحيد: أنه دل على أن حق الله على العباد هو عبادته وحده لا شريك له وذلك هو التوحيد. والله أعلم.#
2- باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
س: اذكر مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: لما ذكر المؤلف رحمه الله في الباب الأول وجوب التوحيد ذكر هنا فضله وأنه يكفر الذنوب.
س: اذكر شيئًا من فضائل التوحيد؟
جـ: من فضائله:
1- أنه يمنع الخلود في النار إذا كان في القلب منه شيء، وأنه إذا كمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية.
2- أن جميع الأعمال والأقوال متوقفة في قبولها وفي كمالها وفي ترتيب الثواب عليها على التوحيد.
3- أن الله تكفل لأهله بالفتح والنصر في الدنيا والعز والشرف وحصول الهداية وإصلاح الأحوال.
4- أن الله يدفع عن الموحدين أهل الإيمان شرور الدنيا والآخرة ويمن عليهم بالحياة الطيبة.
قال تعالى: }الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ{([7]).
س: بين معاني الكلمات الآتية: آمنوا، يلبسوا، إيمانهم، بظلم، ثم اشرح الآية وبين مناسبتها للباب؟
جـ: آمنوا: وحدوا وصدقوا، يلبسوا: يخلطوا، إيمانهم: توحيدهم، بظلم: بشرك.
شرح الآية: يقول الله تعالى هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده ولم يشركوا به شيئًا هم الآمنون يوم القيامة المهتدون في الدنيا والآخرة.
ومناسبتها للباب: أن من مات على التوحيد ولم يصر على الكبائر فله الأمن من العذاب في الآخرة وهذا من فضل التوحيد.
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبده ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل» أخرجاه ولهما في حديث عتبان فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله.
س: اشرح قوله ﷺ من شهد أن لا إله إلا الله، وماذا يدل عليه لفظ شهد وما معنى لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهل ينفع مجرد النطق بها من غير معرفة لمعناها وعمل بمقتضاها؟
جـ: أي من تكلم بهذه الكلمة عارفًا عاملاً بمقتضاها باطنًا وظاهرًا، ويدل لفظ شهد على أن الشهادة لا تصح إلا عن علم ويقين وإخلاص وصدق، ومعنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله «وحده» تأكيد للإثبات «لا شريك له» تأكيد للنفي وأما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل لله فغير نافع.
س: ما معنى قوله وأن محمدًا عبده ورسوله؟ وما الذي تقتضيه هذه الشهادة؟#
جـ: أي وشهد أن محمدًا عبده ورسوله وتقتضي هذه الشهادة الإيمان به وتصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر وأنه ﷺ عبد لا يعبد ورسول لا يكذب بل يطاع ويتبع.
س: ما معنى قوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وعلى من يرد به، وما معنى قوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ولماذا سمي عيسى كلمة الله؟
جـ: أي وشهد أن عيسى عبد الله ورسوله ويرد به على النصارى الذين يعتقدون أن عيسى هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، ويرد به أيضًا على اليهود الذين يقولون أن عيسى ولد بغي لعنهم الله تعالى، فلا يصح إسلام عبد علم ما كانوا يقولونه حتى يتبرأ من قول الطائفتين جميعًا في عيسى عليه السلام.
وسمي عيسى كلمة الله لوجوده بقوله تعالى كن فكان.
ومعنى قوله ألقاها إلى مريم خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل إلى مريم فنفخ فيها من روحه بأمر ربه عز وجل. ومعنى قوله وروح منه أي روح من الأرواح التي خلقها الله تعالى.
س: ما معنى قوله والجنة حق والنار حق؟
جـ: المعنى وشهد أن الجنة التي أخبر الله تعالى في كتابه أنه أعدها للمتقين حق أي ثابتة لا شك فيها، وشهد أن النار التي أخبر بها تعالى في كتابه أنه أعدها للكافرين حق أي ثابتة كذلك.
س: ما معنى قوله أدخله الله الجنة على ما كان من العمل؟
جـ: المعنى أن دخول الجنة لمن شهد بالخمس المذكورة في الحديث حق. على ما كان من العمل من صلاح وفساد لأن أهل التوحيد لابد لهم من دخول# الجنة ولكنهم يدخلونها على حسب أعمالهم فمنهم رفيع الدرجات ومنهم دون ذلك.
س: ما مناسبة حديث عبادة للباب؟
جـ: هي أن من شهد بهذه الخمس المذكورة في الحديث عن علم ويقين تكفر ذنوبه ويدخل الجنة وهذا من فضل التوحيد.
س: اشرح قوله ﷺ: «في حديث عتبان فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» وما الذي يفيده واذكر مناسبته للباب؟
جـ: أخبر ﷺ أن الله يمنع من دخول النار من قال هذه الكلمة يقصد بها وجه الله تعالى ومرضاته ويفيد الحديث فضل التوحيد وتكفيره للذنوب، ويفيد إثبات صفة الوجه لله كما يليق بجلاله وعظمته.
ومناسبته للباب: أن من وحد الله قولاً واعتقادًا وعملاً حرم الله عليه دخول النار وذلك من فضل التوحيد.
س: اذكر شروط لا إله إلا الله وبين أضدادها؟
جـ: شروط لا إله إلا الله سبعة:
1- العلم وضده الجهل.
2- اليقين وضده الشك.
3- الإخلاص وضده الشرك.
4- الصدق وضده الكذب.
المحبة وضدها الكراهية والبغض.#
5- الانقياد وضده الإعراض والترك.
6- القبول وضده الرد.
وقد جمعت في بيت وهو:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع | محبة وانقياد والقبول لها |
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال: «قال موسى يا رب علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به قال قل يا موسى لا إله إلا الله قال يا رب كل عبادك يقولون هذا قال يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن –غيري- والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله» رواه ابن حبان والحاكم وصححه.
س: ما معنى قول موسى عليه السلام يا رب علمني شيء أذكرك وأدعوك به، وما الذي يدل عليه قوله تعالى: «قل لا إله إلا الله» وما الذي يفيده قول موسى: كل عبادك يقولون هذا، وما معنى: عامرهن –غيري- مالت بهن. وما الذي يفيده هذا التمثيل: اذكر ما يؤخذ من الحديث وبين مناسبته للباب.
جـ: معنى قول موسى «أذكرك» أثني عليك به، و«أدعوك» أسألك به، ويدل قوله تعالى: قل لا إله إلا الله على عظم هذه الكلمة حيث خصها الله جوابًا لسؤاله وإنما اشتملت على نوعي الدعاء: دعاء العبادة ودعاء المسألة. ويفيد قول موسى كل عبادك يقولون هذا أنه عليه السلام أراد تخصيصه بشيء من الدعاء. ومعنى «عامرهن غيري» من فيهن من العمار غير الله تعالى. ومعنى مالت رجحت، ويفيد هذا التمثيل مبلغ منزلة هذه الكلمة عند الله وعظيم شأنها في تكفير الذنوب والآثام، ويؤخذ من الحديث:#
1- أن الأرضين سبع كالسماوات وأن لهن عمارًا.
2- الإيمان بالميزان وأن له كفتان.
ومناسبة الحديث للباب: أن من قال لا إله إلا الله عن صدق وإخلاص رجح ميزانه وحصل له الفوز والسعادة وهذا من فضل التوحيد.
وللترمذي وحسنه عن أنس سمعت رسول الله ﷺ يقول: «قال الله تعالى يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة».
س: اشرح هذا الحديث وما معنى قراب الأرض، وما المراد بالخطايا، اذكر شرط الوعد بالمغفرة، وما الذي يستفاد من هذا الحديث. واذكر مناسبته للباب؟
جـ: يقول الله تعالى في هذا الحديث القدسي مخاطبًا الإنسان إنك لو عملت ملء الأرض ذنوبًا وسيئات ثم لقيتني يوم القيامة وأنت موحد مخلص غير مشرك بي شيئًا لجازيتك بملء الأرض مغفرة، وقراب الأرض ملؤها أو ما قارب ملأها. والمراد بالخطايا: الذنوب والسيئات. وشرط الوعد بالمغفرة السلامة من الشرك قليله وكثيره، صغيره وكبيره. ويستفاد من هذا الحديث:
1- سعة فضل الله.
2- كثرة ثواب التوحيد عند الله وتكفيره للذنوب.
وهذه هي مناسبة الحديث للباب. والله أعلم.
***#
3- باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب
س: ما هو تحقيق التوحيد وما جزاء من حققه؟
جـ: تحقيقه تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي ومعرفته والاطلاع على حقيقته والقيام بها علمًا وعملاً وجزاء من حققه دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب.
قال تعالى: }إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{([8]).
س: اشرح هذه الآية مع بيان معنى أمة، قانتًا، حنيفًا، واذكر مناسبتها لهذا الباب؟
جـ: وصف الله إبراهيم الخليل عليه السلام بصفات هي الغاية في تحقيق التوحيد:
1- أنه كان أمة أي قدوة وإمامًا ومعلمًا للخير.
2- أنه كان قانتًا أي مداومًا على طاعة الله.
3- أنه كان حنيفًا أي مقبلاً على الله معرضًا عن كل ما سواه.
4- أنه ما كان من المشركين لا في القول ولا في العمل ولا في الاعتقاد لصحة إخلاصه وكمال صدقه وبعده عن الشرك.
ومناسبة الآية لهذا الباب: أن الله وصف إبراهيم عليه السلام بهذه الصفات التي هي أعلى مراتب تحقيق التوحيد، فمن اتبع إبراهيم فيها دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب.#
وقال تعالى: }وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ{([9]).
س: اشرح هذه الآية وفيمن نزلت، وما الذي يثبته النفي هنا ووضح مناسبتها للباب؟
جـ: أي لا يعبدون مع الله غيره بل يوحدونه ويفردونه بالعبادة ويعلمون أنه لا إله إلا هو.
نزلت هذه الآية في شأن المؤمنين السابقين إلى الجنة. والنفي هنا يثبت ضد المنفي وهو التوحيد.
ومناسبة هذه الآية للباب: أن هؤلاء المؤمنين دخلوا الجنة بسبب تخليصهم التوحيد والسلامة من الشرك.
عن حصين بن عبد الرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير فقال: «أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة فقلت أنا ثم قلت أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت قال فما صنعت قلت ارتقيت قال فما حملك على ذلك قلت حديث حدثناه الشعبي قال وما حدثكم قلت حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال لا رقية إلا من عين أو حمة. قال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع» رواه البخاري ومسلم.
س: بين معاني الكلمات الآتية: الكوكب، انقض، البارحة، لدغت، ارتقيت، وما معنى قوله: لا رقية إلا من عين أو حمة، وما المقصود بالعين والحمة، وما هي الرقية؟
جـ: الكوكب: النجم، انقض: سقط، البارحة: أقرب ليلة مضت، لدغت: لدغته عقرب أو غيرها أي أصابته بسمها، ارتقيت: طلبت من #
يرقيني، ومعنى: لا رقية إلا من عين أو حمة: أي لا رقية أشفى وأولى من رقية العين والحمة. والعين إصابة العائن غيره بعينه، والحمة: سم العقرب وشبهها، والرقية: هي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمة والصرع.
س: اشرح قوله: قد أحسن من انتهى إلى سمع؟
جـ: أي من أخذ بما بلغه من العلم وعمل به فقد أحسن بخلاف من يعمل بجهل أو لا يعمل بما يعلم فإنه مسيء آثم.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «عرضت عليَّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم، فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه، فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله ﷺ، وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئًا وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله ﷺ فأخبروه فقال: هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم. ثم قام رجل آخر فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة» متفق عليه.
س: بين معاني الكلمات الآتية: الرهط، نهض، إذ رفع لي سواد، فخاض الناس في أولئك، ومتى عرضت الأمم على النبي ﷺ؟
جـ: الرهط: هم الجماعة دون العشرة، إذ رفع لي سواد: أي أشخاص من بعد لا أدري من هم، نهض: أي قام، خاض الناس في أولئك: أي تناقشوا وتباحثوا في صفات السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب، عرضت#
الأمم على النبي ﷺ ليلة الإسراء والمعراج.
س: بين معاني الكلمات الآتية: لا يسترقون، لا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون؟
جـ: هي:
1- هم الذين لا يسترقون: أي لا يسألون غيرهم أن يرقيهم.
2- لا يكتوون: أي لا يسألون غيرهم أن يكويهم استسلامًا للقضاء.
3- لا يتطيرون: أي لا يتشاءمون بالطيور ونحوها.
4- وعلى ربهم يتوكلون: أي يعتمدون عليه في جلب المنافع ودفع المضار ويفوضون أمرهم إليه دون سواه.
س: اذكر مناسبة حديث ابن عباس للباب، وما الذي يستفاد منه ومن حديث حصين؟
جـ: مناسبته للباب: أن هؤلاء المؤمنين الموصفين بتلك الصفات دخلوا الجنة بغير حساب لقوة توكلهم وتوحيدهم وإخلاصهم واعتمادهم على الله وحده. ويستفاد من الحديثين:
1- البعد عن مدح الإنسان بما ليس فيه.
2- الرخصة في الرقية من العين والحمة.
3- أن ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد.
4- فضل الصحابة رضي الله عنهم وحرصهم على الخير وعمق علمهم وحسن أدبهم.
فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية وأنهم أكثر الأمم تابعًا لنبيهم محمد ﷺ.#
5- فضيلة أصحاب موسى عليه السلام.
6- فضل عكاشة بن محصن رضي الله عنه.
7- حسن خلق النبي ﷺ.
8- عدم الاغترار بالكثرة وعدم الزهد في القلة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
4- باب الخوف من الشرك
س: اذكر مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: لما كان الشرك ينافي التوحيد ويوجب دخول النار والخلود فيها وحرمان الجنة إذا كان أكبر وأنها لا تتحقق السعادة إلا بالسلامة منه ذكر المؤلف أنه ينبغي للمؤمن أن يخاف منه أعظم خوف وأن يسعى في الفرار منه ومن طرقه ووسائله وأسبابه ويسأل الله العافية منه كما فعل ذلك الأنبياء والأصفياء وخيار الخلق.
س: اذكر أنواع الشرك مع التعريف لكل نوع؟
جـ: الشرك نوعان: أكبر: وهو أن يجعل لله شريكًا في عبادته يدعوه أو يرجوه أو يخافه أو يحبه كمحبة الله أو يصرف له نوعًا من أنواع العبادة، فهذا المشرك الذي حرم الله عليه الجنة ومأواه النار.
الثاني: الشرك الأصغر: وهو جميع الأقوال والأفعال التي يتوسل بها إلى الشرك الأكبر كالحلف بغير الله ويسير الرياء وعدم الإخلاص في العمل لله.
قال تعالى: }إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ{([10]).
س: اشرح هذه الآية واذكر ما يستفاد منها وبين مناسبتها لهذا الباب؟
جـ: يخبر الله تعالى أنه لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك وأنه يغفر ما دون الشرك من الذنوب لمن يشاء من عباده.
وتفيد الآية أن الشرك أعظم الذنوب لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره لمن لم يتب منه وأن ما دونه من الذنوب فهو داخل تحت المشيئة إن شاء غفره لمن# لقيه به، وإن شاء عذبه به، وذلك يوجب للعبد شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه عند الله.
ومناسبة الآية للباب: أنها جاءت مخوفة ومحذرة من الشرك وأبانت أن الله لا يغفر هذا النوع من المعاصي.
وقال الخليل عليه السلام }وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ{([11]).
س: من هو الخليل، وما المراد بالأصنام، اشرح الآية وبين مناسبتها للباب؟
جـ: الخليل: هو الذي تخللت محبته القلب ونفذت إليه مأخوذ من الخلة وهي خالص المحبة، والأصنام: جمع صنم وهو ما كان منحوتًا على هيئة صورة وعبد من دون الله وقيل هو عام فيما عبد من دون الله وإن لم يكن منحوتًا على هيئة صورة.
ومعنى الآية: اجعلني وبني في جانب عن عبادة الأصنام وباعد بيننا وبينها.
ومناسبتها للباب: هي أنه إذا كان خليل الرحمن الذي كان يكسر الأصنام بيده اشتد خوفه على نفسه وعلى بنيه من الشرك بسبب الافتتان بالأصنام فسأل الله له ولبنيه وقاية عبادتها فنحن أولى منه لضعف إيماننا.
وفي الحديث: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال: الرياء» رواه أحمد وغيره.
س: ما هو الرياء؟ ولماذا خافه النبي ﷺ على أصحابه، واذكر علاقة الحديث بالباب؟ #
جـ: الرياء مأخوذ من الرؤية وهي أن يتظاهر الإنسان بالأعمال الصالحة ليحمده الناس وخافه النبي ﷺ على أصحابه لأنة أكثر موافقة للنفس ومحبة لها وأسهل للنفوذ إليها. وعلاقة الحديث بالباب أنه إذا كان الشرك الأصغر مخوفًا على الصحابة مع كمال إيمانهم فينبغي لك أيها المسلم أن تخاف من الأكبر والأصغر لضعف الأيمان.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من مات وهو يدعو لله ندًا دخل النار» رواه البخاري.
س: اشرح هذا الحديث وما الذي يخرج قوله من مات وما معنى الدعاء هنا وما المقصود بالند وما علاقة الحديث بالباب وما الذي يستفاد منه؟
جـ: أخبر ﷺ أن من أشرك بالله ومات على الشرك ولم يتب دخل النار. ويخرج قوله من مات من تاب قبل أن يموت ومعنى الدعاء هنا صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله. والند: هو الشبيه والمثيل. وعلاقة الحديث بالباب أنه جاء محذرًا ومخوفًا من الشرك في أي نوع من أنواعه.
ويستفاد منه أن دعوة غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك أكبر.
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار» رواه مسلم.
س: ما معنى لقي الله ومتى يكون هذا اللقاء؟ ما الذي يفيده النفي وما علاقة هذا الحديث بالباب؟
جـ: معنى لقي الله: واجهه وقابله وهذا اللقاء يكون يوم القيامة، ويفيد النفي إثبات ضد المنفي وهو التوحيد أي لقي الله موحدًا، وعلاقة الحديث بالباب أنه أفاد أن من مات مشركًا فهو من أهل النار وذلك يوجب#
شدة الخوف من الشرك.
س: اذكر ما يستفاد من الآيات والأحاديث المذكورة في هذا الباب؟
جـ: يستفاد منها:
1- الخوف من الشرك.
2- أن الرياء من الشرك الأصغر.
3- أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين.
4- قرب الجنة والنار.
5- فضيلة من سلم من الشرك.
6- شفقة النبي ﷺ على أمته فلا خير إلا دلهم عليه ولا شر إلا حذرهم منهم.
7- أن دعوة غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك أكبر.
8- أن من تاب من الذنب قبل أن يموت تاب الله عليه.
***#
5- باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
س: اذكر مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: لما ذكر المؤلف رحمه الله وجوب التوحيد وفضله وما يوجب الخوف من ضده نبه بهذا الباب على أنه لا ينبغي لمن عرف ذلك أن يقتصر على نفسه بل يجب عليه أن يدعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة كما هو سبيل المرسلين وأتباعهم.
س: ما حكم الدعوة إلى الدين الإسلامي وبأي شيء يبدأ الداعي ولماذا وما الدليل؟
جـ: الدعوة إلى الدين الإسلامي واجبة ويبدأ الداعي بالدعوة إلى التوحيد لأنه أفرض الفروض وأوجب الواجبات وهو الأساس لجميع الأعمال فلا تقبل إلا بعد صحة التوحيد والدليل قوله ﷺ لمعاذ فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله.
قال تعالى: }قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{([12]).
س: وضح معاني المفردات الآتية: سبيلي، بصيرة، سبحان الله، ثم اشرح الآية وبين مناسبتها للباب، واذكر ما يستفاد منها؟
جـ: سبيلي: طريقتي ودعوتي، بصيرة: علم ويقين، سبحان الله: تنزيها لله من أن يكون له شريك في ملكه أو معبود سواه.
شرح الآية: يقول الله تعالى: قل يا محمد هذه الدعوة التي أدعو إليها والطريقة التي أنا عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون# سواه هي طريقتي أدعو إلى الله على علم ويقين ويدعو إليه من آمن بي وصدقني ومنزها لله عن الشرك ومتبرئ من المشركين.
ومناسبة الآية للباب: أن الدعوة إلى الله على بصيرة وعلم هي طريق الرسول ﷺ وأتباعه فعلينا أن نفعل ذلك لنكون من أتباعه.
ويستفاد من الآية:
1- أن الدعوة إلى الله طريق من اتبع النبي ﷺ.
2- التنبيه على الإخلاص في الدعوة إلى الله.
3- أن البصيرة. وهي العلم من الواجبات على الداعي إلى الله.
4- ابتعاد المسلم عن المشركين لأن لا يصير منهم ولو لم يشرك.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ لما بعث معاذًا إلى اليمن قال له: «إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله» وفي رواية «إلى أن يوحدوا الله فإن هم أطاعوك لذلك لأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب».
س: ما معنى بعث ولماذا؟ ومتى بعثه، وما المراد بأهل الكتاب، ما معنى أطاعوك لذلك، افترض، وما المقصود بالصدقة هنا؟ وما معنى إياك وما هي كرائم الأموال؟ وما معنى اتق دعوة المظلوم وما هو الشاهد من الحديث للباب وذاكر ما يستفاد منه؟
جـ: بعث النبي ﷺ معاذًا إلى اليمن: أي أرسله داعيًا ومعلمًا وحاكمًا في# السنة العاشرة من الهجرة، والمراد بأهل الكتاب: اليهود والنصارى. ومعنى أطاعوك لذلك: شهدوا وانقادوا لذلك، ومعنى افترض: ألزم وأوجب، والمراد بالصدقة هنا الزكاة، ومعنى إياك: احذر، وكرائم الأموال أحسنها وأنفعها وأكثرها ثمنًا، ومعنى اتق دعوة المظلوم: اجعل بينك وبينها وقاية بالعدل وترك الظلم. والشاهد من الحديث للباب: قوله فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله.
ما يستفاد من الحديث:
1- أن التوحيد أول الواجبات وأنه يبدأ به قبل كل شيء حتى الصلاة.
2- التنبيه على التعليم بالتدريج والبدء بالأهم فالأهم.
3- أن الصلوات الخمس أعظم واجب بعد الشهادتين.
4- أن الزكاة أوجب الأركان بعد الصلوات.
5- أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء وتصرف إلى الفقراء.
6- أنه يحرم على العامل في الزكاة أخذ كرائم الأموال.
7- تحريم الظلم واتقاء دعوة المظلوم وأنها لا تحجب.
عن سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ قال يوم خيبر: «لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبحوا غدوا على رسول الله ﷺ كلهم يرجوا أن يعطاها فقال: أين علي بن أبي طالب فقيل هو يشتكي عينيه فأرسلوا إليه فأتى به فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم. ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه فوالله لأن يهدي الله# بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم» متفق عليه.
س: ما هو يوم خيبر، ثم بين معاني الكلمات الآتية: الراية، يدوكون، فبصق، فبرأ، أنفذ، على رسلك، ساحتهم، حمر النعم، ما هو حق الله تعالى في الإسلام، اذكر الشاهد من الحديث للباب وبين فوائده؟.
جـ: يوم خيبر: يوم غزوة خيبر وهي قرية قرب المدينة، الراية: علم الحرب، يدوكون: يخوضون ويتحدثون، بصق: تفل، فبرأ: زال عنه الألم، أنفذ: امض واذهب، على رسلك: على مهلك من غير عجلة، ساحتهم: ما قرب منهم، حمر النعم: الإبل ذوات اللون الأحمر وهي أنفس أموال العرب. حق الله تعالى في الإسلام: جميع الواجبات المفروضة كالصلاة والزكاة والصوم والحج.
والشاهد من الحديث للباب قوله ثم ادعهم إلى الإسلام.
ما يستفاد من الحديث:
1- فضيلة علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
2- إثبات صفة المحبة لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته.
3- البشارة بحصول الفتح علم من أعلام النبوة.
4- فضل الصحابة رضي الله عنهم في حرصهم على الخير وتنافسهم فيه.
5- أن الدعوة إلى الإسلام قبل القتال في حق من لم تبلغهم الدعوة.
6- ثواب من اهتدى على يديه رجل واحد.
7- جواز الحلف على الفتيا والخبر ولو لم يستحلف.
مشروعية بعث الإمام الدعاة إلى الله تعالى وأمرهم بالرفق من غير ضعف ولا انتفاض عزيمة.#
6- باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله
وقول الله تعالى: }أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ
إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ{([13])
س: وضح معاني الكلمات الآتية: يدعون، يبتغون، الوسيلة، وما حقيقة الوسيلة إلى الله؟ اشرح هذه الآية واذكر ما يستفاد منها وبين مناسبتها لهذا الباب؟
جـ: يدعون: يعبدون، يبتغون: يطلبون، الوسيلة: التوصل إلى الشيء برغبة. وحقيقة الوسيلة إلى الله مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحري مكارم الشريعة.
شرح الآية: يقول الله تعالى: أولئك الذين يدعوهم أهل الشرك ممن لا يملك كشف الضر ولا تحويله من الملائكة والأنبياء والصالحين يطلبون القرب من الله بالإخلاص له وطاعته فيما أمر وترك ما نهاهم عنه.
ويستفاد من الآية: الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين وأنه شرك أكبر، ومناسبتها للباب أن التوحيد لا يصح إلا إذا بنى على الإيمان بالله وإخلاص العبادة له وعدم التقرب إلا إليه.
قال تعالى: }وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ{([14]).
س: بين معاني الكلمات الآتية: براء، فطرني، سيهدين. ثم بين مناسبة الآية للباب؟#
جـ: براء: متبرئ مما يعبدون من الأصنام والأوثان وكافر بهم ومبتعد عنهم. فطرني: خلقني وهو الله تعالى فاستثنى من المعبودين ربه. يهدين: يبصرني طريق الحق فأسلكه.
مناسبة الآية للباب: أنها أفادت أن التوحيد معناه تجرد الإنسان من الشرك وإنكاره له وإخلاص العبادة لله وحده.
قال تعالى: }اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ{([15]).
س: ما المقصود بالأحبار والرهبان، اشرح الآية وبين مناسبتها للباب؟
جـ: الأحبار هم العلماء، والرهبان هم العباد، والمعنى أنهم اتخذوا هؤلاء العلماء والعباد آلهة من دون الله وذلك أنهم أطاعوهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال.
ومناسبة الآية للباب: أن من أطاع غير الله في تحريم الحلال وتحليل الحرام فقد اتخذه ربًا ومعبودًا وجعله شريكًا لله وذلك ينافي التوحيد.
قال تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ{([16]).
س: ما هي الأنداد، اشرح الآية وبين مناسبتها للباب؟
جـ: الأنداد الأمثال والنظراء والأشباه. يذكر الله تعالى حال المشركين في الدنيا وما لهم في الآخرة من العذاب والنكال حيث جعلوا لله مثالاً ونظراء يساوونهم بالله في المحبة والتعظيم.#
ومناسبة الآية للباب: أن من أشرك مع الله غيره في المحبة فقد جعله شريكًا لله في العبادة وذلك هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله كما قال تعالى: }وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ{([17]).
في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: «من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل» رواه مسلم في صحيحه.
س: بم علق النبي ﷺ عصمة المال والدم في هذا الحديث؟
جـ: علقها بأمرين الأول قول لا إله إلا الله عن علم ويقين وإخلاص وصدق، الثاني الكفر بما يعبد من دون الله من الأصنام والأوثان وغيرها.
س: ما المقصود بقوله من قال لا إله إلا الله؟
جـ: أي من تكلم بها عالمًا بمعناها عاملاً بمقتضاها.
س: ما معنى قوله وكفر بما يعبد من دون الله؟
جـ: أي أنكر وتبرأ مما يعبد من دون الله من الأصنام والأوثان وغير ذلك كالملائكة والأنبياء والصالحين، أي تبرأ من عبادتهم.
س: ما معنى حرم ماله ودمه؟
جـ: أي لا يحل للمسلمين أخذ ماله وسفك دمه لأنه بذلك قد دخل في حكم المسلمين.
س: ما معنى قوله وحسابه على الله عز وجل؟
جـ: المعنى أن الله تبارك وتعالى هو الذي يتولى حساب الذي يشهد# بلسانه بهذه الشهادة فإن كان صادقًا جازاه بجنات النعيم وإن كان كاذبًا عذبه العذاب الأليم وأما في الدنيا فالحكم على الظاهر والله يتولى السرائر.
س: ما مناسبة الحديث للباب؟
جـ: هي أنه دل على أن عدم الكفر بما يعبد من دون الله شرك ينافي التوحيد.
س: ما معنى قول المؤلف: وشرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب؟
جـ: المعنى أن ما بعد هذا الباب من الأبواب الآتية فيه شرح للتوحيد وتوضيح لمعنى لا إله إلا الله وما يناقضها من أنواع الشرك الأصغر والأكبر وما يوصل إلى ذلك من الغلو والبدع فمن عرف ذلك وتحققه تبين له معنى لا إله إلا الله وما دلت عليه من الإخلاص ونفي الشرك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
7- باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه
س: ما المقصود بالحلقة والخيط، وما الفرق بين رفع البلاء ودفعه وما حكم لبسهما لذلك؟
جـ: الحلقة: طوق من نحاس كان المشركون يجعلونها في عضودهم يزعمون أنها تحفظهم من العين والجن ونحو ذلك.
والخيط: في الأصل ما يخاط به كان المشركون يعقدون الخيوط على أيديهم ورقابهم يزعمون أنها تدفع عنهم الحمى.
والفرق بين رفع البلاء ودفعه، أن رفعه: إزالته بعد نزوله، ودفعه منعه قبل نزوله. وحكم لبس الحلقة والخيط لذلك شرك أكبر إذا اعتقد أنها تدفع البلاء بنفسها أما إذا اعتقد أنها سبب لرفع البلاء فهو شرك أصغر والكل حرام.
قال تعالى: }قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ{([18]).
س: اذكر معنى هذه الآية وبين وجه الدلالة منها؟
جـ: المعنى أن هذه الآلهة التي يدعونها من دون الله لا تستطيع من الأمر شيئًا فلا قدرة لها على كشف ضر أراده الله بعبده أو إمساك رحمة أنزلها على عبده لأن ذلك إلى الله وحده.
ووجه الدلالة من الآية: أنه لا فرق بين اعتقاد المشركين في الأصنام أو الاعتقاد في الخيوط ونحوها مما يفعله الجهال وأن ذلك كله باطل لأن الله هو# المنفرد بالنفع والضر.
عن عمران بن حصين «أن النبي ﷺ رأى رجلاً في يده حلقة من صفر فقال ما هذه قال من الواهنة فقال انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا»([19]).
س: ما نوع الاستفهام في قوله ما هذه؟
جـ: للإنكار ويحتمل أنه للاستفسار عن سبب لبسها.
س: ما معنى قوله من الواهنة وما هي الواهنة؟
جـ: أي وضعتها لدرء المرض المسمى بالواهنة وهي عرق يؤلم في الكتف وفي اليد كلها وقيل هي مرض يأخذ في العضد.
س: ما معنى قوله انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا وما الذي يفيده هذا الأمر؟
جـ: النزع: هو الجذب بقوة أخبر أنها لا تنفعه بل تضره وتزيده ضعفًا وأفاد هذا الأمر الوجوب وأن مثل هذا معصية يجب إنكاره وإزالته ويحرم بقاؤه.
س: ما الذي يفيد قوله فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا وما هو الفلاح؟
جـ: يفيد عظم الذنب الواقع بسبب هذا الاعتقاد لأنه نوع من أنواع الشرك الذي لا يغفر إلا بالتوبة، والفلاح: هو الفوز والظفر والسعادة.
س: اذكر مناسبة حديث عمران للباب؟
جـ: هي أنه أفاد أن الاعتقاد بمثل هذه الحلقة من أنواع الشرك لأمر النبي ﷺ بنزعها وتهديده على تركها.#
ولأحمد بن عقبة بن عامر مرفوعًا «من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له. وفي رواية من تعلق تميمة فقد أشرك».
س: ما معنى تعلق، تميمة، ودعة، فلا أتم الله له، فلا ودع الله له؟
جـ: المعنى أن من علق هذه الأشياء متعلقًا بها قلبه في طلب خير أو دفع شر. والتميمة: خرزات وحروز يعلقها الجهال، على أنفسهم وأولادهم ودوابهم يزعمون أنها ترد العين وهذا من فعل الجاهلية ومن فعل ذلك فقد أشرك. والودعة: جمعها ودع وهو شيء أبيض يخرج من البحر يشبه الصدف كانوا يتقون به العين فأبطل الإسلام هذه الأشياء. ومعنى «فلا أتم الله له» دعاء عليه بعدم حصول ما أراد. ومعنى قوله «فلا ودع الله له» أي لا جعله في دعة وسكون وهذا دعاء عليه.
