×
من أحكام سورة المائدة: قال المصنف - حفظه الله -: «فهذه رسالة مختصرة في «تفسير خمس الآيات الأول من سورة المائدة» بيّنت فيها - بتوفيق الله تعالى - الأحكامَ التي اشتملت عليها هذه الآيات الكريمات».

من أحكام سورة المائدة

تأليف الفقير إلى الله تعالى

د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني

بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد، فهذه رسالة مختصرة في ((تفسير خمس الآيات الأول من سورة المائدة)). بيّنت فيها بتوفيق الله تعالى الأحكام التي اشتملت عليها هذه الآيات الكريمات:

وقد قسمت هذا الموضوع إلى ستة أبواب، وتحت كل باب فصلان:

الباب الأول: مقدمات لهذا البحث، والفصل الأول منه في معرفة سبب نزول سورة المائدة، وأغراضها، ومضامينها، والفصل الثاني: في معرفة سبب نزول الآيات الخمس، وأهمية نزول هذه الآيات، وما نسخ منها وما لم ينسخ.

الباب الثاني: تفسير الآية الأولى من سورة المائدة، والفصل الأول من هذا الباب، تعريف العقود، والمراد بالعهود، وتعريف بهيمة الأنعام، والفصل الثاني: في بيان ما أحل الله للمؤمنين من بهيمة الأنعام، ومناسبة ذكر الحل، وبيان ما استثنى مما أحل الله للمؤمنين، والضابط العام للأنواع المحرمة من الحيوانات والطيور.

الباب الثالث: تفسير الآية الثانية من سورة المائدة، الفصل الأول من هذا الباب في تعريف الشعائر، وبيان سبب نزول هذه الآية الكريمة، وأقوال العلماء فيما نسخ من هذه الآية وما لم ينسخ، والفصل الثاني في إباحة الصيد بعد حل الإحرام، والأمر بالتعاون على البر والتقوى.

الباب الرابع: تفسير الآية الثالثة من سورة المائدة، الفصل الأول من هذا الباب معرفة ما حرمه الله من بهيمة الأنعام، وإبطال عادات الجاهلية في أكل المحرمات من بهيمة الأنعام، وتعريف الذكاة الشرعية، وذكر شروطها، والفصل الثاني تحريم أكل ما ذبح لغير الله، والاستقسام بالأزلام، وذكر إتمام الله النعمة على هذه الأمة، وإكماله الدين، ورفع الإثم عمن اضطر إلى شيء من المحرمات من بهيمة الأنعام غير باغٍ ولا عادٍ، وذكر الحكمة من ذلك.

الباب الخامس: تفسير الآية الرابعة من سورة المائدة، الفصل الأول من هذا الباب بيان شروط الصيد بالجوارح: من الكلاب والطيور، والفصل الثاني, بيان الاختلاف في حل صيد بعض الجوارح، وبيان اختلاف العلماء في إمساك الجارح من الطيور والكلاب عن الأكل من الصيد، هل يكون ذلك شرطاً أم لا؟.

الباب السادس: تفسير الآية الخامسة من سورة المائدة، الفصل الأول من هذا الباب: بيان المقصود بالحل في طعام أهل الكتاب، ومتى يحل ومتى لا يحل؟ وحكم نكاح الكتابيات، والفصل الثاني: حكم المرتد، وحكم من حكم بغير ما أنزل الله.

والله أسأل أن يجعل هذه الكلمات القليلة مباركة، نافعة، خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفعني بها في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع بها من انتهت إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

حرر في عام 1404هـ.



الباب الأول

ويشتمل على فصلين، هما:

الفصل الأول:

أولاً: معرفة سبب نزول سورة المائدة.

ثانياً: أغراض، ومضامين سورة المائدة.

الفصل الثاني:

أولاً:معرفة سبب نزول الآيات الخمس الأُول من سورة المائدة.

ثانياً: أهمية نزول هذه الآيات الخمس.

ثالثاً: ما نسخ منها وما لم ينسخ.


الفصل الأول أولاً: معرفة سبب نزول سورة المائدة.

قال ابن عباس، والضحاك: هي مدنية، وقال مقاتل: ((نزلت نهاراً، وكلها مدنية، وقال أبو سليمان الدمشقي: فيها من المكي: ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...[ الآية، والصحيح أن قوله تعالى:]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ[ نزلت بعرفة يوم عرفة؛ فلهذا نسبت إلى مكة([1]).

روى الحاكم في المستدرك عن جبير بن نفير قال: ((حججت فدخلت على عائشة، فقالت لي: يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت: نعم، قالت: أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه) قال الحاكم: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه)) ووافقه الذهبي([2]).

قال القرطبي: وهي مدنية بإجماع... وكل ما نزل من القرآن بعد هجرة النبي ﷺ‬ فهو مدني، سواء نزل بالمدينة أو في سفر من الأسفار([3]).

ثانياً: أغراض ومضامين سورة المائدة.

افتتح الله I هذه السورة بالأمر بالوفاء بالعقود، ثم المضي بعد هذا الافتتاح في بيان الحلال والحرام، من الذبائح، والمطاعم، والمشارب، والمناكح، وبيان كثير من الأحكام الشرعية، والتعبدية، وبيان حقيقة العقيدة الصحيحة، وبيان حقيقة العبودية، وحقيقة الألوهية، وبيان علاقات الأُمّة المؤمنة بشتى الأمم والملل والنحل، وبيان تكاليف الأمة المؤمنة في القيام لله، والشهادة بالقسط، والوصاية على البشرية بكتابها المهيمن على كل الكتب قبلها، والحكم فيها بما أنزل الله كله، والحذر من الفتنة عن بعض ما أنزل الله، والحذر من عدم العدل تأثراً بالمشاعر الشخصية والمودة والشنآن... افتتاح السورة على هذا النحو، والمضي فيها على هذا النهج يعطي كلمة ((العقود)) معنى أوسع من المعنى الذي يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، ويكشف أن المقصود بالعقود هو كل ضوابط الحياة التي قررها الله... وفي أولها عقد الإيمان بالله، ومعرفة حقيقة ألوهيته سبحانه، ومقتضى العبودية لألوهيته، هذا العقد الذي تنبثق منه، وتقوم عليه سائر العقود، وسائر الضوابط في الحياة([4]).

وفي سورة المائدة تسع عشرة فريضة ليست في غيرها وهي: ]الْمُنْخَنِقَةُ، وَالْمَوْقُوذَةُ، وَالْمُتَرَدِّيَةُ، وَالنَّطِيحَةُ، وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ[، ]وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ[، ]وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ[، ]وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ[، ]وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وتمام الطهور في قوله: ]إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ[، ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ[، ]لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إلى قوله: ]عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ[، و]مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وقوله تعالى: ]شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ[ الآية، والفريضة التاسعة عشرة قوله ﷻ‬: ]وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ[، فليس للأذان ذكر في القرآن إلا في هذه السورة، أما ما جاء في سورة ((الجمعة))، فمخصوص بالجمعة، وهو في هذه السورة عام لجميع الصلوات([5]).


الفصل الثاني أولاً: معرفة سبب نزول الآيات الخمس الأُول من سورة المائدة:

1 - أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في قوله تعالى: ]لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله[ قال: كان المشركون يحجّون البيت الحرام، ويهدون الهدايا، ويعظّمون حرمة المشاعر، وينحرون في حجّهم، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم، فقال الله: ]لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله[([6]).

2 - وفي الصحيحين من حديث طارق بن شهاب، قال: ((جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرؤون آية من كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: وأي آية هي؟ قال: قوله: ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا[([7] فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله ﷺ‬، والساعة التي نزلت فيها، والمكان الذي نزلت فيه على رسول الله ﷺ‬، وهو قائم بعرفة يوم جمعة، وفي لفظ: نزلت عشية عرفة))([8] قال سعيد بن جبير: عاش رسول الله ﷺ‬ بعد ذلك واحداً وثمانين يوماً.

3- قال ابن الجوزي في تفسيره: ((زاد المسير في علم التفسير)): في قوله تعالى: ]يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ... [ الآية:

((في سبب نزولها قولان:

أحدهما: أن النبي ﷺ‬ لما أمر بقتل الكلاب، قال الناس: يا رسول الله ماذا أحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فنزلت هذه الآية([9]).

والثاني: أن عدي بن حاتم، وزيد الخيل الذي سماه رسول الله ﷺ‬: زيد الخير قالا: ((يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة، فمنه ما ندرك ذكاته، ومنه ما لا ندرك ذكاته، وقد حرم الله الميتة،فماذا يحل لنا منها، فنزلت هذه الآية، قاله سعيد بن جبير))([10]).

وكان السبب في أمر النبي ﷺ‬ بقتل الكلاب هو ما رواه مسلم عن عبد الله بن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: ((أخبرتني ميمونة أن رسول الله ﷺ‬ أصبح يوماً واجماً([11] فقالت ميمونة: يا رسول الله لقد استنكرت هيئتك منذ اليوم، قال رسول الله ﷺ‬: ((إن جبريل كان واعدني أن يلقاني الليلة فلم يلقني أما والله ما أخلفني) قال: فظل رسول الله ﷺ‬ يومه ذلك على ذلك، ثم وقع في نفسه جرو كلب تحت فسطاط لنا، فأمر به فأخرج، ثم أخذ بيده ماء فنضح مكانه، فلما أمسى لقيه جبريل فقال له: ((قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة) قال: أجل ولكنَّا لا ندخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة، فأصبح رسول الله ﷺ‬ يومئذ، فأمر بقتل الكلاب، حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير، ويترك كلب الحائط الكبير([12] وعن جابر t قال: أمرنا رسول الله ﷺ‬ بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها فتقتله، ثم نهى رسول الله ﷺ‬ عن قتلها، وقال: ((عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان))([13]).

4 - نزول قوله تعالى:]وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ[([14]):

أ- قال ابن الجوزي: ((إن الله تعالى لما رخّص في نكاح الكتابيات قلن بينهن لولا أن الله تعالى قد رضي علينا، لم يبح للمؤمنين تزويجنا، وقال المسلمون: كيف يتزوج الرجل منا الكتابية وليست على ديننا، فنزلت: ]وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ[،رواه أبو صالح عن ابن عباس.

ب - وقال مقاتل بن حيان: نزلت فيما أحصن المسلمون من نساء أهل الكتاب، يقول: ليس إحصان المسلمين إياهن بالذي يخرجهن من الكفر([15]).

ثانياً: أهمية نزول هذه الآيات الخمس وما نسخ منها وما لم ينسخ:

1- أهمية نزول هذه الآيات الخمس:

لاشك أن هذه الآيات الخمس تضمنت أحكاماً عظيمة، وهذه الأحكام محكمة لم يدخل عليها نسخ، فقد تضمنت هذه الآيات أحكاماً منها:

أ- أحكام العقود، والعهود.

ب- أحكام الصيد في الحل والإحرام.

