مجموعة رسائل رمضانية
التصنيفات
الوصف المفصل
- مجموعة
رسائل رمضانية
- المقدمة
- كيف نستقبل شهر رمضان المبارك؟
- رسالـة
رمضـان
- فضائل شهر رمضان
- فضل الصيـام
- خصائص شهر رمضان المبارك ومزاياه
- أحكام الصيام
- قيام رمضان
- تلاوة القرآن في رمضان وغيره
- الصدقة في رمضان
- تفسير آيات الصيام
- ما يستفاد من آيات الصيام
- فوائد الصيام
- الصوم مع ترك الصلاة
- # المقصود من الصيام #
- # الصوم المشروع #
- # أسباب المغفرة في رمضان #
- # من آداب الصيام #
- # ما جاء في العشر الأواخر من رمضان #
- # العمرة في رمضان #
- # ليلة القدر #
- # التوبة والاستغفار #
- # شروط التوبة #
- # وداع رمضان #
- # فتاوى #
- # أدعية جامعة نافعة لا يستغنى عنها #
- # زكاة الفطر #
- # العيد #
- # فضل صيام ستة أيام من شوال #
- # الخاتمة #
- # مراجع رسالة رمضان #
- إتحاف أهل الإسلام بأحكام الصيام
- # مراجع الرسالة #
- خلاصة الكلام في أحكام الصيام
- أحكام الزكـاة
- # مراجع رسالة (من أحكام الزكاة)#
- مسائل وفتاوى في زكاة الحلي
- # وجوب زكاة الحلي #
- # هل تجب الزكاة في الذهب الذي تقتنيه المرأة للزينة #
- # وجوب الزكاة في حلي النساء إذا بلغت النصاب ولم تكن للتجارة #
- # تجب الزكاة في حلي المرأة التي تتزين به أو تعيره ذهبًا كان أم فضة #
- # زكاة الحلي من الفضة #
- # سائلة تقول: عندي حلي ولم أزكه منذ 24 عامًا #
- # حكم من تجهل وجوب زكاة الحلي فيما مضى #
- # هل تجمع المرأة حلي بناتها عند إخراج الزكاة مع حليها؟ #
- # ما مقدار زكاة الذهب والفضة وكيفية إخراجها؟ #
- # ما حكم زكاة الذهب المعد للاستعمال؟ #
- # ما حكم زكاة الحلي الملبوس؟ #
مجموعة رسائل رمضانية
تأليف الفقير إلى الله تعالى
عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وقيوم السموات والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذى أرسله رحمة للعالمين وحجة على الخلائق أجمعين، صلوات الله وسلامه عليه ورضى الله عن صحابته أجمعين وأزواجه أُمهات المؤمنين، وجمعنا وإياهم ووالدينا فى جنات النعيم }مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ{.
أما بعد: فبناءً على وجوب التعاون على البر والتقوى والتواصى بالحق والصبر عليه فقد يسر الله لي – وله الحمد والشكر والثناء – جمع وتأليف رسائل متعددة فى مواضيع مختلفة في أركان الإسلام الخمسة وأصول الإيمان الستة وفي التوحيد والعقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والآداب حتى بلغت حوالي مئة كتاب ما بين صغير وكبير ومتوسط، وطبع كثير منها عدة طبعات ونُشِرَتْ، بعضها طبع على نقفة بعض المحسنين للتوزيع وكثير منها طبعته دور النشر للبيع. وقد أشار عليّ بعض المحبين الناصحين أن أجمع هذه الرسائل في مجموعات لتبقى ويستفاد منها كمراجع فجمعتها في حوالي خمس عشرة مجموعة مبتدئًا بأركان الإسلام الخمسة.
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن ينفع بها من كتبها أو طبعها أو قرأها أو سمعها فعمل بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولعل خطباء المساجد أن يستفيدوا منها لخطبهم، ولعل أئمة المساجد أن يقرأوا منها على جماعتهم، ولعل أرباب الأسر أن يقرأوا منها على أسرهم لتعم الفائدة وتقوم الحجة على الجميع، وطريقة الاستفادة من الكتاب أن يبدأ القارئ بقراءة مقدمته وفهارسه حتى تتكون لديه فكرة عن الكتاب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
®®®®
كيف نستقبل شهر رمضان المبارك؟
يليها: (تنبيهات على المخالفات الواقعة في شهر رمضان)
بسم الله الرحمن الرحيم
# كيف نستقبل شهر رمضان المبارك؟ #
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
فقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله ﷺ والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ويفرحون بقدومه، كانوا يدعون الله أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه أن يتقبله منهم، كانوا يصومون أيامه ويحفظون صيامهم عما يبطله أو ينقصه من اللغو اللهو واللعب والغيبة والنميمة والكذب، وكانوا يحيون لياليه بالقيام وتلاوة القرآن، كانوا يتعاهدون فيه الفقراء والمساكين بالصدقة والإحسان وإطعام الطعام وتفطير الصوام، كانوا يجاهدون فيه أنفسهم بطاعة الله ويجاهدون أعداء الإسلام في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، فقد كانت غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون على عدوهم في اليوم السابع عشر من رمضان، وكانت غزوة فتح مكة في عشرين من رمضان حيث دخل الناس في دين الله أفواجًا وأصبحت مكة دار إسلام ن فليس شهر رمضان شهر خمول ونوم وكسل كما يظنه بعض الناس ولكنه شهر جهاد وعبادة وعمل لذا ينبغي لنا أن نستقبله بالفرح والسرور والحفاوة والتكريم، وكيف لا نكون كذلك في شهر اختاره الله لفريضة الصيام ومشروعية القيام وإنزال القرآن الكريم لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وكيف لا نفرح بشهر تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتُغَلّ فيه الشياطين وتضاعف فيه الحسنات وترفع الدرجات وتغفر الخطايا والسيئات، ينبغي لنا أن ننتهز فرصة الحياة والصحة والشباب فنعمرها بطاعة الله وحسن عبادته وأن ننتهز فرصة قدوم هذا الشهر الكريم فنجدد العهد مع الله تعالى على التوبة الصادقة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والسيئات، وأن نلتزم بطاعة الله تعالى مدى الحياة بامتثال أوامره واجتناب نواهيه لنكون من الفائزين }يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{([1]).
وصدق الله العظيم إذ يقول: }وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{([2]) وأن نحافظ على فعل الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات في رمضان وغيره عملاً بقول الله تعالى: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{([3]) حتى تموت وقوله تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{([4]).
ينبغي أن نستقبل هذا الشهر الكريم بالعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا لا تقليدًا وتبعية للآخرين، وأن تصوم جوارحنا عن الآثام من الكلام المحرم والنظر المحرم والاستماع المحرم والأكل والشرب المحرم لنفوز بالمغفرة والعتق من النار، ينبغي لنا أن نحافظ على آداب الصيام من تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل وتعجيل الفطر إذا تحققنا غروب الشمس والزيادة في أعمال الخير وأن يقول الصائم إذا شتم: "إني صائم" فلا يسب من سبه ولا يقابل السيئة بمثلها بل يقابلها بالكلمة التي هي أحسن ليتم صومه ويقبل عمله، يجب علينا الإخلاص لله عز وجل في صلاتنا وصيامنا وجميع أعمالنا فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحًا وابتغى به وجهه، والعمل الصالح هو الخالص لله الموافق لسنة رسوله ﷺ.
ينبغي للمسلم أن يحافظ على صلاة التراويح وهي قيام رمضان اقتداء بالنبي ﷺ وأصحابه وخلفائه الراشدين واحتسابًا للأجر والثواب المرتب عليها قال ﷺ : «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه وأن يقوم المصلي مع الإمام حتى ينتهي ليكتب له قيام ليلة لحديث أبي ذر الذي رواه أحمد والترمذي وصححه([5]) وأن يحيي ليالي العشر الأواخر من رمضان بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار اتباعًا للسنة وطلبًا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر – ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر – وهي الليلة المباركة التي شرفها الله بإنزال القرآن فيها وتنزل الملائكة والروح فيها، وهي الليلة التي من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، وهي محصورة في العشر الأواخر من رمضان فينبغي للمسلم أن يجتهد في كل ليلة منها بالصلاة والتوبة الذكر والدعاء والاستغفار وسؤال الجنة والنجاة من النار لعل الله أن يتقبل منا ويتوب علينا ويدخلنا الجنة وينجينا من النار ووالدينا والمسلمين، وقد كان النبي ﷺ إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا ليله وشد مئزره وأيقظ أهله ولنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة وشد المئزر فُسِّر باعتزال النساء وفُسِّر بالتشمير في ال عبادة وكان النبي ﷺ يعتكف في العشر الأواخر من رمضان والمعتكف ممنوع من قرب النساء ن وينبغي للمسلم الصائم أن يحافظ على تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره بتدبر وتفكر ليكون حجة له عند ربه وشفيعًا له يوم القيامة وقد تكفل الله لمن قرا القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة بقوله تعالى: }فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى{([6]).
وينبغي أن يتدارس القرآن مع غيره ليفوزوا بالكرامات الأربع التي أخبر بها رسول الله ﷺ بقوله: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» رواه مسلم.
وينبغي للمسلم أن يلح على الله بالدعاء والاستغفار بالليل والنهار في حال صيامه وعند سحوره، فقد ثبت في الحديث الصحيح (إن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: «من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» حتى يطلع الفجر) رواه مسلم في صحيحه وورد الحث على الدعاء في حال الصيام وعند الإفطار وأن من الدعوات المستجابة دعاء الصائم حتى يفطر أو حين يفطر وقد أمر الله بالدعاء وتكفل بالإجابة }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [سورة غافر آية: 60] وينبغي للمسلم أن يحفظ أوقات حياته القصيرة المحدودة، فيما ينفعه من عبادة ربه المتنوعة القاصرة، والمتعدية ويصونها عما يضره في دينه ودنياه وآخرته وخصوصًا أوقات شهر رمضان الشريفة الفاضلة التي لا تعوض ولا تقدر بثمن وهي شاهدة للطائعين بطاعاتهم وشاهدة على العاصين والغافلين بمعاصيهم وغفلاتهم، وينبغي تنظيم الوقت بدقة لئلا يضيع منه شيء بدون عمل وفائدة فإنك مسئول عن أوقاتك ومحاسب عليها ومجزي على ما عملت فيها.
· تنظيم الوقت:
ويسرني أن أتحف القاريء الكريم برسم خطة مختصرة لتنظيم أوقات هذا الشهر الكريم، ولعلها أن يقاس عليها ما سواها من شهور الحياة القصيرة فينبغي للمسلم إذا صلى الفجر أن يجلس في المسجد يقرأ القرآن الكريم وأذكار الصباح ويذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس وبعد طلوعها بحوالي ربع ساعة أي بعد خروج وقت النهي يصلي ركعتين أو ما شاء الله ليفوز بأجر حجة وعمرة تامَّة كما في الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه ولنا في رسول الله ﷺ وأصحابه الكرام أسوة حسنة فقد كانوا إذا صلوا الفجر جلسوا في المسجد يذكرون الله تعالى حتى تطلع الشمس، ويلاحظ أن المسلم إذا جلس في مصلاه لا يزال في صلاة وعبادة كما وردت السنة بذلك وبعد ذلك ينام إلى وقت العمل ثم يذهب إلى عمله ولا ينسى مراقبة الله تعالى وذكره في جميع أوقاته وأن يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة، والذي ليس عنده عمل من الأفضل له أن ينام بعد الظهر ليرتاح وليستعين به على قيام الليل فيكون نومه عبادة وبعد صلاة العصر يقرأ أذكار المساء وما تيسر من القرآن الكريم وبعد المغرب وقت للعشاء والراحة وبعد ذلك يصلي العشاء والتراويح وبعد صلاة التراويح يقضي حوائجه الضرورية لحياته اليومية المنوطة به لمدة ساعتين تقريبًا ثم ينام إلى أن يحين وقت السحور فيقوم ويذكر الله ويتوضأ ويصلي ما كتب له ثم يشغل نفسه قبل السحور وبعده بذكر الله والدعاء والاستغفار والتوبة إلى أن يحين وقت صلاة الفجر، والخلاصة أنه ينبغي للمسلم الراجي رحمة ربه الخائف من عذابه أن يراقب الله تعالى في جميع أوقاته في سره وعلانيته وأن يلهج بذكر الله تعالى قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه كما وصف الله المؤمنين بذلك، ومن علامات القبول لزوم تقوى الله عز وجل لقوله تعالى: }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{([7]).
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا.
®®®®
بسم الله الرحمن الرحيم
# ملاحظات وتنبيهات على أخطاء بعض الصائمين والقائمين في شهر رمضان !
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد: فإن شهر رمضان المبارك موسم عبادات متنوعة من صيام وقيام وتلاوة قرآن وصدقة وإحسان وذكر ودعاء واستغفار – وسؤال الجنة والنجاة من النار. فالموفق من حفظ أوقاته في ليله ونهاره وشغلها فيما يسعده ويُقَرِّبه إلى ربه على الوجه المشروع بلا زيادة ولا نقصان ومن المعلوم لدى كل مسلم أنه يشترط لقبول العمل الإخلاص لله المعبود والمتابعة للرسول ﷺ.
لذا يتعين على المسلم أن يتعلم أحكام الصيام، على من يجب، وشروط وجوبه وشروط صحته ومن يباح له الفطر في رمضان ومن لا يباح له وما هي آداب الصائم وما الذي يستحب له. وما هي الأشياء التي تفسد الصيام ويفطر بها الصائم وما هي أحكام القيام!!!
وكثير من الناس مقصر في معرفة هذه الأحكام لذا تراهم يقعون في أخطاء كثيرة منها:
1 - عدم معرفة أحكام الصيام وعدم السؤال عنها وقد قال الله تعالى: }فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ{([8]) وقال عليه الصلاة والسلام: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» متفق عليه.
2 - استقبال هذا الشهر الكريم باللهو واللعب بدلاً من ذكر الله وشكره أن بلّغهم هذا الشهر العظيم وبدلاً من أن يستقبلوه بالتوبة الصادقة والإنابة إلى الله ومحاسبة النفس في كل صغيرة وكبيرة قبل أن تحاسب وتجزى على ما عملت من خير وشر.
3 - يلاحظ أن بعض الناس إذا جاء رمضان تابوا وصلوا وصاموا فإذا انقضى عادوا إلى ترك الصلاة وفعل المعاصي. فهؤلاء بئس القوم. لأنهم لا يعرفون الله إلا في رمضان. ألم يعلموا أن رب الشهور واحد وأن المعاصي حرام في كل وقت وأن الله مطلع عليهم في كل زمان ومكان فليتوبوا إلى الله تعالى توبة نصوحًا بترك المعاصي والندم على ما كان منها والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل حتى تقبل توبتهم وتغفر ذنوبهم وتمحى سيئاتهم.
4 - اعتقاد البعض من الناس أن شهر رمضان فرصة للنوم والكسل في النهار والسهر في الليل وفي الغالب يكون هذا السهر على ما يغضب الله عز وجل من اللهو واللعب والغفلة والقيل والقال والغيبة والنميمة وهذا فيه خطر عظيم وخسارة جسيمة عليهم. وهذه الأيام المعدودات شاهدة للطائعين بطاعاتهم وشاهدة على العاصين والغافلين بمعاصيهم وغفلاتهم.
5 - يلاحظ ان بعض الناس يستاء من دخول شهر رمضان ويفرح بخروجه لأنهم يرون فيه حرمانًا لهم من ممارسة شهواتهم فيصومون مجاراة للناس وتقليدًا وتبعية لهم ويفضلون عليه غيره من الشهور مع أنه شهر بركة ومغفرة ورحمة وعتق من النار للمسلم الذي يؤدي الواجبات ويترك المحرمات ويمتثل الأوامر ويترك النواهي.
6 - أن بعض الناس يسهرون في ليالي رمضان غالبًا فيما لا تحمد عقباه من الملاهي والملاعب والتجول في الشوارع والجلوس على الأرصفة ثم يتسحرون بعد نصف الليل وينامون عن أداء صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة وفي ذلك عدة مخالفات:
أ) السهر فيما لا يجدي وقد كان النبي ﷺ يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها إلا في خير. وفي الحديث الذي رواه أحمد «لا سمر إلا لمصلٍّ أو مسافر» ورمز السيوطي لحسنه.
ب) ضياع أوقاتهم الثمينة في رمضان بدون أن يستفيدوا منها شيئًا وسوف يتحسّر الإنسان على كل وقت يمرّ به لا يذكر الله فيه.
ج) تقديم السحور قبل وقته المشروع آخر الليل قبيل طلوع الفجر.
د) والمصيبة العظمى النوم عن أداء صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة التي تعدل قيام الليل أو نصفه كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عثمان بن عفان t أن رسول الله ﷺ قال: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله». وبذلك يتصفون بصفات المنافقين الذين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ويؤخرونها عن أوقاتها ويتخلفون عن جماعتها ويحرمون أنفسهم الفضل العظيم والثواب الجسم المرتب عليها.
7 - التحرز من المفطرات الحسية كالأكل والشرب والجماع وعدم التحرز من المفطرات المعنوية كالغيبة والنميمة والكذب واللعن والسباب وإطلاق النظر إلى النساء في الشوارع والمحلات التجارية، فيجب على كل مسلم أن يهتم بصيامه وأن يبتعد عن هذه المحرمات والمفطرات فرب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب، قال النبي ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري.
8 - ترك صلاة التراويح التي وعد من قامها إيمانًا واحتسابًا بمغفرة ما مضى من ذنوبه وفي تركها استهانة بهذا الثواب العظيم والأجر الجسيم فالكثير من المسلمين لا يؤديها وربما صلى قليلاً منها ثم انصرف وحجته في ذلك أنها سنة. ونقول نعم هي سنة مؤكدة صلاها رسول الله ﷺ وخلفاؤه الراشدون والتابعون له بإحسان وهي تقرب العبد إلى ربه. ومن أسباب مغفرة الله لعبده ومحبته له. وتركها يعتبر من الحرمان العظيم نعوذ بالله من ذلك، وربما وافق المصلي ليلة القدر ففاز بعظيم المغفرة والأجر، والسنن شرعت لجبر نقص الفرائض وهي من أسباب محبة الله لعبده وإجابة دعائه ومن أسباب تكفير السيئات ومضاعفة الحسنات ورفع الدرجات ن ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينال ثوابها وأجرها ولا ينصرف منها حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله لقوله ﷺ: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» رواه أهل السنن بسند صحيح.
9 - يلاحظ أن بعض الناس قد يصوم ولا يصلي أو يصلي في رمضان فقط. فمثل هذا لا يفيده صوم ولا صدقة لأن الصلاة عماد الدين الإسلامي الذي يقوم عليه.
10 - اللجوء إلى السفر إلى الخارج في رمضان بدون حاجة وضرورة بل من أجل التحيل على الفطر. بحجة أنه مسافر ومثل هذا السفر لا يحوز ولا يحل له أن يفطر فيه، والله لا تخفى عليه حيل المحتالين، وغالب من يفعل ذلك متعاطي المسكرات والمخدرات عافانا الله والمسلمين منها.
11 - الفطر على بعض المحرمات لوصفها كالمسكرات والمخدرات ومنها شرب الدخان والشيشة «النار جيلة» أو لكسبها كالمال المكتسب من حرام كالرشوة وشهادة الزور والكذب والأيمان الكاذبة والمعاملات الربوية، والذي يأكل الحرام أو يشربه لا يقبل منه عمل ولا يستجاب له دعاء. إن تصدق منه لم تقبل صدقته وإن حج منه لم يقبل حجه.
12 - يلاحظ على بعض الأئمة في صلاة التراويح أنهم يسرعون فيها سرعة تخل بالمقصود من الصلاة يسرعون في التلاوة للقرآن الكريم والمطلوب فيها الترتيل ولا يطمئنون في ركوعها ولا سجودها، ولا يطمئنون في القيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين وهذا أمر لا يجوز ولا تتم به الصلاة. والواجب الطمأنينة في القيام والقعود والركوع والسجود وفي القيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين. وقد قال رسول الله ﷺ للذي لم يطمئن في صلاته: «ارجع فصل فإنك لم تصل» متفق عليه. وأسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته فلا يتم ركوعها ولا سجودها ولا القراءة فيها. والصلاة مكيال، فمن وفَّى وفي له، ومن طفف فويل للمطففين.
13 - تطويل دعاء القنوت والإتيان فيه بأدعية غير مأثورة مما يسبب السآمة والملل لدى المأمومين والوارد عن النبي ﷺ في دعاء قنوت الوتر كلمات يسيرة وهي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله ﷺ كلمات أقولهن في قنوت الوتر «اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت. وتولني فيمن توليت. وبارك لي فيما أعطيت. وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذلك من واليت ولا يعز من عاديت. تباركت ربنا وتعاليت» قال الترمذي: حديث حسن ولا يعرف عن النبي ﷺ في القنوت شيء أحسن من هذا. وعن علي بن أبي طالب t أن رسول الله ﷺ كان يقول في آخر وتره: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك». رواه أحمد وأهل السنن. والناس يقولون هذا الدعاء في أثناء قنوت الوتر ثم يأتون بأدعية طويلة ومملّة. وقد كان النبي ﷺ يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك.
كما في الحديث الذي رواه أبو داود والحاكم وصححه. فينبغي الاقتصار في دعاء القنوت على الأدعية المأثورة الجامعة لخير الدنيا والآخرة وهي موجودة في كتب الأذكار. اقتداء بالنبي ﷺ ولئلا يشق على المأمومين.
14 - السنة أن يقال بعد السلام من الوتر «سبحان الملك القدوس» ثلاث مرات للحديث الذي رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح والناس لا يقولونها وعلى أئمة المساجد تذكير الناس بها.
15 - يلاحظ على كثير من المأمومين في صلاة التراويح وغيرها من الصلوات مسابقة الإمام في الركوع والسجود والقيام والقعود والخفض والرفع خداعًا من الشيطان واستخفافًا منهم بالصلاة. وحالات المأموم مع إمامه في صلاة الجماعة أربع حالات، واحدة منها مشروعة وثلاثة ممنوعة وهي المسابقة والمخالفة والموافقة. والمشروع في حق المأموم هو المتابعة بأن يأتي بأفعال الصلاة بعد إمامه مباشرة فلا يسبقه بها ولا يوافقه ولا يتخلف عنه، والمسابقة مبطلة للصلاة لقوله ﷺ: «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار» متفق عليه. وذلك لإساءته في صلاته لأنه لا صلاة له. ولو كانت له صلاة لرجا له الثواب ولم يخف عليه العقاب أن يحول الله رأسه رأس حمار.
16 - يلاحظ على بعض المأمومين أنهم يحملون المصاحف في قيام رمضان ويتابعون بها قراءة الإمام وهذا العمل غير مشروع ولا مأثور عن السلف ولا ينبغي إلا لمن يرد على الإمام إذا غلط والمأموم مأمور بالاستماع والإنصات لقراءة الإمام لقول الله تعالى: }وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{ [سورة الأعراف آية 204].
قال الإمام أحمد: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة. وقد نبه على هذه المسالة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمٰن الجبرين في التنبيهات على المخالفات في الصلاة، وقال: إن هذا العمل يشغل المصلي عن الخشوع والتدبر ويعتبر عبثًا.
17 - أن بعض أئمة المساجد يرفع صوته بدعاء القنوت أكثر من اللازم، ولا ينبغي رفع الصوت إلا بقدر ما يسمع المأموم وقد قال تعالى: }ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ{ ولما رفع الصحابة رضي الله عنهم أصواتهم بالتكبير نهاهم النبي ﷺ عن ذلك وقال: «اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصمًا ولا غائبًا». رواه البخاري ومسلم.
18 - يلاحظ على كثير من الأئمة في الصلوات التي يشرع تطويل القراءة فيها كقيام رمضان وصلاة الكسوف أنهم يخففون الركوع والسجود والقيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين. والمشروع أن تكون الصلاة متناسبة اقتداء بالنبي ﷺ فقد كان مقدار ركوعه وسجوده قريبًا من قيامه وكان إذا رفع رأسه من الركوع مكث قائمًا حتى يقول القائل: قد نسي وإذا رفع رأسه من السجود مكث جالسًا حتى يقول القائل: قد نسي.
وقال البراء بن عازب t: رمقت الصلاة مع النبي ﷺ فوجدت قيامه فركعته فقيامه بعد الركوع. فسجدته فجلوسه بين السجدتين قريبًا من السوا. وفي رواية ما خلا القيام والقعود قريبًا من السوا([9]). والمراد أنه إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود وما بينهما وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود وما بينهما.
وينصح أئمة المساجد أن يقرأوا صفة صلاة رسول الله ﷺ في زاد المعاد وفي كتاب الصلاة لابن القيم رحمه الله فقد أجاد في وصفها وأفاد.
رحمه الله وغفر لنا وله ولوالدينا ولجميع المسلمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقلم / عبد الله بن جار الله الجار الله
®®®®
بسم الله الرحمن الرحيم
# النصائح الغالية #
· أخي المسلم:
بمناسبة شهر رمضان المبارك يسرنا أن نهديك هذه المجموعة من النصائح الغالية ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
1 - احرص على أن يكون هذا الشهر المبارك نقطة محاسبة وتقويم لأعمالك ومراجعة وتصحيح لحياتك.
2 - احرص على المحافظة على صلاة التراويح جماعة فقد قال ﷺ: «من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة».
3 - احذر من الإسراف في المال وغيره فالإسراف محرم ويقلل من حظك في الصدقات التي تؤجر عليها.
4 - اعقد العزم على الاستمرار بعد رمضان على ما اعتدت عليه فيه.
5 - اعتبر بمضي الزمان وتتابع الأحوال على انقضاء العمر.
6 - إن هذا الشهر هو شهر عبادة وعمل وليس نوم وكسل.
7 - عود لسانك على دوام الذكر ولا تكن من الذين لا يذكرون الله إلا قليلاً.
8 - عند شعورك بالجوع تذكر أنك ضعيف ولا تستغني عن الطعام وغيره من نعم الله.
9 - انتهز فرصة هذا الشهر للامتناع الدائم عن تعاطى ما لا ينفعك بل يضرك.
10 - اعلم أن العمل أمانة فحاسب نفسك هل أديته كما ينبغي.
11 - سارع إلى طلب العفو ممن طلمته قبل أن يأخذ من حسناتك.
12 - احرص على أن تُفَطٍّر صائمًا فيصير لك مثل أجره.
13 - اعلم أن الله أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين ويقبل التوبة من التائبين وهو سبحانه شديد العقاب يمهل ولا يمهل.
14 – إذا فعلت معصية وسترك الله سبحانه وتعالى فاعلم أنه إنذار لك لتتوب فسارع للتوبة واعقد العزم على عدم العودة لتلك المعصية.
15 - اعلم أن الله سبحانه وتعالى أباح لنا الترويح عن النفس بغير الحرام ولكن التمادي وجعل الوقت كله ترويحًا يفوِّت فرصة الاستزادة من الخير.
16 - احرص على الاستزادة من معرفة تفسير القرآن – وأحاديث الرسول ﷺ - والسيرة العطرة – وعلوم الدين. فطلب العلم عبادة.
17 - ابتعد عن جلساء السوء واحرص على مصاحبة الأخيار الصالحين.
18 – إن الاعتياد على التبكير إلى المساجد يدل على عظيم الشوق والأنس بالعبادة ومناجاة الخالق.
19 - احرص على توجيه من تحت إدارتك إلى ما ينفعهم في دينهم فإنهم يقبلون منك أكثر من غيرك.
20 – لا تكثر من أصناف الطعام في وجبة الإفطار فهذا يشغل أهل البيت عن الاستفادة من نهار رمضان في قراءة القرآن وغيره من العبادات.
21 - قلل من الذهاب إلى الأسواق في ليالي رمضان وخصوصًا في آخر الشهر لئلا تضيع عليك تلك الأوقات الثمينة.
22 - اعلم أن هذا الشهر المبارك ضيف راحل فأحسن ضيافته فما أسرع ما تذكره إذا ولى.
23 - احرص على قيام ليالي العشر الأواخر فهي ليالي فاضلة وفيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
24 – اعلم أن يوم العيد يوم شكر للرب فلا تجعله يوم انطلاق مما حبست عنه نفسك في هذا الشهر.
25 – تَذَكَّر وأنت فرح مسرور بيوم العيد إخوانك اليتامى والثكالى والمعدمين واعلم أن من فضّلك عليهم قادر على أن يبدل هذا الحال فسارع إلى شكر النعم ومواساتهم.
26 - احذر من الفطر دون عذر فإن من أفطر يومًا من رمضان لم يقضه صوم الدهر كله ولو صامه.
27 - اجعل لنفسك نصيبًا ولو يسيرًا من الاعتكاف.
28 – يسن الجهر بالتكبير ليلة العيد ويومه إلى أداء الصلاة.
29 - اجعل لنفسك نصيبًا من صوم التطوع ولا يكن عهدك بالصيام في رمضان فقط.
30 - حاسب نفسك في جميع أمورك ومنها:
المحافظة على الصلاة جماعة – الزكاة – صلة الأرحام – بر الوالدين – تفقد الجيران – الصفح عمن بينك وبينه شحناء – عدم الإسراف – تربية من تحت يديك – الاهتمام بأمور إخوانك المسلمين – عدم صرف شيء مما وليت عليه لفائدة نفسك – استجابتك وفرحك بالنصح – الحذر من الرياء – حبك لأخيك ما تحب لنفسك – سعيك بالإصلاح – عدم غيبة إخوانك – تلاوة القرآن وتدبر معانيه – الخشوع عند سماعه. هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
®®®®
رسالـة رمضـان
فضائل – خصائص – أحكام – فوائد
آداب – فتاوى - توجيهَات
بسم الله الرحمن الرحيم
# المقدمـة #
الحمد لله الذى فضل شهر رمضان على سائر الشهور واختصه من بينهن لإنزال القرآن وفريضة الصيام وجعله أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام ومكفرًا للذنوب والآثام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العلام القدوس السلام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من صلى وصام الذي أرسله الله رحمة للعالمين وقدوة للسالكين وحجة على الخلائق أجمعين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه رسالة مختصرة جامعة فيما يهم المسلم في شهر رمضان من صيام وقيام وقراءة قرآن وصدقة وغير ذلك مما ستراه موضحًا فيها إن شاء الله تعالى. جعلناها متوسطة بين الطويل الممل والقصير المخل وهي مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسول ﷺ وكلام العلماء المحققين وأسندنا كل قول إلى قائله بذكر الجزء ورقم الصفحة التي أخذ منها قيامًا بواجب الأمانة العلمية وليرجع إليها من شاء وذكرنا أرقام الآيات القرآنية من سورها في المصحف الشريف وأسندنا الأحاديث النبوية إلى مخرجيها وذكرنا المراجع والفهرس في آخر الرسالة ونسال الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم وأن ينفع بها من كتبها أو قرأها أو سمعها وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فضائل شهر رمضان
1 - عن أبي هريرة t قال: كان رسول الله ﷺ يبشر أصحابه يقول: «قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم» رواه أحمد والنسائي.
2 - وعن عبادة بن الصامت مرفوعًا: «أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرًا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله» رواه الطبراني ورواته ثقات.
3 - وعن أبي هريرة t عن رسول الله ﷺ قال:
«أعطيت أمتي في شهر رمضان خمس خصال لم تعطها أمة قبلهم: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتسغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله عز وجل كل يوم جنته ثم يقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إليك، وتصفد فيه مردة الجن فلا يخلصون فيه إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة» قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر قال: «لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله» رواه أحمد.
4 - وعن سلمان الفارسي t قال: خطبنا رسول الله ﷺ فى آخر يوم من شعبان فقال: «يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة القدر خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعًا من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه الرزق، من فطر فيه صائمًا كان مغفرة الذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء». قالوا يا رسول الله: ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم قال رسول الله ﷺ: «يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائمًا على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء ومن سقى صائمًا سقاه الله عز وجل من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة. وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غناء بكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غناء بكم عنهما، أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتسغفرونه، وأما اللتان لا غناء بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار» رواه ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما.
(انظر هذه الأحاديث في كتاب الترغيب والترهيب للمنذري جـ 2 ص 13 – 18).
®®®®
فضل الصيـام
في الصحيحين عن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى: (إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي) للصائم فرحتان: «فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك».
# بم يتم التقرب إلى الله؟ #
واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله في كل حال من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ولهذا قال ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري.
وسر هذا: أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات. فمن ارتكب المحرمات ثم تقرب إلى الله بترك المباحات كان مثل من يترك الفرائض ويتقرب بالنوافل.
وإن نوى بأكله وشربه تقوية بدنه على القيام والصيام كان مثابًا على ذلك، كما أنه إذا نوى بنومه في الليل والنهار التقوي على العمل كان نومه عبادة، وفي حديث مرفوع: «نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح وعمله مضاعف ودعاؤه مستجاب وذنبه مغفور»([10]) فالصائم في ليله ونهاره في عبادة ويستجاب دعاؤه في صيامه وعند فطره فهو في نهاره صائم صابر وفي ليله طاعم شاكر.
شروط الثواب على الصيام:
ومن شرط ذلك أن يكون فطره على حلال فإن كان فطره على حرام كان ممن صام على ما أحلَّ الله وأفطر على ما حرم الله ولم يستجب له دعاء.
الصائم المجاهد:
واعلم أن المؤمن يجتمع له في شهر رمضان جهادان:
1 - جهاد لنفسه بالنهار على الصيام.
2 - وجهاد بالليل على القيام.
فمن جمع بين هذين الجهادين ووفى بعقوقها وصبر عليهما وفّي أجره بغير حساب([11]).
خصائص شهر رمضان المبارك ومزاياه
1- صوم رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه. قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [سورة البقرة آية: 183] وقالت النبي ﷺ: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام» متفق عليه.
وفي الحديث: «من أفطر يومًا من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر وإن صامه» رواه الترمذي وغيره. والصيام من أعظم وسائل التقوى ومن أعظم الأسباب لتكفير السيئات ومضاعفة الحسنات ورفع الدرجات، وقد اختصه الله لنفسه من بين سائر الأعمال، فقال فيما رواه عنه نبيه ﷺ: «الصوم لي وأن أجزي به. للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» متفق عليه.
وقال ﷺ: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه. فلا بد لحصول المغفرة بصيام رمضان من هذين الشرطين وهما:
(أ) الإيمان الصادق بهذه الفريضة.
(ب) واحتساب الأجر عليها عند الله تعالى.
2 - وفي رمضان أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
3 - وفي رمضان تسن صلاة التراويح وهي قيام رمضان اقتداء بالنبي ﷺ وأصحابه وخلفائه الراشدين. قال ﷺ: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
4 – وفي رمضان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر وهي ليلة تفتح فيها أبواب السماء ويستجاب فيها الدعاء ويقدر فيها ما يكون في السنة من أقدار. قال ﷺ: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه. وهي في العشر الأواخر منه، وترجى في ليالي الوتر آكد من غيرها فينبغي للمسلم الراجي رحمة ربه الخائف من عذابه أن ينتهز الفرصة في تلك الليالي فيجتهد في كل ليلة من ليالي العشر بالصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار والتوبة النصوح لعل الله أن يتقبل منه ويغفر له ويرحمه ويستجيب دعاه.
5 - وفي رمضان كانت غزوة بدر الكبرى التي فرق الله في صبيحتها بين الحق والباطل فانتصر فيها الإسلام وأهله وانهزم الشرك وأهله.
6 - وفي رمضان كان فتح مكة ونصر الله رسوله حيث دخل الناس في دين الله أفواجًا وقضى رسول الله ﷺ على الشرك والوثنية الكائنة فى مكة فأصبحت دار إسلام.
7 - وفي رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتغل فيه الشياطين.
وكم في رمضان من البركات والخيرات فيجب أن نغتنم هذه الفرصة لنتوب إلى الله توبة نصوحًا ونعمل صالحًا عسى أن نكون من المقبولين الفائزين.
ويلاحظ أن بعض الناس هداهم الله قد يصوم ولا يصلي أو يصلي في رمضان فقط، فمثل هذا لا يفيده صوم ولا حج ولا صدقة لأن الصلاة عمود الإسلام الذي يقوم عليه، وقال ﷺ: «أتاني جبريل فقال يا محمد من أدرك رمضان فخرج ولم يغفر له فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين» رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحه([12]).
فينبغي أن تستغل أوقات رمضان بالأعمال الصالحة من صلاة وصدقة وقراءة قرآن وذكر لله ودعاء واستغفار فهو مزرعة للعباد لتطهير قلوبهم من الفساد.
