البيان المطلوب لكبائر الذنوب
التصنيفات
الوصف المفصل
البيان المطلوب لكبائر الذنوب
فضيلة الشيخ
عبد الله بن جار الله آل جار الله
رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي أباح لنا ما ينفعنا وحرم علينا ما يضرنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا، أباح لنا الطيبات النافعة وحرم علينا الخبائث الضارة لأجسامنا وصحتنا وعقولنا وأموالنا رحمة بنا وإحسانا إلينا قال تعالى في وصف نبينا محمد ﷺ }وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ{ [الأعراف: 157] فالحلال بين والحرام بين والحلال ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله والأصل في الأشياء الإباحة فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله.
وكل طيب نافع فهو مباح لنا قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا للهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ{[البقرة: 172] فلله الحمد والشكر والثناء على ذلك، وحماية للمسلم من أن يقع فيما حرم الله عليه ورسوله رتب على بعض الجرائم حدودا تردع عنها كالقتل للقاتل والرجم للزاني المحصن - المتزوج - وقطع يد السارق وجلد الزاني البكر والقاذف وشارب الخمر، ورتب على النهى عن كثير من المحرمات الوعيد الشديد بالعذاب الأليم الذي إذا سمعه المؤمن العاقل خاف وانزجر عما نهى الله عنه ورسوله فكيف يقدمُ العاقل على لذة ساعة تعقبها الحسرة والندامة والعذاب الأليم.
ولو أن مريضًا أتى طبيبًا ليعالجه، فنصحه بترك بعض المأكولات اللذيذة محافظة على صحته لصدقه واستجاب له وأطاعه وامتنع عنها، ومع ذلك ترى كثيرا من الناس يعصي الله ورسوله بترك الواجبات وفعل المحرمات، وهو يقرأ ويسمع الأوامر والنواهي، ويعرف الحلال والحرام، فهل الطبيب عندهم أصدق من الله تعالى؟ أم أن المرض أشد عليهم من النار؟!
الواقع أن كثير من الناس لم يدخل الإيمان بالآخرة صميم قلوبهم ولم يبلغ سويداء أفئدتهم، ويدل على ذلك شدة استعدادهم لحر الصيف وبرد الشتاء، وعدم استعدادهم لحر جهنم، وزمهريرها.
أليس قائد السيارة إذا أضاءت الإشارة الحمراء وقف عندها محافظة على نفسه وعلى سيارته وعلى سمعته؟ فلماذا لا يقف أمام أوامر ربه التي رتب عليها سعادة الدنيا والآخرة؟ ولماذا لا يقف أمام نواهيه التي رتب عليها شقاوة الدنيا والآخرة؟ فهل آمنت أيها المسلم بالله حق الإيمان فرجوت ثوابه وخفت عقابه وامتثلت أوامره وانتهيت عن نواهيه لتفوز وتنجو؟ أم فيك صبر وجلد على النار؟ أم أنت ممن يكذب بيوم الدين؟ وفي الحديث: «إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فذلك الران الذي قال عنه الله }كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{»[المطففين: 14] أخرجه الترمذي والنسائي وقال الترمذي: حسن صحيح.
وبناءً على ما تقدم ونصحًا لله ولرسوله وعباده المؤمنين فقد جمعت بعض كبائر الذنوب، التي نهى الله عنها ورسوله، ورتب عليها الوعيد الشديد بالعذاب الأليم، ليتذكرها المؤمن فيخاف منها ومن سوء عاقبتها فيتجنبها ويقول كما قال المؤمنون سمعنا وأطعنا فيترك العادات التي كان مقيمًا عليها وهي مخالفة للشرع، لأنه يؤمن بالله واليوم الآخر والثواب والعقاب والجنة والنار ويعلم أن الله يراه ويسمعه ويعلم ما يكنه ضميره، وأنه سوف يموت عن قريب فيجزى بما قدمت يداه إن كان خيرًا فخير وإن كان شرًا فشر، كما قال الله تعالى: }فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ{.
ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يهدينا وسائر إخواننا المسلمين إلى صراطه المستقيم، وأن يثبتنا على دينه القويم، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا هداة مهتدين، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلوات الله وسلامه على خير خلقه وأنبيائه نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أولاً: الكبائر للإمام الذهبي
الكبائر: جمع كبيرة وهي ما فيه حد في الدنيا كالقتل والزنا والسرقة، أو جاء فيه وعيد في الآخرة من عذاب أو غضب أو نار أو تهديد، أو لعن فاعله على لسان نبينا ﷺ، وكذلك ما ورد فيه وعيد بنفي إيمان، أو قيل فيه: ليس منا من فعل كذا، أو تبرأ منه رسول الله ﷺ.
واختلف العلماء في عدد الكبائر فقيل: هي سبع واحتجوا بقول النبي ﷺ «اجتنبوا السبع الموبقات» متفق عليه، وقال ابن عباس رضي الله عنهما «هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع» رواه عبد الرزاق والطبري في تفسيره عند قوله تعالى }إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ{[النساء: 31].
والحديث المتقدم ليس فيه حصر الكبائر، وقد أوصلها الذهبي إلى سبعين كبيرة وأوصلها ابن حجر الهيثمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" إلى سبع وستين بعد الأربع مائة 467 ورتبها على أبواب الفقه
وقد ضمن الله تعالى في كتابه العزيز لمن اجتنب الكبائر المحرمات أن يكفر عنه الصغائر من السيئات قال تعالى: }إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا{[النساء: 31].
فقد تكفل الله بهذا النص لمن اجتنب الكبائر أن يدخله الجنة وقال رسول الله ﷺ «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر» رواه مسلم وغيره.
لذا أحب أن أذكر القارئ الكريم بعناوين الكبائر التي ذكرها الذهبي وأحيله بأدلتها وشرحها إلى كتاب "الكبائر" للإمام الذهبي قال رحمه الله تعالى:
1- الكبيرة الأولى: الشرك بالله، وهو نوعان:
أحدهما: أن يجعل لله ندًا، أو يعبد معه غيره من حجر أو شجر أو شمس أو قمر أو نبي أو ولي أو شيخ أو نجم أو ملك أو غير ذلك، وهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله فمن أشرك بالله ثم مات مشركًا فهو من أصحاب النار قطعًا كما أن من آمن بالله ومات مؤمنًا فهو من أصحاب الجنة، وإن عذب بالنار.
والنوع الثاني من الشرك: الرياء بالأعمال.
2- قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وهي نفس المسلم المعصوم وقتل المعاهد.
3- السحر؛ لأن الساحر لا بد وأن يكفر، وأن يشرك بالله تعالى.
4- ترك الصلاة، وتأخيرها عن وقتها، والتخلف عن جماعتها.
5- منع الزكاة.
6- إفطار يوم من رمضان بلا عذر.
7- ترك الحج مع القدرة عليه.
8- عقوق الوالدين ومعصيتهما.
9- هجر الأقارب.
10- الزنا قال تعالى: }وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً{[الإسراء: 32]
11- اللواط: وهو عمل قوم لوط وهو إتيان الذكران من العالمين في أدبارهم.
12- أكل الربا والمعاملة به: وقد لعن رسول الله ﷺ آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: «هم سواء» رواه مسلم وغيره.
13- أكل مال اليتيم ظلمًا.
14- الكذب على الله أو على رسوله ﷺ.
15- الفرار من الزحف: وهو الإدبار عن الكفار وقت التحام القتال في سبيل الله.
16- غش الإمام الرعية وظلمة لهم.
17- الكبر والفخر والخيلاء والعجب، ويظهر ذلك في عدم قبول الحق واحتقار الناس.
18- شهادة الزور: وهو الكذب.
19- شرب الخمر: المسكر.
20- القمار: وهو المراهنة والمغالبة، ومنه اللعب على عوض.
21- قذف المحصنات الغافلات المؤمنات رميهن بالزنا.
22- الغلول من الغنيمة: ومنه الأخذ من بيت المال من غير إذن الإمام أو من الزكاة قبل أن تقسم.
23- السرقة: وهي أخذ المال خفية من حرز أو مثله من غير إذن صاحبه.
24- قطع الطريق.
