×
كُتيب يُبين الهدف من خلقنا، مع بيان أنواع التوحيد والتحذير من الشرك وبيان أنواعه.

بسم الله الرحمن الرحيم

الهدف من خلقنا

 السؤال: لماذا خلقنا الله؟

الجواب: خلقنا الله لنعبده ولا نُشرك به شيئًا. والدليل قوله تعالى: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{ [الذاريات: 56]. وقال ﷺ‬: «حقُّ الله على العباد أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا» [متفق عليه].

السؤال: ما هي العبادة؟

الجواب: العبادة: اسمٌ جامعُ لكل ما يُحبه الله من الأقوال والأفعال، الظاهرة والباطنة: كالدعاء والصلاة والخشوع وغيرها. قال الله تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{ [الأنعام: 162]. (نسكي: ذبحي للحيوانات قربة لله). وقال ﷺ‬: «قال الله تعالى: وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إلي مما افترضته عليه». [حديث قدسي رواه البخاري].

السؤال: ما هي أنواع العبادة؟

الجواب: أنواع العبادة كثيرة منها: الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والذبح والنذر والركوع والسجود والطواف والحلف والحكم، وغير ذلك من أنواع العبادات المشروعة.

السؤال: لماذا أرسل الله الرسل؟

الجواب: أرسلهم للدعوة إلى عبادته، ونفي الشرك به.

قال الله تعالى: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ{ [النحل: 36].

(والطاغوت هو: الذي يعبده الناس، ويدعونه من دون الله، وهو راضٍ بذلك). وقال ﷺ‬: «... والأنبياء إخوة... ودينهم واحد» [الحديث متفق عليه] (أي كل الرسل دعوا إلى توحيد الله).

 أنواع التوحيد

السؤال: ما توحيد الرب؟

الجواب: هو إفراده بأفعاله وأنه الخالق الرازق المحيي المميت النافع الضار وغير ذلك.

قال الله تعالى: }الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{ [الفاتحة: 2]. وقال ﷺ‬: «... أنت رب السموات والأرض...» [متفق عليه].

السؤال: ما هو توحيد الإله؟

الجواب: هو إفراده بالعبادة: كالدعاء، والذبح، والنذر والحكم، والصلاة، والرجاء، والخوف، والاستعانة، والتوكل وغيرها. قال الله تعالى: }وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ{ [البقرة: 163]. وقال ﷺ‬: «فليكن أول ما تدعوهم إليه، شهادة أن لا إله إلا الله». [متفق عليه] وفي رواية البخاري: «إلى أن يُوحِّدوا الله».

السؤال: ما هي الغاية من توحيد الرب والإله؟

الجواب: الغاية من توحيد الرب والإله أن يعرف الناس عظمة ربهم ومعبودهم فيفردوه في عبادتهم، ويطيعوه في سلوكهم، ويستقر الإيمان في قلوبهم، ويظهر في تحكيم شريعة الله في الأرض.

السؤال: ما هو توحيد صفات الله وأسمائه؟

الجواب: هو إثبات ما وصف الله به نفسه في كتابه، أو وصفه رسوله في أحاديثه الصحيحة على الحقيقة، بلا تأويل، ولا تمثيل، ولا تعطيل، ولا تكييف، كالاستواء والنزول واليد وغيرها، مما يليق بكمال الله تعالى: }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ [الشورى: 11]. وقال ﷺ‬: «ينزل ربنا في كل ليلة إلى السماء الدنيا» [متفق عليه] (ينزل نزولاً يليق بجلاله، ولا يشبه أحدًا من مخلوقاته).

 أعظم الذنوب

السؤال: ما هو أعظم الذنوب عند الله؟

الجواب: أعظم الذنوب عند الله الشرك الأكبر، والدليل قوله تعالى عن لقمان العبد الصالح: }يبُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{ [لقمان: 13] ولما سئل رسول الله ﷺ‬ أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك» [متفق عليه]. (الند: المثيل والشريك).

السؤال: ما هو الشرك الأكبر؟

الجواب: الشرك الأكبر هو صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله: كالدعاء، والذبح، وغير ذلك، والدليل قوله الله تعالى: }وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ{ [يونس: 106] (أي المشركين).