كما يجب حفظ الجوارح عن الآثام من الكلام المحرم والنظر المحرم والسماع المحرم والأكل والشراب المحرم ليزكو الصوم ويقبل ويستحق الصائم المغفرة والعتق من النار.
وفي فضل رمضان قال رسول الله ﷺ: «وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وأوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار» رواه ابن خزيمة في صحيحه.
وقال عليه الصلاة والسلام: «رأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشًا فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه» رواه الحكيم الترمذي والديلمي والطبراني في الكبير.
وقال ﷺ: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» رواه مسلم. فهذه الفروض تكفر الصغائر بشرط اجتناب الكبائر، والكبائر جمع كبيرة وهي ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام والمعاملة بالربا وأخذ الرشوة وشهادة الزور والحكم بغير ما أنزل الله.
وفي الترمذي عنه ﷺ أنه قال: «أفضل الصدقة: صدقة في رمضان» ولو لم يكن فيه من الفضائل إلا أنه كان وقتًا لفريضة من فرائض الإسلام وظرفًا لنزول القرآن وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر لكفى وبالله التوفيق([13]).
أحكام الصيام
· الصيام:
هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس قال تعالى: }وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ{. [سورة البقرة آية: 187]
متى يجب صوم رمضان وبم يثبت؟
يجب صيام رمضان برؤية هلاله أو بإكمال شعبان ثلاثين يومًا ويصام برؤية عدل ولا يقبل في بقية الشهور إلا عدلان.
على من يجب صوم رمضان؟
صوم رمضان واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم.
شروط وجوبه:
شرط وجوب صوم رمضان أربعة وهي: الإسلام والعقل والبلوغ والقدرة.
متى يؤمر به الصبي؟
قال العلماء: ويؤمر به الصبي إذا أطاقه ليعتاده كالصلاة يؤمر بها لسبع سنين ويضرب عليها لعشر ليتمرن عليها ويعتادها.
شروط صحة الصيام: ستة:
1- الإسلام: فلا يصح من الكافر حتى يسلم.
2- والعقل: فلا يصح من المجنون حتى يعقل.
3- والتمييز: فلا يصح من الصغير حتى يميز.
4- وانقطاع دم الحيض: فلا يصح من الحائض حتى ينقطع دمها.
5- وانقطاع دم النفاس: فلا يصح من النفساء حتى تطهر.
6- والنية من الليل لكل يوم في الصوم الواجب. لقوله ﷺ: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له» رواه الخمسة والحديث دليل على أنه لا يصح الصيام إلا بتبييت النية بأن ينوي الصيام في أي جزء من الليل.
سنن الصوم: وسنن الصوم ستة:
1- تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل ما لم يخش طلوع الفجر.
2- وتعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس.
3- والزيادة في أعمال الخير وفي مقدمة ذلك المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة وأداء زكاة الأموال إلى مستحقيها ثم بالإكثار من نوافل الصلاة والصدقة وتلاوة القرآن وغير ذلك من فضائل الأعمال.
4- وأن يقول إذا شتم: إني صائم فلا يسب من سبه ولا يشتم من شتمه ولا يسيء إلى من أساء إليه بل يقابل ذلك بالإحسان ليفوز بالأجر ويسلم من الإثم.
5- وأن يدعو عند فطره بما أحب ومن ذلك أن يقول: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم.
6 - وأن يفطر على رطب فإن عدمه فعلى تمر فإن عدمه فعلى ماء([14]).
أحكام المفطرين في رمضان:
يباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام من الناس:
1 - المريض: الذي يتضرر به والمسافر الذي له القصر فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء وإن صاما أجزأهما. قال تعالى: }فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{. [سورة البقرة من آية: 184] أي إذا أفطر المريض والمسافر قضى بعد رمضان بعدة ما أفطر من أيام أخر.
2 - الحائض والنفساء: تفطران وتقضيان وإن صامتا لم يجزئهما. قالت عائشة رضي الله عنها: (كان يصيبنا ذلك – تعني الحيض – فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) متفق عليه.
3 - الحامل والمرضع: إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينًا وإن صامتا أجزأهما، وإن خافتا على نفسيهما أفطرتا وقضتا فقط قاله ابن عباس فيما رواه أبو داود([15]).
4 - العاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى شفاؤه فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا قاله ابن عباس فيما رواه البخاري([16]) ومقدار الإطعام مد من بر أو نصف صاع من غيره([17]).
حكم الجماع في نهار رمضان:
الجماع في نهار رمضان محرم وعلى من جامع القضاء والكفارة المغلظة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا، فإن لم يجد سقطت عنه }لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها{. [سورة البقرة من آية: 286]([18]).
مفسدات الصوم:
1 - الأكل والشرب عمدًا فإن كان ناسيًا لم يفسد صومه.
2 - والجماع في الفرج.
3 - وإيصال الأغذية إلى الجوف ومن ذلك الإبر المغذية وحقن الدم في الصائم.
4 - وإنزال المني في اليقظة باستمناء أو مباشرة أو تقبيل ونحو ذلك باختياره. وأما الإنزال بالاحتلام فلا يفطر لأنه بغير اختيار الصائم.
5 - وخروج دم الحيض والنفاس: فمتى رأت المرأة الحيض أو النفاس فسد صومها سواء في أول النهار أو في آخره قبل غروب الشمس.
6 - والتقيؤ عمدًا: وهو إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم لقول النبي ﷺ: «من ذرعه -غلبه- القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدًا فعليه القضاء» رواه الخمسة إلا النسائي فإن خرج من غير قصد لم يفطر.
7 - والردة عن الإسلام: أعاذنا الله منها وهي تحبط جميع الأعمال قال تعالى: }ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون{. [سورة الأنعام آية: 88].
ولا يفسد صوم من فعل شيئًا من جميع المفطرات جاهلاً أو ناسيًا أو مكرهًا ولا إن دخل الغبار حلقه أو الذباب أو الماء بغير قصد. وإذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين اغتسلت وصلت وصامت.
من واجبات الصائم:
ويجب على الصائم وغيره: اجتناب الكذب والغيبة (وهي ذكرك أخاك بما يكره)، والنميمة (وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد بينهم)، واللعن (وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله)، والسب والشتم، وأن يحفظ سمعه وبصره ولسانه وبطنه عن الكلام المحرم والنظر المحرم والسماع المحرم والأكل والشرب المحرم.
الصوم المستحب:
يستحب صيام ستة أيام من شوال، وثلاثة أيام من كل شهر، والأفضل صيام أيام الليالي البيض 0 وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر) ويوم الاثنين والخميس. وتسع ذي الحجة وآكدها التاسع وهو يوم عرفة ويوم عاشوراء العاشر من شهر محرم ويضاف إليه يوم قبله أو يوم بعده اقتداء بالنبي ﷺ وصحابته الكرام ومخالفة لليهود.
توجيهات:
أيها المسلم: انتهز فرصة حياتك وصحتك وشبابك واغتنمها بالأعمال الصالحة قبل أن ينزل بك الموت وتب إلى الله تعالى توبة صادقة في جميع الأوقات من جميع الذنوب والمحرمات، وحافظ على فرائض الله تعالى وأوامره وابتعد عن محرماته ونواهيه في رمضان وغيره واحذر أن تؤخر التوبة فتموت عاصيًا قبل أن تتوب فإنك لا تدري أتدرك شهر رمضان القادم أم لا.
واجتهد في أمر أهلك وأولادك ومن تحت يدك بطاعة الله تعالى ونهيهم عن معاصيه وكن قدوة حسنة لهم في جميع المجالات فإنك راع عليهم ومسؤول عنهم أمام الله تعالى واخل بيتك من جميع المنكرات الصادة عن ذكر الله وعن الصلاة.
واشغل نفسك وأسرتك في ما ينفعك وينفعهم وحذرهم مما يضرهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
قيام رمضان
عن أبي هريرة t عن رسول الله ﷺ قال: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
وعن عبد الرحمٰن بن عوف t أن رسول الله ﷺ ذكر شهر رمضان فقال: «إن رمضان شهر فرض الله صيامه وإني سننت للمسلمين قيامه فمن صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه» أخرجه النسائي وقال: الصواب عن أبي هريرة.
فقيام رمضان سنة مؤكدة سنها رسول الله ﷺ وحث عليها ورغب فيها وعمل بها خلفاؤه الراشدون وسائر الصحابة والتابعون لهم بإحسان فينبغي للمسلم أن يحافظ على صلاة التراويح في رمضان وعلى صلاة القيام في العشر الأواخر منه طلبًا لليلة القدر. وقيام الليل مشروع في جميع ليالي السنة وفضله عظيم وثوابه جسيم قال الله تعالى: }تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون{([19]) وهذا مدح وثناء للقائمين لصلاة التهجد في الليل. ومدح قومًا آخرين فقال: }كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون{ [سورة الذاريات آية: 17 – 18] وقال تعالى: }والذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا{ [سورة الفرقان آية: 64] وروى الترمذي عن عبد الله بن سلام أن النبي ﷺ قال: «يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام».
وللترمذي عن بلال مرفوعًا: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وإن قيام الليل مقربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم ومطردة للداء عن الجسد».
وفي حديث الكفارات والدرجات قال: «ومن الدرجات: إطعام الطعام، وطيب الكلام، وأن تقوم بالليل والناس نيام» صححه البخاري والترمذي([20]) وقال النبي ﷺ: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» رواه مسلم.
ومن صلاة الليل: الوتر وأقله ركعة وأكثره إحدى عشرة ركعة فيوتر بركعة مفردة لقول النبي ﷺ: «من أحب أن يوتر بواحدة فليفعل» رواه أبو داود والنسائي.
أو يوتر بثلاث لقول النبي ﷺ: «من أحب أن يوتر بثلاث فليفعل» رواه أبو داود والنسائي. فإن أحب سردها بسلام واحد وإن أحب صلى ركعتين وسلم ثم صلى الثالثة.
وله أن يوتر بخمس فيسردها جميعًا لا يجلس ولا يسلم إلا في آخرهن لقول النبي ﷺ: «من أحب أن يوتر بخمس فليفعل» رواه أبو داود والنسائي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي ﷺ يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منهن إلا في آخرهن) متفق عليه.
وله أن يوتر بسبع فيسردها كالخمس لقول أم سلمة رضي الله عنها: (كان النبي ﷺ يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة.
وله أن يوتر بتسع أو بإحدى عشرة أو بثلاث عشرة ركعة والأفضل أن يسلم من كل ركعتين ثم يوتر بواحدة.
وصلاة الليل في رمضان لها فضيلة ومزية على غيرها.
وقيام رمضان شامل للصلاة في أول الليل وفي آخره، فالتراويح من قيام رمضان فينبغي الحرص عليها والاعتناء بها واحتساب الأجر والثواب من الله عليها. وما هي إلا ليالٍ معدودة ينتهزها المؤمن العاقل قبل فواتها.
ولا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح لينال ثوابها وأجرها ولا ينصرف حتى ينتهي الإمام منها ومن الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله لقول النبي ﷺ: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» الحديث رواه اهل السنن بسند صحيح([21]).
والتراويح سنة وفعلها جماعة أفضل وفعل الصحابة لها مشهور وتلقته الأمة عنهم خلفًا بعد سلف وليس لها حد معين فله أن يصلي عشرين ركعة أو ستًا وثلاثين ركعة أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة وكل حسن فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره والمطلوب في الصلاة الخشوع والطمأنينة وحضور القلب وترتيل القراءة وذلك لا يحصل مع السرعة والعجلة ولعل الاقتصار على إحدى عشرة ركعة يكون أولى([22]).
®®®®
تلاوة القرآن في رمضان وغيره
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وبعد:
فإنه يتأكد على المسلم الراجي رحمة ربه الخائف من عذابه أن يكثر من تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره تقربًا إلى الله تعالى وطلبًا لمرضاته وتعرضًا لفضله وثوابه فإن القرآن الكريم خير كتاب أنزل على أشرف رسول إلى خير أمة أخرجت للناس بأفضل الشرائع وأسمحها وأسماها وأكملها.
أنزل القرآن لكي يقرأه المسلم ويتدبره ويتفكر في معانيه وأوامره ونواهيه ثم يعمل به فيكون حجة له عند ربه وشفيعًا له يوم القيامة.
وقد تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة بقوله تعالى: }فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى{ [سورة طه آية: 123]. وليحذر المسلم من الإعراض عن تلاوة كتاب الله وتدبره والعمل بما فيه وقد توعد الله المعرضين عنه بقوله: }من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرًا{ [سورة طه آية: 100] وبقوله تعالى: }ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى{ [سورة طه آية: 124].
من فضائل القرآن:
1 - قال الله تعالى: }ونَزَّلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين{ [سورة النحل آية: 89].
2 - وقال تعالى: }قد جاءكم من الله نورٌ وكتاب مبين يهدي به الله من اتَّبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات غلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم{ [سورة المائدة آية: 15 – 16].
3 – وقال تعالى: }يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدىورحمة للمؤمنين{ [سورة يونس آية: 57].
4 - وقال رسول الله ﷺ: «اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» رواه مسلم عن أبي أمامة.
5 - وعن النواس بن سمعان t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما» رواه مسلم.
6 - وعن عثمان بن عفان t قال: قال رسول الله ﷺ: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» رواه البخاري.
7 - وعن ابن مسعود t قال: قال رسول الله ﷺ: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف بل ألف حرف ولام حرف وميم حرف» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
8 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
9 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: «الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران» متفق عليه.
والمراد بالسفرة: الرسل من الملائكة، والبررة: المطيعون لله تعالى، ويتعتع له أجران، أجر القراءة وأجر المشقة.
10 - وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار. ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار» متفق عليه.
والآناء: الساعات. والمراد بالحسد هنا: الغبطة وهي تمني مثل ما للغير([23]).
فاحرص أيها المسلم وفقك الله لما يرضيه على تعلم القرآن وتلاوته بنية خالصة لله تعالى، واحرص على تعلم معانيه والعمل به لتنال ما وعد الله به أهل القرآن من الفضل العظيم والثواب الجسيم والدرجات العلا والنعيم المقيم فقد كان أصحاب رسول الله ﷺ إذا تعلموا عشر آيات من كتاب الله تعالى لم يتجاوزوهن حتى يتعلموا معانيهن والعمل بهن.
ثم اعلم أيها المسلم أن تلاوة القرآن التي ينتفع بها صاحبها هي التلاوة المصحوبة بالتدبر والتفهم لمعانيه وأوامره ونواهيه بحيث إذا مر القاريء بآية يأمره الله فيها بأمر ائتمر به وامتثله، وإذا مر بآية ينهاه الله فيها عن شيء انتهى عنه وتركه، وإذا مر بآية رحمة سأل الله ورجا رحمته، وإذا مر بآية عذاب استعاذ بالله وخاف من عقابه، فهذا الذي يتدبر القرآن ويعمل به ويكن حجة له، أما الذي لا يعمل به فإنه لا ينتفع به ويكون حجة عليه قال الله تعالى: }كتاب أنزلناه إليك مبارك ليَدَّبروا آياته وليتذكر أولو الألباب{ [سورة ص آية: 29].
وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قال تعالى: }شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن{ [سورة البقرة من آية: 185]، وتقدم في الحديث الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ كان يلتقي هو وجبريل في رمضان في كل ليلة فيدارسه القرآن.
فدل على استحباب دراسة القرآن في رمضان والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له منه. وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان.
وفي فضل الاجتماع في المساجد لمدارسة القرآن قال رسول الله ﷺ: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده» رواه مسلم.
ومدارسة القرآن لها طريقتان:
الأولى: أن تقرأ ما قرأه صاحبك.
والثانية: أن تقرأ ما بعده. والأولى أولى..
وفي حديث ابن عباس المتقدم: أن المدارسة بين النبي ﷺ وبين جبريل كانت ليلاً فدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال تعالى: }إن ناشئة الليل هي أشد وطئًا وأقوم قيلاً{ [سورة المزمِّل آية: 6].
ويستحب قراءة القرآن على أكمل الأحوال متطهرًا مستقبل القبلة متحريًا بها أفضل الأوقات كاليل وبعد المغرب وبعد الفجر، وتجوز القراءة قائمًا وقاعدًا ومضطجًا وماشيًا وراكبًا لقوله تعالى: }الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم{ [سورة آل عمران من آية: 191] والقرآن أعظم الذكر.
مقدار القراءة المستحبة:
يستحب ختم القرآن في كل أسبوع يقرأ في كل يوم سبعًا من القرآن في المصحف فإن النظر فيه عبادة وفيما دون الأسبوع أحيانًا في الأوقات الفاضلة والأمكنة الفاضلة كرمضان والحرمين الشريفين وعشر ذي الحجة اغتنامًا للزمان والمكان، وإن قرأ القرآن في كل ثلاثة أيام فحسن لقول النبي ﷺ لعبد الله بن عمر: «اقرأه في كل ثلاث»([24]) ويكره تأخير ختم القرآن عن أربعين يومًا إن خاف نسيانه. قال الإمام أحمد: ما أشد ما جاء في من حفظه ثم نسيه.
ويحرم على المحدث حدثًا أصغر أو أكبر مس المصحف لقول الله تعالى: }لا يمسه إلا المطهرون{ وقوله ﷺ: «لا يمس القرآن إلا طاهر» رواه مالك في الموطأ والدارقطني.
ويحرم على الجنب قراءة القرآن حتى يغتسل لحديث: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئًا من القرآن» رواه أبو داود.
القرآن الكريم كلية الشريعة:
قال الشاطبي في الموافقات: (قد تقرر أن الكتاب العزيز كلية الشريعة وعمدة الملة وينبوع الحكمة وآية الرسالة ونور الأبصار والبصائر وأنه لا طريق إلى الله سواه ولا نجاة بغيره ولا تمسك بشيء يخالفه، وإذا كان كذلك لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها واللحاق بأهلها أن يتخذه سميره وأنيسه وأن يجعله جليسه على مر الأيام والليالي نظرًا وعملاً فيوشك أن يفوز بالبغية وأن يظفر بالطلبة وأن يجد نفسه من السابقين وفي الرعيل الأول فإن كان قادرًا على ذلك ولا يقدر عليه إلا من زاول ما يعينه على ذلك من السنة المبينة للكتاب وإلا فكلام الأئمة السابقين والسلف المتقدمين آخذ بيده في هذا المقصد الشريف)([25]).
حكم التطريب بقراءة القرآن:
إن شغل القاريء والمستمع باله بالتطريب وهو الترجيع والتمديد ونحو ذلك مما هو مفض إلى تغيير كلام الله الذي أمرنا بتدبره حائل للقلوب عن مراد الرب من كتابه قاطع لها عن فهم كلامه فينزه كلام الرب عن ذلك، وكره الإمام أحمد التلحين بالقراءة الذي يشبه الغناء وقال: هي بدعة.
وقال ابن كثير رحمه الله في فضائل القرآن: والغرض المطلوب شرعًا: إنما هو تحسين الصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك بأدائه هذا المسلك([26]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الألحان التي كره العلماء قراءة القرآن بها هي التي تقتضي قصر الحرف الممدود ومد المقصور وتحريك الساكن وتسكين المتحرك يفعلون ذلك لموافقة نغمات الأغاني المطربة فإن حصل مع ذلك تغيير نظم القرآن وجعل الحركات حروفًا فهو حرام([27]).
®®®®
الصدقة في رمضان
في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان النبي ﷺ أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن وكان جبريل يلقاه كل ليلة من شهر رمضان فيدارسه القرآن فكان رسول الله ﷺ حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) ورواه أحمد وزاد (ولا يسأل شيئًا إلا أعطاه) وللبيهقي عن عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله ﷺ إذا دخل رمضان أطلق كل أسير وأعطى كل سائل).
الجود هو سعة العطاء وكثرته والله تعالى يوصف بالجود، فروى الترمذي عن سعد بن أبي وقاص t عن النبي ﷺ: «إن الله جواد يحب الجود، كريم يحب الكرم» فالله سبحانه أجود الأجودين وجوده يتضاعف في أوقات خاصة كشهر رمضان وكان رسول الله ﷺ أجود الناس على الإطلاق كما أنه أفضلهم وأشجعهم وأكملهم في جميع الأوصاف الحميدة وكان جوده ﷺ يتضاعف في رمضان على غيره من الشهور كما أن جود ربه يتضاعف فيه أيضًا.
وفي تضاعف جوده ﷺ في رمضان بخصوصه فوائد كثيرة:
1 - منها شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه وفي الترمذي عن أنس مرفوعًا: «أفضل الصدقة: صدقة رمضان».
2 - ومنها إعانة الصائمين والذاكرين على طاعتهم فيستوجب المعين لهم مثل أجورهم كما أن من جهز غازيًا فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا. وفي حديث زيد بن خالد عن النبي ﷺ قال: «من فطر صائمًا فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء» رواه أحمد والترمذي.
3 - ومنها أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار لا سيما في ليلة القدر والله تعالى يرحم من عباده الرحماء فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل والجزاء من جنس العمل.
4 - أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما في حديث علي t عن النبي ﷺ قال: «إن في الجنة غرفًا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها» قالوا لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن طيب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام» رواه أحمد وابن حبان والبيهقي.
وهذه الخصال كلها تكون في رمضان فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث، والصلاة والصيام والصدقة توصل صاحبها إلى الله عز وجل.
5 - أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها خصوصًا إن ضم إلى ذلك قيام الليل فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «الصيام جُنَّة أحدكم من النار كجُنته من القتال»([28]) ولأحمد أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا: «الصوم جنة وحصن حصين من النار» وفي حديث معاذ t عن النبي ﷺ أنه قال: «والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفيء الماء النار وقيام الرجل في جوف الليل» يعني أنه يطفيء الخطيئة أيضًا.
6 - أن الصيام لا بد أن يقع فيه خلل ونقص وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفيظ مما ينبغي أن يتحفظ منه، وعامة صيام الناس لا يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي فالصدقة تجبر ما كان فيه من النقص والخلل ولهذا وجب في آخر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث.
7 - أن الصائم يدع طعامه وشرابه فإذا أعان الصائمين على التقوي على طعامهم وشرابهم كان بمنزلة من ترك شهوته لله وآثر بها وواسى منها. ولهذا يشرع له تفطير الصوام معه إذا أفطر لأن الطعام يكون محبوبًا له حينئذٍ فيواسي منه حتى يكون ممن أطعم الطعام على حبه، فيكون في ذلك شاكرًا لله على نعمة إباحة الطعام والشراب له. ورده له بعد منعه إياه فإن هذه النعمة إنما يعرف قدرها عند المنع منها([29]).
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
تفسير آيات الصيام
قال الله تعالى: }يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الَّذين من قبلكم لعلكم تتقون * أيامًا معدودات فمن كان منكم مريضًا أو على سفرِ فعدة من أيامٍ اخر وعلى الَّذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرًا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون{ [سورة البقرة آية: 183 – 184].
يقول الله تعالى مخاطبًا المؤمنين من هذه الأمة وآمرًا لهم بالصيام وهو الإمساك عن الطعام والشراب والوقاع بنية خالصة لله عز وجل، لما فيه من زكاة النفوس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة، وذكر أنه كما أوجبه عليهم فقد أوجبه على من كان قبلهم فلهم فيهم أسوة وليجتهد هؤلاء في أداء هذا الفرض أكمل مما فعله أولئك([30]).
وقد علل فرضيته ببيان فائدته الكبرى وحكمته العليا وهي أن يعد الصائم نفسه لتقوى الله بترك الشهوات المباحة امتثالاً لأمره تعالى واحتسابًا للأجر عنده، ليكون المؤمن من المتقين لله الممتثلين لأوامره المجتنبين لنواهيه ومحارمه([31]).
ولما ذكر أنه فرض عليهم الصيام أخبر أنها أيام معدودات أي قليلة سهلة ومن سهولتها أنها في شهر معين يشترك فيه جميع المسلمين، ثم سهل تسهيلاً آخر فقال: }فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر{ وذلك للمشقة غالبًا رخص الله لهما في الفطر، ولما كان لابد من تحصيل العبد لمصلحة الصيام أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض وانقضى السفر وحصلت الراحة([32]).
وقوله تعالى: }فمن كان منكم مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر{ أي المريض والمسافر لا يصومان في حال المرض والسفر لما في ذلك من المشقة عليهما بل يفطران ويقضيان بعدة ذلك من أيام أخر.
وأما الصحيح المقيم الذي يطيق الصيام فقد كان مخيرًا بين الصيام وبين الإطعام إن شاء صام وإن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينًا فإن أطعم أكثر من مسكين عن كل يوم فهو خير له وإن صام فهو أفضل من الإطعام قاله ابن مسعود وابن عباس ولهذا قال تعالى: }وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون{([33])
وقوله تعالى: }شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون{ [سورة البقرة آية: 185].
يخبر الله تعالى أن هذا الشهر الذي فرض عليهم صيامه هو شهر رمضان ابتداء نزول القرآن الكتاب العظيم الذي أكرم الله به الأمة المحمدية فجعله دستورًا لهم ونظامًا يتمسكون به في حياتهم، فيه النور والهدى والضياء وهو سبيل السعادة لمن أراد أن يسلك طريقها، وفيه الفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال والحلال والحرام.
وقد أكد البارئ صيام هذا الشهر لأنه شهر تنزل فيه الرحمة الإلاهية على العباد وأنه تعالى لا يريد بعباده إلا اليسر والسهولة ولذلك فقد أباح للمريض والمسافر الإفطار في أيام رمضان([34])، وأمرهم بالقضاء ليكملوا عدة شهرهم، كما أمر بذكره وتكبيره عند انقضاء عبادته عند تمام شهر رمضان ولهذا قال تعالى: }يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون{ أي إذا قمتم بما أمركم الله به من طاعته بأداء فرائضه وترك محارمه وحفظ حدوده فعليكم أن تكونوا من الشاكرين لله بذلك([35]).
ثم قال تعالى: }وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون{ [سورة البقرة آية: 186].
سبب النزول: روي أن أعرابيًّا قال يا رسول الله: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فسكت النبي ﷺ فأنزل الله هذه الآية([36]).
التفسير: يبين تعالى أنه قريب يجيب دعوة الداعين ويقضي حوائج السائلين وليس بينه وبين أحد من العباد حجاب فعليهم أن يتوجهوا إليه وحده بالدعاء والتضرع حنفاء مخلصين له الدين([37]).
وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وعند كل فطر.
فضل الدعاء والحث عليه:
قد وردت نصوص كثيرة في الحث على الدعاء وفضله والترغيب فيه نذكر منها ما يلى:
1 - قال الله تعالى: }وقال ربكم ادعوني أستجب لكم{ [سورة غافر آية: 60] فقد أمر الله تعالى بالدعاء وتكفل بالإجابة.
2 - وقال تعالى: }ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين{ [سورة الأعراف آية: 55]
والمعنى: ادعوا الله تذللاً وسرًا بخشوع وخضوع }إنه لا يحب المعتدين{ أي لا يحب المعتدين في الدعاء وغيره. أي المتجاوزين للحد في كل الأمور، ومن الاعتداء في الدعاء كون العبد يسأل الله مسائل لا تصح له أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: رفع الناس أصواتهم بالدعاء فقال رسول الله ﷺ: «أيها الناس: أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا إن الذي تدعون سميع قريب» الحديث.
3 - وقال تعالى: }أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء{ [سورة النمل آية: 62] أي: هل يجيب المضطر الذي أقلقته الكروب وتعسر عليه المطلوب واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده، ومن يكشف السوء -أي البلاء- والشر والنقمة إلا الله وحده.
4 - وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال «الدعاء هو العبادة» رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
5 – وعن عبادة بن الصامت t أن رسول الله ﷺ قال: «ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم». فقال رجل من القوم: إذًا نكثر، قال: «الله أكثر» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح([38]).
ثم قال تعالى: }* أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلهُمْ يَتَّقُونَ{ [سورة البقرة آية: 187]
سبب النزول: روى البخاري عن البراء بن عازب أنه قال: كان أصحاب محمد ﷺ إذا كان الرجل صائمًا فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا وكان يعمل بالنخيل في النهار فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها أعندك طعام؟ قالت له: ولكن أنطلق فأطلب لك فكان يومه يعمل فغلبته عيناه فجاءته امرأته فلما رأته قالت خيبت لك فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي ﷺ فنزلت هذه الآية }أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ{ ففرحوا بها فرحًا شديدًا فنزلت: }وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ{([39]).
التفسير: يقول تعالى ميسرًا على عباده ومبيحًا لهم التمتع بالنساء في ليالي رمضان كما أباح لهم الطعام والشراب: }أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ{ الآية. والرفث: الجماع ودواعيه وقد كان ذلك من قبل محرمًا عليهم ولكنه تعالى أباح لهم الطعام والشراب والشهوة الجنسية من الاستمتاع بالنساء ليظهر فضله عليهم ورحمته بهم، وقد شبه المرأة باللباس الذي يستر البدن فهي ستر للرجل وسكن له وهو ستر لها قال ابن عباس معناه: «هن سكن لكن وأنتم سكن لهن» وأباح معاشرتهن إلى طلوع الفجر ثم استثنى من عموم إباحة المباشرة مباشرتهن وقت الاعتكاف لأنه وقت تبتل وانقطاع للعبادة ثم ختم تعالى هذه الآيات الكريمة بالتحذير من مخالفة أوامره وارتكاب المحرمات والمعاصي التي هي حدود له وقد بينها لعباده حتى يجتنبوها ويلتزموا بالتمسك بشريعة الله ليكونوا من المتقين([40]).
®®®®
ما يستفاد من آيات الصيام
1- وجوب صيام شهر رمضان على الأمة الإسلامية.
2- وجوب تقوى الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
3- إباحة الفطر في رمضان للمريض والمسافر.
4- وجوب القضاء عليهما بعدة ما أفطرا من أيام أخر.
5- في قوله تعالى: }فعدة من أيام أخر{ دليل على أن من أفطر رمضان لعذر يقضي عدد أيام رمضان كاملاً كان أو ناقصًا، وعلى أنه يجوز أن يقضي أيامًا قصيرة باردة عن أيام طويلة حارة وبالعكس.
6- أنه لا يجب التتابع في قضاء رمضان لأنه قال: }فعدة من أيام أخر{ ولم يشترط التتابع أي سواء كانت متتابعة أو متفرقة وفي ذلك تيسير على الناس.
7- أن من لا يطيق الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه فعليه فدية إطعام مسكين لكل يوم.
8- في قوله تعالى: }وأن تصوموا خيرًا لكم{ أن الصوم لمن أبيح له الفطر أفضل ما لم يشق عليه.
9- من فضائل رمضان تخصيصه بإنزال القرآن فيه لهداية العباد وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
10- أن المشقة تجلب التيسير ولذا أباح الله الفطر للمريض والمسافر.
11- يسر الإسلام وسماحته حيث إنه لم يكلف أحدًا ما لا يطيق.
12- مشروعية التكبير ليلة عيد الفطر: }ولتكبروا الله على ما هداكم{ وأن وقته من إكمال العدة وهو غروب شمس آخر من رمضان.
13- وجوب الشكر لله على نعمه بالتوفيق للصيام والقيام وتلاوة القرآن الكريم وذلك بطاعته وترك معصيته.
14- الحث على الدعاء لأن الله أمر به وتكفل بالاجابة.
15- قرب الله من داعيه بالإجابة ومن عابديه بالإثابة.
16- وجوب الاستجابة لله بالإيمان به والانقياد لطاعته وإن ذلك شرط في إجابة الدعاء.
17- إباحة الأكل والشرب والجماع في ليالي رمضان إلى طلوع الفجر، وتحريمها نهارًا.
18- أن وقت الصيام من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
19- مشروعية الاعتكاف في المساجد وهو: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى والتفرغ فيه لعبادته، وأنه لا يصح إلا بمسجد تقام فيه الصلوات الخمس.
20- تحريم مباشرة النساء على المعتكف وأن الجماع من مفسدات الاعتكاف.
21- وجوب التقيد بأوامر الله ونواهيه وامتثالها }تلك حدود الله فلا تقربوها{.
22- الحكمة من هذا البيان وهو حصول التقوى بعد معرفة ما يتقى.
23- أن من أكل شاكًا في طلوع الفجر صح صومه لأن الأصل بقاء الليل.
24- استحباب السحور وأنه يستحب تأخيره.
25- أنه يجوز تأخير الغسل للجنب إلى طلوع الفجر.
26- الصوم مدرسة روحية لتهذيب النفس وتعويدها على الصبر([41]).
®®®®
فوائد الصيام
للصيام فوائد روحية واجتماعية وصحية وهي:
1 - من الفوائد الروحية للصوم: أنه يعود على الصبر ويقوي الإرادة ويعلم ضبط النفس ويساعد عليه، ويوجد في النفس ملكة التقوى التي هي الحكمة البارزة من الصوم ويربيها، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{. [سورة البقرة آية: 183]
· ملاحظة هامة:
وبهذه المناسبة نُذَكِّر إخواننا المسلمين (المدخنين) أنهم بواسطة الصيام يستطيعون ترك التدخين حيث إنهم يؤمنون بمضرته على النفس والبدن والدين والمجتمع لأنه من الخبائث المحرمة بنص القرآن الكريم ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه وأن لا يصوموا عن الحلال ثم يفطروا على الحرام نسأل الله لنا ولهم العافية.
2 - ومن الفوائد الاجتماعية للصوم أنه يعوِّد الأمة النظام والاتحاد وحب العدل والمساواة، ويكوِّن في المؤمنين عاطفة الرحمة وخلق الإحسان، كما يصون المجتمع من الشرور والمفاسد.
3 - ومن الفوائد الصحية للصيام: أنه يطهر الأمعاء ويصلح المعدة وينظف البدن من الفضلات والرواسب ويخفف من وطأة السمن وثقل البطن بالشحم. وفي الحديث عنه ﷺ: «صوموا تصحوا» رواه ابن السني وأبو نعيم وحسنه السيوطي([42]). (قال المنذري رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات)([43]).
4 - ومن فوائد الصوم كسر النفس فإن الشبع والري ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر والبطر والغفلة.
5 - ومنها: تخلي القلب للفكر والذكر فإن تناول هذه الشبهوات قد يقسي القلب ويعميه ويحول بين القلب والذكر والفكر ويستدعي الغفلة، وخلو البطن من الطعام والشراب ينور القلب ويوجب رقته ويزيل قسوته ويخليه للذكر والفكر.
6 - أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره له على ما منعه كثيرًا من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقة له بذلك يتذكر به من منع من ذلك على الإطلاق فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغناء، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته.
7 - ومنها أن الصيام يُضَيِّق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فتسكن بالصيام وساوس الشيطان. وتنكسر قوة الشهوة والغضب ولهذا جعل النبي ﷺ الصوم وجاء لقطعه شهوة النكاح فأمر من لا يستطيع الزواج بالصوم([44]) في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم.
®®®®
الصوم مع ترك الصلاة
من صام وترك الصلاة فقد ترك الركن الأهم من أركان الإسلام بعد التوحيد ولا يفيده صومه شيئًا ما دام تاركًا للصلاة لأن الصلاة عماد الدين الذي يقوم عليه وتارك كالصلاة محكوم بكفره والكافر لا يقبل منه عمل قال عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» رواه أحمد وأهل السنن من حديث بريدة t.
وعن جابر قال: قال رسول الله ﷺ: «بين الرجل والكفر ترك الصلاة» رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
وقال تعالى في حق الكفار: }وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا{ [سورة الفرقان آية: 23] يعني الأعمال التي عملوها لغير وجه الله تعالى أبطلنا ثوابها وجعلناها كالهباء المنثور وهو الغبار الذي يرى في شعاع الشمس.
وكذلك التخلف عن الصلاة مع الجماعة وتأخيرها عن وقتها معصية ورد فيها الوعيد الشديد. قال تعالى: }فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ{ [سورة الماعون آية: 4 – 5] أي غافلون عنها حتى يخرج وقتها، والنبي ﷺ لم يعذر الأعمى الذي ليس له قائد يقوده إلى المسجد أن يصلي في بيته فكيف بمن يكون صحيح البصر سليمًا لا عذر له؟.
والصوم مع ترك الصلاة أو التخلف عن جماعتها دليل بَيِّن على أنه لم يصم امتثالاً لأمر ربه وإلا لما ترك الواجب الأول والواجبات وحدة متماسكة لا تتجزأ يشد بعضها بعضًا.