25- اليمين الغموس: وهي التي يتعمد الكذب فيها، سميت غموسًا لأنها تغمس الحالف في الإثم، وقيل تغمسه في النار ومن ذلك الحلف بغير الله - عز وجل - كالنبي والكعبة والملائكة والسماء والماء والحياة والأمانة والشرف والروح ونحو ذلك، قال ﷺ «فمن كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله أو ليسكت» حديث صحيح.
26- الظلم بأكل أموال الناس وأخذها ظلمًا، وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء، ومن الظلم المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء، ومن الظلم أن يظلم المرأة حقها من صداقها ونفقتها وكسوتها، ومن الظلم أن يستأجر أجيرًا في عمل ولا يعطيه أجرته.
27- المكّاس: والمكس: الجباية قال في المصباح: وقد غلب استعمال المكس فيما يأخذه أعوان السلطان ظلمًا عند البيع والشراء، والمكّاس: من أكبر أعوان الظلمة، بل هو من الظلمة أنفسهم فإنه يأخذ ما لا يستحق ويعطيه لمن لا يستحق، قال: ﷺ: «لا يدخل الجنة صاحب مكس» رواه أبو داود.
28- أكل الحرام وتناوله على أي وجه كان سواء كان من سرقة أو غضب أو خيانة، أو على جهة الهزل واللعب كالذي يؤخذ في القمار والملاهي وغير ذلك، وفي صحيح البخاري أن رسول الله ﷺ قال: «إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة».
قال العلماء: يدخل في هذا الباب: المكّاس، والخائن، والسارق، وآكل الربا وموكله، وآكل مال اليتيم، وشاهد الزور، ومن استعار شيئًا فجحده، وآكل الرشوة ومنقص الكيل والوزن، ومن باع شيئًا فيه عيب فغطاه، والمقامر والساحر، والمنجم، والمصور، والزانية، والنائحة، والدلال إذا أخذ أجرته بغير إذن من البائع، ومن باع حرًا فأكل ثمنه.
29- أن يقتل الإنسان نفسه: وهو الانتحار.
30- الكذب في غالب أقواله قال ﷺ «إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار» رواه البخاري ومسلم، فينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه عن الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة فإن في السكوت سلامة والسلامة لا يعدلها شيء.
31- القاضي السوء قال تعالى: }وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{ [المائدة: 44].
32- أخذ الرشوة على الحكم، وقد لعن رسول الله ﷺ «الراشي والمرتشي في الحكم» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن فالراشي هو الذي يعطي الرشوة، والمرتشي هو الذي يأخذ الرشوة، وهي من أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى الله عنه في كتابه.
33- تشبه المرأة بالرجال، وتشبه الرجال بالنساء، وفي الصحيح «لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء» رواه البخاري وغيره، وهو عام في اللباس والكلام وغيره.
34- الديوث: المستحسن على أهله، والقواد الساعي بين الاثنين بالفساد، وهو متوعد بالحرمان من الجنة، ونعوذ بالله من ذلك.
35- المحلل والمحلل له: صح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ: «لعن المحلل والمحلل له» رواه النسائي والترمذي وغيرهما.
36- عدم التنزه من البول، وهو شعار النصارى، ومن أسباب عذاب القبر، وفي الحديث «استنْزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه» رواه الدارقطني، ثم إن من لم يتحرز من البول في بدنه وثيابه فصلاته غير مقبولة.
37- الرياء بالأعمال، وهو أن يعمل عملاً مما يبتغي به وجه الله تعالى من أجل رؤية الناس له وثنائهم عليه، وهو يفسد العمل.
38- التعلم للدنيا وكتمان العلم، فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، وفي الحديث «من تعلم علمًا مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة» يعني ريحها رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه.
39- الخيانة في الأمانة، وهي من أوصاف المنافقين والخيانة قبيحة في كل شيء وبعضها شر من بعض، وليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك ومالك وارتكب العظائم.
40- المنَّان بما أعطى وهو الذي يعطي شيئًا أو يتصدق به ثم يمن به وهو يمحق الأجر.
41- التكذيب بالقدر قال تعالى: }إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ{[القمر: 49] والإيمان بالقدر أحد أصول الإيمان الستة وهو أن تعلم أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، رفعت الأقلام وجفت الصحف }وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً{.