وقال ﷺ‬: «أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور» [رواه البخاري].

السؤال: ما هو ضرر الشرك الأكبر؟

الجواب: الشرك الأكبر يسبب الخلود في النار. قال الله تعالى: }إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ{ [المائدة: 72].

وقال ﷺ‬: «ومن لقي الله يشرك به شيئًا دخل النار» [رواه مسلم].

السؤال: هل ينفع العمل الصالح مع الشرك؟

الجواب: لا ينفع العمل الصالح مع الشرك، لقول الله تعالى: }وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [الأنعام: 88].

وقال ﷺ‬: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري، تركته وشركه» [حديث قدسي رواه مسلم].

 أنواع من الشرك الأكبر

السؤال: هل نستغيث بالأموات أو الغائبين؟

الجواب: لا نستغيث بهم، بل نستغيث بالله. قال الله تعالى: }وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{ [النحل: 20، 21].

وقال ﷺ‬: «يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث» [حسن رواه الترمذي].

السؤال: هل نستغيث بالأحياء؟

الجواب: نعم فيما يقدرون عليه من مساعدات ممكنة. قال الله تعالى عن موسى: }فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ{ [القصص: 15].

السؤال: هل تجوز الاستعانة بغير الله؟

الجواب: لا تجوز في أمور لا يقدر عليها إلا الله، والدليل قوله تعالى: }إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ [الفاتحة: 5].

وقال ﷺ‬: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله». [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].

السؤال: هل نستعين بالأحياء؟

الجواب: نعم فيما يقدرون عليه من قرض أو نصرة. قال الله تعالى: }وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى{ [المائدة: 2].

وقال ﷺ‬: «والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه» [رواه مسلم]. أما طلب الشفاء والرزق والهداية وأمثالها فلا تطلب إلَّا من الله، لأن البشر الأحياء عاجزون عنها فضلاً عن الأموات.

قال الله تعالى: }الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ{ [الشعراء: 78-80].

السؤال: هل يجوز النذر لغير الله؟

الجواب: لا يجوز النذر إلا لله، لقول الله تعالى حكاية عن امرأة عمران: }إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{ [آل عمران: 35].

وقال ﷺ‬: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه». [رواه البخاري].


 حكم السحر

السؤال: ما حكم السحر.

الجواب: السحر من الكبائر، وقد يكون من الكفر. قال الله تعالى: }وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ{ [البقرة: 102] وقال ﷺ‬: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله والسحر..» (الموبقات المهلكات). [الحديث رواه مسلم].

وقد يكون الساحر مشركًا أو كافرًا أو مفسدًا يجب قتله قصاصًا حدًا أو تعزيرًا حسب نشاطه في الفتك أو الشعوذة أو الفتنة عن الدين، أو تسهيل الفساد لطالبه، أو تغطية الجرائم، أو التفريق بين المرء وزوجه، أو عمل ما يفتك بالحياة، أو يزيل العقل إلى غير ذلك من سوء نتائجه.

 دعاء النبي ﷺ‬ ونداؤه

 والاستعانة به بعد موته شرك أكبر

السؤال: نداء ودعاء النبي، ﷺ‬، في كل حاجة، والاستعانة به في المصائب والنوائب، من قريب أعني عند قبره الشريف أو من بعيد، أشرك قبيح أم لا؟

الجواب: دعاء النبي، ﷺ‬، ونداؤه والاستعانة به بعد موته في قضاء الحاجات وكشف الكربات شرك أكبر يخرج من ملة الإسلام، سواء كان ذلك عند قبره أم بعيدًا عنه، كأن يقول يا رسول الله اشفني أو رُدَّ غائبي أو نحو ذلك.