®®®®
# فوائـــد #
1 - يجب على المسلم أن يصوم إيمانًا واحتسابًا بلا رياء ولا سمعة ولا تقليدًا للناس أو متابعة لأهله أو أهل بلده بل الواجب عليه أن يكون الحامل له على الصوم هو إيمانه بأن الله قد فرض عليه ذلك واحتسابه الأجر عند ربه في ذلك. وهكذا قيام رمضان يجب أن يفعله المسلم إيمانًا واحتسابًا لا لسبب آخر ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
2 - قد يعرض للصائم جراح أو رعاف أو قيء أو ذهاب الماء أو البنزين إلى حلقه بغير اختياره فكل هذه الأمور لا تفسد الصوم، لكن من تعمد القيء فسد صومه لقوله ﷺ: «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمدًا فعليه القضاء» رواه الخمسة إلا النسائي.
3 - يجوز للصائم أن ينوي الصيام وهو جنب ثم يغتسل بعد طلوع الفجر وكذلك المرأة الحائض أو النفساء إذا طهرت قبل الفجر فإنه يلزمها الصوم ولا مانع من تأخيرها الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس بل يجب عليها أن تغتسل وتصلي الفجر قبل طلوع الشمس لأن وقت الفجر ينتهي بطلوع الشمس.
وهكذا الجنب ليس له تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس بل يجب عليه أن يغتسل ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يدرك صلاة الفجر مع الجماعة.
4 - من الأمور التي لا تفسد الصوم تحليل الدم وضرب الإبر التي لا يقصد بها التغذية لكن تأخير ذلك إلى الليل أولى وأحوط إذا تيسر ذلك لقول النبي ﷺ: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» رواه النسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وقوله عليه الصلاة والسلام؛ «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» متفق عليه، أما الإبر المغذية فلا يجوز ضربها لأنها في معنى الأكل والشرب([45]).
5 - يجوز للصائم أن يتسوك في أول النهار وآخره وهو سنة في حقه كالمفطرين.
®®®®
# الصوم الكامل #
أخي المسلم: من أجل أن يكون صيامك كاملاً محققًا للغرض منه ينبغي لك أن تتبع الخطوات الآتية:
1 - أن تستعين بالسحور لقول رسول الله ﷺ: «تسحروا فإن في السحور بركة» رواه البخاري ومسلم. ولقوله: «استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبقيلوله النهار على قيام الليل» رواه ابن خزيمة في صحيحه.
وكلما تأخر السحور كان أفضل حتى لا تتعرض لشدة الجوع والعطش على أن تأخذ الحيطة وتمتنع من الطعام والشراب قبل الفجر بدقائق حتى لا تقع في الشك.
2 - أن تُعَجِّل الفطر بعد التحقق من غروب الشمس لقول الرسول ﷺ: «لايزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور» رواه البخاري ومسلم والترمذي.
3 - أن تغتسل من الحدث الأكبر قبل الفجر لتؤدي العبادة على طهارة.
4 - أن تنتهز وجود رمضان فتشغله بخير ما نزل فيه وهو قراءة القرآن الكريم فإن جبريل كان يلقى النبي ﷺ في كل ليلة فيدارسه القرآن (رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس)، ولنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة.
5 - أن تصون لسانك عن الكذب والغيبة والنميمة والمشاتمة وقول الزور لقول الرسول ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري.
6 - أن لا يخرجك الصيام عن حدك فتغضب وتثور لأتفه الأسباب بحجة أنك صائم فإنه ينبغي أن يكون الصيام سببًا في سكينة نفسك لا في ثورتها، وإذا ابتليت بجاهل أو شاتم فلا تقابله بمثل فعله بل عليك أن تعظه وأن تدفعه بالتي هي أحسن لقول الرسول ﷺ: «الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث([46]) ولا يصخب فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم» رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن، يقول ذلك حجزًا لنفسه عن مسايرة شاتمه وتذكيرًا له كذلك بما ينبغي له من الكف عن الشتم والسب.
7 - أن تخرج من صيامك بتقوى الله تعالى ومراقبته وشكره والاستقامة على دينه.
8 - وأن ترافقك هذه النتيجة الطيبة طول عامك فأول ثمرة من ثمرات الصيام التقوى لقول الله تعالى: }لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [سورة البقرة آية: 183]
9 – أن تصون نفسك عن الشهوات حتى ولو كانت حلالاً وذلك ليتحقق مقصود الصوم وتنكسر النفس عن الهوى. قال جابر بن عبد الله: (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمآثم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء).
10 - أن يكون طعامك من حلال وإذا كنت تتورع من الحرام في غير رمضان ففي رمضان أولى ولا معنى لأن تصوم عن الحلال وتفطر على الحرام.
11 - أن تكثر من الصدقة والإحسان وأن تكون أجود بالخير وأبر بالأهل منك في غير رمضان فقد كان رسول الله ﷺ أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان.
12 - أن تسم الله تعالى عند فطرك وتدعوه وتقول: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت. اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم»([47]).
®®®®
# المقصود من الصيام #
المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدتها، ويُذَكِّرُها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضييق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فهو ترك المحبوبات لمحبة الله تعالى، وهو سر بين العبد وربه لأن العباد قد يطلعون على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك ذلك لأجل معبوده فأمر لا يطلع عليه بشر وذلك حقيقة الصوم.
هدي النبي ﷺ في الصيام:
وكان هديه فيه أكمل هدي، وأعظمه تحصيلاً للمقصود، وأسهله على النفوس. وكان من هديه ﷺ في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادة، وكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان، وكان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف. وكان يخصه من العبادات بما لا يخص غيره.
وكان يعجل الفطر ويحث عليه، ويتسحر ويحث عليه ويؤخره ويُرَغِّب في تأخيره وكان يحض على الفطر على التمر فإن لم يجده فعلى الماء.
ونهى الصائم عن الرفث والسباب، وأمره أن يقول لمن سابه «إني صائم» وسافر في رمضان فصام وأفطر وخير أصحابه بين الفطر والصيام في السفر. وكان يدركه الفجر وهو جنب من أهله فيغتسل بعد طلوع الفجر ويصوم.
وكان من هديه ﷺ إسقاط القضاء عمن أكل أو شرب ناسيًا وأن الله هو الذي أطعمه وسقاه.
وصح عنه ﷺ أنه يستاك وهو صائم، وذكر أحمد عنه أنه كان يصب على رأسه الماء وهو صائم، وكان يستنشق ويتمضمض وهو صائم،ومنع الصائم من المبالغة في الاستنشاق([48]).
®®®®
# الصوم المشروع #
الصوم المشروع: هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الطعام والشراب فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتُصَيِّره بمنزلة من لم يصم.
فالصائم حقيقة: هو الذي صامت جوارحه عن الآثام ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور وبطنه عن الطعام والشراب وفرجه عن الرفث فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه فيخرج كلامه نافعًا صالحًا وكذلك أعماله فهي بمنزلة رائحة المسك التي يشمها من جالس حامل المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم وفي الحديث الذي رواه أحمد: «وإن ريح الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب ففي الحديث الصحيح: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه أحمد وغيره. وفي الحديث: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش» رواه أحمد وهو حديث صحيح([49]).
®®®®
# أسباب المغفرة في رمضان #
شهر رمضان تكثر فيه أسباب المغفرة والغفران فمن أسباب المغفرة فيه:
1 - صيامه: قال ﷺ: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
2 - وقيامه بصلاة التراويح والتهجد قال ﷺ: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
3 - وقيام ليلة القدر وهي في العشر الأواخر من رمضان وهي الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن وفيها يفرق كل أمر حكيم. قال ﷺ: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه.
4 - وتفطير الصوام قال ﷺ: «ومن فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار» رواه ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما.
5 - والتخفيف عن المملوك والخدم قال ﷺ في حديث سلمان المتقدم: «ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار».
6 - وذكر الله تعالى وفي حديث مرفوع: «ذاكر الله في رمضان مغفور له وسائل الله فيه لا يخيب» رواه الطراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان.
7 - والاستغفار: طلب المغفرة والدعاء في حال الصيام وعند الفطر وعند السحور ودعاء الصائم مستجاب في صيامه وعند فطره، وقد أمر الله بالدعاء وتكفل بالإجابة قال تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [سورة غافر من آية: 60] وفي الحديث: «ثلاثة لا ترد دعوتهم» وذكر منهم «الصائم حتى يفطر» رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة. وفي الحديث: «إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد» رواه ابن ماجة.
فينبغي للمسلم أن يكثر من الذكر والدعاء والاستغفار في جميع الأوقات وخصوصًا في رمضان في حال الصيام وعند الإفطار وعند السحور وقت النزول الإلهي آخر الليل قال ﷺ: «ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» رواه مسلم.
8 - ومن أسباب المغفرة: استغفار الملائكة للصائمين حتى يفطروا كما في حديث أبي هريرة المتقدم رواه أحمد.
لما كثرت أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تفوته فيه المغفرة محرومًا غاية الحرمان، متى يغفر لمن لم يغفر له في هذا الشهر؟ متى يقبل من رد في ليلة القدر؟ متى يصلح من لا يصلح في رمضان؟.
كان المسلمون يقولون عند حضور شهر رمضان (اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر فسلمه لنا وسلمنا له، وارزقنا صيامه وقيامه، وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والقوة والنشاط وأعذنا فيه من الفتن) كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم، كان من دعائهم (الله سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلاً)([50]).
# من آداب الصيام #
اعلموا رحمكم الله أنه لا يتم الصوم إلا باستكمال ستة أمور:
الأول: غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم أو يكره.
الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان والغيبة والنميمة والكذب.
الثالث: كف السمع عن الإصغاء إلى كل محرم أو مكروه.
الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام.
الخامس: ألاّ يستكثر من الطعام.
السادس: أن يكون قلبه بعد الافطار بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري أيقبل صيامه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين. وليكن ذلك في آخر كل عبادة([51]).
اللهم اجعلنا وجميع المسلمين ممن صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب تبارك وتعالى. يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# ما جاء في العشر الأواخر من رمضان #
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم: (أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر) وفي رواية لمسلم عنها قالت: (كان رسول الله ﷺ يجتهد في العشر الأواخر ما لايجتهد في غيره). كان النبي ﷺ يخص العشر الأواخر من رمضان بأعمال لا يعملها في بقية الشهر:
1 - فمنها إحياء الليل: فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله، ويحتمل أن يراد بإحياء الليل إحياء غالبه، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما علمته ﷺ قام ليلة حتى الصباح).
ويروى من حديث أبي جعفر محمد بن علي مرفوعًا: «من أدرك رمضان صحيحًا مسلمًا فصام نهاره وصلى وردًا من ليله وغض بصره وحفظ فرجه ولسانه ويده وحافظ على صلاته في الجماعة وبَكَّر إلى جمعه فقد صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب تبارك وتعالى» قال أبو جعفر: جائزة لا تشبه جوائز الأمراء. رواه ابن أبي الدنيا.
2 - ومنها أنه ﷺ (كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيرها). وفي حديث أبي ذر t أنه ﷺ (قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة)، وهذا يدل على أنه يتأكد إيقاظهم في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر. وروى الطبراني عن علي t أنه ﷺ (كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة) وصح أنه ﷺ كان يطرق فاطمة وعليًا ليلاً فيقول: «ألا تقومان فتصليان». وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر.
وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة ونضح الماء فى وجهه. وفي الموطأ أن عمر t كان يصلي من الليل ما شاء الله حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: الصلاة. الصلاة ويتلو هذه الآية}وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا{ [سورة طه آية: 132].
3 - ومنها أن النبي ﷺ: (كان يشد المئزر) والمراد به اعتزاله النساء. وورد أنه لم يأو إلى فراشه حتى ينسلخ رمضان وفي حديث أنس: (وطوى فراشه واعتزل النساء).
وقد كان ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان والمعتكف ممنوع من قربان النساء بالنص والإجماع. وفسر شد المئزر بالتشمير في العبادة.
4- ومنها تأخيره الفطور إلى السحور روي عن عائشة وأنس أنه ﷺ كان في ليالي العشر يجعل عشاءه سحورًا، وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد مرفوعًا قال: «لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر» قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله. قال: «إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني» وهذا إشارة إلى ما كان الله يفتح عليه في صيامه وخلوته بربه لمناجاته وذكره من مواد أنسه ونفحات قدسه فكان يرد بذلك على قلبه من المعارف الإلهية والمنح الربانية ما يغذيه ويغنيه عن الطعام والشراب.
5 - ومنها الاغتسال بين العشائين، روى ابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله إذا كان في رمضان نام وقام فإذا دخل العشر شد المئزر واجتنب النساء واغتسل بين العشائين يعنى المغرب والعشاء.
قال ابن جرير كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدرة.
فيستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتطيب والتزين بالغسل والطيب واللباس الحسن كما شرع ذلك في الجمع والأعياد. ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزيين الباطن بالإنابة والتوبة وتطهيره من أدناس الذنوب فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغنى شيئًا.
والله سبحانه لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم فمن وقف بين يديه فليزين ظاهره باللباس وباطنه بلباس التقوى قال تعالى: }يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ{ [سورة الأعراف آية: 26].
6 - ومنها الاعتكاف: ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي ﷺ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله) وإنما كان ﷺ يعتكف في هذه العشر التي تطلب فيها ليلة القدر قطعًا لأشغاله وتفريغًا لباله وتخليًا لمناجاة ربه وذكره ودعائه.
ومعنى الاعتكاف وحقيقته: قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق. فالخلوة المشروعة لهذه الأمة هي الاعتكاف في المساجد خصوصًا في شهر رمضان وخصوصًا في العشر الأواخر منه كما كان النبي ﷺ يفعله، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره ودعائه وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه وعكف بقلبه على ربه وما يقربه منه فما بقي له هم سوى الله تعالى وما يرضيه عنه وبالله التوفيق([52]).
®®®®
# العمرة في رمضان #
للعمرة في رمضان ثواب عظيم يساوي ثواب حجة. روى البخاري في صحيحه أن رسول الله ﷺ قال: «عمرة في رمضان تعدل حجة – أو قال – حجة معي».
ولكن يجب أن يُعلم أن العمرة في رمضان وإن كان لها مثل ثواب الحجة إلا أنها لا تسقط فريضة الحج عمن عليه هذه الفريضة.
وكذلك الصلاة تضاعف في مسجدي مكة والمدينة كما ثبت في الصحيح: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام» وفي رواية: «فإنه أفضل» رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
®®®®
# ليلة القدر #
قال الله تعالى: }إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{.
يخبر الله سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن في ليلة القدر وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل: }إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ{ [سورة الدخان آية: 3] وهي من شهر رمضان كما قال تعالى: }شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ{. قال ابن عباس: (أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا في ليلة القدر ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله ﷺ).
وسميت ليلة القدر بهذا الاسم لعظم قدرها وفضلها عند الله تعالى ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الآجال والأرزاق وغير ذلك كما قال تعالى: }فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ{. [سورة الدخان آية: 4].
ثم قال معظمًا لشأن ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها: }وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ{([53]) وبين مقدار فضلها بقوله: }لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ{ أي العبادة فيها وإحياؤها بالطاعة والصلاة والقراءة والذكر والدعاء عبادة ألف شهر ليس في شهر منها ليلة القدر وألف شهر ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر.
ثم أخبر عن زيادة فضلها وكثرة بركتها أن الملائكة يكثر تنزلهم فيها وينزل معهم جبريل ينزلون بكل أمر من الخير والشر قضاه الله وقدره ونزولهم بأمر الله سبحانه. ثم زاد في فضلها فقال: }سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{ أي إنها سلام وخير كلها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر وأن الملائكة تسلم فيها على المؤمنين في الأرض والروح: جبريل عليه السلام. صح عن رسول الله ﷺ أنه قال في فضل قيامها: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه. وقال في وقتها: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان» أي في الليالي الفردية وهي ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين.
وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار والتوبة إلى الله تعالى. وعن عائشة t قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها. قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
· ما يستفاد من السورة:
1 - فضل القرآن الكريم وعلو قدره وأنه أنزل ليلة القدر.
2 - فضل ليلة القدر وعظمها وأنها تعدل ألف شهر خالية منها.
3 - الحث على اغتنام مواسم الخير كهذه الليلة الشريفة بالأعمال الصالحة.
إذا علمت أيها المسلم فضائل هذه الليلة العظيمة وعلمت أنها محصورة فى العشر الأواخر من رمضان فعليك بالجد والاجتهاد في كل ليلة منها بالصلاة والذكر والدعاء والتوبة والاستغفار لعلك أن توافقها فتسعد سعادة لا تشقى بعدها أبدًا وعليك أن تدعو فيها بالأدعية الجامعة لخير الدنيا والآخرة ومنها:
1 - «اللهم أصلح لي دينى الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والموت راحة لي من كل شر. اللهم اعتق رقبتي من النار وأوسع لي من الرزق الحلال واصرف عني فسقة الجن والإنس يا حي يا قيوم».
2 - «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار» يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
3 - «اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار» يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
4 - «اللهم إني أسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه وظاهره وباطنه وأوله وآخره وعلانيته وسره، اللهم ارحم في الدنيا غربتي وارحم في القبر وحشتي، وارحم في الآخرة وقوفي بين يديك» يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
5 - «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى».
6 - «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».
7 - «اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله... لا إله إلا أنت».
8 - «اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة».
9 - «ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام».
صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# التوبة والاستغفار #
قال الله تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [سورة الزمر آية: 53]. وقال تعالى: }وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا{ [سورة النساء آية: 110]
وقال تعالى: }وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ{ [سورة الشورى آية: 25].
وقال تعالى: }وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ{ [سورة الأعراف آية: 153].
وقال تعالى: }وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [سورة النور آية: 31].
وقال تعالى: }أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ{ [سورة المائدة آية: 74]
وقال تعالى: }أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{ [سورة التوبة آية: 104]
وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ{ [سورة التحريم آية: 8].
وقال تعالى: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى{ [سورة طه آية: 82].
وقال تعالى: }وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ{ [سورة آل عمران آية: 136]. وقوله }ذْكُرُوا اللهَ{ أي ذكروا عظمته وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه فطلبوا منه المغفرة وعلموا أنه لا يغفر الذنوب إلا الله }وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا{ من المعاصي أي لم يقيموا على فعلها وهم يعلمون بتحريمها عليهم ومغفرة الله لمن تاب منها وفي الحديث: «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة» رواه أبو يعلى الموصلي وأبو داود والترمذي والبزار في مسنده وحسنه ابن كثير في تفسيره جزء 1 ص 408.
وقال رسول الله ﷺ:
1 - «يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة» رواه مسلم، هذا وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكنه ﷺ كان عبدًا شكورًا ومعلمًا حكيمًا ورءوفًا رحيمًا عليه من ربه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
2 - وعن أبي موسى عن النبي ﷺ قال: «إن الله يبسط يده باليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» رواه مسلم.
3 - وقال عليه الصلاة والسلام: «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه» رواه مسلم، فإذا طلعت الشمس من مغربها أغلق باب التوبة، وكذلك لا تنفع التوبة إذا نزل بالإنسان الموت قال تعالى: }وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ{ [سورة النساء من آية: 18].
4 - وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» رواه الترمذي وحسنه. والغرغرة: بلوغ الروح الحلقوم وهو من الأوقات التي لا تقبل فيها التوبة.
فيجب على المسلم أن يتوب إلى الله تعالى من جميع الذنوب والسيئات في جميع الأوقات قبل أن يفجأه الموت فيفوت الأوان ويندم ويتحسر على تفريطه، وليس أحد يموت إلا ندم إن كان محسنًا ندم أن لا يكون ازداد إحسانًا وإن كان مسيئًا ندم أن لا يكون تاب واستغفر وأناب.
5 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب» رواه أبو داود.
سئل الإمام الأوزاعي كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله أستغفر الله ومعناها أطلب المغفرة من الله.
6 - وعن أنس t قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «قال الله تعالى: يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة» رواه الترمذي وحسنه.
عنان السماء: قيل: هو السحاب وقيل: هو ما عن لك منها أي ظهر.
وقراب الأرض: ملؤها أو ما يقارب ملأها، وفي الحديث ثلاثة أسباب للمغفرة أحدها: الدعاء مع الرجاء، الثاني: الاستغفار وهو طلب المغفرة من الله. الثالث: تحقيق التوحيد وتخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، والحديث من الدلائل على سعة رحمة الله ومغفرته وجوده وإحسانه وكرمه.
®®®®
# شروط التوبة #
التوبة واجبة من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يقلع عن المعصية ويتركها.
والثاني: أن يندم ويتأسف على فعلها.
والثالث: أن يعزم أن لا يعود إلى مثلها أبدًا.
فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فشروطها أربعة:
هذه الثلاثة وأن يبرأ من حق صاحبها فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه وإن كان حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه وإن كان غيبة استحله منها ويجب أن يتوب إلى الله تعالى من جميع الذنوب فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقي عليه الباقي وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة وتقدمت الأدلة على ذلك([54]). فقد دعانا ربنا إلى التوبة والاستغفار ووعدنا أن يغفر لنا ويتوب علينا ويرحمنا إذا تبنا إليه واستغفرنا وهو لا يخلف الميعاد.
اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# وداع رمضان #
تقدم ما ثبت في الصحيحين([55]) عن النبي ﷺ أنه قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه – ولأحمد: «وما تأخر» وإسناده حسن – ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» وزاد النسائي: «غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر».
ولابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد مرفوعًا: «من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه كفر ما قبله».
والتفكير مشروط بالتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه من ترك الواجبات وفعل المحرمات والجمهور على أن ذلك إنما يكفر الصغائر لما روى مسلم في صحيحه أن النبي ﷺ قال: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر» وفي معناه قولان:
أحدهما: أن التكفير مشروط باجتناب الكبائر.
الثاني: أن المراد أن هذه الفرائض تكفر الصغائر خاصة، والجمهور على أن الكبائر لا بد لها من توبة نصوح.
وحديث أبي هريرة المتقدم يدل على أن هذه الأسباب الثلاثة: صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر كل واحد منها مكفر لما سلف من الذنوب بشرط اجتناب الكبائر بدليل الحديث المتقدم.
والكبائر جمع كبيرة: وهي ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة كالزنا والسرقة وشرب الخمر والمعاملة بالربا وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام وأكل أموال اليتامى ظلمًا.
وقد ضمن الله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر والمحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات لقوله تعالى: }إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا{ [سورة النساء آية: 31] فقد تكفل الله تعالى بهذا النص لمن اجتنب الكبائر أن يدخله الجنة.
فالصيام وسائر الأعمال من وفاها فهو من خيار عباد الله الموفين ومن طفف فيها فويل للمطففين إذا كان الويل لمن طفف مكيال الدنيا فكيف حال من طفف مكيال الدين.
وكان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ثم بعد ذلك يهتمون بقبوله ويخافون من رده وهؤلاء هم الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة.
كانوا يهتمون بقبول العمل أشد اهتمامًا منهم بالعمل لأن الله يقول: }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{ [سورة المائدة من آية: 27].
كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم.
لما كثرت أسباب المغفرة في رمضان كان الذي تفوته فيه المغفرة محرومًا غاية الحرمان قال عليه الصلاة والسلام: «أتاني جبريل فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقلت آمين» الحديث رواه ابن حبان.
واعلم أيها المسلم أن صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر والصدقة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار في هذا الشهر توجب المغفرة إذا لم يمنع من ذلك مانع مع ترك واجب أو فعل محرم، فإذا أتى المسلم بالأسباب وانتفت الموانع فليثق بالمغفرة قال تعالى: }وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى{ [سورة طه آية: 82] أي استمر على هذه الأسباب للمغفرة حتى يموت وهي الإيمان الصادق والعمل الصالح – الخالص لله الموافق للسنة والاستمرار على ذلك حتى الموت. كما قال تعالى: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{ [سورة الحجر آية: 99] فلم يجعل الله لعمل المؤمن أجلاً دون الموت.
ولما كانت المغفرة والعتق من النار كل منهما مرتب على صيام رمضان وقيامه أمر الله سبحانه عند إكمال العدة بتكبيره وشكره فقال: }وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{ [سورة البقرة آية: 185]. فشكر من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام والقيام وشكر من أنعم على عباده بتوفيقهم للصيام والقيام وإعانتهم عليه ومغفرته لهم وعتقهم من النار أن يذكروه ويشكروه ويتقوه حق تقاته.
فيا أيها العاصي وكلنا كذلك لا تقنط من رحمة الله لسوء أفعالك فكم في هذه الأيام من معتق من النار من أمثالك فأحسن الظن بمولاك وتب إليه فإنه لا يهلك على الله إلا هالك. قال تعالى: }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [سورة الزمر آية: 53] والمغفرة المذكورة في هذه الآية للتائبين. وينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها فتختم به الصلاة والحج وقيام الليل وتختم به المجالس فإن كانت ذكرًا كان كالطابع عليها وإن كانت لغوًا كان كفارة لها([56]).
· تنبيه:
يلاحظ أن بعض الناس إذا جاء رمضان تابوا وصلوا وصاموا فإذا انقضى عادوا إلى ترك الصلاة وفعل المعاصي فهؤلاء بئس القوم لأنهم لا يعرفون الله إلا في رمضان ألم يعلمواأن رب الشهور واحد وأن المعاصي حرام في كل وقت وأن الله مطلع عليهم في كل زمان ومكان فليتوبوا إلى الله تعالى توبة نصوحًا بترك المعاصي والندم على ما كان منها والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل حتى تقبل توبتهم وتغفر ذنوبهم وتمحى سيئاتهم }وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [سورة النور من آية: 31]}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ{ [سورة التحريم من آية: 8].
فمن استغفر بلسانه، وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد الشهر ويعود فصومه عليه مردود وباب القبول في وجهه مسدود.
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب التواب الرحيم. اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# ملاحظات #
1 - يلاحظ أن كثيرًا من الناس في رمضان يستعدون له بالتفنن بأنواع المأكولات والمشروبات وهي وإن كانت مباحة إلا أنه لا ينبغي الإفراط في ذلك والإسراف فيه بل الواجب الاقتصاد في المأكل والمشرب وغير ذلك من متع الحياة، قال تعالى: }وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ{ [سورة الأعراف آية: 31] وهذه الآية من أصول الطب قال بعض السلف: إن الله جمع الطب كله في نصف آية ثم قرأ هذه الآية([57]). فأمر بالأكل والشرب اللذين بهما قوام البدن ثم نهى عن الإسراف في ذلك الذي فيه مضرة للبدن.
وقال عليه الصلاة والسلام: «كل واشرب والبس وتصدق في غير إسراف ولا مخيلة» أخرجه أبو داود وأحمد وعلقه البخاري.
وقال ﷺ: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه. بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه». رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن وهذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها([58]). وعن مالك بن دينار قال: لا ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همه وأن تكون شهوته هي الغالبة. وقال سفيان الثوري: إن أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقلل من الأكل، وعن أبي هريرة t عن النبي ﷺ قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشهوات التي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى» رواه الإمام أحمد.
وأقل ما يترتب على الإسراف في المأكل والمشرب كثرة النوم والكسل عن صلاة التراويح وتلاوة القرآن في الليل والنهار، فمن أكل كثيرًا شرب كثيرًا فنام كثيرًا فخسر كثيرًا، وضياع أوقات رمضان الشريفة الفاضلة النفيسة التي لا تعوض ولا يعادلها شيء والأوقات كلها محدودة والأنفاس معدودة، وأنت مسؤول عن أوقاتك ومحاسب عليها ومجزي على ما عملت فيها فلا تضيعها بغير عمل ولا تفرط بساعات عمرك الذاهب بغير عوض وخصوصًا في هذا الشهر الكريم والموسم العظيم.
2 - يلاحظ أن كثيرًا من الناس في رمضان يقضون النهار في النوم حتى لا يحسوا بالصيام، حتى إن بعضهم ينام عن صلاة الفريضة مع الجماعة هداهم الله، ويقضون الليل في القيل والقال واللهو واللعب والغفلة، وهذا فيه خطر عظيم وخسارة جسيمة عليهم فإن شهر رمضان موسم عبادة من صلاة وصوم وقراءة قرآن وذكر لله ودعاء واستغفار وهو أيام معدودة تنقضي بسرعة شاهدة للطائعين بطاعتهم وشاهدة على العاصين بمعاصيهم وينبغي للمسلم أن يحفظ أوقاته فيما ينفعه وألاَّ يكثر الأكل بالليل والنوم بالنهار وألا يضيع وقتًا من أوقاته بغير عمل صالح يعمله أو قربة يتقرب بها إلى ربه. وعن الحسن البصري t قال: (إن الله جعل شهر رمضان وقتًا للمسابقة إلى الخيرات والمنافسة بالأعمال الصالحات فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا) وفي المسند عن عقبة بن عامر t عن النبي ﷺ قال: «ليس من عمل يوم إلا ويختم عليه» فالأيام والليالي خزائن للناس ممتلئة بما خزنوه فيها من خير أو شر وفي يوم القيامة تفتح هذه الخزائن لأهلها فالمتقون يجدون في خزائنهم العز والكرامة، والمذنبون المفرطون في أوقاتهم يجدون في خزائنهم الحسرة والندامة.
3 - يلاحظ أن بعض الناس يسهرون في رمضان غالبًا فيما لا تحمد عقباه من القيل والقال واللهو اللعب والتجول في الشوارع ثم يتسحرون بعد نصف الليل وينامون عن أداء صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة وفي ذلك عدة محذورات:
(أ) السهر فيما لا يجدي وقد كان النبي ﷺ يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها إلا في خير، وفي الحديث الذي رواه أحمد عن ابن مسعود: (لاسمر إلا لمصل أو مسافر) ورمز السيوطي لحسنه.
(ب) وضياع أوقاتهم الثمينة في رمضان سدى بدون أن يستفيدوا منها شيئًا وسوف يتحسر الإنسان على كل وقت يمر به لا يذكر الله فيه.
(ج) وتقديم السحور قبل وقته المشروع آخر الليل قبيل الفجر.
(د) والمصيبة العظمى النوم عن أداء صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة التي تعدل قيام الليل أو نصفه كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عثمان t أن رسول الله ﷺ قال: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله».
وبذلك يتصفون بصفات المنافقين الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ويتكاسلون عنها ويحرمون أنفسهم الفضل العظيم والثواب الجسيم قال تعالى: }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى{ [سورة النساء آية: 142]، وأخبر النبي ﷺ أن أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبوا رواه البخاري ومسلم.
فينبغي للمسلم وخصوصًا في رمضان أن ينام مبكرًا بعد صلاة التراويح ويستيقظ مبكرًا آخر الليل فيصلي ما كتب له ثم يشتغل بالذكر والدعاء والاستغفار والتوبة قبل السحور وبعده حتى يصلي الفجر إلا إذا كان يقضي ليله بقراءة القرآن ومدارسته كفعل النبي ﷺ مع جبريل عليه السلام فهو أفضل.
وقد مدح الله المستغفرين بالأسحار وأثنى عليهم في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ قال تعالى في وصف المؤمنين: }كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{ [سورة الذاريات آية: 17 – 18]. وقال عليه الصلاة والسلام: «ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر» رواه مسلم. فينبغي للمسلم الراجي رحمة ربه الخائف من عذابه أن ينتهز هذه الفرصة فيدعو الله آخر الليل لنفسه ولوالديه وأولاده ولعامة المسلمين وولاة أمورهم خاصة وأن يستغفر الله ويتوب إليه في كل ليلة من ليالي رمضان بل وفي كل لحظة من لحظات عمره المحدود قبل هجوم الموت وانقطاع العمل ومفارقة الحياة وانقطاع اللذات ودوام الحسرات قال تعالى: }وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [سورة النور من آية: 31] اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# فتاوى #
من فتاوى النبي ﷺ في الصوم:
· سأله ﷺ رجل فقال: يا رسول الله: أكلت وشربت ناسيًا وأنا صائم فقال: «أطعمك الله وسقاك» ذكره أبو داود، وعند الدارقطني فيه بإسناد صحيح «أتم صومك فإن الله أطعمك وسقاك ولا قضاء عليك» وكان أول يوم من رمضان.
· وسئل ﷺ عن الخيط الأبيض والخيط الأسود فقال: «هو بياض النهار وسواد الليل» ذكره النسائي.
· وسأله ﷺ رجل فقال: تدركني الصلاة -أي: صلاة الفجر- وأنا جنب فأصوم فقال رسول الله ﷺ: «وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم» فقال: لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي» ذكره مسلم.
· وسئل ﷺ عن الصوم في السفر فقال: «إن شئت صمت وإن شئت أفطرت» ذكره مسلم.
· وسأله ﷺ حمزة بن عمرو فقال: إني أجد فيَّ قوة على الصيام في السفر فهل عليَّ جناح فقال: «هي رخصة الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» ذكره مسلم.
· وسئل ﷺ عن تقطيع قضاء رمضان فقال: «ذلك إليك أرأيت لو كان على أحدكم دين قضى الدرهم والدرهمين ألم يكن ذلك قضاء؟ فالله أحق أن يعفو ويغفر» ذكره الدار قطني وإسناده حسن.
· وسألته ﷺ امرأة فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها؟ فقال: «أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها؟» قالت نعم قال: «فصومي عن أمك» متفق عليه([59]).
من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية:
· سئل رحمه الله عن المضمضة والاستنشاق والسواك وذوق الطعام والقيء وخروج الدم والادهان والاكتحال للصائم.
فأجاب: أما المضمضة والاستنشاق فمشروعان للصائم باتفاق العلماء وكان النبي ﷺ والصحابة يتمضمضون ويستنشقون مع الصوم ولكن قال للقيط بن صبرة: «وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وصححه ابن خزيمة فنهاه عن المبالغة لا عن الاستنشاق.
وأما السواك: فجائز بلا نزاع لكن اختلفوا في كراهيته بعد الزوال على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد ولم يقم على كراهيته دليل شرعي يصلح أن يخص عمومات نصوص السواك.
وذوق الطعام: يكره لغير حاجة لكن لا يفطره، وأما للحاجة فهو كالمضمضة.
وأما القيء فإذا استقاء أفطر وإن غلبه القيء لم يفطر.
والادهان لا يفطر بلا ريب.
وأما خروج الدم الذي لا يمكن الاحتراز منه كدم المستحاضة والجروح والذي يرعف ونحوه فلا يفطر، وخروج دم الحيض والنفاس يفطر باتفاق العلماء.
وأما الكحل الذي يصل إلى الدماغ فمذهب أحمد: أنه يفطر كالطيب. ومذهب مالك نحو ذلك. وأما أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله: فلا يريان الفطر بذلك([60]) والله أعلم.
وقال في الاختيارَات: ولا يفطر الصائم بالاكتحال والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة والجائفة وهو قول بعض أهل العلم([61])، والله أعلم.
من فتاوى الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي:
· سئل من مات قبل أن يصوم الواجب عليه ما حكمه؟
فأجاب: إذا مات قبل أن يصوم الواجب عليه كمن مات وعليه قضاء رمضان وقد عوفي ولم يصمه فإنه يجب أن يطعم عنه كل يوم مسكين بعدد ما عليه، وعند الشيخ تقي الدين (ابن تيمية) إن صيم عنه أيضًا أجزأ وهو قوي المأخذ.
الحال الثاني: أن يموت قبل أن يتمكن من أداء ما عليه مثل أن يمرض في رمضان ويموت في أثنائه وقد أفطر لذلك المرض أو يستمر به المرض حتى يموت ولو بعد مدة طويلة فهذا لا يكفر عنه لعدم تفريطه ولأنه لم يترك ذلك إلا لعذر([62]).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» متفق عليه. والحديث دليل على مشروعية صيام الحي عن الميت وأنه إذا مات وعليه صوم واجب أجزأ عنه صيام وليه.
قال النووي: اختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب من رمضان أو قضاء أو نذر أو غيره هل يقضى عنه؟
وللشافعي في المسألة قولان مشهوران أشهرهما لا يصام عنه ولا يصح عن ميت صوم أصلاً والثاني يستحب لوليه أن يصوم عنه ويبرأ به الميت ولا يحتاج إلى إطعام وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة. انتهى والله أعلم([63]).
من فتاوى أئمة الدعوة في نجد:
· سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد عن المميز متى يؤمر بالصيام؟
فأجاب: أما الصبي الذي لم يبلغ فهو إذا أطاق الصيام أمر به وأدب عليه (أي على تركه).
· سئل الشيخ حمد بن عتيق: عن المرأة إذا رأت الدم قبل غروب الشمس هل تعتد بصومها؟
فأجاب: صومها ذلك اليوم غير تام.
· سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد عمن أكل في رمضان؟
فأجاب: الذي يأكل في رمضان أو يشرب يؤدب.
· سئل الشيخ عبد الله أبا بطين عن وجود روائح الأشياء؟
فأجاب: روائح الأشياء إذا شمها الصائم فلا بأس بذلك إلا الدخان إذا شمه الصائم متعمدًا لشمه فإنه يفطر بقصد شم الدخان أي دخان كان وإن دخل في أنفه من غير قصد لشمه لم يفطر لمشقة التحرز منه([64]) والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# أدعية جامعة نافعة لا يستغنى عنها #
قال الله تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [سورة غافر آية: 60].
وقال ﷺ: «الدعاء هو العبادة» رواه أصحاب السنن الأربعة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام اجعلنا وجميع المسلمين ممن صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم يا دائم الخير والإحسان يا من كل يوم هو في شأن يا من لا تنفعه الطاعة ولا يضره العصيان اجعلنا فائزين منك بالمغفرة والرضوان حائزين لأسباب السلامة والفوز والعتق من النيران.
اللهم اجعلنا من المقبولين في هذا الشهر الفضيل وخصنا فيه بالأجر الوافر والعطاء الجزيل.
اللهم اجعلنا ممن صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب تبارك وتعالى.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا مجيب دعوة المضطر إذا دعاك نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار.
اللهم إنا نسألك فواتح الخير وخواتمه وجوامعه وظاهره وباطنه وأوله وآخره وعلانيته وسره يا مالك الملك يا قادرًا على كل شيء يا مجيب دعوة المضطر إذا دعاك.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد ﷺ وعبادك الصالحون، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد ﷺ وعبادك الصالحون.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ونسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار ونسألك بوجهك الجنة ونعوذ بوجهك من النار.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أبقيتنا.
اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ومن درك الشقاء ومن سوء القضاء ومن شماتة الأعداء.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجأة نقمتك وجمع سخطك.
اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال.
اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شأننا كله لا إله إلا أنت.
اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعتق رقابنا من النار، وأوسع لنا من الرزق واصرف عنا فسقة الجن والإنس يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحم في الدنيا غربتنا وارحم في القبر وحشتنا وارحم في الآخرة وقوفنا بين يديك.
اللهم اجعل خير أعمالنا آخرها وخير أعمارنا خواتمها وخير أيامنا يوم لقائك.
اللهم آنس وحشتنا في القبور وآمن خوفنا يوم البعث والنشور ويسر لنا يا إلهنا الأمور يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين ووفقهم للعدل في رعايهم والرفق بهم والاعتناء بمصالحهم وحببهم إلى الرعية وحبب الرعية إليهم.
اللهم وفقهم لصراطك المستقيم والعمل بوظائف دينك القويم واجعلهم هداة مهتدين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفقهم للعمل بكتابك وسنة نبيك والحكم بشريعتك وإقامة حدودك.
اللهم وفقهم لإزالة المنكرات وإظهار المحاسن وأنواع الخيرات.
اللهم اجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له ناهين عن المنكر تاركين له.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، وأرخص أسعارهم وآمنهم في أوطانهم.
اللهم أصلح أحوال الشباب وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان واجعلهم من الراشدين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم واهدهم سبل السلام وأخرجهم من الظلمات إلى النور وبارك لهم في أسماعهم وأبصارهم وأزواجهم وذرياتهم ما أبقيتهم واجعلهم شاكرين لنعمك مثنين بها عليك قابليها وأتمها عليهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا مجيب دعوة المضطر إذا دعاك نسالك أن تعز الإسلام والمسلمين وأن تذل الشرك والمشركين وأن تدمر أعداء الدين وأن تجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم دمر اليهود والكفرة والمشركين والشيوعيين الذين يصدون عن سبيلك ويبدلون دينك ويعادون المؤمنين. اللهم شتت شملهم وفرق كلمتهم وأدر عليهم دائرة السوء.
اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لجميع موتى المؤمنين الذين شهدوا لك بالوحدانية ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك. اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم واغسلهم بالماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وجازهم بالحسنات إحسانًا وبالسيئات عفوًا وغفرانًا.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غرامًا.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.
ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
ربنا تقبل من إنك أن السميع العليم.
آمين يا رب العالمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
· ملاحظات:
(أ) من أسباب إجابة الدعاء: أكل الحلال والإلحاح في الدعاء والإيقان بالإجابة وطاعة الله ورسوله بامتثال الأوامر واجتناب النواهي وافتتاح الدعاء بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وختمه بالصلاة على النبي ﷺ.
(ب) ومن موانع الإجابة: أكل الحرام وشربه ولبسه واستبطاء الإجابة وأن يدعو وقلبه غافل لاه أو أن يدعو بإثم أو قطيعة رحم أو أن يدعو وهو عاص لله ورسوله بترك الواجبات وفعل المحرمات.
(ج) ينبغي للمسلم أن يلازم هذا الدعاء دائمًا وخصوصًا في الزمان الفاضل والمكان الفاضل كرمضان في حال الصيام وعند الفطر وعند السحور وفي ليلة القدر وفي الحج وعشر ذي الحجة وفي الحرمين الشريفين وفي آخر الليل وبين الأذان والإقامة وفي يوم عرفة ويوم الجمعة وفي السجود ويكرر الدعاء ثلاث مرات.
وبالله التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
# زكاة الفطر #
قال الله تعالى: }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى{ [سورة الأعلى آية: 14 – 15]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) متفق عليه.
وتجب على كل مسلم عن نفسه وعن من تلزمه مؤونته صاعًا من غالب قوت البلد إذا كان فاضلاً عن قوت يومه وليلته وقوت عياله. والأفضل فيها الأنفع للفقراء.
ووقت إخراجها يوم العيد قبل الصلاة ويجوز قبله بيوم أو يومين ولا يجوز تأخيرها عن يوم العيد.
وعن ابن عباس قال: (فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة – أي صلاة العيد – فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود وابن ماجة.
ولا يجزئ إخراج القيمة لأنه خلاف السنة.
ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد، وأن يعطي الواحد ما يعطي الجماعة.
ولا يجوز أن تعطي إلا الفقير أو وكيله.
وتجب زكاة الفطر بغروب الشمس ليلة العيد فمن مات أو أعسر قبل الغروب فلا زكاة عليه، وبعده تستقر في ذمته.
· ومن الحكمة فيها:
1 - أنها زكاة للبدن حيث أبقاه الله تعالى عامًا من الأعوام وأنعم عليه بالبقاء.
2 - أن فيها مواساة للمسلمين أغنيائهم وفقرائهم ذلك اليوم فيتفرغ الجميع لعبادة الله تعالى والسرور بنعمه.
3 - ومن أعظم حكمها أنها من شكر نعم الله على الصائمين بالصيام([65]).
4 - ما تضمنه حديث ابن عباس المتقدم من أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين.
اللهم تقبل منا صلاتنا وزكاتنا وصيامنا وجميع أعمالنا إنك على كل شيء قدير.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
®®®®
# العيد #
العيد هو موسم الفرح والسرور وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته كما قال تعالى: }قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ{ [سورة يونس آية: 58].
قال بعض العارفين: ما فرح أحد بغير الله إلا لغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه والعاقل يفرح بمولاه.
لما قدم النبي ﷺ المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما فقال: «إن الله قد أبدلكم يومين خيرًا منهما يوم الفطر والأضحى» أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح.
والحديث دليل على أن إظهار السرور في العيدين مندوب وأن ذلك من الشريعة فيجوز التوسعة على العيال في الأعياد بما يحصل لهم من ترويح البدن وبسط النفس مما ليس بحظور ولا شاغل عن طاعة الله.
وأما ما يفعله كثير من الناس في الأعياد من التوسع في الملاهي والملاعب فلا يجوز لأن ذلك خلاف ما شرع لهم من إقامة ذكر الله فليست الأعياد للهو واللعب والإضاعة وإنما هي لإقامة ذكر الله والاجتهاد في الطاعة. فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو.
ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد: عيد يتكرر كل أسبوع وعيدان يأتيان في كل عام مرة من غير تكرار في السنة.
فأما العيد المتكرر فهو يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع وهو مترتب على إكمال الصلوات المكتوبات وهي أعظم أركان الإسلام ومبانيه بعد الشهادتين.
وأما العيدان اللذان لا يتكرران في كل عام وإنما يأتي كل واحد منهما في العام مرة واحدة فأحدهما. عيد الفطر من صوم رمضان وهو مترتب على إكمال صيام رمضان وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم استوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار فإن صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب وآخره عتق من النار يعتق فيه من النار من استحقها بذنوبه فشرع الله تعالى لهم عقب إكمالهم لصيامهم عيدًا يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له وشرع لهم في ذلك العيد الصلاة والصدقة وهو يوم الجوائز يستوفي الصائمون فيه أجر صيامهم ويرجعون من عيدهم بالمغفرة.
والعيد الثاني عيد النحر وهو أكبر العيدين وأفضلهما وهو مترتب على إكمال الحج وهو الركن الخامس من أركان الإسلام ومبانيه فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم.
فهذه أعياد المسلمين في الدنيا وكلها عند إكمال طاعة مولاهم الملك الوهاب وحيازتهم لما وعدهم من الأجر والثواب([66]).
هدي النبي ﷺ في العيد:
كان يلبس أجمل ثيابه ويأكل في عيد الفطر قبل خروجه تمرات ويأكلهن وترًا – ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا.
وأما في عيد الأضحى فلا يأكل حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.
وكان يؤخر صلاة عيد الفطر ليتسع الوقت قبلها لتوزيع الفطرة ويعجل صلاة عيد الأضحى ليتفرغ الناس بعدها لذبح الأضاحي. قال تعالى }فصل لربك وانحر{.
وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج لصلاة العيد حتى تطلع الشمس ويكبر من بيته إلى المصلى.
وكان النبي ﷺ يبدأ بالصلاة قبل الخطبة فيصلي ركعتين يكبر في الأولى سبعًا متوالية بتكبيرة الإحرام ويسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات ولكن ذكر عن ابن مسعود أنه قال: يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي ﷺ.
وكان ابن عمر يرفع يديه مع كل تكبيرة.
وكان ﷺ إذا أتم التكبير أخذ في القراءة فقرأ في الأولى الفاتحة ثم «ق» وفي الثانية «اقتربت» وربما قرأ فيها بـ «سبح» و«الغاشية».
فإذا فرغ من القراءة كبر وركع ثم يكبر في الثانية خمسًا متوالية ثم أخذ في القراءة فإذا انصرف قام مقابل الناس وهم جلوس على صفوفهم فيعظهم ويأمرهم وينهاهم.
وكان يخالف الطريق يوم العيد فيذهب من طريق ويرجع من آخر([67]).
وكان يغتسل للعيدين، وكان ﷺ يفتتح خطبه كلها بالحمد وقال «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» رواه أحمد وغيره.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما (أن النبي ﷺ صلى يوم العيد ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
والحديث دليل على أن صلاة العيد ركعتين وفيه دليل على عدم مشروعية النافلة قبلها وبعدها في موضعها. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
# فضل صيام ستة أيام من شوال #
عن أبي أيوب t أن رسول الله ﷺ قال: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر» رواه مسلم. وروى أحمد والنسائي عن ثوبان مرفوعًا «صيام شهر رمضان بعشرة أشهر وصيام ستة أيام بشهرين فذلك صيام السنة». وعن أبي هريرة t مرفوعًا: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر» رواه البزار وغيره. وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ «من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه».
وإنما كان صيام رمضان وإتباعه بست من شوال يعدل صيام الدهر لأن الحسنة بعشر أمثالها وقد جاء ذلك مفسرًا في حديث ثوبان المتقدم.
وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة:
1 - منها أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله كما سبق.
2 - وأن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص فإن الفرائض تكمل أو تجبر بالنوافل يوم القيامة كما ورد ذلك عن النبي ﷺ من وجوه متعددة.
وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال.
3 - وأن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها. فمن عمل حسنة ثم أتبعها بعد بحسنة كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.
4 - وأن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب كما سبق ذكره وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرًا لهذه النعمة فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب.
فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان وإعانته عليه ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكرًا عقب ذلك.
فأما مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده فهو من فعل من بدل نعمة الله كفرًا؛ فإن كان قد عزم في صيامه على معاودة المعاصي بعد انقضاء الصيام فصيامه عليه مردود وباب الرحمة في وجهه مسدود فهو كمن يبني ثم يهدم ويغزل ثم ينقض قال تعالى: }وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ{ [سورة النحل من آية: 92].
5- ومن فوائد صيام ستة أيام من شوال ان الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيًا، فالصائم بعد رمضان كالكار بعد الفار وهو الذي يفر من القتال في سبيل الله ثم يعود إليه وذلك لأن كثيرًا من الناس يفرح بانقضاء شهر رمضان لاستثقال الصيام وملله وطوله عليه ومن كان كذلك فلا يكاد يعود إلى الصيام سريعًا فالعائد إلى الصيام بعد فطره يوم الفطر يدل على رغبته في الصيام وأنه لم يمله ولم يستثقله ولا تكَرَّه به، وقيل لبعض السلف: إن قومًا يتعبدون ويجتهدون في رمضان فإذا انسلخ تركوا الاجتهاد فقال: بئس القوم لا يعرفون الله حقًا إلا في شهر رمضان إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها.
وينبغي لمن كان عليه قضاء من شهر رمضان أن يبدأ بقضائه في شوال فإنه أسرع لبراءة ذمته ثم يصوم ستة أيام من شوال لأنه يصير قد صام رمضان وأتبعه بست من شوال.
وعمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله قال تعالى: }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{ [سورة الحجر آية: 99] أي استمر على عبادة ربك حتى تموت([68]).
ونوافل الصلاة والصيام والصدقة التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان مشروعة طول السنة ومن فوائدها أنها تجبر ما نقص من الفرائض وتكون سببًا في محبة الله لعبده وإجابة دعائه وسببًا في تكفير السيئات ومضاعفة الحسنات ورفع الدرجات والله الموفق وصلى الله على نبينًا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
®®®®
# الخاتمة #
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والحمد لله الذي وفق الأمة الإسلامية لصيام رمضان وقيامه وتلاوة كتابه الكريم والحمد لله الذي وفقنا لإتمام هذه الرسالة فيما يحتاج إليه المسلم في هذا الشهر من ذكر فضائله وخصائصه وأحكام الصيام وفوائده المشجعة والمعينة للمسلم على القيام بما شرعه الله له من العبادات المتنوعة على وفق ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ اللذين لن يضل من تمسك بهما ولن يشقى.
وقد فسرنا آيات الصيام وذكرنا ما يستفاد منها واخترنا بعض الفتاوى المهمة المتعلقة بالصيام كما ذكرنا هدي النبي ﷺ في الصيام والقيام وقراءة القرآن والصدقة ليقتدي به المسلمون ويتأسوا به عملاً بأمر الله لهم بذلك في قوله تعالى: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا{ [سورة الأحزاب آية: 21] فيفوزا بعظيم المثوبة والأجر المرتب على ذلك.
وأخيرًا ذكرنا ما يتعلق بالأعياد الإسلامية وحكمتها ومناسبتها وهدي النبي ﷺ فيها والحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه وصلوات الله وسلامه على أشرف خلقه نبينًا محمد وعلى آله وأصفيائه وخلفائه وأتباعه إلى يوم الدين.
®®®®
# مراجع رسالة رمضان #
1. تفسير ابن كثير.
2. تفسير آيات الأحكام للصابوني.
3. تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن لابن سعدي.
4. الصحيح المسند من أسباب النزول تأليف مقبل بن هادي الوادعي.
5. رياض الصالحين للنووي.
6. الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي.
7. لطائف المعارف لابن رجب.
8. وظائف رمضان لابن قاسم.
9. مجالس شهر رمضان لابن عثيمين.
10. النصائح الدينية للشيخ عبد الله باعلوي الحداد.
11. كلمات مختارة تأليف عبد الله الجار الله (المؤلف).
12. دليل الطالب للشيخ مرعي بن يوسف.
13. الروض المربع شرح زاد المستقنع للشيخ منصور البهوتي.
14. عمدة الفقه لموفق الدين ابن قدامة.
15. الموافقات للشاطبي.
16. فضائل القرآن لابن كثير.
17. منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري.
18. رسالة الصيام للشيخ عبد العزيز بن باز.
19. ملحق مجلة الوعي الإسلامي لشهر رمضان سنة 1390 هـ.
20. زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم.
21. الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم.
22. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم.
23. موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين للقاسمي.
24. الإرشاد إلى معرفة الأحكام لابن سعدي.
25. منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين لابن سعدي.
26. الدرر السنية في الأجوبة النجدية للشيخ عبد الرحمن بن قاسم.
27. الجامع الصغير للسيوطي.
28. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية جزء 25.
29. الاختيارات الفقهية من فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية.
30. المجموعة الجليلة للشيخ فيصل بن مبارك.
31. حاشية مقدمة التفسير لابن قاسم.
®®®®
إتحاف أهل الإسلام بأحكام الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم
# المقدمة #
الحمد لله الذي فضل شهر رمضان على سائر الشهور بفريضة الصيام ومشروعية القيام وإنزال القرآن الكريم هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان وجعله موسمًا للمنافسة في الخيرات والمسابقة في الأعمال الصالحات ومضاعفة الحسنات ومحو السيئات ورفع الدرجات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله – صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين – وبعد فبناء على ما أوجبه الله تعالى من التعاون على البر والتقوى ومحبة الخير للمسلمين فقد جمعت لنفسي ولأحبابي وإخواني من المسلمين والمسلمات ما تيسر من أحكام الصيام التي ضمنتها كتابي [بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين] ثم رأيت إفرادها في رسالة مستقلة لتكون خفيفة المحمل قريبة التناول وزدت فيها ما تيسر مما يفيد القارئ وقد اشتملت على فضل شهر رمضان المبارك وخصائصه وأسباب المغفرة فيه وفضل صيامه وقيامه مع بيان أحكام مهمة قد تخفى على بعض الناس، وذكر أقسام الناس في الصيام من حيث الوجوب وعدمه، وبيان مفطرات الصيام ومفسداته مع ذكر فوائد مهمة يحتاج إليها الصائم، وفضل تلاوة القرآن الكريم في رمضان وغيره وبيان آداب الصائم وذكر أدعية جامعة نافعة لا يستغنى عنها مع بيان أسباب إجابة الدعاء وموانع الإجابة وأحكام زكاة الفطر وبيان الأعياد في الإسلام وفضل صيام ستة أيام من شوال، فينبغي للمسلم أن يتعلم أحكام الصلاة والزكاة والصيام والحج ليعبد الله على علم وليكون على بصيرة من دينه ولتكون أعماله مقبولة لقول الله تعالى }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ{ [سورة المائدة آية: 27] وهم المطيعون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولا يمكن ذلك إلا بعد معرفة ما يتقى، وهذه الرسالة مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسول ﷺ وكلام المحققين من أهل العلم وسميتها [إتحاف أهل الإسلام بأحكام الصيام].
أسال الله تعالى أن ينفع بها من كتبها أو طبعها أو قرأها أو سمعها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المؤلف
22/6/1411 هـ
®®®®
# نبذ في الصيام #
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه نبذ في الصيام وحكمه وأقسام الناس فيه والمفطرات وفوائد أخرى على وجه الإيجاز.
1 - الصيام: هو التعبد لله تعالى بترك المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
2 - صيام رمضان احد أركان الإسلام العظيمة لقول النبي ﷺ: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. وصوم رمضان وحج البيت الحرام». متفق عليه.
®®®®
# أقسام الناس في الصيام #
1. الصوم واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم.
2. الكافر لا يصوم ولا يجب عليه قضاء الصوم إذا أسلم.
3. الصغير الذي لم يتبلغ لا يجب عليه الصوم ولكن يؤمر به ليعتاده.
4. المجنون لا يجب عليه الصوم ولا الإطعام عنه وإن كان كبيرًا ومثله المعتوه الذي لا تمييز له والكبير المُهَذْرِي الذي لا تمييز له.
5. العاجز عن الصوم لسبب دائم كالكبير والمريض مرضًا لا يرجى برؤه يطعم عن كل يوم مسكينًا.
6. المريض مرضًا طارئًا ينتظر برؤه يفطر إن شق عليه الصوم ويقضي بعد برئه.
7. الحامل والمرضع غذا شق عليهما الصوم من أجل الحمل أو الرضاع أو خافتا على ولديهما تفطران وتقضيان الصوم إذا سهل عليهما وزال الخوف.
8. الحائض والنفساء لا تصومان حال الحيض والنفاس وتقضيان ما فاتهما.
9. المضطر للفطر لإنقاذ معصوم من غرق أو حريق يفطر لينقذه ويقضي.
10. المسافر إن شاء صام وإن شاء أفطر وقضى ما أفطره سواء كان سفره طارئًا كسفر العمرة أم دائمًا كأصحاب سيارات الأجرة (التاكسي والمرسيدس) فيفطرون إن شاؤوا ما داموا في غير بلدهم.
®®®® # مفطرات الصيام #
1 - لا يفطر الصائم إذا تناول شيئًا من المفطرات ناسيًا أو جاهلاً أو مكرهًا لقول الله تعالى: }رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا{([69]) وقوله: }إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ{([70]) وقوله: }وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ{([71]).
فإذا نسي الصائم فأكل أو شرب لم يفسد صومه لنه ناسي: ولو أكل أو شرب يعتقد أن الشمس قد غربت أو أن الفجر لم يطلع لم يفسد صومه لأنه جاهل. ولو تمضمض فدخل الماء إلى حلقه بدون قصد لم يفسد صومه. لأنه غير متعمد، ولو احتلم في نومه لم يفسد صومه لأنه غير مختار.
2- المفطرات وهي:
(أ) الجماع. وإذا وقع في نهار رمضان من صائم يجب عليه الصوم فعليه مع القضاء كفارة مغلظة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.
(ب) إنزال المني يقظة باستمناء أو مباشرة أو تقبيل أو ضم أو نحو ذلك.
(ج) الأكل والشرب سواء كان نافعًا أو ضارًا كالدخان.
(د) حقن الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الطعام لأنها بمعنى الأكل والشرب – فأما الإبر التي لا تغذي فلا تفطر سواء استعملها في العضلات أم في الوريد وسواء وجد طعمها في حلقه أم لم يجد.
(ﻫ) خروج دم الحيض والنفاس.
(و) إخراج الدم بالحجامة ونحوها. فأما خروج الدم بنفسه كالرعاف أو خروجه بقلع سن ونحوه فلا يفطر لأنه ليس حجامة ولا بمعنى الحجامة.
(ز) القيء إن قصده فإن قاء من غير قصد لم يفطر.
®®®®
# فوائد #
1. يجوز للصائم أن ينوي الصيام وهو جنب ثم يغتسل بعد طلوع الفجر.
2. يجب على المرأة إذا طهرت في رمضان من الحيض أو النفاس قبل الفجر أن تصوم وإن لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر.
3. يجوز للصائم قلع سنه ومداواة جرحه والتقطير في عينيه وأذنيه ولا يفطر بذلك ولو أحس بطعم القطور في حلقه.
4. يجوز للصائم أن يفعل ما يخفف عنه شدة الحر والعطش كالتبرد بالماء والمكيف.
5. يجوز للصائم أن يتسوك في أول النهار وآخره وهو سنة في حقه كالمفطرين.
6. يجوز للصائم أن يبخ في فمه ما يخفف عنه ضيق التنفس الحاصل من الضغط أو غيره.
7. يجوز للصائم أن يبل بالماء شفتيه إذا يبستا وأن يتمضمض إذا نشف فمه من غير أن يتغرغر بالماء.
8. يسن للصائم تأخير السحور قبيل الفجر وتعجيل الفطور بعد غروب الشمس ويفطر على رطب فإن لم يجد فعلى تمر فإن لم يجد فعلى ماء فإن لم يجد فعلى أي طعام حلال فإن لم يجد نوى الفطر بقلبه حتى يجد.
9. يسن للصائم أن يكثر من الطاعات ويجتنب جميع المنهيات.
10. يجب على الصائم المحافظة على الواجبات والبعد عن المحرمات فيصلي الصلوات الخمس في أوقاتها ويؤديها مع الجماعة إن كان من أهل الجماعة ويترك الكذب والغيبة والغش والمعاملات الربوية وكل قول أو فعل محرم، قال النبي ﷺ: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». رواه البخاري.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
®®®®
# المجاهدون هل يفطرون #
س: هل الذين يحاربون العدو يحل لهم الإفطار في رمضان ويقضون بعده.
ﺟ: إذا كان الذين يحاربون الكفار مسافرين سفرًا تقصر فيه الصلاة، جاز لهم أن يفطروا وعليهم القضاء بعد رمضان. وإن كانوا غير مسافرين بأن هجم عليهم الكفار في بلادهم فمن استطاع منهم الصوم مع الجهاد وجب عليه الصوم، ومن لم يستطع الجمع بين الصيام والقيام بما وجب عليه عينًا من الجهاد، جاز له أن يفطر وعليه القضاء، صوم الأيام التي أفطرها بعد انتهاء رمضان.
اللجنة الدائمة للإفتاء. 806 الدعوة
®®®®
# فضل صيام رمضان وقيامه مع بيان أحكام #
مهمة قد تخفى على بعض الناس
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين سلك الله بي وبهم سبيل أهل الإيمان ووفقني وإياهم للفقه في السنة والقرآن، آمين.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
أما بعد. فهذه نصيحة موجزة تتعلق بفضل صيام رمضان وقيامه وفضل المسابقة فيه بالأعمال الصالحات مع بيان أحكام مهمة قد تخفى على بعض الناس.
ثبت عن رسول الله ﷺ أنه كان يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان ويخبرهم عليه الصلاةوالسلام أنه شهر تفتح فيه أبواب الرحمة وأبواب الجنة وتغلق فيه أبواب جهنم وتغل فيه الشياطين ويقول ﷺ: «إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وغلِّقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب وصفِّدت الشياطين وينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة»([72]) ويقول عليه الصلاة والسلام: «جاءكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرًا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله»([73]).
ويقول عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ماتقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»([74]).
ويقول عليه الصلاة والسلام: يقول الله عز وجل: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك»([75]) والأحاديث في فضل صيام رمضان وقيامه وفضل الصوم كثيرة فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذه الفرصة وهي ما من الله به عليه من إدراك شهر رمضان فيسارع إلى الطاعات ويحذر السيئات ويجتهد في أداء ما افترض الله عليه ولا سيما الصلوات الخمس فإنها عمود الإسلام وهي أعظم الفرائض بعد الشهادتين فالواجب على كل مسلم ومسلمة المحافظة عليها وأداؤها في أوقاتها بخشوع وطمأنينة، ومن أهم واجباتها في حق الرجال أداؤها في الجماعة في بيوت الله التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه كما قال عز وجل: }وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ{([76]) وقوله: }حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ{([77]) وقال عز وجل: }قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ{ إلى أن قال عز وجل: }وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ [سورة المؤمنون آية 1 – 11].
وقال النبي ﷺ: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر»([78]) وأهم الفرائض بعد الصلاة أداء الزكاة كما قال عز وجل: }وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ{([79]) وقال تعالى: }وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{([80]). وقد دل كتاب الله العظيم وسنة رسوله الكريم على أن من لم يؤدِّ زكاة ماله يعذب به يوم القيامة، وأهم الأمور بعد الصلاة والزكاة صيام رمضان وهو أحد أركان الإسلام الخمسة المذكورة في قول النبي ﷺ: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت»([81]) ويجب على المسلم أن يصوم صيامه وقيامه عما حرم الله عليه من الأقوال والأفعال لأن المقصود بالصيام هو طاعة الله سبحانه وتعظيم حرماته وجهاد النفس على مخالفة هواها في طاعة مولاها وتعويدها الصبر عما حرم الله وليس المقصود مجرد ترك الطعام والشراب وسائر المفطرات ولهذا صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «الصيام جُنَّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم»([82]) وصح عنه ﷺ أنه قال: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»([83]).
فعلم بهذه النصوص وغيرها أن الواجب على الصائم الحذر من كل ما حرم الله عليه والمحافظة على كل ما أوجب عليه وبذلك يرجى له المغفرة والعتق من النار وقبول الصيام والقيام.
# أمور قد تخفى على بعض الناس #
وهناك أمور قد تخفى على بعض الناس منها أن الواجب على المسلم أن يصوم إيمانًا واحتسابًا لا رياء ولا سمعة ولا تقليدًا للناس أو متابعة لأهله أو أهل بلده بل الواجب عليه أن يكون الحامل له على الصوم هو إيمانه بأن الله قد فرض عليه ذلك واحتسابه الأجر عند ربه في ذلك.
وهكذا قيام رمضان يجب أن يفعله المسلم إيمانًا واحتسابًا لا لسبب آخر ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»([84]).
ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس ما قد يعرض للصائم من جراح أو رعاف أو قيء او ذهاب الماء أو البنزين إلى حلقه بغير اختياره فكل هذه الأمور لا تفسد الصوم لكن من تعمد القيء، فسد صومه لقول النبي ﷺ: «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ومن استقاء فعليه القضاء»([85]).
ومن ذلك ما قد يعرض للصائم من تأخير غسل الجنابة إلى طلوع الفجر وما يعرض لبعض النساء من تأخير غسل الحيض أو النفاس إلى طلوع الفجر إذا رأت الطهر قبل الفجر فإنه يلزمها الصوم ولا مانع من تأخيرها الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر ولكن ليس لها تأخيره إلى طلوع الشمس، بل يجب عليها أن تغتسل وتصلي الفجر قبل طلوع الشمس وهكذا الجنب ليس له تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الشمس بل يجب عليه ان يغتسل ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس ويجب على الرجل المبادرة بذلك حتى يدرك صلاة الفجر مع الجماعة.
ومن الأمور التي لا تفسد الصوم تحليل الدم وضرب الإبر غير التي يقصد بها التغذية لكن تأخير ذلك إلى الليل أولى وأحوط إذا تيسر ذلك لقول النبي ﷺ: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»([86]) وقوله عليه الصلاة والسلام: «من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه»([87]).
ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس عدم الاطمئنان في الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ على أن الطمانينة ركن من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونه وهي الركود في الصلاة والخشوع فيها وعدم العجلة حتى يرجع كل فقار إلى مكانه، وكثير من الناس يصلي في رمضان صلاة التراويح صلاة لا يعقلها ولا يطمئن فيها بل ينقرها نقرًا وهذه الصلاة على هذا الوجه باطلة وصاحبها آثم غير مأجور.
ومن الأمور التي قد يخفى حكمها على بعض الناس ظن بعضهم أن التراويح لا يجوز نقصها عن عشرين ركعة ظن بعضهم أنه لا يجوز أن يزاد فيها على إحدى عشرة ركعة أوثلاث عشرة ركعة وهذا كله ظن في غير محله بل هو خطأ مخالف للأدلة.
وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ على أن صلاة الليل موسع فيها فليس فيها حد محدود، ولا تجوز مخالفته بل ثبت عنه ﷺ أنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة([88]) وربما صلى ثلاث عشرة وربما صلى أقل من ذلك في رمضان وفي غيره، وربما صلى ثلاث عشرة وربما صلى أقل من ذلك في رمضان وفي غيره، ولما سئل ﷺ عن صلاة الليل قال: «مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر ما قد صلى» متفق على صحته.
ولم يحدد ركعات معينة لا في رمضان ولا في غيره ولهذا صلى الصحابة رضي الله عنهم في عهد عمر t في بعض الأحيان ثلاثًا وعشرين ركعة وفي بعضها إحدى عشرة ركعة كل ذلك ثبت عن عمر t وعن الصحابة في عهده([89]).
وكان بعض السلف يصلي في رمضان ستًا وثلاثين ركعة يوتر بثلاث وبعضهم يصلي إحدى وأربعين، ذكر ذلك عنه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وغيره من أهل العلم -كما ذكر- رحمه الله – أن الأمر في ذلك واسع، وذكر أيضًا أن الأفضل لمن أطال القراءة والركوع والسجود أن يقلل العدد. ومن خفف القراءة والركوع والسجود زاد في العدد، هذا معنى كلامه رحمه الله، ومن تأمل سنته ﷺ علم أن الأفضل في هذا كله هو صلاة إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة في رمضان وغيره لكون ذلك هو الموافق لفعل النبي ﷺ في غالب أحواله ولأنه أرفق بالمصلين وأقرب إلى الخشوع والطمأنينة ومن زاد فلا حرج ولا كراهة كما سبق، والأفضل لمن صلى مع الإمام في قيام رمضان ألا ينصرف إلا مع الإمام لقول النبي ﷺ: «إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلة»([90]).
ويشرع لجميع المسلمين الاجتهاد في أنواع العبادة في هذا الشهر الكريم من صلاة النافلة وقراءة القرآن بالتدبر والتعقل والإكثار من التسبيح والتحميد والتكبير والاستغفار والدعوات الشرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عز وجل ومواساة الفقراء والمساكين والاجتهاد في بر الوالدين وصلة الرحم وإكرام الجار وعيادة المريض وغير ذلك من أنواع الخير لقوله ﷺ في الحديث السابق: «ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله» ولقوله ﷺ في الحديث السابق: «يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر» ولما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: «من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه»([91]) ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «عمرة في رمضان تعدل حجة» أو قال: «حجة معي»([92]).
والأحاديث والآثار الدالة على شرعية المسابقة والمنافسة في أنواع الخير في هذا الشهر الكريم كثيرة والله المسؤول أن يوفقنا وسائر المسلمين لكل ما فيه رضاه وأن يتقبل صيامنا وقيامنا ويصلح أحوالنا ويعيذنا جميعًا من مضلات الفتن كما نسأله سبحانه أن يصلح قادة المسلمين ويجمع كلمتهم على الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
®®®®
# من فوائد الصيام #
فرض الله الصيام على الأمة الإسلامية رحمة بها وإحسانًا إليها ليكفر به سيئاتهم ويرفع به درجاتهم ويضاعف به حسناتهم ولما فيه من فوائد عظيمة تعود على الفرد والمجتمع لا يحيط بها قلم كاتب أو تعبير بليغ وإنما يتكلم الإنسان في ذلك بحسب ما بلغه، فالصيام بعد كونه ركنًا من أركان الإسلام وعبادة من أبلغ العبادات وأهمها فيه امتثال لأمر الله وطلب لرضاه وتعرض لفضله فهو من أكبر الدورس العملية التي تعد الصائم الصادق للتقوى فهو مرب للإرادة ومروض للروح يغرس في نفس المؤمن ملكة الصبر على الطاعات، والصبر على المخالفات والصبر على أقدار الله المؤلمة من مرض أو فقر أو شدة تنزل بالعبد إذا أخلص النية فيه لله تعالى.
وبهذه المناسبة فإنني أنصح إخواني المسلمين الصائمين الذين ابتلوا بشرب الدخان الضار بصحتهم وأبدانهم وأموالهم ودينهم ودنياهم وآخرتهم أن يتسلوا عنه بالصوم وأن يتركوه لله فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا من وأن لا يصوموا عن الحلال ثم يفطروا على الحرام.
نسأل الله لنا ولهم وللمسلمين عمومًا العصمة والعافية والتوفيق والهداية.
والصوم طهرة وزكاة للجسد يطهر الإنسان من الذنوب ويزيل عنه آثار الشح والبخل والخيلاء، ويطهر جسمه من آفات فضلات الأطعمة والأشربة. وفي الحديث الشريف: «لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم» رواه ابن ماجة.
ومن فوائد الصوم الاجتماعية المساواة فيه بين الأغنياء والفقراء والخاصة والعامة، وفي مشاركة الأغنياء للفقراء في الجوع إشعار لهم بلزوم العطف عليهم وأداء حقوقهم التي فرضها الله في أموالهم إلى الفقراء.
ففي الصوم إعلام الغني بحال الفقير وإشعار الطاعم الكاسي بالجائع العاري وفي هذا ما فيه من الخير الكثير للناس أجمعين.
وفي الصوم تنظيم الأمة في المعيشة وإشعار بوحدة المسلمين وجمع شملهم على الحق والهدى، فجميع المسلمين يمسكون عن الطعام والشراب في وقت واحد ويفطرون في وقت واحد إذا كانوا في إقليم واحد لا يتقدم أحد منهم على أحد ولا يتأخر عنه.
وفي الصوم يتمثل الصدق والأمانة في العبادة لأنه أمر موكول إلى نفس الصائم وأمانته وعفته وشرفه ولا رقيب عليه فيه إلا الله تبارك وتعالى لذا فقد جعل الله عمل العبد له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلا الصيام فقد اختصه لنفسه ولا يعلم مقدار ثواب الصيام إلا الله قال ﷺ: قال الله تعالى: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به» متفق عليه.