42- التسميع على الناس ما يسرون قال تعالى: }وَلا تَجَسَّسُوا{[الحجرات: 12]
والتجسس: البحث عن عيوب المسلمين وعوراتهم قال ﷺ «من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة» أخرجه البخاري.
والآنك: الرصاص المذاب.
43- النَّمّام: وهو من ينقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد بينهم، والنميمة حرام بإجماع المسلمين.
44- اللعن: ومعناه: الطرد والإبعاد عن رحمة الله قال ﷺ: «لعن المؤمن كقتله» أخرجه البخاري وغيره.
ويجوز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين المعروفين، كقولك: لعن الله الظالمين لعنة الله على اليهود والنصارى.
45- الغدر وعدم الوفاء بالعهد.
46- تصديق الكاهن والمنجم.
47- نشوز المرأة على زوجها ومعصيتها له ما لم يأمرها بمعصية الله.
48- التصوير في الثياب والحيطان والحجر والدراهم وسائر الأشياء سواء كانت من شمع أو عجين أو حديد أو نحاس أو صوف أو قرطاس أو بالكاميرا، أو غير ذلك فإن قضية العموم تأتي عليه قال ﷺ «إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم ، أحيوا ما خلقتم»([1]) ويجب إتلاف الصور لمن قدر على إتلافها وإزالتها، والمحرم هو تصوير الصور ذوات الأرواح.
49- اللطم والنياحة، وشق الثوب، وحلق الرأس ونتفه والدعاء بالويل والثبور عند المصيبة.
50- البغي: وهو التعدي على الناس بغير حق ظلمًا وعدوانًا.
51- الاستطالة على الضعيف والمملوك والجارية والزوجة والدابة فإن الله تعالى قد أمر بالإحسان إليهم.
52- أذى الجار.
53- أذى المسلمين وشتمهم.
54- أذية عباد الله والتطول عليهم.
55- إسبال الإزار واللباس والسراويل أسفل من الكعبين تعززًا وعجبًا وفخرًا وخيلاء.
56- لبس الذهب والحرير للرجال، فمن استحله للرجال فهو كافر.
57- إباق العبد.
58- الذبح لغير الله - عز وجل - مثل أن يقول باسم الشيطان، أو الصنم، أو باسم الشيخ فلان.
59- من ادَّعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فهو كافر والجنة عليه حرام كما روي البخاري.
60- الجدل والمراء واللدد والخصومة.
61- منع فضل الماء.
62- نقص الكيل والميزان والذرع وما أشبه ذلك قال تعالى: }وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ{[المطففين: 1] والمطفف هو الذي ينقص الكيل والوزن، وذلك ضرب من السرقة والخيانة وأكل الحرام وقد توعد الله من فعل ذلك بويل وهو شدة العذاب، وقيل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره نعوذ بالله منه.
63- الأمن من مكر الله.
64- القنوط من رحمة الله وهو قطع الرجاء من رحمته، قال تعالى: }وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ{[الحجر: 56].
65- تارك الجماعة الذي يصلي وحده من غير عذر.
66- الإصرار على ترك الجمعة والجماعة من غير عذر.
67- الإضرار في الوصية.
68- المكر والخديعة: قال الله - عز وجل: }وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ{[فاطر : 43].
69- من جس على المسلمين ودل على عوراتهم وبالضرورة يدري كل جاسوس أن النميمة إذا كانت من أكبر المحرمات فنميمة الجاسوس أكبر وأعظم نعوذ بالله من ذلك قال تعالى: }وَلا تَجَسَّسُوا{ [الحجرات: 12]
70 – الكبيرة السبعون: سب أحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فمن طعن فيهم أو سبهم فقد خرج من الدين ومرق من ملة المسلمين، نعوذ بالله من ذلك.
وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثانيًا: الكبائر لابن القيم
سئل رسول الله ﷺ عن الكبائر فقال: «الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقول الزور، وقتل النفس التي حرم الله، والفرار يوم الزحف، واليمين الغموس، وقتل الإنسان ولده خشية أن يطعم معه، والزنا بحليلة جاره، والسحر، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات» وهذا مجموع الأحاديث.