اللجنة الدائمة

 حكم السجود على المقابر والذبح

السؤال: ما حكم السجود على المقابر والذبح عليها؟

الجواب: السجود على المقابر والذبح عليها وثنية جاهلية وشرك أكبر، فإن كلاً منهما عبادة والعبادة لا تكون إلاَّ لله وحده، فمن صرفها لغير الله فهو مشرك. قال تعالى: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{ [الأنعام: 162، 163]. وقال تعالى: }إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{ [الكوثر: 1، 2]. إلى غير هذا من الآيات الدالة على أن السجود والذبح عبادة، وأن صرفهما لغير الله شرك، ولا شك أن قصد الإنسان إلى المقابر للسجود عليها أو الذبح عندها، إنما هو لإعظامها وإجلالها بالسجود والقرابين التي تُذبح أو تُنحر عندها، روى مسلم في حديث طويل في باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، عن علي بن أبي طالب t قال فيه: حدثني رسول الله ﷺ‬ بأربع كلمات: «لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثًا، لعن الله من غير منار الأرض».

وروى أبو داود في سننه من طريق ثابت بن الضحاك t قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة فسأل رسول الله ﷺ‬، فقال: «هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟» قالوا: لا، فقال: «فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟» قالوا: لا. فقال رسول الله ﷺ‬: «أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله». فدل ما ذكر على لعن من ذبح لغير الله، وعلى تحريم الذبح في مكان يعظم فيه غير الله من وثن أو قبر، أو كان فيه اجتماع لأهل الجاهلية اعتادوه وإن قصد بذلك وجه الله. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.

اللجنة الدائمة

 الذبح لغير الله شرك أكبر

السؤال: التقرب بذبح الخرفان في أضرحة الأولياء الصالحين ما زال موجودًا في عشيرتي.. نهيتُ عنه لكنهم لم يزدادوا إلا عنادًا. قلت لهم: إنه إشراك بالله. قالوا: نحن نعبد الله حق عبادته. لكن ما ذنبنا إن زرنا أولياءه وقلنا لله في تضرعاتنا: «بحق وليك الصالح فلان... اشفنا أو أبعد عنا الكرب الفلاني» قلت: ليس ديننا دين واسطة. قالوا: اتركنا وحالنا.

سؤالي: ما الحل الذي تراه صالحًا لعلاج هؤلاء؟ ماذا أعمل تجاههم؟ وكيف أحارب البدعة؟

الجواب: من المعلوم بالأدلة من الكتاب والسنة أن التقرب بالذبح لغير الله من الأولياء أو الجن أو الأصنام أو غير ذلك من المخلوقات، شرك بالله ومن أعمال الجاهلية والمشركين. قال الله عز وجل: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{ [الأنعام: 162، 163]. والنُّسك هو الذبح، بيَّن سبحانه في هذه الآية أن الذبح لغير الله شرك بالله كالصلاة لغير الله.

وقال تعالى: }إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ{ [الكوثر: 1، 2]. أمر الله سبحانه نبيه في هذه السورة الكريمة أن يصلي لربه وينحر، خلافًا لأهل الشرك الذين يسجدون لغير الله ويذبحون لغيره. وقال تعالى: }وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ{ [الإسراء: 23]. وقال سبحانه: }وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ{ [البينة: 5]. والآيات في هذا المعنى كثيرة. والذبح من العبادة فيجب إخلاصه لله وحده.

وفي صحيح مسلم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t قال: قال رسول الله ﷺ‬: «لعن الله من ذبح لغير الله».

وأما قول القائل: «أسأل الله بحق أوليائه أو بجاه أوليائه أو بحق النبي أو بجاه النبي»، فهذا ليس من الشرك ولكنه بدعة عند جمهور أهل العلم، ومن وسائل الشرك لأن الدعاء عبادة وكيفيته من الأمور التوقيفية ولم يثبت عن نبينا ﷺ‬ ما يدل على شرعية أو إباحة التوسل بحق أو جاه أحد من خلقه، فلا يجوز للمسلم أن يُحدث توَسُّلاً لم يشرعه الله سبحانه، لقول الله سبحانه وتعالى: }أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ{ [الشورى: 21]. وقول النبي ﷺ‬: «مَن أحدَثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». متفق على صحته. وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري في صحيحه جازمًا بها: «مَن عَمِل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». ومعنى قوله: (فهو رَد) أي مردود على صاحبه لا يُقبل.

فالواجب على أهل الإسلام التقيد بما شرعه الله، والحذر مما أحدثه الناس من البدع. أما التوسل المشروع، فهو التوسل بأسماء الله وصفاته، وبتوحيده وبالأعمال الصالحات، والإيمان بالله ورسوله، ومحبة الله ورسوله، ونحو ذلك من أعمال البر والخير. والله ولي التوفيق.