وللصوم فوائد صحية فإن المعدة بيت الداء والحمية رأسة الدواء، وقد قال كثير من الأطباء إن في الصوم أمان من كثير من الأمراض المزمنة ولا سيما السل والسرطان الجلدي والدملي وأمراض المعدة وفي الحديث: «صوموا تصحوا» رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات([93]) فهو يحفظ الصحة ويذيب الفضلات المؤذية.
ومن فوائد الصيام أنه يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فتسكن بالصيام وساوس الشيطان وتنكسر حدة الشهوة والغضب.
وبالصوم تعرف نعم الله عليك معرفة صحيحة فإن الشيء لا يعرف حقًا إلا عند فقده.
وبالصوم تعرف ضعفك وحاجتك إلى ربك ومن عرف ضعفه واحتياجه زالت عنه الكبرياء الكاذبة فيعرف قدره ورحم الله امرءًا عرف قدره.
وفي الصوم تشبه بالروحانيين من ملائكة الله المقربين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولا يأكلون ولا يشربون.
وبالصيام يزيد الإيمان ويستعين العبد على كثير من العبادات من صلاة وقراءة وذكر وصدقة ودعاء واستغفار وتوبة ويردع النفس عن الوقوع في الأمور المحرمة فهو من أعظم الحسنات المذهبة للسيئات فهو جامع لمصالح الدين والدنيا والآخرة وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأجمعين.
# من آداب الصائم #
أيها المسلم الكريم اعلم وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه أن للصوم آدابًا تجب مراعاتها والعمل بها في الصوم والإفطار وإلا لم يكن للصائم من صومه إلا الجوع والعطش.
1 - فمنها غض البصر عن النظر المحرم إلى العورات وإلى النساء اللاتي لسن من محارمك لأن المرأة عورة وفتنة قال تعالى: }قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ{([94]) وقال تعالى: }إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً{([95]).
2 - صون السمع عن الإصغاء إلى كل ما يحرم أو يكره لأن الإنسان مسؤول عن سمعه كما هو مسؤول عن بصره كما في الآية السابقة وقائل القبيح والمستمع إليه شريكان في الإثم.
3 – حفظ اللسان عن النطق بالفحش والبهتان فيجب أن يجتنب الصائم الكذب والغيبة والنميمة والخصومة والسب والشتم وأن يلزم الصمت أو الاشتغال بما يقربه إلى الله من تلاوة القرآن وذكر الله ودعاء واستغفار وأمر بمعروف ونهي عن منكر فكل كلام ابن آدم عليه لا له إلا ذكر الله وما والاه من طاعة الله.
4 - حفظ البطن من أن يدخله حرام أكلاً أو شربًا وفي الحديث: «لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت» رواه ابن حبان في صحيحه، والسحت: الحرام.
فالمسلم يصوم عن الحلال ابتغاء مرضاة الله فأولى به أن يمتنع عن الحرام الذي به هلاكه فلا يحل لمسلم الغش في المعاملة أو إنفاق السلعة بالأيمان الكاذبة. كما يحرم على المسلم المعاملة بالربا الذي حرمه الله ولعن فاعله.
5 - حفظ الفرج عن الحرام قال ﷺ: «من يضمن لي ما بين لحييه» يعني اللسان «وما بين رجليه» يعني الفرج «أضمن له الجنة». رواه البخاري في صحيحه.
6، 7- صون اليد والرجل عن تناول الحرام والمشي إليه فإنك مسؤول عن ذلك كله والواقع أن صيانة الجوارح عن الآثام مطلوب في كل وقت وعلى كل حال إلا أن ذلك يتأكد على الصائم أكثر من غيره لئلا يبطل صومه ويذهب أجره، فإذا صان جوارحه عن الآثام من الكلام المحرم والنظر المحرم والاستماع المحرم والأكل والشرب المحرم والمشي أو البطش المحرم وبذلك يرجى له المغفرة والعتق من النار ودخول الجنة وقبول الصيام والقيام.
®®®®
# صيام يوم عاشوراء #
قال ﷺ فيما رواه مسلم في صحيحه: «أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم» وسئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: «يكفِّر السنة الماضية» رواه مسلم ولمَّا قدم النبي ﷺ المدينة مهاجرًا وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال: «ما هذا اليوم الذي تصومونه» قالوا هذا يوم عظيم نجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فيه فرعون وقومه فصامه موسى شكرًا لله فنحن نصومه، قال ﷺ: «نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه»، وقال: «لئن بقيت إلى قابل لأصومَنَّ التاسع والعاشر»، وفي لفظ: «صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده خالفوا اليهود» وفي رواية: «صوموا يومًا قبله ويومًا بعده»([96]).
فينبغي للمسلم أن يصوم الأيام الثلاثة: اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر ليحصل على فوائد متعددة:
الأولى: أنه يكتب له أجر صيام الشهر كله لأن الحسنة بعشر أمثالها وكان النبي ﷺ يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ويأمر بها.
الثانية: أن صوم هذا الشهر أفضل الصوم بعد رمضان كما نص عليه الحديث المتقدم.
الثالثة: مخالفة اليهود بصوم التاسع والحادي عشر مع العاشر.
الرابعة: الاقتداء بالنبي ﷺ فقد صامه وأمر بصيامه، رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس.
الخامسة: أنه يكفر ذنوب سنة كاملة والمراد بها الصغائر بشرط اجتناب الكبائر.
والصوم من حيث هو أجره غير محصور وغير محدود، قال ﷺ: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به»([97])، وذلك لأن الصيام من الصبر وقد قال الله تعالى: }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ{ [سورة الزمر آية: 10]. والصوم في الشتاء غنيمة باردة، نهار قصير بارد وأجر بلا تعب كما أن الصوم في الصيف من أفضل الأعمال (قصة موسى مع فرعون) وخلاصتها أن موسى عليه السلام لما خرج بجنوده اتبعه فرعون وقومه فلما تراء الجمعان وأقبل موسى بقومه نحو البحر وأقبل عليهم فرعون وقومه قال أصحاب موسى: إنا لمدركون فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق اثنا عشر طريقًا بعدد الفرق فلما دخله موسى وقومه وخرجوا منه اتبعه فرعون وقومه فلما تكاملوا فيه أمره الله فانطبق عليهم فصارت أجسامهم للغرق وأرواحهم للنار والحرق قال الله تعالى: }النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ{([98]) وصاروا عبرة لمن اعتبر وتلك عاقبة الذنوب والمعاصي، قال تعالى: }وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ{([99]) قيل له: }آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ{([100]) فلفظه البحر ميتًا ليتحققوا أنه مات بعد أن كان يقول: }أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى{([101]) ويقول: }مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي{([102])، وهكذا تكون عاقبة الظلم والطغيان ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن يوم عاشوراء فقال: ما رأيت رسول الله ﷺ صام يومًا يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم يعني يوم عاشوراء، ويوم عاشوراء له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة وصومه لفضله كان معروفًا بين الأنبياء عليهم السلام،وقد صامه نوح وموسى عليهما السلام، وقد كان أهل الكتاب يصومونه، وكذلك قريش في الجاهلية كانت تصومه. وكان للنبي ﷺ في صيامه أربع حالات:
الأولى: أنه كان يصومه بمكة ولا يأمر الناس بالصوم ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية وكان النبي ﷺ يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما نزلت فريضة شهر رمضان كان رمضان هو الذي يصومه فترك صوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء أفطره.
الثانية: أن النبي ﷺ لما قدم المدينة رأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به فصامه وأمر الناس بصيامه وحث عليه حتى كانوا يصوِّمونه أطفالهم: كما في الصحيحين عن ابن عباس وغيره.
الثالثة: أنه لما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي ﷺ أمر الصحابة بصيام عاشوراء وتأكيده فيه، وقد سبق حديث عائشة في ذلك،وأكثر العلماء على استحباب صيامه من غير تأكيد.
الرابعة: أن النبي ﷺ عزم في آخر حياته على أن لا يصومه مفردًا بل يضم إليه يومًا آخر مخالفة لأهل الكتاب في صيامه (قال ابن القيم رحمه الله: فمراتب صومه ثلاثة أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم. وكان طائفة من السلف يصومون يوم عاشوراء في السفر منهم ابن عباس وقالوا: رمضان له عدة من أيام أخر، وعاشوراء يفوت، ومن أعجب ما ورد في عاشوراء أنه كان يصومه الوحش والهوام والنمل، ومن فضائله أنه يوم تاب الله فيه على قوم ويتوب فيه على آخرين كما في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن علي t عن النبي ﷺ وفيه حث على تجديد التوبة النصوح إلى الله تعالى في يوم عاشوراء ورجاء قبول التوبة فمن تاب فيه إلى الله عز وجل من ذنوبه تاب الله عليه([103]).
اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ووفقنا لما تحب وترضى إنك على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
®®®®
# فوائد الصوم([104]) #
قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{([105]) فذكر تعالى للصوم هذه الفائدة العظمى المحتوية على فوائد كثيرة وهي قوله تعالى: }لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ أي ليكون الصيام وسيلة لكم إلى حصول التقوى ولتكونوا بالصيام من المتقين، وذلك أن التقوى اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من فعل المحبوبات لله ورسوله، وترك ما يكرهه الله ورسوله. فالصيام هو الطريق الأعظم لحصول هذه الغاية الجليلة التي توصل العبد إلى السعادة والفلاح، فإن الصائم يتقرب إلى الله بترك ما تشتهيه نفسه من طعام وشراب وتوابعها تقديمًا لمحبة الله على محبة النفس، وكذلك اختصه الله من بين الأعمال فقال: «الصوم لي وأنا أجزي به»([106]).
وبالصيام يزداد الإيمان ويتمرن العبد على الصبر النفسي الدافع لاندفاع النفس البهيمية في شهواتها الضارة. وبالصيام يستعين العبد على كثير من العبادات من صلاة وقراءة وذكر وصدقة، ويردع النفس عن الوقوع في الأمور المحرمة من أقوال وأفعال، وذلك من أصول التقوى.
وبالصيام يعرف العبد نعمة الله عليه في إقداره على ما يتمتع به من مأكل ومشرب ومنكح وتوابعها، فبالامتناع منها في وقت وحصول المشقة بذلك، وإباحته في بقية أوقاته يذوق طعم الجوع والظمأ ويعرف مقدار النعمة ويحنو على إخوانه المعدمين الذين لا يكادون يجدون القوت دائمًا.
وبالصيام يكون العبد صابرًا على الطاعات، وعن المخالفات، وعلى أقدار الله المؤلمة بصبره عن المفطِّرات التي يؤلم النفس تركها، ويكون من الشاكرين لله بمعرفة مقدار نعمة الله عليه بالسعة والغنى، وبنعمته الكبرى بتوفيقه للصيام، فإن نعم الله الدينية أكبر من نعمة الدنيوية، وقد أخبر ﷺ أن الصيام أحد مباني الإسلام الخمسة، وأنه يكفِّر الذنوب المتقدمة كلها، وأن الله يحبه ويرضى عن صاحبه ويعطيه أجرًا عظيمًا، وأن من صام رمضان ثم اتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر، ومن صام من كل شهر ثلاثة أيام فكذلك، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك يعدل صيام الدهر، فضلاً من الله ومنة، ومن تيسير الله للصيام وتسهيله أن الله شرعه في وقت واحد وشهر واحد ليتفق المسلمون كلهم على صيامه وتهون المشقَّة باشتراكهم في الصيام، فإن الاشتراك في العبادة له نفع عظيم وفوائد جسيمة، ولله في العبادات حِكَمَ وأسرار ولطف كبير. وأما منافع الصيام البدنية فقد ذكر الأطباء أنه يحفظ الصحة ويذيب الفضلات المؤذية ويريح القوى ويرد إليها قوتها، وهو من أفضل أنواع الحمية عن تناول ما يؤذي البدن، فهو جامع لمصالح الدين والدنيا والآخرة. والله أعلم.
®®®®
# إرشادات للصائم #
1 - النية عند إرادة الصوم المفروض أو المنذور ركن لا بد منه، وهي فرض في جميع العبادات، وهي التي تفرق العادة من العبادة ومحلها القلب. والمراد بها: أن يستحضر الصائم إرادة الصيام ويعزم عليه في قلبه. ولا عبرة بنطق اللسان، ويعبر عن ذلك السحور والإعداد له، والأحوط أن تكون النية ليلاً، وأن يبيتها ويجددها كل ليلة من رمضان ما لم ينو الفطر لعذر من الأعذار.
2 - إذا رأيت هلال أي شهر فقل: «الله أكبر، اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربنا وربك الله»([107]).
3 - على المسلم أن يحرص على صيام رمضان صومًا مقبولاً، فرمضان إلى رمضان يكفر الله ما بينهما من صغائر الذنوب.
قال ﷺ: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»([108]).
4 - أكثر من الدعاء عند الإفطار فإنه مظنة الإجابة، وقل عند فطرك: «اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي»([109]).
وقل أيضًا: «ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى»([110]).
5 - يحذر الصائم من حشو ألوان الطعام على مائدة الإفطار، فالصيام اقتصاد وعبادة وتأديب وتهذيب، لا إسراف وتبذير، وإشباع رغبات وشهوات، وتنافس في المأكولات والمشروبات.
6 - حسب الصائم أن يأكل ما يسد جوعه، ويشرب ما يروي ظمأه، وأن يقلل من الطعام والشراب بقدر الإمكان، حتى لا يعوض ما فاته بالنهار فيثقل معدته، ويشغله الأكل والشرب عن عبادة ربه ولا سيما صلاة التروايح، فما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه.
7 - لا تصم عن الحلال ثم تفطر على الحرام أو المكروه، أو ما فيه شبهة، سواء أكان ذلك في مصدر الطعام أو الشراب، أم في نفس الطعام أو الشراب، أم كان تعاطيًا كالدخان، أو الحبوب المخدرة أو غير ذلك.
8 - شهر رمضان صيام بالنهار وقيام بالليل، فلا تضيع النهار في النوم الكثير ولا تضيع الليل بالسهر الطويل، وحاول أن تشعر بألم الجوع، وتتذوق حلاوة الإيمان والطاعة بقيام الليل وتلاوة القرآن.
9 - حاول أن تستفيد من ترك التدخين نهار شهر كامل، بأن تخرج من الصيام قوي الإيمان والعزم والإرادة وتُطَلِّقَ التدخين بغير رجعة دفعة واحدة، فمن تركه في النهار يتركه في الليل، ومن تعود ذلك أمكنه أن يتغلب عليه في كل حال، متى صدقت النية وقويت العزيمة.
10- استفد أخي المسلم من المحافظة على صلاة الجماعة في شهر رمضان فواظب عليها بعد ذلك، ولا تنتكس إلى الخلف فتترك صلاة الجماعة بعد شهر الصيام، وإذا واظبت عليها وخصوصًا صلاة الفجر، فستجد لها حلاوة يتذوقها أهل الإيمان الصحيح، نسأل الله تعالى أن يجعلني وإياك وسائر المسلمين منهم.
11 - حاول أن تؤدي علمك في شهر رمضان على أكمل وجه فالصيام جد وحركة ونشاط، لا كسل وخمول وبطالة.
12 - الصيام يُعَلِّم الحلم والصبر والصدق، فلا تغضب على أحد ولا تجزع من أحد، ولا تخلف وعدًا، ولا تؤخر عملاً بسبب الصيام، وإن سابَّكَ أحد أو شاتمك فقل: «إني صائم».
واحفظ جوارحك عن المعاصي والآثام.
13 - لعب الورق واللغو والباطل، وقضاء الليل أمام برامج التلفزيون أو الفيديو غير الأخلاقية لا يتناسب مع المسلم دائمًا لا سيما مع الصيام، وفيه قدوة سيئة للأبناء، وإدمان على المنكرات واستحسانها، وقُرْبٌ من الشيطان وبُعْدٌ عن الرحمن.
* ثانيًا: صلاة التراويح:
1- قيام شهر رمضان، والمراد به صلاة التراويح، يسبب غفران الذنوب المتقدمة، عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»([111]) فاحرص عليها أخي المسلم.
وليس في صلاة التراويح عدد معين، والأمر فيها على التوسعة، فمن أحب أن يصلي عشرين ركعة، أو عشر، أو ثمان، بخلاف الوتر، فكل ذلك جائز، والأفضل ما كان يفعله النبي ﷺ غالبًا، وهو أن يقوم بثماني ركعات يسلم من كل ركعتين، ويوتر بثلاث مع الخشوع والطمأنينة، وترتيل القراءة وطولها.
2 - إذا كان لديك عذرٌ مانعٌ من المواظبة مع الإمام على صلاة التراويح في بعض الليالي أو جزء من ليلة (بصلاة بعضها مع الإمام) فلك أجر ما صليته مع الجماعة، ولا يمنع هذا من أن تصلي ما فاتك منفردًا في أي جزء من الليل، ولكن حاول ألاَّ تنصرف قبل الإمام إلا لعذر كي يكتب لك أجر قيام الليل كله.
3 - في نهاية التراويح يستحب أن يقول المصلي: «سبحان الملك القدوس ثلاثًا، يرفع صوته بالثالثة» ثم يقول: «رب الملائكة والروح».
4 - يجوز لك أخي المسلم أن تصلي العشاء خلف إمام يصلي التراويح على الراجح، فلك أجر الجماعة، ولا عبرة باختلاف النية بين الإمام والمأموم.
5 - والقنوت جائز في صلاة الوتر في جميع السنة (رمضان وغيره) ويجوز القنوت قبل الركوع وبعده، ولا يلزم المواظبة عليه، مع أن بعض الفقهاء يرى أنه في النصف الأخير من رمضان لا في الشهر كله.
6 - وإذا أوتر الإنسان مع الإمام ثم عنَّ له أن يصلي تطوعًا قبل النوم أو بعده، دون أن يوتر مرة أخرى فلا مانع من ذلك لما ثبت أن النبي ﷺ صلى بعد وتره([112]) ركعتين وقد صرف هذا الحديث وغيره الأمر الوارد في الحديث الصحيح: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا»([113]).
* ثالثًا: العشر الأواخر:
تمتاز العشر الأواخر من رمضان بأن فيها ليلة القدر – على الراجح – وفيها مشروعية الاعتكاف في المسجد، وإحياء هذه الليالي على وجه الخصوص بقيام الليل «التهجد» ومزيد من القنوت، وكثرة قراءة القرآن والصدقة.
أ - صلاة التهجد:
كان النبي ﷺ يخص هذه العشر بمزيد من الطاعة، فيشمر فيها عن ساعد الجد، يحيي الليل ويوقظ أهله، وكل كبير وصغير مميز، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، فينبغي أن نروض أنفسنا وأبناءَنا وبناتنا وزوجاتنا على الصلاة في الثلث الأخير من الليل، وأن نبدأ بعشر رمضان من هذا العام بحول الله، ثم اعتياد ذلك في بعض ليالي العام كله، فصلاة الليل هي أفضل صلاة بعد الفريضة، قال تعالى: }وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا{([114]) وهو دأب عباد الرحمن: }وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا{([115]).
ولك أن تَدْعُوَ الله بكل ما فيه خير، مما يستحب من الأدعية المأثورة في الركوع والسجود الطويلين أثناء صلاة التهجد وغيرها، وسأضع بين يديك بعض الأدعية الواردة في ذلك عن رسول الله ﷺ.
من أدعية الركوع الطويل: ما ثبت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ كان إذا ركع يقول: «اللهم لك ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري، ومخي، وعظمي وعصبي» ومن ذلك «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة»([116]).
ومن أدعية السجود الطويل ما ثبت في صحيح مسلم عن على أن رسول الله ﷺ كان إذا سجد قال: «اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين». ومن أدعية السجود الطويل أيضًا ما رواه مسلم: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» ومنه في صحيح مسلم أيضًا عن أبي هريرة: «الله اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله (قليله وكثيره) وأوله وآخره، وعلانيته وسره».
ومما يقال في الركوع والسجود معًا، ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة أن النبي ﷺ كان يقول في ركوعه وسجوده: «سبوح قدوس، رب الملائكة والروح».
وفي سجود التلاوة: يستحب أن تقول بالإضافة إلى ما سبق «اللهم اجعلها لي عندك ذخرًا، واعظم بها أجرًا، وضع عَني بها وزرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من داود عليه السلام» كما يستحب أن تقول أيضًا: «سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً»([117]). وإن قال فيه: «سبحان ربي الأعلى» ثلاثًا أجزأه، والدعاء السابق ليس بشرط فيه.
* ب - الاعتكاف:
والاعتكاف وهو المكث في المسجد بنية التقرب إلى الله تعالى سنة مستحبة في كل وقت ويتأكد ذلك في العشر الأواخر من رمضان، ومن نوى اعتكاف هذه العشر فليدخل معتكفه قبل غروب الشمس «ليلة العشرين» ويبقى في المسجد لا يخرج منه إلا لحاجة لابد منها، ولا يقرب النساء، ويكثر من النوافل، وتلاوة القرآن، وأنواع الذكر «التسبيح والتحميد ….».
ولا يشغل نفسه بما لا يعنيه من قول أو عمل، وله أن يأكل ويشرب وينام في المسجد، ثم يخرج من المسجد بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان، ويستحب له أن يبقى في المسجد حتى يخرج لصلاة العيد.
* جـ - ليلة القدر:
يستحب تحري ليلة القدر، في الوتر من العشر الأواخر من رمضان، ولا سيما ليلة السابع والعشرين منه ويجتهد فيها المسلم بمزيد من الطاعات والقربات، وقيام الليل، فإن ذلك يكون سببًا لغفران الذنوب، قال ﷺ: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»([118]).
وليكثر من هذا الدعاء «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» وإحياء هذه الليلة بالعبادة – إن صادفها المسلم – يضيف إلى رصيده من الحسنات ما يعادل عمرًا آخر «ألف شهر» أي ما يربو على ثمانين عامًا.
* د - العمرة:
ومن أنواع الطاعات في شهر رمضان أداء العمرة، فإن ثواب أدائها في رمضان يعدل ثواب حجة غير مفروضة، ولا تسقط هذه العمرة الحج المفروض، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «عمرة في رمضان تعدل حجة»([119]).
* الزكاة:
زكاة المال والتجارة والأنعام، تؤدى حين يحول عليها الحول، وزكاة الزروع والثمار تؤدى وقت حصادها. ومثلهما في عدم اشتراط مُضي الحول المعدن والركاز، ولا علاقة لإخراج هذه الزكاة التي هي أحد أركان الإسلام بشهر رمضان إلا أن يوافقه الحول، أو يريد المسلم أن يعجل إخراج الزكاة فيه طلبًا لزيادة الأجر، وإنما يجب إخراج الزكاة متى حال عليها الحول في أي وقت من العام.
أما صدقة التطوع فمجالها واسع، وبابها مفتوح في كل وقت ولا سيما في شهر رمضان، ولا بد لك أخي المسلم أن تطهر مالك من الربا أولاً قبل التفكير في إخراج الزكاة فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، فلا تتعامل مع البنوك الربوية، وإن وضعت مالك في البنك ولم تأخذ الفائدة فإنك تزيد من السيولة الربوية، وتتعاون معها وتقويها، وتفيدها، بمجرد إيداعك للمال عندهم، والأمر أخطر إذا كنت تساهم في تأسيس بنك ربوي، حتى ولو مجرد شراء للأسهم ثم بيعها بغية الربح، وفي الحلال ما يغني عن الحرام، كما أنه لا بد من تطهير المال من الحرام بشتى أنواعه بأن لا يؤول إلى المسلم ريال واحد عن طريق غير مشروع، كالرشوة أو الظلم أو الهدية بسبب المركز الوظيفي، أو التحايل على الكسب غير المشروع.
* زكاة الفطر:
أما زكاة الفطر فهي الخاصة بشهر رمضان، وهي واجبة على الصغير والكبير، من صام ومن لم يصم من المسلمين، كما يجب إخراجها عن من يعولهم الإنسان من المسلمين كالسائق والخادمة، فضلاً عن والديه وذريته وزوجته، ويسن إخراجها عن الجنين في بطن أمه، والأفضل أن يُمَلَّك الفقيرُ الزكاة ويعطى عن كل فرد «صاع» من البر والأرز، وهو يساوي 2.5 كيلو.
وتجب على من ملك قوت يوم العيد وليلته، فالفقير الذي يملك قوت يومه وليلته يأخذ الزكاة من غيره ويدفعها عن نفسه وعمن يعول([120]).
®®®®
# بيان مسائل يحتاج إليها الصائم #
الحمد لله رب العالمين، أمرنا باتباع رسوله ومعرفة الحق بدليله، والصلاة والسلام على خير خلقه وخاتم رسله، نبينا محمد وآله وصحبه وكل من اتبعه إلى يوم الدين... وبعد:
نواصل الكلام في بيان المسائل التي قد تشكل على بعض الصائمين، ومنها:
* المسألة الأولى:
إن بعض النساء تسأل عن حكم تناول حبوب منع الحيض لتتمكن من الصيام في رمضان والصلاة فيه.
والجواب: أنه إذا كانت هذه الحبوب لا تضرها في صحتها فلا بأس بتناولها للقصد المذكور، وإذا امتنع عنها الدم بسببها وصامت فصيامها صحيح إن شاء الله.
* المسألة الثانية:
من احتلم في أثناء النهار وحصل منه إنزال فماذا عليه؟
الجواب: صيامه صحيح لا يؤثر عليه احتلامه لأنه بغير اختياره ولا يجب عليه إلا الاغتسال من الجنابة.
* المسألة الثالثة:
إذا نوى حاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فهل له أن يفطر في ذلك اليوم؟
الجواب: له الفطر على الصحيح ولا يلزمه إتمام ذلك اليوم في السفر، وقال الإمام العلامة ابن القيم: جاءت الآثار عن الصحابة في الفطر لمن أنشأ السفر في أثناء يوم وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي.. انتهى.
وذلك لظاهر قوله تعالى: }فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ{ وقد ثبت في السنن أن من الصحابة من كان يفطر إذا خرج من يومه، ويذكر أن ذلك سنة رسول الله ﷺ وقد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه نوى الصوم في السفر ثم إنه دعا بماء فأفطر والناس ينظرون إليه. ولكن من نوى سفرًا طارئًا في أثناء اليوم لا يجوز له الإفطار إلا إذا فارق بنيان بلده وخرج منه نهائيًا، فحينئذٍ يباح له الإفطار كما ذكرنا. والأفضل له أن يتم ذلك اليوم خروجًا من خلاف من لم يبح له الفطر.
* المسألة الرابعة:
من صام يومًا قضاءً فهل يجوز له قطعه؟
الجواب: يلزمه إتمام ذلك اليوم ولا يجوز له قطعه بلا عذر يبيح له الفطر، لأنه لما دخل فيه لزمه إتمامه، وكذلك كل واجب موسع إذا دخل فيه لزمه إتمامه، قال المجد وغيره: لا نعلم في ذلك خلافًا.
* المسألة الخامسة:
إذا صام الإنسان نفلاً فهل يجوز له قطعه؟
الجواب: إذا صام الإنسان نفلاً جاز له قطعه ولا يلزمه إتمامه لقول عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله أهدي لنا حيس فقال ﷺ: «أرنيه فلقد أصبحت صائمًا» فأكل رواه مسلم وغيره، والحيس: تمر مخلوط بسمن وأقط، وزاد النسائي بسند جيد: «إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها». لكن الأفضل أن يتم صوم التطوع خروجًا من الخلاف.
* المسألة السادسة:
إذا قطع صوم النفل فهل يلزمه قضاؤه؟
الجواب: إذا صام نفلاً ثم أفسده بفعل شيء من مبطلات الصيام السابقة لم يلزمه قضاؤه لأن القضاء يتبع المقضي، وإذا لم يكن المقضي واجبًا لم يكن القضاء واجبًا، لكن يستحب له قضاؤه كما روى أحمد.. عن أم هانئ أن النبي ﷺ قال لها: «إن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي» - والله أعلم([121]).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
®®®®
# مراجع الرسالة #
1. رسائل رمضانية، إعداد الشئون الدينية بالأمن العام في المملكة العربية السعودية.
2. رسالة في الصيام والزكاة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
3. إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم.
4. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية.
5. الاختيارات الفقهية لابن تيمية.
6. الإرشاد إلى معرفة الأحكام لابن سعدي.
7. المجموعة الجليلة للشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك.
8. نبذ في الصيام للشيخ محمد الصالح العثيمين.
9. إتحاف أهل الإيمان بدروس شهر رمضان للشيخ الدكتور صالح الفوزان.
10. الصوم فقهه وأسراره لمحيي الدين مِستو.
11. رسالة رمضان للمؤلف.
12. مجلة الدعوة السعودية.
13. مجلة الجندي المسلم.
®®®®
خلاصة الكلام في أحكام الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم
# أحكام الصيام #
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد فهذه خلاصة أحكام الصيام وشروطه وواجباته وسننه ومستحباته وبيان ما يفطر الصائم وما لا يفطره مع ذكر فوائد مهمة جعلناها مختصرة ومحصورة بالأرقام ليسهل حفظها وفهمها وهي مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ وكلام العلماء المحققين وأدلتها مشهورة في الكتاب والسنة تركنا ذكرها اختصارًا وأسأل الله تعالى أن ينفع بها كاتبها وقارئها، وسامعها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
1 - الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب والنكاح تقربًا إلى الله تعالى.
2 - وقته: من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
3 - حكم صوم رمضان واجب وهو الركن الرابع من أركان الإسلام.
4 - يجب صيام رمضان على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصوم.
5 - شروط وجوبه أربعة وهي:
أ - الإسلام: فلا يجب على كافر حتى يسلم.
ب - والعقل: فلا يجب على مجنون حتى يعقل.
جـ - والبلوغ: فلا يجب على صغير حتى يبلغ، لكن يؤمر به الصغير إذا أطاقه ليعتاده.
د - والقدرة على الصوم: فلا يجب على العاجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى شفاؤه ويطعم عن كل يوم مسكينًا.
6 - شروط صحة الصوم ستة وهى:
أ - الإسلام: فلا يصح من كافر حتى يسلم.
ب - والعقل: فلا يصح من مجنون حتى يعقل.
جـ - والتمييز: فلا يصح من الصغير حتى يميز.
د - وانقطاع دم الحيض: فلا يصح من الحائض حتى ينقطع دمها.
هـ - وانقطاع دم النفاس: فلا يصح من النفساء حتى تطهر.
و- والنية من الليل لكل يوم في الصوم الواجب فلا يصح بغير نية ومحلها القلب([122]).
7 - وسنن الصوم ستة وهي:
أ - تأخير السحور إلى آخر جزء من الليل ما لم يخش طلوع الفجر.
ب – وتعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس.
ج – والزيادة في أعمال الخير وفي مقدمة ذلك المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة وأداء زكاة الأموال إلى مستحقيها ثم الإكثار من نوافل الصلاة والصدقة وتلاوة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار.
د – وأن يقول إذا شتم إني صائم فلا يسب من سبه بل يقابل ذلك بالإحسان ليفوز بالأجر ويسلم من الإثم.
هـ - وأن يدعو عند فطره بما أحب ومن ذلك: أن يقول: «اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل مني إنك أنت السميع العليم».
و – وأن يفطر على رطب فإن عدمه فعلى تمر فإن عدمه فعلى ماء.
8 – أحكام المفطرين في رمضان:
يباح الفطر في رمضان لأربعة أقسام من الناس وهم:
أ - المريض الذي يتضرر به والمسافر الذي له القصر:
فالفطر لهما أفضل وعليهما القضاء وإن صاما أجزأهما.
ب – الحائض والنفساء تفطران وتقضيان وإن صامتا لم يجزءهما.
ج – الحامل والمرضع: إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينًا وإن صامتا أجزأهما وإن خافتا على نفسيهما أفطرتا وقضتا فقط.
د – العاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى شفاؤه فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا مد من بر أو نصف صاع من غيره([123]).
9 – مفسدات الصوم:
أ - الجماع في الفرج في نهار رمضان محرم وعلى من جامع القضاء والكفارة المغلظة وهي عتق فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.
ب- الأكل والشرب عمدًا فإن كان ناسيًا لم يفسد صومه.
ج – حقن الإبر المغذية وحقن الدم في الصائم بسبب النزيف مثلاً، فأما الإبر التي لا تعذي فقد اختلف العلماء فيها والأولى عدم ضربها إلا لضرورة حتى يفطر، خروجًا من الخلاف.
د – إنزال المني في اليقظة باستمناء أو مباشرة أو تقبيل ونحو ذلك باختياره، وأما الإنزال بالاحِتلام فلا يفطر لأنه بغير اختياره.
هـ- خروج دم الحيض والنفاس فمتى رأت المرأة الحيض أو النفاس فسد صومها.
و – التقيؤ عمدًا وهو إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم فإن خرج من غير قصد لم يفطر.
ز – الردة عن الإسلام أعاذنا الله والمسلمين منها.
* ملاحظات:
1 - يشترط للفطر بالمفطرات السابقة أن يكون عالمًا ذاكرًا مختارًا فإن كان جاهلاً أو ناسيًا أو مكرهًا لم يفسد صومه.
2 - كل ما لا يمكن الاحتراز منه كغبار الطريق والرعاف والنزيف والاحتلام وغلبة القيء ونحو ذلك فإنه لا يفطر.
3 - يجب الفطر على من احتاجه لإنقاذ معصوم من هلكة كغرق ونحوه.
4 - كل من أفسد صومه بشيء مما ذكر فعليه القضاء بعدة ما أفطر مع التوبة إلى الله والاستغفار من ذلك.
®®®®
# الصوم المستحب #
1 - صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يكمل بها أجر صيام الدهر.
2 - صوم الاثنين والخميس لأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله.
3 - صيام ثلاثة أيام من كل شهر يكتب بها أجر صيام الدهر لأن الحسنة بعشرة أمثالها. والأولى أن تكون الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
4 - صيام التسع الأول من ذي الحجة وآكدها التاسع وهو يوم عرفة لغير الحاج.
5 - صيام شهر محرم وآكده التاسع والعاشر.
# الصوم المنهي عنه #
1 - صوم يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان.
2 – صوم يومي العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى.
3 - صيام أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة لغير الحاج المتمتع أو القارن إذا لم يجد الهدي.
4 - تخصيص يوم الجمعة بالصوم.
5 - صوم المرأة تطوعًا بغير إذن زوجها.
# فوائــد #
1 - يجب على الصائم أن يصوم رمضان إيمانًا واحتسابًا لا لشيء آخر.
2 - قد يعرض للصائم جراح أو رعاف أو قيء أو ذهاب الماء أو البنزين إلى حلقه بغير اختياره فكل هذه الأمور لا تفسد الصوم بغير قصد.
3 - يجوز للصائم أن ينوي الصيام وهو جنب ثم يغتسل بعد طلوع الفجر وكذلك المرأة الحائض والنفساء إذا طهرت قبل طلوع الفجر.
4 - إذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين يومًا اغتسلت وصلت وصامت.
5 - يجوز للصائم أن يتسوك في أول النهار وآخره وهو سنة في حقه كالمفطرين.
6 - يجب على الصائم وغيره المحافظة على الواجبات وترك المحرمات وامتثال الأوامر واجتناب النواهي ليكون من المقبولين الفائزين.
7 - ينبغي أن تستغل أوقات رمضان بالأعمال الصالحة من صلاة وصدقة وقراءة قرآن وذكر الله ودعاء، واستغفار فهو مزرعة للعباد لتطهير قلوبهم من الفساد.
8 - يجب على الصائم وغيره حفظ جوارحه عن الآثام من الكلام المحرم والنظر المحرم والاستماع المحرم والأكل والشرب المحرم وتناول المحرم والمشي إليه ليزكو الصوم ويقبل ويستحق الصائم المغفرة والعتق من النار.
9 - ليس لمن أبيح له الفطر في رمضان كالمريض والمسافر أن يصوم فيه عن غيره.
10- لو سافر ليفطر حرم عليه السفر والفطر حينئذ ووجب عليه الصيام.
11- لو أراد أن يأكل أو يشرب من وجب عليه الصيام في نهار رمضان ناسيًا أو جاهلاً وجب على من رآه إعلامه وتذكيره لأن ذلك من باب التعاون على البر والتقوى.
12 – لا يفسد صوم من طار إلى حلقه ذباب – وغبار – ودخان بغير قصد لعدم إمكان التحرز منه.
13- من أكل شاكًا في طلوع الفجر صح صومه لأن الأصل بقاء الليل، ومن أكل شاكًا في غروب الشمس لم يصح صومه لأن الأصل بقاء النهار.