بعض الكبائر
ومن الكبائر ترك الصلاة، ومنع الزكاة، وترك الحج مع الاستطاعة، والإفطار في رمضان بغير عذر، وشرب الخمر، والسرقة، والزنا، واللواط، والحكم بخلاف الحق، وأخذ الرشا على الأحكام، والكذب على النبي، والقول على الله بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، وجحود ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، واعتقاد أن كلامه وكلام رسوله لا يستفاد منه يقين أصلاً، وأن ظاهر كلامه وكلام رسوله باطل وخطأ بل كفر وتشبيه وضلال وترك ما جاء به لمجرد قول غيره.
وتقديم الخيال المسمى بالعقل، والسياسة الظالمة، والعقائد الباطلة والآراء الفاسدة والإدراكات والكشوفات الشيطانية على ما جاء به ﷺ ووضع المكوس، وظلم الرعايا، والاستئثار بالفيء والكبر والفخر، والعجب والخيلاء والرياء والسمعة، وتقديم خوف الخلق على خوف الخالق، ومحبته على محبة الخالق، ورجائهِ على رجائهُ، وإرادة العلو في الأرض والفساد وإن لم ينل ذلك.
ومسبة الصحابة رضوان الله عليهم، وقطع الطريق وإقرار الرجل الفاحشة في أهله وهو يعلم، والمشي بالنميمة، وترك التنزه من البول، وتخنث الرجل وترجل المرأة ، ووصل شعر المرأة وطلبها ذلك، وطلب الوصل كبيرة وفعله كبيرة والوشر والاستيشار والنمص والتنمص([2]) والطعن في النسب وبراءة الرجل من أبيه، وبراءة الأب من ابنه، وإدخال المرأة على زوجها ولدًا من غيره والنياحة ولطم الخدود، وشق الثياب، وحلق المرأة شعرها عند المصيبة بالموت وغيره، وتغيير منار الأرض وهي أعلامها.
وقطيعة الرحم، والجور في الوصية وحرمان الوارث حقه من الميراث وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير، والتحليل واستحلال المطلقة به، والتحليل على إسقاط ما أوجب الله، وتحليل ما حرم الله وهو استباحة محارمه وإسقاط فرائضه بالحيل، وبيع الحرائر، وإباق المملوك من سيده، ونشوز المرأة على زوجها.
وكتمان العلم عند الحاجة إلى إظهاره، وتعلم العلم للدنيا والمباهاة والجاه والعلو على الناس، والغدر والفجور في الخصام وإتيان المرأة في دبرها في محيضها، والمن في الصدقة وغيرها من عمل الخير.
إساءة الظن بالله، واتهامه في أحكامه الكونية والدينية، والتكذيب بقضائه وقدره، واستوائه على عرشه، وأنه القاهر فوق عباده، وأن رسول الله ﷺ عُرج به إليه وأنه رفع المسيح إليه، وأنه يصعد إليه الكلم الطيب، وإنه كتب كتابًا فهو عنده على عرشه، وأن رحمته تغلب غضبه، وأنه ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي شطر الليل، فيقول: «من يستغفرني فأغفر له» وأنه كلم موسى تكليمًا، وأنه تجلى إلى الجبل فجعله دكا، واتخذ إبراهيم خليلاً، وأنه نادى موسى، وينادي نبينا يوما القيامة وأنه خلق آدم بيديه، وأنه يقبض سمواته بإحدى يديه والأرض باليد الأخرى يوم القيامة.
ومنها: الاستماع إلى حديث قوم لا يحبون استماعه، وتخبيب المرأة على زوجها والعبد على سيده، وتصوير صور الحيوان سواء كان لها ظل أم لم يكن، وأن يرى عينيه في المنام ما لم تراه وأخذ الربا وإعطاؤه والشهادة عليه وكتابته وشرب الخمر وعصرها واعتصارها وحملها وبيعها وأكل ثمنها، ولعن من لم يستحق اللعن.
وإتيان الكهنة والعرافين والسحرة وتصديقهم والعمل بأقوالهم والسجود لغير الله والحلف بغيره كما قال النبي ﷺ «من حلف بغير الله فقد أشرك»([3]).
