الامتحان الأكبر ونتيجته
التصنيفات
الوصف المفصل
- الامتحان
الأكبر ونتيجته
- مقدمة
- الامتحان الأكبر (الله ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة)
- (السؤال عن السمع والبصر والفؤاد)
- (ثبات المؤمنين في الدنيا والآخرة) عند السؤال
- (ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين؟)
- (سؤال الإنسان عن شكر ما أنعم الله به عليه)([8])
- (سؤال العبد عن النعم)([15])
- (السؤال في القبر ويوم الحشر)
الامتحان الأكبر ونتيجته
تأليف الفقير إلى الله تعالى
عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين الذي أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً وجعل لنا الأسماع والأبصار والأفئدة لعلنا أن نشكره بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وفعل ما أوجب علينا وترك ما حرَّم علينا. والحمد لله الذي خلقنا ورزقنا وعافانا وعلمنا ما لم نكن نعلم.
و أمننا في أوطاننا وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة فلله الحمد والشكر والثناء كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلاله وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد فإن الحياة الدنيا دار ابتلاء وامتحان وفتن كما قال تعالى: }وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{ [الأنبياء: 35] وسوف يموت الإنسان فيلقى جزاءه وما قدمت يداه من خير وشر وحسنات وسيئات. وسوف يُسأل في قبره عن ربه وعن دينه وعن نبيه فإن كان في هذه الحياة مطيعاً لله ولرسوله وعاملاً بشرائع الإسلام ثبته الله بالقول الثابت وأجاب بالجواب الصحيح فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد ﷺ، وإن كان في هذه الحياة كافراً أو مشركاً أو منافقاً أو عاصياً لله ولرسوله فسوف لا يوفق للجواب الصحيح، نسأل الله تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة كما سوف يسأل العباد يوم القيامة (ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين)، ولا يوفق للإجابة الصحيحة، إلا من تاب في هذه الحياة وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين.
كما سوف يسأل الإنسان عن سمعه وبصره وفؤاده ماذا كان يسمع وماذا كان يبصر وماذا كان يفكر فيه وينويه فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.
و سوف يسأل عن شكر ما أنعم الله به عليه هل شكره فيزيده أو كفره فيعذبه وينتقم منه كما قال تعالى: }وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{ [سورة إبراهيم آية 7]. كما سوف يسأل عن وقته في أي شيء قضاه، وعن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه الذي تعلمه ماذا عمل فيه؟
فليعد لهذه الأسئلة أجوبة صحيحة عن طريق محاسبته لنفسه فيما يقول ويفعل ويأتي ويذر ويأكل ويشرب ويمشي ويتناول هل هو حلال أو حرام؟ وهل هو مشروع أو ممنوع؟ وسوف يسأل الإنسان ويحاسب على لفظات لسانه وخطرات قلبه ولحظات عينه وخطوات قدميه فهذه الأمور الأربعة وسائل خير أو شر لكل إنسان، ولما كان الحال كما وصفت وكان الإنسان مسئولاً ومحاسباً عن كل شيء جمعت هذه الرسالة للذكرى والذكرى تنفع المؤمنين.
وهي مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ وكلام المحققين من أهل العلم أسأل الله تعالى أن ينفع بها من كتبها أو طبعها أو نشرها أو قرأها أو سمعها فعمل بها وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ومن أسباب الفوز لديه بجنات النعيم وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الامتحان الأكبر (الله ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة)
تذكر يا أخي أسئلة الامتحان الأكبر الذي نتيجته جنة أو نار وهي كما يلي:
أ - تسأل في القبر مَنْ ربك وما دينك ومن نبيّك؟ كما في الحديث الذي رواه أحمد وأهل السنن.
ب – يوم القيامة يسأل الأولون والآخرون (ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟) كما في الآيات 62 و65 من سورة القصص وانظر تفسير ابن كثير 3/397.
جـ- يُسأل كل إنسان يوم القيامة عن عُمُره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن عمله ماذا عمل فيه([1])، وقال تعالى: }إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً{([2]) وقال تعالى: }فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ{([3]).
وأسباب الإجابة لهذه الأسئلة هي الإيمان الصادق والعمل الصالح وملازمة التقوى والتوبة النصوح والاستغفار فأعد لهذه الأسئلة جوابًا صحيحًا عن طريق محاسبتك لنفسك فيما تقول وتفعل.
لتكون من الناجحين الفائزين.
قال تعالى: }يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ{([4]) والله يحفظك ويتولاك ويكون في عونك([5]).
· · · ·
(السؤال عن السمع والبصر والفؤاد)
قال الله تعالى: }وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً{ [سورة الإسراء].