14- يستحب الجود في رمضان وتلاوة القرآن اقتداء بالنبي واحتسابًا للأجر.
15- من أسباب المغفرة في رمضان صيامه وقيامه وقيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا وقراءة القرآن والذكر والدعاء والاستغفار والتوبة إلى الله تعالى وتفطير الصوام والصدقة.
16 – أفضل الصدقة صدقة في رمضان.
17 – يستحب التتابع في قضاء رمضان ولا يجب وتستحب المبادرة بذلك.
18- يجوز أن يقضي أيامًا قصيرة باردة عن أيام طويلة حارة وبالعكس.
19- الصوم لمن أبيح له الفطر أفضل ما لم يشق عليه لقوله تعالى: }وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ{ [البقرة: 184].
20- الصوم مدرسة روحية لتهذيب النفس وتعويدها على الصبر.
21- من خصائص العشر الأواخر من رمضان استحباب ما يلى:
أ – إحياء الليل بالصلاة والعبادة.
ب- إيقاظ الأهل للصلاة.
ج – اعتزال النساء والتشمير في العبادة.
د – الاغتسال بين العشائين – المغرب والعشاء.
هـ- الاعتكاف وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى.
22- الصوم مستشفى لكثير من الأمراض وفي الحديث «صوموا تصحوا» رواه ابن السني وأبو نعيم وحسنه السيوطي([124]).
23- يستحب التكبير ليلة عيد الفطر إلى صلاة العيد وإظهاره في المساجد والبيوت والأسواق لقول الله تعالى: }وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{([125]) وصفته (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد).
®®®®
# خصائص شهر رمضان #
1 - صوم رمضان إيمانًا واحتسابًا الذي هو الركن الرابع من أركان الإسلام.
2 - قيام رمضان إيمانًا واحتسابًا بصلاة التراويح والتهجد في العشر الأواخر منه.
3 - إنزال القرآن فيه: }هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ{ [البقرة: 185].
4 - فيه ليلة القدر التي هي خير من الف شهر وهي ثلاثة وثمانون سنة وأربعة أشهر.
5 - في رمضان كانت غزوة بدر الكبرى التي فرق الله في صبيحتها بين الحق والباطل فانتصر الإسلام واهله وانهزم الشرك وأهله.
6 - في رمضان كان فتح مكة ونصر الله رسوله حيث دخل الناس في دين الله أفواجاص.
7 - وفي رمضان تفتح أبواب الجنة والرحمة، وتغلق أبواب النار وتغل فيه الشياطين.
8 - خلوف (رائحة) فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
9 – تستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا.
10 – ورد في الحديث أن النافلة في رمضان تعدل فريضة والفريضة تعدل سبعين فريضة فيما سواه [رواه ابن خزيمة والبيهقي وغيرهما].
11 - في رمضان تنزل الرحمة وتحط الخطايا ويستجاب الدعاء.
12 - وهو شهر (أوله) رحمه وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار.
13 - وهو شهر الصبر. والصبر ثوابه الجنة.
14 - يغفر للصائمين في آخر ليلة من رمضان وذلك أن العامل يوفي أجره إذا قضي عمله.
وكم في رمضان من البركات والخيرات فيجب أن نغتنم هذه الفرصة لنتوب إلى الله تعالى ونعمل صالحًا عسى أن نكون من المقبولين الفائزين.
®®®®
# توجيهـات #
* أخي المسلم:
1 - صم رمضان إيمانًا واحتسابًا لله تعالى ليغفر لك ما مضى من ذنوبك.
2 - احذر أن تفطر يومًا من رمضان لغير عذر فإنه من كبائر الذنوب.
3 - قم ليالي رمضان لصلاة التراويح والتهجد ولا سيما ليلة القدر منه إيمانًا واحتسابًا ليغفر لك ما تقدم من ذنبك.
4 - ليكن طعامك وشرابك ولباسك حلالاً لتقبل أعمالك ويستجاب دعاؤك. واحذر أن تصوم عن الحلال ثم تفطر على الحرام.
5 - فطر عندك بعض الصائمين لتنال مثل أجرهم.
6 - حافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة لتنل ثوابها ويحفظك الله بها.
7 - أكثر من الصدقة فإن أفضل الصدقة صدقة في رمضان.
8 - احذر أن تضيع أوقاتك بدون عمل صالح فإنك مسؤول عنها ومحاسب عليها ومجزي على ما عملت فيها.
9 - اعتمر في رمضان فإن العمرة في رمضان تعدل حجة.
10 – استعن على صيام النهار بالسحور في آخر جزء من الليل ما لم تخش طلوع الفجر.
11- عجل الفطر بعد تحقق غروب الشمس لتنال محبة الله لك.
12- اغتسل من الجنابة قبل الفجر لتؤدي العبادة بطهارة ونظافة.
13 – انتهز فرصة وجودك في رمضان واشغله بخير ما أنزل فيه وهو تلاوة القرآن الكريم بتدبر وتفكر ليكون حجة لك عند ربك وشفيعًا لك يوم القيامة.
14 - احفظ لسانك عن الكذب واللعن والغيبة والنميمة فإنها تنقص أجر الصيام.
15 - لا يخرجك الصيام عن حدك فتغضب لأتفه الأسباب بحجة أنك صائم بل ينبغي أن يكون الصيام سببًا في سكينة نفسك وطمأنينتها.
16 - اخرج من صيامك بتقوى الله تعالى ومراقبته في السر والعلانية وشكر نعمه والاستقامة على طاعته بفعل جميع الأوامر وترك جميع النواهي.
17 – أكثر من الذكر والاستغفار وسؤال الجنة والنجاة من النار في رمضان وغيره ولا سيما إذا كنت صائمًا وعند الفطر وعند السحور فإنها من أهم أسباب المغفرة.
18 - أكثر من الدعاء لنفسك ولوالديك وأولادك وللمسلمين فقد أمر الله بالدعاء وتكفل بالإجابة.
19 – تب إلى الله تعالى توبةً نصوحًا في جميع الأوقات بترك المعاصي والندم على ما سلف منها والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل فإن الله يتوب على من تاب.
20- صم ستًا من شوال فمن صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال فكأنما صام الدهر كله([126]).
21- صم يوم عرفة التاسع من ذي الحجة لتفوز بتكفير ذنوب السنة الماضية والسنة الآتية([127]).
22- صم يوم عاشوراء العاشر من شهر محرم مع التاسع لتفوز بتكفير ذنوب سنة([128]).
23- استمر على الإيمان والتقوى والعمل الصالح بعد رمضان حتى تموت }وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ{([129]).
24- لتظهر عليك آثار العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج بالتوبة النصوح وترك العادات المخالفة للشرع.
25- أكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
اللهم اجعلنا وجميع المسلمين ممن صام رمضان وقامه إيمانًا واحتسابًا فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
اللهم اجعلنا ممن صام الشهر واستكمل الأجر وأدرك ليلة القدر وفاز بجائزة الرب تبارك وتعالى.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
# زكاة الفطر #
1 - هي زكاة البدن والنفس الواجبة بسبب الفطر من صوم رمضان.
2 - تجب على كل مسلم عن نفسه وعمن تلزمه نفقته.
3 - مقدارها صاع من غالب قوت البلد إذا كان فاضلاً عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته.
4 - مقدار الصاع النبوي أربعة أمداد والمد ملء الكفين المتوسطين، ومقداره بالكيلو كيلوان ونصف تقريبًا.
5 - إذا لم يجد إلا بعض صاع أخرجه }فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ{([130]).
6 - والأفضل فيها الأنفع للفقراء.
7 - ويستحب إخراجها عن الحمل ولا تجب عليه.
8 - ووقت إخراجها يوم العيد قبل الصلاة ويجوز قبله بيوم أو يومين ولا يجوز تأخيرها بعد صلاة العيد لغير عذر شرعي فيقضيها بعد ذلك.
9 - مكان إخراجها البلد الذي أنت مقيم فيه وقت الإخراج.
10 - ولا يجوز فيها إخراج القيمة لأنه بخلاف السنة إلا إذا لم يجد طعامًا أو لم يجد من يقبله فله حينئذ إخراج قيمة صاع لكل فرد.
11 - وتجب بغروب الشمس ليلة عيد الفطر فمن أسلم بعده أو تزوج زوجة أو ولد له ولد لم تلزمه فطرته ومن حصلت له هذه الأشياء قبل الغروب لزمته فطرتهم.
12 - ويجوز أن يعطي الجماعة فطرهم لواحد وأن يعطي الواحد فطرته لجماعة.
13 - ومصرفها مصرف الزكاة والأولى بها الفقراء والمساكين والمديونين.
14 - والواجب أن تصل إلى مستحقها أو وكيله في وقتها.
15 - وحكمتها أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين وإغناء لهم عن السؤال يوم العيد، وفيها شكر لله على التوفيق لإكمال الصيام.
والحمد لله رب العالمين وصلوات الله وسلامه على خير خلقه وأنبيائه نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
®®®®
أحكام الزكـاة
· تعريف الزكاة.
· حُكم الزكاة في الشّريعة الإسلامية.
· حُكم مانع الزكاة.
· فوائد الزكاة والصدقة.
· الأموال التي تجب فيها الزكاة.
· مصارف الزكاة.
بسم الله الرحمن الرحيم
# مقدمة #
الحمد لله الذي فرض الزكاة في أموال الأغنياء ليزكي بها نفوسهم وأموالهم وليطهرهم بها من رذيلة البخل والشح ولينمي بها أموالهم وليواسوا بها فقراءهم فتسود فيما بينهم المحبة والمودة والتكافل الاجتماعي والتضامن الإسلامي ليكونوا كالجسد الواحد والبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا؛ وجعلها أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام التي لا يقوم إلا عليها، ولا يستقيم إلا بها فهي قرينة الزكاة في كتاب الله كما قال تعالى: }وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ{ في عدة آيات من القرآن الكريم كما وردت نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة المطهرة في فضل أداء الزكاة وحسن عاقبتها في العاجل والآجل. كما ورد الوعيد الشديد على من منعها أو بخسها أو بخل بها.
ولما في أداء الزكاة من فوائد وفي منعها من مضار جمعت هذه الرسالة وقد اشتملت على تعريف الزكاة لغة وشرعًا وحكم الزكاة في الشريعة الإسلامية مع ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وبيان الحكم والأسرار في مشروعيتها وحكم مانعها وبيان فوائد الصدقة والزكاة بالنسبة للمعطي والمعطى والمال الذي أخرجت منه بحلول البركة فيه وبيان الأموال التي تجب فيها الزكاة وبيان مصارفها وذكرت المراجع والفهرس في آخرها ونسبت كل قول إلى قائله وهي مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ وكلام المحققين من أهل العلم.
أسأل الله تعالى أن ينفع بها من كتبها أو طبعها أو قرأها أوسمعها فعمل بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
®®®®
# تعريف الزكاة #
الزكاة لغة من الزكاء وهو: النماء والزيادة يقال: زكا الزرع إذا نما وزاد. قال الراغب: أصل الزكاة: النمو الحاصل عن بركة الله تعالى([131]).
وقال ابن الأثير في النهاية: وأصل الزكاة في اللغة: الطهارة والنماء والبركة والمدح فالزكاة طهرة للأموال وزكاة الفطر طهرة للأبدان([132]).
قال تعالى: }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا{ [سورة الشمس آية: 9]. أي طهر نفسه من الذنوب.
ومن استعمال الزكاة في المدح قوله تعالى: }فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ{ [سورة النجم آية: 32] أي: فلا تمدحوها على سبيل الفخر والإعجاب ومن استعمال الزكاة في الصلاح قوله تعالى: }فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً{ [سورة الكهف آية: 81]. أي صلاحًا وتقى.
وسُمي المال المخرج زكاة لأنه يزيد فى المخرج منه ويقيه الآفات. وأصل التسمية قوله تعالى: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا{ [سورة التوبة آية: 103].
وقيل: سميت بذلك لأنها تطهر مؤديها من الإثم وتنمي أجره، وقال الأزهري: إنما تنمي الفقراء([133]).
وكل ذلك صحيح في معنى التسمية فهي تزكي وتنمي المعطي والمعطى والمال الذي أخرجت منه.
والزكاة شرعًا: حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص([134]).
شرح التعريف «حق واجب» مقدر في أبواب الزكاة «في مال مخصوص» وهو سائمة بهيمة الأنعام والخارج من الأرض والأثمان وعروض التجارة. «لطائفة مخصوصة» وهم الأصناف الثمانية المشار إليهم بقوله تعالى: }إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{ [سورة التوبة آية: 60].
«في وقت مخصوص» وهو تمام الحول في الماشية والأثمان وعروض التجارة وعند اشتداد الحب في الحبوب وعند بدو صلاح الثمرة التي تجب فيها الزكاة([135]).
®®®®
# حُكم الزكاة في الشريعة الإسلامية #
الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة وفرض من فروضه فهي الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه التي لا يقوم إلا عليها ودليل فرضيتها كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ وإجماع الأمة المحمدية.
فمن أدلة الكتاب العزيز:
1 - قول الله تعالى: }وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ{ [سورة البقرة آية: 43].
2 - قوله تعالى: }وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{ [سورة البقرة آية: 110].
3 - قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ{ [سورة البقرة آية: 267].
4 - قوله تعالى: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا{ [سورة التوبة آية: 103].
5 - قوله تعالى: }وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{ [سورة النور آية: 56].
6 - قوله تعالى: }وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ{ [سورة المعارج آية: 24 – 25] والحق المعلوم هو الزكاة.
7 - قوله تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ{ [سورة البينة آية: 5].
فدلت هذه الآيات الكريمات على وجوب الزكاة للأمر بها والأمر للوجوب. وقد قرنت الزكاة بالصلاة في آيات كثيرة من القرآن مما يدل على أهميتها وعظيم شأنها.
ومن أدلة السنة على وجوب الزكاة:
1 - عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان» رواه البخاري ومسلم([136]) واللفظ للبخاري ولفظ مسلم «وصيام رمضان والحج» بتقديم الصيام على الحج، وقال: هكذا سمعته من النبي ﷺ وهذه الرواية أنسب للترتيب لأن فرض الصوم متقدم على فرض الحج.
2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ بعث معاذًا t إلى اليمن فقال: «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» رواه البخاري ومسلم([137]) وفي رواية للبخاري: «فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم»([138]) وهي مبينة للمراد من الصدقة المفروضة في الرواية الأولى أنها الزكاة وقد أفاد الحديثان وجوب الزكاة وفرضيتها وأنها ركن من أركان الإسلام وخص الفقراء بالذكر في حديث ابن عباس من بين بقية الأصناف الثمانية لمقابلة الفقراء بالأغنياء ولأن الفقراء هم الأغلب وحقهم في الزكاة آكد من بقية الأصناف([139]). وأجمع المسلمون على وجوب الزكاة وأنها أحد أركان الإسلام وفريضة من فرائضه.. واتفق الصحابة رضي الله عنهم في عهد أبي بكر على قتال مانعيها([140]).
®®®®
# الحكمة في مشروعية الزكاة #
الزكاة يؤديها المستلم امتثالاً لأمر الله وطلبًا لمرضاته ورغبة في ثوابه وخوفًا من عقابه ومواساة لإخوانه المحتاجين من الفقراء والمساكين ونحوهم، فأداؤها من باب إعانة الضعيف وإغاثة اللهيف وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عليه من التوحيد والعبادات
والزكاة تطهر نفس المؤدي من أنجاس الذنوب وتزكي أخلاقه بتخلق الجود والكرم وترك الشح إذ أن النفوس مجبولة على محبة المال وإمساكه فتتعود السماحة وترتاض لأداء الأمانات وإيصال الحقوق إلى مستحقيها وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا{ [التوبة آية: 103].
وقد أنعم الله على الأغنياء وفضلهم بصنوف النعم وبالأموال الفاضلة عن الحوائج الأصلية وخصهم بها فيتمتعون ويتنعمون بلذيذ العيش فأداء الزكاة من باب شكر نعمة المال فكان فرضًا([141]) فالزكاة طهارة لنفس الغني من الشح البغيض، تلك الآفة النفسية الخطرة التي قد تدفع من اتصف بها إلى الدم فيسفكه أو العرض فيبذله أو الوطن فيبيعه ولن يفلح فرد أو مجتمع سيطر عليه الشح. قال تعالى: }وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ [سورة الحشر آية: 9] و[سورة التغابن آية 16].
وقال ﷺ: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» رواه مسلم([142]).
والزكاة في الجانب الآخر طهارة لنفس الفقير من الحسد والحقد على ذلك الغني الكانز لمال الله عن عباد الله الذي }جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ{ [سورة الهمزة آية: 2 – 3]. ومن شأن الإحسان أن يستميل قلب الإنسان وقد جبلت القلوب على محبة من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
والزكاة طهارة للمجتمع كله أغنيائه وفقرائه من عوامل الهدم والتفرقة والصراع والفتن ثم هي طهارة للمال فإن تعلق حق الفقير بالمال جعله ملوثًا لا يطهر إلا بإخراجه منه. ثم هي نماء لشخصية الغني وكيانه المعنوي فإن الإنسان الذي يسدي الخير ويصنع المعروف ويبذل من ذات نفسه ويده لينهض بإخوانه في الدين والإنسانية وليقوم بحق الله عليه يشعر بامتداد في نفسه وانشراحٍ واتساعٍ في صدره ويحس بما يحس به من انتصر في معركة وهو فعلاً قد انتصر على نفسه. عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: ضرب رسول الله ﷺ مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما هّم بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها. قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول ﷺ يقول بإصبعه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع([143]). رواه البخاري ومسلم([144]).
والزكاة أيضًا نماء لشخصية الفقير حيث يحس أنه ليس ضائعًا في المجتمع ولا متروكًا لضعفه وفقره حتى يوديا به ويعجلا بهلاكه، كلا إن مجتمعه المسلم ليعمل على إقالة عثرته وحمل أثقاله عند فيمد له يد المعونة بكل ما يستطيع([145]).
والزكاة بعد ذلك نماء للمال وبركة فيه فإن هذا الجزء القليل الذي يدفعه يعود عليه أضعافه في الدنيا بالبركة والخلف العاجل وفي الآخرة بالثواب العظيم قال الله تعالى: }وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{ [سورة سبأ الآية: 39]. وعن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: «قال الله تعالى: يا ابن آدم أنفق أنفق عليك». رواه البخاري ومسلم([146]). والجزاء من جنس العمل.. وعنه أن رسول الله ﷺ قال: «ما نقصت صدقة من مال» رواه مسلم([147]). وعنه t أن النبي ﷺ قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر: الله أعط ممسكًا تلفًا» رواه البخاري ومسلم([148]).
ودعاء الملائكة مستجاب وقال ﷺ: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله بتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل» رواه البخاري ومسلم([149]).
والزكاة بعد ذلك وسيلة من وسائل الضمان الاجتماعي الذي جاء به الإسلام فإن الإسلام يأبى أن يوجد في مجتمعه من لا يجد القوت الذي يكفيه، والثوب الذي يزينه ويستره ويواريه والمسكن الذي يؤويه فهذه ضروريات وحقوق يجب أن تتوفر لكل من يعيش في ظل الإسلام والمسلم مطالب بأن يحقق هذه الضرورات من جهده وكسبه فإن لم يستطع فالمجتمع المسلم يكفله ويضمنه ولا يدعه فريسة الجوع والعري والمسكنة هكذا علم الإسلام المسلمين في أن يكونوا كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا. عن أبي موسى t قال: قال رسول الله ﷺ: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبك بين أصابعه – وعن النعمان بن بشير t قال: قال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». رواهما البخاري ومسلم([150]).
والزكاة مورد أساسي لهذه الكفالة الاجتماعية المعيشية التي فرضها الإسلام للعاجزين والمحرومين([151]).
فللزكاة حكم كثيرة وآثار واضحة في المال والفرد المزكي والمجتمع الإسلامي. أما في المال فإنها تطهره وتزيده بركة وتحفظه من الآفات ويمنع الله عنه أسباب التلف والضياع بسببها([152]). وفي الحديث «ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة» رواه الطبراني في الأوسط([153]).
وأما بالنسبة للفرد فإن الله يغفر ذنبه ويرفع درجاته ويضاعف حسناته ويشفيه من أمراض البخل والشح والطمع والأنانية والاستئثار. قال ﷺ: «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفيء الماء النار» رواه الترمذي من حديث معاذ بن جبل وقال: حديث حسن صحيح([154]). وأما بالنسبة للمجتمع فإن الزكاة تعالج جانبًا خطيرًا منه خصوصًا إذا عرفنا مصارف الزكاة وأدركنا أن الله تعالى سد بهذه الزكاة جوانب عديدة في المجتمع الإسلامي، فالفقراء والمساكين الذين لا يجدون ما يسد حاجتهم واليتيم الذي لا مال له ولا أهل ينفقون عليه والمديون الذي أعضلته الديون ولا سداد عنده والمسافر المنقطع الذي ليس معه ما يوصله إلى بلده، كل هؤلاء ينظرون إلى أموال الأغنياء بنفوس حاقدة إذا لم يعطهم الأغنياء حقهم، أما حين توزع الزكاة على مستحقيها ويستغني الفقير والمسكين والمحروم وذو الحاجة فإن هؤلاء تصعد إلى الله دعواتهم من أجل هؤلاء الأغنياء الكرماء وقد قنعت نفوسهم ورضيت وطهرت قلوبهم من الحقد والحسد وصاروا عونًا للمجتمع الذي يرعاهم ويكفلهم([155]) وقد قال الله تعالى: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ [سورة التوبة آية: 103]. وقوله تعالى: }وَصَلِّ عَلَيْهِمْ{ أي ادع لهم، وقد امتثل ﷺ هذا الأمر فكان يدعو لمن أتاه بالصدقة. عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان النبي ﷺ إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهم صل على آل فلان» فأتاه أبي بصدقته فقال: «اللهم صل على آل أبي أوفى» رواه البخاري ومسلم([156]).
ومن هنا استحب الدعاء عند دفع الزكاة من الآخذ والمعطي فيقول دافعها: اللهم اجعلها مغنمًا ولا تجعلها مغرمًا ويحمد الله على التوفيق لأدائها لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا: اللهم اجعلها مغنمًا ولا تجعلها مغرمًا» أخرجه ابن ماجه. ويقول آخذها: آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت وجعله لك طهورًا، لما تقدم من الآية والحديث([157]).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في (زاد المعاد): كان هديه ﷺ في الزكاة أكمل هدي في وقتها وقدرها ونصابها ومن تجب عليه ومصرفها، قد راعى فيها مصلحة أرباب الأموال ومصلحة المساكين وجعلها الله سبحانه وتعالى طهرة للمال ولصاحبه وقيد النعمة بها على الأغنياء فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاته بل يحفظه الله عليه وينميه له ويدفع عنه بها الآفات ويجعلها سورًا عليه وحصنًا له وحارسًا له فاقتضت حكمته أن جعل في الأموال قدرًا يحتمل المواساة ولا يجحف بها ويكفي المساكين ولا يحتاجون معه إلى شيء ففرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء فوقع الظلم من الطائفتين: الغني يمنع ما وجب عليه، والآخذ يأخذ ما لا يستحقه فتولد من بين الطائفتين ضرر عظيم على المساكين وفاقة شديدة أوجبت لهم أنواع الحيل والإلحاف في المسألة([158]).
ففي مشروعية الزكاة ابتلاء مدعي محبة الله تعالى بإخراج محبوبه والتنزه عن صفة البخل المهلك وشكر نعمة المال([159]).
إنه بهذا النظام المالي في الإسلام وبهذه الفكرة الإسلامية في ملكية الأموال والإنفاق منها في وجوه الخير يتحاب المؤمنون ويقوى بينهم شعور بالتكافل الاجتماعي والتضامن الإسلامي الذي يحفظ لكل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي حقه في العمل والرزق الذي يجعله يحيا حياة إنسانية كريمة. ومن هنا نستطيع أن نؤكد أن المسلمين لو عملوا بما شرعه الله من تحصيل فريضة الزكاة وإعطائها لمستحقيها لما بقي محتاج يمد يديه للسؤال([160]) فالزكاة من أعظم شعائر الدين وأكبر براهين الإيمان فإنه ﷺ قال: «والصدقة برهان» رواه مسلم، أي دليل على إيمان صاحبها ودينه فمتى وضعت الزكاة في محلها اندفعت الحاجات والضرورات واستغنى الفقراء أو خف فقرهم وقامت المصالح الخاصة والعامة فلو أن الأغنياء أخرجوا زكاة أموالهم ووضعت في محلها لقامت المصالح الدينية والدنيوية وزالت الضرورات واندفعت شرور الفقراء وكان ذلك أعظم حاجز وسد يمنع عبث المفسدين ولهذا كانت الزكاة من أعظم محاسن الإسلام لما اشتملت عليه من جلب المنافع ودفع المضار([161]).
®®®®
# حُكم مانع الزّكاة #
من أنكر وجوب الزكاة جهلاً به وكان ممن يجهل ذلك لحداثة عهده بالإسلام أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار عُرِّفَ وجوبها ولا يحكم بكفره لأنه معذور.
وإن كان مسلمًا ناشئًا ببلاد الإسلام بين أهل العلم فهو مرتد تجري عليه أحكام المرتدين ويستتاب ثَلاثًا فإن تاب وإلا قتل لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة فلا تكاد تخفى على أحد ممن هذه حاله فإذا جحدها فلا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة وكفره بهما([162]).
وإن منع الزكاة بخلاً بها مع اعترافه بوجوبها لم يكفر بلا خلاف ولكن يعزر وتؤخذ منه قهرًا، لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: «في كل إبل سائمة، في كل أربعين ابنة لبون، لا تفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرًا([163]) فله أجرها ومن منعها فإنّا آخذوها وشطر إبله عزمة([164]) من عزمات ربنا تبارك وتعالى لا يحل لآل محمد منها شيء» رواه أحمد والنسائي وأبو داود. وقال: «وشطر ماله». قال مجد الدين ابن تيمية في (المنتقى) وهو حجة في أخذها من الممتنع ووقوعها موقعها([165]).
فإذا كان مانع الزكاة خارجًا عن قبضة الإمام قاتله لأن الصحابة رضي الله عنهم قاتلوا مانعيها مع أبي بكر الصديق t. وقد قال رسول الله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» رواه البخاري ومسلم([166]).
وعن أبي هريرة t قال: (لما توفي رسول الله ﷺ وكان أبو بكر وكفر من كفر من العرب فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحثها وحسابه على الله تعالى» فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعها قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق) رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وأبي داود والنسائي والترمذي لكنه في لفظ مسلم وأبي داود: «لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه» بدل العناق([167]) فهذان الحديثان يدلان دلالة صريحة على أن مانع الزكاة يقاتل حتى يعطيها ولو أقر بالشهادتين. وقد ورد الوعيد الشديد لمانع الزكاة.
ومن ذلك قول الله تعالى: }وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ{ [سورة آل عمران، آية: 180].
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان([168]) يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه – يعني شدقيه – ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك» ثم تلى }وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.....{([169]).
وقال تعالى: }وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ{ [سورة التوبة آية 34 – 35]. والكنز: كل مال لم تؤد زكاته([170]).
وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» رواه مسلم وغيره([171]).
وخص الجباه والجنوب والظهور بالكي لأن الغني البخيل إذا رأى الفقير عبس وجهه وزوى ما بين عينيه وأعرض بجنبه فإذا قرب منه ولى بظهره فعوقب بكي هذه الأعضاء ليكون الجزاء من جنس العمل([172]).
ومما تقدم من وعيد مانع الزكاة وأن ماله يكون عذابًا عليه تارة بالطوق في عنقه وتارة بالكي في جبينه وجنبه وظهره، من هذا يعلم أن منع الزكاة كبيرة من كبائر الذنوب تجب التوبة منها والإقلاع عنها وبالله التوفيق.
# الزكاة فريضة من فرائض الإسلام وهي أحد أركانه #
قال الله تعالى: }وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ{([173]). وقال تعالى: }وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ{ [سورة آل عمران آية: 180].
وقال ﷺ: «من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوقه ثم يأخذ بلهزمتيه (يعني شدقيه) ثم يقول: أنا كنزك أنا مالك» متفق عليه وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله ﷺ قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءَهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله».
أخي المسلم: الزكاة فريضة من فرائض الإسلام وهي أحد أركانه دل على وجوبها الكتاب والسنة والإجماع فمن أنكر وجوبها فهو كافر مرتد.. ومن بخل بها فهو معرّض لعقوبة عظيمة يوم تصفح له أمواله صفائح من نار ويحمى عليها في نار جهنم ويكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين العباد.
والزكاة تجب في أموال مخصوصة منها الذهب والفضة «وعملتنا اليوم تعتبر ذهبًا أو فضة إذا بلغت نصابًا وهو (56 ريالاً سعوديًا) والواجب فيها ربع العشر (أي في كل أربعين ريالاً «ريال واحد»).
وكذلك تجب الزكاة في عروض التجارة من العقارات والأراضي والبيوت المعدة للبيع وسائر السلع. واشترط في كل ما سبق أن يحول عليه الحول إلا ربح التجارة فحوله حول أصله وعلى هذا لو ملك إنسان ألف ريال وعلى رأس الحول صار ألفين فيزكي عن الألفين جميعًا.
أخي المسلم.. إننا نرشدك إلى الطريقة السليمة التي تتخلص بها من شر المال ومسئوليته في الآخرة وذلك بأن تحدد يومًا في كل سنة تحصى جميع أموالك: النقود والعقارات المعدة للتجارة وسائر الأشياء التي ليست من حاجاتك الخاصة ثم تقدر قيمتها بما تساويه حقيقة دون نقص ثم تحسم ما عليك من ديون حالة ثم تخرج ربع عشر الباقي.
أخي المسلم.. ربما تكثر الزكاة أمامك بسبب كثرة ممتلكاتك فاحذر أن يخدعك الشيطان فتبخل بما آتاك الله من فضله أو تنقص مما أوجبه الله عليك فيكون هذا المال وبالاً عليك ومصيبة يوم القيامة.
أخي المسلم... وفقنا الله وإياك لأداء ما أوجب علينا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد الله الجلالي
®®®®
# نصيحة في الزكاة #
من محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ إلى من يبلغه من المسلمين وفقني الله وإياهم إلى صراطه المستقيم آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد فإني أحمد الله رب العالمين، وأصلي وأسلم على رسول الله خاتم النبيين، نصح أمته وقال فيما صح عنه: «الدين النصيحة»([174]) وأنزل الله عليه }وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ{([175]) ثم إن الباعث لكتابة هذه الكلمة هو النصح والذكير بفريضة الزكاة، التي تساهل بها بعض الناس وغفلوا عنها، مشتغلين بتدبير أموالهم عن فريضة من فرائض الدين، وركن من أركان الإسلام يكفر جاحده، وتقاتل الطائفة الممتنعة من أدائه. ولقد ذكر الله في كتابه الزكاة مقرونة بالصلاة فقال: }وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ{([176]) وقال: }وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ{([177]) وأمر تعالى رسوله بأخذها حيث يقول: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا{([178]) وجاء الوعيد الشديد على من بخل بها وقصَّر فيها قال الله تعالى: }وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ{([179]). وفي الحديث الصحيح: «من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوق به يوم القيامة ثم يأخذ بلهزميته (يعني شدقيه) ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك» متفق عليه([180]).
ولا يخفى ما منّ الله به على عباده من نعمة المال ولا سيما في هذا الزمن الذي تكاثرت فيه المصالح والخيرات، واتسعت فيه أسباب الرزق، وتضخمت فيه أموال كثير من الناس وما الأموال إلا ودائع في أيدي الأغنياء، وفتنة وامتحان لهم من الله لينظر أيشكرون أم يكفرون. ومن شكرها وقيد النعمة أداء زكاتها، والصدقة على الفقراء والمساكين والإنفاق مما استخلفهم الله فيه، قال تعالى: }آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ{([181]) .
ومن الحكمة في تشريع الزكاة مواساة الأغنياء لإخوانهم الفقراء فلو قام الأغنياء بهذه الفريضة حق القيام وصرفوا الزكاة مصرفها الشرعي لحصل للفقراء والمساكين ما يكفيهم، ولا يحتاجون معه إلى غيره. أما إذا منع الأغنياء ما أوجب الله عليهم من فريضة الزكاة فإنه ينشأ من هذا أضرار ومفاسد كثيرة، من تعريض العبد نفسه للعذاب العظيم، وكراهة الله والناس له، وتسبب لإهلاك المال وانتزاع البركة منه، ففي الحديث «ما خالطت الزكاة مالاً قط إلا أهلكته»([182])، ومن ظلم للفقراء والمساكين وإيصال الضرر إليهم، ودعوة لهم إلى ارتكاب شتى الحيل في الحصول على لقمة العيش، والتعرض للوقوف في المواقف الحرجة، والإلحاح في السؤال، بل ربما اضطرتهم فاقتهم وشدة الحاجة إلى السرقة والإقدام على بعض الجرائم لما يقاسونه من آلام الفقر والمسكنة التي لو أحس بها الغني يومًا من الدهر لتغيرت نظرته إليهم ولعرف عظيم نعمة الله عليه، وإذا كان في الزكاة مصلحة للفقراء والمساكين وبهم ضرورة إليها فإن فيها مصلحة لأرباب الأموال وبهم ضرورة إلى أدائها من تطهير وتزكية لهم وبعد عن البخل المذموم وقرب من فغل الكرم والجود، واستجلاب للبركة والزيادة والنماء، وحفظ للمال ودفع للشرور عنه.
ولهذا قال ﷺ: «من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره» رواه الطبراني – وابن خزيمة في صحيحه – وعن أنس t قال أتى رجل من تميم رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل ومال وحاضرة فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال رسول الله ﷺ: «تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك وتصل أقرباءك وتعرف حق المسكين والجار والسائل» رواه أحمد. وعن الحسن t أن رسول الله ﷺ قال: «حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع» رواه أبو داود في المراسيل – وكان الرسول ﷺ يدعو لمن جاء بالزكاة فتارة يقول: اللهم بارك له، وتارة يقول: اللهم صل عليه([183]) هذا ولقد تولى الله قسمة الزكاةبنفسه وجزأها إلى ثمانية أجزاء أما الأشياء التي تجب فيها الزكاة فهي أربعة أصناف:
1- الخارج من الأرض كالحبوب والثمار.
2- وبهيمة الأنعام.
3- وعروض التجارة.
4- والذهب والفضة.
وقد تجب في غيرهن ولكل من هذه الأصناف الأربعة نصاب محدود لا تجب الزكاة فيما دونه فنصاب الحبوب والثمار خمسة أوسق – وأدنى نصاب الغنم أربعون شاة وأدنى نصاب الإبل خمس وأدنى نصاب البقر ثلاثون ونصاب الفضة مئتا درهم، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً – فإذا ملك الإنسان نصابًا من الذهب وقدره إحدى عشر جنيهًا ونصف جنيه تقريبًا من الجنيهات السعودية ومثله من الجنيه الإفرنجي أو ملك نصابًا من الفضة وقدره ستة وخمسون ريالاً عربيًا تقريبًا وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة ربع العشر – وكذلك الأوراق التي كثرت في أيدي الناس وصار التعامل بها أكثر من غيرها فإذا ملك الإنسان منها ما يقابل نصابًا من الفضة وحال عليها الحول فإنه يخرج منها زكاتها ربع عشرها، أما العروض وهي ما اشتراها الإنسان للربح فإنها تُقَوَّم في آخر العام ويخرج ربع عشر قيمتها وإذا كان للإنسان دَين على أحد فإنه يزكيه إذا قبضه فإن كان الدين على مليء فالأفضل أن يزكيه عند رأس الحول، وله أن يؤخر زكاته حتى يقبضه، ويجب إخراج الزكاة في بلد المال إلا لعذر شرعي، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، ولا يجوز صرفها لغير أهلها الثمانية الذين ذكرهم الله بقوله: }إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ{([184]) والزكاة حق الله فلا تجوز المحاباة بها ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعًا أو يدفع ضرًا.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وتذكروا ما أوجب الله عليكم من الزكاة وما يقاسيه الفقراء والمساكين من ويلات الفقر والفاقة، وبادروا إلى إخراج زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم خالصة لوجه الله لا منَّ فيها ولا أذى ولا رياء ولا سمعة، واغتنموا الفرصة قبل فوات الأوان }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ{([185]) جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ونفعنا بهذه الذكرى وهدانا جميعًا إلى طريق الحق والخير والفلاح. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
في يوم الجمعة 10 رمضان المبارك 1375 هـ.