الشيخ ابن باز

 حكم العلاج عند المشعوذين

السؤال: هناك فئة من الناس يعالجون بالطب الشعبي على حسب كلامهم، وحينما أتيتُ إلى أحدهم قال لي: اكتب اسمك واسم والدتك ثم راجعنا غدًا، وحينما يراجعهم الشخص يقولون له: إنَّك مصاب بكذا وكذا، وعلاجك كذا وكذا، ويقول أحدهم إنه يستعمل كلام الله في العلاج. فما رأيكم في مثل هؤلاء، وما حكم الذهاب إليهم؟

الجواب: من كان يعمل هذا الأمر في علاجه فهو دليل على أنه يستخدم الجن، ويدعي علم المغيبات، فلا يجوز العلاج عنده كما لا يجوز المجيء إليه ولا سؤاله، لقوله النبي ﷺ‬، في هذا الجنس من الناس: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة». [أخرجه مسلم في صحيحه].

وثبت عنه ﷺ‬، في عدة أحاديث النهي عن إتيان الكهان والعَّرافين والسحرة، والنهي عن سؤالهم وتصديقهم، وقال ﷺ‬: «من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد -ﷺ‬». وكل من يدعي علم الغيب، باستعمال ضرب الحصى أو الودع أو التخطيط في الأرض، أو سؤال المريض عن اسمه واسم أمه أو اسم أقاربه، فكل ذلك دليل على أنه من العرافين والكهان الذين نهى النبي ﷺ‬، عن سؤالهم وتصديقهم.

الشيخ ابن باز

 حكم قراءة الفاتحة على القبر للميت

السؤال: هل يجوز قراءة الفاتحة أو شيء من القرآن للميت عند زيارة قبره، وهل ينفعه ذلك.

الجواب: ثبت عن النبي ﷺ‬ أنه كان يزور القبور، ويدعو للأموات بأدعية علَّمها أصحابه وتعلموها عنه، من ذلك: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية»، ولم يثبت عنه ﷺ‬ أنه قرأ سورة من القرآن أو آيات منه للأموات مع تكرار زيارته لقبورهم، ولو كان ذلك مشروعًا لفعله، وبينه لأصحابه، رغبة في الثواب ورحمة بالأمة، وأداءً لواجب البلاغ، فإنه كما وصفه تعالى بقوله: }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{ [التوبة: 128]. فلما لم يفعل ذلك مع وجود أسبابه، دل على أنه غير مشروع.

وقد عرف ذلك أصحابه، y، فاقتفوا أثره، واكتفوا بالعبرة والدعاء للأموات عند زيارتهم، ولم يثبت عنهم أنهم قرؤوا قرآنًا للأموات، فكانت القراءة لهم بدعة محدثة، وقد ثبت عنه ﷺ‬، أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».

اللجنة الدائمة

 حكم الحلف بالنبي ﷺ‬

السؤال: اعتاد بعض النَّاس الحلف بالنبي، ﷺ‬، وأصبح الأمر عاديًا عندهم، ولا يعتقدون ذلك اعتقادًا فما حكم ذلك؟

الجواب: الحلف بالنبي، ﷺ‬، أو غيره من المخلوقات منكر عظيم، ومن المحرمات الشركية، ولا يجوز لأحد الحلف إلا بالله وحده، وقد حكى الإمام ابن عبد البر رحمه الله الإجماع على أنه لا يجوز الحلف بغير الله. وقد صحت الأحاديث عن النبي ﷺ‬ بالنهي عن ذلك، وأنه من الشرك، كما في الصحيحين عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت».

وفي لفظ آخر: «فلا يحلف إلا بالله أو ليسكت».

وخرج أبو داود والترمذي، بإسناد صحيح عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك». وصحَّ عنه ﷺ‬ أنه قال: «من حلف بالأمانة فليس منا». والأحاديث في هذا الباب كثيرة معلومة والواجب على جميع المسلمين ألا يحلفوا إلا بالله وحده، ولا يجوز لأحد أن يحلف بغير الله كائنًا من كان؛ للأحاديث المذكورة وغيرها، ويجب على من اعتاد ذلك أن يحذِّره وأن ينهى أهله وجلساءه وغيرهم عن ذلك، لقول النبي ﷺ‬ «من رأي منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».