ت - إبطال عادات الجاهلية: حيث كانوا يحرمون على أنفسهم، البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، وكانوا يأكلون الميتة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، والدم، ويأكلون ما قتلته السباع من بهيمة الأنعام، وغير ذلك مما سأبينه في الفصول القادمة إن شاء الله تعالى.

فجاء الإسلام بإبطال هذه العادات كلها، وأحل للمؤمنين الطيبات، وحرم عليهم الخبائث كهذه المحرمات وغيرها.

ث- جاء في هذه الآيات الخمس كذلك، استثناء ما أدركت ذكاته من المحرمات المذكورة آنفاً، فما أدرك المسلمون حياته من هذه المذكورات فذُكِّي قبل زهوق نفسه، فهو من الطيبات.

ج- جاء في هذه الآيات الخمس، حكم الصيد بالجوارح، من الكلاب والطيور المُعلَّمة.

ح- وجاء كذلك فيها حل طعام أهل الكتاب - اليهود، والنصارى-.

خ- وكذلك حكم نكاح الكتابيات المحصنات من أهل الكتاب.

د - وجاء في هذه الآيات الخمس حكم من كفر بالإيمان، وأن عمله يحبط بكفره، وهذه الأحكام ليست للحصر لما ورد في هذه الآيات الخمس من أحكام، وإنما هي أمثلة مما ورد فيها من الأحكام التي لم تنسخ، والدليل على أن الأحكام التي في هذه الآيات الخمس لم تنسخ، بل هي محكمة ما جاء من قول عائشة رضي الله عنها فيما رواه الحاكم في: مستدركه من حديث جبير بن نفير، قال: ((حججت فدخلت على عائشة فقالت لي: يا جبير تقرأ المائدة؟ فقلت نعم، قالت: أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه))([16]).

ثالثاً: ما نسخ من هذه الآيات الخمس وما لم ينسخ.

سبق أن تقدم قول عائشة لجبير بن نفير: ((يا جبير تقرأ المائدة؟ قال: فقلت: نعم، قالت: أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه، وما وجدتم من حرام فحرموه))([17])، فدلّ هذا على أن الأحكام التي وردت في سورة المائدة لم ينسخ منها شيء.

أقوال العلماء في هذا

قال ابن الجوزي: ((اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله...[([18]) الآية، على قولين:

أحدها: أنها محكمة، روي ذلك عن الحسن أنه قال: ما نسخ من المائدة شيء، وكذلك قال أبو ميسرة في آخرين، قالوا: ولا يجوز استحلال الشعائر، ولا الهدي قبل أوان ذبحه، واختلفوا في القلائد، فقال قوم: يحرم رفع القلادة عن الهدي حتى ينحره، وقال آخرون: كانت الجاهلية تقلد من شجر الحرم، فقيل لهم: لا تستحلوا أخذ القلائد من الحرم، ولا تصدوا القاصدين إلى البيت.

والثاني: أنها منسوخة، وفي المنسوخ منها أربعة أقوال:

أحدهما: أن جميعها منسوخة، وهو قول الشعبي.

الثاني: أنها وردت في حق المشركين كانوا يقلدون هداياهم، ويظهرون شعائر الحج من الإحرام والتلبية، فنهي المسلمون بهذه الآية عن التعرض لهم، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: ]فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ[([19])، وهذا قول الأكثرين.

الثالث: أن الذي نسخ قوله تعالى: ]وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ[ نسخه قوله تعالى: ]فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا[([20]). روي عن ابن عباس وقتادة.

والرابع: أن المنسوخ منها تحريم الشهر الحرام، وآمّون البيت الحرام: إذا كانوا مشركين، وهدي المشركين.. قاله أبو سليمان الدمشقي))([21]).



الباب الثاني

تفسير الآية الأولى من سورة المائدة

قال الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ[([22] أتى رجل عبد الله بن مسعود فقال: اعهد إليّ فقال: إذا سمعت الله يقول: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ...[ ((فارعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه))([23]).

وهذه الآية التي افتتح الله تعالى بها هذه السورة إلى قوله تعالى: ]إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ[ فيها من البلاغة ما تتقاصر عنه القوى البشرية مع شمولها لأحكام عدة: منها الوفاء بالعقود، ومنها تحليل بهيمة الأنعام، ومنها إباحة الصيد لمن ليس بمحرم([24]).


الفصل الأول أولاً: تعريف العقود

العقود لغة: الحبل والبيع والعهد يعقده، شده وعنقه إليه لجأ، والحاسب حسب، والعقد الضمان والعهد، والجمل الموثّق الظهر، وهو منِّي معقد الإزار أي قريب المنزلة، والعاقد حريم البئر وما حولها([25]).

العقود في الاصطلاح: العهود، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي، وقال الزجاج: ((العقود أوكد العهود))([26])، وحكى ابن جرير الإجماع على أنه يقصد بالعقود العهود([27] قال ابن عباس: والمراد بالعقود هنا: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ[، يعني ما أحلّ الله وما حرّم، وما فرض، وما حدّ في القرآن كله، ولا تغدروا، ولا تنكثوا، ثم شدّد في ذلك فقال تعالى: ]وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ[([28]).

المراد بالعهود:

قال الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في تفسيره زاد المسير في علم التفسير: ((واختلفوا في المراد بالعهود هنا على خمسة أقوال:

أحدها: أنها عهود الله التي أخذها على عباده فيما أحل وحرم، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد.

الثاني: أنها عهود الدين كلها، قاله الحسن.

الثالث: أنها عهود الجاهلية، وهي الحِلْفُ الذي كان بينهم، قاله قتادة.

والرابع: أنها العهود التي أخذها الله على أهل الكتاب من الإيمان بالنبي محمد ﷺ‬، قاله ابن جرير، وقد ذكرنا أن الخطاب للكتابيين.

الخامس: أنها عقود الناس بينهم: من بيع، ونكاح، أو عقد الإنسان على نفسه من نذر، أو يمين، وهذا قول ابن زيد([29]).

قلت: وقد ذكر I في كتابه الكريم العهد الأول الذي أخذه على بني آدم فقال سبحانه: ]وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ[([30]).

ثانياً: تعريف بهيمة الأنعام

قوله تعالى: ]أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ[.

البهيمة: لغة: كل ذات أربع قوائم ولو في الماء، وكل حي لا يميز... والأبهم الأعجم، واستبهم عليه استعجم، فلم يقدر على الكلام([31]).

وبهيمة الأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم، قاله: الحسن، وقتادة، وغير واحد([32]).

قال ابن الجوزي: في بهيمة الأنعام ثلاثة أقوال هي:

الأول: أنها أجنة الأنعام التي توجد ميتة في بطون أمهاتها إذا ذبحت الأمهات، قاله ابن عمر، وابن عباس.

وفي الحديث: ((ذكاة الجنين ذكاة أمه)) من حديث جابر، وهو حديث صحيح([33]).

الثاني: أنها، الإبل، والبقر، والغنم، قاله: الحسن، وقتادة، والسدي.

الثالث: أنها وحش الأنعام كالظباء وبقر الوحش([34]).

قال ابن عطية: وهذا قول حسن؛ وذلك أن الأنعام هي الثمانية الأزواج، وما انضاف إليها من سائر الحيوانات يقال لها: أنعام مجموعة معها، وكأن المفترس كالأسد، وكل ذي ناب خارجة عن حد الأنعام، فبهيمة الأنعام هي: الراعي من ذوات الأربع... وعلى القول بتخصيص بهيمة الأنعام بالإبل، والبقر، والغنم، تكون الإضافة بيانية، ويلحق بها ما يحل مما هو خارج عنها بالقياس، بل بالنصوص التي في الكتاب والسنة كقوله تعالى: ]قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً[ الآية([35] وقد نهى ﷺ‬: ((عن كل ذي ناب من السِّباع وعن كل ذي مخلب من الطير))([36] وقوله ﷺ‬: ((كل ذي ناب من السباع فأكله حرام))([37])؛ فإنه يدل بمفهومه على أن ما عداه حلال، وكذا سائر النصوص الخاصة كما في كتب السنة المطهرة([38]).

قال ابن العربي: ((أما من قال: إن النعم هي: الإبل، والبقر، والغنم، فقد علمتَ صحةَ ذلك دليلاً، وهو أن النعم عند بعض أهل اللغة اسم خاص للإبل يُذَكَّر ويؤنث... وقد قال الله تعالى: ]وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ* وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ، وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ[([39] وقال تعالى: ]وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ وقال: ]وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ[([40] فهذا مرتبط بقوله: ]وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا[ أي خلق جنات وخلق من الأنعام حمولة وفرشاً، يعني كباراً وصغاراً، ثم فسرها فقال: ثمانية أزواج... الآية..

وقال تعالى: ]... وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا[ – وهي الغنم - ]وَأَوْبَارِهَا[ – وهي الإبل - ]وَأَشْعَارِهَا[ – وهي المعزى - ]أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ[([41]).

فهذه ثلاثة أدلة تنبئ عن تضمن اسم النعم لهذه الأجناس الثلاثة: الإبل، والبقر، والغنم، لتأنيس ذلك كله، فأما الوحشية فلم أعلمه إلى الآن إلا اتباعاً لأهل اللغة..([42]).


الفصل الثاني أولاً: بيان ما أحل الله للمؤمنين ومناسبة ذكر الحل

قوله تعالى: ]أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ[.

سبق تعريف بهيمة الأنعام، في اللغة، وفي الاصطلاح، وأن الله I قد أحلها للمؤمنين - إلا ما استثنى وسيأتي إن شاء الله - وسبق أن ذكرت أن جمهور المفسرين على أن بهيمة الأنعام ثلاثة أجناس: الإبل، والبقر، والغنم، وقد ذكرت أقوال العلماء بالتفصيل، وهي ثلاثة أقوال كما تقدم، ورجح ابن العربي القول الأول منها، وهو أن بهيمة الأنعام هي الإبل، والبقر، والغنم - واستدل على ذلك بأدلة ثلاثة ذكرتها هناك، إذن قد أحل الله تبارك وتعالى للمؤمنين بهيمة الأنعام إلا ما استثنى منها سبحانه، ومناسبة ذكر الحل هنا هي:

أن المشركين كانوا يحرمون: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام، قال سبحانه: ]مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ[([43]).

فقد كان أهل الجاهلية إذا أنتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها أي شقوها وحرموا ركوبها وهي ((البحيرة)).

وكان الرجل يقول: إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة، وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها، وكانوا إذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم، وإن ولدت ذكراً فهو لآلهتهم، وإن ولدت ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها - أي ذكر وأنثى من بطن واحد – وهي الوصيلة، وإذا أنتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره، وهو الحام.

فلما جاء الإسلام أبطل هذه العادات كلها، فلا بحيرة، ولا سائبة، ولا وصيلة، ولا حام([44]).