وقد قصر ما شاء أن يُقصّر من قال: أنه مكروه وصاحب الشرع يجعله شركًا، فرتبته فوق رتبة الكبائر، واتخاذ القبور مساجد، وجعلها أوثانًا أو أعيادًا يسجدون لها تارة ويصلون إليها تارة، ويطوفون بها تارة، ويعتقدون أن الدعاء عندها أفضل من الدعاء في بيوت الله التي شرع أن يدعي فيها ويعبد ويصلي له ويسجد.
ومنها: معاداة أولياء الله، وإسبال الثياب من الإزار والسراويل والعمامة وغيرها، والتبختر في المشي، واتباع الهوى وطاعة الهوى وطاعة الشح والإعجاب بالنفس، وإضاعة من تلزمه مؤنته ونفقته من أقاربه وزوجته ورقيقه مماليكه والذبح لغير الله، وهجر أخيه المسلم سنة كما في صحيح الحاكم من حديث أبي خراش الهذلي السلمي عن النبي ﷺ «من هجر أخاه سنة فهو كقتله» وأما هجره فوق الثلاثة أيام فيحتمل أنه من الكبائر ويحتمل أنه دونها والله أعلم.
ومنها: الشفاعة في إسقاط حدود الله، وفي الحديث عن ابن عمر يرفعه: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره» رواه أحمد وغيره بإسناد جيد.
ومنها: تكلم الرجل بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالاً.
ومنها: أن يدعو إلى ضلالة أو بدعة أو ترك سنة، بل هذا من أكبر الكبائر، وهو مضادة لرسوله ﷺ.
ومنها: ما رواه الحاكم في صحيحه من حديث المستورد بن شداد قال: قال رسول الله ﷺ «من أكل بمسلم أكلة أطعمه الله بها أكلة من نار جهنم يوم القيامة، ومن قام بمسلم مقام سمعة أقامه الله يوم القيامة مقام رياء وسمعة، ومن اكتسى بمسلم ثوبًا كساه الله ثوبًا من نارٍ يوم القيامة».
ومعنى الحديث أنه توصل إلى ذلك وتوسل إليه بأذى أخيه المسلم من كذب عليه وسخرية، أو همزة أو لمزة أو غيبة، والطعن عليه والأزدراء به والشهادة عليه بالزور، والنيل من عرضه عند عدوه، ونحو ذلك مما يفعله كثير من الناس، وأوقع في وسط والله المستعان.
ومنها التبجح والافتخار بالمعصية بين أصحابه وأشكاله، وهو الإجهار الذي لا يعافي الله صاحبه وإن عافاه من شر نفسه.
ومنها: أن يكون له وجهان ولسانان، فيأتي القوم بوجه ولسان، ويأتي غيرهم بوجه ولسان.
ومنها: أن يكون فاحشًا بذيئًا يتركه الناس ويحذرونه اتقاء فحشه.
ومنها: مخاصمة الرجل في باطل يعلم أنه باطل، ودعواه ما ليس له وهو يعلم أنه ليس له.
ومنها: أن يدعي أنه من آل بيت رسول الله ﷺ وليس منهم أو يدعي بأنه ابن فلان وليس بابنه.
وفي الصحيحين من «من ادعى إلى غير أبيه فالجنة عليه حرام» .
وفيهما أيضًا «لا ترغبوا عن آبائكم، ومن رغب عن أبيه فهو كافر» .
وفيهما أيضًا «ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا وقد كفر، ومن ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار، ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه» أي رجع عليه.
فمن الكبائر تكفير من لم يكفره الله ورسوله، وإذا كان رسول الله ﷺ قد أمر بقتال الخوارج، وأخبر أنهم شر قتلى تحت أديم السماء، وأنهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ودينهم تكفير المسلمين بالذنوب فكيف من كفرهم بالسنة ومخالفة أراء الرجال لها تحكيمها والتحاكم إليها؟!
ومنها: أن يحدث حدثًا في الإسلام ، أو يؤوي محدثًا وينصره ويعينه.
وفي الصحيحين: «من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً» ومن أعظم الحديث: تعطيل كتاب الله وسنة رسوله، وإحداث ما خالفهما ونصر من أحدث ذلك والذب عنه، ومعاداة من دعا إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
ومنها: إحلال شعائر الله في الحرم والإحرام، كقتل الصيد، واستحلال القتال في حرم الله.