ولابن أبي حاتم عن حذيفة أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى: }وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ{([20]).
س: ما معنى قوله من الحمى، وما وجه استدلال حذيفة بهذه الآية وما الذي يستفاد منه، اذكر مناسبة هذا الحديث للباب؟
جـ: أي وضع في يده خيطًا يعتقد أنه يدفع عنه الحمى.
ووجه استدلال حذيفة بهذه الآية أن هذا العمل شرك. ويستفاد من هذا الحديث صحة الاستدلال على الشرك الأصغر بما أنزله الله في الشرك الأكبر وفيه إنكار مثل هذا العمل.
ومناسبة الحديث للباب: أنه دل على أن وضع الخيط والاعتقاد فيه من أنواع الشرك حيث أزاله حذيفة واستدل بالآية على ذلك.#
8- باب ما جاء في الرقى والتمائم
أي من النهي وما ورد عن السلف في ذلك وبيان الجائز منها والممنوع.
في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه «أنه كان مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره فأرسل رسولاً أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت» رواه البخاري ومسلم.
س: ما المقصود بالقلادة من الوتر وما هو الوتر وما معنى "أو" في قوله أو قلادة؟
جـ: المقصود بالقلادة هنا ما كان يصنعه أهل الجاهلية من التقليد بالأوتار والوتر أحد أوتار القوس وكان أهل الجاهلية إذا اخلولق الوتر أبدلوه بغيره وقلدوا به الدواب اعتقادًا منهم أنه يدفع عن الدابة العين فأبطله الإسلام.
ومعنى "أو" في قوله أو قلادة شك من الراوي لا يدري هل قال شيخه قلادة من وتر أو قال قلادة فقط.
س: ما الذي يفيد أمره ﷺ بقطع هذه القلائد؟
جـ: أفاد أنها منكر تجب إزالته وأكد ذلك بنون التوكيد الثقيلة في قوله لا يبقين.
س: ما مناسبة حديث أبي بشير للباب؟
جـ: هي أنه أفاد إنكار النبي ﷺ لهذه القلادة وأمره بإزالتها لأنها نوع من الشرك حيث صرف الاعتقاد إلى غير الله.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن# الرقى والتمائم والتولة شرك» رواه أحمد وأبو داود.
وعن عبد الله بن عكيم مرفوعًا «من تعلق شيئًا وكل إليه» رواه أحمد والترمذي.
س: عرف الرقى واذكر حكمها؟
جـ: الرقى جمع رقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وهي التي تسمى العزائم وهي نوعان جائزة وهي ما تجردت من الشرك واجتمع فيها شروط ثلاثة:
1- أن تكون باللسان العربي وما يعرف معناه.
2- أن تكون بكلام الله أو بأسمائه وصفاته أو بكلام رسوله.
3- أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله وما سوى ذلك لا يجوز.
س: عرف التمائم وبين حكمها؟
جـ: التمائم جمع تميمة وهي ما يعلق على الأولاد من خرزات وتعاويذ وغيرها. يتقون بها العين فأبطلها الإسلام ونهى عنها وحرمها لأنه لا دافع إلا الله كما تقدم.
لكن يستثنى من ذلك إذا كان المعلق من القرآن فقد اختلف فيه العلماء فرخص فيه بعضهم وأجاز تعليقه، وبعضهم لم يرخص فيه وجعله من المنهي عنه وهو الصحيح لأمور ثلاثة:
1- عموم النهي عن تعليق التمائم ولا مخصص للعموم.
كونه ذريعة إلى تعليق ما ليس من القرآن فيفضي إلى عدم إنكارها.# أن تعليق القرآن يكون سببًا في امتهانه فلابد أن يمتهنه المعلق بحمله في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك.
س: عرف التولة ولم كانت من الشرك؟
جـ: التولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته وهو نوع من السحر، وإنما كان من الشرك لما يراد به من جلب المنافع ودفع المضار من غير الله تعالى.
س: اذكر مناسبة حديث ابن مسعود للباب؟
جـ: هي أنه أفاد أن عمل هذه الأشياء والاعتقاد بها شرك.
س: اشرح قوله ﷺ: «من تعلق شيئًا وكل إليه»؟
جـ: التعلق يكون بالقلب ويكون بالفعل ويكون بهما معًا والمعنى أن من اعتمد على شيء في طلب خير أو دفع شر وكله الله إلى ذلك الشيء الذي اعتمد عليه.
وروى أحمد عن رويفع قال: قال لي رسول الله ﷺ «يا رويفع لعل الحياة ستطول بك فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترًا أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدًا بريء منه».
س: ما الذي يؤخذ من قوله لعل الحياة ستطول بك؟
جـ: فيه علم من أعلام النبوة فإن رويفعًا طالت حياته إلى سنة 56 ست وخمسين من الهجرة.
س: ما الذي يدل عليه قوله فأخبر الناس وهل هذا خاص برويفع؟
جـ: يدل على وجوب إخبار الناس وليس هذا خاص برويفع بل كل من#
عنده علم ليس عنده غيره مما يحتاج إليه الناس وجب إعلامهم به.
س: ما المراد بعقد اللحية؟
جـ: عقد اللحية يفسر على وجهين أحدهما ما كانوا يفعلونه في الحرب كانوا يعقدون لحاهم تكبرًا وذلك من زي بعض الأعاجم.
ثانيًا: معالجة الشعر ليتعقد ويتجعد وذلك من فعل أهل التأنيث.
ما المقصود بقوله تعلق وترًا وما حكم تعليق الوتر؟
جـ: أي جعله قلادة في عنقه أو عنق دابته وهو شرك حيث وجه الاعتقاد إلى غير الله.
س: ما المراد بقوله أو استنجى برجيع دابة أو عظم وما حكم الاستنجاء بهما؟
جـ: أي استجمر بالروث والعظم واستعمله في إزالة الخارج وهو محرم لتبرؤ النبي ﷺ ممن فعله ونهيه عنه.
س: ما الذي يؤخذ من قوله فإن محمدًا بريء منه؟
جـ: تحريم هذه الأشياء المذكورة في الحديث والوعيد على من فعلها.
س: ما هو الشاهد من حديث رويفع للباب؟
جـ: هو قوله أو تقلد وترًا.
وعن سعيد بن جبير قال: «من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة» رواه وكيع، وله عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن.#
س: ما معنى قول سعيد بن جبير وما الذي يؤخذ منه وما المقصود بالكراهة في قول إبراهيم النخعي كانوا يكرهون التمائم كلها، ومن أراد بهم؟
جـ: معنى قول سعيد أن من قطع تميمة من إنسان فله من الأجر مثل أجر من أعتق رقبة، ويؤخذ منه فضل قطع التمائم لأنها شرك والمقصود بالكراهة في قوله إبراهيم كراهة التحريم وأراد بذلك أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
9- باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما كبقعة أو قبر فهو مشرك
س: ما معنى التبرك بالأحجار والأشجار وما حكمه؟
جـ: التبرك بها طلب البركة منها وهو شرك.
قال تعالى: }أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى{([21]).
س: ما المراد بهذه الأسماء المذكورة في الآية ولم سميت بذلك؟ اشرح الآية وبين مناسبتها للباب؟
جـ: اللات والعزى ومناة أسماء لأوثان كان المشركون يعبدونها في الجاهلية يقول الله تعالى أخبروني عن هذه الآلهة التي يعبدونها من دون الله هل نفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله تعالى.
أما اللات: على قراءة الآية بتخفيف التاء فهي صخرة بالطائف عليها بيت وأستار وكانت تعظمها ثقيف فبعث إليها رسول الله ﷺ المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار سميت اللات من الإله.
وعلى قراءة الآية بالتشديد فاللات رجل صالح كان يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره وغلوا فيه حتى عبدوه. ولا منافاة بين القولين.
والعزى: شجرة في وادي نخلة بين مكة والطائف كانت قريش تعبدها وتعظمها فبعث إليها رسول الله ﷺ خالد بن الوليد يوم فتح مكة فقطعها، وسميت العزة من اسم الله العزيز.
ومناة: صخرة بين مكة والمدينة كان الأوس والخزرج يعظمونها وسميت مناة من اسم الله المنان وقيل لكثرة ما يمنى: أي يراق عندها من الدماء# للتبرك بها فبعث إليها رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب فهدمها عام الفتح.
ومناسبة الآية لهذا الباب: أن التبرك بالشجر والحجر والقبور من جنس عبادة المشركين لهذه الأصنام فمن فعل ذلك فقد شابههم في فعلهم ومن تشبه بقوم فهو منهم.
عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: «خرجنا مع رسول الله ﷺ إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله ﷺ الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى }اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ{ لتركبن سنن من كان قبلكم» رواه الترمذي وصححه.
س: ما المقصود بقوله خرجنا إلى حنين؟
جـ: أي إلى غزوة حنين موضع بين مكة والطائف.
س: ما معنى قوله ونحن حدثاء عهد بكفر؟
جـ: أي قرب عهدهم بالكفر والخروج منه والدخول في الإسلام فلم يتمكن الإسلام من قلوبهم.
س: ما معنى قوله ينوطون بها أسلحتهم ولماذا؟
جـ: أي يعلقون بها أسلحتهم تبركًا بها وتعظيمًا لها.
س: ما معنى قوله يعكفون عندها وما هو العكوف؟
جـ: أي يقيمون عندها والعكوف الإقامة على الشيء في المكان.
س: لماذا طلبوا من الرسول ﷺ أن يجعل لهم ذات أنواط؟#
جـ: ظنوا أن هذا أمر محبوب عند الله وقصدوا التقرب إليه وإلا فهم أجل قدرًا من أن يقصدوا مخالفة النبي ﷺ.
س: ما المراد بتكبير النبي ﷺ عندما سألواه أن يجعل لهم ذات أنواط؟
جـ: المراد تعظيم الله تعالى وتنزيهه عن الشرك بأي نوع كان مما لا يجوز أن يطلب أو يقصد به غير الله.
س: ما معنى قوله إنها السنن؟
جـ: السنن الطرق والمراد بها تقليد من أهل الشرك.
س: لماذا شبه مقالتهم بقول بني إسرائيل؟
جـ: لكونها مثلها وإن اختلف اللفظان.
س: ما معنى قوله لتركبن سنن من كان قبلكم؟
جـ: أي لتتبعن طرقهم ومناهجهم.
س: ما مناسبة حديث أبي واقد للباب واذكر ما يستفاد منه؟
جـ: هي أنه أفاد أن التبرك بالأشجار من الشرك ويستفاد منه:
1- التكبير عند التعجب خلافًا لمن كرهه.
2- النهي عن التشبه بأهل الجاهلية وأهل الكتاب.
3- أن ما ذم الله به اليهود والنصارى في القرآن أنه ذم لنا إذا عملنا مثل عملهم.
4- أن سنة أهل الكتاب مذمومة كسنة المشركين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
10- باب ما جاء في الذبح لغير الله من الوعيد وأنه شرك
س: اذكر مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن الذبح لله عبادة والذبح لغير الله شرك ينافي التوحيد.
قال تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{([22]). وقال تعالى: }فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{([23]).
س: اشرح هاتين الآيتين وبين مناسبتهما للباب؟ وما هو النسك؟
جـ: يقول الله تعالى في الآية الأولى قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون لغيره- إنني أخلصت لله صلاتي وذبحي وما آتيه في حياتي وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح لله رب العالمين لا شريك له في شيء من ذلك، وبذلك الإخلاص أمرت، وأنا أول المسلمين من هذه الأمة. والنسك: هو الذبح وقوله تعالى: }فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{ أي أخلص لله صلاتك وذبحك وخالف المشركين في ذلك.
ومناسبة الآيتين للباب: أنهما أفادتا أن الذبح من أنواع العبادة يجب إخلاصه لله فمن ذبح لغير الله متقربًا إليه فقد أشرك.
عن علي رضي الله عنه قال: «حدثني رسول الله ﷺ بأربع كلمات: لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثًا، لعن الله من غير منار الأرض» رواه مسلم.
س: ما معنى اللعن؟#
جـ: اللعن من الله هو الطرد والإبعاد عن رحمته ومن الخلق السب والدعاء.
س: لماذا لعن الرسول ﷺ من ذبح لغير الله؟
جـ: لعظم الذنب الذي ارتكبه حيث أشرك بالله.
س: ما معنى لعن الرجل والديه وكيف يكون لعنهما وما حكمه؟
جـ: معناه سب أباه أو أمه، ويكون لعنهما على وجهين:
1- اللعن المباشر وهو أن يواجه الوالدين باللعنة.
2- لعن بالتسبب كأن يلعن الرجل أبا رجل آخر فيلعن أباه وهو من كبائر الذنوب.
س: ما معنى آوى محدثًا وما المراد بالمحدث؟
جـ: أي نصر مجرمًا وضمه إليه وحماه ومنعه من أن يؤخذ منه الحق الذي وجب عليه. والمحدث هو من أحدث شيئًا يجب فيه حق لله فيلتجئ إلى من يجيره من ذلك.
س: ما هي منار الأرض وما معنى تغييرها؟
جـ: التغيير: التبديل والإزالة. ومنار الأرض: علامات حدودها ومعالمها، قيل هي العلامات التي يهتدي بها في السفر، وقيل هي المراسيم التي تفرق بين حقه وحق جاره فيغيرها بتقديم أو تأخير.
س: لماذا لعن من غير منار الأرض؟
جـ: لارتكابه إثمًا عظيمًا في إضاعة المسافرين أو اختلاسه أرض جاره.
س: ما هو الشاهد من حديث علي للباب؟#
جـ: هو قوله لعن الله من ذبح لغير الله.
س: ما حكم لعن أهل المعاصي والظلمة؟
جـ: يجوز لعن أهل المعاصي والظلم من غير تعيين وأما لعن الفاسق والعاصي المعين ففيه خلاف فأجازه بعض العلماء ومنعه آخرون.
عن طارق بن شهاب أن رسول الله ﷺ قال: «دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئًا فقالوا لأحدهما قرب قال ليس عندي شيئًا أقرب قالوا قرب ولو ذبابًا فقرب ذبابًا فخلوا سبيله فدخل النار، وقالوا للآخر قرب فقال ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله عز وجل فضربوا عنقه فدخل الجنة» رواه أحمد.
س: ما معنى قوله في ذباب؟
جـ: أي من أجله وبسببه.
س: ما نوع الاستفهام في قولهم وكيف ذلك يا رسول الله؟
جـ: استفهام تعجب كأنهم تقالوا ذلك وتعجبوا منه.
س: ما المقصود بالصنم؟
جـ: ما كان منحوتًا على هيئة صورة وعبد من دون الله.
س: ما معنى قوله لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئًا؟
جـ: أي لا يمر به ولا يتعداه حتى يقرب له شيئًا وإن قل.
س: ما الذي يؤخذ من قوله فقرب ذبابًا فخلوا سبيله فدخل النار؟
جـ: بيان عظم الشرك ولو في شيء قليل وأنه يوجب النار.#
س: ما الذي يستفاد من قول الآخر ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله عز وجل؟
جـ: فضيلة التوحيد والإخلاص.
س: ما مناسبة حديث طارق للباب؟
جـ: أنه دل على أن من ذبح لغير الله متقربًا إليه فقد أشرك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
11- باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله
س: اذكر مراد المؤلف بهذا الباب، وما حكم الذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله؟
جـ: أراد سد الوسائل الموصلة إلى الشرك الأكبر، وحكم الذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله محرم لما فيه من مشابهة المشركين.
قال تعالى: }لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ{([24]).
س: ما سبب نزول هذه الآية؟ وبين مرجع الضمير في قوله "لا تقم فيه أبدًا" وما معنى لا تقم؟
جـ: نزلت هذه الآية في شأن طائفة من المنافقين بنو مسجدًا لمضارة المؤمنين –أهل مسجد قباء- والتفريق بينهم، وليكون ملجأ للكفرة وزعموا أنهم بنوه للضعفاء والمساكين ليقيهم من المطر والبرد والحر وسألوا النبي ﷺ أن يصلي فيه فنزلت هذه الآية في خبر المسجد، فبعث إليه الرسول ﷺ جماعة فهدموه. ومرجع الضمير في قوله: }لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا{ إلى مسجد الضرار. ومعنى }لاً تًقُمْ{: لا تصلي فيه.
س: ما المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى وما المراد بالتقوى هنا؟
جـ: المراد به مسجد قباء وقيل مسجد الرسول ﷺ والآية عامة لكل منهما. والمراد بالتقوى هنا طاعة الله ورسوله وجمع كلمة المسلمين.
س: ما مناسبة هذه الآية للباب }لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا{؟#
جـ: مناسبة الآية للباب: أن المواضع المعدة للذبح لغير الله يجب اجتناب الذبح فيها لله. كما أن هذا المسجد لما أعد لمعصية الله صار محل غضب لأجل ذلك فلا تجوز الصلاة فيه لله.
عن ثابت بن الضحاك قال نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة فسأل النبي ﷺ فقال: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا. فقال رسول الله ﷺ: أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم» رواه أبو داود وإسناده على شرطهما.
س: ما هي بوانة؟
جـ: موضع في أسفل مكة وقيل بين مكة والمدينة.
س: ما الذي يدل عليه قوله هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟
جـ: يدل على المنع من الوفاء بالنذر إذا كان في المكان وثن ولو بعد زواله.
س: ما الذي يدل عليه قوله فهل فيها عيد من أعيادهم؟
جـ: يدل على المنع من الوفاء بالنذر بمكان فيه عيد من أعياد الجاهلية ولو بعد زواله.
س: ما هو العيد وما المراد به هنا؟
جـ: العيد اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، والمراد به هنا الاجتماع المعتاد من اجتماع أهل الجاهلية.#
س: ما الذي يدل عليه قوله أوف بنذرك؟
جـ: يدل على أن الذبح لله في المكان الذي يذبح فيه المشركون لغير الله معصية.
س: ما الذي يؤخذ من قوله فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله؟
جـ: يؤخذ منه أن هذا نذر معصية لو وجد في المكان بعض الموانع.
س: ما معنى قوله ولا فيما لا يملك ابن آدم؟
جـ: المعنى إذا علق النذر على شيء لا يملكه كأن يقول لله علي نذر إن شفى الله مريضي أن أعتق عبد فلان.
س: اذكر ما يستفاد من حديث ثابت؟
جـ: يستفاد منه:
1- أن تخصيص البقعة بالنذر جائز إذا خلى من الموانع.
2- التحذير من مشابهة المشركين في أعيادهم.
3- أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به.
4- لا نذر لابن آدم فيما لا يملك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
12- باب من الشرك النذر لغير الله
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن النذر لله من أنواع العبادة فصرفه لغير الله شرك ينافي التوحيد.
س: عرف النذر لغة وشرعًا؟
جـ: النذر لغة الإيجاب وشرعًا إيجاب المكلف على نفسه ما ليس واجبًا عليه.
قال تعالى: }يُوفُونَ بِالنَّذْرِ{([25]).
س: ما الذي تدل عليه الآية وما مناسبتها للباب؟
جـ: دلت على وجوب الوفاء بالنذر ومدح من فعل ذلك.
ومناسبتها للباب: أن الله مدح الموفين بالنذر فدل ذلك على أنه عبادة فمن نذر لغير الله متقربًا إليه فقد أشرك.
قال تعالى: }وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ{([26]).
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها للباب؟
جـ: يخبر الله تعالى أنه عالم بجميع ما يعمله العاملون من النفقات والمنذورات وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين به ابتغاء وجهه.#
ومناسبتها للباب: أن الله أخبر أن ما أنفقناه من نفقة أو نذرناه من نذر متقربين إليه أنه يعلمه ويجازينا عليه فدل ذلك على أنه عبادة فمن صرفها لغير الله فقد أشرك.
في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعص الله فلا يعصه» رواه البخاري.
س: اشرح هذا الحديث واذكر ما يستفاد منه وبين مناسبته للباب؟
جـ: يأمر الرسول ﷺ من أوجب على نفسه طاعة بالنذر أن يوفي بها لأن طاعة الله واجبة، وينهى من نذر معصية عن الوفاء بها لأن معصية الله محرمة. ويستفاد منه:
1- أنه يجب الوفاء بالنذر إذا كان طاعة.
2- أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به.
ومناسبته للباب: أنه دل على أن النذر لغير الله معصية يحرم الوفاء به لكونه شرك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
13- باب من الشرك الاستعاذة بغير الله
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن الاستعاذة بالله من أنواع العبادة وصرفها لغيره شرك ينافي التوحيد.
س: عرف الاستعاذة وما الفرق بين العياذ واللياذ؟
جـ: الاستعاذة: هي الالتجاء والاعتصام، والفرق بين العياذ واللياذ أن العياذ يكون لدفع الشر واللياذ لطلب الخير.
قال تعالى: }وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا{([27]).
س: اذكر سبب نزول هذه الآية وبين وجه الدلالة منها؟
جـ: سبب نزولها: أن الرجل من العرب في الجاهلية كان إذا نزل أو أمسى بواد خال وخاف على نفسه قال أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه يريد كبير الجن فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم زادوهم رهقًا أي خوفًا وإرهابًا وذعرًا.
ووجه الدلالة من الآية: أن الله تعالى حكى عن مؤمني الجن أنهم لما تبين لهم دين محمد ﷺ وآمنوا به ذكروا أشياء من الشرك كانوا يفعلونها في الجاهلية ومن جملتها الاستعاذة بغير الله.
عن خولة بنت حكيم قالت سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من نزل منزلاً فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى# يرحل من منزله ذلك» رواه مسلم.
س: ما الذي يؤخذ من هذا الحديث وما المراد بكلمات الله وما معنى التامات. اذكر مناسبة الحديث للباب؟ وما معنى قوله "من شر ما خلق"؟
جـ:
1- في الحديث دليل على أن الله شرع لأهل الإسلام أن يستعيذوا بكلمات الله بدلاً عما كان يفعله أهل الجاهلية من الاستعاذة بالجن.
2- وفيه فضيلة هذا الدعاء مع اختصاره.
والمراد بكلمات الله القرآن ومعنى "التامات" الكاملة التي لا يلحقها نقص ولا عيب كما يلحق كلام البشر وقيل الكافية الشافية.
ومناسبة الحديث للباب: أنه دل على أن كلمات الله غير مخلوقة لأن الاستعاذة بالمخلوق شرك. ومعنى قوله "من شر ما خلق" أي من شر كل مخلوق فيه شر والله أعلم.
***#
14- باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن الاستغاثة بالله ودعاءه من أنواع العبادة التي أمر الله بها وكل ما كان عبادة لله فصرفه لغيره شرك ينافي التوحيد.
س: عرف الاستغاثة وما الفرق بينها وبين الدعاء؟
جـ: الاستغاثة هي طلب الغوث وهو إزالة الشدة، والفرق بينها وبين الدعاء أن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب، والدعاء أعم لأنه يكون من المكروب وغيره.
س: كم أنواع الاستغاثة وما هي؟
جـ: أنواع الاستغاثة ثلاثة:
1- واجبة وهي التي تطلب من الله.
2- محرمة وهي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله كالاستغاثة بالأموات والغائبين في جلب نفع أو دفع ضر.
3- جائزة وهي الاستغاثة بالحي الحاضر القادر على نصرته.
س: إلى كم ينقسم الدعاء مع التعريف لكل قسم؟
جـ: ينقسم إلى قسمين:
1- دعاء عبادة وهو التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة التي شرعها الله لعباده وأمرهم بها.
دعاء مسألة وهو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو دفع ضر.#
قال تعالى: }وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ{([28]).
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها لهذا الباب؟
جـ: يقول الله تعالى ولا تدع يا محمد غير معبودك وخالقك شيئًا لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة ولا يضرك في دين ولا دنيا، يعني بذلك الآلهة والأصنام يقول لا تعبدها راجيًا نفعها أو خائفًا ضرها فإنها لا تضر ولا تنفع فإن فعلت ذلك ودعوتها من دون الله فإنك إذًا من الظالمين أي من المشركين.
ومناسبة الآية للباب: أنها دلت على أنه لا يجلب النفع ولا يدفع الضر إلا الله فمن طلب ذلك من غيره فقد أشرك.
قال تعالى: }وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ{([29]).
س: اشرح هذه الآية واذكر مناسبتها للباب؟
جـ: يخبر الله تعالى أنه المنفرد بالعطاء والمنع والضر والنفع دون سواه فيلزم من ذلك أن يكون هو المدعو وحده والمعبود وحده.
ومناسبة هذه الآية للباب: أنها دلت على أن الله هو المالك للضر والنفع وحده فمن طلب كشف الضر أو جلب النفع من غيره فقد أشرك به.
قال تعالى: }فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{([30]).#
س: ما معنى قوله }فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ{؟
جـ: أي اطلبوا من عند الله الرزق لا عند غيره لأنه المالك له وحده.
س: ما المقصود بقوله }وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ{؟
جـ: أي أخلصوا له العبادة وحده واشكروه على ما أنعم به عليكم.
س: ما معنى قوله }إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{؟
جـ: أي إليه تعادون يوم القيامة فيجازي كل عامل بعمله.
س: ما مناسبة هذه الآية للباب }فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ{؟
جـ: هي أن الله أمر بطلب الرزق من عنده وحده دون سواه لأنه القادر عليه فمن طلبه من غيره ممن لا يقدر عليه فقد أشرك به.
قال تعالى: }وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ* وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ{([31]).
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها للباب؟
جـ: نفى الله سبحانه في هذه الآية أن يكون أحد أضل ممن يدعو غيره وأخبر أنه لا يستجيب له ما طلب منه إلى يوم القيامة وأنه غافل عن داعيه. وأخبر أنه إذا جمع الناس ليوم القيامة في موقف الحساب كانت هذه الآلهة التي يدعونها في الدنيا لهم أعداء لأنهم يتبرءون منهم ويجحدون عبادتهم إياهم.
ومناسبة الآية للباب: أن الله أخبر فيها أنه لا أضل ممن دعا غيره وذلك لأنه أشرك في عبادته.#
قال تعالى: }أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ{([32]).
س: اشرح هذه الآية وبين وجه الدلالة منها؟
جـ: بين تعالى في هذه الآية أن المشركين من العرب ونحوهم قد علموا أنه لا يجيب المضطر ويكشف السوء إلا الله وحده وذكر ذلك سبحانه محتجًا عليهم في اتخاذهم الآلهة والشفعاء من دونه فإذا كانت آلهتهم لا تجيبهم في حال الاضطرار فلا يصلح أن يجعلوها شركاء لله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وحده. فوجه الدلالة أن من طلب ذلك من غير الله فقد أشرك به.
وروى الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي ﷺ منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم قوموا بنا نستغيث برسول الله ﷺ من هذا المنافق فقال ﷺ إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله عز وجل».
س: من المراد بهذا المنافق؟
جـ: هو عبد الله بن أبي بن سلول رئيس المنافقين.
س: ما المقصود ببعضهم في قوله فقال بعضهم؟
جـ: أي بعض الصحابة وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
س: ما معنى قوله قوموا بنا نستغيث برسول الله من هذا المنافق؟
جـ: أي اذهبوا بنا إليه ليصد عنا شر هذا المنافق لأنه يقدر على كف أذاه إما بضرب أو تهديد أو قتل.
س: لماذا أنكر الرسول ﷺ الاستغاثة به في حياته مع أنه قادر على ذلك؟#
جـ: أنكر ذلك حماية للتوحيد وسدًّا لوسائل الشرك وأدبًا وتواضعًا لربه وتحذيرًا للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال.
س: اذكر الشاهد من الحديث للباب وما الذي يستفاد منه؟
جـ: الشاهد منه قوله: «إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله».
ويستفاد منه: أن من دعا أحدًا من المخلوقين أو استغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد أشرك الشرك الأكبر الموجب للخلود في النار عياذًا بالله من ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
15- باب قوله الله تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ* وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ{([33])
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها لكتاب التوحيد؟
جـ: في هذه الآية توبيخ للمشركين وإنكار عليهم في عبادتهم مع الله تعالى ما لا يخلق شيئًا وهو مخلوق، والمخلوق لا يكون شريكًا للخلق في العبادة التي خلقهم لها وبين أنهم لا يستطيعون لهم نصرًا ولا أنفسهم ينصرون فكيف يشركون به من لا يستطيع نصر عابديه ولا نصر نفسه.
ومناسبة الآية لكتاب التوحيد: أنها دلت على بطلان عبادة غير الله.
س: ما الذي أراده المؤلف بهذا الباب؟
جـ: أراد بيان أن جميع المدعوين من دون الله لا يستطيعون إجابة من دعاهم سواء كانوا ملائكة أو أنبياء أو صالحين أو غيرهم ممن لا يقدر على جلب نفع أو دفع ضر.
قال تعالى: }وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ{([34]).
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها للباب وما هو القطمير؟
جـ: أخبر تعالى في هذه الآية عن حال المدعوين من دونه من الملائكة والأنبياء والأصنام وغيرها بما يدل على عجزهم وضعفهم وأنهم قد انتفت عنهم الأسباب التي تكون في المدعو وهي الملك وسماع الدعاء والقدرة على استجابته# فنفى عنهم الملك بقوله: }وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ{ وهي اللفافة على ظهر النواة أي لا يملكون قليلاً ولا كثيرًا وأخبر أنهم لا يسمعون دعاء الداعي وأنهم لو سمعوا ما أجابوه وأنهم يوم القيامة يجحدون عبادتهم إياهم.
ومناسبة الآية للباب: أنها دلت على أن دعاء غير الله شرك ينافي التوحيد.
س: اذكر سبب نزول قوله تعالى: }لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ{([35])؟
جـ: في سبب نزولها قولان:
أحدهما: ما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال شج النبي ﷺ يوم أحد وكسرت رباعيته فقال: كيف يفلح قوم شجوا نبيهم فنزلت }لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ{ متفق عليه.
والقول الثاني: في سبب نزول الآية ما روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله ﷺ يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر اللهم العن فلانًا وفلانًا بعدما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله }لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ{. وفي رواية يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام فنزلت. رواه البخاري.
س: ما معنى هذه الآية }لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ{؟
جـ: أي ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم فامض أنت لشأنك ودم على الدعاء لربك.
س: ما معنى الشج وما المراد بيوم أحد، وما هي الرباعية؟
جـ: الشج في الأصل هو الجرح في الرأس خاصة، ثم استعمل في غيره من#
الأعضاء والرباعية كل سن بعد ثنية. والمراد بيوم أحد يوم غزوة أحد وهو جبل معروف شرقي المدينة كانت عنده الواقعة المشهورة فأضيفت إليه.
س: ما معنى اللعن وما المراد بفلان وفلان في قوله اللهم العن فلانًا وفلانًا وما معنى سمع الله لمن حمده وما هو الحمد؟ وما الذي يستفاد من حديث ابن عمر؟
جـ: أصل اللعن الطرد والإبعاد من الله ومن الخلق السب والدعاء. والمراد بفلان وفلان صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام كما بينه في الرواية الأخرى.
ومعنى سمع الله لمن حمده: أجاب الله حمده وتقبله والحمد ضد الذم وهو الإخبار عن محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله.
ويستفاد من الحديث:
1- جواز الدعاء على المشركين بأعيانهم في الصلاة وأن ذلك لا يخل بها.
2- أن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد.
في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قام رسول الله ﷺ حين أنزل عليه }وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ{([36]) فقال يا معشر قريش "أو كلمة نحوها" اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئًا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئًا يا صفية عمة رسول الله ﷺ لا أغني عنك من الله شيئًا ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئًا" رواه البخاري.
س: ما هو الإنذار ومن هم قبيلة الرجل وما معنى معشر؟
جـ: الإنذار هو الإعلام بأسباب المخافة والتحذير منها، عشيرة الرجل:# هم بنو أبيه الأدنون أو قبيلته. والمعشر: الجماعة.
س: ما المقصود بقوله اشتروا أنفسكم؟
جـ: أمر الرسول ﷺ قرابته أن يشتروا أنفسهم بتوحيد الله وتخليصها من عذاب الله بالطاعة له فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه فإن هذا هو الذي ينجي من عذاب الله لا الاعتماد على الأحساب والأنساب فإنها لا تغني من الله شيئًا.