فأحلّ الله تبارك وتعالى الأنعام كلها إلا ما استثنى I من هذه الأنعام، فأحل الطيبات، وحرم الخبائث، وأبطل عادات الجاهلية، فالحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرّمه الله ورسوله، أما ما استثنى سبحانه مما أحلّ للمؤمنين فهو قوله تعالى: ]إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ[، وتوضيحه سيأتي إن شاء الله تعالى.

ثانياً: ما استُثنِيَ مما أحل الله للمؤمنين من بهيمة الأنعام:

قوله تعالى: ]إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ[، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ((يعني بذلك، الميتة والدم، ولحم الخنزير... ) قال ابن كثير: ((والظاهر والله أعلم أن المراد بذلك قوله تعالى: ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ وَالـْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ[([45]).

وقال القرطبي: ((قوله تعالى: ]إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ[ أي يقرأ عليكم في القرآن والسنة،من قوله تعالى:]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...[ الآية وقوله ﷺ‬: ((وكل ذي ناب من السباع حرام))([46]).

وقوله تعالى: ]غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ[، قال بعضهم: هذا منصوب على الحال، والمراد بالأنعام ما يعمّ الإنسي من الإبل، والبقر، والغنم وما يعم الوحشي، كالظباء، والبقر، والحمر، فاستُثني من الإنسي ما تقدم، واستثني من الوحشي الصيد في حال الإحرام.

وقيل: المراد أحللنا الأنعام إلا ما استُثْنِيَ منها لمن التزم تحريم الصيد، وهو حرام لقوله تعالى: ]فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ[([47]).

أي أبحنا تناول الميتة للمضطر بشرط أن يكون غير باغٍ ولا معتدٍ، وهكذا هنا أي كما أحللنا الأنعام في جميع الأحوال، فحرموا الصيد حال الإحرام؛ فإن الله قد حكم بهذا وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه؛ ولهذا قال: ]إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ[([48]).

ثالثاً: الضابط العام للأنواع المحرمة من الحيوانات والطيور:

عن أبي ثعلبة t أن رسول الله ﷺ‬: ((نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع))([49]).

وفي صحيح مسلم: عن ابن عباس: ((نهى رسول الله ﷺ‬ عن كل ذي ناب من السباع وعن كل ذي مخلب من الطير))([50]).

والمخلب للطير كالظفر لغيره، لكنه أشد منه وأغلظ وأَحَدُّ، فهو كالنَّاب للسبع، قال ابن حجر في فتح الباري: ((اختلف القائلون بالتحريم في المراد بما له ناب، قيل: إنه ما يتقوَّى به ويصول على غيره، ويصطاد ويعدو بطبعه غالباً كالأسد، والفهد، والصقر، والعقاب، أما ما لا يعدو كالضبع، والثعلب، فلا، وإلى هذا ذهب الشافعي، والليث، ومن تبعهما.

ثم قال: وقد ورد هذا في حل الضبع أحاديث لا بأس بها.

أما الثعلب فورد في تحريمه حديث خزيمة بن جزء عند الترمذي، وابن ماجه، ولكن سنده ضعيف))([51]).

وعن أبي هريرة t عن النبي ﷺ‬ قال: ((كل ذي ناب من السباع فأكله حرام))([52] قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم في شرح هذا الحديث: قوله: ((نهى النبي ﷺ‬ عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير) وفي رواية: ((كل ذي ناب من السباع فأكله حرام))، والمخلب بكسر الميم وفتح اللام، وقال أهل اللغة: المخلب للطير والسباع بمنزلة الظفر للإنسان، فهذه الأحاديث دلالة لمذهب الشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة، وداود، أنه يحرم أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير.

أما الإمام مالك، فقال: لا يحرم بل يكره، ودليله قوله تعالى: ]قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا...[ الآية([53]).

ثم قال النووي: ((ورَدَّ عليه أصحابنا بهذه الأحاديث، وقالوا: والآية ليس فيها الإخبار بأنه لم يجد في ذلك الوقت محرماً إلا المذكورات في الآية، ثم أوحي إليه بتحريم كل ذي ناب من السباع – ومخلب من الطير – فوجب قبوله والعمل به))([54]).

قلت: وبالجملة تحرم الحيوانات والطيور المفترسة آكلة اللحوم، ويستثنى من هذه الحيوانات ما ورد في الشرع استثناؤه من هذه الحيوانات، كالضبع، فإنه قد ورد في حِلّه أحاديث منها:

1- عن أبي عمار قال: ((قلت لجابر: الضبع، أصيد هي؟ قال: نعم، قال: قلت: آكلها؟ قال: نعم، قال: قلت: أقاله رسول الله ﷺ‬؟ قال: نعم))([55]).

2- وعن جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: سألت رسول الله ﷺ‬ عن الضبع فقال: ((هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم))([56] وقال ابن حجر العسقلاني: ((وقد ورد في حل الضبع أحاديث لا بأس بها))([57]).

الخلاصة في هذا الموضوع أنه يحرم: كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، إلا ما استثني كالضبع كما تقدم.


الباب الثالث تفسير الآية الثانية من سورة المائدة

]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ[([58]).


الفصل الأول أولاً: تعريف الشعائر:

الشعائر لغة: أشعرها جعل لها شعيرة، وشعائر الحج مناسكه، وعلاماته، والشعيرة، والشعارة، والمشعر معظمها، و شعائره معالمه التي ندب الله إليها، وأمر بالقيام بها، وكلما ألزقته بشيء أشعرته به، والشعائر جمع شعيرة، على وزن فعيلة... ومنه الإشعار للهدي، والمشاعر المعالم، واحدها مشعر([59]).

قال عطاء في الشعائر: ((جميع ما أمر الله به، ونهى عنه)).

وقال الحسن: دين الله كله، كقوله: ]ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ[([60]).

قال القرطبي: ((وهو الراجح الذي لا يُقدَّمُ غيرهُ؛ لعمومه))([61]).

ثانياً: سبب النزول،وأقوال العلماء فيما نسخ من هذه الآية وما لم ينسخ:

قال الشوكاني: ((إن سبب نزول هذه الآية أن المشركين كانوا يحجون ويعتمرون، ويهدون، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنزل قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ الله...[([62]) إلى آخر هذه الآية، فيكون ذلك منسوخاً بقوله تعالى: ]اقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ...[([63] وقوله تعالى: ]فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا[([64] وقوله ﷺ‬: ((لا يحجنّ بعد العام مشرك))([65] وقال قوم: الآية محكمة، وهي في المسلمين))([66]).

قلت: وسبق أن ذكرت أقوال العلماء بالتفصيل في الباب الأول، الفصل الثاني: تحت عنوان: ما نسخ من هذه الآيات الخمس وما لم ينسخ، وذكرت الثلاثة الأقوال التي قالها علماء الناسخ والمنسوخ، فأغنى عن إعادتها هنا، قوله تعالى: ]وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ[، يعني بذلك تحريمه والاعتراف بتعظيمه، وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه، من الابتداء بالقتال، وتأكيد اجتناب المحارم، وفي صحيح البخاري عن أبي بكرة t أن رسول الله ﷺ‬ قال في حجة الوداع: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجبُ مُضرَ الذي بين جُمادَى وشعبان))([67]).

((قال ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: يعني لا تستحلوا القتال فيه... وذهب الجمهور إلى أن ذلك منسوخ، وأنه يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم... وقد حكى الإجماع الإمام أبو جعفر على أن الله قد أحل قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها.

وقوله: ]وَلاَ الـْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ[، أي لا تتركوا الإهداء إلى البيت الحرام، فإن فيه تعظيم شعائر الله، ولا تتركوا تقليدها في أعناقها لتتميز به عما عداها من الأنعام؛ وليعلم أنها هدي إلى الكعبة، فيجتنبها من يريدها بسوء، وتبعث من يراها على الإتيان بمثلها؛ فإن من دعا إلى هدى كان لـه من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء))([68]).

قولـه تعالى: ]وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْـحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا[، أي ولا تستحلوا قتال القاصدين إلى بيت الله الحرام لحج أو عمرة، نهى تعالى عن الإغارة عليهم أو صدهم عن البيت كما كان أهل الجاهلية يفعلون([69]).

وقوله تعالى: ]يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا...[ يعني بذلك التجارة، وهذا كما تقدم في قوله تعالى: ]لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ[([70]).


الفصل الثاني أولاً:إباحة الصيد بعد حل المحرم إحرامه، والنهي عن الاعتداء على الغير بغير حق.

قوله تعالى: ]وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا[ أي إذا فرغتم من إحرامكم وأحللتم منه فقد أبحنا لكم ما كان محرماً عليكم في حال الإحرام من الصيد، وهذا أمر بعد الحظر، والصحيح الذي يثبت عليه السير أنه يرد الحكم إلى ما كان عليه، فإن كان، واجباً رده واجباً، وإن كان مستحباً فمستحب، أو مباحاً فمباح([71]).

قوله تعالى: ]وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ[ أي لا يحملنكم بغض قوم كانوا قد صدوكم عن المسجد الحرام على أن تعتدوا عليهم([72]).

قال بعض السلف: ((ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، والعدل به قامت السموات والأرض))([73]).

ثانياً: الأمر بالتعاون على البر والتقوى والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان، قوله تعالى: ]وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ[([74])، يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر، وترك المنكرات، وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم، والمحارم([75] فعن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله ﷺ‬: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً) قيل: يا رسول الله هذا نصرته مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟ قال: ((تمنعه من الظلم فذلك نصرك إياه))([76] وفي الصحيح: ((من دعا إلى هدى كان لـه من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً))([77]).

وعن أبي مسعود الأنصاري t قال: قال رسول الله ﷺ‬: ((من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله))([78]).


الباب الرابع

تفسير الآية الثالثة من سورة المائدة

قال الله تعالى: ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ. الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ[([79]).


الفصل الأول أولاً: ما حرَّمه الله من بهيمة الأنعام إبطالاً لعادات الجاهلية:

كان أهل الجاهلية يأكلون الميتة، ويخنقون الشاة، فإذا ماتت أكلوها، وكانوا يضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى تموت ثم يأكلونها، وكانوا إذا ذبحوا ذكروا اللات والعزى، ورفعوا بذلك أصواتهم، وكانوا إذا جاع أحدهم أخذ شيئاً محدداً من عظم ونحوه، فيفصد به بعيره، فيجمع ما يخرج منه من الدم فيشربه، وكانوا كذلك إذا أكل السبع شاة أكلوها سواء ماتت أم لا، ولم يُذَكُّوها.

فلما جاء الإسلام حرّم ذلك كلَّه، فقال تعالى: ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...[ الآية، ومثل هذه الآية قوله تعالى: ]قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[([80] وقوله تعالى: ]إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ[([81] هذا شروع في المحرمات التي أشار إليها سبحانه بقوله: ]إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ[ ينهى الله سبحانه عباده عن تعاطي هذه المحرمات من الميتة، وهي ما مات من الحيوانات حتف أنفه من غير ذكاة ولا اصطياد؛ لما فيها من المضرَّة من الدم المحتقن، فهي ضارة للدين، وللبدن؛ فلهذا حرمها ﷻ‬، ويستثنى من الميتة السمك، فإنه حلال سواء مات بتذكية أو غيرها، كما روى أبو هريرة t أن رسول الله ﷺ‬ سُئل عن ماء البحر، فقال: ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته))([82]).