# بحوث هامة حول الزكاة #
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه. أما بعد فإن الباعث لكتابة هذه الكلمة هو النصح والتذكير بفريضة الزكاة التي تساهل بها الكثير من المسلمين فلم يخرجوها على الوجه المشروع مع عظم شأنها وكونها أحد أركان الإسلام الخمسة التي لا يستقيم بناؤه إلا عليها لقول النبي ﷺ: «بني الإٍسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت» متفق على صحته.
وفرض الزكاة على المسلمين من أظهر محاسن الإسلام ورعايته لشئون معتنقيه لكثرة فوائدها ومسيس حاجة الفقراء المسلمين إليها فمن فوائدها تثبيت أواصر المودة بين الغني والفقير لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، ومنها تطهير النفس وتزكيتها والبعد بهاعن خلق الشح والبخل كما أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى في قوله تعالى: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا{([186]) ومنها تعويد المسلم صفة الجود والكرم والعطف على ذوي الحاجة، ومنها استجلاب البركة والزيادة والخلف. كما قال تعالى: }وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{([187]) وقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: «يقول الله عز وجل (يا ابن آدم أنفق ننفق عليك)»([188]) إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من بخل بها أو قصر في إخراجها قال الله تعالى: }وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ{([189]) فكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة كما دل على ذلك الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار»([190]) ثم ذكر النبي ﷺ صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤدي زكاتها وأخبر أنه يعذب بها يوم القيامة وصح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه (يعني شدقيه) ثم يقول أنا مالك أنا كنزك» ثم تلا النبي ﷺ هذه الآية }وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ{ متفق عليه.
والزكاة تجب في أربعة أصناف: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار. والسائمة من بهيمة الأنعام، والذهب والفضة، وعروض التجارة.
ولكل من هذه الأصناف الأربعة نصاب محدود لا تجب الزكاة فيما دونه فنصاب الحبوب والثمار خمسة أوسق والوسق ستون صاعًا بصاع النبي ﷺ فيكون مقدار النصاب من التمر والزبيب والحنطة والأرز والشعير ونحوها ثلاثمائة صاع بصاع النبي ﷺ وهو أربع حفنات بيدي الرجل المعتدل الخلقة إذا كانت يداه مملوئتين. وأما نصاب السائمة من الإبل والبقر والغنم ففيه تفصيل مبين في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ وفي استطاعة الراغب في معرفته سؤال أهل العلم عن ذلك ولولا قصد الإيجاز لذكرناه لتمام الفائدة.
وأما نصاب الفضة فمائة وأربعون مثقالاً ومقداره بالدرهم العربي السعودي ستة وخمسون ريالاً. ونصاب الذهب عشرون مثقالاً ومقداره من الجنيهات السعودية أحد عشر جنيهًا وثلاثة أسباع الجنيه والواجب فيهما ربع العشر على من ملك نصابًا منهما أو من أحدهما وحال عليه الحول والربح تابع للأصل فلا يحتاج إلى حول جديد كما أن نتاج السائمة تابع لأصله فلا يحتاج إلى حول جديد إذا كان أصله نصابًا. وفي حكم الذهب والفضة الأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس اليوم سواء سميت درهمًا أو دينارًا أو دولارًا أو غير ذلك من الأسماء إذا بلغت قيمتها نصاب الفضة أو الذهب وحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة، ويلتحق بالنقود حلي النساء من الذهب والفضة خاصة إذا بلغت النصاب المتقدم وحال عليها الحول فإن فيها الزكاة ولو كانت معدة للاستعمال أو العارية في أصح قولي العلماء لعموم قول النبي ﷺ: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار»([191]).. إلخ الحديث المتقدم. ولما ثبت عنه ﷺأنه رأى بيد أمرأة سوارين من ذهب فقال: «أتعطين زكاة هذا» قالت: لا، قال: «أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار» فألقتهما وقالت: هما لله ولرسوله. أخرجه أبو داود والنسائي بسند حسن، وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهب فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال ﷺ: «ما بلغ أن يزكى فزكي فليس بكنز»([192]) مع أحاديث أخرى في هذا المعنى. أما العروض وهي السلع المعدة للبيع فإنها تقوّم في آخر العام ويخرج ربع عشر قيمتها سواء كانت قيمتها مثل ثمنها أو أكثر أو أقل لحديث سمرة قال: كان رسول الله ﷺ يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع، رواه أبو داود.
ويدخل في ذلك الأراضي المعدة للبيع والعمارات والمكائن الرافعة للماء وغير ذلك من أصناف السلع المعدة للبيع. أما العمارات المعدة للإيجار لا للبيع فالزكاة في أجورها إذا حال عليها الحول أما ذاتها فليس فيها زكاة لكونها لم تعد للبيع وهكذا السيارات الخصوصية والتكاسي ليس فيها زكاة إذا كانت لم تعد للبيع وإنما اشتراها صاحبها للاستعمال، وإذا اجتمع لصاحب سيارة الأجرة أو غيره نقود تبلغ النصاب فعليه زكاتها إذا حال عليها الحول سواء كان أعدها للنفقة أو للتزوج أو لشراء عقار أو لقضاء دين أو غير ذلك من المقاصد لعموم الأدلة الشرعية الدالة على وجوب الزكاة في مثل هذا، والصحيح من أقوال العلماء أن الدَّين لا يمنع الزكاة لما تقدم. وهكذا أموال اليتامى والمجانين تجب فيها الزكاة عند جمهور العلماء إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول ويجب على أوليائهم إخراجها بالنية عنهم عند تمام الحول لعموم الأدلة مثل قول النبي ﷺ في حديث معاذ لما بعثه إلى أهل اليمن: «إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم»([193]).
والزكاة حق الله لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعًا أو يدفع ضرًّا ولا أن يقي بها ماله أو يدفع بها عنه مذمة. بل يجب على المسلم صرف زكاته لمستحقيها لكونهم من أهلها لا لغرض آخر مع طيب النفس بها والإخلاص لله في ذلك حتى تبرأ ذمته ويستحق جزيل المثوبة والخلف.
وقد أوضح الله سبحانه في كتابه الكريم أصناف أهل الزكاة فقال تعالى: }إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{([194])، وفي ختم هذه الآية الكريمة بهذين الاسمين العظيمين تنبيه من الله سبحانه لعباده على أنه سبحانه هو العليم بأحوال عباده ومَن يستحق منهم الصدقة ومَن لا يستحق وهو الحكيم في شرعه وقدره فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها وإن خفي على بعض الناس بعض أسرار حكمه ليطمئن العباد لشرعه ويسلموا لحكمه والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين للفقه في دينه والصدق في معاملته والمسابقة إلى ما يرضيه والعافية من موجبات غضبه إنه سميع قريب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
# فوائد الزكاة والصدقة([195]) #
قد فرض الله على المؤمنين ذوي الأموال الزكوية زكاة تدفع للمحتاجين منهم، وللمصالح العامة النفع كما قال الله تعالى: }إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{.
وفي القرآن آيات كثيرة في الأمر بإيتاء الزكاة والنفقة مما رزق الله والثناء على المنفقين والمتصدقين وذكر ثوابهم، وتواترت بذلك كله الأحاديث عن النبي ﷺ وبين ما تجب فيه الزكاة من المواشي والحبوب والثمار والنقود والأموال المعدة للتجارة، وذكر أنصبائها ومقدار الواجب منها، وذكر الوعيد الشديد على مانعها، واتفق المسلمون على نقصان إيمان تاركها ودينه وإسلامه، وإنما اختلفوا هل يكفر تاركها أم لا؟ وذلك لما في الزكاة والصدقة والإحسان من الفوائد الضرورية والكمالية والدينية والدنيوية.
فمنها أنها من أعظم شعائر الدين وأكبر براهين الإيمان فإنه ﷺ قال: «والصدقة برهان» أي على إيمان صاحبها ودينه ومحبته لله إذ سخى لله بماله المحبوب للنفوس.
ومنها أنها تزكي وتنمي المعطي والمعطى والمال الذي أُخرجت منه، أما تزكيتها للمعطي فإنها تزكي أخلاقه وتطهره من الشح والبخل والأخلاق الرذيلة،وتنمي أخلاقه فيتصف بأوصاف الكرماء المحسنين الشاكرين فإنها من أعظم الشكر لله، والشكر معه المزيد دائمًا، وتنمي أيضًا أجره وثوابه، فإن الزكاة والنفقة تضاعف أضعافًا كثيرة بحسب إيمان صاحبها وإخلاصه ونفعها ووقوعها موقعها، وهي تشرح الصدر وتفرح النفس وتدفع عن العبد من البلايا والأسقام شيئًا كثيرًا، فكم جلبت من نعمة دينية ودنيوية، وكم دفعت من نقم ومكاره وأسقام، وكم خففت الآلام،وكم أزالت من عداوات وجلبت مودة وصداقات، وكم تسببت لأدعية مستجابة من قلوب صادقات. وهي أيضًا تنمي المال المخرج منه، فإنها تقيه الآفات وتحل فيه البركة الألهية، قال ﷺ: «ما نقصت صدقة من مال بل تزيده» وقال تعالى: }وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{ وفي الصحيحين عنه ﷺ أنه قال: «ما من صباح يوم إلا وينزل ملكان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا»، والتجربة تشهد بذلك فلا تكاد تجد مؤمنًا يخرج الزكاة وينفق النفقات في محلها إلا وقد صب الله عليه الرزق صبًّا، وأنزل له البركة ويسر له أسباب الرزق.
وأما نفعها للمعطى فإن الله قد أمر بدفعها للمحتاجين من الفقراء والمساكين والغارمين وفي الرقاب وللمصالح التي يحتاج المسلمون إليها فمتى وضعت في محلها اندفعت الحاجات والضرورات واستغنى الفقراء أو خف فقرهم، وقامت المصالح النافعة العمومية، فأي فائدة أعظم من ذلك وأجل، فلو أن الأغنياء أخرجوا زكاة أموالهم ووضعت في محلها لقامت المصالح الدينية والدنيوية وزالت الضرورات واندفعت شرور الفقراء وكان ذلك أعظم حاجز وسد يمنع عبث المفسدين، ولهذا كانت الزكاة من أعظم محاسن الإسلام لما اشتملت عليه من جلب المصالح والمنافع ودفع المضار.
®®®®
# الأموال التي تجب فيها الزكاة([196]) #
قال الله تعالى: }وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ{([197]) وقال تعالى: }وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا{([198]). وقال تعالى: }وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ{([199]).
والآيات في وجوب الزكاة وفرضيتها كثيرة وأما الأحاديث فمنها ما في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «بني الإسلام على خمسة، على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج» فقال رجل: الحج وصيام رمضان قال: «لا، صيام رمضان والحج»، هكذا سمعته من رسول الله ﷺ. وفي رواية: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله (الحديث بمعناه).
فالزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام وهي قرينة الصلاة في مواضع كثيرة من كتاب الله عز وجل وقد أجمع المسلمون على فرضيتها إجماعًا قطعيًا فمن أنكر وجوبها مع علمه به فهو كافر خارج عن الإسلام ومن بخل بها أو انتقص منها شيئًا فهو من الظالمين المتعرضين للعقوبة والنكال. وتجب الزكاة في أربعة أشياء.
1 - الأول: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار لقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ{([200]) وقوله سبحانه: }وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ{([201]).
وأعظم حقوق المال الزكاة وقال النبي ﷺ: «فيما سقت السماء أو كان عثريًا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر» رواه البخاري. ولا تجب الزكاة فيه حتى يبلغ نصابًا وهو خمسة أوسق، لقول النبي ﷺ: «ليس في حب ولا ثمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق» رواه مسلم. والوسق ستون صاعًا بصاع النبي ﷺ فيكون النصاب ثلاثمائة صاع بصاع النبي ﷺ الذي تبلغ زنته بالبر الجيد ألفين وأربعين جرامًا أي كيلُوين وخُمسي عُشر الكيلو، فتكون زنة النصاب بالبر الجيد ستمائة واثني عشر كيلو، ولا زكاة فيما دونها ومقدار الزكاة فيها العشر كاملاً فيما سقي بدون كلفة ونصفه فيما سقي يكلفة، ولا تجب الزكاة في الفواكه والخضروات والبطيخ ونحوها، لقول عمر: ليس في الخضروات صدقة وقول علي: ليس في التفاح وما أشبهه صدقة، ولأنها ليست بحب ولا ثمر لكن إذا باعها بدراهم وحال الحول على ثمنها ففيه الزكاة.
2 - الثاني: بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنًا كانت أو ماعزًا إذا كانت سائمة وأعدت للدر والنسل وبلغت نصابًا، وأقل النصاب في الإبل خمس، وفي البقر ثلاثون، وفي الغنم أربعون، والسائمة هي التي ترعى الكلأ النابت بدون بذر آدمي كل السنة أو أكثرها، فإن لم تكن سائمة فلا زكاة فيها، إلا أن تكون للتجارة، وإن أعدت للتكسب بالبيع والشراء والمناقلة فيها فهي عروض تجارة تزكى زكاة تجارة سواء كانت سائمة أو معلفة إذا بلغت نصاب التجارة بنفسها أو بضمها إلى تجارته.
3 - الثالث: الذهب والفضة على أي حال كانت لقوله تعالى: }وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ{([202]) والمراد بكنزها عدم إنفاقها في سبيل الله، وأعظم الإنفاق في سبيل الله إنفاقها في الزكاة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة t: أن النبي ﷺ قال: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد».
والمراد بحقها زكاتها كما تفسره الرواية الثانية([203]): «ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته» (الحديث).
وتجب الزكاة في الذهب والفضة سواء كانت نقودًا أو تبرًا أو حليًّا يُلبس أو يُعار أو غير ذلك، لعموم الأدلة الدّالة على وجوب الزكاة فيهما بدون تفصيل وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن امرأة أتت النبي ﷺ ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب (أي سواران غليظان) فقال لها النبي ﷺ: «أتعطين زكاة هذا؟» قالت: لا، قال: «أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟» قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي ﷺ وقالت: هما لله ورسوله. رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي. قال في بلوغ المرام: وإسناده قوي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله ﷺ فرأى في يدي فتخات من ورق (تعني من فضة) فقال النبي ﷺ: «ما هذا؟» فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله. قال: «أتؤدين زكاتهن؟» قالت: لا. أو ما شاء الله قال: «هو حسبك من النار». أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم وصححه وقالت على شرط الشيخين، وقال ابن حجر في التلخيص: على شرط الصحيح، وقال ابن دقيق: على شرط مسلم.
ولا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ نصابًا وهو عشرون دينارًا لأن النبي ﷺ قال في الذهب: «ليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون دينارًا»، رواه أبو داود([204]). والمراد الدينار الإسلامي الذي يبلغ وزنه مثقالاً (وزن المثقال أربعة غرامات وربع) فيكون نصاب الذهب خمسة وثمانين غرامًا يعادل أحد عشر جنيهًا سعوديًا وثلاثة أسباع جنيه.
ولا تجب الزكاة في الفضة حتى تبلغ نصابًا وهو خمس أواق، لقول النبي ﷺ: «ليس فيما دون خمس أواق صدقة». متفق عليه، والأوقية أربعون درهمًا إسلاميًا فيكون النصاب مائتي درهم إسلامي والدرهم سبعة أعشار مثقال فيبلغ مائة وأربعين مثقالاً وهي خمسمائة وخمسة وتسعون غرامًا تعادل ستة وخمسين ريالاً عربيًا من الفضة ومقدار الزكاة في الذهب والفضة ربع العشر فقط.
وتجب الزكاة في الأوراق النقدية لأنها بدل عن الفضة فتقوم مقامها، فإذا بلغت نصاب الفضة وجبت فيها الزكاة، وتجب الزكاة في الذهب والفضة والأوراق النقدية سواء كانت حاضرة عنده أم في ذمم الناس وعلى هذا فتجب الزكاة في الدين الثابت سواء كان قرضًا أم ثمن مبيع أم أجرة أم غير ذلك، إذا كان على مليء باذل فيزكيه مع ماله كل سنة أو يؤخر زكاته حتى يقبضه ثم يزكيه لكل ما مضى من السنين، فإن كان على مُعسر أو مماطل يصعب استخراجه منه فلا زكاة فيه حتى يقبضه فيزكيه لسنة واحدة سنة قبضه ولا زكاة عليه فيما قبلها من السنين.
ولا تجب الزكاة فيما سوى الذهب والفضة من المعادن وإن كان أغلى منهما إلا أن يكون للتجارة فيزكى زكاة تجارة.
4 - الرابع: مما تجب فيه الزكاة عروض التجارة وهي كل ما أعده للتكسب والتجارة من عقار وحيوان وطعام وشراب وسيارات وغيرها من جميع أصناف المال فيُقوِّمُها كل سنة بما تساوي عند رأس الحول ويخرج ربع عشر قيمتها سواء كانت قيمتها بقدر ثمنها الذي اشتراها به أم أقل أم أكثر ويجب على أهل البقالات والآلات وقطع الغيارات وغيرها أن يحصوها إحصاءً دقيقًا شاملاً للصغير والكبير ويخرجوا زكاتها فإن شق عليهم ذلك احتاطوا وأخرجوا ما يكون به براءة ذممهم.
ولا زكاة فيما أعده الإنسان لحاجته من طعام وشراب وفرش ومسكن وحيوانات وسيارة ولباس سوى حلي الذهب والفضة لقول النبي ﷺ: «ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة». متفق عليه.
ولا تجب الزكاة فيما أعد للأجرة من عقارات وسيارات ونحوها وإنما تجب في أجرتها إذا كانت نقودًا وحال عليها الحول وبلغت نصابًا بنفسها أو بضمها لما عنده من جنسها.
إخواني: أدوا زكاة أموالكم وطيبوا بها نفسًا فإنها غنم لا غرم وربح لا خسارة وأحصوا جميع ما يلزمكم زكاته واسألوا الله القبول لما أنفقتم والبركة لكم فيما أبقيتم والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن.
®®®®
# مصارف الزكاة([205]) #
قال الله تعالى: }إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{([206]).
في هذه الآية الكريمة بيّن الله تعالى مصارف الزكاة وأهلها المستحقين لها بمقتضى علمه وحكمته وعدله ورحمته وحصرها في هؤلاء الأصناف الثمانية وبيّن أن صرفها فيهم فريضة لازمة وأن هذه القسمة صادرة عن علم الله وحكمته فلا يجوز تعديها وصرف الزكاة في غيرها لأن الله تعالى أعلم بمصالح خلقه وأحكم في وضع الشيء في موضعه }وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ{([207]) فالصنف الأول والثاني: الفقراء والمساكين وهم الذين لا يجدون كفايتهم. وكفاية عائلتهم لا من نقود حاضرة ولا من رواتب ثابتة ولا من صناعة قائمة ولا من غلة كافية ولا من نفقات على غيرهم واجبة فهم في حاجة إلى مواساة ومعونة، قال العلماء: فيعطون من الزكاة ما يكفيهم وعائلتهم لمدة سنة كاملة حتى يأتي حول الزكاة مرة ثانية ويعطى الفقير لزواج يحتاج إليه ما يكفي لزواجه وطالب العلم الفقير لشراء كتب يحتاجها. ويعطى من له راتب لا يكفيه وعائلته من الزكاة ما يكمل كفايتهم لأنه ذو حاجة. وأما مَن كان له كفاية فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة وإن سألها بل الواجب نصحه وتحذيره من سؤال ما لا يحل له فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله عز وجل وليس في وجهه مزعة لحم». رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة t أن النبي ﷺ قال: «من سأل الناس أموالهم تكثرًا فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو ليستكثر». رواه مسلم. وعن حكيم بن حزام t أن النبي ﷺ قال له: «إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى». رواه البخاري ومسلم. وعن عبد الرحمن بن عوف t عن النبي ﷺ قال: «لا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر». رواه أحمد([208]). وإن سأل الزكاة شخص وعليه علامة الغنى عنها وهو مجهول الحال جاز إعطاؤه منها بعد إعلامه أنه لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب لأن النبي ﷺ أتاه رجلان يسألانه فقلب فيهما البصر فرآهما جلدين فقال: «إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب». رواه أحمد وأبو داود والنسائي([209]).
الصنف الثالث: من أهل الزكاة: العاملون عليها وهم الذين ينصبهم ولاة الأمور لجباية الزكاة من أهلها وحفظها وتصريفها، فيعطون منها بقدر علمهم وإن كانوا أغنياء وأما الوكلاء لفرد من الناس في توزيع زكاته فليسوا من العاملين عليها فلا يستحقون منها شيئًا من أجل وكالتهم فيها لكن إن تبرعوا في تفريقها على أهلها بأمانة واجتهاد كانوا شركاء في أجرها لما روى البخاري عن أبي موسى الأشعري t أن النبي ﷺ قال: «الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ أو قال: يُعطي ما أمر به كاملاً موفرًا طيبة به نفسه فيدفعه إلى الذي أُمر به، أحد المتصدقين». وإن لم يتبرعوا بتفريقها أعطاهم صاحب المال من ماله لا من الزكاة.
الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم وهم ضعفاء الإيمان أو من يخشى شرهم فيعطون من الزكاة ما يكون به تقوية إيمانهم أو دفع شرهم إذا لم يندفع إلا بإعطائهم.
الصنف الخامس: الرقاب وهم الأرقاء المكاتبون الذين اشتروا أنفسهم من أسيادهم فيعطون من الزكاة ما يوفون به أسيادهم ليحرروا بذلك أنفسهم ويجوز أن يشترى عبد فيعتق وأن يفك بها مسلم من الأسر لأن هذا داخل في عموم الرقاب.
الصنف السادس: الغارمون الذين يتحملون غرامة وهم نوعان: أحدهما: من تحمل حمالة لإصلاح ذات البين وإطفاء الفتنة فيعطى من الزكاة بقدر حمالته تشجيعًا له على هذا العمل النبيل الذي به تأليف المسلمين وإصلاح ذات بينهم وإطفاء الفتنة وإزالة الأحقاد والتنافر، وعن قبيصة الهلالي قال: تحملت حمالة فأتيت النبي ﷺ أسأله فيها: فقال النبي ﷺ: «أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك». وذكر تمام الحديث. رواه مسلم.
الصنف السابع: في سبيل الله وهو الجهاد في سبيل الله الذي يقصد به أن تكون كلمة الله هي العليا لا لحمية ولا لعصبية فيعطى المجاهد بهذه النية ما يكفيه لجهاده من الزكاة أو يشتري بها سلاح وعتاد للمجاهدين في سبيل الله لحماية الإسلام والذود عنه وإعلاء كلمة الله سبحانه.
الصنف الثامن: ابن السبيل وهو المسافر الذي انقطع به السفر ونفد ما في يده فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده وإن كان غنيًّا فيها ووجد من يقرضه لكن لا يجوز أن يستصحب معه نفقة قليلة لأجل أن يأخذ من الزكاة إذا نفدت لأنه حيلة على أخذ ما لا يستحق. ولا تدفع الزكاة لكافر إلا أن يكون من المؤلفة قلوبهم. ولا تدفع لغني عنها بما يكفيه من تجارة أو صناعة أو حرف أو راتب أو مغل أو نفقة واجبة إلا أن يكون من العاملين عليها أو المجاهدين في سبيل الله أو الغارمين لإصلاح ذات البين. ولا تدفع الزكاة في إسقاط واجب سواها فلا تدفع للضيف بدلاً عن ضيافته ولا لمن تجب نفقته من زوجة أو قريب بدلاً عن نفقتهما ويجوز دفعها للزوجة والقريب فيما سوى النفقة الواجبة فيجوز أن يقضي بها دَينًا عن زوجته لا تستطيع وفاءه وأن يقضي بها عن والديه أو أحد من أقاربه دَينًا لا يستطيع وفاءه. ويجوز أن يدفع الزكاة لأقاربه في سداد نفقتهم إذا لم تكن واجبة عليه لكون ماله لا يتحمل الإنفاق عليهم أو نحو ذلك. ويجوز دفع الزوجة زكاتها لزوجها في قضاء دَين عليه ونحوه، وذلك لأن الله سبحانه علق استحقاق الزكاة بأوصاف عامة تشمل من ذكرنا وغيرهم فمن اتصف بها كان مستحقًا وعلى هذا فلا يخرج أحد منها إلا بنص أو إجماع، وفي الصحيحين من حديث زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود أن النبي ﷺ أمر النساء بالصدقة فسألت النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إنك أمرت بالصدقة وكان عندي حلي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم فقال النبي ﷺ: «صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم»، وعن سلمان بن عامر t أن النبي ﷺ قال: «الصدقة على الفقير صدقة وعلى ذوي الرحم صدقة وصلة». رواه النسائي والترمذي وابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وذوو الرحم هم القرابة قربوا أم بعدوا.
ولا يجوز أن يسقط الدين عن الفقير وينويه عن الزكاة لأن الزكاة أخذ وإعطاء. قال الله تعالى: }خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً{([210]) وقال النبي ﷺ: «إن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم»، وإسقاط الدَّين عن الفقير ليس أخذًا ولا ردًّا ولأن ما في ذمة الفقير دين غائب لا يتصرف فيه فلا يجزيء عن مالٍ حاضر يتصرف فيه، ولأن الدين أقل في النفس من الحاضر وأدنى فأداؤه عنه كأداء الرديء عن الجيد، وإذا اجتهد صاحب الزكاة فدفعها لمن يظن أنه من أهلها فتبين بخلافه فإنها تجزئه لأنه اتقى الله ما استطاع ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. وفي الصحيحين عن أبي هريرة t أن النبي ﷺ قال: «قال رجل: والله لأتصدقن» (فذكر الحديث وفيه) فوضع صدقته في يد غني فأصبح الناس يتحدثون تصدق على غني فقال: الحمد لله، على غني، فأتي فقيل له: أمّا الغني فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله، وفي رواية لمسلم: أما صدقتك فقد تقبلت. وعن معن بن يزيد t قال: كان أبي يخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها فقال: والله ما إياك أردت فخاصمته إلى النبي ﷺ، فقال النبي ﷺ: «لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن». رواه البخاري.
إخواني: إن الزكاة لا تجزيء ولا تقبل حتى توضع في المحل الذي وضعها الله فيه فاجتهدوا رحمكم الله فيها واحرصوا على أن تقع موقعها وتحل محلها لتبرئوا ذممكم وتطهروا أموالكم وتنفذوا أمر ربكم وتقبل صدقاتكم والله الموفق والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينًا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
®®®®
# مراجع رسالة (من أحكام الزكاة)#
1- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني.
2- المعجم الوسيط لجماعة من الدكاترة.
3- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير.
4- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير.
5- المختار من صحاح اللغة.
6- المطلع على أبواب المقنع.
7- المجموع شرح المهذب للنووي.
8- الإقناع في الفقه الحنبلي.
9- كشاف القناع عن متن الإقناع.
10- صحيح البخاري.
11- مختصر صحيح مسلم.
12- دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين.
13- إحكام الأحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم.
14- المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير.
15- الإفصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة.
16- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني الحنفي.
17- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي
18- العبادة في الإسلام للشيخ يوسف القرضاوى.
19- رياض الصالحين من أحاديث سيد المرسلين للنووي.
20- الزكاة في الإسلام لحسن أيوب.
21- الجامع الصغير للسيوطي.
22- الترغيب والترهيب للمنذري.
23- زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم.
24- مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة.
25- من حكم الشريعة وأسرارها للشيخ حامد بن محمد العبّادي.
26- الرياض الناضرة لابن سعدي.
27- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني.
28- الكبائر للذهبي.
29- الإلمام بأحاديث الأحكام لابن دقيق العيد.
30- مجالس شهر رمضان للشيخ محمد الصالح العثيمين.
31- بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين للمؤلف.
32- مصارف الزكاة للمؤلف.
®®®®
مسائل وفتاوى في زكاة الحلي
بسم الله الرحمن الرحيم
# مقدمـة #
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلى الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين:
أما بعد:
فإن الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله.
وقد اختلف العلماء قديمًا وحديثًا في حكم زكاة الحلي الملبوس وألفت فيه مؤلفات عديدة وقد قال الله تعالى: }فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ{ [سورة النساء، الآية: 59] أي إلى الكتاب العزيز والسنة المطهرة.
وإذا رددنا هذا الحكم إلى الكتاب والسنة وجدنا نصوصًا كثيرة تدل على وجوب الزكاة فيه، نصوصًا عامة تدل على وجوب الزكاة في الذهب والفضة عمومًا، ونصوصًا خاصة تدل على وجوب الزكاة في الحلي وهي صحيحة، وليس لها معارض صحيح. وإنما استدل من لا يرى الزكاة فيها بأقوال وأفعال بعض الصحابة وهي معارضة بمثلها.
وأما أقوال من بعدهم فليس فيها حجة. وأما قياسهم الحلي بالثياب والأواني فهو قياس في مقابلة النص ولا قياس مع النص كما هو مقرر في علم الأصول. وقد رأيت لعلمائنا الأفاضل مؤلفات وفتاوى مؤيدة بالأدلة الصحيحة الدالة على وجوب الزكاة في الحلي إذا بلغ نصابًا وحال عليه الحول فجمعتها في هذه الرسالة.
وأسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد الله الجار الله
®®®®
# وجوب زكاة الحلي #
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. وبعد:
فقد كتب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، كلمة في وجوب زكاة الحلي نشرت في العددين العاشر والحادي عشر من مجلة راية الإسلام في السنة الأولى من صدورها عام 1380هـ ضمنها سماحته الأدلة من الكتاب والسنة، على وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة كما طبع للشيخ محمد الصالح العثيمين رسالة مستقلة في هذا الموضوع عام 1382 هـ ذكر فيها ما ذكره الشيخ من الأدلة العامة والخاصة على وجوب الزكاة في الحلي وزاد بذكر أدلة من لا يرى الزكاة فيها والإجابة عنها.
وأحب أن ألخص في هذه الكلمة ما كتبه الشيخان ليقف من اشتبه عليه الأمر في هذه المسألة على الحقيقة.
وقد دل الكتاب والسنة دلالة ظاهرة على وجوب الزكاة في حلي النساء من الذهب والفضة وإن كان معدًا للاستعمال أو الإعارة سواء كانت قلائد أو أسورة أو خواتم أو غيرها.. من أنواع الذهب والفضة.. إذا بلغ نصابًا كل عام أو كان عند مالكه من الذهب أو الفضة أو عروض التجارة ما يكمل النصاب، وهذا القول هو أصح أقوال أهل العلم في هذه المسألة لدلالة الكتاب والسنة والآثار عليها فمن أدلة القرآن الكريم قول الله تعالى: }وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ{([211]).
والمراد بكنز الذهب والفضة عدم إخراج ما يجب فيهما من زكاة وغيرها من الحقوق، والآية عامة في جميع الذهب والفضة لم تخصص شيئًا دون شيء فمن ادّعى خروج الحلي المباح من هذا العموم فعليه الدليل وأما السنة فمن أدلتها ما يلي:
1 - ما ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله ﷺ، أنه قال: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يُؤدي منها حقها إلا إذا كانَ يوم القيامة صفحت لهُ صَفائح من نارٍ فأحمي عليها فِي نار جهنَّم فيكوى بها جَنبُهُ وَجَبِينُهُ وظَهْرُهُ كلما بردت أعيدت له في يومٍ كان مقدارهُ خمسينَ ألفَ سنَة». والمتحلي بالذهب والفضة صاحب ذهب وفضة ولا دليل على إخراجه من العموم وحق الذهب والفضة من أعظمه وأوجبه حق الزكاة، فهذان النصان العظيمان من الكتاب والسنة يعمان جميع أنواع الذهب والفضة ويدخل في ذلك أنواع الحلي، ومن الأدلة الخاصة على وجوب زكاة الحلي.
2 - ما رواه الترمذي وأبو داود واللفظ له عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله ﷺ، ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان([212]) غليظتان من ذهب فقال لها: «أتعطين زكاة هذا؟» قالت: لا. قال: «أيسرك أن يسؤِّرَكِ الله بهما سُوارين من نار».
قالت: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي ﷺ. فقالت: هما لله ولرسوله، قال في بلوغ المرام: وإسناده قوي.
3 - ما رواه أبو داود عن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة رضي الله عنها فقالت: دخل علي رسول الله ﷺ، فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: «ما هذا يا عائشة» فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله. فقال: «أتؤدين زكاتهن؟» قلت: لا، قال: «هوَ حسبُك مِنَ النَّارِ». قيل لسفيان: كيف تزكيه؟ قال: تضمه إلى غيره، وهذا الحديث صححه الحاكم.
4 - ما رواه أبو داود عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحًا([213]) من ذهب، فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: «مَا بَلغَ أنْ تُؤدي زَكَاتهُ فزكِّي فليسَ بكَنْزِ». صححه الحاكم والذهبي، ففي هذا الحديث فائدتان جليلتان إحداهما: اشتراط النصاب وإن لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه، ولا يدخل في الكنز المتوعد عليه بالعذاب. والفائدة الثانية: أن كل مال وجبت فيه الزكاة فلم يزك فهو من الكنز المتوعد عليه بالعذاب.
وفيه أيضًا فائدة ثالثة: وهي المقصود من ذكره – وهي الدلالة على وجوب الزكاة في الحلي.. فإن قيل لعل هذا حين كان التحلي ممنوعًا كما قاله مسقطو الزكاة في الحلي.
فالجواب: أن هذا لا يستقيم، فإن النبي ﷺ لم يمنع من التحلي به بل أقره مع الوعيد على ترك الزكاة ولو كان التحلي ممنوعًا لأمر بخلعه وتوعد على لبسه.
فإن قيل ما الجواب عن ما احتج به من لا يرى الزكاة في الحلي وهو ما رواه ابن الجوزي بسنده في (التحقيق) عن عافية بن أيوب عن الليث ابن سعد عن أبي الزبير عن جابر t أن النبي ﷺ، قال: «ليسَ في الحُلي زَكاة». ورواه البيهقي في معرفة السنن والآثار.
قيل: الجواب على هذا من ثلاثة أوجه.
الأول: أن البيهقي قال فيه: إنه باطل لا أصل له، وإنما يروى عن جابر من قوله، وعافية بن أيوب مجهول.
الثاني: أننا إذا فرضنا توثيق عافية كما نقله ابن أبي حاتم عن أبي زرعة فإنه لا يعارض أحاديث الوجوب ولا يقابل بها لصحتها ونهاية ضعفه.
الثالث: أنا إذا فرضنا أنه مساوٍ لها ويمكن معارضتها به فإن الأخذ بها أحوَط وما كان أحوط فهو أولى بالاتّباع فقد دلَّت الآية المتقدمة، والأحاديث الأربعة السابقة دلالة ظاهرة على وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة وإن أعدَّت للاستعمال أو العارية.
وأما الآثار فمنها ما روي عن عمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة وعبد الله بن عمرو بن العاص أنهم رأوا الزكاة في الحلي.
فإن قيل ما الجواب عمّا استدلّ به مسقطو الزكاة فيما نقله الأثرم قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة: أنس بن مالك، وجابر، وابن عمر، وعائشة، وأسماء، فالجواب أن بعض هؤلاء روي عنهم الوجوب، وإذا فرضنا أن لجميعهم قولاً واحدًا أو أن المتأخر عنهم هو القول بعدم الوجوب، فقد خالفهم من خالفهم من الصحابة، وعند التنازع يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة وفيهما ما يدل على الوجوب كما سبق.
فإن قيل قد ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ، قال: «تصَدَّقنَ يا مَعْشَرَ النِّساء وَلو من حليكُنَ». وهذا دليل على عدم وجوب الزكاة في الحلي إذ لو كانت واجبة في الحلي لما جعله النبي ﷺ مضربًا لصدقة التطوع.
فالجواب على هذا: أن الأمر بالصدقة ليس فيه إثبات وجوب الزكاة فيه ولا نفيه عنه وإنما فيه الأمر بالصدقة حتى من حاجيات الإنسان ونظير هذا أن يقال: تصدّق ولو من دراهم نفقتك ونفقة عيالك فإن هذا لا يدل على انتفاء وجوب الزكاة في هذه الدراهم.