س: ما معنى قوله لا أغني عنكم من الله شيئًا؟ وما الذي يؤخذ منه؟
جـ: معناه لا أدفع عنكم من عذاب الله شيئًا. ويؤخذ منه الرد على من تعلق على الأنبياء والصالحين ورغب إليهم ليشفعوا له وينفعوه أو يدفعوا عنه فإن ذلك هو الشرك الأكبر الذي حرمه الله تعالى.
س: ما الذي يؤخذ من قوله ﷺ لفاطمة سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئًا؟
جـ: يؤخذ منه:
1- أنه لا ينجي من عذاب الله إلا الإيمان والعمل الصالح.
2- أنه لا يجوز أن يسأل الإنسان إلا ما يقدر عليه من أمور الدنيا وأما الرحمة والمغفرة والجنة والنجاة ونحو ذلك من كل مالا يقدر عليه إلا الله فلا يجوز أن يطلب إلا منه. فإذا كان قرابة الرسول ﷺ لا ينفعهم إلا العمل الصالح فغيرهم أولى وأحرى.
س: اذكر ما يستفاد من هذا الباب؟
جـ: 1- الرد على عباد القبور فيما يعتقدونه في الأولياء والصالحين من أنهم ينفعون من دعاهم ويمنعون من لاذ بحماهم.#
2- أنه يحدث للأنبياء ما يحدث للبشر من بلايا الدنيا ومصائبها لينالوا بذلك جزيل الأجر والثواب ولتعرف الأمم ما أصابهم فيتأسوا ويقتدوا بهم.
والله أعلم وصلى الله على محمد.
***#
16- باب قول الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{([37])
س: ما المراد بالذين فزع عن قلوبهم؟ وما معنى فزع وما سبب ذلك الفزع؟
جـ: الذين فزع عن قلوبهم الملائكة. ومعنى فزع عن قلوبهم: زال الفزع عنها وهو الخوف. وسبب ذلك الفزع سماعهم كلام الله بالوحي الذي كأنه جر سلسلة الحديد على الصفا فيصعقون من ذلك.
س: ما المقصود بقوله قالوا الحق؟
جـ: أي قالوا قال الله الحق، علموا أن الله لا يقول إلا الحق.
س: اذكر مراد المؤلف بهذا الباب؟
جـ: أراد المؤلف رحمه الله بيان حال الملائكة الذين هم أقوى وأعظم من عُبِدَ من دون الله فإذا كانت هذه هيبتهم وخوفهم من الله فكيف يدعوهم أحد من دون الله وإذا كانوا لا يدعون فغيرهم أولى ففيه رد على جميع فرق المشركين.
في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير. فيسمعها مسترقوا السمع ومسترقوا السمع هكذا بعضه فوق# بعض -وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء» رواه البخاري في صحيحه.
س: بين معاني الكلمات الآتية: إذا قضى الله الأمر، خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة، صفوان، ينفذهم ذلك، مسترقوا السمع، فحرفها، بدد بين أصابعه، الشهاب، الساحر، الكاهن؟
جـ: إذا قضى الله الأمر: أي إذا تكلم الله بالأمر الذي يوحيه إلى جبريل. خضعانًا لقوله: أي خاضعين لقول الله. كأنه سلسلة: كأن الصوت المسموع صوت سلسلة من حديد. صفوان: الحجر الأملس. ينفذهم ذلك: يخلص ذلك القول ويمضي في قلوب الملائكة. مسترقوا السمع: الشياطين، يركب بعضهم بعضا. فحرفها: أمالها. بدد بين أصابعه: فرق بينها، المعنى أن ركوب بعضهم فوق بعض من غير مماسة. الشهاب: هو النجم الذي يرمي به. الساحر: هو الذي يخرج الباطل في صورة الحق بعمل السحر. الكاهن: هو الذي يدعي علم الغيب.
وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: «إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة أو قال رعدة شديدة خوفًا من الله عز وجل فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدًا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل فيقول جبريل قال الحق وهو العلي الكبير فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز #
وجل» رواه ابن أبي حاتم.
س: ما معنى رجفة، صُعِقوا، وما معنى «أو» في قوله أو قال رعدة؟
جـ: رجفة: ارتجاف وهزة. صعقوا: من الصعق وهو الغشي ومعه السجود. ومعنى «أو»: شك من الراوي هل قال الرسول ﷺ رجفة أو قال رعدة.
س: اذكر ما يستفاد من الآية والحديثين المذكورين في هذا الباب وبين مناسبتها لكتاب التوحيد؟
جـ: يستفاد منها:
1- إثبات علو الله على خلقه بأنواعه الثلاثة: علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر، فله العلو الكامل من جميع الوجوه سبحانه وتعالى.
2- إثبات صفة الكبر لله فهو الكبير الذي لا أكبر ولا أعظم منه.
3- إثبات صفة الكلام لله وأنه لم يزل متكلمًا إذا شاء بكلام تسمعه الملائكة.
4- فضل جبريل عليه السلام حيث خصه الله بكلامه ووحيه.
ومناسبتها لكتاب التوحيد: أن فيها تقرير التوحيد فإن الملك العظيم الذي تصعق الملائكة من كلامه خوفًا منه ومهابة وترجف منه المخلوقات هو الكامل في ذاته وصفاته وملكه وغناه عن خلقه لا يجوز أن يجعل له شريك في عبادته.
***#
17- باب الشفاعة
س: ما مقصود المؤلف بهذا الباب؟
جـ: أراد بيان ما أثبته القرآن من الشفاعة وما نفاه وحقيقة ما دل القرآن على إثباته.
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن فيه رد على المشركين الذين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ويقولون إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى وليشفعوا لنا عنده.
س: عرف الشفاعة واذكر أنواعها مع التعريف لكل نوع؟
جـ: الشفاعة هي طلب التوسط عند الغير في جلب نفع أو دفع ضر وهي نوعان:
1- شفاعة مثبتة وهي التي تطلب من الله بإذنه لمن يرضى قوله وعمله أو من المخلوق فيما يقدر عليه.
2- شفاعة منفية وهي التي تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله والشفاعة بغير إذنه أو لأهل الشرك به.
س: اذكر شروط الشفاعة المثبتة مع ذكر الدليل؟
جـ: شروطها اثنان:
الأول: الإذن من الله للشافع أن يشفع كما قال تعالى: }مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ{([38]).#
الثاني: رضاه عن المشفوع له كما قال تعالى: }وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى{([39]).
س: كم أنواع شفاعة النبي ﷺ في الآخرة؟ وما هي؟
جـ: شفاعة النبي ﷺ ستة أنواع:
1- الشفاعة الكبرى التي يتأخر عنها أولو العزم من الرسل حتى تنتهي إليه ﷺ فيقول أنا لها وذلك حين يرغب الخلائق إلى الأنبياء ليشفعوا لهم إلى ربهم حتى يريحهم من كرب الموقف.
2- شفاعة لأهل الجنة في دخولها.
3- شفاعته لقوم من العصاة من أمته أن لا يدخلوا النار.
4- شفاعته في إخراج العصاة من أهل التوحيد من النار.
5- شفاعته في قوم من أهل الجنة في زيادة ثوابهم ورفع درجاتهم.
6- شفاعته في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب.
س: من أسعد الناس بشفاعة النبي ﷺ وما حقيقة هذه الشفاعة ولمن تكون؟
جـ: أسعد الناس بشفاعة النبي ﷺ من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه. وحقيقتها أن الله يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له في الشفاعة. وتكون لأهل التوحيد والإخلاص.
س: ما هي الشفاعة التي نفاها القرآن؟
جـ: ما كان فيها شرك كما تقدم.#
قال تعالى: }وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ{([40]).
س: من هو المخاطب بهذه الآية وما هو الإنذار وما المراد بالذين يخافون؟ وما هو المنذر به؟ اذكر مناسبة هذه الآية للباب؟
جـ: المخاطب الرسول محمد ﷺ والإنذار هو الإعلام بأسباب المخافة والتحذير منها والمراد بالذين يخافون هم المؤمنون. والمنذر به هو القرآن.
ومناسبة الآية للباب: أنها دلت على أن المؤمنين الذين أخلصوا نيتهم وعملهم لله تركوا التعلق على الأولياء والشفعاء.
س: ما معنى قوله تعالى: }قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا{([41])؟
جـ: أي هو مالكها فلا يجوز أن تطلب إلا منه.
قال تعالى: }مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ{([42]).
س: اشرح هذه الآية وبين سبب نزولها؟
جـ: أخبر الله تعالى أن الشفاعة إنما تقع في الآخرة بإذنه. وسبب نزولها أن المشركين قالوا ما نعبد أوثاننا إلا ليقربونا إلى الله زلفى.
قال تعالى: }وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى{([43]).
س: اذكر وجه الدلالة من هذه الآية؟#
جـ: وجه الدلالة أنه إذا نفى الله شفاعة الملائكة المقربين بغير إذنه ورضاه فكيف ترجون أيها الجاهلون شفاعة هذه الأنداد عند الله وهو لم يشرع عبادتها ولا أذن فيها بل قد نهى عنها على ألسنة جميع رسله وأنزل بالنهي عن ذلك جميع كتبه.
قال تعالى: }قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ* وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ{([44]).
س: وضح معاني الكلمات الآتية: من دون الله، مثقال ذرة، شرك، ظهير. ثم اشرح الآية وبين الشاهد منها للباب؟
جـ: من دون الله: من غير الله، مثقال ذرة: وزن نملة صغيرة، شرك: مشاركة، ظهير: معين.
شرح الآية: نفى الله في هذه الآية كل ما يتعلق به المشركون من دونه فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه أو يكون عونًا لله ولم يبق إلا الشفاعة فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب([45]). فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك وهي الشفاعة بإذنه.
والشاهد من الآية للباب: قوله تعالى: }وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ{.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
18- باب قول الله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ{([46])
س: اشرح هذه الآية وبين سبب نزولها؟
جـ: يقول الله تعالى لرسوله ﷺ إنك لا تهدي من أحببت أي ليس عليك هداهم وإنما عليك البلاغ والله يهدي من يشاء وهو أعلم بمن يستحق الهداية وله الحكمة في ذلك.
وسبب نزول هذه الآية: حرص النبي ﷺ على إسلام عمه أبي طالب.
س: ما الذي أراده المؤلف بهذا الباب؟
جـ: أراد رحمه الله الرد على عُبَّاد القبور الذين يعتقدون في الأنبياء الصالحين أنهم ينفعون أو يضرون فيسألونهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات.
س: اذكر أنواع الهداية مع التمثيل؟ وما هي الهداية المنفية في هذا الباب؟
جـ: الهداية نوعان:
الأول: هداية التوفيق والقبول وهي خلق الهدى في قلب الضال وهي المنفية في هذا الباب ولا يملكها إلا الله مثل قوله تعالى: }إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ{ أي لا تخلق التوفيق في قلب من أضله الله.
الثاني: هداية الدلالة والبيان مثل قوله تعالى: }وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ{([47])، فهو المبين عن الله والدال على دينه وشرعه.#
في الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال: «لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ﷺ وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل فقال له يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج بها عند الله. فقالا له أترغب عن ملة عبد المطلب، فأعاد عليه النبي ﷺ فأعادا، فكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول لا إله إلا الله فقال النبي ﷺ لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله عز وجل }مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ{([48])، وأنزل الله في أبي طالب }إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ{. متفق عليه.
س: ما معنى قوله حضرت أبا طالب الوفاة؟
جـ: أي حضره علامات الموت ومقدماته.
س: لماذا أمره الرسول ﷺ بقول لا إله إلا الله عند موته؟
جـ: لعلم أبي طالب بما دلت عليه من نفي الشرك بالله وإخلاص العبادة له وحده.
س: ما معنى قوله أحاج لك بها عند الله؟
جـ: أي أشهد لك بها عند الله لأنه لو قالها في تلك الحال معتقدًا ما دلت عليه من النفي والإثبات لقبلت منه ودخل في الإسلام.
س: ما هي ملة عبد المطلب؟
جـ: هي الشرك بالله في إلاهيته.
س: ما معنى قوله تعالى: }مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ{، وما سبب نزولها؟#
جـ: المعنى: ما ينبغي لهم ذلك وهو خبر بمعنى النهي نزلت لما أراد النبي rا الاستغفار لعمه أبي طالب. وأراد بعض الصحابة الاستغفار لأبويه المشركين.
س: ما هي الحكمة في عدم هداية أبي طالب إلى الإسلام؟
جـ: ليبين الله لعباده أن ذلك إليه وهو القادر عليه دون سواه فلو كان عند النبي ﷺ من هداية القلوب وتفريج الكروب ومغفرة الذنوب والنجاة من العذاب شيء لكان أحق الناس بذلك وأولاهم به عمه الذي كان يحوطه ويحميه وينصره ويؤويه.
س: اذكر ما يستفاد من حديث ابن المسيب المتقدم؟
جـ: يستفاد منه:
جواز عيادة المشرك إذا رجي إسلامه.
مضرة أصحاب السوء على الإنسان.
مضرة تعظيم الأسلاف والأكابر.
أن الأعمال بالخواتيم.
الرد على من زعم إسلام عبد المطلب.
تحريم الاستغفار للمشركين وموالاتهم ومحبتهم لأنه إذا حرم الاستغفار لهم فموالاتهم ومحبتهم أولى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
19- باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
س: اذكر مقصود المؤلف بهذا الباب؟
جـ: مقصوده بيان ما يؤول إليه الغلو في الصالحين من الشرك بالله في إلاهيته المنافي للتوحيد.
قال تعالى: }يَا أَهْل الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ{([49]).
س: اشرح الآية ومن هم أهل الكتاب وما هو الغلو وما مناسبة الآية للباب؟
جـ: يقول الله تعالى مخاطبًا لأهل الكتاب وهم اليهود والنصارى لا تجاوزوا ما حد الله لكم في الدين ولا ترفعوا المخلوق فوق منزلته التي أنزله الله فتنزلوه المنزلة التي لا تنبغي إلا لله.
والغلو مجاوزة الحد والإفراط في التعظيم بالقول والاعتقاد.
ومناسبة الآية للباب: أن من دعا نبيًا أو وليًا من دون الله فقد اتخذه إلهًا وشابه النصارى في شركهم واليهود في تفريطهم.
في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما «في قول الله تعالى: }وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا{([50]) قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن أنصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونُسِي العلم عبدت» رواه البخاري.#
س: ما المقصود بالأنصاب هنا؟ وما سبب عبادة هذه الأصنام وما المراد بنسيان العلم؟
جـ: المقصود بالأنصاب هنا الأصنام المصورة على صور أولئك الصالحين.
وسبب عبادتها: ما جرى من الأولين من تعظيمهم بالعكوف على قبورهم ونصب صورهم في مجالسهم وإغواء الشيطان بقوله لهم إن من كان قبلكم كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر. والمراد بنسيان العلم ذهابه بموت أهله.
«وقال ابن القيم قال غير واحد من السلف: لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم».
س: ما معنى عكوفهم على قبورهم؟ وما هي التماثيل، وما المراد بالأمد؟
جـ: معنى عكوفهم على قبورهم ملازمتهم لها، والتماثيل هي الصور التي تشبه الأصنام، والأمد: هو الزمان.
عن عمر أن رسول الله ﷺ قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله» أخرجاه أي البخاري ومسلم.
وقال رسول الله ﷺ: «إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث ابن عباس.
ولمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: «هلك المتنطعون قالها ثلاثًا».
س: ما هو الإطراء وما معنى قوله ﷺ: «لا تطروني» وقوله «إنما أنا عبد» ولماذا وصف نفسه بالعبودية؟
جـ: الإطراء هو المبالغة في المدح والكذب فيه. والمعنى لا تجاوزوا الحد# في مدحي بغير الواقع فيجركم إلى الكفر كما جر النصارى إليه لما تجاوزوا الحد في عيسى فاتخذوه إلهًا. وإنما أنا عبد الله ورسوله فصفوني بذلك كما وصفني ربي.
ومعنى قوله إنما أنا عبد أي ملك لله يتصرف في بما يشاء كسائر العباد فلا تقولوا في حقي شيئًا ينافي العبودية.
وإنما وصف نفسه بالعبودية لأن أشرف مقامات الأنبياء العبودية والرسالة.
س: اشرح قوله ﷺ إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو.
جـ: يحذر ﷺ أمته أن تقع فيما وقعت فيه الأمم السابقة من تعظيم الأنبياء والصالحين ورفعهم فوق منزلتهم فتهلك كما هلكوا.
س: من هم المتنطعون وما فائدة تكرير هلك ثلاث مرات؟ ما هو التنطع وما مثاله، اذكر مناسبة الحديث للباب؟
جـ: المتنطعون المتعمقون المتكلفون المجاوزون للحد في أقوالهم وأفعالهم والتنطع هو التعمق في الشيء والتكلف فيه.
ومثاله تكلف الفصاحة، والتقعر في الكلام، والامتناع من المباح.
وقال هذه الكلمة ثلاث مرات مبالغة في التعليم والإبلاغ.
ومناسبة الحديث للباب: أن التنطع من الغلو والزيادة لما فيه من الخروج إلى ما يوصل إلى الشرك بالله المنافي للتوحيد.
س: اذكر ما يستفاد من هذا الباب؟
جـ:
التحذير من الغلو في الصالحين وأنه سبب للكفر وترك الدين.#
النهي عن التصاوير ونصبها في المجالس وغيرها وأنها من أسباب الشرك.
تحريم العكوف على القبور وأنه من وسائل الشرك.
التحذير من التنطع والإطراء والمبالغة في المدح.
أن أول شرك حدث في العالم سببه الغلو في الصالحين.
كراهة التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف الفصاحة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
20- باب ما جاء في التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده؟
س: اذكر مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: مناسبته لكتاب التوحيد: أن عبادة الأولياء والصالحين شرك أكبر ينافي التوحيد وعبادة الله عند قبورهم وسيلة إلى الشرك.
في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله ﷺ كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله» متفق عليه.
فهؤلاء جمعوا بين فتنتين فتنة القبور وفتنة التماثيل.
س: ما هي الكنيسة؟ ومن هو المخاطب في قوله «أولئك» وما مرجع اسم الإشارة هنا.
جـ: الكنيسة معبد النصارى، والمخاطب أم سلمة زوج النبي ﷺ والإشارة إلى الذين يبنون المساجد على القبور ويصورون فيها الصور.
س: من هم شرار الخلق عند الله ولماذا صاروا شرار الخلق؟
جـ: هم الذين يبنون المساجد على القبور ويصورون فيها الصور. وإنما كانوا شرار الخلق لأنهم ضلوا في أنفسهم وأضلوا غيرهم وسنوا لمن بعدهم الغلو في قبور الصالحين حتى أفضى إلى عبادتها.
س: ما حكم بناء المساجد على القبور مع ذكر الدليل؟
جـ: محرم والدليل قوله ﷺ: «أولئك شرار الخلق عند الله» وقد نهى # عنه الرسول ﷺ ولعن فاعله كما سيأتي.
س: ما مناسبة حديث عائشة السابق للباب؟
جـ: هي أن فيه التغليظ والوعيد الشديد لمن اتخذ القبور مساجد.
عن عائشة رضي الله عنها قالت لما نزل برسول الله ﷺ طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها فقال وهو كذلك «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر ما صنعوا ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجدًا» متفق عليه.
س: بين معاني الكلمات الآتية: لما نزل برسول الله ﷺ طفق، يطرح خميصة، اغتم بها، كشفها؟
جـ: لما نزل برسول الله أي نزل به الموت وظهرت علاماته ومقدماته. طفق: جعل، يطرح: يضع، خميصة: كساء له أعلام، اغتم بها: احتبس نفسه عن الخروج إذا غطى بها وجهه، كشفها: أزالها عن وجهه.
س: لماذا حذر ﷺ من صنع اليهود والنصارى؟
جـ: لكي لا يفعل عند قبره أو قبور الصالحين من أمته مثله.
ولمسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال سمعت النبي ﷺ قبل أن يموت بخمس وهو يقول: «إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً. ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» فقد نهى عنه في آخر حياته ثم إنه لعن وهو في السياق من فعله.
س: ما معنى أبرأ ومن هو الخليل، وما معنى قوله ولو كنت متخذًا من# أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً- اذكر الشاهد من الحديث للباب، وما هو السياق.
جـ: أبرأ: أتبرأ وأمتنع من ذلك وأنكره، والخليل: هو الذي تخللت محبته القلب ونفذت إليه مأخوذ من الخلة وهي خالص المحبة، ومعنى قوله ﷺ لو كنت متخذًا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً: أي لو قدر أني أحببت أحدًا مع الله لكان أبا بكر صاحبه في الغار.
والشاهد من الحديث للباب: قوله ﷺ ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك. والسياق: الموت.
س: هل الصلاة عند القبور من اتخاذها مساجد المنهي عنه واذكر الدليل؟
جـ: نعم الصلاة عندها من ذلك وإن لم يبن مسجد وكل موضع يصلى فيه يسمى مسجدًا كما قال ﷺ: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا» متفق عليه.
ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد» رواه أبو حاتم في صحيحه.
س: ما معنى تدركهم الساعة وما معنى اتخاذهم القبور مساجد؟
جـ: معنى تدركهم الساعة: علاماتها ومقدماتها كخروج الدابة وطلوع الشمس من مغربها. ومعنى اتخاذ القبور مساجد الصلاة عندها وإليها وبناء المساجد عليها كما تقدم.
س: ما حكم الصلاة عند القبور مع التعليل؟#
جـ: الصلاة عند القبور محرمة لأنها وسيلة إلى الشرك بالأموات ودعائهم وسؤالهم قضاء الحاجات وتفريج الكربات مما لا يقدر عليه إلا الله.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
21- باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله
روى مالك في الموطأ: أن رسول الله ﷺ قال: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».
س: ما الذي يدل عليه هذا الحديث؟ وهل استجاب الله دعاء نبيه أم لا وما هي الأوثان؟
جـ: يدل على:
أن النبي ﷺ خاف أن يقع من أمته ما وقع لغيرهم من الأمم السابقة فتجعل قبره وثنًا يعبد من دون الله.
تحريم البناء على القبور والصلاة عندها وأن ذلك من الكبائر.
إثبات صفة الغضب لله على ما يليق بجلاله.
وقد استجاب الله دعاء نبيه فحمى قبره بما حال بينه وبين الناس فلا يوصل إليه.
والأوثان جمع وثن وهو ما قصد بنوع من أنواع العبادة لغير الله.
قال تعالى: }أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{([51]).
س: ما المقصود باللات والعزى؟ واذكر مناسبة الآية للباب؟
جـ: اللات: رجل صالح كان يلت السويق للحاج فمات فعكفوا على# قبره والسويق: دقيق الحنطة أو الشعير ولته: بله بالسمن أو الماء. والمعنى: أن هذا الرجل يطعم الحجاج السويق فلما مات غلو فيه لصلاحه فعكفوا على قبره حتى عبدوه وصار قبره وثنًا من أوثان المشركين. وقيل اللات صخرة بالطائف كانت تعبد من دون الله كما تقدم.
والعزى: شجرة بوادي نخلة بين مكة والطائف كانت العرب في جاهليتها يعظمونها ويفتخرون بها فلما ظهر الإسلام قطعت تلك الشجرة وأزيلت هي وغيرها مما كان يعبد من دون الله.
ومناسبة الآية للباب: أن تعظيم الرجال الصالحين والغلو في قبورهم والعكوف عليها يؤدي إلى الشرك المنافي للتوحيد.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لعن رسول الله ﷺ زائرات القبور المتخذين عليها المساجد والسرج» رواه أهل السنن وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية والسيوطي.
س: اذكر حكم زيارة القبور وما يفعل عندها؟
جـ: زيارة القبور حرام على النساء لأنه ﷺ لعن زائرات القبور وأما في حق الرجال فهي على نوعين مشروع وممنوع:
أما المشروع فهو زيارة القبور على الوجه الشرعي من غير سفر بأن يزورها المسلم فيدعو لأهلها ويتذكر الآخرة.
وأما الممنوع فهو نوعان:
الأول: شرك أكبر كدعاء أهل القبور والاستغاثة بهم وطلب الحوائج منهم.
الثاني: وسيلة إلى الشرك كالتمسح بالقبور والصلاة عندها وإسراجها# والبناء عليها والغلو فيها وفي أهلها إذا لم يبلغ رتبة العبادة وهذا النوع محرم.
س: ما معنى اتخاذ السرج على القبور وما حكمه؟
جـ: معناها إضاءتها بالمصابيح وهو محرم لأن فيه إضافة للمال في غير فائدة وإفراطًا في تعظيم القبور أشبه تعظيم الأصنام وهو من الكبائر الملعون فاعله.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
22- باب ما جاء في حماية المصطفى ﷺ جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك
س: ما الجناب وما المراد بحمايته؟
جـ: الجناب هو الجانب والمراد بحمايته صيانته عما يقرب منه أو يخالطه من الشرك وأسبابه.
قال تعالى: }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{([52]).
س: اشرح هذه الآية وما الذي تقتضي هذه الأوصاف التي وصف بها رسول الله ﷺ في حق أمته؟
جـ: يقول الله تعالى ممتنًا على المؤمنين حيث أرسل إليهم رسولاً من أنفسهم أي من جنسهم وعلى لغتهم يعرفونه ويعلمون صدقه وأمانته. ثم وصفه بأوصاف حميدة وهي حرصه على هدايتهم ورشدهم وإسلامهم وكراهته ما يعنتهم ويشق عليهم أو يضرهم في دنياهم وأخراهم ورأفته ورحمته بمؤمنيهم.
وتقتضي هذه الأوصاف: التي وصف بها رسول الله ﷺ في حق أمته أن أنذرهم وحذرهم الشرك الذي هو أعظم الذنوب وبين لهم وسائله الموصلة إليه وبالغ في نهيهم عنها ومن ذلك تعظيم القبور والغلو فيها والصلاة عندها وإليها ونحو ذلك مما يوصل إلى عبادتها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تجعلوا بيوتكم # قبورًا ولا تجعلوا قبري عيدًا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» رواه أبو داود بإسناد حسن ورواته ثقات.
س: ما معنى قوله ﷺ: «لا تجعلوا بيوتكم قبورا»؟
جـ: أي لا تعطلوها من الصلاة فيها والدعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور. نهاهم ﷺ أن يهجروا بيوتهم عن الصلاة فيها والعبادة كما تهجر القبور عن الصلاة إليها مخافة الفتنة بها وما يفضي إلى عبادتها.
س: ما معنى قوله ﷺ: «لا تجعلوا قبري عيدًا» وما العيد؟
جـ: المعنى لا تعينوا لزيارة قبري وقتًا من الأوقات تجتمعون فيه كما تفعلون في الأعياد والجمع. والعيد ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان مأخوذ من العادة والاعتياد.
س: اشرح قوله ﷺ: «وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم»؟
جـ: يرشدنا ﷺ أن نكثر من الصلاة عليه في كل زمان ومكان ويقول إنما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم فلا حاجة لكم إلى اتخاذه عيدًا تترددون إليه لأجل ذلك.
عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي ﷺ فيدخل فيها فيدعو فنهاه وقال ألا أحدثكم حديثًا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله ﷺ قال: «لا تتخذوا قبري عيدًا ولا بيوتكم قبورًا وصلوا علي فإن تسليكم يبلغني أينما كنتم» رواه في المختارة.
س: ما الفرجة وما الذي يستفاد من هذا الباب؟
جـ: الفرجة هي الكوة في الجدار ويستفاد من هذا الباب ما يلي:
1- النهي عن زيارة قبر النبي ﷺ على وجه مخصوص.
2- الحث على صلاة النافلة في البيت.
3- أن صلاتنا وسلامنا على النبي ﷺ تبلغه وإن بعدنا عن قبره.
4- النهي عن قصد القبور لأجل الصلاة والدعاء عندها لأن ذلك من اتخاذها عيدًا ومن وسائل الشرك.
5- أن قصد الرجل القبر لأجل السلام إذا لم يكن يريد المسجد من اتخاذه عيدًا المنهي عنه.
6- أن قصد القبر للسلام إذا دخل المسجد ليصلي منهي عنه لأن ذلك من اتخاذه عيدًا.
س: لماذا نوع المؤلف التحذير من الافتتان بالقبور وأخرجه في أبواب مختلفة؟
جـ: ليكون أوقع في القلب وأحسن في التعليم وأعظم في الترهيب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
23- باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان
س: اذكر مقصود المؤلف بهذا الباب؟
جـ: مقصوده التحذير من الشرك والتخويف منه وأنه أمر واقع في هذه الأمة لا محالة والرد على من زعم أن من قال لا إله إلا الله وتسمى بالإسلام أنه يبقى على إسلامه ولو فعل ما ينافيه من الاستغاثة بأهل القبور ودعائهم ونحو ذلك.
س: ما الأوثان؟
جـ: جمع وثن وهو كل ما قصد بنوع من أنواع العبادة من دون الله لا فرق بين الأشجار والأحجار والأبنية والقبور وغيرها فمن دعا غير الله وعبده فقد اتخذه وثنًا وخرج بذلك عن دين الإسلام.
قال تعالى: }أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ{([53]).
س: اذكر سبب نزول هذه الآية. ومن المخاطب فيها، وما المراد بالذين أوتوا نصيبًا من الكتاب؟ وما الجبت والطاغوت، اذكر مناسبة الآية للباب؟
جـ: سبب نزول هذه الآية: ما روى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال جاء حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف «اليهوديين» إلى أهل مكة فقالوا لهما أنتم أهل الكتاب وأهل العلم فأخبرونا عنا وعن محمد فقالا أنتم خير وأهدى سبيلاً. والمعنى أنهم يفضلون الكفار على المؤمنين لجهلهم وقلة دينهم وكفرهم بكتاب الله الذي بأيديهم. والمخاطب في هذه الآية الرسول محمد ﷺ.#
والمراد بالذين أوتوا نصيبًا من الكتاب في هذه الآية هم اليهود. والجبت: كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك. والطاغوت ما عبد من دون الله ورضي بذلك.
ومناسبة الآية للباب: أنه إذا كان في أهل الكتاب من يؤمن بالجبت والطاغوت فالرسول ﷺ قد أخبر أن أمته ستفعل مثل ذلك.
قال تعالى: }قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ{([54]).
س: اشرح هذه الآية وبين وجه الدلالة منها؟
جـ: يقول الله تعالى لنبيه محمد ﷺ قل لهؤلاء اليهود هل أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما تظنونه بنا وهم أنتم أيها المتصفون بهذه الصفات المفسرة بقوله }مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ{ أي أبعده من رحمته }وَغَضِبَ عَلَيْهِ{ أي غضبًا لا يرضى بعده أبدًا وجعل منهم القردة والخنازير }وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ{ أي جعل منهم من عبد الطاغوت أي أطاع الشيطان فيما سول له.
ووجه الدلالة من الآية: أنه إذا كان في اليهود من عبد الطاغوت فكذلك يكون في هذه الأمة لأنه ﷺ أخبر أن هذه الأمة ستتبع طريق من قبلهم.
قال تعالى: }قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا{([55]).
س: اشرح هذه الآية وبين وجه الدلالة منها؟
جـ: أي قال أصحاب الكلمة والنفوذ في زمن أصحاب الكهف قالوا نتخذ على أصحاب الكهف مسجدًا ليعرفوا فيقصدهم الناس ويتبركون بهم وهذا على جهة الذم لهم بدليل قوله ﷺ: «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر ما فعلوا.
ووجه الدلالة من الأية: أنه إذا كان أهل الكتاب يتخذون المساجد على القبور فكذلك يكون في هذه الأمة بدليل قوله ﷺ: «لتتبعن سنن من كان قبلكم» متفق عليه.
عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن» أخرجاه أي البخاري ومسلم.
س: اشرح هذا الحديث وما معنى سنن، وما هي القذة، وما معنى قوله فمن؟
جـ: يخبر الرسول ﷺ في هذا الحديث أن هذه الأمة ستسلك طريق من قبلهم في كل ما فعلوه كما تشبه ريشة السهم الأخرى، والسنن: بفتح السين الطرق، والقذة: ريشة السهم.
أراد النبي ﷺ أن هذه الأمة لا تترك شيئًا مما فعله اليهود والنصارى إلا فعلته وقد وقع كما أخبر وهو علم من أعلام النبوة. ومعنى قوله «فمن» أي فمن هم غير أولئك.
ولمسلم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي ستبلغ ملكها ما زوى لي منها...» الحديث.