ويُستثنى كذلك الجراد، فعن ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله ﷺ‬: ((أحل لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان: فالسمك والجراد، وأما الدمان: فالكبد والطحال))([83]).

قولـه تعالى: ]وَالْدَّمُ[ يعني المسفوح، كقوله تعالى: ]أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا[، فقد كان أهل الجاهلية إذا جاع أحدهم يفصد بعيره فيجمع ما يخرج منه من الدم فيشربه، ولهذا حرم الله الدم المسفوح على هذه الأمة.

قال الأعشى:

وإياك والميتات لا تقربنَّها

ولا تأخذنَّ عظماًً حديداً لتفصدا

وقوله: ]وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ[ يعني إنسيه ووحشيه، واللحم يعم جميع أجزائه حتى الشحم.

وقوله تعالى: ]وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ[ أي ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله فهو حرام؛ لأنَّ الله تعالى أوجب أن تذبح مخلوقاته على اسمه العظيم، فمتى عدل بها عن ذلك، وذكر عليها اسم غيره من، صنم، أو طاغوت، أو وثن، أو غير ذلك من سائر المخلوقات، فإنها حرام بالإجماع، وقوله تعالى: ]وَالْمُنْخَنِقَةُ[، وهي التي تموت بالخنق سواء كان ذلك بفعلها، كأن تدخل رأسها في حبل، أو بين عودين، أو بفعل آدمي أو غيره، وقوله تعالى: ]وَالْمَوْقُوذَةُ[، وهي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدد حتى تموت – كالضرب بالحجر والعصا – من غير تذكية.

وفي صحيح مسلم أن عدي بن حاتم t قال: قلت يا رسول الله، إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب، قال: ((إذا رميت بالمعراض فخزق فكله، وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله))([84])، وهذا من بيان السنة للقرآن، فما خزقه بالمعراض يكون حلالاً؛ لأنه من الطيبات، وما دخل في حكم هذه الآية – آية التحريم – وهو ما إذا أصابه بعرضه، فلا يؤكل لأنه وقيذ.

وكذلك كلب الصيد إذا أرسل على صيد فقتله بثقله ولم يجرحه، أو صدمه، فإن الراجح كما قال ذلك ابن كثير في تفسيره –: إنَّ الكلب إذا أرسل على الصيد ولم يجرحه أو صدمه فإن ذلك وقيذ وقال اختار هذا القول ورجحه كثير من الأئمة، وهو أشبه بالصواب.

ففي الصحيحين عن رافع بن خديج t أنه قال: قلت يا رسول الله، إنا لاقو العدو غداً، وليس معنا مُدىً، أفنذبح بالقصب؟ فقال: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه، ليس السن والظفر، وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى أهل الحبشة))([85]).

قوله تعالى: ]وَالـْمُتَرَدِّيَةُ[ هي التي تتردى من علو إلى أسفل فتموت من غير فرق بين أن تتردى – تسقط – من جبل أو في بئر – أو غير ذلك، قوله تعالى: ]وَالنَّطِيحَةُ[ هي التي تنطحها – شاة أخرى أو بقر – فتموت من دون تذكية.

قوله تعالى: ]وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ[ أي ما افترسه ذو ناب، كالأسد، والنمر، والفهد، والذئب، والضبع، ونحوها.

والمراد هنا ما أكل منه السبع؛ لأن ما أكله السبع كله قد فني، وسواء سال الدم مما أكل السبع، ولو من مذبحها أو لا، فإنها لا تؤكل؛ لقوله تعالى: ]إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ[ هذا عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقد به سبب موته فأمكن تداركه، وفيه حياة مستقرة والمراد يعني: إلا ما ذكيتم من المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع.

وروي عن طاووس وغيره من التابعين ((أن المذكاة متى تحركت حركة تدل على بقاء الحياة فيها بعد الذبح هي حلال، وهذا مذهب الجمهور))([86]).

ثانياً: الذكاة الشرعية: تعريفها، وشروطها:

قال الزجاج: ((أصل الذكاة في اللغة: تمام الشيء، فمنه ذكاء في السن وهو تمام السن، ومنه الذكاء في الفهم، وهو أن يكون فهماً تاماً.

وقد روي عن علي، وابن عباس، والحسن، وقتادة، أنهم قالوا: ما أدركت ذكاته بأن توجد لـه عين تطرف، أو ذنب يتحرك، فأكله حلال))([87]).

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

((الذكاة: 1 - نحر الحيوان البري الحلال.

2 - أو ذبحه.

3 - أو جرحه في أي موضع من بدنه.

فالنحر للإبل، والذبح لما سواها، والجرح لكل ما لا يقدر عليه إلا به من إبل، وغيرها)).

* ((ما يجب قطعه في الذكاة:

1 - عن الإمام أحمد: روايتان:

إحداهما: أنه الحلقوم، والمريء – والعرقان اللذان بينهما – أي بين الحلقوم والمريء، والعرقان هما الودجان – فإن نقص من ذلك شيئاً لم يؤكل، هذا ظاهر كلام أحمد في رواية عبد الله.

الرواية الثانية: يجزئ قطع الحلقوم والمريء، وهو ظاهر كلامه في رواية حنبل، وبه قال الشافعي.

2 - وقال أبو حنيفة يجزئ قطع الحلقوم والمريء, وأحد الودجين.

3 - وقال مالك: يجزئ قطع الأوداج وإن لم يقطع الحلقوم.

قال ابن قدامة في المغني: إن الإمام مالك، قال: برواية أحمد الأولى، وهي: قطع: الحلقوم، والمريء، والودجين))([88]).

قلت:العلماء مجمعون على أن الأكمل في الذبح قطع الأربعة وهي:

1- الحلقوم، وهو مجرى النفس.

2- المريء، وهو مجرى الطعام.

3- 4- الودجان وهما عرقان يقطعهما الذابح، بينهما الحلقوم، والمريء، فإذا نقص الذابح عن ذلك شيئاً دخل الخلاف.

((قال البخاري في صحيحه: ((باب النحر والذبح)).

قال ابن جريج عن عطاء: لا ذبح ولا نحر إلا في المذبح والمنحر قلت: أيجزئ ما يذبح أن أنحره؟ قال: نعم، ذكر الله ذبح البقرة، فإن ذبحت شيئاً ينحر جاز والنحر أحب إليّ، والذبح قطع الأوداج، قلت: فيخلف الأوداج حتى يقطع النخاع؟ قال: لا إخال.

وأخبرني نافع أن ابن عمر نهى عن النخع، يقول: يقطع ما دون العظم، ثم يدع حتى تموت([89]).

قال الشافعي: النخع أن يذبح الشاة ثم يكسر قفاها من موضع الذبح.. أو تضرب ليعجل قطع حركتها، قال أبو عبيدة: وإنما نهى أن تكسر رقبة الذبيحة قبل أن تبرد، ويبين ذلك أن في الحديث: ((ولا تعجلوا الأنفس قبل أن تزهق))([90] وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنه قال: الذكاة في الحلق واللبة([91])، وهذا إسناد صحيح))([92]).

* ذبيحة الأعراب

عن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أن قوماً قالوا للنبي ﷺ‬: ((إن قوماً يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا، فقال: سموا أنتم وكلوه، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر))([93]).

* ذبيحة المرأة والأَمَة

عن نافع بن كعب عن أبيه أن امرأة ذبحت شاة بحجر، فَسُئِل النبي ﷺ‬ عن ذلك فأمر بأكلها([94]).

* آلة الذبح وذكاة غير المقدور عليه

عن رافع بن خديج قال: قلت يا رسول الله، إنا لاقوا العدو غداً وليست معنا مُدىً. فقال: ((أعجل – أو أرن – ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر. وسأحدثكم: أما السن فعظم, وأما الظفر فمدى الحبشة)) وأصبنا نهب إبل وغنم، فندّ منها بعير، فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله ﷺ‬: ((إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش فإذا غلب منها شيء فافعلوا به هكذا))([95]).

فالبعير إذا توحش، أو تردَّى في بئر، فهو بمنزلة الصيد ذكاته عقره.

* خلاصة شروط الذكاة

الشرط الأول: أن يكون المذكِّي ممن يمكن منه قصد التذكية، وهو المميز والعاقل.

الشرط الثاني: أن يكون مسلماً أو كتابياً.

الشرط الثالث: أن يقصد التذكية.

الشرط الرابع: أن لا يذبح لغير الله.

الشرط الخامس: أن لا يهلّ لغير الله بأن يذكر عليه اسم غير الله.

الشرط السادس: أن يسمّي الله عليها.

الشرط السابع: أن تكون الذكاة بمحدّد ينهر الدم غير سنٍّ وظفر.

الشرط الثامن: إنهار الدم في موضعه.

الشرط التاسع: أن يكون المذكَّى مأذوناً في ذكاته شرعاً([96]).


الفصل الثاني أولاً: تحريم أكل ما ذبح لغير الله، والاستقسام بالأزلام:

قال الله تعالى بعد ذكر المحرمات من الميتة والدم، ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، إلا ما ذكيتم.

قال هنا:] وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ[.

قال مجاهد، وابن جريج: ((كانت النصب حجارة حول الكعبة، وهي ثلاثمائة وستون نصباً كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها، وينضحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح، ويُشرِّحون اللحم ويضعونه على النصب، وكذا ذكره غير واحد.

فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع، وحرّم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى لو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله ورسوله.

وينبغي أن يُحمل هذا على هذا؛ لأنه قد تقدم تحريم ما أهل لغير الله به))([97]).

وقولـه تعالى: ]وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ[ أي حرَّم عليكم أيها المؤمنون أن تستقسموا بالأزلام، واحدها زلم، وقد تُفْتَح الزاي فيقال: زَلم، وقد كانت العرب في الجاهلية يتعاطون ذلك، وهي عبارة عن قداح ثلاث على أحدها مكتوب افعل – وقيل مكتوب: أمرني ربي –، وعلى الآخر مكتوب لا تفعل – وقيل مكتوب: نهاني ربي – والثالث: ليس عليه شيء، فإذا أجالها فطلع سهم الأمر فعله، أو النهي تركه، وإن طلع الفارغ أعاد، والاستقسام مأخوذ من طلب القسم من هذه الأزلام.

