×
قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدًا: يُحذِّر المُصنِّف في هذه المطوية من الشرك بالله عن طريق دعاء الصالحين من دون الله تعالى، وبيَّن أن أصل الشرك بالله دعاء المشركين للمخلوقين، وذكرَ سبع شبهات وردَّ عليهم من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

    [2]

    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده أما بعد

    فقد قَال َتَعَالَى:{ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩]

    والشرك بالله مما حرم الله .

    قَال َتَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [الأنعام: ١٥١]

    ويقد يقع في الشرك بعض المسلمين لجهله بأعمال المشركين. فهؤلاء الصفوة من قوم موسى عليه السلام أشركوا إذ لم يعلموا. قَال َتَعَالَى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ {138} إِنَّ هَـؤُلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {139}قَالَ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ } [الأعراف: ١٣٨ - ١٤٠]

    وهذا ماطلبه بعض المسلمين لما خرجوا إلى غزوة حنين لجهلهم بأعمال المشركين .

    عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّtقَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ‬إِلَى حُنَيْنٍ وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ ولِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا ، ويَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ قَالَ : فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , اجْعَلْ

    [3]

    لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " اللَّهُ أَكْبَرُ ، إِنَّهَا السُّنَنُ قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بنو إِسْرَائِيلَ : {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ " رواه أحمد ([1])و الطبراني ([2])

    وأصل الشرك برب العالمين هو دعاء المشركين للمخلوقين .

    فمن دعا غير الله فيما لايقدر عليه إلا الله فقد أشرك بمولاه. قَال َتَعَالَى: { قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً}[ الجن 20]

    وقد نهى الرحمن أن يدعو غيره الإنسان. قَال َتَعَالَى: { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}[الجن: ١٨]

    وتوعد بالعذاب من دعا غير الوهاب. قَال َتَعَالَى: { فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ } [الشعراء: ٢١٣]

    و قَال َتَعَالَى: { وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: ١١٧]

    وما دعاء أصحاب القبور ,والمشاهد إلا دليل على الشرك وشاهد .قَال َتَعَالَى:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ

    [4]

    مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يخْلَقُونَ{20} أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ{21} [النحل: ٢٠- ٢١]

    و قَال َتَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف: ١٩٤]

    ولكن لا يؤمن هؤلاء حتى يشركوا بالله في الدعاء. قَال َتَعَالَى: { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: ١٢]

    ردود رب العالمين على شبهات المشركين في عبادة ودعاء المخلوقين.

    الشبهة الأولى: زعموا بأن غير الله يستجيب لمن دعاه.

    فرد الله عليهم. قَال َتَعَالَى: { لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [الرعد: ١٤ ]

    و قَال َتَعَالَى: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف: ١٩٤]

    [5]

    و قَال َتَعَالَى: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} [الأحقاف: ٥]

    الشبهة الثانية: زعموا بأن غير الله يملك شيئاً لمن دعاه.

    فرد الله عليهم:

    قَال َتَعَالَى: { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ} [سبأ: ٢٢]

    و قَال َتَعَالَى: { قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً}[الإسراء: ٥٦]

    و قَال َتَعَالَى: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ}[فاطر: ١٣]

    الشبهة الثالثة: زعموا بأن غير الله يملك جلب النفع ,ودفع الضر لمن دعاه.

    فرد الله عليهم: قَال َتَعَالَى:{وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ{106} وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }[يونس:١٠٦ - ١٠٧]

    [6]

    و قَال َتَعَالَى: { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: ٢]

    الشبهة الرابعة: زعموا بأن غير الله يملك الشفاعة لمن دعاه . قَال َتَعَالَى: { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }[يونس: ١٨]

    فرد الله عليهم: قَال َتَعَالَى: { أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ{43} قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }[الزمر: ٤٣ – 44 ]

    الشبهة الخامسة: زعموا بأن الله أثبت الشفاعة لغيره مطلقاً.

    فرد الله عليهم بأن الشفاعة التي أثبتها قيدها بالأذن للشافع. قَال َتَعَالَى:{ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥]

    و الرضا عن المشفوع له. قَال َتَعَالَى: { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى }[الأنبياء: ٢٨]

    وأخبرهم أنه لا يرضى عن المشركين. قَال َتَعَالَى:{فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}[التوبة: ٩٦]

    [7]

    ولايقبل شفاعة الشافعين إذا شفعوا للمشركين. قَال َتَعَالَى:{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: ٤٨]

    و قَال َتَعَالَى: { وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: ٩٤ ]

    و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَt قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا).رواه مسلم ([3])

    الشبهة السادسة: زعموا بأن من توسل بغير الله قربه من الله .

    فرد الله عليهم: قَال َتَعَالَى: { فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأحقاف: ٢٨] وأخبرهم أن التوسل بالأولياء , والصالحين من أعمال المشركين. قَال َتَعَالَى: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: ٣] و قَال َتَعَالَى:{أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[الشورى: ٩]

    [8]

    ونهى المسلمين عن أعمال المشركين. قَال َتَعَالَى: { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [الأنعام: ٥٦]

    و قَال َتَعَالَى: { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: ٦٦ ]

    وقَال َتَعَالَى:{ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ{2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{3} وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ{4}وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{5}لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون ١ – ٦]

    وأمر المسلمين بالرد على من يدعون لأعمال المشركين. قَال َتَعَالَى: { قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}[الزمر: ٦٤]

    الشبهة السابعة: زعموا بأن كلام الله في تحريم الشرك بالله هو كلام البشر .

    قَال َتَعَالَى: { ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ{23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ{24} إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ }[المدثر: ٢٣ - ٢٥]

    فرد الله عليهم:قَال َتَعَالَى:{سَأُصْلِيهِ سَقَرَ{26}وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ{27} لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ{28}لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ{29}[المدثر: ٢٩ ] وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    قل

    إنما أدعو ربي

    ولا أشرك به أحدًا

    تأليف

    محمد بن أحمد بن محمد العماري

    عضو الدعوة والإرشاد بمكة المكرمة

    البريد الإلكتروني

    Alammary4@hotmail.com

    تهدى ولاتباع

    للطبع الخيري

    [مئة ألف نسخة بسبعة آلاف وخمسمائة ريال ]

    (1)مسند أحمد رقم20892 (ج 44 / ص 368)

    (2)المعجم الكبير للطبراني رقم3215 (ج 3 / ص 394)

    ([3])مسلم رقم 296 (ج 1 459) بَاب اخْتِبَاءِ النَّبِيِّ rدَعْوَةَ الشَّفَاعَةِ لِأُمَّتِهِ