س: ما معنى قوله ﷺ: إن الله زى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها... إلخ؟.#
جـ: المعنى جمع لي الأرض حتى أبصرت ما تملكه أمتي من أقصى المشارق والمغارب منها.
س: هل وقع ما أخبر به الرسول ﷺ من انتشار ملك أمته في المشارق والمغارب؟
جـ: نعم وذلك أن ملك أمته اتسع إلى أن بلغ طنجة وأسبانيا غربًا كما اتسع شرقًا حتى وصل إلى الهند والصين.
س: ما المقصود بالكنزين في قوله ﷺ: «وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض» ومتى وجد ذلك؟
جـ: المقصود بهما كنز كسرى ملك الفرس وهو الأبيض لأن الغالب عندهم الفضة والجوهر، وكنز قيصر ملك الروم وهو الحمر لأن الغالب عندهم الذهب.
وقد وجد ذلك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سيقت إليه الكنوز بعد ما فتح المسلمون بلادهما.
س: ما المراد بالسنة: بفتح السين في قوله ﷺ: وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة؟
جـ: المراد بالسنة هنا الجدب والقحط الذي يكون به الهلاك العام.
س: ما معنى قوله «وأن لا يسلط عليهم عدوًا من سواء أنفسهم فيستبيح بيضتهم».
جـ: المعنى وأني سألت ربي لأمتي أن لا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم من الكفار فيستولي عليهم.#
س: وهل أعطاه الله ذلك؟ وما معنى بيضتهم، وما أقطار الأرض في قوله «ولو اجتمع عليهم من بأقطارها»؟
جـ: نعم أخبر ﷺ أن الله لا يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستولي على جميع ما حازوه من البلاد والأرض وهو معنى بيضتهم وقيل بيضتهم معظمهم وجماعتهم وإن قلوا ولو اجتمع عليهم من بأقطار الأرض وهي جوانبها.
س: ما معنى قوله حتى يهلك بعضهم بعضًا ويسبي بعضهم بعضًا وهل حصل هذا؟
جـ: المعنى أن الله لا يسلط الكفار على معظم المسلمين وجماعتهم ما داموا متمسكين بدينهم ومجتمعين عليه. أما إذا حصل التفرق والاختلاف فيما بينهم والقتل والسبي من بعضهم لبعض فقد يسلط الكفار عليهم.
وقد حصل هذا فسلط بعضهم على بعض كما هو الواقع بسبب اختلافهم وتفرقهم في الدين فانشغلوا بذلك عن جهاد العدو، فسلط عليهم.
س: ما معنى قوله ﷺ عن ربه «إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد»؟
جـ: يعني إذا حكمت حكمًا مبرمًا نافذًا وقدرت قدرًا فإنه لا يرد بشيء ولا يقدر أحد على رده كما قال ﷺ: «ولا راد لما قضيت».
س: ما المقصود بالأئمة المضلين الذين خافهم الرسول على أمته؟
جـ: المقصود بهم -والله أعلم- الأمراء والعلماء الظلمة والعباد الجهلة الذين يقتدي بهم الناس فيحكمون فيهم بغير علم فيضلونهم كما قال تعالى: }وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا{([56]).#
س: ما معنى قوله ﷺ: «وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة» وهل وقع ومتى؟
جـ: المعنى إذا تقاتلت هذه الأمة فإنه سيستمر القتال فيها إلى يوم القيامة وقد يكون بحق كقتال المسلمين الكفار وقد يكون بباطل كقتال المسلمين بعضهم لبعض.
وقد حصل هذا من مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه واستمر على ذلك وكذلك يكون إلى يوم القيامة ولكن قد يكثر تارة ويقل أخرى ويكون في جهة دون أخرى.
س: ما معنى قوله ﷺ: «ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين»؟
جـ: الحي واحد الأحياء وهي القبائل كما في الرواية الأخرى «حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين» والمعنى أنهم يكونون معهم ويرتدون عن الإسلام ويلحقون بأهل الشرك.
س: اذكر الشاهد من حديث ثوبان للباب؟ وما معنى فئام؟
جـ: الشاهد منه قوله «ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان» والفئام الجماعات الكثيرة وفي الرواية الأخرى «وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان».
س: ما معنى خاتم النبيين في قوله ﷺ: «وأنا خاتم النبيين»؟
جـ: أي آخرهم الذين ختموا به فلا نبي بعده.
س: ما الذي يؤخذ من قوله ﷺ: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى» وما # الطائفة وما المقصود بأمر الله؟
جـ: يؤخذ منه بشارة عظيمة أن الحق لا يزول بالكلية بل لا تزال عليه طائفة متمسكة به وهم العاملون بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، والطائفة الجماعة من الناس.
والمقصود بأمر الله ما روي من قبض المؤمنين بريح طيبة ووقوع علامات الساعة العظام ثم لا يبقى إلا شرار الناس فعليهم تقوم الساعة والله أعلم.
***#
24- باب ما جاء في السحر أي من الوعيد فيه والتحذير منه
س: ما وجه إدخال باب السحر في كتاب التوحيد؟
جـ: لأن كثيرًا من أقسامه لا يتأتى إلا بالشرك المنافي للتوحيد.
س: كيف دخل السحر في الشرك؟
جـ: دخل فيه من جهتين:
1- من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن التعلق بهم.
2- ومن جهة ما فيه من ادعاء علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه.
س: عرف السحر لغة وشرعًا؟
جـ: السحر لغة عبارة عما خفى ولطف سببه.
شرعًا: عزائم ورقى وعقد وأعمال تؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه.
س: اذكر حكم السحر وحد الساحر مع ذكر الدليل؟
جـ: السحر محرم لأنه كفر بالله مناف للإيمان والتوحيد قال تعالى: }وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ{([57]).
وحد الساحر القتل والدليل على ذلك:
1- ما روي عن جندب مرفوعًا حد الساحر ضربه بالسيف. رواه الترمذي موقوفًا.
2- ما روي عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى عماله أن اقتلوا كل ساحر وساحرة. رواه البخاري في صحيحه.
ما صح عن حفصة أم المؤمنين أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت([58]).
فصح قتل الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي ﷺ وهم عمر وابنته حفصة وجندب.
قال تعالى: }وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ{([59]).
س: بين مرجع الضمير في }عَلِمُوا{ و}اشْتَرَاهُ{ وما هو الخلاق؟
جـ: مرجع الضمير في }عَلِمُوا{ إلى اليهود وفي }اشْتَرَاهُ{ إلى السحر أي اختاره واستبدله بكتاب الله. والخلاق: النصيب.
يقول تعالى ولقد علم اليهود الذين استبدلوا بالسحر عن متابعة الرسول ﷺ أن الساحر لا نصيب له في الآخرة. وتفيد الآية تحريم السحر ووعيد الساحر.
قال تعالى: }يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ{([60]).
س: ما المراد بالجبت والطاغوت؟
جـ: تقدم معناهما في الباب الذي قبل هذا وقال عمر بن الخطاب الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان.
وقال جابر: الطواغيت كهان كان ينزل عليهم الشيطان في كل حي واحد.#
س: ما معنى قول جابر هذا وما الحي؟
جـ: أراد أن الكهان من الطواغيت تنزل عليهم الشياطين فيخاطبونهم ويخبرونهم بما يسترقون من السمع.
وقوله «في كل حي واحد» الحي واحد الأحياء وهي القبائل أي في كل قبيلة كاهن يتحاكمون إليه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» متفق عليه.
س: ما معنى اجتنبوا وما الموبقات ولماذا سميت بهذا الاسم؟
جـ: اجتنبوا ابتعدوا والموبقات المهلكات وسميت موبقات لأنها تهلك فاعلها في الدينا بما يترتب عليها من العقوبات وفي الآخرة من العذاب.
س: عرف الشرك بالله ولماذا بدأ به واذكر الشاهد من الحديث للباب؟
جـ: الشرك بالله نوعان:
1- شرك أكبر وهو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله كالدعاء والخوف والذبح والنذر.
2- وشرك أصغر وهو كل وسيلة تؤدي إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة كالرياء والحلف بغير الله. وبدأ بالشرك لأنه أعظم الذنوب.
والشاهد من الحديث للباب قوله «والسحر» وتقدم تعريفه وحكمه. #
س: ما المقصود بقتل النفس التي حرم الله. وما الحق الذي يبيح قتل النفس؟
جـ: المقصود بالنفس التي حرم الله قتلها: هي نفس المسلم المعصوم والمعاهد. والحق الذي يبيح قتل النفس هو أن تعمل ما يوجب قتلها مثل الشرك والردة بعد الإسلام والنفس بالنفس «القصاص» والزنا بعد الإحصان «الزواج».
س: عرف الربا وما المقصود بأكله؟
جـ: الربا لغة الزيادة، وشرعًا زيادة في أشياء مخصوصة. والمقصود بأكله تناوله على أي وجه كان.
س: ما المراد بأكل مال اليتيم ولماذا عبر بالأكل؟
جـ: المراد بأكل مال اليتيم التعدي فيه ظلمًا وعبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع واليتيم الذي مات أبوه وهو صغير لم يبلغ.
س: ما معنى التولي يوم الزحف، ومتى يكون كبيرة؟
جـ: معنى التولي يوم الزحف الإدبار والفرار عن الكفار وقت التحام القتال وإنما يكون كبيرة إذا فر إلى غير فئة أو غير متحرف لقتال كما في الآية الكريمة }وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{([61]).
س: ما المقصود بالمحصنات الغافلات المؤمنات، وما معنى قذفهن وعن أي شيء احترز بقوله المؤمنات؟
جـ: المحصنات بفتح الصاد النساء المحفوظات من الزنا وبكسرها الحافظات فروجهن منه وهن الحرائر العفيفات.
ومعنى قذفهن رميهن بزنا أو لواط وهن الغافلات عن الفواحش وعن ما رمين به البريئات من ذلك المؤمنات بالله تعالى.
واحترز بالمؤمنات عن الكافرات فإن قذفهن ليس من الكبائر.
س: اذكر ما يستفاد من هذا الباب؟
جـ: يستفاد منه:
1- تحريم السحر والوعيد الشديد عليه وأنه من الكبائر.
2- وعيد الساحر وأنه يكفر ويقتل.
3- الوعيد الشديد على الشرك بأنواعه فإنه أكبر الكبائر.
4- تحريم قتل النفس وأنه من الكبائر وبيان الحق الذي يبيح قتلها.
5- تحريم أكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي عن الكفار وقت القتال وقذف المحصنات وأنها من الكبائر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
*** #
25- باب بيان شيء من أنواع السحر
س: ما صلة هذا الباب بالذي قبله؟
جـ: هي أنه لما ذكر المؤلف حكم السحر ذكر شيئًا من أنواعه.
روى أحمد أن النبي ﷺ قال: «إن العيافة والطرق والطيرة من الجبت».
س: اشرح الكلمات المذكورة في الحديث؟
جـ: العيافة: زجر الطير وتنفيرها وإرسالها، والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها.
والطرق: الخط يخط في الأرض، وقيل هو الضرب بالحصى.
والطيرة: هي التشاؤم بمرئي أو مسموع.
والجبت: تقدم تعريفه وهو السحر، وقيل رنة الشيطان أي صوته كما قال الحسن.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» رواه أبو داود وإسناده صحيح.
س: ما معنى اقتبس، وما الشعبة، وما معنى قوله زاد ما زاد؟
جـ: معنى اقتبس أخذ وحصل وتعلم، شعبة من النجوم طائفة وجزء من علم النجوم، ومعنى قوله زاد ما زاد أي كل ما زاد من تعلم النجوم زاد الإثم الحاصل بزيادة الاقتباس من شعبه.
س: ما حكم تعلم علم النجوم؟
جـ: هو على قسمين جائز ومحرم، فالجائز ما يدرك بطريق المشاهدة كالاستدلال بالشمس والقمر والنجوم على أوقات الصلاة وجهة القبلة ونحو ذلك.
والمحرم ما يدعيه أهل التنجيم من معرفة الحوادث التي لم تقع كمجيء # الأمطار، ووقت هبوب الرياح، وتغير الأسعار وغير ذلك مما استأثر الله بعلمه ولا يعلمه أحد غيره.
وللنسائي من حديث أبي هريرة «من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئًا وكل إليه».
س: ما المقصود بالعقدة وما النفث وما الذي يؤخذ من قوله «ومن سحر فقد أشرك» وما معنى قوله «من تعلق شيئًا وكل إليه»؟
جـ: العقدة جمعها عقد وهي ما يعقده الساحر، وبيان ذلك أن السحرة إذا أرادوا السحر عقدوا الخيوط ونفقوا فيها على كل عقدة حتى ينعقد ما يريدون من السحر، والنفث هو النفخ مع ريق وهو دون التفل.
ويؤخذ من قوله «ومن سحر فقد أشرك» أن الساحر مشرك ومعنى قوله «من تعلق شيئًا وكل إليه» أي من تعلق قلبه بشيء بحيث يعتمد عليه ويرجوه وكله الله إلى ذلك الشيء.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «ألا هل أنبئكم ما العضه هي النميمة القالة بين الناس» رواه مسلم.
س: ما معنى ألا هل أنبئكم وما المقصود بالعضه وما النميمة وبين حكمها وما وجه ذكرها في أنواع السحر وما معنى القالة بين الناس؟
جـ: ألا أداة تنبيه وهل أداة استفهام وأنبئكم: أخبركم، والعضه في الأصل: البهت والمراد بها هنا النميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد بينهم وهي من الكبائر.
ووجه ذكرها في أنواع السحر أن النمام يقصد الأذى بكلامه وعمله على وجه المكر والحيلة فأشبهت السحر لمشاركتها له في التفريق بين الناس. # والقالة بين الناس هي كثرة القول وإيقاع الخصومة بين الناس بما يحكى لبعضهم عن بعض.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «إن من البيان لسحرا» متفق عليه.
س: ما البيان واذكر أنواعه؟ ولماذا شبه بالسحر؟
جـ: البيان اجتماع الفصاحة وذكاء القلب مع اللسان وإنما شبه بالسحر لشدة عمله في سامعه وسرعة قبول القلب له.
والبيان على نوعين مذموم وممدوح. فالمذموم هو الذي يجعل الحق في صورة الباطل والباطل في صورة الحق، يستميل صاحبه قلوب الجهال حى يقبلوا الباطل وينكروا الحق وهذا هو المقصود في الحديث. والممدوح هو الذي يوضح الحق ويقرره ويبطل الباطل ويبينه.
س: اذكر ما يستفاد من هذا الباب؟
جـ: يستفاد منه:
1- تحريم تعلم علم النجوم لمن يدعي به معرفة علم الغيب وأن ذلك من السحر.
2- أن الساحر مشرك لأنه لا يتأتى السحر إلا بالشرك.
3- أن عقد الخيوط والنفث فيها من السحر.
4- أن النميمة من السحر.
5- أن بعض الفصاحة من السحر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
26- باب ما جاء في الكهان ونحوهم
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن الكهانة لا تخلو من الشرك المنافي للتوحيد.
س: كيف دخلت الكهانة في الشرك؟
جـ: دخلت فيه من جهتين:
1- من جهة دعوى مشاركة الله في علم الغيب الذي اختص به.
2- ومن جهة التقرب إلى غير الله كاستخدام الشياطين والاستعانة بهم.
روى مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي ﷺ عن النبي ﷺ قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يومًا».
وعن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» ﷺ رواه أبو داود.
وللأربعة والحاكم وقال صحيح على شرطهما عن أبي هريرة «من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» ﷺ.
س: ما المراد بالمنزل على محمد ﷺ؟
جـ: الكتاب والسنة.
س: ما هو الجمع بين قوله ﷺ من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يومًا وبين قوله فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ ثم اذكر ما يستفاد من الأحاديث السابقة؟
جـ: الجمع بينهما أن الوعيد على عدم قبول الصلاة محمول على مجرد مجيء العراف وسؤاله لأن في بعض روايات الصحيح لم يذكر فيها لفظ «فصدقه» # والوعيد بالكفر محمول على مجيئه وتصديقه.
ما يستفاد من الأحاديث:
1- كفر الكاهن والعراف ونحوهما لأنهم يدعون علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه.
2- تحريم إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم والوعيد الشديد على ذلك.
3- كفر من يأتيهم ويصدقهم.
4- أنه لا يجتمع تصديق الكاهن مع الإيمان بالقرآن.
وعن عمران بن حصين مرفوعًا «ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول كفر بما أنزل على محمد» ﷺ رواه البزار بسند جيد.
س: وضح معاني الكلمات المذكورة في الحديث؟
جـ: قوله ﷺ ليس منا وعيد شديد يدل على أن هذه الأمور من الكبائر. «من تطير» فعل الطيرة «أو تطير له» أمر من يتطير وقبل قول المتطير وتابعه، «أو تكهن» فعل الكهانة، «أو تكهن له» أتى الكاهن وسأله فصدقه، «سحر» عمل السحر، «سحر له» قبل قول الساحر وصدقه وتابعه فكل من تلقى هذه الأمور عمن فعلها فقد برئ منه رسول الله ﷺ.
س: اذكر الفرق بين العراف والكاهن والمنجم والرمال؟
جـ: هذه الأسماء لمن ادعى معرفة شيء من علم الغيب لكن طرقهم مختلفة.
فالعراف: هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك وقيل هو الكاهن.#
والكاهن: هو الذي يأخذ عن مسترق السمع ويخبر عن المغيبات في المستقبل وقيل هو الذي يخبر عما في الضمير.
والمنجم: هو الذي يستدل بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية.
والرمال: هو الذي يدعي معرفة المغيبات بطريق الضرب بالحصى والخط في الرمل.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق.
قال ابن عباس في قوم يكتبون أبا جاد وينظرون في النجوم: ما أرى من فعل ذلك له عند الله من خلاق. رواه الطبراني وإسناده ضعيف.
س: ما المقصود بتعلم أبا جاد وما حكم تعليمه وما هو الخلاق، وما معنى قول ابن عباس هذا؟
جـ: المقصود به معرفة حساب الجمل فيقطعون حروف أبجد هوز، حطي، كلمن... إلخ فيجعلون الألف عن واحد والباء عن اثنين، والجيم عن ثلاثة والدال عن أربعة إلى نهاية الحرف العاشر ثم يبدؤن بالكاف من «كلمن» فيجعلونها عن عشرين واللام عن ثلاثين وهكذا إلى أن تتم حروف هذه الكلمات.
وتعلمها على نوعين حرام وجائز، فالحرام لمن يدعي بتعلمها معرفة علم الغيب. والجائز لمن يتعلمها للهجاء وحساب الجمل. والخلاق: النصيب.
ويقول ابن عباس ما أعلم أو ما أظن أن من يكتب هذه الحروف ويتعلمها وينظر في النجوم ويعتقد أن لها تأثيرًا في الكون ما أظن أن له عند الله نصيبًا في الآخرة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.#
27- باب ما جاء في النشرة
س: اذكر مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن بعض أنواع النشرة من السحر وهو لا يحصل غالبًا إلا بالشرك المنافي للتوحيد.
س: عرف النشرة لغة وشرعًا، ولماذا سميت بهذا الاسم؟
جـ: النشرة لغة: الكشف والإزالة. وشرعًا: حل السحر عن المسحور بنوع من العلاج والرقية، سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء أي يكشف ويزال.
س: اذكر ما قيل في النشرة وكيف تجمع بين هذه الأقوال وبين أنواع النشرة وحكم كل نوع؟
جـ:
1- عن جابر رضي الله عنه «أن رسول الله ﷺ سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان» رواه أحمد بسند جيد وأبو داود.
وقال سئل أحمد عنها فقال ابن مسعود يكره هذا كله. أي يكره النشرة التي هي من عمل الشيطان.
2- سعيد بن المسيب يقول لا بأس بها إنما يريدون بها الإصلاح. رواه البخاري عن قتادة.
3- وروي عن الحسن البصري أنه قال لا يحل السحر إلا ساحر([62]).
والجمع بين هذه الأقوال أن النشرة «حل السحر عن المسحور» نوعان:
1- حل بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان وعليه يحمل قول الحسن# وهذا النوع محرم.
2- النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة فمثل هذا جائز وعليه يحمل قول سعيد بن المسيب.
وفي البخاري عن قتادة قلت لابن المسيب رجل به طب أو يؤخذ عن امرأته أيحل عنه أو ينشر قال لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح فأما ما ينفع فلم ينه عنه. أهـ.
س: ما المقصود بالطب هنا وما معنى يؤخذ عن امرأته وما المراد بقوله «أيحل عنه أو ينشر» فقال لا بأس به إنما يريدون به الإصلاح؟
جـ: المقصود بالطب هنا السحر. ومعنى يؤخذ عن امرأته يحبس عنها فلا يصل إلى جماعها. والمراد بقوله أيحل عنه أي ينقض عنه السحر. أو ينشر أي يكشف ويزال عنه.
فقال: لا باس به يعني النشرة أن لا بأس بها لأنهم يريدون بها الإصلاح وهو إزالة السحر ولم ينه عما يراد به الإصلاح وهذا محمول على النشرة الخالية من السحر كما تقدم والله أعلم.
***#
28- «باب ما جاء في التطير» أي من النهي عنه والوعيد فيه
س: اذكر مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن الطيرة من الشرك المنافي للتوحيد أو لكماله الواجب لما فيها من تعلق القلب بغير الله.
س: عرف التطير واذكر حكمه؟
جـ: التطير هو التشاؤم بمرئي أو مسموع من الطيور ونحوها وحكمه التحريم لأنه من الشرك.
قال تعالى: }أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{([63]).
وقال تعالى: }قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ{([64]).
س: اشرح هاتين الآيتين وبين مناسبتها للباب؟
جـ: أخبر الله تعالى في الآية الأولى أن آل فرعون كانوا إذا أصابتهم الحسنة وهي الخصب والسعة والرخاء }قَالُوا لَنَا هَذِهِ{ أي نحن الحقيقيون والجديرون ونحن أهلها }وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ{ أي بلاء وقحط تطيروا بموسى ومن معه فيقولون هذا بسبب موسى وأصحابه فقال تعالى }أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ{ أي ما قضى عليهم وقدر لهم }عِنْدَ اللَّهِ{ أي بحكمه وقضائه بسبب كفرهم وتكذيبهم لآيات الله ورسله }وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{ لا يفهمون ولو فهموا وعقلوا لعلموا أنه ليس فيما جاء به موسى عليه السلام إلا الخير والبركة والسعادة والفلاح لمن آمن به واتبعه.#
قوله تعالى: }قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ{ المعنى والله أعلم حظكم وما نالكم من شر معكم بسبب أفعالكم وكفركم ليس من أجلنا ولا بسببنا.
ومناسبة الآيتين للباب: أنهما دلتا على أن التطير من أعمال الكفار وقد ذمهم الله به ومقتهم عليه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر» أخرجاه زاد مسلم «ولا نوء ولا غول».
س: بين معاني الكلمات المذكورة في الحديث؟ وبين الشاهد منه للباب؟
جـ: ينفي الرسول ﷺ ما كان عليه أهل الجاهلية وما كانوا يعتقدونه من أن هذه الأشياء تؤثر بنفسها من غير إرادة الله.
العدوى: انتقال المرض من المريض إلى الصحيح وكانت العرب في الجاهلية تعتقد أن المرض يعدي بطبعه من غير تقدير الله تعالى.
الطيرة: سبق تعريفها وهي الشاهد من الحديث للباب.
الهامة: طير من طيور الليل تسمى البومة كانوا يعتقدون أنها إذا وقعت على بيت أحدهم تخبره بموته أو موت أحد من أهل داره فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله.
صفر: قيل هو شهر صفر كان أهل الجاهلية يتشاءمون به وقيل «صفر» دواب تخرج في البطن تهيج عند الجوع وربما قتلت يعتقدون أنها أعدى من الجرب فأبطل النبي ﷺ ذلك.
النوء: موضع سقوط الكوكب وقيل هو الكوكب «النجم» كانوا ينسبون إليه نزول المطر.#
الغول: واحد الغيلان وهو جنس من الشياطين كانوا يعتقدون أنها تتعرض لهم في الطريق فتضلهم عنه وتهلكهم فنفى النبي ﷺ ذلك بمعنى أنها لا تستطيع أن تضل أحدًا مع ذكر الله تعالى والتوكل عليه.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ «لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل. قالوا وما الفأل؟ قال الكلمة الطيبة» متفق عليه.
ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر قال ذكرت الطيرة عند رسول الله ﷺ فقال أحسنها الفأل ولا ترد مسلمًا فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك.
س: كم أنواع الطيرة وما هي؟ وما الفأل وما الفرق بينه وبين الطيرة؟
جـ: الطيرة نوعان:
أحدهما: الفأل وهو الكلمة الطيبة أي الكلام الحسن يسمعه الإنسان فيسره ويقوى رجاؤه وثقته بالله تعالى وهو محمود لأنه حسن ظن بالله.
ومثاله: أن يكون الإنسان مريضًا فيسمع رجلاً يقول يا سالم أو يكون فاقدًا ضالة فيسمع آخر يقول يا واجد فيقع في قلبه أنه يبرأ من مرضه ويجد ضالته.
النوع الثاني: الطيرة المحرمة وهي ما يحمل الإنسان على المضي فيما أراده أو يمنعه من المضي فيه وهي مذمومة لأن فيها اعتمادًا على غير الله وسوء ظن به.
والفرق بين الفأل والطيرة: أن الفأل يستعمل فيما يسر ويسوء والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء.#
س: ما معنى قوله ﷺ: «اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك» وما المراد بالحسنات والسيئات هنا؟ وما الذي يستفاد من هذا الدعاء؟
جـ: المعنى لا تأتي الطيرة بالحسنات ولا تدفع المكروهات بل أنت وحدك لا شريك لك الذي تأتي بالحسنات وتدفع السيئات. والمراد بالحسنات هنا النعم والسيئات المصائب.
ومعنى لا حول ولا قوة إلا بك: الحول التحول والانتقال أي لا تحول من حال إلى حال ولا قوة على ذلك إلا بالله وحده لا شريك له.
ويستفاد من هذا الدعاء:
1- التبري من الحول والقوة والمشيئة بدون حول الله وقوته ومشيئته.
2- نفي تعلق القلب بغير الله في جلب نفع أو دفع ضر.
عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا «الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل» رواه أبو داود والترمذي وصححه وجعل آخره من قول ابن مسعود.
س: ما الذي يؤخذ من هذا الحديث ولماذا صارت الطيرة من الشرك وما نوع هذا الشرك وما معنى قول ابن مسعود وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل؟
جـ: يؤخذ منه تحريم الطيرة وأنها من الشرك، لما فيها من التعلق على غير الله. والمراد بالشرك هنا الشرك الخفي.
ومعنى قول ابن مسعود: وما منا إلا؛ أي إلا وقد وقع في قلبه شيء من الطيرة، ولكن لما توكلنا على الله واعتمدنا عليه أذهبه الله عنا بتوكلنا واعتمادنا# عليه وحده.
ولأحمد من حديث ابن عمر «من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك قالوا فما كفارة ذلك قال أن تقول اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك» وله من حديث الفضل بن عباس رضي الله عنه إنما الطيرة ما أمضاك أوردك.
س: ما معنى هذا الحديث وما الذي يتضمن؟
جـ: معناه لا يجلب الخير ولا يدفع الشر غيرك ولا معبود سواك ويتضمن الاعتماد على الله وحده والإعراض عما سواه وأن الطيرة لا تضر من كرهها ومضى في طريقه.
وقوله: «إنما الطيرة ما أمضاك أوردك» هذا بيان الطيرة المنهي عنها أنها ما يحمل الإنسان على المضي فيما أراد أو يمنعه من المضي فيه كما تقدم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
29- باب ما جاء في التنجيم
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن بعض أنواع التنجيم من الشرك المنافي للتوحيد.
س: اذكر أنواع التنجيم مع التعريف لكل نوع وبيان حكمه؟
جـ: التنجيم نوعان:
الأول: يسمى علم التأثير وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية وهذا النوع محرم لأنه من الشرك المنافي للتوحيد لما فيه من ادعاء علم الغيب وتعلق القلب بغير الله تعالى.
والنوع الثاني: علم التسيير وهو الاستدلال بالشمس والقمر والنجوم على القبلة والأوقات والجهات وهذا النوع جائز كما تقدم.
س: ما الحكمة في خلق النجوم مع ذكر الدليل وما حكم من زعم فيها غير ما خلقت له؟
جـ: خلق الله النجوم لثلاث خصال:
1- زينة للسماء كما قال تعالى: }وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ{([65]).
2- ورجومًا للشياطين قال تعالى: }وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ{([66]).
3- وعلامات يهتدى بها: أي دلالات على الجهات يهتدي بها الناس في ذلك كما قال تعالى: }وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ{([67]).
ومن زعم فيها غير ذلك فقد أخطأ طريق الحق وأضاع نصيبه من كل خير# وتكلف ما لا علم له به.
س: ما حكم تعلم منازل القمر؟
جـ: فيه خلاف بين العلماء فرخص فيه الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، ولم يرخص فيه الإمام أبو قتادة وابن عيينة. وهذا الخلاف راجع إلى ما تقدم في أقسام التنجيم فمن رخص فيه قصد علم التسيير الجائز ومن لم يرخص فيه قصد علم التأثير المحرم.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر ومصدق بالسحر وقاطع رحم» رواه أحمد وابن حبان في صحيحه.
س: اشرح هذا الحديث وبين مناسبته لهذا الباب؟
جـ: هذا الحديث من نصوص الوعيد التي كره العلماء تأويلها وقالوا أمروها كما جاءت وهذا الوعيد يرجع إلى مشيئة الله تعالى فإن عذبهم فباستحقاقهم ذلك وإن غفر لهم فبفضله وعفوه ورحمته، فقد توعد الرسول ﷺ هؤلاء الثلاثة بعدم دخول الجنة:
1- مدمن خمر وهم المداوم على شربها ومات ولم يتب.
2- وقاطع الرحم وهو الذي لا يصل أقاربه أو يسيء إليهم بالأقوال والأفعال.
ومصدق بالسحر وهو الذي يعتقد أن للسحر مفعولاً وتأثيرًا من دون الله ومنه التنجيم لحديث «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر» وهذا وجه مناسبة الحديث للباب.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
30- باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء أي من الوعيد
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن نسبة مجيء المطر إلى الأنواء واعتقاد أن لها تاثيرًا في إنزال المطر شرك ينافي التوحيد.
س: ما هو الاستسقاء وما المراد به هنا وما هي الأنواء ولم سميت بهذا الاسم؟
جـ: الاستسقاء طلب السقيا. والمراد هنا نسبة السقيا ومجيء المطر إلى الأنواء. والأنواء جمع نوء وهو موضع سقوط الكوكب، وقيل أنه الكوكب وهو النجم وكانت العرب في الجاهلية تزعم أنه مع طلوع نجم وغروب آخر يكون مطر ينسبونه إليها وهي منازل القمر.
وإنما سمي نوءًا لأنه إذا سقط الغارب منها في المغرب ناء الطالع بالمشرق بمعنى نهض وطلع.
قال تعالى: }وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ{([68]).
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها لهذا الباب؟
جـ: يقول الله تعالى إنكم يا معشر المشركين حينما ينشر الله عليكم رحمته فينزل المطر الذي بسببه ينبت الزرع ويدر الضرع فتحيا العباد والبلاد المجدبة إنكم تنسبون هذه النعم إلى الأنواء وإنكم حقًا لكاذبون.
ومناسبة الآية للباب: أن من نسب نعمة من النعم إلى غير الله وهو المطر# في هذا الموضع إنه مشرك كافر.
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة» وقال «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب» رواه مسلم.
س: اشرح هذا الحديث مع بيان معاني الكلمات المذكورة فيه؟ وما المراد بالجاهلية هنا ولم سميت بهذا الاسم واذكر الشاهد من الحديث للباب؟
جـ: أخبر النبي ﷺ في هذا الحديث أن بعض أمر الجاهلية لا يتركه الناس كلهم ذمًا لمن لم يتركه وهذا يقتضي أن كل ما كان من أمر الجاهلية وفعلهم فهو مذموم في دين الإسلام. والمراد بالجاهلية هنا ما قبل مبعث النبي ﷺ سموا بذلك لكثرة جهلهم. وكل ما يخالف ما جاء به الرسول ﷺ فهو جاهلية.
معاني الكلمات:
1- الفخر بالأحساب: والمراد به التعاظم والتطاول والتكبر على الناس بالمال والشرف والجاه.