وفي الصحيح أن النبي ﷺ‬ لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمُحيت، ورأى إسماعيل، وإبراهيم عليهما السلام بأيديهما الأزلام، فقال: ((قاتلهم الله، والله إن استقسما بالأزلام قط))([98])، وقد أمر الله المؤمنين إذا ترددوا في أمورهم أن يستخيروه بأن يعبدوه، ثم يسألوه الخيرة في الأمر الذي يريدونه، كما روى الإمام أحمد، والبخاري، وأهل السنن عن جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: كان رسول الله ﷺ‬ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، ويقول: إذا هَمّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علاَّم الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر – ويسميه باسمه – خير لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال عاجل أمري وآجله فاصرفني عنه واصرفه عني واقدر لي الخير حيث كان ثم رضّني به))([99]).

وقوله تعالى: ]الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ[ أي يئسوا من مشابهة المسلمين؛ لما تميز به المسلمون من هذه الصفات المخالفة للشرك وأهله؛ ولهذا قال تعالى آمراً عباده المؤمنين أن يصبروا ويثبتوا في مخالفة الكفار، ولا يخافون أحداً إلا الله، فقال تعالى: ]فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ[ أي لا تخافوهم في مخالفتكم إياهم، واخشوني أنصركم عليهم، وأبيدهم وأظفركم بهم، وأشف صدوركم منهم، وأجعلكم فوقهم في الدنيا والآخرة))([100]).

ثانياً: إتمام الله النعمة وإكماله الدين لهذه الأمة.

قال تعالى: ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا[.

قال ابن كثير: ((هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة؛ حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا جعله الله خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحلّه، ولا حرام إلا ما حرّمه، ولا دين إلا ما شرعه، وكل شيء أخبر به فهو الحق والصدق، ولا كذب فيه، ولا خُلْف))([101]).

وقد أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمّه فلا ينقص أبداً، وقد رضيه فلا يسخطه أبداً.

فقد جعله الله كاملاً لظهوره على الأديان كلّها وغلبته لها؛ ولكمال أحكامه التي يحتاج المسلمون إليها من الحلال، والحرام... قالوا: وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآية الربا، وآية الكلالة، ونحوهما، والمراد باليوم هنا هو يوم الجمعة، وهو يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر، هكذا ثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب t([102]).

ثالثاً: رفع الإثم عمن اضطر إلى شيء من المحرمات وبيان الحكمة من ذلك:

قال تعالى: ]فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ[([103] ومثل هذا قوله تعالى: ]... فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ[([104] وقوله تعالى: ]فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[([105] فقوله تعالى: ]فَمَنِ اضْطُرَّ[ أي دعته الضرورة ]فِي مَخْمَصَةٍ[ في مجاعة، والخمص الجوع، وهذا كلام يرجع إلى المحرمات المتقدمة من: الميتة، والدم وما ذكر معها، ]غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ[.. غير مائل إلى ذلك، والإثم: الحرام أي حال كون المضطر في المخمصة غير مائل لإثم، وهو بمعنى غير باغ ولا عاد([106] وقال ابن كثير: ((فمن احتاج إلى تناول شيء من هذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك فله تناوله ]فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ[ أي والله غفور رحيم لـه؛ لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر، وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه ويغفر لـه، وفي المسند، وصحيح ابن حبان عن ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا مرفوعاً قال: قال رسول الله ﷺ‬: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته))([107]).

ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجباً في بعض الأحيان ،وهو ما إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها، وقد يكون مندوباً، وقد يكون مباحاً، بحسب الأحوال))([108]).

ولا خلاف في أكل طعام الغير إذا وجده المضطر من غير قطع أو أذى، وهناك لا يحلّ لـه أكل الميتة ونحوها، ولكن الخلاف هل يضمن ما أكل، والصحيح أنه لا يضمن))([109]). وقال ابن كثير أيضاً: ((]فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ[ أي في غير بغي ولا عدوان... وغير مستحلّه، وليس لـه من ذلك إلا القدر الذي يبلغه الحلال، وله أن يحمل منه ما يبلّغه ذلك، فإذا بلّغه ألقاه وهو قوله ]وَلاَ عَادٍ[)).

قال القرطبي: ((وأما المخمصة فلا يخلو أن تكون دائمة أو لا، فإن كانت دائمة فلا خلاف في جواز الشبع من الميتة، إلا أنه لا يحل لـه أكلها وهو يجد مال مسلم لا يخاف فيه قطعاً، كالتمر المعلق، وحريسة الجبل، ونحو ذلك مما لا قطع فيه ولا أذى))([110]).

قال مجاهد: ((فمن اضطر غير باغ ولا عاد قاطعاً للسبيل، أو مفارقاً للأئمة، أو خارجاً في معصية الله، فله الرخصة، ومن خرج باغياً، أو عادياً، أو في معصية الله فلا رخصة لـه، وإن اضطر إليه... وقال قتادة.. فمن اضطر غير باغ ولا عاد، قال: غير باغ في الميتة، أي في أكله أن يتعدى حلالاً إلى حرام وهو يجد عنه مندوحة...) وحكى القرطبي عن مجاهد في قوله: ]فَمَنِ اضْطُرَّ[: ((أي أكره على ذلك بغير اختياره))([111]).

قال ابن العربي: ((هذا الضرر الذي بيّناه يلحق إما بإكراه من ظالم، أو جوع في مخمصة، أو بفقر لا يجد فيه غيره، فإن التحريم يرتفع عن ذلك بحكم الاستثناء ويكون مباحاً، فأما الإكراه فيبيح ذلك كله إلى آخر الإكراه))([112] وقد روى الإمام أحمد: ((أنهم قالوا: يا رسول الله، إنّا بأرضٍ تصيبنا بها المخمصة، فمتى تحلّ لنا بها الميتة؟ فقال: ((إذا لم تصطبحوا، ولم تغتبقوا، ولم تحتفئوا فشأنكم بها))([113]).

والحكمة من إباحة هذه المحرمات عند الضرورة:

أن الله تبارك وتعالى: رحيم بعباده، يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، وقد أباح لهم سبحانه هذه المحرمات عند الضرورة التي قد تهلك الإنسان، فهو سبحانه رحيم بهم, فمن احتاج تناول شيءٍ من هذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك، فله تناوله والله غفور رحيم لـه؛ لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه ويغفر لـه.

وهو سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته([114])، والعبد الفقير إلى رحمة ربه إذا ألجأته هذه الضرورة فإنه يعمد إلى رخصة ربه، فيجتنب أكبر الضررين بارتكاب أخفّهما، فإن إثم قتل النفس أعظم من إثم أكل الميتة، بل قد أباحها الله سبحانه عند الضرورة.

قال سبحانه: ]وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[([115]).



الباب الخامس

تفسير الآية الرابعة من سورة المائدة

قال تعالى: ]يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ الله عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ الله إِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَابِ[([116]).


الفصل الأول بيان شروط الصيد بالجوارح من الكلاب والطيور:

عن عدي بن حاتم t قال: قلت: يا رسول الله، إني أُرسل كلبي، وأُسمّي، قال: ((إذا أرسلت كلبك وسميت فأخذ، فقتل فكل، وإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه) قلت: إني أرسل كلبي فأجد معه كلباً آخر، لا أدري أيهما أخذ؟ قال: ((فلا تأكل فإنما سميت على كلبك، ولم تسمِّ على غيره))([117]).

وعن عدي بن حاتم أيضاً: قال: قلت: يا رسول الله إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب، قال: ((إذا رميت بالمعراض الصيد فخزق فكله، وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ، فلا تأكله))([118]).

قال القرطبي رحمه الله: ((أجمعت الأمة على أن الكلب:

1- إذا لم يكن أسود.

2- وعلّمه مسلم، فينشلي إذا أشلي، ويجيب إذا دُعي، وينزجر بعد ظفره بالصيد إذا زجر.

3- وأن يكون لا يأكل من صيده الذي صاده.

4- وأثّر فيه بجرح، أو تنييب.

5- وصاد به مسلم.

6- وذكر اسم الله عند إرساله أن صيده صحيح يُؤكل بلا خلاف. فإن انخرم شرط من هذه الشروط دخل الخلاف.

فإن كان الذي يصاد به غير الكلب: كالفهد، وما أشبهه، وكالبازي، والصقر، ونحوهما من الطيور، فجمهور الأمة على أن ما صاد بعد التعليم فهو جارح كاسب([119] قال ابن الجوزي رحمه الله: ((التسمية قيل إنها ترجع للإرسال، قاله ابن عباس والسدي.

ثم قال: ((وعندنا أن التسمية شرط في إباحة الصيد))([120]).

قال زهير الشاويش في تعليقه على زاد المسير: ((قال ابن قدامة في المغني: ((إذا ترك التسمية عمداً أو سهواً لم يبح) قلت: ودليلهم: الآية، وحديث عدي. القول الثاني: إن التسمية ترجع إلى الأكل فتكون التسمية مستحبة))([121]).

وقال القرطبي أيضاً: ((فأما لو انبعث الجارح من تلقاء نفسه من غير إرسال ولا إغراء، فلا يجوز صيده، ولا يحلّ أكله عند الجمهور، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي؛ لأنه إنما صاده لنفسه من غير إرسال، وأمسك عليها، ولا صنيع للصائد فيه فلا ينسب إرساله إليه؛ لأنه لا يصدق عليه قوله عليه الصلاة والسلام: ((إذا أرسلت كلبك المعلم...))([122]).

قلت: والراجح قول الجمهور ومن تبعهم؛ لقوله تعالى: ]وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ[([123] وقول الرسول ﷺ‬ لعدي: ((إذا أرسلت كلبك المعلَّم...))([124]).


الفصل الثاني أولاً: بيان الخلاف في حلّ صيد بعض الجوارح:

قيل: إن السبع يسمى كلباً، فيدخل كل سبع يصاد به، وقيل: إن هذه الآية خاصة بالكلاب.

وقد حكى ابن المنذر عن ابن عمر أنه قال: ((ما يصاد بالبزاة وغيرها من الطير، فما أدركت ذكاته فهو حلال وإلا فلا تطعمه)).

وإن كان الكلب الأسود بهيماً فكره صيده الحسن، وقتادة، والنخعي، وقال أحمد: ما أعرف أحداً يرخص فيه إذا كان بهيماً.. واحتجوا بحديث ((الكلب الأسود شيطان))([125]).

أما عامة أهل العلم بالمدينة والكوفة، فيرون جواز صيد كل كلب معلَّم.

قال الشوكاني: ((والحق أنه يحلّ صيد كل ما يدخل تحت عموم الجوارح من غير فرق بين الكلب وغيره، وبين الأسود من الكلاب وغيره، وبين الطير وغيره))([126] قلت: قال القاضي عياض، وأبو يعلى: ((ومنع أصحابنا الصيد بالكلب الأسود وإن كان معلَّماً؛ لأن النبي ﷺ‬ أمر بقتله، والأمر بالقتل: يمنع ثبوت الصيد، ويبطل حكم الفعل، فيصير وجوده كعدمه.

قلت: يقصد القاضي عياض وأصحابه بأمر ﷺ‬ الرسول بقتل الكلب الأسود: حديث: ((عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان))([127]).