والحلف بغير الله من الشرك الأصغر، للحديث السابق، وقد يكون شركًا أكبر إذا قام بقلب الحالف أن هذا المحلوف به، يستحق التعظيم كما يستحقه الله، أو أنَّه يجوز أن يُعبَد مع الله، ونحو ذلك من المقاصد الكفرية.. نسأل الله أن يمن على المسلمين جميعًا بالعافية من ذلك، وأن يمنحهم الفقه في دينه، والسلامة من أسَّباب غضبه. إنه سميع قريب.

الشيخ ابن باز

 حكم الصلاة خلف من يستغيث بغير الله

السؤال: هل يصح أن أصلي خلف من يستغيث بغير الله ويتلفظ بمثل هذه الكلمات (أغِثْنا يا غُوْث، مَدَد يا جيلاني) وإذا لم أجد غيره فهل لي أن أصلي في بيتي؟

الجواب: لا تجوز الصلاة خلف جميع المشركين، ومنهم من يستغيث بغير الله ويطلبه المدد، لأن الاستغاثة بغير الله من الأموات والأصنام والجن وغير ذلك من الشرك بالله سبحانه. أما الاستغاثة بالمخلوق الحي الحاضر الذي يقدر على إعانتك فلا بأس بها، لقول الله عز وجل في قصة موسى: }فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ{ [القصص: 15].. وإذا لم تجد إمامًا مسلمًا تصلي خلفه، جاز لك أن تصلي في بيتك، وإن وجدت جماعة مسلمين يستطيعون الصلاة في المسجد قبل الإمام المشرك، أو بعده فصل معهم، وإن استطاع المسلمون عزل الإمام المشرك وتعيين إمام مسلم يصلي بالناس وجب عليهم ذلك، لأن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر وإقامة شرع الله في أرضه، إذا أمكن ذلك بدون فتنة، لقول الله تعالى: }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ{... الآية [التوبة: 71].

وقول النبي ﷺ‬: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان». [رواه مسلم في صحيحه].

الشيخ ابن باز

 من يذبح للجن لا يقبل منه عمل حتى يتوب

الحمد لله وبعد: فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على هذا الاستفتاء ونصه «يأتينا مطاوعة في البادية ويقولون: الذي يذبح للجن ما له صلاة ولا حج، وأنا عندما سمعت منهم هذا الكلام تبت إلى الله أني ما أذبح للجن وقد حججت ويقولون إن حجك باطل فهل حجي باطل، أم صحيح؟ فإذا كان باطلاً فسأحج من جديد»؟.

وأجابت بما يلي:

الذبح للجن شرك بالله سبحانه وتعالى، ولو مات فاعله عليه دون توبة منه، لكان خالدًا مخلدًا في النار، والشرك لا يصح معه عمل، لقول الله سبحانه: }وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [الأنعام: 88]. فالحمد لله تعالى أن وفقك للتوبة من هذا الذنب العظيم، الذي لا يُقبل معه عمل، وحُج من جديد، وإن صدقت توبتك فقد وعد الله التائب بالمغفرة، وإبدال سيئاتك حسنات لقوله سبحانه: }وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا{ [الفرقان: 68-70].

وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه.

اللجنة الدائمة

 العلة في تحريم زيارة النساء للقبور

السؤال: ما السبب أو العلة في تحريم زيارة النساء للقبور؟

الجواب: أولاً: ورد النهي الشديد عن ذلك بقوله ﷺ‬: «لعن الله زائرات القبور». وقوله لفاطمة لما زارت أناسًا للتعزية: «لو بلغتِ معهم الكداء (يعني أدنى المقابر) ما رأيتِ الجنة.. إلخ».