2- الطعن في الأنساب: وهو الوقوع فيها بالعيب والتنقص والقدح.
3- الاستسقاء بالنجوم: وهو نسبة مجيء المطر إلى النوء وهو سقوط النجم، وهذا هو الشاهد من الحديث للباب.
4- النياحة على الميت: وهي رفع الصوت بالندب جزعًا على الميت وهي من الكبائر لشدة الوعيد والعقوبة عليها.
س: اشرح قوله ﷺ: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم# القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب» مع بيان معاني الكلمات الآتية: تقام، سربال، قطران، درع، واذكر ما يستفاد منه؟
جـ: معاني الكلمات: تقام: توقف، سربال: واحد السرابيل، وهي الثياب والقمص، القطران: هو النحاس المذاب، والدرع: هو القميص.
معنى الحديث: يخبر الرسول ﷺ بشدة عذاب النائحة وأنها إذا ماتت من غير توبة توقف يوم القيامة وقد ألبست ثوبًا من نحاس يعني أنهن يلطخن بالنحاس المذاب فيكون لهن كالقمص حتى يكون اشتعال النار في أجسادهن أعظم ورائحتهن أنتن وألمهن بسبب الجرب أشد فيسلط على أعضائها الجرب والحكة بحيث يغطى بدنها تغطية الدرع له لأنها كانت تجرح بكلماتها المحرقة قلوب ذوي المصيبات.
ويستفاد من هذا الحديث: تحريم النياحة والحث على التوبة وأنَّها تكفر الذنوب وإن عظمت.
عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: «صلى لنا رسول الله ﷺ صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل علي الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال: قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» متفق عليه.
س: بين معاني الكلمات الآتية: صلى لنا، الحديبية، إثر سماء، انصرف، وما معنى الاستفهام في قوله هل تدرون، وما المقصود بالإضافة في قوله من عبادي؟ وما الذي يؤخذ من قولهم الله ورسوله أعلم، وما هو الكوكب، اذكر ما يستفاد من هذا الحديث وبين مناسبته للباب؟ #
جـ: صلى لنا: أي بنا، الحديبية: موقع قريب من مكة، إثر سماء: عقب مطر، انصرف: التفت من صلاته إلى المأمومين، والاستفهام للتنبيه، والإضافة لعموم المسلم والكافر، ويؤخذ من قولهم الله ورسوله أعلم: حسن الأدب وأنه ينبغي لمن سئل عما لا يعلم أن يقول الله أعلم، والكوكب: النجم.
ويستفاد من هذا الحديث:
1- أنه لا يجوز لأحد أن يضيف أفعال الله إلى غيره.
2- أن نعم الله لا يجوز أن تضاف إلا إليه وحده.
3- إثبات صفة الفضل والرحمة لله تعالى.
ومناسبة الحديث للباب: أنه دل على نسبة مجيء المطر إلى الأنواء كفر بالله.
س: اذكر سبب نزول قوله تعالى: }فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ{ الآيات «75-82» الواقعة، ثم اشرح الآية وبين المناسبة بين المقسم به والمقسم عليه، ولماذا خصصت مواقع النجوم بالقسم بها؟
جـ: سبب نزول الآيات ما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: مطر الناس على عهد النبي ﷺ فقال النبي ﷺ: أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا هذه رحمة الله وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا فأنزل الله هذه الآيات }فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ{ إلى قوله }وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ{ «75-82» من سورة الواقعة.
شرح الآية: أقسم الله تعالى بمواقع النجوم وهي مساقط كواكب السماء ومغاربها وله أن يقسم بما شاء من خلقه على ما يشاء والمقسم عليه القرآن الكريم. #
والمناسبة بين المقسم به والمقسم عليه أن النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الغي والجهل.
وخصت مواقع النجوم بالقسم بها لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على مؤثر دائم لا يتغير وهو الله تعالى.
س: اذكر حكم نسبة السقيا ومجيء المطر إلى الأنواء؟
جـ: هو على نوعين أحدهما أن يعتقد أن للنوء تأثيرًا في إنزال المطر فهذا كفر لأنه أشرك في الربوبية والمشرك كافر.
الثاني: أن ينسب إنزال المطر إلى النجم مع اعتقاد أن الله هو الفاعل لذلك لكن أجرى الله العادة بنزول المطر عند سقوط ذلك النجم فهو من الشرك الأصغر لأنه نسب نعمة الله إلى غيره. والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
31- باب قول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ{([69])
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها لكتاب التوحيد؟
جـ: أخبر الله تعالى أن من أحب من دون الله شيئًا كما يحب الله فهو ممن اتخذ من دون الله أندادًا أي أمثالاً ونظراء وأشباهًا يساوونهم بالله في المحبة والتعظيم.
ومناسبة الآية لكتاب التوحيد: أن من أحب أحدًا كما يحب الله فقد أشرك الشرك الأكبر المنافي للتوحيد.
قال تعالى: }قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ{([70]).
س: بين معاني الكلمات الآتية: عشيرتكم، اقترفتموها، تجارة، كسادها، ومساكن ترضونها، فتربصوا، ثم اشرح الآية وبين مناسبتها لهذا الباب؟
جـ: عشيرتكم: أقرباؤكم الأدنون، اقترفتموها: اكتسبتموها، تجارة: أمتعة اشتريتموها للتجارة والربح، كسادها: بوارها وعدم رواجها، مساكن ترضونها: منازل تعجبكم للإقامة بها، فتربصوا: انتظروا ماذا يحل بكم من العقاب.
شرح الآية: يأمر الله رسوله أن يثبت المؤمنين ويقوي عزائمهم على# الانتهاء عما نهوا عنه من موالاة الآباء والإخوان الذين استحبوا الكفر على الإيمان ويزهدهم فيهم ويقطع علائقهم عن زخارف الدنيا على وجه التوبيخ والترهيب.
ومناسبة الآية للباب: أن فيها وعيد شديد على من كانت الثمانية أحب إليه من دينه.
عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» أخرجاه أي البخاري ومسلم.
س: اشرح هذا الحديث وما الذي تقتضي محبة الرسول ﷺ؟ وما مناسبته للباب؟
جـ: أخبر ﷺ أن الإنسان لا يكون آتيًا بالإيمان الواجب حتى يقدم محبة الرسول ﷺ على محبة نفسه وأقرب الناس إليه وأن من استكمل الإيمان علم أن حق النبي ﷺ أكبر عليه من حق أبيه وابنه والناس أجمعين، ففيه وجوب تقديم محبته ﷺ على النفس والأهل والمال.
وتقتضي محبته ﷺ طاعته ومتابعته والعمل بسنته.
ومناسبة هذا الحديث للباب: أن محبة الرسول ﷺ واجبة تابعة لمحبة الله لازمة لها تزيد بزيادتها وتنقص بنقصها.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار» وفي رواية «لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى... إلى آخره» متفق عليه.#
س: وضح معاني الكلمات الآتية: ثلاثٌ، كنَّ فيه، حلاوة الإيمان، واشرح هذا الحديث وما الذي تستوجب محبة الله؟
جـ: ثلاث: أي ثلاث خصال، كن فيه: أي وجدت فيه تامة، حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات وتحمل المشقات في رضا الله ورسوله.
يخبر الرسول ﷺ أن من اتصف بهذه الصفات نال اللذة والبهجة والسرور والفرح وهي أن تكون محبة الله ورسوله مقدمة على محبة الأولاد والأموال والأزواج وغيرها وأن تكون محبة الإنسان لغيره من الناس خالصة لله وأن يكره ضد الإيمان كما يكره الإلقاء في النار.
وتقتضي محبة الله فعل طاعته وترك مخالفته والعمل بكتابه وسنة رسوله ومحبة ما يحبه ومن يحبه كمحبة أنبيائه ورسله والصالحين من عباده.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «من أحب في الله وأبغض في الله ووالى في الله وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك. وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئًا» رواه ابن جرير.
وقال ابن عباس في قوله }وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ{ قال المودة.
س: وضح معاني الكلمات المذكورة في الحديث؟
جـ: أحب في الله: أي أحب أهل الإيمان بالله وطاعته من أجل ذلك.
أبغض في الله: أي أبغض من كفر بالله وأشرك به وخرج عن طاعته لأجل ما فعلوا مما يسخط الله.
والى في الله: نصر أوليائه وأهل طاعته وأيدهم.
عادى في الله: حارب أهل معصيته وجاهد أعداءه. #
ولاية الله: توليه لعبده ومحبته ونصرته له.
ولن يجد أحد طعم الإيمان: أي لا يحصل له ذوق الإيمان ولذته وسروره.
حتى يكون كذلك: أي حتى يحب في الله ويبغض في الله ويعادي في الله ويوالي في الله.
مؤاخاة الناس: تآخيهم ومحبتهم وموالاتهم على شئون الدنيا.
لا يجدي على أهله شيئًا: أي لا تنفعهم محبتهم لأجل الدنيا بل تضرهم.
س: ما معنى قوله تعالى }وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ{([71])؟
جـ: المعنى أن المشركين مع الله في المحبة في الدنيا انقطعت عنهم هذه المحبة في الآخرة ولم تغن عنهم شيئًا وتبرأ بعضهم من بعض فينقطع يوم القيامة كل سبب ووسيلة كانت لغير الله.
س: اذكر أنواع المحبة مع التعريف لكل نوع؟
جـ: المحبة أربعة أنواع:
1- محبة الله وهي أصل الإيمان والتوحيد.
2- المحبة في الله وهي محبة أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين ومحبة ما يحبه الله من الأعمال والأزمنة والأمكنة وغيرها وهذه تابعة لمحبة الله ومكملة لها.
3- محبة مع الله وهي محبة المشركين لآلهتهم وأندادهم من شجر وحجر وبشر وملك وغيرها وهي أصل الشرك وأساسه.
4- محبة طبيعية وهي ثلاثة أقسام:
«أ» محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد.#
«ب» محبة شفقة ورحمة كمحبة الولد.
«جـ» محبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس.
وكذلك محبة الطعام والشراب واللباس والنكاح ونحوها وهذه إذا كانت مباحة وأعانت على طاعة الله فهي عبادة وإن توسل بها إلى محرم فهي محرمة وإلا بقيت من أقسام المباحات.
س: ما هي الأسباب الجالبة لمحبة الله لعبده ومحبة العبد لربه؟
جـ: عشرة:
1- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.
2- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض.
3- دوام ذكر الله على كل حال باللسان والقلب والعمل.
4- إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى.
5- مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها.
6- مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة.
7- انكسار القلب بين يديه.
8- الخلوة به وقت النزول الإلهي آخر الليل.
9- مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم.
10- مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.
فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب. «مدارج السالكين لابن القيم جزء 3 ص 17» والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
32- باب قول الله تعالى: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{([72])
س: من هو المخاطب في هذه الآية وما المقصود بالشيطان؟ وما المراد بأوليائه؟ اشرح هذه الآية وبين مناسبتها لكتاب التوحيد؟
جـ: المخاطب في هذه الآية المؤمنون، والمقصود بالشيطان إبليس. والمراد بأوليائه حزبه وجنده وأعوانه.
شرح الآية: يخبر الله تعالى أن الشيطان يخوف المؤمنين بأوليائه ويعظمهم في صدورهم ونهى الله المؤمنين أن يخافوا غيره وأمرهم أن يقصروا خوفهم على الله فلا يخافون أحدًا سواه إن كانوا مؤمنين لأن الإيمان يقتضي أن يؤثروا خوف الله على خوف الناس.
ومناسبة هذه الآية لكتاب التوحيد: أنها دلت على وجوب إفراد الله بالخوف لأنه عبادة فصرفه لغير الله شرك ينافي التوحيد.
س: عرف الخوف واذكر أنواعه مع بيان حكمه؟
جـ: الخوف هو الفزع والوجل وتوقع العقوبة وهو أربعة أنواع:
1- خوف الله تألهًا وتعبدًا له وتقربًا إليه وهو من أعظم واجبات الإيمان.
2- خوف السر وهو أن يخاف الإنسان من غير الله من وثن أو طاغوت أو ميت أو غائب أن يصيبه بما يكره وهذا شرك أكبر ينافي التوحيد.
3- أن يترك الإنسان ما يجب عليه خوفًا من بعض الناس فهذا محرم وهو نوع من الشرك بالله المنافي لكمال التوحيد.
4- الخوف الطبيعي وهو الخوف من عدو أو سبع ونحو ذلك مما يخشى ضرره فهذا جائز ولا يذم فاعله.
قال تعالى: }إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ{([73]).
س: اشرح هذه الآية مع بيان المقصود بالخشية وعمارة المساجد ثم بين مناسبة هذه الآية للباب؟
جـ: يقول تعالى إنما يليق بعمارة مساجد الله من صدق بالله وصدق بالبعث والجزاء فآمن بقلبه وعمل بجوارحه فأقام الصلاة وداوم عليها مستوفيًا لشروطها وأركانها وواجباتها وسننها، وأخرج الزكاة الواجبة من ماله وأعطاها لمستحقيها وأفرد الله بالخشية والخوف ولم يخش أحدًا سواه.
والمراد بالخشية: خشية التعظيم والعبادة والطاعة.
والمقصود بعمارة المساجد: ما يعم عمارتها الحسية بالبناء والترميم وعمارتها المعنوية بدوام العبادة فيها بالصلاة والذكر.
ومناسبة الآية للباب: أنها دلت على أن المؤمنين الموصوفين بهذه الصفات أفردوا الله بالخوف والخشية دون سواه.
قال تعالى: }وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ{([74]).#
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها للباب؟
جـ: يقول الله تعالى مخبرًا عن صفات قوم من المكذبين الذين يدعون الإيمان بألسنتهم ولم يثبت في قلوبهم أنهم إذا أوذوا في الله أي من أجله وفي سبيله بأن عذبهم المشركون على الإيمان به كما حصل في أول الإسلام جعلوا فتنة الناس وهي أذاهم في الدنيا منزلة عذاب الله في الآخرة فجزعوا من ذلك ولم يصبروا.
ومناسبة الآية للباب: أن الله ذم فيها من خاف الناس وجعل عقوبتهم مثل عقوبة الله فارتد عنه دينه بسبب خوفهم وأذيتهم.
عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعًا «إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله، إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره» رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي.
س: وضح معاني الكلمات المذكورة في الحديث وبين مناسبته لهذا الباب؟
جـ: ضعف اليقين: الضعف ضد القوة، واليقين كمال الإيمان.
ترضي الناس بسخط الله: تؤثر رضاهم على رضا الله وتتقرب إليهم بما يسخط الله.
تحمدهم على رزق الله: أي تثني عليهم بما أوصل إليك من أيديهم بأن تضيفه إليهم وهذا لا ينافي شكرهم بمكافأتهم والدعاء لهم.
وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله: أي إذا طلبت منهم شيئًا فمنعوك ذممتهم عليه لأن الله لم يقدر لك ما طلبته على أيديهم. #
فمن علم أن الله هو المنفرد بالعطاء والمنع وأنه هو الذي يرزق العبد من حيث لا يحتسب لم يمدح مخلوقًا على رزق ولم يذمه على منع بل يفوض أمره إلى الله ويعتمد عليه ولهذا قال ﷺ: «إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره» أي إذا قدر لك رزقًا أتاك ولو اجتهد الخلق في منعه، وإذا لم يقدر لم يحصل ولو اجتهدوا في إيصاله إليك.
ومناسبة الحديث للباب: أن فيه ذم لمن خاف الناس وقدم رضاهم على رضى الله.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: «من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس» رواه ابن حبان في صحيحه.
س: ما معنى التمس واذكر ما يستفاد من هذا الحديث وبين مناسبته للباب؟
جـ: معنى التمس: طلب، ويستفاد من هذا الحديث:
1- أن من اتقى الله كفاه مؤنة الناس.
2- الحث على تقديم رضا الله على رضا الناس والتحذير من ضده.
3- أن من أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئًا.
4- إثبات صفتي الرضاء والسخط لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته.
ومناسبة الحديث للباب: أن فيه وعيد لمن خاف الناس فآثر رضاهم على رضا الله. والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
33- باب قول الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ{([75])
س: ما معنى هذه الآية وبين مناسبتها لكتاب التوحيد؟
جـ: يقول تعالى إن كنتم مؤمنين بالله ومصدِّقين به فلا تعتمدوا في جميع أموركم إلا عليه وحده.
ومناسبة الآية لكتاب التوحيد: أن التوكل على الله عبادة يجب إخلاصه لله فصرفه لغيره شرك ينافي التوحيد.
س: عرف التوكل واذكر أنواعه مع بيان حكمها وما علاقته بالإيمان؟
جـ: التوكل هو الاعتماد والتفويض وهو أربعة أنواع:
1- التوكل على الله في جميع الأمور من جلب المنافع ودفع المضار وهو واجب ومن شروط الإيمان.
2- التوكل على المخلوقين في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله كالتوكل على الأموات والغائبين ونحوهم من الطواغيت في رجاء مطالبهم من نصر أو رزق أو حفظ فهذا شرك أكبر ينافي التوحيد.
التوكل على الأحياء الحاضرين كالتوكل على الأمير والسلطان ونحوهم فيما أقدرهم الله عليه من رزق أو دفع أذى ونحو ذلك فهذا نوع شرك أصغر.
توكيل الإنسان غيره في فعل ما يقدر عليه نيابة عنه كالبيع والشراء والإجارة فهذا جائز ولكن لا يقول توكلت عليه بل يقول وكلته فإنه لو وكله فلابد أن يتوكل في ذلك على الله سبحانه وتعالى. #
قال تعالى: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{([76]).
س: اشرح هذه الآية واذكر الشاهد منها للباب وما الذي يستفاد منها؟
جـ: وصف الله المؤمنين في هذه الآية بصفات حميدة وصلوا بواستطها إلى حقيقة الإيمان وكماله:
1- أنهم إذا ذكر الله وجلت قلوبهم أي خافت فأدوا فرائضه وتركوا ما نهاهم عنه.
2- أنهم يعتمدون على الله وحده ويتوكلون عليه ويفوضون أمورهم إليه، وهذه الصفة هي الشاهد من الآية للباب.
3- أنهم إذا تليت عليهم آيات الله ازداد إيمانهم وتحقق يقينهم.
4- أنهم يقيمون الصلاة ويأتون بها على الوجه الأكمل بأوقاتها وواجباتها وشروطها وأركانها.
5- أنهم ينفقون مما رزقهم الله من أموالهم النفقات الواجبة والمستحبة.
وبهذه الخصال الخمسة نالوا الجزاء الأوفى والدرجات العلى والمغفرة والرزق الكريم في جنات النعيم.
وتفيد الآية: أن الإيمان يزيد بالطاعة كما أنه ينقص بالمعصية.
س: كيف رتب هذا الجزاء على هذه الأعمال الخمسة دون غيرها من الواجبات؟
جـ: لأن هذه الأعمال مستلزمة لفعل الواجبات وترك جميع المحرمات. #
قال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{([77]).
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها للباب؟
جـ: يقول تعالى مخاطبًا لرسوله محمد ﷺ: الله كافيك وكافي أتباعك من المؤمنين فلا تحتاجون معه إلى أحد.
ومناسبة الآية للباب: هي أنه إذا كان الله هو الكافي لعبده وجب أن لا يتوكل إلا عليه.
قال تعالى: }وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ{([78]).
س: ما معنى هذه الآية؟ وما الذي تدل عليه؟ وهل التوكل ينافي القيام بالأسباب أم لا؟ علل لما تقول؟
جـ: معنى الآية: أن من يعتمد على الله فهو كافيه وتدل على فضل التوكل وأنه من أعظم الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار. والتوكل لا ينافي القيام بالأسباب لأنه من جملة الأسباب المأمور بها شرعًا فترك الأسباب المأمور بها قادح في التوكل.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «}حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{ قالها إبراهيم ﷺ حين ألقي في النار وقالها محمد ﷺ حين قالوا له }إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{» رواه البخاري والنسائي.
س: ما معنى }حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{ واذكر شيئًا من فضل هذه الكلمة؟ جـ: معنى }حَسْبُنَا اللَّهُ{ كافينا ومتول أمورنا فلا نتكل إلا عليه }وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{ أي نعم الموكول إليه والمعتمد عليه.
من فضل هذه الكلمة العظيمة أنها قول الخليلين عليهما الصلاة والسلام في الشدائد وجاء في الحديث «إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل»([79]).
والله أعلم وصلى الله على محمد.
***#
34- باب قول الله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ{([80])
س: اذكر معنى هذه الآية وبين مناسبتها لكتاب التوحيد؟
جـ: معنى الآية أن الله تبارك وتعالى لما ذكر أهل القرى المكذبين للرسل بين أن الذي حملهم على ذلك هو الأمن من مكر الله وعدم الخوف منه وأخبر أنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وهم الهالكون.
ومناسبة الآية لكتاب التوحيد: أن الأمن من مكر الله من أعظم الذنوب وأنه ينافي كمال التوحيد.
س: ما هو مكر الله؟
جـ: مكر الله قال ابن كثير: بأسه ونقمته وقدرته عليهم وأخذه إياهم في حال سهوهم وغفلتهم، وقال ابن جرير هو استدراج الله إياهم بما أنعم به عليهم([81]) يعني أن الله تعالى يسبغ على العبد نعمه على عصيانه وكفره ثم يأخذه بغتة وهو لا يشعر.
س: اذكر مقصود المؤلف بهذا الباب؟
جـ: مقصوده التنبيه على وجوب الجمع بين الخوف والرجاء.
قال تعالى: }ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون{([82]).
س: ما هو القنوط وما مناسبة الآية للباب ولماذا ذكر المؤلف هذه الآية # مع التي قبلها ومن هم الضالون؟
جـ: القنوط: استبعاد الفرج واليأس منه.
ومناسبة الآية للباب: أن القنوط من رحمة الله ذنب عظيم ينافي كمال التوحيد، كما أن الأمن من مكر الله كذلك.
وذكر المؤلف هذه الآية مع التي قبلها تنبيهًا على أنه لا يجوز لمن خاف الله أن يقنط من رحمته بل يكون خائفًا راجيًا، يخاف ذنوبه ويعمل بطاعة الله ويرجو رحمته.
والضالون: هم المخطئون طريق الصواب أو الكافرون.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ سئل عن الكبائر فقال: «الشرك بالله واليأس من روح الله والأمن من مكر الله» رواه البزار وابن أبي حاتم.
وعن ابن مسعود قال «أكبر الكبائر الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله» رواه عبد الرازق([83]).
س: عرف الكبائر وهل هي منحصرة في هذه الثلاث أم لا وضح ما تقول؟
جـ: الكبائر جمع كبيرة وهي كل معصية فيها حد في الدنيا كالقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر، أو وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب أو لعنة أو نفي إيمان أو بريء منه الرسول ﷺ أو قال ليس منا من فعل كذا وكذا.. وهي غير منحصرة في هذه الثلاث بل هي كثيرة وهذه الثلاث من أكبرها كما # في حديث ابن مسعود.
س: بين معاني الكلمات الآتية: الشرك بالله، اليأس من روح الله، الأمن من مكر الله، القنوط من رحمة الله، ولماذا ذكر المؤلف هذا الحديث المتضمن لهذه الأشياء في كتاب التوحيد؟
جـ: الشرك بالله: هو أكبر الكبائر وهو أن يجعل لله شريكًا في ربوبيته أو عبادته يدعوه أو يرجوه أو يخافه أو يحبه كما يحب الله أو يصرف له نوعًا من أنواع العبادة وهو هضم للربوبية وتنقص للإلهية وسوء ظن برب العالمين.
اليأس من روح الله: قطع الرجاء من رحمته.
الأمن من مكر الله: عدم الخوف من استدراجه للعبد وسلبه ما أعطاه من الإيمان.
القنوط من رحمة الله: شدة اليأس من رحمته وتقدم معناه، وذكر المؤلف هذا الحديث المتضمن لهذه الأشياء في كتاب التوحيد تحذيرًا منها لأن منها ما ينافي التوحيد كالشرك بالله ومنها ما ينافي كماله كبقيتها.
***#
35- باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن عدم الصبر على أقدار الله وتسخطها ينافي الوحيد والإيمان.
س: عرف الصبر لغة وشرعًا واذكر أقسامه وبين حكمه ومنزلته من الإيمان؟
جـ: الصبر في اللغة: الحبس والمنع، وفي الشرح حبس النفس عن الجزع وحبس اللسان عن التشكي والتسخط وحبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوهما عند المصيبة، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد والصبر ثلاثة أنواع:
1- صبر على ما أمر الله به.
2- وصبر عما نهى الله عنه.
3- وصبر على ما قدره الله من المصائب.
وحكمه الوجوب.
س: قال تعالى: }وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ{([84]) اشرح هذه الآية واذكر ما يستفاد منها وبين مناسبتها للباب.
جـ: أي من أصابته مصيبة فعلم أنها بقدر الله فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبه وعوضه عما فاته من الدنيا وعما أصابه هدى في قلبه ويقينًا صادقًا فعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه. # ويستفاد من هذه الآية: أن الصبر على المصيبة سبب لهداية القلوب وطمأنينتها وأنها من ثواب الصابرين.
ومناسبة الآية للباب: أنها بينت ثواب الصبر والتحلي به والحث عليه.
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «اثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت».
س: ما معنى الطعن في النسب وما هي النياحة وضح درجة الكفر المذكور في الحديث، ثم اشرح الحديث وبين مناسبته للباب؟
جـ: الطعن في النسب عيبة والقدح فيه ومن ذلك أن يقال هذا ليس ابن فلان مع ثبوت نسبه وآل فلان ليس نسبهم جيدًا ونحو ذلك. والنياحة على الميت رفع الصوت بالبكاء وتعداد فضائل الميت. ودرجة الكفر المذكور في الحديث صغرى لأنه والله أعلم من الكفر الذي لا ينقل عن الملة. فقد أخبر الرسول ﷺ أن هاتين الخصلتين الطعن في النسب والنياحة على الميت كفر لأنهما من أعمال الكفار في الجاهلية.
ومناسبة الحديث للباب: أنه دل على تحريم النياحة لما فيها من التسخط على القدر المنافي للصبر.
عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا «ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية» متفق عليه.
س: اشرح هذا الحديث وبين مناسبته لهذا الباب، وما هي دعوى الجاهلية؟
جـ: هذا الحديث من نصوص الوعيد التي كره العلماء تأويلها ليكون أوقع في النفس وأبلغ في الزجر فقد برئ رسول الله ﷺ ممن فعل هذه الأشياء وهو يدل على أن عمل هذه الأشياء عند المصيبة من الكبائر. #
وضرب الخدود: لطمها جزعًا على الميت وخص الخد بذلك لكونه الغالب وإلا فضرب بقية البدن مثله، والجيوب: جمع جيب هو ما يدخل فيه الرأس من الثوب، وشقها تمزيقها جزعًا على الميت وهو من عادة أهل الجاهلية.
ودعوى الجاهلية هي ندب الميت والدعاء بالويل والثبور وكذلك الدعاء إلى القبائل والعصبية للأنساب ومثله التعصب للمذاهب والطوائف والمشايخ.
ومناسبة الحديث للباب: أنه أفاد تحريم هذه الأشياء وأنها تنافي الصبر والإيمان الواجب.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» رواه الترمذي وحسنه والحاكم.
س: اشرح هذا الحديث وبين مناسبته للباب وما معنى أمسك عنه، يوافي به؟
جـ: يخبر الرسول ﷺ أن علامة إرادة الله بعبده الخير أن يصب عليه البلاء والمصائب فمرة في نفسه وأخرى في أهله وأولاده وتارة في ماله لما حصل منه من الذنوب فيخرج من الدنيا وليس عليه ذنب فيلقى الله وما عليه خطيئة يجازى بها يوم القيامة. وأن علامة إرادة الله بعبده الشر أن لا يجازيه بذنبه في الدنيا حتى يجيء في الآخرة وافر الذنوب فيستوفي ما يستحقه من العقاب. ومعنى أمسك عنه: أخر عقوبته ومعنى يوافي به: يجيء بذنبه يوم القيامة.
ومناسبة الحديث للباب: أنه دل على أن المصائب التي يبتلى بها الإنسان مكفرات لذنوبه إذا صبر واحتسب.
قال ﷺ: «إن عظم الجزاء منع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قومًا # ابتلاهم فمن رضي فله الرضاء ومن سخط فله السخط» حسنه الترمذي.
س: اشرح الحديث وبين مناسبته للباب؟
جـ: أخبر الرسول ﷺ أن من كان ابتلاؤه أشد فجزاؤه أعظم وأن علامة حب الله لعباده أن يبتليهم بالمصائب لتكفر عنهم ذنوبهم وسيئاتهم ويزيد في حسناتهم ويعظم لهم الأجر والثواب فمن رضي عن الله بما قدره عليه وقضاه فله الرضاء من الله، ومن سخط أقدار الله سخط الله عليه.
والرضاء والسخط من الله صفتان من صفاته يجب الإيمان بهما وإثباتهما لله على ما يليق بجلاله وعظمته كسائر صفاته والرضاء من الإنسان هو أن يسلم أمره لله ويحسن الظن به ويرغب في ثوابه. والسخط هو الكراهية للشيء وعدم الرضا به.
ومناسبة الحديث للباب: أن فيه وعيد لمن سخط أقدار الله ولم يصبر على البلاء.
س: اذكر ما يستفاد من هذا الباب؟
جـ: يستفاد منه:
1- وجوب الصبر وأنه من الإيمان.
2- فضل الصابرين وكثرة ثوابهم.
3- تحريم الطعن في النسب والنياحة على الميت.
4- شدة الوعيد على من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية عند المصيبة.
5- تحريم السخط وثواب الرضا بالبلاء.
36- باب ما جاء في الرياء أي من النهي عنه والتحذير منه
س: عرف الرياء وما الفرق بينه وبين السمعة وما علاقة هذا الباب بكتاب التوحيد؟
جـ: الرياء مشتق من الرؤية وهو ترك الإخلاص في العمل بملاحظة غير الله فيه، وقيل هو فعل الخير لإرادة الغير، والمراد به إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمد صاحبها.
والفرق بين الرياء والسمعة، أن الرياء لما يرى من العمل كالصلاة، والسمعة لما يسمع من القول كالقراءة وأنواع الذكر.
وعلاقة هذا الباب بكتاب التوحيد: أن الرياء شرك أصغر مناف لكمال التوحيد.
قال تعالى: }قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا{([85]).
س: اشرح هذه الآية واذكر سبب نزولها وبين مناسبتها للباب وما الذي يستفاد منها؟
جـ: يقول تعالى مخاطبًا لرسوله ﷺ قل لهؤلاء المشركين المكذبين برسالتك إنما أنا بشر مثلكم ليس لي من الربوبية ولا من الإلهية شيء بل ذلك كله لله وحده لا شريك له أوحاه إلي وإنما أخبركم إلهكم الذي أدعوكم إلى عبادته إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه ورؤيته يوم القيامة وجزاءه الصالح فليعمل عملاً صالحًا وهو ما كان موافقًا لسنة رسول الله ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا أي # لا يرائي بعمله أحدًا.
سبب نزولها: ما روى ابن أبي حاتم بسنده عن طاوس قال: قال رجل يا رسول الله إني أقف الموقف أريد به وجه الله وأحب أن يرى موطني فلم يرد عليه رسول الله ﷺ شيئًا حتى نزلت هذه الآية.
ومناسبتها للباب: أن السعادة والخير والفلاح في لقاء الله تبارك وتعالى وأن لقاء الله يحصل بالعمل الصالح الخالص من الرياء والسمعة.
ويستفاد منها: أن العمل الصالح مردود إذا دخله شيء من الشرك والرياء.
عن أبي هريرة مرفوعًا «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه» رواه مسلم.
س: ما معنى هذا الحديث واذكر مناسبته لهذا الباب؟
جـ: معناه أنا غني عن المشاركة وغيرها فمن عمل شيئًا لي ولغيري لم أقبله بل أتركه لذلك الغير.
ومناسبته للباب: أن عمل المرائي باطل لا ثواب له فيه بل يأثم به.
وعن أبي سعيد مرفوعًا «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال قالوا بلى. قال الشرك الخفي يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل» رواه أحمد.
س: اذكر معنى هذا الحديث وما نوع هذا الشرك المذكور فيه، ولماذا سماه خفيًا، اذكر ما يستفاد من هذا الحديث؟
جـ: معناه إني أخاف عليكم من الرياء أكثر مما أخاف عليكم من فتنة # المسيح الدجال. وسمي هذا العمل شركًا خفيًّا لأنه عمل قلب لا يعلمه إلا الله، ولأن صاحبه يظهر أن عمله لله وقد قصد به غيره أو أشرك فيه بتزيين صلاته لأجله وهذا شرك أصغر كما قال ﷺ: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال الرياء» رواه الإمام أحمد والطبراني والبيهقي.