وحديث عبد الله بن مغفل عن النبي ﷺ‬ قال: ((لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها كلها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم))([128]).

واستثنى الإمام أحمد الكلب الأسود كذلك؛ لأنه عنده مما يجب قتله، ولا يحل اقتناؤه؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي بكرة t أن رسول الله ﷺ‬ قال: ((يقطع الصلاة الحمار، والمرأة، والكلب الأسود) فقلت: ما بال الكلب الأسود من الأحمر؟ قال: ((الكلب الأسود شيطان))([129]).

أما ما عدا الكلب الأسود، فقد جاء الشرع باستثناء ثلاثة من الكلاب، ودليل ذلك ما رواه أبو هريرة عن النبي ﷺ‬ أنه قال: ((من اقتنى كلباً ليس كلب صيد، ولا ماشية، ولا أرض؛ فإنه ينقص من أجره قيراطان كل يوم))([130]).

قلت: أما ما ذكره ابن المنذر عن ابن عمر t من قوله: ما يصاد بالبزاة وغيرها فما أدركت ذكاته فهو حلال وإلا فلا تطعمه.

فقد روى الترمذي عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله ﷺ‬ عن الصيد بالبازي فقال: ((ما أمسك عليك فكل) قال الترمذي: ((والعمل على هذا عند أهل العلم))([131] قال ابن كثير: ((والمحكي عن الجمهور أن الصيد بالطيور كالصيد بالكلاب؛ لأنها تكلب الصيد بمخالبها كما تكلبه الكلاب، فلا فرق، وهو مذهب الأربعة وغيرهم واختاره ابن جرير))([132]).

ثانياً: بيان اختلاف العلماء في اشتراط إمساك الجارح من الطيور والكلاب عن الأكل من الصيد:

اختلف العلماء رحمهم الله تعالى على ثلاثة أقوال:

القول الأول: إن إمساك الصائد عن الأكل شرط في كل الجوارح، فإن أكلت لم يؤكل. وقد روي عن ابن عباس، وعطاء y.

القول الثاني: إنه ليس بشرط في الكل، فيؤكل وإن أكلت، وروي عن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأبي هريرة، وسلمان الفارسي y.

القول الثالث: إنه شرط في جوارح البهائم، وليس بشرط في جوارح الطير، وبه قال الشعبي، والنخعي، والسدي.

قال ابن الجوزي: ((وهذا أصح؛ لأن جارح الطير يُعلّم على الأكل، فأبيح ما أكل منه، وسباع البهائم تعلم على ترك الأكل... فعلى هذا إذا أكل الكلب، أو الفهد، أو أي جارح من جوارح البهائم المعلمة من الصيد لم يبح أكله))([133] قلت: وهذا هو الراجح إن شاء الله؛ لحديث عدي بن حاتم المتقدم، وفيه: ((..وإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه))([134])، يقصد بذلك الكلب المعلم إذا أكل من الصيد.

قوله تعالى: ]يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ[ قال سعيد: يعني الذبائح الحلال الطيبة لهم.

وقوله تعالى: ]وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ[ أي أحل لكم الذبائح التي ذكر اسم الله عليها, والطيبات من الرزق، وأحلّ لكم ما صدتموه بالجوارح، وهي الكلاب، والفهود، والصقور، وأشباهها كما هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين.

(مكلّبين) أي وما علمتم من الجوارح في حال كونهن مكلبات للصيد: ]تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله[ هو أنه إذا أرسله استرسل، وإذا أشلاه استشلى، وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجيء إليه، ولا يمسكه لنفسه؛ ولهذا قال تعالى: ]فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ الله عَلَيْهِ[، فمتى كان الجارح معلماً، وأمسك على صاحبه، وكان قد ذكر اسم الله عليه وقت إرساله حلّ الصيد وإن قتله بإجماع([135]).

]وَاتَّقُواْ الله إِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَابِ[ أي راقبوا الله في أعمالكم، فإنه سريع المجازاة للعباد([136]).



الباب السادس

تفسير الآية الخامسة من سورة المائدة

قال تعالى: ]الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[([137]).


الفصل الأول أولاً: بيان المقصود بالحل في طعام أهل الكتاب:

لمّا ذكر تعالى ما حرمه على عباده المؤمنين من الخبائث، وما أحلّ لهم من الطيبات، قال بعده: ]الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ[، ثم ذكر ذبائح أهل الكتابين، من اليهود والنصارى، فقال تعالى: ]وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ[، ((قال ابن عباس وغيره: يعني ذبائحهم, وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين؛ لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه تبارك وتعالى ما هو منزه عنه, تعالى وتقدس))([138]).

وثبت في الصحيح أن أهل خيبر أهدوا لرسول الله ﷺ‬ شاة مصلية، وقد سمّوا ذراعها، وكان يعجبه الذراع فتناوله، فنهش منه نهشة فأخبره الذراع أنه مسموم فلفظه، وأثّر ذلك في ثنايا رسول الله ﷺ‬ وفي أبهره، وأكل معه منها بِشر بن البراء بن معرور فمات، فقتل اليهودية التي سمّتها، وكان اسمها زينب([139]).

ووجه الدلالة منه أنه عزم على أكلها ومن معه، ولم يسألهم هل نزعوا منها ما يعتقدون تحريمه من شحمها أم لا... ولم يبح ذبائح من عدا اليهود والنصارى من أهل الشرك، ومن شابههم؛ لأنهم لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم، بل ويأكلون الميتة، بخلاف أهل الكتابين، ومن غير أهل الكتاب من يعاملون بأخذ الجزية منهم تبعاً وإلحاقاً لأهل الكتاب، ومع ذلك فإنهم لا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم([140]).

وقوله تعالى: ]وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ[ دل بمفهومه – مفهوم المخالفة – على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحل([141]).

قال الشوكاني رحمه الله: ((قال علي، وعائشة، وابن عمر: إذا سمعت الكتابي يسمي غير الله فلا تأكل، وهو قول: طاووس، والحسن، وتمسكوا بقوله تعالى: ]وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ[([142] ويدل عليه قوله: ]وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ[([143] وقال مالك: إنه يكره ولا يحرم.

فهذا الخلاف إذا علمنا أن أهل الكتاب ذكروا على ذبائحهم اسم غير الله، وأما مع عدم العلم، فقد حكى الطبري، وابن كثير الإجماع على حلها لهذه الآية))([144]).

قال ابن الجوزي: ((وقد زعم قوم أن هذه الآية اقتضت إباحة ذبائح أهل الكتاب مطلقاً وإن ذكروا غير اسم الله عليها, فكان هذا ناسخاً لقوله تعالى: ]وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ...[([145]).

والصحيح أنها أطلقت إباحة ذبائحهم؛ لأن الأصل أنهم يذكرون الله فيحمل أمرهم على هذا، فإن تيقنا أنهم ذكروا غيره فلا نأكل، ولا وجه للنسخ، وإلى هذا الذي قلته ذهب: علي، وابن عمر، وعبادة، وأبو الدرداء، والحسن، وجماعة))([146]).

قلت: وهذا القول: هو قول: علي، وعائشة، وغيرهما كما ذكره الشوكاني، وهو الراجح إن شاء الله؛ للأدلة المذكورة آنفاً في النهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه.

والمراد بطعام أهل الكتاب: ذبائحهم، هذا قول ابن عباس، وجماعة([147]).

قال الشوكاني نقلاً عن القرطبي: ((ولا خلاف بين العلماء أن ما لا يحتاج إلى ذكاة كالطعام يجوز أكله.

أما المجوس فذهب الجمهور إلى أنها لا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم لأنهم ليسوا بأهل كتاب على المشهور عند أهل العلم، وخالف في ذلك أبو ثور، وأنكر عليه الفقهاء ذلك حتى قال أحمد بن حنبل: أبو ثور كاسمه، يعني في هذه المسألة، وكأنه تمسك بما روي عن النبي ﷺ‬ مرسلاً أنه قال في المجوس: ((سُنُّوا بهم سنة أهل الكتاب))، ولم يثبت بهذا اللفظ))([148]).

قال ابن الجوزي في هذه المسألة: ((فأما ذبائح المجوس فأجمعوا على تحريمها))([149] قلت: وكأن ابن الجوزي لم يعتدّ بخلاف أبي ثور.

وقال القرطبي في هذه المسألة: ((وأما المجوس فالعلماء مجمعون – إلا من شذّ منهم – على أن ذبائحهم لا تؤكل، ولا يتزوج منهم؛ لأنهم ليسوا أهل كتاب على المشهور عند العلماء)).

وقال أيضاً: ((ولا بأس بالأكل، والشرب، والطبخ، في آنية الكفار كلهم ما لم تكن ذهباً، أو فضة، أو جلد خنزير، بعد أن تغسل وتغلى لأنهم لا يتوقون النجاسات))([150]).

وفي صحيح مسلم عن أبي ثعلبة الخشني قال: ((أتيت رسول الله ﷺ‬ فقلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب نأكل في آنيتهم، وأرض صيد أصيد بقوسي، وأصيد بكلبي المعلم، وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم، فأخبرني ما الذي يحل لنا من ذلك، قال: ((أما ما ذكرت أنكم بأرض قوم من أهل الكتاب، وتأكلون في آنيتهم، فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها، أما ما ذكرت أنك بأرض صيد، فما صدت بقوسك فاذكر اسم الله وكل، وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله وكل، وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكله))([151]).

قال تعالى: ]وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ[، قال القرطبي: ((دليل على أنهم مخاطبون بتفاصيل شرعنا))([152]).

وقال ابن كثير: ((أي ولكم أن تطعموهم من ذبائحكم، كما أكلتم من ذبائحهم، وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة، كما ألبس النبي ﷺ‬ ثوبه عبد الله بن أُبي بن سلول حين مات ودفنه فيه، قالوا: لأنه كان قد كسا العباس حين قدم من المدينة ثوبه، فجازاه النبي ﷺ‬ ذلك، فأما الحديث الذي فيه: ((لا تصحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي))([153])، فمحمول على الندب والاستحباب، والله أعلم([154]).

ثانياً: حكم نكاح الكتابيات.

قال تعالى: ]وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ[([155]).

قوله: ]وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ[ أي وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات، وذكر هذا توطئة لما بعده، وهو قوله تعالى: ]وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ[ أي المحصنات العفيفات عن الزنا، كما قال تعالى: ]مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ[ ([156]).

وقد كان الناس لا ينكحون الكتابيات بعد أن نزلت الآية التي في سورة البقرة: ]وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ[([157] فجعلوا هذه الآية مخصصة للتي في سورة البقرة: ]وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ...[ إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها، وإلا فلا معارضة بينها وبينها؛ لأن أهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع، كقوله تعالى: ]لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ[([158] قال ابن كثير أيضاً: ((قد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى، ولم يروا بذلك بأساً أخذاً بهذه الآية الكريمة))([159]).