فإن قيل: ما الفرق بين الحلي المباح وبين الثياب المباحة إذا قلنا بوجوب الزكاة في الأول دون الثاني، فالجواب: أن الشارع فرَّق بينهما، حيث أوجبها في الذهب والفضة من غير استثناء، بل وردت نصوص خاصة في وجوبها في الحلي المباح المستعمل كما سبق، وأمّا الثياب فهي بمنزلة الفرس وعبد الخدمة، اللذين قال فيهما رسول الله ﷺ: «ليس على المُسلِمِ في عبدِهِ ولا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ»([214]). فإذا كانت الثياب للبس فلا زكاة فيها وإن كانت للتجارة ففيها زكاة التجارة. فإن قيل: هل يصح قياس الحلي المباح المعد للاستعمال على الثياب المباحة المعدة للاستعمال كما قاله من لا يوجبون الزكاة في الحلي، فالجواب: لا يصح القياس لوجوه: منها أنه قياس في مقابلة النص وكل قياس في مقابلة النص قياس فاسد. الثاني: أن الثياب لم تجب فيها الزكاة أصلاً فكان مقتضى القياس أن يكون حكم الحلي واحدًا وهو وجوب الزكاة سواء أعده للبس أو لغيره كما أن الثياب حكمها واحد لا زكاة فيها سواء أعدها للبس أو لغيره، ولا يرد على ذلك وجوب الزكاة فيها إذا كانت عروضًا، لأن الزكاة حينئذ في قيمتها، فإذا كان الحلي المباح مفارق للثياب المعدة للبس في هذه الأحكام فكيف نوجب أو نجوز إلحاقه بها في حكم دل النص على افتراقهما فيه.. إذا تبين ذلك، فإن الزكاة لا تجب في الحلي حتى يبلغ نصابًا، فنصاب الذهب عشرون دينارًا ونصاب الفضة مائتا درهم ومقدار ذلك من العملة من الذهب الموجود حاليًا هو أحد عشر جنيهًا سعوديًا وثلاثة أسباع جنيه.
ومقدار ذلك من العلمة الفضية الحالية ستة وخمسون ريالاً سعوديًا، فمن ملك المبلغ المذكور من الذهب والفضة أو ملك من النقود الورقية أو عروض التجارة ما يساوي المبلغ المذكور من الذهب والفضة فعليه الزكاة إذا حال عليها الحول وما كان دون ذلك فليس فيه زكاة، ونسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم.
ملاحظة: الواجب في زكاة الذهب والفضة والأوراق النقدية ربع العشر أي 2 ونصف % وكذلك الحكم في زكاة العروض من قيمتها. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
®®®®
# هل تجب الزكاة في الذهب الذي تقتنيه المرأة للزينة #
سؤال: هل تجب الزكاة في الذهب الذي تقتنيه المرأة للزينة والاستعمال فقط وليس للتجارة؟ بشير. ع – الخرج.
الجواب: في وجوب الزكاة في حلي النساء إذا بلغت النصاب ولم تكن للتجارة خلاف بين أهل العلم.. والصحيح أنها تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب ولو كانت لمجرد اللبس والزينة.
ونصاب الذهب عشرون مثقالاً ومقداره أحد عشر جنيهًا وثلاثة أسباع الجنيه السعودي، فإن كان الحلي أقل من ذلك فليس فيها زكاة إلا أن تكون للتجارة ففيها الزكاة مطلقًا إذا بلغت قيمتها من الذهب أو الفضة نصابًا، أما نصاب الفضة فهو مئة وأربعون مثقالاً ومقداره من الدراهم ستة وخمسون ريالاً فإن كان الحلي من الفضة أقل من ذلك فليس فيها زكاة إلا أن تكون للتجارة ففيها الزكاة مطلقًا إذا بلغت قيمتها نصابًا من الذهب أو الفضة.
والدليل على وجوب الزكاة في الحلي من الذهب والفضة المعدة للبس عموم قول النبي ﷺ: «ما من صاحبِ ذهبٍ ولا فضةٍ لا يُؤدي زَكاتَهَا إلاّ إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح منْ نارِ فيكوَى بها جنُبهُ وجبينُهُ وظَهرُهُ». [الحديث رواه مسلم وغيره].
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن امرأة دخلت على النبي ﷺ، وفي يد ابنتها مُسكتان من ذهب فقال «أتعطينَ زكاةَ هذا؟» قالت: لا. قال: «أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سُوارين من نار».. فألقتهما وقالت: هما لله ورسوله. [رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن].
وحديث أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهب فقالت: يا رسول الله ! أكنز هو؟ فقال ﷺ: «ما بلغ أن يزكى فزُكي فليسَ بِكَنْز». [رواه أبو داود والدار قطني وصححه الحاكم].
ولم يقل لها ﷺ، ليس في الحلي زكاة. وما روي عن النبي ﷺ، أنه قال: «ليس في الحلي زكاة». فهو حديث ضعيف لا يجوز أن يُعارض به الأصل، ولا الأحاديث الصحيحة، والله ولي التوفيق([215]).
* سائل يقول: عند زوجتي ذهب تلبسه، فهل فيه زكاة؟ وهل دفع زكاته واجب عليَّ أم على زوجتي؟ وهل تخرج الزكاة منه أم يقوم بما يساوي القيمة ويزكي بموجبه؟ إبراهيم أ – الرياض.
الجواب: الزكاة واجبة في الحلي من الذهب والفضة إذا بلغ وزنها النصاب وهو عشرون مثقالاً من الذهب أو مئة وأربعون مثقالاً من الفضة، ومقدار نصاب الذهب بالعملة الحالية أحد عشر جنيهًا سعوديًا وثلاثة أسباع الجنيه.. فإذا بلغ الحلي من الذهب، هذا المقدار أو أكثر وجبت فيه الزكاة ولو كان يلبس في أصح قولي العلماء.
ومقدار نصاب الفضة بالريال السعودي ستة وخمسون ريالاً، فإذا بلغ الحلي من الفضة هذا المقدار أو أكثر وجبت فيها الزكاة، والزكاة ربع العشر من الذهب والفضة وعروض التجارة، وهو اثنان ونصف من المئة وخمسة وعشرون من الألف، وهكذا ما زاد على ذلك.
والزكاة على مالكة الحلي، وإذا أداها زوجها أو غيره عنها بإذنها فلا بأس، ولا يجب إخراج الزكاة منه بل يجزئ إخراجها من قيمته كلما حال عليها الحول حسب قيمة الذهب والفضة في السوق عند تمام الحول... والله ولي التوفيق([216]).
®®®®
# وجوب الزكاة في حلي النساء إذا بلغت النصاب ولم تكن للتجارة #
سؤال: هل تجب الزكاة في الذهب الذي تقتنيه المرأة للزينة والاستعمال فقط وليس للتجارة؟
الجواب: في وجوب الزكاة في حلي النساء إذا بلغت النصاب ولم تكن للتجارة خلاف بين أهل العلم.. والصحيح أنها تجب فيها الزكاة إذا بلغت النصاب ولو كانت لمجرد اللبس والزينة.
ونصاب الذهب عشرون مثقالاً ومقداره أحد عشر جنيهًا وثلاثة أسباع الجنية السعودي، فإن كان الحلي أقل من ذلك فليس فيها زكاة إلا أن تكون للتجارة ففيها الزكاة مطلقًا إذا بلغت قيمتها من الذهب أو الفضة نصابًا، أما نصاب الفضة فهو مئة وأربعون مثقالاً ومقداره من الدراهم ستة وخمسون ريالاً فإن كان الحلي من الفضة أقل من ذلك فليس فيها زكاة إلا أن تكون للتجارة ففيها الزكاة مطلقًا إذا بلغت قيمتها نصابًا من الذهب أو الفضة.
والدليل على وجوب الزكاة في الحلي من الذهب والفضة المعدة للبس عموم قول النبي ﷺ: «ما من صاحب ذهب ولا فضةٍ لا يُؤدي زَكائهَا إلاّ إذا كانَ يوم القيامةِ صفحَت له صفائح منْ نارِ فيكوَى بها جنبُهُ وجبينُهُ وظهرُهُ». [الحديث].
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن امرأة دخلت على النبي ﷺ، وفي يد ابنتها مُسكتان من ذهب فقال: «أتعطينَ زكاةَ هذا؟» قالت: لا. قال: «أيَسُرُّكِ أن يسَوِّرَكِ الله بهمَا يومَ القيامَةِ سُوارين من نار». فألقتهما وقالت: هما لله ورسوله. [رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن].
وحديث أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحًا من ذهب فقالت: يا رسول الله! أكنز هو؟ فقال ﷺ: «ما بلغ أن يزكى فزُكِي فليسَ بِكَنْزِ». [رواه أبو داود والدارقطني وصححه الحاكم]. ولم يقل لها ﷺ، ليس في الحلي زكاة. وما روي عن النبي أنه قال: «ليسَ في الحلي زكاة» فهو حديث ضعيف لا يجوز أن يُعارض به الأصل، ولا الأحاديث الصحيحة، والله ولي التوفيق.
[مجلة الجندي المسلم 35 – اللجنة الدائمة للإفتاء]
®®®®
# تجب الزكاة في حلي المرأة التي تتزين به أو تعيره ذهبًا كان أم فضة #
سؤال: هل تجب الزكاة في الذهب الذي تستعمله المرأة أو تعيره وإذا وجبت فكيف تزكي؟
الجواب: تجب الزكاة في حلي المرأة التي تتزين به أو تعيره ذهبًا كان أم فضة لدخول ذلك في عموم أدلة الكتاب والسنة التي دلت على وجوب الزكاة في الذهب والفضة مثل قوله تعالى: }وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ{([217]). وما ثبت عن النبي ﷺ، أنه قال: «ما من صاحبِ ذهبٍ أو فضةٍ لا يؤدي منها حقها إلا إذا كانَ يوم القيامة صفحت لَهُ صفائح من نارٍ فأحمَي عليها في نار جَهَنَّم فيكوى بِهَا جنبُه وجَبهَتُهُ وظَهْرُهُ كلّما بَرَدت أُعيدت عليهِ في يومٍ كَانَ مِقدارهُ خمسين ألف سَنةٍ حتى يقضَي الله بينَ العبادِ فيرى سبيلَهُ إمَّا إلى الجنَّة وإمَّا إلى النار» [رواه مسلم]. ولما ثبت من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما أن امرأة جاءت إلى رسول الله ﷺ، ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مُسكتان غليظتان من ذهب فقال لها: «أتعطين زكاة هذا؟» قالت: لا، قال: «أيَسُرُّكِ أنْ يُسَوِّرَكِ الله بهما يَومَ القيامةِ سُوارَينِ مِن نار». قال: فخلعتهما وألقتهما إلى النبي ﷺ، وقالت: هما لله عزّ وجلّ ولرسوله. [الدعوة 740 – ابن باز].
# زكاة الحلي من الفضة #
سؤال: لدي فضة عبارة عن حلي للرقبة واليدين والرأس وحزام، وقد طلبت من زوجي مرارًا بأن يبيعها ويزكي عنها فيقول إنها لم تبلغ النصاب. ومر عليها الآن 23 سنة تقريبًا ولم أزك عنها فماذا يلزمني الآن؟
الجواب: إذا كانت لم تبلغ النصاب فلا زكاة فيها مع العلم بأن النصاب من الفضة مائة وأربعون مثقالاً، ومقدارها ستة وخمسون ريالاً فضة، فإذا بلغ الحلي من الفضة هذا المقدار وجبت فيها الزكاة في أصح قولي العلماء كلما حال عليها الحول.. والواجب ربع العشر وهو ريالان ونصف من كل مئة وخمسة وعشرون من كل ألف، أما الذهب فنصابه عشرون مثقالاً، ومقدارها أحد عشر جنيهًا ونصف بالجنيه السعودي وبالغرام اثنان وتسعون غرامًا، فإذا حال الحول على الحلي من الذهب البالغ هذا المقدار أو ما هو أكثر منه وجبت فيها الزكاة في أصح قولي العلماء وهي ربع العشر ومقدار ذلك جنيهان ونصف من كل مئة جنيه أو قميتها من العملة الورقية أو الفضة، وما زاد فبحساب ذلك لقول النبي ﷺ: «مَا من صاحب ذهبٍ ولا فضةٍ لا يؤدي زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفَحت له صفائح من نار فيكوى بها جبهته وجنبه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد ثم يُرى سبيله إمَّا إلى الجنة وإمَّا إلى النار...». [الحديث أخرجه مسلم في صحيحه].
وثبت عنه ﷺ، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال لامرأة دخلت عليه ﷺ، وفي يد ابنتها مُسكتان من ذهب: «أتعطين زكاة هذا؟». قالت: لا. قال لها ﷺ: «أيسرك أن يسورك الله بهما يومَ القيامة سُوارينِ من نار؟». فألقتها وقالت: هما لله ولرسوله. [أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح]. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. والله ولي التوفيق. [الدعوة 971 – ابن باز].
®®®®
# سائلة تقول: عندي حلي ولم أزكه منذ 24 عامًا #
سؤال: أنا امرأة متزوجة وعمري ما يقارب 30 عامًا ومنذ حوالي أربعة وعشرين عامًا يوجد عندي قطع من الذهب لم تعد من التجارة وإنما أعدت للزينة وأحيانًا أقوم ببيعها ثم أضيف عليها بعض المال وأشتري أحسن منها، والآن يوجد عندي بعض الحلي، وقد سمعت بوجوب الزكاة في الذهب المعد للزينة فأرجو إيضاح الأمر لي، وإذا كانت الزكاة واجبة علي فما الحكم في المدة الماضية التي لم أزكِ فيها مع العلم أنني لا أستطيع أن أقدر ما عندي من ذهب طوال تلك السنين؟
الجواب: يجب عليك الزكاة من حين علمت وجوبها في الحلي، وأما ما مضى قبل ذلك من الأعوام قبل علمك فليس عليك فيها زكاة، لأن الأحكام الشرعية إنما تلزم بعد العلم، والواجب ربع العشر إذا بلغت الحلي النصاب وهو عشرون مثقالاً مقداره بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهًا ونصف الجنيه، فإذا بلغت الحلي من الذهب هذا المقدار أو ما هو أكثر منه ففيها الزكاة في كل ألف خمسة وعشرون، وأما الفضة فنصابها مئة وأربعون مثقالاً ومقدارها من الفضة ستة وخمسون ريالاً أو ما يعادلها من العملة الورقية والواجب في ذلك ربع العشر كالذهب.
وأما الماس والأحجار الأخرى فليس فيها زكاة إذا كانت للبس، أمَّا إن كانت للتجارة ففيها الزكاة على حسب قيمتها من الذهب والفضة إذا بلغت النصاب. والله ولي التوفي.
[الدعوة 969 – ابن باز].
# حكم من تجهل وجوب زكاة الحلي فيما مضى #
الأخ فهد الحمالي من المزاحمية بعث سؤالاً يقول فيه:
سؤال: امرأة عندها ذهب يبلغ النصاب ولم تعلم بأنه تجب فيه الزكاة إلا بعد مضي حوالي خمس سنوات عليه عندها فلما علمت بذلك أرادت أن تزكيه ولا يوجد عندها غير هذا الذهب شيء، فماذا تفعل من أجل تزكيته بالنسبة للسنوات الخمس الماضية؟ هل تبيع جزءًا منه أم مَاذا تفعل؟ وكيف تفعل بالنسبة للسنوات القادمة. علمًا أنها إن أرادت أن تزكي دفعة واحدة لا تستطيع إلا أن تبيع بعضه كل سنة حيث لا يوجد لديها دخل لا قليل ولا كثير؟
الجواب: عليها أن تخرج الزكاة مستقبلاً عن حليها كل سنة إذا بلغت النصاب وهو عشرون مثقالاً ومقدارها بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهًا وثلاثة أسباع الجنيه وبالغرام اثنان وتسعون غرامًا، ولو بيع بعض الذهب أو غيره من أملاكها فإن أداها عنها زوجها أو أبوها أو غيرهما بإذنها فلا بأس وإلا فإن الزكاة تبقى دينًا في ذمتها حتى تؤديها. وأما السنوات الماضية قبل علمها بوجوب الزكاة في الحلي فلا شيء عليها عنها لجهلها وللشبهة في ذلك لأن بعض أهل العلم لا يرى وجوب الزكاة في الحلي التي تلبس أو المعدة لذلك ولكن الأرجح وجوب الزكاة فيها إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول لقيام الدليل من الكتاب والسنة على ذلك. والله ولي التوفيق [الدعوة 133 – ابن باز ].
# هل تجمع المرأة حلي بناتها عند إخراج الزكاة مع حليها؟ #
سؤال: يقول السائل هل ذهب المرأة الذي للزينة عليه زكاة أم لا؟
الجواب: نعم ذهب المرأة عليه زكاة إذا كان يبلغ النصاب والنصاب عشرون مثقالاً وقدرها خمسة وثمانون غرامًا فإذا بلغ هذا النصاب وجب عليها زكاته سواء ما تلبس أو الذي لا تلبسه إلا أحيانًا إذا كان ما عندها يبلغ النصاب فإنها تزكيه. لكن لو فرض امرأة عندها حلي يبلغ النصاب ولها بنات لكل بنت حلي لا يبلغ النصاب فإن حلي البنات ليس فيه زكاة لأن حلي كل بنت ملك لها وهو لا يبلغ النصاب. أي لا نجمع حلي البنات بعضه إلى بعض ونزكيه فإن كل بنت مستقل ملكها عن البنت الأخرى.
# ما مقدار زكاة الذهب والفضة وكيفية إخراجها؟ #
سؤال: تقول السائلة: وزن زوجي ما أملك من الحلي فكان حوالي تسعًا وأربعين جنيهًا سعودي فما مقدار زكاته وهل هي في الذهب أم بالريالات؟
الجواب: مقدار زكاة الذهب والفضة وعروض التجارة كلها مقدارها ربع العشر وكيفية ذلك أن تقسم الحاصل على أربعين فالخارج بالقسمة هو الزكاة فهذا الذهب الذي ذكرت السائلة نقول ننظر في قيمته فأي مبلغ بلغت يقسم على أربعين والحاصل في القسمة هو مقدار الزكاة وسؤالها هل يجب أن يخرج من الذهب أو من القيمة؟: نرى أنه لا بأس أن يخرج من القيمة ولا يجب أن يخرج من الذهب. وذلك لأن مصلحة أهل الزكاة في إخراجها من القيمة، فإن الفقير لو أعطيته سوارًا من الذهب أو أعطيته قيمة هذا السوار لكان قيمة السوار أحب إليه وأنفع له([218]).
# ما حكم زكاة الذهب المعد للاستعمال؟ #
سؤال: يقول السائل هل يزكى الذهب الذي تلبسه المرأة في الحفلات؟
الجواب: الصحيح أن الذهب الذي تلبسة المرأة تجب فيه الزكاة وذلك لعموم قول الله تعالى: }وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{. [سورة التوبة، آية: 34]. ولعموم قول النبي ﷺ، فيما رواه أبو هريرة وهو في صحيح مسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فيحمى عليها في نار جهنم ثم يكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد ثم يُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار». وللأحاديث الخاصة في الحلي مثل ما أخرجه الثلاثة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص t في قصة امرأة جاءت إلى النبي ﷺ، وفي يد ابنتها مُسكتان غليظتان من ذهب يعني سوارين غليظين فقال النبي ﷺ: «أتؤدين زكاة هذا؟».
قالت: لا. قال: «أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار».
قال ابن حجر في بلوغ المرام إن إسناده قوي وذكر له شواهد، وبهذا نعرف أن القول الراجح وجوب زكاة الحلي إذا كان من ذهب أو فضة لكن بشرط أن يبلغ النصاب وقد حررنا النصاب فإذا هو في الذهب خمسة وثمانون غرامًا وأما في الفضة فهو ما يزن ستة وخمسين ريالاً عربيًا سعوديًا، وإذا ملكت المرأة حلي ذهب يبلغ خمسة وثمانين جرامًا وجبت زكاته سواء كانت تلبسه دائمًا أو تلبسه في المناسبات([219]).
®®®®
# ما حكم زكاة الحلي الملبوس؟ #
سؤال: هل يجب أن تزكي المرأة على الذهب الذي تلبسه إذا كان كثيرًا والعكس؟
الجواب: لقد كثر الخلاف والكلام حول زكاة الحلي الذي تلبسه النساء من الذهب والفضة ونحوهما، فالجمهور على أنه لا زكاة فيه، حيث إنه معد للاستعمال ولا نماء فيه، وقيل زكاته عاريته والراجح من حيث الدليل أن يزكى كل عام فيقدر بقيمته الحالية ويخرج عنها ولا ينظر إلى رأس المال، والدليل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في المرأة التي في يد ابنتها مسكتان من ذهب فقال لها النبي ﷺ: «أتعطين زكاة هذا؟» قالت: لا. قال: «أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار». إلخ. وغيره من الأحاديث والله أعلم.
[المسلمون 54 – ابن جبرين]
®®®®
([1]) سورة الشعراء آية 88 – 89.
([2]) سورة الأحزاب آية 71.
([3]) سورة الحجر 99.
([4]) سورة الأنعام آية 162 – 163.
([5]) ولفظه: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة).
([6]) سورة طه آية 123.
([7]) سورة المائدة آية 27.
([8]) سورة النحل الآية 43
([9]) رواه البخاري ومسلم.
([10]) رواه البيهقي عن عبد الله بن أبي أو فى ورمز السيوطي لضعفه.
([11]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 163 و165 و183.
([12]) انظر (النصائح الدينية) ص 37 – 39.
([13]) انظر كلمات مختارة ص 74 – 76.
([14]) انظر الروض المربع جزء 1 ص 124.
([15]) انظر الروض المربع جزء 1 ص 124.
([16]) انظر تفسير ابن كثير جزء 1 ص 215.
([17]) انظر عمدة الفقه لابن قدامة ص 28.
([18]) انظر مجالس شهر رمضان ص 102 – 108.
([19]) سورة السجدة آية (16).
([20]) انظر وظائف رمضان لابن قاسم ص 42 – 43 .
([21]) انظر مجالس شهر رمضان لابن عثيمين ص 26 – 30 .
([22]) انظر وظائف شهر رمضان لابن قاسم ص 36.
([23]) انظر رياض الصالحين ص 467 – 469.
([24]) انظر فضائل القرآن لابن كثير ص 169 – 172 وحاشية مقدمة التفسير لابن قاسم ص 107.
([25]) الموافقات للشاطبي جزء 3 ص 224.
([26]) انظر فضائل القرآن لابن كثير ص 125 – 126.
([27]) انظر حاشية مقدمة التفسير لابن قاسم ص 107.
([28]) رواه أحمد النسائي وابن ماجه عن عثمان بن أبي العاص ورواه ابن خزيمة في صحيحه.
([29]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 172 – 178 .
([30]) تفسير ابن كثير جزء 1 ص 313 .
([31]) تفسير آيات الأحكام للصابوني جزء 1 ص 192.
([32]) انظر تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن لابن سعدي ص 56 .
([33]) تفسير ابن كثير جزء 1 ص 214.
([34]) تفسير آيات الأحكام للصابوني جزء 1 ص 192.
([35]) تفسير ابن كثير جزء 1 ص 218.
([36]) المصدر السابق ص 219.
([37]) تفسير ابن كثير جزء 1 ص 218.
([38]) الصحيح المسند من أسباب النزول ص9.
([39]) الصحيح المسند من أسباب النزول ص9.
([40]) تفسير آيات الأحكام للصابوني جزء 1 ص 193.
([41]) انظر الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي ص 24 – 28، وتيسير اللطيف المنان لابن سعدي ص 56 – 58..
([42]) منهاج المسلم ص 303.
([43]) الترغيب والترهيب جزء 2 ص 206.
([44]) انظر الطائف المعارف لابن رجب ص 163.
([45]) انظر رسالة الصيام للشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ص 21 – 22 .
([46]) الرفث: الفحش في القول، والصخب: شدة الصوت.
([47]) انظر ملحق مجلة الوعي الإسلامي لشهر رمضان عام 1390هـ ص 38 – 40.
([48]) انظر (زاد المعاج في هدي خير العباد) جزء 1 ص 320 – 338.
([49]) الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم ص 32 – 33.
([50]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 156 – 224.
([51]) انظر موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين ص 59 – 60.
([52]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 196 – 203.
([53]) انظر تفسير ابن كثير جزء 4 ص 429.
([54]) انظر رياض الصالحين ص 12 و772 – 775.
([55]) عن أبي هريرة.
([56]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 220 – 228.
([57]) انظر تفسير ابن كثير جزء 2 ص 210.
([58]) انظر المجموعة الجليلة ص 452.
([59]) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم جزء 4 ص 295 – 296،
([60]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام جزء 25 ص 266 – 267.
([61]) الاختيارات الفقهية ص 108.
([62]) الإرشاد إلى معرفة الأحكام ص 85 – 86.
([63]) المجموعة الجليلة ص 158.
([64]) الدور السنية في الأجوبة النجدية جزء 4 ص 366 و384.
([65]) انظر الإرشاد إلى معرفة الأحكام لابن سعدي ص 81، ومنهج السالكين له ص 37.
([66]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 285- 288.
([67]) انظر زاد المعاد في هدي خير العباد جزء 1 ص 250 – 254 لابن القيم رحمه الله تعالى.
([68]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 232 – 236.
([69]) سورة البقرة آية 286.
([70]) سورة النحل آية 106.
([71]) سورة الأحزاب آية 5.
([72]) رواه الترمذي وقال حديث غريب وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه والبيهقي ورواه النسائي والحاكم بنحو هذا اللفظ وقال صحيح على شرطهما (الترغيب والترهيب ﺟ2 ص 220).
([73]) رواه الطبراني ورواته ثقات (المصدر السابق ص 222).
([74]) رواه البخاري ومسلم.
([75]) رواه البخاري ومسلم.
([76]) سورة البقرة آية 43.
([77]) سورة البقرة آية 238.
([78]) رواه الترمذي قال حديث صحيح (رياض الصالحين ص 492).
([79]) سورة البينة آية 5.
([80]) سورة النور آية 56.
([81]) متفق عليه.
([82]) متفق عليه.
([83]) رواه البخاري.
([84]) متفق عليه.
([85]) رواه الخمسة وأعله أحمد وقواه الدار قطني (بلوغ المرام ص 156).
([86]) رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح (الأربعون النووية) حديث رقم 11.
([87]) متفق عليه
([88]) متفق عليه.
([89]) رواه مالك في الموطأ جـ1 – ص 138.
([90]) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح والنسائي (مشكاة المصابيح جـ1 ص 406 وهو الحديث رقم 1298).
([91]) رواه ابن خزيمة في صحيحه جـ 3 ص 191 – 192.
([92]) رواه البخاري ومسلم وغيرهما (الترغيب والترهيب جـ 2 ص 305).
([93]) انظر الصيام في الإسلام للشيخ محمد محمود الصواف ص 13، 14 ولطائف المعارف لابن رجب ص 163 والرياض الناضرة لابن سعدي ص 15.
([94]) سورة النور آية 30.
([95]) سورة الإسراء آية 36.
([96]) أخرجه أحمد وغيره وفي سنده ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ (انظر زاد المعاد لابن القيم 2/69 بتحقيق الأرنؤوط.
([97]) متفق عليه.
([98]) سورة غافر آية 46 وهذه الآية من ادلة عذاب القبر ويكون للنفس والبدن جميعًا باتفاق أهل السنة والجماعة، انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 348.
([99]) سورة يونس آية 90.
([100]) سورة يونس آية 91 – 92.
([101]) سورة النازعات آية 24.
([102]) سورة القصص آية 38.
([103]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 45 – 53 وزاد المعاد لابن القيم جـ 1 ص 349.
([104]) من كتاب الرياض الناضرة للشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي رحمه الله.
([105]) سورة البقرة آية 183.
([106]) رواه الترمذي وأصله في الصحيحين.
([107]) أخرجه الدارمي عن عبد الله بن عمر عن رسول الله ﷺ.
([108]) رواه مسلم عن أبي هريرة.
([109]) أخرجه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو.
([110]) أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ.
([111]) متفق عليه.
([112]) رواه مسلم، وروى نحوه أحمد عن أبي أمامة والترمذي عن أم سلمة.
([113]) الإسراء: 79.
([114]) الفرقان 64.
([115]) أخرجه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو.
([116]) أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي عن عوف بن مالك بأسانيد صحيحة.
([117]) أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي عن عوف بن مالك بأسانيد صحيحة.
([118]) متفق عليه من رواية أبي هريرة.
([119]) أخرجه أحمد وابن ماجة.
([120]) رسائل رمضانية إعداد الشئون الدينية بالأمن العام في المملكة العربية السعودية.
([121]) إتحاف أهل الإيمان بدروس شهر رمضان للشيخ الدكتور صالح الفوزان ص 87.
([122]) انظر دليل الطالب للشيخ مرعي بن يوسف ص 75، 76.
([123]) انظر عمدة الفقه لموفق الدين بن قدامة ص 28.
([124]) قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات.
([125]) سورة البقرة آية 185.
([126]) لحديث أبي أيوب رواه مسلم.
([127]) لحديث أبي قتادة، رواه مسلم، والمراد تكفير الصغائر بشرط اجتناب الكبائر.
([128]) لحديث أبي قتادة، رواه مسلم، والمراد تكفير الصغائر بشرط اجتناب الكبائر.
([129]) سورة الحجر آية 99.
([130]) سورة التغابن آية 16.
([131]) المفردات في غريب القرآن ص: 213 والمعجم الوسيط ص: 398.
([132]) النهاية في غريب الحديث ج 2 ص: 307.
([133]) انظر: المصباح ج1 ص: 272 والمختار من صحاح اللغة ص 218 والمطلع على أبواب المقنع ص: 222 والروض المربع ج 1 ص: 107 والمجموع شرح المهذب ج5 ص: 291.
([134]) الإقناع في فقه الإمام ابن حنبل ج 1 ص: 242.
([135]) كشاف القناع عن متن الإقناع ج 2: ص 166.
([136]) صحيح البخاري ج 1 ص 8 باب " دعاؤكم إيمانكم ". ومختصر صحيح مسلم ج 1 ص 22 باب " بني الإسلام على خمس ".
([137]) صحيح البخاري ج 2 ص 90 باب "وجوب الزكاة ". ومختصر صحيح مسلم ج1 ص 136 باب " وجوب الزكاة ".
([138]) صحيح البخاري ج 2 ص 101.
([139]) انظر دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين ج 4 ص 9 وأحكام الأحكام شرح أصول الأحكام لابن قاسم جـ 2 ص5..
([140]) انظر المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير ج 2 ص 434، والإفصاح لابن هبيرة ج 1 ص 131، والمجموع شرح المهذب ج 5 ص 292.
([141]) انظر بدائع الصنائع ج 2 ص 811
([142]) مختصر صحيح مسلم ج2 ص 243.
([143]) قوله: " وتراقيهما " جمع ترقوة: وهو: العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق، " انبسطت عنه " أي انتشرت عنه الجبة، " تغشى " تغطي، " وتعفو أثره " أي أثر مشيه لسبوغها، " قلصت " أي: تأخرت وانضمت وارتفعت، " وأخذت كل حلقة بمكانها " أي من الجبة " يقول بإصبعه " فيه التعبير بالقول عن الفعل " فلو رأيته يوسعها لا ولا تتوسع " أي لتعجبت. اهـ. من تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على المرجع السابق.
([144]) اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ج1 ص 211 – 212.
([145]) انظر العبادة في الإسلام للقرضاوي ص 258 – 259.
([146]) رياض الصالحين للنووي ص 302.
([147]) المصدر السابق ص 304.
([148]) اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ج1 ص 208.
([149]) المصدر السابق ص 209، والفلو: المهر وهو ولد الخيل. اهـ. المصباح المنير ج2 ص 137، 250.
([150]) رياض الصالحين ص 147.
([151]) انظر العبادة في الإسلام ص 260 – 261 وانظر فقه الزكاة ج 2 ص 857 – 880.
([152]) الزكاة في الإسلام لحسن أيوب ص 8.
([153]) الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 144 ورمز له بالصحة.
([154]) الترغيب والترهيب ج 2 ص 134.
([155]) انظر العبادة في الإسلام ص 260 – 261 وانظر فقه الزكاة ج 2 ص 857 – 880.
([156]) اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ج 1 ص 237.
([157]) انظر الزكاة في الإسلام لحسن أيوب ص 108.
([158]) زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم ج 1 ص 306 – 308.
([159]) مختصر منهاج القاصدين ص 30.
([160]) انظر: كتاب: من حكم الشريعة وأسرارها ص 55- 62.
([161]) انظر الرياض الناضر للشيخ عبد الرحمن السعدي ص 17 – 19.
([162]) المهذب ج 1 ص 140 – 141 والمغني مع الشرح الكبير ج2 ص 435.
([163]) مؤتجرًا أي طالبًا للأجر.
([164]) (شطر إبله) قال في المصباح شطر كل شيء: نصفه وقوله: (عزمة) بإسكان الزاي (من عزمات ربنا) بفتحها ومعناه: حق لابد منه.
([165]) انظر نيل الأوطار ج 4 ص 138.
([166]) صحيح البخاري ج 1 ص 11 وصحيح مسلم ج 1 ص 200.
([167]) نيل الأوطار ج 4 ص 134 – 135 والعناق: الأنثى من أولاد الماعز قبل استكمالها الحول.
والعقال: الحبل الذي يعقل به البعير.
([168]) الشجاع: الذكر من الحيَّات. والأقرع: الأصلع من الشعر، والزبيبتان: نقطتان سوداوان فوق عينيه. وقيل: نقطتان منتفختان في شدقيه.
([169]) صحيح البخاري ج 2 ص 99. والبخل: أن يمنع الإنسان الحق الواجب عليه.
([170]) انظر تفسير الطبري ج 2 ص 217 – 223.
([171]) مختصر صحيح مسلم ج 1 ص 138.
([172]) الكبائر للذهبي ص 34. ط / الاستقامة بالقاهرة.
([173]) سورة التوبة آية 34 – 35.
([174]) روه مسلم (رياض الصالحين) ص 124.
([175]) سورة الذَّاريات آية 55.
([176]) سورة البقرة آية 43 – 110.
([177]) سورة البينة آية 5.
([178]) سورة التوبة آية 103.
([179]) سورة التوبة آية 35.
([180]) المصدر السابق ص 61.
([181]) سورة الحديد آية 7.
([182]) رواه البزار والبيهقي بلفظ " إلا أفسدته " الترغيب والترهيب ج 2 ص 63.
([183]) عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله ﷺ إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهم صل عليهم». فأتاه أبي بصدقته فقال: «اللهم صل على آل أبي أوفى» متفق عليه (بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار) ج 1 ص 494.
([184]) سورة التوبة آية 60.
([185]) سورة البقرة آية 254.
([186]) سورة التوبة آية 103.
([187]) سورة سبأ آية 39.
([188]) متفق عليه. اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ج 1 ص 203.
([189]) سورة التوبة آية 35.
([190]) رواه البخاري ومسلم «الترغيب والترهيب» ج 2 ص 56 – 57.
([191]) رواه البخاري ومسلم. المصدر السابق ج 2 ص 61.
([192]) أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه وأخرجه أبو داود في باب (الكنز ما هو؟) " الإلمام بأحاديث الأحكام " ص 224.
([193]) رواه البخاري ومسلم. " الإلمام بأحاديث الأحكام " ص 217.
([194]) سورة التوبة آية 60.
([195]) من كتاب الرياض الناضرة للشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله ص 15 – 17.
([196]) من مجالس شهر رمضان للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 74 – 78.
([197]) سورة البينة آية 5.
([198]) سورة المزمل آية 20.
([199]) سورة الروم آية 39.
([200]) سورة البقرة من آية 267.
([201]) سورة الأنعام من آية 141.
([202]) سورة التوبة آية 34.
([203]) أي عند مسلم.
([204]) في سنده ضعف لكن له شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن فيكون حجة وقد أخذ به عامة.
([205]) من مجالس شهر رمضان للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص 74 – 78.
([206]) سورة التوبة آية 60.
([207]) سورة المائدة آية 50.
([208]) روى نحوه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري وقال: حسن صحيح.
([209]) قال أحمد: ما أجوده من حديث.
([210]) (تطهرهم وتزكيهم بها) سورة التوبة من آية 103.
([211]) سورة التوبة آية 34 – 35.
([212]) بفتح الميم والسين وهي الأسورة والخلاخيل.
([213]) الأوضاح: نوع من الحلي سميت بذلك لبياضها.
([214]) رواه البخاري.
([215]) كتاب الدعوة فتاوى مجلة الدعوة لسماح الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ص 99 -100.
([216]) المصدر السابق ص 100 – 101.
([217]) سورة التوبة آية 34 – 35.
([218]) من فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين (من الأحكام الفقهية في الفتاوى النسائية) ص 17 و23.
([219]) المصدر السابق ص 18 - 19، وانظر كتاب (دروس وفتاوى في الحرم المكي) للشيخ محمد الصالح العثيمين ص 109 فقد ذكر جوابًا تفصيليًا في وجوب الزكاة في الحلي الملبوس ورد على شبهات من قال بعدم وجوب الزكاة فيه بما فيه كفاية.