ويستفاد من هذا الحديث: شفقة النبي ﷺ على أمته ونصحه لهم وخوفه عليهم من الرياء المحبط للعمل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
37- باب من الشرك إرادة الإنسان بعلمه الدنيا
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن العمل لأجل الدنيا شرك ينافي كمال التوحيد الواجب ويحبط الأعمال.
قال تعالى: }مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{([86]).
س: اشرح هاتين الآيتين وبين مناسبتهما للباب؟
جـ: يقول تعالى من كان يقصد بعمله الحياة الدنيا أي ثوابها وزينتها ومتاعها نوف لهم ثواب أعمالهم بالصحة والسرور في المال والأهل والولد وهم فيها لا ينقصون، هذا في الدنيا. أما في الآخرة فليس لهم جزاء إلا النار وقد أحبط الله أعمالهم التي عملوها في الدنيا وأبطلها فلا ثواب لهم فيها.
ومناسبة الآيتين للباب: أن فيهما وعيد لمن قصد بعمله الدنيا بإحباط عمله ودخول النار.
في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ «تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه، مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع» رواه البخاري. #
س: بين معاني الكلمات الآتية: تعس، الخميصة، الخميلة، انتكس، شيك، انتقش، طوبى، أشعث، الحراسة، الساقة، ثم اشرح الحديث شرحًا إجماليًا وبين مناسبته للباب؟
جـ: تعس: سقط والمراد هنا هلك، الخميصة: كساء له أعلام، الخميلة، ثياب لها خمل كالقطيفة، انتكس: انكب على رأسه وهو دعاء عليه بالخيبة، شيك: أصابته شوكة، فلا انتقش: فلا يقدر على إخراجها بالمناقيش. طوبى: اسم الجنة أو شجرة فيها يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها كما في الحديث، أشعث: قائم شعره، وذلك لأنه مشغول بالجهاد عن إصلاحه، الحراسة: حماية الجيش عن هجوم العدو، الساقة: مؤخرة الجيش.
المعنى الإجمالي: يدعو رسول الله ﷺ في هذا الحديث على طلاب الدنيا وعبَّادها فيقول لقد خاب وخسر عبد الدنيا ولقد شقي وهلك عبد الدرهم والخميصة والخميلة حيث أراد بعمله غير الله فجعل مع الله شركاء في المحبة والعبودية وأن من كان هذه حاله فقد استحق أن يدعى عليه بما يسوؤه في العواقب ومن كان هذا شأنه فلابد أن يجد أثر هذه الدعوات في الدنيا والآخرة، فطالب الدنيا لا نال المطلوب ولا خلص من المكروه وصفه رسول الله ﷺ بقوله: «إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط» فرضاه لغير الله وسخطه لغير الله.
وأما من أراد بعمله وجه الله فهذا هو السعيد الذي أعد الله له الجنة كما قال ﷺ: «طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله» أي في جهاد المشركين ففيه الحث على العمل بما يحصل به خير الدنيا والآخرة.
ومناسبة الحديث للباب: أن العمل الصالح إذا كان القصد منه طلب# الدنيا فهو شرك ينافي التوحيد.
س: ما معنى قوله في الحديث إن استأذن لم يؤذن له؟
جـ: المعنى أنه إذا استأذن على الأمراء ونحوهم لم يأذنوا له لأنه لا جاه له عندهم ولا منزلة لكونه ليس ممن يطلب هذه الأمور وإنما يطلب ما عند الله ولا يقصد بعمله سواه.
س: وضح معنى قوله وإن شفع لم يشفع؟
جـ: المعنى لو ألجأته الحال إلى أن يشفع عند الأمراء ونحوهم في أمر يحبه الله ورسوله لم تقبل شفاعته عندهم.
س: اذكر ما يستفاد من هذا الباب؟
جـ: يستفاد منه:
1- تحريم إرادة الإنسان الدنيا بعمل الآخرة.
2- وعيد من قصد الدنيا بعمل الآخرة بإحباط عمله ودخول النار.
3- الحث على إخلاص العمل لله.
4- ترك حب الرئاسة والشهرة.
5- فضل الخمول والتواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
38- باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابًا من دون الله
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن طاعة الرؤساء في تحريم الحلال وتحليل الحرام شرك أكبر ينافي التوحيد.
قال ابن عباس: «يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله ﷺ وتقولون قال أبو بكر وعمر» رواه الإمام أحمد في المسند جزء 1 ص337.
س: ما معنى يوشك؟ وما مقصود ابن عباس بهذا القول؟
جـ: معنى يوشك يقرب ويدنو ويسرع ومقصود ابن عباس الرد على من قال إن أبا بكر وعمر لا يريان التمتع بالعمرة إلى الحج وأن إفراد الحج أفضل وابن عباس يرى أن التمتع واجب بدليل أن الرسول ﷺ أمر به وليس لأحد أن يعارض قول الرسول ﷺ لرأي أحد.
وقال الإمام أحمد «عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان والله يقول }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك» رواه عنه الفضل بن زياد وأبو طالب.
س: ما نوع عجب الإمام أحمد، اشرح قوله تعالى: }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ{ الآية وما وجه استدلال الإمام أحمد بها؟#
جـ: عجب الإمام أحمد بمعنى الإنكار على أولئك الذين يعرفون إسناد الحديث وأنه صحيح عن رسول الله ﷺ لا مجال للكذب والطعن فيه ويتركونه ويأخذون برأي بعض الناس كسفيان الثوري.
ومعنى الآية: فليخشى من خالف شريعة الرسول ﷺ وأمره أن تصيبهم فتنة في قلوبهم من كفر أو شرك أو نفاق أو بدعة أو يصيبهم عذاب أليم في الدنيا بقتل أو حد أو حبس ونحو ذلك بسبب خلافهم أمر الرسول ﷺ، أو يصيبهم عذاب أليم في الآخرة.
ووجه استدلال أحمد بهذه الآية: أن رد قول الرسول ﷺ أو بعضه سبب لزيغ القلب الذي يكون به المرء كافرًا وذلك هو الهلاك في الدنيا والآخرة.
عن عدي بن حاتم أنه سمع النبي ﷺ يقرأ هذه الآية: }اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ{ فقلت له إنا لسنا نعبدهم. قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه. فقلت: بلى قال فتلك عبادتهم» رواه أحمد والترمذي وحسنه.
س: اشرح قوله تعالى: }اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ{ من هم الأحبار والرهبان؟ اذكر مناسبة الحديث للباب؟
جـ: يخبر الله تعالى أن هؤلاء المشركين اتخذوا علماءهم وعبادهم معبودين من دون الله حيث أطاعوهم في معصية الله بتحريم الحلال وتحليل الحرام، والأحبار هم العلماء، والرهبان هم العباد.
ومناسبة الحديث للباب: أنه أفاد أن طاعة الأحبار والرهبان في معصية الله عبادة لهم من دون الله ومن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله.
س: اذكر ما يستفاد من هذا الباب؟#
جـ: يستفاد منه:
1- تحريم طاعة الرؤساء في معصية الله.
2- أن طاعة العلماء والأمراء في تحليل الحرام وتحريم الحلال عبادة لهم من دون الله.
3- لا تجوز معارضة قول الرسول ﷺ لرأي أحد.
4- الوعيد الشديد على من خالف أمر الرسول ﷺ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
39- باب قول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا{([87])
س: اشرح هذه الآية ثم بين سبب نزولها وما الذي يستفاد منه؟
جـ: يقول تعالى منكرًا على من يدعي الإيمان بما أنزل على رسوله محمد ﷺ وعلى الأنبياء الأقدمين وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله من الطواغيت، وبين تعالى في هذه الآية أن التحاكم إلى الطاغوت مما يأمر به الشيطان ويزينه لمن أطاعه وأنه مما أضلَّ به الشيطان من أضله وأكده بالمصدر ووصفه بالبعد فدل على أن ذلك من أعظم الضلال وأبعده عن الهدى.
وسبب نزول الآية: ما قاله الشعبي: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي نتحاكم إلى محمد لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة «وهي ما يعطيه أحد الخصمين للقاضي ليحكم له» وقال المنافق نتحاكم إلى اليهود لعلمه أنهم يأخذون الرشوة. فاتفقا أن يأتيا كاهنًا في جهينة فيتحاكما إليه فنزلت. وقيل نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما نترافع إلى النبي ﷺ وقال الآخر إلى كعب بن الأشرف «اليهودي» ثم ترافعا إلى عمر فذكر له أحدهما القصة فقال للذي لم يرض برسول الله ﷺ أكذلك قال نعم فضربه بالسيف فقتله. «ذكره الواحدي في أسباب النزول ص92». #
والآية أعم من ذلك فإنَّها ذامة لكل من عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت.
«وانظر تفسير ابن كثير جزء «1» ص519 لهذه الآية»
ويستفاد من قصة سبب النزول:
1- أن من دعي إلى تحكيم الكتاب والسنة فأبى أنه من المنافقين.
2- أن من أظهر الكفر والنفاق يقتل.
3- أن من يحكم بغير ما أنزل الله فإنما يحكم بالطاغوت.
4- تحريم أخذ الرشوة على الحكم.
5- أن المنافق يكون أشد كراهة لحكم الله ورسوله من اليهود والنصارى وأنه أشد عداوة منهم لأهل الإيمان.
قال تعالى: }وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ{([88]).
س: اشرح هذه الآية وما الذي تفيده وبين مناسبتها للباب؟
جـ: يقول الله تعالى إذا قيل للمنافقين لا تفسدوا في الأرض يعني لا تعصوا في الأرض لأن من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصية الله فقد أفسد في الأرض لأن صلاح الأرض والسماء إنما هو بطاعة الله ورسوله. }قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ{ أي نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء.
وتفيد الآية: عدم الاغترار بأقوال أهل الأهواء وإن زخرفوها والتحذير # من الاغترار بالرأي ما لم يقم على صحته دليل من كتاب أو سنة.
ومناسبة الآية للباب: أن التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله من أعمال المنافقين ومن الإفساد في الأرض ومن الحكم بالطاغوت.
قال تعالى: }وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا{([89]).
س: اشرح هذه الآية وبين علاقتها بالباب؟
جـ: يقول الله تعالى لا تفسدوا في الأرض بالمعاصي والدعاء إلى غير طاعة الله بعد إصلاح الله لها ببعث الرسل وإنزال الشريعة.
ومناسبة الآية للباب: أن التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله من أعظم ما يفسد في الأرض وأنه لا صلاح لها إلا بتحكيم الكتاب والسنة وهو سبيل المؤمنين.
قال تعالى: }أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ{([90]).
س: اشرح هذه الآية وما الذي تفيده وبين مناسبتها للباب؟
جـ: ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والبدع والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الجهالات والضلالات.
وتفيد الآية: التحذير من حكم الجاهلية واختياره على حكم الله ورسوله. #
ومناسبة الآية للباب: أن من عدل عن الكتاب والسنة وفضل حكم الجاهلية عليها فقد حكم بالطاغوت.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما «أن رسول الله ﷺ قال: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به» قال النووي حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.
س: اشرح هذا الحديث وبين مناسبته للباب وما هو الهوى؟
جـ: يخبر الرسول ﷺ أن الإنسان لا يكون مؤمنًا كامل الإيمان الواجب حتى تكون محبته تابعة لما جاء به الرسول ﷺ من الأوامر والنواهي وغيرها فيحب ما أمر به ويعمل به ويكره ما نهى عنه ويجتنبه.
والهوى: ما تهواه النفس وتحبه وتميل إليه.
ومناسبة الحديث للباب: أنه أبان الفرق بين أهل الإيمان وأهل النفاق والمعاصي في أقوالهم وأفعالهم وإرادتهم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
40- باب من جحد شيئًا من الأسماء والصفات
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن من جحد شيئًا من أسماء الله وصفاته فقد أتى بما يناقض التوحيد وينافيه وذلك من شعب الكفر.
قال تعالى: }وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ{([91]).
س: اذكر سبب نزول هذه الآية وما حكم من جحد شيئًا من أسماء الله وصفاته؟
جـ: سبب نزولها أن مشركي قريش جحدوا اسم الرحمن عنادًا وأنكروه فنزلت. فالرحمن: اسم من أسماء الله تعالى دل هذا الاسم على أن الرحمة صفته سبحانه وهي من صفات الكمال يجب الإيمان بها وإثباتها لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته كسائر أسمائه وصفاته فمن جحد شيئًا منها فهو كافر.
وفي صحيح البخاري «قال علي رضي الله عنه حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله».
س: ما سبب هذا القول وضح ذلك؟
جـ: سببه والله أعلم ما حدث في خلافته من كثرة إقبال الناس على أهل الحكايات والقصص وأهل الوعظ فيأتون في قصصهم بأحاديث لا تعرف فربما استنكرها بعض الناس وردوها وقد يكون لبعضها أصل ومعنى صحيح فتقع بعض المفاسد بسبب ذلك فأرشدهم أمير المؤمنين رضي الله عنه إلى أنهم لا يحدثون عامة الناس إلا بما هو معروف، ينفع الناس في أصل دينهم وأحكامه من بيان الحلال من الحرام الذي كلفوا به دون ما يشغل عن ذلك مما قد يؤدي إلى رد الحق وعدم قبوله فيفضي بهم إلى التكذيب.#
وروى عبد الرازق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أنه رأى رجلاً انتفض لما سمع حديثًا عن النبي ﷺ في الصفات استنكارًا لذلك فقال ما فرق هؤلاء، يجدون رقة عند محكمه، ويهلكون عند متشابهه.
س: بين معاني الكلمات الآتية: انتفض، ما فرق هؤلاء يجدون رقة، ما مقصود ابن عباس بهذا القول؟
جـ: انتفض: من الانتفاض أي تحرك واضطرب من هول ما سمع، ما فرق هؤلاء: الفرق الخوف أي ما خوف هؤلاء من آيات الصفات واستنكارهم لها، أي ليس خوفهم بشيء لإيمانهم ببعض الحديث وكفرهم ببعضه فالاستفهام إنكاري. يجدون رقة: أي لينًا وقبولا للمحكم وهو الواضح الذي لا غموض فيه ويهلكون عند متشابهه: أي ما يشتبه عليهم فهمه ومعرفته فينكرونه.
يشير ابن عباس إلى قوم ممن يحضر مجلسه من عامة الناس فإذا سمعوا شيئًا من محكم القرآن ومعناه حصل معهم الخوف وإذا سمعوا شيئًا من أحاديث الصفات انتفضوا كالمنكرين لها فلم يحصل منهم الإيمان الواجب الذي أوجبه الله على عباده المؤمنين.
س: اذكر ما يستفاد من هذا الباب؟
جـ: يستفاد منه:
1- عدم إيمان من جحد شيئًا من أسماء الله وصفاته.
2- ترك التحديث بما لا يفهمه السامع لأنه يفضي إلى تكذيب الله ورسوله الذي هو الهلاك.
3- وجوب الإيمان بأسماء الله وصفاته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
41- باب قول الله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ{([92])
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها لكتاب التوحيد؟
جـ: يذم الله سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به كقول الرجل هذا مالي ورثته عن آبائي، وكقولهم لولا فلان لم يكن كذا، وقولهم هذا بشفاعة آلهتنا، وقولهم كانت الريح طيبة والملاح حاذقًا، ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثير من الناس.
ومناسبة الآية لكتاب التوحيد: أن إضافة نعم الله إلى غيره بالقلب واللسان كفر ينافي التوحيد.
وأما إضافتها إلى غير الله باللسان مع اعتقاد أنها من عند الله فهو ينافي كمال التوحيد لأن الواجب أن تضاف النعم إلى مسديها وهو الله وحده وبذلك يتم التوحيد.
س: ما المقصود بقولهم كانت الريح طيبة والملاح حاذقًا، ومن هو الملاح؟
جـ: الملاح: هو قائد السفينة والمعنى أن الله إذا أجرى السفينة وسلمها نسبوا ذلك إلى الريح وصاحب السفينة ونسوا ربهم.
س: ما المراد بالنعمة المذكورة في الآية؟
جـ: المراد بها ما أنعم الله به من النعم المعنوية كالإسلام والقرآن وبعثة محمد ﷺ والنعم المادية كالصحة والمال وغيرها. #
س: ما حقيقة هذا الإنكار المذكور في الآية؟
جـ: حقيقته جحد النعم المعنوية والإعراض عنها وعدم اتباعها ونسبة النعم المادية إلى غير الله.
س: ما سبب اختلاف عبارات المفسرين في معنى الآية؟
جـ: سببه شمول الآية لكل ذلك ولغيره مما هو في معناه.
والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
***#
42- باب قول الله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ{([93])
س: اشرح هذه الآية وما الأنداد وما معنى جعل الند لله؟
جـ: يقول الله تعالى لا تشركوا بالله شيئًا من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر وأنتم تعلمون أنه لا يرزقكم غيره وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول من توحيد الله هو الحق الذي لا شك فيه.
قال ابن عباس: الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل.
والأنداد جمع ند: وهو المثل والنظير والشبيه. ومعنى جعل الند لله صرف أنواع العبادة أو شيء منها لغير الله.
س: ما الغرض من هذا الباب؟
جـ: الغرض منه النهي عن الشرك الأصغر كالحلف بغير الله والتشريك بين الله وبين خلقه في الألفاظ كلولا الله وفلان وهذا بالله وبك وكإضافة الأشياء لغير الله كلولا الحارس لأتانا السارق ولولا الدواء الفلاني لهلكت ونحو ذلك فكل هذا وما في معناه ينافي كمال التوحيد.
لأن الواو تقتضي مساواة المعطوف للمعطوف عليه والواجب أن تضاف الأمور كلها إلى الله ابتداء ويؤتى بعد ذلك بمرتبة السبب فيقال لولا الله ثم كذا ليعلم أن الأسباب مربوطة بقضاء الله وقدره.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه «أن رسول الله ﷺ قال: من حلف # بغير الله فقد كفر أو أشرك» رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم.
س: ما معنى "أو" وما نوع هذا الشرك وضح ذلك؟ وما الذي يفيده الحديث؟
جـ: "أو" يحتمل أنها شك من الراوي ويحتمل أنها عاطفة بمعنى الواو فيكون قد كفر وأشرك فإن اعتقد أن للمحلوف به من العظمة مثل ما لله فهو شرك أكبر وإن لم يعتقد ذلك فهو شرك أصغر ويفيد تحريم الحلف بغير الله وأنه شرك.
وقال ابن مسعود لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقًا([94]).
س: لماذا اختار ابن مسعود الحلف بالله كاذبًا على الحلف بغيره صادقًا مع أن الحلف بالله كاذبًا كبيرة من الكبائر؟
جـ: اختار ذلك لأن الحلف بغير الله شرك والشرك أكبر الكبائر وإن كان أصغر.
وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان» رواه أبو داود بسند صحيح.
وجاء عن إبراهيم النخعي «أنه يكره أن يقول أعوذ بالله وبك ويجوز أن يقول بالله ثم بك. قال ويقول لولا الله ثم فلان ولا تقولوا لولا الله وفلان» رواه عبد الرازق وابن أبي الدنيا.
س: علل لذلك مع التوضيح وما حكم الاستعاذة بغير الله؟ #
جـ: تعليل ذلك أن المعطوف بالواو في اللغة العربية لمطلق الجمع فلا تقتضي ترتيبًا ولا تعقبيًا وتسوية المخلوق بالخالق شرك. بخلاف المعطوف بثم فإن المعطوف بها يكون متأخرًا عن المعطوف عليه بمهلة فلا محذور فيه لكونه صار تابعًا.
والاستعاذة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك أكبر، وإن كانت فيما يقدر عليه المخلوق فهذا جائز ما لم يكن لفظه موهمًا التشريك بين الله وغيره.
وهذا إنما هو في الحي الحاضر الذي له قدرة وسبب في الشيء وأما في حق الأموات الذين لا إحساس لهم بمن يدعوهم ولا قدرة لهم على نفع ولا ضر فلا يجوز التعلق عليهم بشيء ما بوجه من الوجوه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
43- باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن عدم القناعة بالحلف بالله وعدم الرضاء به ينافي كمال التوحيد لأن ذلك استخفاف بالله وتنقص له.
س: اذكر المقصود بهذا الباب ومتى يجب رضاء المحلوف له بالحلف ومتى لا يجب؟
جـ: المقصود أنه إذا توجهت اليمين على خصمك وهو معروف بالصدق أو ظاهره الخير والعدالة فيحلف فإنه يجب عليك الرضاء بيمينه إعظامًا لله وإجلالاً له.
أما من عرف منه الفجور والكذب وحلف على ما تيقن كذبه فإنه لا يجب عليك الرضاء بيمينه ولا يدخل تكذيبه في الوعيد.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «لا تحلفوا بآبائكم من حلف بالله فليصدق ومن حلف له بالله فليرض ومن لم يرض فليس من الله» رواه ابن ماجة بإسناد حسن.
س: ما الذي يفيده هذا الحديث اذكر الشاهد منه للباب؟
جـ: يفيد:
1- تحريم الحلف بالآباء.
2- وجوب الصدق في اليمين.
3- وجوب الرضاء على المحلوف له بالله. #
4- وعيد من لم يرض بالحلف بالله.
والشاهد من الحديث للباب قوله ومن لم يرض فليس من الله.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
44- باب قول ما شاء الله وشئت
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن التشريك بين الله وبين خلقه في المشيئة من الشرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد.
عن قتيلة أن يهوديًا أتى النبي ﷺ فقال إنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت وتقولون والكعبة فأمرهم النبي ﷺ «إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة وأن يقولوا ما شاء الله ثم شئت» رواه النسائي وصححه.
وله أيضًا عن ابن عباس أن رجلاً قال للنبي ﷺ ما شاء الله وشئت فقال أجعلتني لله ندًا بل ما شاء الله وحده.
س: من هي قتيلة وما الذي يدل عليه هذا الحديث؟
جـ: قتيلة هي بنت صيفي صحابية مهاجرة ويؤخذ من حديثها:
1- قبول الحق ممن جاء به ولو كان يهوديًا.
2- تحريم قول ما شاء الله وشئت وأنه من الشرك.
3- أن الذي ينبغي قول ما شاء الله ثم شئت.
4- النهي عن الحلف بالكعبة وأنه من الشرك.
ولابن ماجة عن الطفيل أخي عائشة لأمها قال: «رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود قلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير بن الله قالوا وأنتم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد. ثم مررت بنفر من النصارى فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله قالوا وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحت أخبرت بها # من أخبرت ثم أتيت النبي ﷺ فأخبرته قال هل أخبرت بها أحدًا قلت نعم.
قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن طفيلاً رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها فلا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله وحده» ورواه أحمد والنسائي والطبراني.
س: من هو الطفيل وما رأيك في رؤياه هذه ما الذي يستفاد منها وما معنى قوله إنكم لأنتم القوم وما المقصود بقوله إنكم تقولون كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها وما معنى نفر؟
جـ: الطفيل هو أخو عائشة أم المؤمنين لأمها صحابي جليل. وهذه الرؤيا حق حيث أقرها رسول الله ﷺ وعمل بمقتضاها فنهاهم أن يقولوا ما شاء الله وشاء محمد وأمرهم أن يقولوا ما شاء الله وحده.
ويستفاد من هذا الحديث: أن الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي وأنها قد تكون سببًا لشرع بعض الأحكام.
ومعنى قوله إنكم لأنتم القوم: أي إنكم أنتم الكاملون لولا أنكم تشركون. والنفر: الجماعة.
المقصود بقوله: إنكم تقولون كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها كناية عن شيء لم يذكر وفي بعض الروايات أنه كان يمنعه الحياء منهم وهذا قبل أن يؤمر بإنكارها فلما جاء الأمر الإلهي بالرؤيا الصالحة أنكرها ونهاهم عنها نهيًا بليغًا ولم يستح من ذلك.
س: ما الفرق بين قول ما شاء الله ثم شاء فلان وبين قول ما شاء الله وحده؟#
جـ: الفرق بينهما أن قول ما شاء الله وحده أكمل في الإخلاص وأبعد عن الشرك لأن فيه تصريحًا بالتوحيد المنافي للشرك من كل وجه.
س: ما معنى حديث ابن عباس المتقدم أن رجلاً قال للنبي ﷺ ما شاء الله وشئت فقال أجعلتني لله ندًا ما شاء الله وحده. وما الذي يستفاد منه؟
جـ: المعنى ما ينبغي أن تسويني في الله بالمشيئة.
ويستفاد منه: أن هذا شرك لوجود التسوية في العطف بالواو وأن من سوى العبد بالله فقد جعله شريكًا لله.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
***#
45- باب من سب الدهر فقد آذى الله
وقول الله تعالى:
}وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ{([95])
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها لهذا الباب؟
جـ: يخبر الله تعالى عن دهرية الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكارهم المعاد أنهم يقولون ما حياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها ولا حياة سواها "نموت ونحيا" أي يموت قوم ويعيش آخرون وما ثم معاد ولا قيامة وما يفنينا إلا مرور الليالي والأيام وطول العمر إنكارًا منهم أن يكون لهم رب يفنيهم ويهلكهم.
ومناسبة الآية للباب: أن الله ذم فيها من نسب الإهلاك إلى الدهر.
في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: قال الله تعالى «يؤذني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار» وفي رواية «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» متفق عليه.
س: اذكر معنى هذا الحديث وبين مناسبته للباب وما حكم سب الدهر مع التعليل؟
جـ: معناه أن العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة جعلوا يسبون الدهر ويقولون يا خيبة الدهر فيسندون إليه تلك الأفعال وإنما فاعلها هو الله تعالى فكان مرجع سبها إليه لأنه هو المتصرف فيها كما قال: «أقلب الليل والنهار» وتقليبه تصرفه تعالى فيه بما يحبه الناس ويكرهونه.
وقوله «فإن الله هو الدهر» فسر هذه الكلمة بالكلمة الأخرى وهي قوله # «وأنا الدهر أقلب الليل والنهار» يعني أن ما يجري فيه من خير وشر بإرادة الله تعالى وتدبيره وعلمه وحكمته لا شريك له في ذلك.
فسب الدهر محرم لأنه مسبة لله وأذية له لقوله: «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر».
فساب الدهر بين أمرين أما مسبة الله أو الشرك به فإن اعتقد أن الدهر فاعل مع الله فهو مشرك.
وإن اعتقد أن الله وحده هو الفاعل لذلك وهو يسب من فعله فقد سب الله تعالى.
ومناسبة الحديث للباب: أن من أضاف إلى الدهر فعلاً من الأفعال أو أمرًا من الأمور فقد آذى الله تعالى ولا يضر الله شيئًا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
46- باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه
س: لماذا أتى المؤلف بهذا الباب وما مناسبته لكتاب التوحيد؟
جـ: أتى المؤلف بهذا الباب إشارة إلى أن التسمي بقاضي القضاة ونحوه مثل التسمي بملك الأملاك في المعنى المنهي عنه في هذا الباب.
ومناسبته لكتاب التوحيد: أن التسمي بهذا الاسم ونحوه معصية وأن من اتصف به فقد أتى بما ينافي كمال التوحيد.
في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك لا مالك إلا الله» قال سفيان مثل شاهان شاه وفي رواية أغيض رجل على الله وأخبثه.
س: بين معاني الكلمات الآتية: أخنع، وأغيض، من هو سفيان، وما المقصود بقوله مثل شاهان شاه، اشرح الحديث؟
جـ: أخنع: يعني أوضع، أغيض من الغيض وهو مثل الغضب والبغض فيكون بغيضًا إلى الله مغضوبًا عليه.
سفيان هو ابن عيينة، وشاهان شاه هو عند العجم في لغتهم عبارة عن ملك الأملاك، ومراد سفيان أن الحديث متناول لهذا وما في معناه بأي لغة كان ففيه التحذير من كل ما فيه تعاظم.
فقد أخبر الرسول ﷺ أن أبغض الرجال إلى الله يوم القيامة وأخبثهم وأوضعهم وأحقرهم من تعاظم في نفسه وتسمى بما لا يليق به.
س: لماذا نهي عن التسمي بقاضي القضاة وملك الملوك وحاكم الحكام ونحوهم؟
جـ: نهي عن ذلك لأن هذا الاسم والوصف لا يصلح إلا لله. #
س: ما الذي يستفاد من هذا الباب؟
جـ: تحريم التسمي بقاضي القضاة وملك الأملاك ونحوهما والوعيد الشديد على من تسمى بذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
47- باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك
عن أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم فقال له النبي ﷺ «إن الله هو الحكم وإليه الحكم فقال إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين فقال ما أحسن هذا. فمالك من الولد قلت شريح ومسلم وعبد الله قال فمن أكبرهم قلت شريح قال فأنت أبو شريح» رواه أبو داود وغيره.
س: ما الكنية؟
جـ: الكنية ما صدرت بأب أو أم.
س: ما معنى قوله إن الله هو الحاكم وإليه الحكم؟
جـ: معنى الحكم هو الذي إذا حكم لا يرد حكمه وهذه الصفة لا تليق بغير الله تعالى، وإليه الحكم أي الفصل بين العباد في الدنيا والآخرة.
س: ما معنى قوله ما أحسن هذا؟
جـ: أي ما أحسن الحكم والإصلاح بين الناس.
س: ما الذي يؤخذ من قوله فأنت أبو شريح؟
جـ: يؤخذ منه تقديم الأكبر من الأبناء للكنية.
س: ما مناسبة حديث أبي شريح للباب؟
جـ: هي أن التسمي بشيء من أسماء الله والتكني بها مما ينافي كمال التوحيد لأن فيه مشابهة لأسماء الله مثل الحكم والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
48- باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول «أي فهو كافر»
س: ما علاقة هذا الباب بكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن السخرية والتهكم والاستهزاء بالإسلام والمسلمين كفر ينافي التوحيد.
قال تعالى: }وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ{([96]).
س: اشرح هذه الآية واذكر ما يستفاد منها؟
جـ: يقول الله تعالى: لرسوله محمد ﷺ إنك لو سألت أولئك المنافقين الذين تكلموا في حقك وفي حق أصحابك بما لا يليق من الاستهزاء والسخرية ليقولن لك يا محمد معتذرين إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب لنقطع به الطريق ولم نقصد الاستهزاء ولكن أخبرهم أن معذرتهم لا تغني عنهم من عذاب الله شيئًا وأنهم بهذا التهكم والاستهزاء قد كفروا بعد إيمانهم.
ويستفاد من الآية: تحريم الاستهزاء بالدين وأهله وأنه كفر.
عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة دخل حديث بعضهم في بعض «أنه قال رجل في غزوة تبوك ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء يعني رسول الله ﷺ وأصحابه القراء فقال له عوف بن مالك كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله ﷺ فذهب عوف إلى رسول الله ﷺ ليخبره فوجد القرآن قد سبقه فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله ﷺ وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله إنما كنا # نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عن الطريق قال ابن عمر كأني أنظر إليه متعلقًا بنسعة ناقة رسول الله ﷺ وإن الحجارة تنكب رجليه وهو يقول إنما كنا نخوض ونلعب فيقول له رسول الله ﷺ }أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ{ ما يلتفت إليه وما يزيده عليه.
س: ما معنى قول المؤلف دخل حديث بعضهم في بعض؟
جـ: يعني رواة الحديث أي أنه مجموع من رواياتهم.
س: ما معنى قول المنافقين ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء؟ ومن يقصدون بهذا الكلام؟
جـ: معناه أن هؤلاء الذين يقرأون القرآن أكثر رغبة في الأكل وأكذب من ينطق وأكثر الناس جبنًا وأخوفهم عند لقاء العدو يعنون رسول الله ﷺ وأصحابه، وقد كذبوا في ذلك فرسول الله ﷺ وأصحابه أقل الناس أكلاً وأصدقهم حديثًا وأشجع من كافح وناضل في سبيل الله، والمنافقون بالعكس، كما وصفهم الله بذلك.
س: هل إخبار عوف بن مالك لرسول الله ﷺ بما قاله المنافقون من النميمة أو من النصيحة؟ وما الفرق بينهما؟
جـ: ليس من النميمة بل من النصيحة، والفرق بينهما أن النميمة تكون على جهة الإفساد والنصحية تكون على جهة الإصلاح.