قال ابن الجوزي: ((وقد روي عن عثمان أنه تزوج نائلة بنت الفرافصة على نسائه وهي نصرانية.

وعن طلحة بن عبيد الله: أنه تزوج يهودية... أما المجوس فالجمهور على أنهم ليسوا بأهل كتاب، وقد شذّ من قال: إنهم أهل كتاب))([160]).

وقوله: ]إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ[ أي مهورهن، أي كما هن محصنات عفائف فابذلوا لهن المهور عن طيب نفس.

وقوله ]مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ[، فكما شرط الإحصان في النساء وهو العفة عن الزنا، كذلك شرطها في الرجال أن يكونوا محصنين عفيفين؛ ولهذا قال تعالى: ]غَيْرَ مُسَافِحِينَ[، وهم الزناة، ]وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ[ أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن؛ ولهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصحّ نكاح المرأة البغي حتى تتوب، وكذلك لا يصحّ عنده عقد الرجل الفاجر على عفيفة حتى يتوب؛ لهذه الآية؛ ولحديث: ((لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله))([161]).

قال قتادة: ((أحلّ الله لنا محصنتين: محصنة مؤمنة، ومحصنة من أهل الكتاب، نساؤنا عليهم حرام، ونساؤهم لنا حلال))([162]).


الفصل الثاني أولاً: حكم المرتد

قوله تعالى: ]وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[([163]) أي ومن يرتد عن الدين، ويكفر بشرائع الإيمان فقد حبط عمله، وهو من الهالكين([164] وروى ليث عن مجاهد: ومن يكفر بالإيمان: قال الإيمان بالله تعالى.

قال الزجاج: ((معنى الآية: من أحل ما حرم الله، أو حرم ما أحل الله فهو كافر.

وقال أبو سليمان: من جحد ما أنزله الله من شرائع الإيمان، وعرفه من الحلال والحرام، فقد حبط عمله المتقدم.

وسمعت الحسن بن أبي بكر النيسابوري الفقيه يقول: إنما أباح الله ﷻ‬ الكتابيات؛ لأن بعض المسلمين قد يعجبه حسنهنّ، فحذّر ناكحهنّ من الميل إلى دينهنّ بقوله: ]وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ[([165]).

ثانياً: حكم من حكم بغير ما أنزل الله.

قال الله تعالى: ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[([166] وقال تعالى: ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ الله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[([167] وقال سبحانه: ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[([168]).

لما كان الموضوع الذي قبل هذا هو الكلام عن بعض أحكام المرتدّ، أحببت أن أتبعه بحكم من حكم بغير ما أنزل الله؛ لأن من حكم بغير ما أنزل الله قد يكون مرتدّاً، وقد يكون مسلماً عاصياً مرتكباً لكبيرة من كبائر الذنوب؛ فلهذا نجد أن أهل العلم قد قسموا الكلمات الآتية إلى قسمين، وهي كلمة: كافر، وفاسق، وظالم، ومنافق، ومشرك، فكفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسوق دون فسوق، ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك.

فالأكبر يخرج من الملة؛ لمنافاته أصل الدين بالكلية.

والأصغر ينقص الإيمان،وينافي كماله،ولا يخرج صاحبه من الملة.

ولهذا فصّل العلماء القول فيمن حكم بغير ما أنزل الله، قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه عندما سئل عن حكم من حكم بغير ما أنزل الله.

قال: ((من حكم بغير ما أنزل الله فلا يخرج عن أربعة أنواع:

1- من قال: أنا أحكم بهذا لأنه أفضل من الشريعة الإسلامية، فهو كافر كفراً أكبر.

2- ومن قال: أنا أحكم بهذا لأنه مثل الشريعة الإسلامية، فالحكم بهذا جائز، وبالشريعة جائز، فهو كافر كفراً أكبر.

3- ومن قال: أنا أحكم بهذا، والحكم بالشريعة الإسلامية أفضل، لكن الحكم بغير ما أنزل الله جائز، فهو كافر كفراً أكبر.

4- ومن قال: أنا أحكم بهذا، وهو يعتقد أن الحكم بغير ما أنزل الله لا يجوز، ويقول: الحكم بالشريعة الإسلامية أفضل، ولا يجوز الحكم بغيرها، ولكنه متساهل، أو يفعل هذا لأمر صادر من حُكَّامه، فهو كافر كفراً أصغر لا يخرج من الملة، ويعتبر من أكبر الكبائر))([169]).

ولا منافاة بين تسمية العمل فسقاً، أو عامله فاسقاً، وبين تسميته مسلماً وجريان أحكام المسلمين عليه؛ لأنه ليس كل فسق يكون كفراً، ولا كل ما يسمى كفراً، وظلماً، يكون مخرجاً من الملة حتى ينظر إلى لوازمه وملزوماته، وذلك لأن كلاً من الكفر، والظلم، والفسوق، والنفاق جاءت في النصوص على قسمين:

أ - أكبر يخرج من الملة؛ لمنافاته أصل الدين بالكلية.

ب - وأصغر ينقص الإيمان وينافي كماله، ولا يخرج صاحبه منه، فكفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسوق دون فسوق، ونفاق دون نفاق.

والفاسق بالمعاصي التي لا توجب الكفر لا يخلد في النار، بل أمره مردود إلى الله تعالى، إن شاء عفا عنه وأدخله الجنة من أول وهلة برحمته وفضله، وإن شاء عاقبه بقدر الذنب الذي مات مصراً عليه، ولا يخلده في النار، بل يخرجه برحمته، ثم بشفاعة الشافعين إن كان مات على الإيمان([170]).

وقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن المعاصي صغرت أم كبرت لا تؤدي بذاتها إلى الحكم على المسلم بالكفر، إنما يكون الكفر بسبب استحلال المعصية بتحليل ما حرّم الله، أو تحريم ما أحلّ الله تعالى، وهذه مسألة لا يختلف فيها اثنان من العلماء([171] فالله تعالى يقول: ]إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ[([172]).

ولا أستطيع أن أكتب في هذا المبحث المحدود كل ما قال علماء أهل السنة والجماعة، وإنما ذكرت الخلاصة، ومن أراد التفصيل في حكم المرتد فعليه بالرجوع إلى كتابي ((قضية التكفير))، والله أسأل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.




([1]) زاد المسير في علم التفسير لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي القرشي البغدادي.

([2]) مستدرك الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، 2/311، ورواه الإمام أحمد، 6/54، برقم 26063، وزاد: ((وسألتها عن خلق رسول الله ﷺ‬؟ فقالت: القرآن)).

([3]) الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، 6/30.

([4]) في ظلال القرآن سيد قطب، 2/835 بتصرف.

([5]) الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي 6/30 وتفسير البغوي 2/5.

([6]) فتح القدير، 2/7.

([7]) سورة المائدة، الآية: 4.

([8]) البخاري، كتاب الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه، برقم 45، ومسلم، كتاب التفسير، برقم 3017، ولفظ مسلم قريب من ذلك، ورواه أحمد، 1/237، برقم 188.

([9]) رواه الحاكم في مستدركه، وقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه))، ووافقه الذهبي، وفي سنده محمد بن إسحاق وقد عنعن، المستدرك، 2/311.

([10]) رواه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين، وفي سنده ابن لهيعة، قال الحافظ في التقريب: ((صدوق خلط بعد احتراق كتبه))، وعطاء بن دينار الراوي عن سعيد بن جبير قيل لم يسمع منه.

([11]) الواجم هو الساكت الذي يظهر عليه الهم والكآبة.

([12]) رواه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة ... بقم 2105.

([13]) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الأمر بقتل الكلاب، وبيان نسخه، وبيان تحريم اقتنائها إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك، برقم 1572.

([14]) سورة المائدة، آية: 5.

([15]) زاد المسير في علم التفسير 2/297.

([16]) مستدرك الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 2/311 ، وتقدم تخريجه.

([17]) مستدرك الحاكم 2/311، وسبق تخريجه.

([18]) سورة المائدة، الآية: 2.

([19]) سورة التوبة، الآية: 5.

([20]) سورة التوبة، الآية: 38.

([21]) زاد المسير في علم التفسير 2/278.

([22]) سورة المائدة، الآية الأولى.

([23]) تفسير ابن كثير، 2/2 بتصرف.

([24]) فتح القدير، 2/4 بتصرف.

([25]) القاموس المحيط، فصل العين، باب الدال، 1/315.

([26]) زاد المسير في علم التفسير، 2/267.

([27]) تفسير ابن كثير، 2/3 بتصرف.

([28]) سورة الرعد، آية: 25.

([29]) زاد المسير في علم التفسير، 2/268.

([30]) سورة الأعراف، آية: 172.

([31]) القاموس المحيط، فصل الباء، باب الميم، 4/82.

([32]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/3، وتفسير البغوي، 2/6.

([33]) رواه أبو داود، كتاب الضحايا، باب ما جاء في ذكاة الجنين، برقم 2830، والترمذي، كتاب الأطعمة عن رسول الله ﷺ‬، باب ذكاة الجنين، برقم 1476، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب العقيقة، برقم الحديث 3199، وانظر: صحيح الترمذي، 2/83.

([34]) زاد المسير في علم التفسير، 2/269، روي ذلك عن ابن عباس وأبي صالح.

([35]) سورة الأنعام، الآية: 145.

([36]) مسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل لحمه، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، برقم 1934.

([37]) صحيح مسلم كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل لحمه، باب تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، برقم 1933.

([38]) فتح القدير للشوكاني، 2/5.

([39]) سورة النحل، الآيات: 5- 7.

([40]) سورة الأنعام، الآيات: 142-144.

([41]) سورة النحل، الآية: 80.

([42]) أحكام القرآن لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي، 2/529.

([43]) سورة المائدة، الآية: 103.

([44]) صفوة التفاسير، 1/369.

([45]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/4، والآية 3 من سورة المائدة.

([46]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، والحديث رواه مسلم، برقم 1933، ولكن بلفظ: ((كل ذي ناب من السباع فأكله حرام))، وتقدم تخريجه.

([47]) سورة النحل، آية: 115.

([48]) تفسير القرآن لابن كثير، 2/4، والآية الأولى من سورة المائدة.

([49]) البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب أكل كل ذي ناب من السباع، برقم 5530، وكتاب الطب، باب ألبان الأتن، برقم الحديث 5780.

([50]) صحيح مسلم، برقم 1934، وتقدم تخريجه.

([51]) فتح الباري، 9/658.

([52]) مسلم، برقم 1933، وتقدم تخريجه.

([53]) سورة الأنعام، الآية: 145.

([54]) شرح النووي لصحيح مسلم، 13/82.

([55]) رواه الترمذي، باب ما جاء في الضبع يصيبها المحرم، برقم 851، وقال: ((هذا حديث حسن صحيح ) وانظر: صحيح الترمذي، 1/255.