وثانيًا: ورد تعليل ذلك بقوله ﷺ‬ للنساء اللاتي تبعن الجنازة: «ارجعن مأزورات، غير مأجورات، فإنكن تفتن الحي، وتؤذين الميت». فعلل نهيهم بعلتين: كونهن فتنة للأحياء فإن المرأة عورة وخروجها وبروزها للرجال الأجانب يوقع في الفتنة ويجر إلى الجرائم، وهكذا كونهن يؤذين الميت فإن المرأة قليلة الصبر ضعيفة القلب لا تتحمل المصائب فلا يؤمن أن يقع منها عند القبور شيء من النياحة والنَّدب والنَّعي ورفع الصوت بتعداد محاسن الميت وذلك محرم شرعًا.

الشيخ ابن جبرين

 حكم الصلاة في المساجد التي تتوسطها الأضرحة

السؤال: هل تجوز الصلاة في المساجد التي تتوسطها قبور لأولياء الله؟

الجواب: المساجد المبنية على القبور لا يُصلَّى فيها سواء كان المقبور فيها من الصالحين، أم من غيرهم، لأن الرسول ﷺ‬ نهى عن ذلك وحذَّر منه ولعن اليهود والنصارى على ذلك، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما ذكرتا للنبي ﷺ‬ كنيسة بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال ﷺ‬: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله». وخرَّج مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله البجلي عن النبي ﷺ‬ أنه قال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك».

فهذه الأحاديث الصحيحة وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم الصلاة بالمساجد التي بها قبور كما تدل على تحريم اتخاذ المساجد على القبور ولعن من فعل ذلك، وقد ثبت عنه ﷺ‬ من حديث جابر أنَّه «نهى عن تجصيص القبور والبناء عليها والقعود عليها».

فالواجب على ولاة أمر المسلمين في جميع الدول الإسلامية أن يمنعوا البناء على القبور واتخاذ مساجد عليها، كما يجب عليهم أن يمنعوا تجصيصها والقعود عليها والكتابة عليها عملاً بهذه الأحاديث الصحيحة، وسدًا لذرائع الغلو في أهلها والشرك بهم. نسأل الله أن يوفق ولاة أمر المسلمين لما في صلاح العباد والبلاد وأن ينصر بهم دينه ويحمي بهم شريعته مما يخالفها، إنه سميع مجيب.

الشيخ ابن باز

 أبعدوا القبر عن المسجد

السؤال: شخص بنى جامعًا، وأوصى أسرته أن يكون قبره في الجامع، ثم توفي ودفن بالجامع أمام القبلة، وبَيْنَ القبر والجامع مسافة متر واحد، أرجو إرشادنا عن ذلك؟

الجواب: يجب أن ينبش هذا القبر، ويجعل في مكان بعيد عن المسجد في مقبرة البلد، لأن جعل القبر في المسجد ذريعة إلى الشرك، وإذا كان في القبلة كان أشد في التحريم وأقرب إلى الشرك بالله، وذلك بعبادة صاحب القبر، والأصل في ذلك ما رواه الشيخان عن أبي هريرة t قال: «قاتَلَ الله اليهود والنَّصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وأخرج مسلم أن النبي ﷺ‬ قال: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها». وروى مسلم أيضًا أن النبي ﷺ‬ قال: «ألا وإن مَن كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإنِّي أنهاكم عن ذلك». وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة

 حكم الكتابة على القبر

السؤال: هل يجوز وضع قطعة من الحديد أو (لافتة) على قبر الميت مكتوب عليها آيات قرآنية بالإضافة إلى اسم الميت وتاريخ وفاته... الخ؟

الجواب: لا يجوز أن يكتب على قبر الميت ألا آيات قرآنية ولا غيرها لا في حديدة ولا في لوح ولا في غيرهما، لما ثبت عن النبي ﷺ‬ من حديث جابر t أنه ﷺ‬ «نهى أن يُجصَّص القبر، وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه». [رواه مسلم وزاد الترمذي والنسائي بإسناد صحيح] «وأن يكتب عليه»].