س: ما المقصود بنسعة ناقة رسول الله؟
جـ: هو سير يجعل زمامًا للبعير وقيل هو ما تشد به الرحال.
س: ما معنى قوله ما يلتفت إليه وما يزيده عليه؟ #
جـ: المعنى أن الرسول ﷺ لم يلتفت إلى المنافق ولم يقبل عذره لكذبه ولم يزده على قوله }أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ{.
س: اذكر ما يستفاد من حديث الباب المتقدم؟
جـ: يستفاد منه:
1- أن الإنسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها أو عمل يعمله أو اعتقاد يعتقده.
2- الخوف من النفاق الأكبر.
3- جواز وصف الرجل بالنفاق إذا ظهر منه ما يدل عليه.
4- أن الاستهزاء بآيات الله ورسوله كفر.
5- أن الإنسان إذا فعل الكفر ولم يعلم أنه كفر لا يعذر بذلك بل يكفر وأن الساب كافر بطريق الأولى.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
***#
49- باب قول الله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي{([97])
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها لكتاب التوحيد؟
جـ: يخبر الله تعالى أن الإنسان الجحود لنعم ربه في حال الضر يهرع إلى الله وينيب إليه وإذا أنعم الله عليه بالصحة وسعة الرزق ينكر ذلك ويقول إنما نلت هذه النعم بمجهودي وعملي واستحقاقي.
ومناسبة الآية لكتاب التوحيد: أن تقييد نعم الله بشكره والثناء عليه بها من كمال التوحيد وأن إنكار النعم وجحودها من الكفر الذي ينافي كمال التوحيد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى فأراد الله أن يبتليهم... الحديث» متفق عليه.
س: وضح معاني الكلمات الآتية: أبرص، أقرع، يبتليهم، قذرني الناس، ناقة عشراء، فأنتج هذان، وولد هذا، أتبلغ به في سفري، كابرًا عن كابر، فصيرك الله إلى ما كنت، انقطعت بي الحبال، لا أجهدك؟
جـ: أبرص: هو من به داء البرص.
أقرع: هو من به داء القرع، وهو داء يصيب الصبيان في رءوسهم ثم ينتهي بزوال الشعر كله أو بعضه.
يبتليهم: يختبرهم بنعمته. #
قذرني الناس: عدوني قذرًا وسخًا فكرهوني.
الناقة العشراء: هي الحامل التي أتى على حملها عشرة أشهر.
فأنتج هذان: أي تولى صاحب الناقة والبقرة نتاجهما.
ولد هذا: تولى صاحب الشاة ولادتها واعتنى بها وحفظها.
انقطعت بي الحبال: توقفت عني أسباب الرزق.
أتبلغ به في سفري: أي ما يبلغني أهلي من الزاد.
كابرًا عن كابر: وارثًا عن وارث، وقيل شريفًا كبيرًا عن شريف كبير.
فصيرك الله إلى ما كنت: أي ردك إلى ما كنت عليه سابقًا من البرص أو القرع و الفقر.
لا أجهدك: لا أشق عليك في رد شيء تأخذه من مالي في سبيل الله عز وجل.
س: ما الذي يستفاد من حديث أبي هريرة في قصة الأبرص والأقرع والأعمى، وبين مناسبته للباب؟
جـ: يستفاد منه:
1- أن من جحد نعم الله ولم يعترف بها ونسبها إلى غيره فقد تعرض لسخط الله وأليم عذابه.
2- أن من اعترف بنعم الله ونسبها إليه وأدى حق الله فيها من زكاة وغيرها أنه قد استحق رضا الله وثوابه.
ومناسبته للباب: أن فيه وعيدًا لمن أنكر نعم الله وأضافها إلى غيره. #
س: ما معنى قوله تعالى: }قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي{([98]).
جـ: المعنى أن الله تعالى لما أنعم على قارون بالأموال الكثيرة أنكر أن تكون من عند الله وزعم أنه إنما نالها على علم منه بوجوه المكاسب، وقيل على علم من الله أنه مستحق لذلك وقد كذب. وإنما هو مجرد فضل من الله وإحسان ونعمة أنعم بها عليه ليختبره أيطيع أم يعصي وهو الحكيم العليم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
50- باب قول الله تعالى: }فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ{([99])
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها لكتاب التوحيد؟
جـ: يخبر الله تعالى عن الأبوين آدم وحواء أنهما لما رزقهما ولدًا صالحًا أي بشرًا سويًا كما سألاه لم يؤديا شكر هذه النعمة على الوجه المرضي كما وعدا بذلك بل أشركا في طاعة الله حيث عبدا ولدهما لغير الله فسمياه عبد الحارث. ثم نزه نفسه عن شرك المشركين به في عبادته وطاعته.
ومناسبة الآية لكتاب التوحيد: أنها دلت على أن تعبيد الأولاد لغير الله شرك ينافي التوحيد.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما تغشاها آدم حملت فأتاهما إبليس فقال إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعاني أو لأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلن ولأفعلن يخوفهما سمياه عبد الحارث فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتًا ثم حملت فأتاهما فقال مثل قوله فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتًا ثم حملت فأتاهما فذكر لهما فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحارث فذلك قوله }جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا{ رواه ابن أبي حاتم. وله بسند صحيح عن قتادة قال: شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته.
وله بسند صحيح عن مجاهد في قوله }لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا{ قال: أشفقا أن لا يكون إنسانًا وذكر معناه عن الحسن وسعيد وغيرهما. #
س: بين معاني الكلمات الآتية: أيل، الحارث، أدركهما، أشفقا.
جـ: الأيل: ذكر الأوعال، والحارث: إبليس، أدركهما، غلب عليهما، أشفقا: خافا.
س: ما الفرق بين الشرك في الطاعة والشرك في العبادة؟
جـ: الفرق بينهما أن الشرك في الطاعة يكون بمجرد التسمية فقط ولا يقصد تعبيده لغير الله وهو معنى قوله }جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ{ كما قال قتادة شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته.
وأما الشرك في العبادة فهو أن يقصد تعبيده لغير الله وهو الذي أراده إبليس لعنه الله من الأبوين.
قال ابن حزم اتفقوا على تحريم كل اسم معبدًا لغير الله كعبد عمر وعبد الكعبة وما أشبه ذلك حاشا عبد المطلب.
س: اشرح قول ابن حزم هذا ولماذا استثنى عبد المطلب من العموم؟
جـ: حكى أبو محمد ابن حزم عالم الأندلس اتفاق العلماء على تحريم ما عبد لغير الله لأنه شرك في الربوبية والإلهية لأن الخلق كلهم ملك لله وعبيد له وهو ربهم ومعبودهم الذي لا يستحق العبادة غيره.
واستثنى عبد المطلب من العموم لأن أصله من عبودية الرق وعبد المطلب هو جد النبي ﷺ لأبيه واسمه شيبة بن هاشم بن عبد مناف. وسبب تسميته عبد المطلب أن أهل مكة لما رأوه مع عمه المطلب حين قدم به من المدينة وكان قد نشأ بها ورأوا لونه متغيرًا بسبب السفر والشمس ظنوه عبدًا للمطلب فسموه بذلك ولهذا استثني من العموم.
س: ما المقصود من هذا الباب؟ #
جـ: المقصود منه أن من أنعم الله عليهم بالأولاد وكمل الله عليهم النعمة بهم بأن جعلهم صالحين في أبدانهم وتمام ذلك أن يصلحوا في دينهم فعليهم أن يشكروا الله على إنعامه وأن لا يعبدوا أولادهم لغير الله أو يضيفوا النعم لغيره فإن ذلك كفر للنعم مناف للتوحيد.
تنبيه:
ما ورد من أن المقصود بقوله تعالى: }جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا{ آدم وحواء هو قول جمهور المفسرين وورد فيه الحديث الذي رواه أحمد عن الحسن البصري عن سمرة قال ابن كثير وهو معلول من ثلاثة أوجه ذكرها في تفسيره جزء 2 ص 274 وفيه أثر عن ابن عباس رواه ابن أبي حاتم وتقدم. قال ابن كثير وكأنه والله أعلم أصله مأخوذ من أهل الكتاب.
والذي عليه المحققون من المفسرين وفي مقدمتهم الحسن البصري التابعي الجليل ثم الإمام ابن كثير في تفسيره أن المقصود بقوله تعالى }جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا{ المشركون من ذريتهما.
روى ابن جرير بسنده عن الحسن قال كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن بآدم. وعن قتادة قال: كان الحسن يقول هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادًا فهودوا ونصروا، قال ابن كثير: وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رضي الله عنه أنه فسر الآية بذلك وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقال ابن جزي في تفسيره وهذا القول أصح لثلاثة أوجه.
1- أحدهما أنه يدل على أن الذين أشركوا هم أولاد آدم وذريته لقوله تعالى }فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ{.
2- الثاني أنه يقتضي براءة آدم وزوجه من قليل الشرك وكثيره وذلك هو حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
3- الثالث أن ما ذكروا من قصة آدم وتسمية الولد عبد الحارث يفتقر إلى نقل بسند صحيح وهو غير موجود في تلك القصة([100]).
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
51- باب قول الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{([101])
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها لكتاب التوحيد؟
جـ: أخبر الله سبحانه وتعالى أن له أسماء وأنها حسنى أي قد بلغت الغاية في الحسن فلا أحسن منها ولا أكمل وأمرنا أن ندعوه بها أي نثني عليه ونسأله بها. وأمرنا أن نترك من عارض من الجاهلين الملحدين وأن لا نعدل بأسمائه وحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت أو أن ندخل فيها ما ليس منها.
ثم توعد الملحدين في أسمائه بأنه سيجازيهم في الآخرة ويعذبهم بما عملوا.
ومناسبة الآية لكتاب التوحيد: أن الإلحاد في أسماء الله ونفيها وتعطيلها ينافي التوحيد والإيمان.
س: بين مقصود المؤلف بهذا الباب؟
جـ: مقصوده الرد على من يتوسل بالأموات وأن المشروع هو التوسل بأسماء الله وصفاته والأعمال الصالحة.
س: ما الإلحاد وما معنى الإلحاد في أسماء الله واذكر أنواعه مع التمثيل لها؟
جـ: الإلحاد هو العدول عن القصد والميل والانحراف ومنه اللحد في القبر لانحرافه إلى جهة القبلة.
ومعنى الإلحاد في أسماء الله العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت # وهو أنواع:
1- تسمية الأصنام بها كما يفعله المشركون حيث سموا اللات من الإله والعزى من العزيز ومناة من المنان.
2- تسميته تعالى بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أبًا.
3- وصفه تعالى بالنقائص كقول اليهود إن الله فقير وقولهم إنه استراح، وقولهم يد الله مغلولة.
4- تعطيل الأسماء الحسنى عن معانيها وجحد حقائقها كقول من يقول من الجهمية في أسماء الله أنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني فيقولون في السميع البصير مثلاً سميع بلا سمع بصير بلا بصر ونحو ذلك تعالى الله عن قولهم.
5- تشبيه صفاته تعالى بصفات خلقه كما يفعله المشبه فيقولون له وجه كوجهي ويد كيدي تعالى الله عن قول الملحدين علوًا كبيرًا.
س: اذكر مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته.
جـ: مذهبهم في ذلك الإيمان بأسماء الله وصفاته التي وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله وإثباتها على ما يليق بجلال الله وعظمته إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل كما قال تعالى: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{([102]).
س: ما مثال الأسماء الحسنى؟
جـ: الرحمن الرحيم، السميع البصير، العزيز الحكيم، الحليم العظيم، العلي الكبير، الحي القيوم. #
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة» رواه البخاري ومسلم.
س: ما معنى إحصائها؟ وهل هي منحصرة في هذا العدد مع ذكر الدليل؟
جـ: لإحصائها ثلاث مراتب:
1- إحصاء ألفاظها وعددها.
2- فهم معانيها ومدلولها.
3- دعاء الله بها دعاء عبادة وثناء ودعاء مسألة وطلب.
وهي غير منحصرة في هذا العدد بدليل قوله ﷺ «أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك»([103]) فجعل أسماءه ثلاثة أقسام: قسم سمى به نفسه فأظهره لمن شاء من خلقه، وقسم أنزل به كتابه وتعرف به إلى عباده، وقسم استأثر به في علم غيبه فلم يطلع عليه أحدًا من خلقه.
س: ما كيفية سؤال الله بأسمائه الحسنى؟
جـ: يسأل لكل مطلوب بالاسم المقتضى لذلك المطلوب المناسب لحصوله. فمن سأل الله العلم سأله باسمه العليم، ومن سأله الرزق سأله باسم الرزاق، تقول يا عليم علمني، يا رزاق ارزقني، يا رحمن ارحمني، وهكذا بقية الأسماء الحسنى.
س: كم أركان الإيمان بالأسماء الحسنى وما هي؟ #
جـ: ثلاثة: الإيمان بالاسم وبما دل عليه من المعنى وبما تعلق به من الآثار فنؤمن بأنه عليم ذو علم عظيم يعلم كل شيء، رحيم ذو رحمة اتصف بها ورحمته وسعت كل شيء، قدير ذو قدرة عظيمة ويقدر على كل شيء، وهكذا بقية الأسماء الحسنى والصفات العليا لربنا تبارك وتعالى.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
52- باب لا يقال السلام على الله من عباده
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن اسم السلام لا يصلح إلا لله فمن سمى به غير الله فقد أتى بما يناقض التوحيد وينافيه.
في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا إذا كنا مع النبي ﷺ في الصلاة قلنا السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان فقال النبي ﷺ «لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام» رواه البخاري ومسلم.
س: اشرح هذا الحديث مبينًا معنى السلام المطلوب عند التحية في قول المسلم السلام عليكم؟
جـ: كان الصحابة رضي الله عنهم في أول الإسلام يقولون في الصلاة قبل أن يفرض عليهم التشهد السلام على الله من عباده، السلام على جبريل وميكائيل فنهاهم النبي ﷺ عن ذلك لأن السلام دعاء بالسلامة والله تعالى هو المدعو وهو السلام أي السالم من كل عيب ونقص وعن مماثلة أحد من خلقه.
وهو المسلم لعباده من الآفات والبليات فالعباد لن يبلغوا ضره فيضروه ولن يبلغوا نفعه فينفعوه بل هم الفقراء إليه المحتاجون إليه في جميع أحوالهم وهو الغني الحميد.
ومعنى السلام المطلوب عند التحية اسم من أسماء الله وطلب السلامة منه فمعنى السلام عليكم أي نزلت سلامة الله عليكم وحلت بكم.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
53- باب قول اللهم اغفر لي إن شئت
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن تعليق الدعاء بالمشيئة مما ينافي كما التوحيد لأنه سوء أدب مع الله حيث أنه يوهم دعوى الاستغناء عن مغفرة الله.
في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له ولمسلم «وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه».
س: ما معنى قوله ﷺ ليعزم المسألة؟
جـ: أي ليجزم في مسألته وليحقق رغبته.
س: ما فائدة قوله ﷺ فإن الله لا مكره له؟
جـ: إظهار لعدم فائدة تقييد الاستغفار والرحمة بالمشيئة فإن الله لا يضطره دعاء ولا غيره إلى فعل شيء بل يفعل ما يريد بخلاف المخلوق فإنه قد يعطي وهو كاره.
س: ما المقصود من قوله وليعظم الرغبة؟
جـ: أي ليلح في سؤاله لربه حاجته فإنه يعطي العظائم كرمًا وجودًا وإحسانًا.
س: ما معنى قوله «فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه»؟
جـ: أي ليس شيء عنده بعظيم لكمال غناه وإن عظم في نفس المخلوق.
س: لماذا نهى عن تعليق الدعاء بالمشيئة مع أن الأمور كلها لا تكون إلا بمشيئة الله؟
جـ: لأن الدعاء عبودية لله ولا تتم إلا بالطلب الجازم الذي لا تردد فيه والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
54- باب لا يقول عبدي وأمتي
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن إطلاق هاتين الكلمتين على غير الله مما ينافي كمال التوحيد لما فيهما من التشريك في اللفظ بين الخالق والمخلوق.
في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «لا يقل أحدكم أطعم ربك، وضيء ربك وليقل سيدي ومولاي ولا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي وغلامي» رواه البخاري ومسلم.
س: اشرح هذا الحديث واذكر ما يستفاد منه؟
جـ: نهى النبي ﷺ عن هذه الألفاظ تحقيقًا للتوحيد وسدًا لوسائل الشرك لأن الله تعالى هو رب العباد جميعهم فإذا أطلق على غيره شاركه في الاسم فنهى عن ذلك تعظيمًا لله تعالى وأرشد ﷺ إلى ما يقوم مقام هذه الألفاظ وهو قول سيدي ومولاي لأن مرجع السيادة إلى معنى الرئاسة والمولى من ولاية الأمر وكذلك نهى عن قول عبدي وأمتي لأن العبيد عبيد الله والإماء إماء الله كما قال تعالى: }إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا{([104]).
ما يستفاد من هذا الحديث:
1- النهي عن قول عبدي وأمتي.
2- لا يقول العبد ربي، ولا يقال له أطعم ربك.
3- أن السيد يقول فتاي وفتاتي وغلامي. #
4- أن العبد يقول سيدي ومولاي.
5- أن المقصود من ذلك تحقيق التوحيد والبعد عن الشرك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
55- باب لا يرد من سأل بالله
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن رد من سأل بالله مما ينافي كمال التوحيد لأن رده دليل على عدم إعظام الله تعالى.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ «من سأل بالله فأعطوه ومن استعاذ بالله فأعيذوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه» رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح.
س: ما المقصود بقوله ﷺ: «من سأل بالله فأعطوه»؟
جـ: أي إذا قال أسألك بالله أو بوجه الله فأعطوه ما سأل، ما لم يسأل حرامًا تعظيمًا لله.
س: ما معنى قوله: «ومن استعاذ بالله فأعيذوه»؟
جـك أي من استجار بالله فأجيروه فإذا قال أعوذ بالله من شرك أو من شر فلان فادفعوا الشر عنه.
س: ما المراد بقوله: «ومن دعاكم فأجيبوه»؟
جـ: أي من دعاكم إلى طعام ونحوه فأجيبوا دعوته وهذا من حقوق المسلمين بعضهم على بعض وهو من أسباب الألفة والمحبة بين المسلمين.
س: ما معنى قوله: «ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه»؟
جـ: أي من أحسن إليكم فجازوه على إحسانه والمكافأة على المعروف من المروءة التي يحبها الله ورسوله.
س: لماذا أمر بمكافأة المعروف؟
جـ: ليخلص القلب من إحسان الخلق لأنك إذا لم تكافئ من أحسن إليك بقى في قلبك له نوع عبودية فشرع قطع ذلك بالمكافأة.
س: ما المقصود بقوله ﷺ: «فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له»؟
جـ: أي إذا لم تقدروا على مكافأة من أحسن إليكم فادعوا له. أرشدهم ﷺ إلى أن الدعاء في حق من لم يجد المكافأة مكافأة للمعروف فقد قال ﷺ: «من صنع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثناء»([105]).
س: ما معنى قوله: «حتى تروا أنكم قد كافأتموه»؟
جـ: أي حتى تظنوا أو تعلموا أنكم قد قمتم بمكافأته.
س: ما الشاهد من حيث ابن عمر المتقدم للباب؟ وما الذي يستفاد منه؟
جـ: قوله: «ومن سألكم بالله فأعطوه».
ويستفاد منه:
1- وجوب إعاذة من استعاذ بالله.
2- وجوب إعطاء من سأل بالله ما لم يسأل حرامًا أو مكروهًا.
3- الحث على إجابة الدعوة.
4- الترغيب في المكافأة على المعروف.
5- أن الدعاء مكافأة لمن لم يقدر إلا عليه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
56- باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن السؤال بوجه الله غير الجنة معصية ينافي كمال التوحيد حيث نهى عنه ولعن فاعله.
عن جابر قال قال رسول الله ﷺ: «لا يسأل بوجه الله إلا الجنة» رواه أبو داود.
س: اشرح هذا الحديث واذكر ما يستفاد منه؟
جـ: هذا الحديث خطاب للسائل وأن عليه أن يحترم أسماء الله وصفاته وأن لا يسأل شيئًا من المطالب الدنيوية بوجه الله بل لا يسأل بوجهه إلا أهم المطالب وأعظم المقاصد وهي الجنة بما فيها من النعيم المقيم ورضى الرب والنظر إلى وجهه الكريم والتلذذ بخطابه فهذا المطلب الأسنى هو الذي يسأل بوجه الله، وأما المطالب الدنيوية والأمور الدينية وإن كان العبد لا يسألها إلا من ربه فإنه لا يسألها بوجه الله فقد جاء الوعيد على ذلك ففي الحديث: «ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله فمنع سائله ما لم يسأل هجرًا»([106]).
ويستفاد من الحديث:
1- أنه لا يسأل بوجه الله إلا أهم المطالب وهي الجنة.
2- إثبات صفة الوجه لله تعالى كما يليق بجلاله وعظمته.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
57- باب ما جاء في لو
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن من قال لو معارضًا بها أقدار الرب تعالى كالبلايا والمصائب إذا جرى بها القدر فإن هذا ما ينافي كمال التوحيد.
س: وضح حكم استعمال كلمة لو مع التمثيل.
جـ: هو على قسمين مذموم ومحمود فإن استعملت على أمر ماض وحمل عليها الضجر والحزن وضعف الإيمان بالقضاء والقدر كان مذمومًا لما في ذلك من الإشعار بعدم الصبر والأسف على ما فات مما لم يمكن استدراكه.
وإن استعملت على أمر مستقبل وحمل عليها الرغبة في الخير والإرشاد والتعليم كان محمودًا.
مثال الجائز: قوله ﷺ: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء. أخرجه مالك وأحمد والنسائي وصححه ابن خزيمة.
ومثال المذموم: قوله تعالى إخبارًا عن المنافقين }يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا{ وقول الله تعالى: }الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا{([107]).
س: اشرح هذه الآية }الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا{ وفيمن نزلت؟
جـ: يقول تعالى إخبارًا عن المنافقين الذين قالوا لإخوانهم ممن قتلوا في غزوة أحد مع رسول الله ﷺ لو سمعوا مشورتنا عليهم بالقعود وعدم# الخروج إلى الجهاد ما قتلوا مع من قتل.
نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين وأصحابه الذين تخلفوا عن رسول الله ﷺ في غزوة أحد.
قال تعالى: }يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا{([108]).
س: من الذي قال هذا الكلام، ومتى، ولماذا؟ اذكر مناسبة الآيتين للباب.
جـ: قاله بعض المنافقين يوم غزوة أحد لجزعهم وخوفهم من ذلك اليوم.
ومناسبة الآيتين للباب: أن الله ذم فيهما المنافقين على معارضة القدر بلو.
في الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان» رواه مسلم في صحيحه.
س: اشرح هذا الحديث واذكر ما يستفاد منه.
جـ: يرشد الرسول ﷺ إلى الحرص على ما ينفع مع الاستعانة بالله والحرص والجهد والاجتهاد. والمراد حرص الإنسان على فعل الأسباب التي تنفعه في دنياه وأخراه مما شرعه الله لعباده وأمرهم به ويكون في حال فعله للسبب مستعينًا بالله وحده معتمدًا عليه في ذلك. ثم نهاه عن العجز وهو ترك العمل والركون إلى الكسل وتمني الخير مع عدم القيام بأسبابه وأرشده إذا أصابه ما# يكره أن يسلم للقضاء والقدر ويرضى ويحتسب الثواب عليه. ونهاه عن استعمال لو وأخبر أنها تفتح عمل الشيطان لما فيها من التأسي على ما فات والتحسر ومعارضة القدر.
ويستفاد من الحديث:
1- الأمر بالحرص على ما ينفع مع الاستعانة بالله.
2- النهي عن ضد ذلك وهو العجز.
3- النهي عن قول لو إذا أصابك شيء لأنها تفتح عمل الشيطان.
4- الإرشاد إلى الكلام الحسن وهو قول قدر الله وما شاء فعل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
58- باب النهي عن سب الريح
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن الريح في تدبير مدبر وهو الله تعالى فسبها اعتراض عليه فهو قادح في التوحيد.
عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به» صححه الترمذي.
س: اشرح هذا الحديث واذكر ما يستفاد منه.
جـ: ينهي رسول الله ﷺ عن سب الريح لأنها إنما تهب عن إيجاد الله تعالى وخلقه لها وأمره فمسبتها للفاعل الحقيقي وهو الله سبحانه، ويقول عليه الصلاة والسلام حينما ترون ما تكرهون من الريح إذا هبت من شدة أو برودة أو حرارة فارجعوا إلى ربكم بالتوحيد والدعاء فأرشد ﷺ أمته إلى ما فيه أدب مع الله وخضوع وتسليم لأمره وما ينفعهم من الدعاء الصالح عند هبوب الريح، وهو سؤاله تعالى خيرها وخير ما فيها والاستعاذة من شرها وشر ما فيها، فتضمن هذا الدعاء عبودية الله وطاعته وطاعة رسوله واستدفاع الشرور به والتعرض لفضله ونعمته.
ويستفاد من الحديث:
1- النهي عن سب الريح.
2- الإرشاد إلى الكلام النافع إذا رأى الإنسان ما يكره عند هبوب الريح.
الإرشاد إلى أنها مأمورة مدبرة.#
3- أنها قد تؤمر بخير وقد تؤمر بشر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
59- باب قول الله تعالى: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ{([109])، وقوله: }الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ{([110])
س: ما المقصود بالذين يظنون بالله غير الحق وما هو الظن الذي ظنوه به، وما المقصود بظن السوء ولماذا كان ظن سوء؟
جـ: هم المنافقون، وهذا الظن هو أنهم ظنوا أن الله سبحانه لا ينصر رسوله وأن أمره سيضمحل ويذهب ويتلاشى وأن ما أصابهم لم يكن بقدر الله وحكمته. ففسر هذا الظن بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن يتم الله أمر رسوله وأن يظهره على الدين كله.
وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون، وإنما كان ظن سوء لأنه ظنٌّ ما يليق بالله سبحانه، وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق.
س: ما الطريق إلى السلامة من ظن السوء بالله الذي وقع فيه أكثر الناس؟
جـ: هو معرفة الله ومعرفة أسمائه وصفاته وموجب حكمته وحمده والتوبة والاستغفار من هذا الظن.
س: ما الذي أراد المؤلف بهذا الباب؟
جـ: أراد التنبيه على وجوب حسن الظن بالله تعالى لأن ذلك من واجبات التوحيد وذلك أنه لا يتم للعبد إيمان ولا توحيد حتى يعتقد جميع ما أخبر الله به من أسمائه وصفاته وكماله، وتصديقه بكل ما أخبر به وأنه يفعله# وما وعد به من نصر الدين وإحقاق الحق وإبطال الباطل فاعتقاد هذا من الإيمان، وكل ظن ينافي ذلك فإنه من ظنون الجاهلية المنافية للتوحيد لأنها سوء ظن بالله ونفى لكماله وتكذيب لخبره وشك في وعده.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
60- باب ما جاء في منكري القدر: «أي من الوعيد الشديد»
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن إنكار القدر منافٍ للإيمان والتوحيد.
س: ما حكم الإيمان بالقدر مع ذكر الدليل؟
جـ: واجب وركن من أركان الإيمان الستة.
قال تعالى: }إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ{([111]).
س: ما كيفية الإيمان بالقدر؟ وبين مراتبه؟
جـ: هي أن تعتقد أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يكون في الوجود شيء إلا بمشيئة الله وقدرته وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
ومراتب الإيمان بالقدر أربع:
1- علم الله بالأشياء قبل كونها.
2- كتابته لها قبل خلق السماوات والأرض.
3- مشيئته لها المتناولة لكل موجود.
4- خلقه لها وإيجاده وتكوينه.
وقال ابن عمر «والذي نفس ابن عمر بيده لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبًا ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر» ثم استدل# بقول النبي ﷺ الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» رواه مسلم.
س: ما الذي يستفاد من هذا الحديث واذكر مناسبته للباب؟
جـ: يستفاد منه:
1- وجوب الإيمان بالقدر وأنه أصل من أصول الإيمان.
2- أن من لم يؤمن بالقدر فقد ترك أصلاً من أصول الدين وجحده.
3- إحباط عمل من لم يؤمن بالقدر خيره وشره، وهذه هي مناسبة الحديث للباب.
وعن عبادة بن الصامت أنه قال لابنه: «يا بني إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال: رب ماذا أكتب؟ قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة. يا بني سمعت رسول الله ﷺ يقول: من مات على غير هذا فليس مني» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب.
وفي رواية لأحمد «إن أول ما خلق الله القلم فقال اكتب فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة».
وفي رواية لابن وهب قال رسول الله ﷺ «فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه الله بالنار».
س: اذكر ما يستفاد من هذا الحديث وبين مناسبته للباب؟
جـ: يستفاد منه:
1- بيان شمول علم الله تعالى وإحاطته بما كان وما يكون في الدنيا والآخرة.
2- الوعيد الشديد على عدم الإيمان بالقدر، وهذه هي مناسبة الحديث للباب.
3- أن أحدًا لن يجد طعم الإيمان حتى يؤمن به.
4- براءته ﷺ ممن لم يؤمن به.
5- الإيمان بالقلم وأنه حين خلق جرى بما يكون من المقادير إلى يوم القيامة.
6- أن إنكار القدر من الكبائر.
7- وصية الوالد لولده.
وفي المسند والسنن عن ابن الديلمي قال: «أتيت أبي بن كعب فقلت في نفسي شيء من القدر فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من قلبي فقال: لو أنفقت مثل أحد ذهبًا ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. ولو مت على غير هذا لكنت من أهل النار. قال فأتيت عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت فكلهم حدثني بمثل ذلك عن النبي ﷺ» حديث صحيح رواه الحاكم في صحيحه.
س: بين ما يستفاد من هذا الحديث واذكر مناسبته للباب؟
جـ: يستفاد منه:
مشروعية سؤال العلماء في إزالة الشبهة.#
1- أن المفتي يجيب بنص الدليل مهما وجده.
2- أن من تاب من الذنب قبل أن يموت تاب الله عليه.
3- بيان كيفية الإيمان بالقدر.
4- وعيد من لم يؤمن بالقدر، وأن عمله حابط كما تقدم. وهذه هي مناسبة الحديث للباب.
والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
***#
61- باب ما جاء في المصورين «أي من الوعيد وعظيم عقوبة الله لهم وعذابه»
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن تصوير ذوات الأرواج مناف لكمال التوحيد لأن فيه مشابهة لخلق الله تعالى.
عن ابن عباس سمعت رسول الله ﷺ يقول: «كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس يعذب بها في جهنم» متفق عليه.
ولهما عنه مرفوعًا «من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ».
ويلاحظ أن «كل» و«من» من ألفاظ العموم فتشمل كل صورة وكل مصور.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: «أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله» رواه البخاري ومسلم.
س: ما معنى يضاهئون بخلق الله؟
جـ: أي يشابهون بتصويرهم خلق الله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ «قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة» أخرجاه.
س: ما المقصود بالذرة والحبة وما هو الغرض من ذلك وما الذي يستفاد من هذه الأحاديث المتقدمة؟#
الذرة: واحدة الذر وهو صغار النمل، والمراد بالحبة: حبة القمح بقرينة ذكر الشعيرة أو المراد عموم الحبوب.
والغرض من ذلك: تعجيزهم تارة بتكليفهم خلق حيوان، وهو أشد، وأخرى بتكليفهم خلق جماد وهو أهون، ومع ذلك فلا قدرة لهم على خلق شيء من ذلك.
ما يستفاد من الأحاديث:
1- تحريم التصوير وأنه من الكبائر.
2- الوعيد الشديد للمصورين وأنهم أشد الناس عذابًا.
3- أن الله يخلق بعدد كل صورة نفسًا يعذب بها المصور في جهنم ويكلف أن ينفخ فيها الروح.
عن ابن الهياج الأسدي قال: «قال لي علي رضي الله عنه ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته» رواه مسلم.
س: بين معاني الكلمات الآتية: أبعثك، لا تدع، طمستها، مشرفًا، سويته. ما الذي يدل عليه هذا الحديث ولماذا أمر الرسول ﷺ بطمس الصورة وتسوية القبور؟
أبعثك: أرسلك وآمرك، لا تدع: لا تترك، طمستها: أزلتها ومحوتها، مشرفًا: مرتفعًا عاليًا، سويته: هدمته وألحقته بالأرض.