([56]) رواه أبو داود، كتاب الأطعمة، باب في أكل الضبع، برقم 3801، وقد روي أحاديث كثيرة في الضبع، روى ذلك، أحمد، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، والدارمي، ومالك واخترت حديثين هما ما ذكر أعلاه من سنن الترمذي، وسنن أبي داود.

([57]) فتح الباري كتاب الصيد 9/658.

([58]) سورة المائدة، الآية: 2.

([59]) القاموس المحيط، فصل الشين، باب الراء، 2/59.

([60]) سورة الحج، آية: 32.

([61]) الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي، 6/37.

([62]) سورة المائدة، الآية: 2.

([63]) سورة التوبة، آية: 5.

([64]) سورة التوبة، آية: 38.

([65]) البخاري، كتاب الحج، باب لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك، برقم 1622، ولكنه بلفظ: ((ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)).

([66]) فتح القدير للشوكاني، 2/6.

([67]) البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين، برقم 3197، ومسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، برقم 1679.

([68]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/4.

([69]) صفوة التفاسير للصابوني، 1/226.

([70]) سورة البقرة، آية: 198.

([71]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/5.

([72]) صفوة التفاسير للصابوني، 1/226.

([73]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/6.

([74]) سورة المائدة، الآية: 2.

([75]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/ 6.

([76]) البخاري، كتاب الإكراه، باب يمين الرجل لصاحبه: إنه أخوه إذا خاف عليه القتل أو نحوه، برقم 6952 ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأخ ظالماً أو مظلوماً، برقم 2584، بلفظ غير هذا، ولكنه قريب منه.

([77]) صحيح مسلم، كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، برقم 2674 عن أبي هريرة t.

([78]) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره...، برقم 1893.

([79]) سورة المائدة، الآية: 3.

([80]) سورة الأنعام، الآية: 145.

([81]) سورة البقرة، الآية: 173.

([82]) رواه مالك في الموطأ 1/22 والشافعي 1/2 وأحمد 1/214 وأبو داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر، برقم 83، والترمذي، أبواب الطهارة وسننها، باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور، برقم 69، والنسائي، كتاب الطهارة، باب ماء البحر، برقم 59، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب الوضوء بماء البحر، برقم 386، وابن خزيمة، وابن حبان في صحيحيهما. وهو حديث صحيح انظر صحيح الترمذي، 1/21.

([83]) رواه الشافعي 2/173 وأحمد، وابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب الكبد والطحال، برقم 3212، والدارقطني والبيهقي 1/254 وقد رواه سليمان بن بلال أحد الأثبات عن زيد بن أسلم عن ابن عمر فوقفه عليه وصحح الموقوف أبو زرعة الرازي وأبو حاتم قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: نعم الرواية الموقوفة التي صححها أبو حاتم وغيره هي في حكم المرفوع. لأن قول الصحابي أحل لنا، وحرم علينا كذا. مثل قوله: أمرنا بكذا ونهينا عن كذا، فيحصل الاستدلال بهذه الرواية لأنها في معنى المرفوع: قال ذلك زهير الشاويش في تعليقه على هذا الحديث في زاد المسير في علم التفسير. قلت: قال ابن أبي أوفى غزونا مع رسول الله ﷺ‬ سبع غزوات نأكل الجراد. أما أكل السمك فدليل حله قوله ﷺ‬ في ماء البحر ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)).

([84]) صحيح مسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب الصيد بالكلاب المعلمة، برقم 1929.

([85]) رواه البخاري، كتاب الشركة، باب قسمة الغنم، برقم 2488، ورواه مسلم، كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما أنهر الدم، برقم 1968 بلفظ مقارب.

([86]) تفسير ابن كثير، 2/11.

([87]) زاد المسير في علم التفسير، 2/282.

([88]) زاد المسير في علم التفسير، 2/282.

([89]) البخاري مع فتح الباري، 9/640.

([90]) ذكره ابن حجر في فتح الباري، 9/641، وعزاه إلى أبي عبيد في الغريب عن عمر.

([91]) البخاري مع الفتح، 9/ 640.

([92]) انظر: فتح الباري، 9/ 641، وقال وصله سعيد بن منصور، والبيهقي.

([93]) البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب ذبيحة الأعراب ونحوهم، برقم 5507.

([94]) البخاري، كتاب الصيد برقم 5504.

([95]) البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش، برقم 5509.

([96]) رسالة في الذكاة الشرعية للشيخ محمد العثيمين، ص64.

([97]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/11.

([98]) البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: ]وَاتَّخَذَ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا[، برقم 3352.

([99]) البخاري، أبواب التهجد، باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى، برقم 1162، وكتاب الدعوات، باب الدعاء عند الاستخارة،برقم 6382،وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:]قُلْ هُوَ القَادِرُ[، برقم 7390، وأحمد، برقم 14707، وهذا لفظه.

([100]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/10.

([101]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/10.

([102]) فتح القدير للشوكاني، 2/11، والحديث في صحيح البخاري، برقم 45، ومسلم، برقم 3017، وتقدم تخريجه.

([103]) سورة المائدة، الآية: 3.

([104]) سورة البقرة، الآية: 173.

([105]) سورة الأنعام، الآية: 145.

([106]) زاد المسير في علم التفسير، 2/288، وفتح القدير، 2/11 بتصرف.

([107]) مسند أحمد، 2/108، وهو في مجمع الزوائد، 3/162، ورجاله رجال الصحيح، والبزار والطبراني في الأوسط وإسناده حسن. وانظر صحيح الجامع الصغير للألباني، 2/146، برقم 1881، و1882.

([108]) تفسير ابن كثير، 2/11.

([109]) تفسير ابن كثير، 1/133.

([110]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 1/226.

([111]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 1/205.

([112]) أحكام القرآن لابن العربي، 1/55.

([113]) مسند أحمد، 5/218، برقم 22246، وقال زهير الشاويش: ((تفرد به من هذا الوجه، وهو إسناد صحيح على شرط الصحيحين)).

([114]) مسند أحمد، 2/108، وسبق تخريجه.

([115]) سورة النساء، الآية: 29.

([116]) سورة المائدة، الآية: 4.

([117]) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب تفسير المشبهات، برقم 2054، ومسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب الصيد بالكلاب المعلمة، برقم 1929.

([118]) مسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب الصيد بالكلاب المعلمة، برقم 1929.

([119]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 6/66.

([120]) زاد المسير، 2/ 294.

([121]) زاد المسير، 2/294.

([122]) الجامع لأحكام القرآن القرطبي، والحديث في البخاري، برقم 2054، ومسلم، برقم 1929، وتقدمق تخريجه.

([123]) سورة المائدة، الآية: 4.

([124]) تقدم تخريجه في الحاشية قبل السابقة.

([125]) سبق تخريجه، وهو في مسلم، برقم 510.

([126]) فتح القدير للشوكاني، 2/13.

([127]) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنائها، إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك، برقم 1572.

([128]) أبو داود، كتاب الصيد، باب فِى اتِّخَاذِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَغَيْرِهِ، برقم 2847، الترمذي، كتاب الأحكام والفوائد، باب قتل الكلاب، برقم 1486، والنسائي، كتاب الصيد والذبائح، صفة الكلاب التي أمر بقتلها، برقم 4791، والدارمي، 2/90، وانظر: صحيح الجامع الصغير، 5/75، برقم 5198.

([129]) مسلم، كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، باب الأمر بقتل الكلاب وبيان نسخه وبيان تحريم اقتنائها، إلا لصيد أو زرع أو ماشية ونحو ذلك، برقم 510.

([130]) مسلم، كتاب المساقاة والمزارعة، باب برقم 1575.

([131]) الترمذي، 4/66، برقم 1467، وقال: ((هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث مجالد عن الشعبي والعمل على هذا عند أهل العلم)). وانظر: صحيح الترمذي، 2/85.

([132]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/16.

([133]) زاد المسير في علم التفسير، 2/293 ببعض التصرف.

([134]) صحيح البخاري، برقم 2054، وصحيح مسلم، برقم 1929، وتقدم تخريجه.

([135]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/15.

([136]) صفوة التفاسير 1/328.

([137]) سورة المائدة، الآية: 5.

([138]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/19.

([139]) قصة أكل النبي ﷺ‬ من الشاة التي سُمّت لـه بخيبر انظرها في: البخاري كتاب الهبة، باب قبول الهدية من المشركين، برقم 2617، ومسلم، كتاب السلام، باب السم، برقم 2190، وأحمد في المسند، برقم 2785.

([140]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/20 ببعض التصرف.

([141]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/20.

([142]) سورة الأنعام، الآية: 121.

([143]) سورة المائدة، الآية: 3.

([144]) فتح القدير للشوكاني، 2/14.

([145]) سورة الأنعام، الآية: 121.

([146]) زاد المسير في علم التفسير، 2/296.

([147]) زاد المسير في علم التفسير، 2/295.

([148]) فتح القدير، 2/15، والحديث أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الزكاة، باب جزية أهل الكتاب والمجوس، 1/278، وضعفه الألباني في إرواء الغليل، برقم 1248.

([149]) زاد المسير في علم التفسير، 2/295.

([150]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 6/77.

([151]) البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب آنية المجوس والميتة ، برقم 5496.

([152]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 6/79.

([153]) رواه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، برقم 4834، والترمذي، كتاب الزهد عن رسول الله ﷺ‬، باب ما جاء في صحبة المؤمن، برقم 2395، ومسند أحمد، 3/38، برقم 11357، وحسّنه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2519.

([154]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/20.

([155]) سورة المائدة، الآية: 5.

([156]) سورة النساء، الآية: 25.

([157]) سورة البقرة، الآية: 221.

([158]) سورة البينة، الآية: 1.

([159]) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 2/20.

([160]) زاد المسير في علم التفسير، 2/296.

([161]) تفسير ابن كثير، 2/17، والحديث في مسند أحمد، 2/324، برقم 8283، وسنن أبي داود، كتاب النكاح، باب في قوله تعالى: ]الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً[، برقم 2054، 2/221، وانظر: صحيح الجامع للألباني، 6/255.

([162]) فتح القدير للشوكاني 2/16.

([163]) سورة المائدة، الآية: 5.

([164]) صفوة التفاسير للصابوني، 1/329.

([165]) زاد المسير في عمل التفسير، 2/297، وانظر حكم المرتد مُفصلاً في كتابي: ((قضية التكفير)).

([166]) سورة المائدة، الآية: 44.

([167]) سورة المائدة، الآية: 45.

([168]) سورة المائدة، الآية: 47.

([169]) حدثنا بهذا الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز أثناء محاضرة له بالجامع الكبير بعد عام 1402هـ، وأظنه عام 1403هـ، ثم طبعت هذه المحاضرة فيما بعد بعنوان القوادح في العقيدة.

([170]) معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم أصول التوحيد، 2/423.

([171]) الحكم وقضية تكفير المسلم، ص186، وقضية التكفير للمؤلف، ص40.

([172]) سورة النساء، الآية: 116.