ومنها: لبس الحرير والذهب للرجال، أو استعمال أواني الذهب والفضة للرجال والنساء.
وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: «الطيرة شرك» فيحتمل أن يكون من الكبائر أو أن يكون دونها.
ومنها: الغلول من الغنيمة ومنها غش الإمام والوالي لرعيته.
ومنها: أن يتزوج ذات رحم محرم منه، أو يقع على بهيمة.
ومنها: المكر بأخيه ومخادعته ومضارته، وقد قال ﷺ «ملعون من مكر بمسلم أو ضاربه» رواه الترمذي عن أبي بكر، ورمز السيوطي لحسنه.
ومنها: الاستهانة بالمصحف وإهدار حرمته، كما يفعله من لا يعتقد أن فيه كلام الله من وطئه برجله أو نحو ذلك.
ومنها: أن يضل أعمى عن الطريق وقد لعن ﷺ من فعل ذلك فكيف بمن ضل عن طريق الله أو صراطه المستقيم.
ومنها: أن يسم إنسانًا أو دابة في وجهها، وقد لعن رسول الله ﷺ من فعل ذلك ([4]).
ومنها: أن يحمل السلاح على أخيه المسلم، فإن الملائكة تلعنه.
ومنها: أن يقول ما لا يفعل قال الله تعالى: }كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ{.
ومنها: الجدال في كتاب الله ودينه بغير علم.
ومنها: إساءة الملكة برقيقه، وفي الحديث: «لا يدخل الجنة سيء الملكة» ([5]).
ومنها: أن يمنع المحتاج فضل ما لا يحتاج إليه مما لم تعمل يداه.
ومنها: القمار واللعب بالنرد فهو من الكبائر، لتشبيه لاعبه بمن صبغ يده في لحم الخنزير ودمه، ولا سيما إذا أكل المال به، فحينئذ يتم التشبيه به، فإن اللعب بمنزلة غمس اليد، وأكل المال بمنزلة أكل لحم الخنزير.
ومنها: ترك الصلاة مع الجماعة، وهو من الكبائر، وقد عزم رسول الله ﷺ على تحريق المتخلفين عنها، ولم يكن ليحرق مرتكب صغيرة.
وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: «ولقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق معلوم النفاق» وهذا فوق الكبيرة والحديث رواه مسلم.
ومنها: ترك الجمعة وفي صحيح مسلم: «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين.».
وفي السنن بإسناد جيد عن النبي ﷺ قال: «من ترك ثلاث جمع تهاونًا طبع الله على قلبه».
ومنها: أن يقطع ميراث وارثه من تركته، أو يدل على ذلك ويعلمه من الحيل ما يخرجه من الميراث.
ومنها: الغلو في المخلوق حتى يتعدى به منزلته، وهذا قد يرتقى من الكبيرة إلى الشرك، وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: «إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو» ([6]).
ومنها: الحسد: وفي السنن «أنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» ([7]).
ومنها: المرور بين يدي المصلي، ولو كان صغيرًا لم يأمر النبي ﷺ بقتال فاعله، ولم يجعل وقوفه عن حوائجه ومصالحه أربعين عامًا خيرًا له من مروره بين يديه، كما في مسند البزار والله أعلم([8]).
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
([1]) رواه البخاري ومسلم.
([2]) النمص: نتف الشعر، ولعنت النامصة وهي مزينة النساء بالنمص، والمتنمصة وهي المتزينة به، والوشر، أن تحدد المرأة أسنانها وترققها وفي الحديث: «لعن الله الواشرة والموتشرة».
([3]) رواه أحمد والترمذي والحاكم عن ابن عمر، ورمز السيوطي لحسنه.
([4]) رواه الطبراني عن ابن عباس، ورمز السيوطي لحسنه.
([5]) رواه الترمذي وابن ماجه عن أبي بكر ورمز السيوطي لحسنه.
([6]) رواه أحمد وابن ماجه والحاكم والنسائي عن ابن عباس ورمز السيوطي لحسنه.
([7]) رواه ابن ماجه، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير (2781).
([8]) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم (4/ 401-407).