الشيخ ابن باز

 ليس في الدين قشور

السؤال: ما حكم الشرع فيمن يقول: إن حلق اللحية وتقصير الثوب قشور وليس أصولاً في الدين، أو فيمن يضحك ممن فعل هذه الأمور؟

الجواب: هذا الكلام خطير ومنكر عظيم، وليس في الدين قشور بل كله لُب وصلاح وإصلاح وينقسم إلى أصول وفروع. ومسألة اللحية وتقصير الثياب من الفروع لا من الأصول، لكن لا يجوز أن يسمى شيء من أمور الدين قشورًا، ويُخشى على من قال مثل هذا الكلام منتقصًا ومستهزئًا أن يرتد بذلك عن دينه لقول الله سبحانه: }قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ{ [التوبة: 65، 66].

والرسول ﷺ‬ هو الذي أمر بإعفاء اللحية وإرخائها وتوفيرها وقص الشوارب وإحفائها، فالواجب طاعته وتعظيم أمره ونهيه في جميع الأمور، وقد ذكر أبو محمد بن حزم إجماع العلماء على أن إعفاء اللحية وقص الشارب أمر مفترض، ولا شك أن السعادة والنجاة والعزة والكرامة والعاقبة الحميدة في طاعة الله ورسوله، وأن الهلاك والخسران وسوء العاقبة في معصية الله ورسوله.

وهكذا رفع الملابس فوق الكعبين أمر مفترض لقول النبي ﷺ‬ «ما أسفل من الكعبين من الإزار فهو في النار» [رواه البخاري في صحيحه]، وقوله ﷺ‬: «ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان فيما أعطى، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» [رواه مسلم في صحيحه]. وقال ﷺ‬: «لا ينظر الله إلى مَن جرَّ ثوبه خيلاء» [متفق عليه].

فالواجب على الرجل المسلم أن يتقي الله وأن يرفع ملابسه سواء كانت قميصًا أو إزارًا أو سراويل أو بشتًا، وألا تنزل عن الكعبين والأفضل أن تكون ما بين نصف الساق إلى الكعب، وإذا كان الإسبال عن خيلاء كان الإثم أعظم، وإذا كان عن تساهل لا عن كبر فهو منكر وصاحبه آثم لكن إثمه دون إثم المتكبر، ولا شك أن الإسبال وسيلة إلى الكبر وإن زعم صاحبه أنه لم يفعل ذلك تكبرًا، ولأن الوعيد في الأحاديث عام فلا يجوز التساهل بالأمر، وأما قصة الصدِّيق t وقوله للنبي ﷺ‬ «إن إزاري يستخري إلا أن أتعاهده». فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: «إنك لست ممن يفعله خيلاء» فهذا في حق من كانت حاله مثل حال الصديق في استرخاء الإزار من غير كبر، وهو مع ذلك يتعاهده ويحرص على ضبطه، فأما من أرخى ملابسه متعمدًا فهذا يعمه الوعيد وليس مثل الصديق. وفي إسبال الملابس مع ما تقدم من الوعيد إسراف وتعريض لها للأوساخ والنجاسة، وتشبه بالنساء وكل ذلك يجب على المسلم أن يصون نفسه عنه. والله ولي التوفيق، والهادي إلى سواء السبيل.

الشيخ ابن باز

 حكم البناء على القبور

السؤال: ما حكم الدين في بناء المقابر بالطوب والأسمنت فوق ظهر الأرض؟

الجواب: أولاً أنا أكره أن يوجه للشخص مثل هذا السؤال بأن يقال: ما حكم الدين، ما حكم الإسلام وما أشبه ذلك، لأن الواحد من الناس لا يعبر عن الإسلام، إذ قد يخطئ ويصيب ونحن إذا قلنا إنه يعبر عن الإسلام معناه أنه لا يخطئ لأن الإسلام لا خطأ فيه، فالأولى في مثل هذا التعبير أن يقال: ما ترى في حكم مَن فعل كذا وكذا، أو ما ترى فيمن فعل كذا وكذا، أو ما ترى في الإسلام هل يكون كذا وكذا حكمه، المهم أن يضاف السؤال إلى المسؤول فقط.

أما بالنسبة لما أراه في هذه المسألة أنه لا يجوز أن يُبنى على القبور، فقد ثبت عن النبي، ﷺ‬، أنه نهى عن البناء على القبور ونهى أن يجصص القبر وأن يبنى عليه، فالبناء على القبور محرَّم لأنه وسيلة إلى أن تُعبد ويشرك بها مع الله عز وجل.