ويدل الحديث على:
تحريم اتخاذ الصور ونصبها في المجالس وتعليقها في البيوت وغيرها.# وجوب إتلاف الصور ومحوها وإزالتها لمن يقدر على ذلك.
1- وجوب تسوية القبور المشرفة العالية وهدم القباب المبنية عليها.
وأمر بطمس الصور لما فيها من المضاهاة بخلق الله.
وأمر بتسوية القبور لما في تعليتها من الفتنة بأربابها وهو من وسائل الشرك.
س: ما حكم المصور في نفسه؟
جـ: إن قصد بتصويره المضاهاة بخلق الله أو عمل الصور لتعبد من دون الله كصانع الأصنام ونحوها فهو كافر وعمله هذا مناف للتوحيد. فأما من لم يقصد بها العبادة ولا المضاهاة فهو فاسق صاحب ذنب كبير متعرض للوعيد الشديد والعقوبة البالغة.
س: ما المقصود بالصور المحرمة؟
جـ: هي صور الحيوانات ذوات الأرواح فأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا يحرم.
س: ما العلة التي لأجلها حرم التصوير وكيف عظمت عقوبة المصور؟
جـ: هي المشابهة بخلق الله وترك الأدب مع الله؛ لأن الله تعالى له الخلق والأمر فهو رب كل شيء ومليكه وخالقه، وهو الذي يصور جميع المخلوقات ويجعل فيها الأرواح التي تحصل بها الحياة. فالمصور لما صور الصورة على شكل ما خلقه الله تعالى من إنسان وبهيمة صار مشابهًا لخلق الله فصار ما صوره عذابًا له يوم القيامة وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ.#
فكان أشد الناس عذابًا لأن ذنبه من أكبر الذنوب. فتصوير الصور الحيوانية تشبه بخلق الله وكذب وافتراء على الله وتمويه وتزوير فلذلك زجر الشرع عنه.
خلاصة: ينقسم التصوير إلى عدة أقسام:
1- جائز كالشجر وما لا روح فيه.
2- الصور المجسمة والتماثيل محرم بالإجماع.
3- ما لا ظل له وليس بجسم محرم عند جمهور العلماء لعموم الأدلة.
4- يرى البعض التسامح فيما عمت به البلوى من إثبات الشخصيات كصور حفائظ النفوس وحفظ الأمن والحقوق وذلك بمقدار ما يفي بالغرض للضرورة. «أهـ من مقرر التوحيد للصف الثالث المتوسط ص69».
***#
62- باب ما جاء في كثرة الحلف أي من النهي عنه والوعيد والذم لمن كان كذلك
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن كثرة الحلف ينافي كمال التوحيد؛ لأن اليمين إنما شرعت تأكيدًا للأمر المحلوف عليه وتعظيمًا للخالق، ولهذا وجب أن لا يحلف إلا بالله وكان الحلف بغيره من الشرك ومن تمام هذا التعظيم ألا يحلف بالله إلا صادقًا ومن تمام هذا التعظيم أن يحترم اسمه العظيم عن كثرة الحلف، فالكذب وكثرة الحلف تنافي التعظيم الذي هو روح التوحيد.
قال تعالى: }وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ{([112]).
س: ما معنى هذه الآية واذكر ما يستفاد منها وما الأيمان؟
جـ: المعنى لا تتركوها بغير تكفير، وقيل احفظوا أيمانكم عن الحنث فلا تحنثوا فيها وقيل لا تكثروا من الحلف، وهذا الأخير هو مراد المؤلف والحديث عام وشامل للجميع.
والأيمان جمع يمين وهي الحلف، أمرهم الله تعالى بحفظ الأيمان وعدم المسارعة إليها أو إلى الحنث فيها.
ويستفاد من الآية: الأمر بحفظ الأيمان والنهي عن كثرة الحلف والنكث ما لم يكن على فعل بر أو إصلاح بين الناس لقوله ﷺ: «إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير» رواه البخاري ومسلم.#
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول «الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب» أخرجاه، أي البخاري ومسلم.
س: ما المقصود بالحلف هنا، وبين معاني الكلمات الآتية: منفقة، السلعة، ممحقة. وما معنى هذا الحديث؟
جـ: المقصود بالحلف هنا: اليمين الكاذبة، ومعنى منفقة: من النفاق بفتح النون، وهو الرواج ضد الكساد. والسلعة: بكسر السين المتاع. ومعنى ممحقة: من المحق وهو النقص والمحو والإبطال.
ومعنى الحديث: أن الحلف الكاذب وإن زاد في المال فإنه يمحق البركة من البيع لأن الثمن -وإن زاد- فإن محق البركة يفضي إلى اضمحلال الزيادة.
عن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه» رواه الطبراني بسند صحيح.
س: ما الذي يؤخذ من نفي كلام الرب تعالى عن هؤلاء العصاة؟ وكيف عظمت عقوبتهم وما معنى لا يزكيهم؟
جـ: نفي كلام الله تعالى عنهم دليل على أنه تعالى يكلم من أطاعه وأن الكلام صفة من صفات كماله. ولما عظم ذنب هؤلاء الثلاثة عظمت عقوبتهم فعوقبوا بهذه الثلاث التي هي أعظم العقوبات. ومعنى لا يزكيهم لا يزيدهم خيرًا ولا يثني عليهم ولا يطهرهم من دنس الذنوب.
س: ما المراد بالأشيمط، ولماذا صغر وكيف خص بالوعيد على الزنا مع أنه كبيرة وحرام على الصغير والكبير؟#
جـ: الأشيمط تصغير أشمط وهو الرجل الكبير الذي علاه الشيب وصغر تحقيرًا له، وخص بالوعيد لأن داعي المعصية قد ضعف في حقه فدل على أن الحامل له على الزنا محبة المعصية والفجور وعدم خوفه من الله.
س: ما المقصود بالعائل؟ ولماذا خص بالوعيد على الكبر مع أنه معصية كبيرة في حق العموم؟
جـ: العائل: هو الفقير، وخص بالوعيد لأنه ليس له ما يدعوه إلى الكبر؛ لأن الداعي إلى الكبر في الغالب كثرة المال والنعم والرئاسة والعائل الفقير لا داعي له إلى أن يستكبر، فاستكباره مع عدم الداعي إليه يدل على أن الكبر طبيعة له كامن في قلبه فعظمت عقوبته لعدم الداعي لهذا الخلق الذميم الذي هو من أكبر المعاصي.
س: ما معنى قوله في الحديث ورجل جعل الله بضاعته؟ وما هو الشاهد من حديث سلمان للباب؟
جـ: المعنى أنه جعل كثرة الحلف بالله بضاعته يبيع فيها ويشتري لملازمته له وغلبته عليه وهذا هو الشاهد من الحديث للباب.
في الصحيح عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم- قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة- ثم إن بعدكم قومًا يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن» رواه مسلم.
س: ما القرن وما المراد بقرن الرسول ﷺ والذين يلونهم ولماذا فضلوا على من بعدهم؟#
جـ: القرن: أهل عصر متقاربة أسنانهم مشتق من الاقتران في الأمر الذي يجمعهم ومدته مائة سنة وقيل غير ذلك.
والمراد بقرن الرسول ﷺ الصحابة ثم التابعون ثم تابعوهم، أي أن القرن الثاني التابعون والثالث تابعوهم.
وإنما فضل قرن الرسول ﷺ على من بعدهم لأنهم سبقوا إلى الإيمان والهجرة والجهاد مع رسول الله ﷺ، وفاقوا من بعدهم في العلم والإيمان والعمل الصالح.
ثم الذين يلونهم فضلوا على من بعدهم لظهور الإسلام فيهم وكثرة الداعي إليه والراغب فيه والقائم به وما ظهر فيه من البدع أنكر واستعظم وأزيل.
ثم القرن الثالث دون الأولين في الفضل، لكثرة البدع فيه لكن العلماء متوافرون، والإسلام فيه ظاهر، والجهاد فيه قائم. ثم ذكر الرسول ﷺ ما وقع بعد القرن الثلاثة من الجفاء في الدين وكثرة الأهواء.
س: ما الذي حمل أولئك القوم يشهدون ولا يستشهدون؟
جـ: حملهم على ذلك استخفافهم بأمر الشهادة وعدم تحريهم للصدق وذلك لقلة دينهم وضعف إسلامهم.
س: ما الذي يدل عليه قوله ويخونون ولا يؤتمنون؟
جـ: يدل على أن الخيانة قد غلبت على كثير منهم أو أكثرهم بحيث لا يعتمد عليهم لخيانتهم وعدم الثقة بهم.
س: ما المقصود بقوله وينذرون ولا يوفون؟
جـ: المقصود أنهم لا يؤدون ما وجب عليهم فظهور هذه الأعمال الذميمة فيهم يدل على ضعف إسلامهم وعدم إيمانهم.#
س: ما المراد بقوله ويظهر فيهم السمن ولماذا؟
جـ: أي يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهي أسباب السمن لرغبتهم في الدنيا ونيل شهواتهم والتنعم بها وغفلتهم عن الدار الآخرة والعمل لها.
في الصحيح عن ابن مسعود أن النبي ﷺ قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» رواه البخاري ومسلم.
س: ما الذي يتضمن هذا الحديث؟
جـ: يتضمن ما تضمنه الحديث الذي قبله من تفضيل القرون الثلاثة على من بعدهم. وهو صريح في أن القرون المفضلة ثلاثة لا غير. وفيه إشارة إلى عدم التسارع إلى الشهادة واليمين وهذه حال من صرف رغبته إلى الدنيا ونسى الآخرة فخف أمر الشهادة واليمين عنده تحملاً وأداء لقلة إيمانه وعدم خوفه من الله وعدم مبالاته بذلك.
قال المؤلف: «وقال إبراهيم كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار».
س: من هو إبراهيم ولماذا يضربونهم على ذلك وضح ما تقول؟
جـ: هو إبراهيم النخعي التابعي من أصحاب عبد الله بن مسعود. وإنما فعلوا ذلك لئلا يعتادوا إلزام أنفسهم بالعهد لما يلزم الحالف من الوفاء والكفارة وربما ترك ذلك فأثم. وكذلك الشهادة فإنه إذا اعتادها حال صغره سهلت عليه فربما أداه ذلك إلى التهاون بها والتساهل حال كبره. وفيه تمرين الصغار على طاعة ربهم ونهيهم عما يضر بصالحهم.
س: ما الذي يستفاد من هذا الباب؟#
جـ:
1- الوصية بحفظ الأيمان.
2- الإخبار بأن الحلف منفقة للسلعة ممحقه للبركة.
3- الوعيد الشديد على من لا يبيع ولا يشتري إلا بيمينه.
4- التنبيه على أن الذنب يعظم مع قلة الداعي.
5- ذم الذين يحلفون ولا يستحلفون.
6- ثناؤه ﷺ على القرون الثلاثة أو الأربعة وذكر ما يحدث بعدها.
7- ذم الذين يشهدون ولا يستشهدون.
8- كون السلف يضربون الصغار على الشهادة والعهد.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
63- «باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه» أي مع الدليل على وجوب الوفاء بها وإتمامها إذا أعطيت أحدًا والذمة العهد
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن نقض العهد دليل على عدم تعظيم الله تعالى فهو قادح في التوحيد.
قال تعالى: }وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا{([113]).
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها للباب؟
جـ: يأمر الله تعالى بالوفاء بالعهود والمواثيق والمحافظة على الأيمان المؤكدة بعدم نقضها.
ومناسبة الآية للباب: أنها دلت على وجوب الوفاء بالعهود وتحريم نقضها.
عن بريدة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله ﷺ إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا فقال: اغزوا باسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله..» الحديث رواه مسلم.
س: ما المقصود بالجيش والسرية وما هي تقوى الله وما الذي تفيده هذه العبارة؟
جـ: السرية قطعة من الجيش تخرج منه تغير وترجع إليه وقد حصرها# بعض العلماء بأربعمائة ونحو ذلك.. والجيش ما كان أكثر من ذلك. وتقوى الله: التحرز بطاعته من عقوبته وذلك بالعمل بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه. وتفيد هذه العبارة تأمير الأمراء ووصيتهم.
س: ما معنى قوله ومن معه من المؤمنين خيرًا؟
جـ: أي أوصاه بمن معه أن يفعل معهم خيرًا من الرفق بهم والإحسان إليهم وخفض الجناح لهم وترك التعاظم عليهم.
س: ما معنى قوله اغزوا باسم الله؟
جـ: أي اشرعوا في فعل الغزو مستعينين بالله مخلصين له متوكلين عليه.
س: اذكر الذين لا يجوز قتالهم في الجهاد ولماذا؟
جـ: هم المعاهدون والرهبان والنساء والصبيان غير البالغين. وإنما نهي عن قتالهم لأنهم لا يكون منهم قتال غالبًا وإن كان منهم قتال أو تدبير قوتلوا.
س: ما معنى قوله ﷺ: «لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا» وما حكم هذه الأشياء؟
جـ: هذا نهي عن الغلول والغدر والتمثيل. والغلول: هو الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها. والغدر: نقض العهد. والتمثيل هنا: التشويه بالقتيل كقطع أنفه وأذنه والعبث به.
والغدر والغلول حرام، والمثلة مكروهة.
س: ما الذي يؤخذ من قوله ﷺ: «ثم ادعهم إلى الإسلام».
جـ: يؤخذ منه أن الدعوة إلى الإسلام تكون قبل القتال إلا أن تكون قد# بلغتهم الدعوة فيجوز قتالهم ابتداء.
س: ما يستفاد من قوله ﷺ: «ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين» وما المقصود بها؟
جـ: يستفاد منه وجوب الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
والمقصود بدار المهاجرين مدينة الرسول ﷺ وكانت الهجرة إلى المدينة في أول الأمر واجبة على من دخل الإسلام.
س: ما معنى قوله ﷺ: «وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين»؟
جـ: المعنى إن أسلموا وهاجروا وجب عليهم ما يجب على المهاجرين من الغزو والجهاد. واستحقوا ما يستحق المهاجرون من الفيء والغنيمة والأجر.
س: ما المراد بقوله ﷺ: «فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونوا كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله تعالى».
جـ: يعني من أسلم ولم يهاجر ولم يجاهد كسائر أعراب المسلمين الساكنين في البادية من غير هجرة ولا غزو فتجري عليهم أحكام الإسلام ولا حق لهم في الغنيمة والفيء.
س: ما هي الخصال التي يدعى إليها المشركون قبل قتالهم؟
جـ: هي ثلاثة أشياء مرتبة:
1- الدعوة إلى الإسلام بأن يدعوا إلى الشهادتين ثم إلى الصلاة ثم إلى الزكاة.
2- الدعوة إلى الهجرة.
طلب الجزية منهم.#
س: ما هي الجزية ومن تؤخذ منه؟
جـ: هي المال الذي يعقد الكتابي عليه الذمة، مأخوذة من الجزاء لأنها أجزت عن قتله. وتؤخذ من كل كافر عربيًا كان أو أعجميًا كتابيًا أو مجوسيًا أو غيرهم لهذا الحديث. وقيل لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب والمجوس. وتؤخذ من الرجال الأحرار البالغين دون غيرهم. وإنما تؤخذ ممن كان تحت قهر المسلمين في بلادهم.
س: ما هو الشاهد من حديث بريدة للباب؟
جـ: هو قوله وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه.
س: ما معنى الذمة وما معنى إخفارها؟
جـ: الذمة: العهد، وإخفارها: نقضها.
س: ما هو غرض المؤلف من إيراد هذا الباب؟
جـ: غرضه البعد والحذر من التعرض للأحوال التي يخشى منها نقض العهود والإخلال بها بعد ما يجعل للأعداء المعاهدين ذمة الله وذمة رسوله. فإنه متى وقع النقض في هذه الحال كان انتهاكًا للمسلمين لذمة الله وذمة نبيه وتركًا لتعظيم الله وفي ذلك أيضًا تهوين للإسلام وتزهيد للكفار به. فإن الوفاء بالعهود وخصوصًا المؤكدة بأغلظ المواثيق من محاسن الإسلام الداعية للأعداء المنصفين إلى تفضيله واتباعه.
والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
***#
64- باب ما جاء في الإقسام على الله
س: ما معنى الإقسام على الله وما حكمه؟
جـ: الإقسام على الله هو الحلف أن يفعل كذا أو لا يفعل كذا. وحكمه التحريم إذا كان على جهة الحجر على الله والقطع بحصول المقسم على حصوله. وهذا النوع مناف للتوحيد لأنه سوء أدب مع الله. وأما إذا كان على جهة حسن الظن بالله فهو جائز لقوله ﷺ: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره» رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ «قال رجل والله لا يغفر الله لفلان فقال الله عز وجل من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان إني قد غفرت له وأحبطت عملك» رواه مسلم.
وفي حديث أبي هريرة «أن القائل رجل عابد قال أبو هريرة تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته».
س: ما معنى يتألى، وما هو إحباط العمل وما نوع الاستفهام في قوله من ذا الذي يتألى؟ وما معنى أوبقت؟ اذكر ما يستفاد من هذا الحديث؟
جـ: معنى يتألى: يحلف، ومعنى إحباط العمل، إبطاله وذهابه، والاستفهام على جهة الإنكار والوعيد. ومعنى أوبقت: أهلكت، ويستفاد من الحديث:
1- التحذير من التألي على الله والإقسام عليه.
2- قرب الجنة والنار.
3- أن الإنسان قد يغفر له بسبب هو من أكره الأمور إليه.
تحريم العجب بالنفس ووجوب التأدب مع الله في الأقوال والأفعال.#
4- بيان خطر اللسان والتحرز من الكلام كما قال ﷺ: «وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم»([114]). وقال ﷺ: «إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها- أي ما يفكر فيها- يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب» متفق عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
***#
65- باب لا يستشفع بالله على خلقه
س: ما مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد؟
جـ: هي أن الاستشفاع بالله على خلقه مناف للتوحيد لأن فيه تنقصًا لرب العالمين.
س: ما هو الاستشفاع وما حكم الاستشفاع بالله على خلقه مع التعليل؟
جـ: الاستشفاع هو طلب الشفاعة والاستشفاع بالله على خلقه حرام لأنه تعالى أعظم شأنًا من أن يتوسل به إلى خلقه لأن رتبة المتوسل به غالبًا دون رتبة المتوسل إليه وذلك سوء أدب مع الله فيتعين تركه فإن الشفعاء لا يشفعون عنده إلا بإذنه وكلهم يخافونه، فكيف يعكس الأمر فيجعل هو الشافع وهو الكبير العظيم الذي خضعت له الرقاب وذلت له الكائنات جميعها.
عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال جاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله نهكت الأنفس وجاع العيال وهلكت الأموال فاستسق لنا ربك فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله فقال النبي ﷺ «سبحان الله! سبحان الله فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال ويحك أتدري ما الله؟ إن شأن الله أعظم من ذلك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه» رواه أبو داود.
س: وضح معاني الكلمات الآتية: نهكت، استسق لنا ربك، نستشفع، سبحان الله، ما مرجع اسم الإشارة في قوله حتى عرف ذلك، وما الذي يستفاد من هذا الحديث، وبين مناسبته للباب؟#
جـ: نهكت: جهدت وضعفت، استسق لنا ربك: اسأله لنا السقيا وهي المطر، نستشفع: نطلب الشفاعة، سبحان الله: تنزيهًا لله عما لا يليق به، ويحك: كلمة تقال للزجر، والإشارة إلى غضب الصحابة لغضب الرسول ﷺ.
ومناسبة الحديث للباب: أن النبي ﷺ أنكر فيه الاستشفاع بالله على خلقه واستعظمه ونهى عنه.
ويستفاد منه:
1- تحريم الاستشفاع بالله على خلقه لأن شأنه أعظم من ذلك.
2- إثبات علو الله على خلقه وأن عرشه فوق سماواته لأن في بعض روايات الحديث «أن الله فوق عرشه وعرشه فوق سماواته».
س: ما معنى الاستشفاع بالرسول ﷺ، وما حكمه، وهل الاستشفاع خاص به، وما الفرق بين الحي والميت في الاستشفاع؟
جـ: الاستشفاع بالرسول ﷺ المراد به طلب دعائه وهو جائز في حياته. وأما بعد وفاته فلا يجوز. وليس خاصًا به بل كل حي حاضر يرجى أن يستجاب له فلا بأس أن يطلب منه الدعاء.
وأما الميت فإنما يشرع في حقه الدعاء له على جنازته وعلى قبره وفي غير ذلك. وأما دعاؤه فلم يشرع بل قد دل الكتاب والسنة على النهي عنه والوعيد عليه. فكل ميت أو غائب لا يسمع ولا يستجيب ولا ينفع ولا يضر فدعاؤه شرك.
وبهذا يظهر الفرق بين الحي والميت في الاستشفاع.
والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
***#
66- باب ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك
س: ما المقصود بحمايته ﷺ حمى التوحيد؟
جـ: المقصود بذلك صونه عما يشوبه من الأقوال والأفعال التي يضمحل معها التوحيد أو ينقص.
عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: «انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله ﷺ فقلنا أنت سيدنا فقال السيد الله تبارك وتعالى قلنا وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً فقال قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان» رواه أبو داود بسند جيد.
وللنسائي عن أنس رضي الله عنه أن ناسًا قالوا يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا فقال «يا أيها الناس قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد عبد الله ورسوله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل».
س: ما معنى قولهم وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً؟
جـ: أي أعظمنا شرفًا وفضلاً وجودًا. والطول هو الغنى والقدرة والإنعام الواسع.
س: ما مراد الرسول ﷺ بقوله السيد الله؟
جـ: يريد ﷺ أن السؤدد الكامل حقيقة لله عز وجل وأن الخلق كلهم عبيد الله.
س: ما المراد بقوله قولوا بقولكم أو بعض قولكم؟#
جـ: يعني قولوا بقول أهل دينكم وملتكم وادعوني نبيًا ورسولاً كما سماني الله في كتابه فقال }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ{ و}يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ{ وقوله أو بعض قولكم أي دعوا بعض قولكم واتركوه.
س: ما معنى قوله ﷺ: «ولا يستجرينكم الشيطان، ولا يستهوينكم»؟
جـ: أي لا يستغلبنكم الشيطان فيتخذكم جريًا أي رسولاً ووكيلاً كأنكم وكلاء الشيطان تنطقون على لسانه.
ومعنى لا يستهوينكم: أي لا يقودنكم إلى ما يهوى من الغلو والبدع.
س: لماذا نهاهم الرسول ﷺ عن قولهم أنت سيدنا وأفضلنا وخيرنا وأعظمنا مع أنهم لم يقولوا إلا الحق؟
جـ: نهاهم عن ذلك لئلا يكون وسيلة إلى الغلو فيه والإطراء وأخبر ﷺ أن مواجهة المادح للممدوح بالمدح- ولو بما هو فيه- من عمل الشيطان لما تفضي محبة المدح إليه من تعاظم الممدوح في نفسه وذلك ينافي كمال التوحيد.
س: ما حكم إطلاق السيد على الإنسان؟
جـ: مختلف فيه فأجازه قوم واحتجوا بقول النبي ﷺ للأنصار: «قوموا إلى سيدكم» ومنعه قوم واحتجوا بقول النبي ﷺ: «السيد الله».
وروي عنه ﷺ أنه قال: «لا تقولوا للمنافق سيد فإنه إن يكن سيدًا فقد أسخطتم ربكم عز وجل» رواه أبو داود وإسناده صحيح.
س: ما الذي يستفاد من هذا الباب؟#
جـ: يستفاد منه:
1- تحذير الناس من الغلو.
2- كراهة المدح والتحذير منه.
3- شفقته ﷺ على أمته ورأفته ورحمته بهم.
4- ما ينبغي أن يقول من قيل له أنت سيدنا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
***#
67- باب ما جاء في قول الله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{([115])
س: اشرح هذه الآية وبين مناسبتها لكتاب التوحيد؟
جـ: يقول الله تعالى ما عظم الله حق عظمته هؤلاء المشركون حيث عبدوا معه غيره فلم يؤمنوا بقدرة الله عليهم وهو العظيم الذي لا أعظم منه والقادر على كل شيء المالك لكل شيء وكل شيء تحت قدرته وقهره.
وأما قوله تعالى: }وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ{ فقد فسرها رسول الله ﷺ بقوله: «يطوي الله السماوات والأرض يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون. ثم يطوي الأرضين السبع بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون»([116]) وقال ﷺ «يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض»([117]).
ومناسبة الآية لكتاب التوحيد: أنها دلت على أن عبادة غير الله شرك ينافي توحيده وتعظيمه والإيمان به.
وروى عن ابن عباس قال «ما السموات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم».
س: ما هي الخردلة وما الذي يدل عليه هذا الحديث؟# جـ: الخردلة واحدة الخردل وهي حبة صغيرة جدًا كالذي يرى في شعاع الشمس الداخل في النافذة، ويدل الحديث:
1- على عظمة الله تعالى.
2- وعلى صغر المخلوقات بالنسبة إليه.
3- أن السماوات السبع والأرضين السبع ومن فيهن في قبضته وتحت تصرفه وقهره.
وقال ابن جرير حدثني يونس أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد حدثني أبي قال: قال رسول الله ﷺ: ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس» قال: وقال أبو ذر رضي الله عنه سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض».
س: ما هو الترس وما معنى ظهري فلاة وما الذي يدل عليه هذان الحديثان؟
جـ: الترس صفحة من فولاذ تحمل لاتقاء الضرب بالسيف ومعنى ظهري فلاة وسط فلاة وهي المفازة، ويدل الحديثان:
1- على عظم الكرسي بالنسبة للسماوات كما قال تعالى: }وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ{([118]).
2- عظم العرش بالنسبة للكرسي.
أن العرش غير الكرسي.#
وعن ابن مسعود قال «بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء إلى سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم» أخرجه ابن مهدي والمسعودي قال الحافظ الذهبي وله طرق.
وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ «هل تدرون كم بين السماء والأرض قلنا الله ورسوله أعلم، قال بينهما مسيرة خمسمائة سنة، ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، وبين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تعالى فوق ذلك وليس يخفي عليه شيء من أعمال بين آدم» أخرجه أبو داود وغيره.
س: اذكر ما يستفاد من هذين الحديثين وبين مناسبتهما للباب؟
جـ: يستفاد منهما:
1- أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام.
2- أن ما بين كل سماء إلى سماء خمسمائة عام.
3- أن كثف «سمك» كل سماء خمسمائة عام.
4- أن بين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام.
5- أن بين الكرسي والماء خمسمائة عام.
6- أن البحر الذي فوق السماوات بين أسفله وأعلاه خمسمائة عام.
أن العرش فوق الماء.#
7- أن الله تعالى فوق العرش.
8- أنه تعالى مطلع على عباده يعلم ما هم عاملون ولا يخفي عليه شيء من ذلك.
ومناسبة الحديثين للباب: أن فيهما دلالة على عظمة الله تعالى وكماله وكبريائه وعظيم قدرته وعظم مخلوقاته.
والله أعلم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه.
***#
([1]) من سورة الزخرف آية (87).
([2]) سورة الذاريات آية (56).
([3]) سورة النحل آية (36).
([4]) سورة الإسراء آية (23).
([5]) سورة النساء آية (36).
([6]) سورة الأنعام آية (151).
([7]) سورة الأنعام آية (82).
([8]) سورة النحل آية (120).
([9]) سورة المؤمنون آية (59).
([10]) سورة النساء آية (48 و116).
([11]) سورة إبراهيم آية (35).
([12]) سورة يوسف آية (108).
([13]) سورة الإسراء من آية (57).
([14]) سورة الزخرف آية (26 و27).
([15]) سورة التوبة آية (31).
([16]) سورة البقرة آية (165).
([17]) سورة البقرة آية (167).
([18]) سورة الزمر آية (38).
([19]) رواه أحمد بسند لا بأس به.
([20]) سورة يوسف الآية (106).
([21]) سورة النجم الآية (19، 20).
([22]) سورة الأنعام آية (162، 163).
([23]) سورة الكوثر آية (2).
([24]) سورة التوبة آية (108).
([25]) سورة الإنسان آية (7).
([26]) سورة البقرة آية (270).
([27]) سورة الجن آية (6).
([28]) سورة يونس آية (106).
([29]) سورة يونس آية (107).
([30]) سورة العنكبوت آية (17).
([31]) سورة الأحقاف آية (5، 6).
([32]) سورة النمل آية (62).
([33]) سورة الأعراف آية (191، 192).
([34]) سورة فاطر آية (13).
([35]) سورة آل عمران آية (128).
([36]) سورة الشعراء آية (214).
([37]) سورة سبأ آية (23).
([38]) سورة البقرة آية (255).
([39]) سورة الأنبياء آية (28).
([40]) سورة الأنعام آية (51).
([41]) سورة الزمر آية (44).
([42]) سورة البقرة آية (255).
([43]) سورة النجم آية (26).
([44]) سورة سبأ آية (22، 23).
([45]) كما قال تعالى: }وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى{ سورة الأنبياء آية (28).
([46]) سورة القصص آية (56).
([47]) سورة الشورى آية (52).
([48]) سورة التوبة آية (113).
([49]) سورة النساء آية (171).
([50]) سورة نوح آية (23).
([51]) سورة النجم آية (19).
([52]) سورة التوبة آية (128).
([53]) سورة النساء آية (51).
([54]) سورة المائدة آية (60).
([55]) سورة الكهف آية (21).
([56]) سورة الأحزاب آية (67).
([57]) سورة البقرة آية (102).
([58]) رواه مالك في الموطأ.
([59]) سورة البقرة آية (102).
([60]) سورة النساء آية (51).
([61]) سورة الأنفال آية (16).
([62]) ذكره ابن الجوزي في جامع المسانيد.
([63]) سورة الأعراف آية (131).
([64]) سورة يس آية (19).
([65]) سورة الملك آية (5).
([66]) سورة الملك آية (5).
([67]) سورة النحل آية (16).
([68]) سورة الواقعة آية (82).
([69]) سورة البقرة آية (165).
([70]) سورة التوبة آية (24).
([71]) سورة البقرة آية (166).
([72]) سورة آل عمران آية (175).
([73]) سورة التوبة آية (18).
([74]) سورة العنكبوت آية (10).
([75]) سورة المائدة آية (23).
([76]) سورة الأنفال آية (2).
([77]) سورة الأنفال آية (64).
([78]) سورة الطلاق آية (3).
([79]) قال السيوطي رواه ابن مردويه ورمز لضعفه.
([80]) سورة الأعراف آية (99).
([81]) انظر تفسير ابن كثير جزء 2 ص234 وتفسير ابن جرير جزء 12 ص579 طبعة المعارف.
([82]) سورة الحجر آية (56).
([83]) ورواه ابن جرير بأسانيد صحاح عن ابن مسعود رضي الله عنه.
([84]) سورة التغابن آية (11).
([85]) سورة الكهف آية (110).
([86]) سورة هود آية (15، 16).
([87]) سورة النساء آية (60).
([88]) سورة البقرة آية (11).
([89]) سورة الأعراف آية (56).
([90]) سورة المائدة آية (50).
([91]) سورة الرعد آية (30).
([92]) سورة النحل آية (83).
([93]) سورة البقرة آية (22).
([94]) رواه الطبراني وابن جرير وغيرهما قال المنذري ورواته رواة الصحيح.
([95]) سورة الجاثية آية (24).
([96]) سورة التوبة آية (65، 66).
([97]) سورة فصلت آية (50).
([98]) سورة القصص الآية (78).
([99]) سورة الأعراف آية (190).
([100]) كتاب التسهيل لعلوم التنزيل جزء 2 ص56.
([101]) سورة الأعراف آية (180).
([102]) سورة الشورى آية (11).
([103]) رواه الإمام أحمد وأبو حاتم وابن حبان في صحيحه.
([104]) سورة مريم آية (93).
([105]) رواه الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه عن أسامة بن زيد ورمز السيوطي لصحته.
([106]) رواه الطبراني في الكبير عن أبي موسى ورمز السيوطي لحسنه.
([107]) سورة آل عمران آية (168).
([108]) سورة آل عمران آية (154).
([109]) سورة آل عمران آية (154).
([110]) سورة الفتح آية (6).
([111]) سورة القمر آية (49).
([112]) سورة المائدة آية (89).
([113]) سورة النحل آية (91).
([114]) رواه الترمذي وصححه.
([115]) سورة الزمر آية (67).
([116]) رواه مسلم.
([117]) أخرجه البخاري ومسلم.
([118]) سورة البقرة آية (255).