الشيخ ابن عيثمين

 حكم الاحتفال بالمولد والإسراء والمعراج

السؤال: هناك بعض النَّاس يقيمون الولائم في يوم مولد الرسول ﷺ‬، ويستقبلون زوارهم الذين دَعَوْهم، وفي هذا اليوم يقرؤون القرآن، ويقرؤون سيرة رسول الله ﷺ‬، ويدعون أدعية دينية، ويفعلون مثله في يوم الإسراء والمعراج، ويتصدقون بالمال والطعام، فهل هذا الفعل جائز أم حرام؟

الجواب: لا شك أن محبة الرسول ﷺ‬، من الأمور الواجبة على كل مسلم، بل إنَّه لا يتم إيمان عبد حتى يكون رسول الله ﷺ‬ أحب إليه من ولده ووالده ونفسه والناس أجمعين. ولا شك أيضًا أن من محبته وتعظيمه: اتباع شريعته. والتقيد بهديه. وألا يتقدم أحد بين يديه، وألا يدخل في شرعه ما ليس منه، لأن من تعبَّد لله بما لم يشرعه الله لعباده وعلى لسان رسوله، فقد اتهم الرسول ﷺ‬ بالقصور أو التقصير وهذا أمر لا يمكن أن يُقرَّه مسلم، ولذلك حذَّر ﷺ‬ من البدع وقال: «إياكم ومُحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة». وأمر باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده.

ولا ريب أن تعظيم النَّبي ﷺ‬ من العبادات، فإذا شرع تعظيمه على طريق لم ترد به السنة فإن هذا التعظيم على هذا الوجه يكون بدعة منكرة، فاتخاذ عيد لمولد النبي ﷺ‬ بحيث يحتفل به ويتصدق في ذلك اليوم، وتصنع الولائم وما أشبه ذلك فهذا من البدع بلا ريب. والإنسان المؤمن عليه أن يتمسك بما صح عن النبي ﷺ‬ ففيه الكفاية. أما هذا الشيء المبتدع فقد حذر منه ﷺ‬، وما حذر منه فلا خير فيه، ولو كان فيه خير لكان أولى الناس به صحابة رسول الله ﷺ‬.

ولم تحدث بدعة المولد إلا في القرن الرابع الهجري وذلك بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة. ولو كان حقًا لسبقونا إليه.

وإذا كنت صادقًا فعليك بمتابعة النبي ﷺ‬، ففيها الخير والفلاح ودع عنك يا أخي المسلم مثل هذه الأمور.

ومن العجب أنَّ بعض الناس يتمسكون بهذه البدعة تمسكًا شديدًا حتى كأنها عندهم من أفرض الفروض وأوجب الواجبات وتجدهم يتهاونون بأمور كثيرة من السنة التي صحت عن النبي ﷺ‬، فعلى المرء أن يتوب إلى الله ويرجع وأن يقول: (سَمِعنا وأطعنا). وقد ثبت عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: (لن يُصلح آخِرَ هذه الأمة إلا ما أصلح أولها).

وهكذا نقول عن الإسراء والمعراج فإنه لم يثبت عن الصحابة ولا عن القرون المفضلة أنهم يحتفلون بها، ولو كان الاحتفال بها من شريعة الله لبينه لنا الرسول ﷺ‬، ودعا إليه أصحابه وأمته.

ثم إنني أقول: لم يثبت أن النبي ﷺ‬، وُلد في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول أو ليلته، ولا أن معراجه كان في ليلة سبع وعشرين من رجب، وإنما ذكر البعض أن مولده كان في اليوم التاسع من ربيع الأول لا في الثاني عشر، وكذلك المعراج فإن المعروف أنه كان في ربيع الأول، وهذا أقرب ما يكون فيه، على أن في ذلك نظرًا أيضًا، ولم يثبت المعراج أنه في رجب ولا رمضان ولا ربيع. فتكون بدعة المعراج والميلاد مبنية على غير أساس.. لا شرعي ولا تاريخي، وحينئذ فإن العقل والسمع كلاهما يقتضي عدم إقامة هذه الأعياد.

الشيخ ابن عثيمين