* أي: ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تَثبَّتْ في كل ما تقوله وتفعله.
فلا تظن ذلك يذهب، لا لك ولا عليك.
[إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً] فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسئول، عما قاله وفعله، وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته، أن يُعِدَّ للسؤال جواباً.
وذلك لا يكون، إلا باستعمالها، بعبودية الله، وإخلاص الدين له، وكفها عما يكرهه الله تعالى.([6])
· · · ·
(ثبات المؤمنين في الدنيا والآخرة) عند السؤال
قال الله تعالى: }يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ{ [سورة إبراهيم](*).
* يخبر تعالى: أنه يثبت عباده المؤمنين أي: الذين قاموا بما عليهم من الإيمان القلبي التام، الذي يستلزم أعمال الجوارح ويثمرها.
فيثبتهم الله في الحياة الدنيا، عند ورود الشبهات، بالهداية إلى اليقين. وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة، على تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومرادها.
و في الآخرة عند الموت، بالثبات على الدين الإسلامي، والخاتمة الحسنة.
وفي القبر عند سؤال الملكين، للجواب الصحيح، إذا قيل للميت: «من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟» هداهم للجواب الصحيح، بأن يقول المؤمن: «الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبي».
[ويضل الله الظالمين] عن الصواب في الدنيا والآخرة، وما ظلمهم الله ولكنهم ظلموا أنفسهم.
وفي هذه الآية، دلالة على فتنة القبر، وعذابه، ونعيمه، كما تواترت بذلك النصوص عن النبي ﷺ، في الفتنة وصفتها، ونعيم القبر وعذابه.
في البخاري ومسلم وبقية الجماعة أن رسول الله ﷺ قال: «المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله: }يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ{ وأما الكافر فإذا أدخل قبره أقعد، فقيل له من ربك؟ فلم يرجع إليهم شيئاً، وأنساه الله ذكر ذلك، وإذا قيل: من الرسول الذي بعث إليك؟ لم يهتد له، ولم يرجع إليهم شيئاً فهذا معنى }وَ يُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ ويَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ{» اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة يا حي يا قيوم.
· · · ·
(ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين؟)
قال الله تعالى: }وَ يَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ * وقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ورَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ * ويَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ{.
}فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ{ [سورة القصص من آية 62 – 67](*).
* هذا إخبار من الله تعالى، عما يسأل عنه الخلائق يوم القيامة، وأنه يسألهم عن أصول الأشياء، عن عبادة الله، وإجابة رسله فقال:
[ويوم يناديهم] أي: ينادي من أشركوا به شركاء يعبدونهم، ويرجون نفعهم، ودفع الضرر عنهم، فيناديهم ليبين لهم عجزها، وضلالهم.
[فيقول أين شركائي]، وليس لله شريك، ولكن ذلك بحسب زعمهم وافترائهم.
ولهذا قال: [الذين كنتم تزعمون] فأين هم، بذواتهم، وأين نفعهم وأين دفعهم؟
ومن المعلوم أنهم يتبين لهم في تلك الحال، أن الذي عبدوه، ورجوه باطل، مضمحل في ذاته، وما رجوا منه، فيقولون [أي: يحكمون] على أنفسهم بالضلالة والغواية.
و لهذا [قال الذين حق عليهم القول] من الرؤساء والقادة، في الكفر والشر، مقرين بغوايتهم وإغوائهم: [ربنا هؤلاء] التابعون [الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا].
أي: كلنا قد أشترك في الغواية، وحق عليه كلمة العذاب.
[تبرأنا إليك] من عبادتهم، أي نحن برآء منهم، ومن عملهم.
[ما كانوا إيانا يعبدون] وإنما كانوا يعبدون الشياطين.
[وقيل] لهم: [ادعوا شركاءكم] على ما أملتم فيهم من النفع. فأمروا بدعائهم في ذلك الوقت الحرج، الذي يضطر فيه العابد إلى من عبده.
[فدعوهم] لينفعوهم، أو يدفعوا عنهم من عذاب الله من شيء.
[فلم يستجيبوا لهم] فعلم الذين كفروا، أنهم كانوا كاذبين، مستحقين للعقوبة.
[ورأوا العذاب] الذي سيحل بهم عيانا، بأبصارهم بعد ما كانوا مكذبين به، منكرين له.
[لو أنهم كانوا يهتدون] أي: لما حصل عليهم ما حصل، ولهدوا إلى صراط الجنة، كما اهتدوا في الدنيا، ولكن لم يهتدوا، فلم يهتدوا.
[ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين]، هل صدقتموهم، واتبعتموهم أم كذبتموهم وخالفتموهم؟
[فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون] أي: لم يجيبوا عن هذا السؤال جواباً، ولم يهتدوا إلى الصواب.
ومن المعلوم، أنه لا ينجي في هذا الموضع، إلا التصريح بالجواب الصحيح، المطابق لأحوالهم، من أننا أجبناهم بالإيمان، والانقياد.
و لكن لما علموا تكذيبهم لهم وعنادهم لأمرهم؛ لم ينطقوا بشيء. ولا يمكن أن يتساءلوا؛ ويتراجعوا بينهم؛ فبماذا يجيبون به؛ ولو كان كذباً.
}فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ{ [سورة القصص].
* لما ذكر تعالى سؤال الخلق عن معبودهم؛ وعن رسلهم؛ ذكر الطريق، الذي ينجو به العبد، من عقاب الله تعالى، وأنه لا نجاة إلا لمن اتصف بالتوبة عن الشرك والمعاصي، وآمن بالله فعبده، وآمن برسله، فصدقهم، وعمل صالحاً؛ متبعاً فيه للرسل.
[فعسى أن يكون] من جمع هذه الخصال [من المفلحين] الناجحين بالمطلوب؛ الناجين من المرهوب.
فلا سبيل إلى الفلاح بدون هذه الأمور([7]).
· · · ·
(سؤال الإنسان عن شكر ما أنعم الله به عليه)([8])
قوله تعالى: }ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ{ أي ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم، من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك، ما إذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته. روى ابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما أبو بكر وعمر جالسان إذ جاءهما النبي ﷺ فقال: " ما أجلسكما ههنا؟ "، قالا: والذي بعثك بالحق ما أخرجنا من بيوتنا إلا الجوع، قال: " والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره "، فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار، فاستقبلتهم المرأة، فقال لها النبي ﷺ: " أين فلان؟ " فقالت: ذهب يستعذب لنا ماء، فجاء صاحبهم يحمل قربته، فقال: مرحباً ما زار العباد شيء أفضل من نبي زارني اليوم، فعلَّق قربته بكرَب نخلة، وانطلق فجاءهم بعذق، فقال النبي ﷺ: "ألا كنت اجتنيت"، فقال: أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم، ثم اخذ الشفرة، فقال له النبي ﷺ: " إياك والحلوب " فذبح لهم يومئذ، فأكلوا فقال النبي ﷺ: " لتسألن عن هذا يوم القيامة أخرجكم الجوع، فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا، فهذا من النعيم "([9]) وروى الإمام أحمد عن جابر بن عبدالله قال: أكل رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر رطباً وشربوا ماء، فقال رسول الله ﷺ: " هذا من النعيم الذي تسألون عنه "([10]). وروى الإمام أحمد عن محمود بن الربيع قال: لما نزلت }أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ{ فقرأ حتى بلغ: }لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ{ قالوا: يا رسول الله عن أي نعيم نسأل؟ وإنما هما الأسودان الماء والتمر، وسيوفنا على رقابنا، والعدو حاضر، فعن أي نعيم نسأل؟ قال: " أما إن ذلك سيكون "([11]).
وروى الترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ: «إن أول ما يسأل عنه العبد من النعيم، أن يقال له ألم نصحّ لكل بدنك، ونروك من الماء البارد»([12])؟ وروى ابن أبي حاتم، عن عبد الله بن الزبير قال، قال الزبير: لّما نزلت }ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ{ قالوا: يا رسول الله لأي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء؟ قال: «إن ذلك سيكون»([13]). وفي رواية عن عكرمة: قالت الصحابة: يا رسول الله، وأي نعيم نحن فيه؟ وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير؟ فأوحى الله إلى نبيّه ﷺ: قل لهم: أليس تحتذون النعال، وتشربون الماء البارد؟ فهذا من النعيم. وعن ابن مسعود مرفوعاً: " الأمن والصحة ". وقال زيد بن أسلم عن رسول الله ﷺ: }ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ{ يعني شبع البطون، وبارد الشراب، وظلال المساكن، واعتدال الخلق ولذة النوم، وقال مجاهد: عن كل لذة من لذات الدنيا، وقال الحسن البصري: من النعيم الغداء والعشاء، وقول مجاهد أشمل هذه الأقوال، وقال ابن عباس: }ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ{ قال: النعيم صحة الأبدان والأسماع والأبصار، يسأل الله العباد فيما استعملوها، وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله تعالى: }إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً{. وثبت في صحيح البخاري وسنن الترمذي عن ابن عباس قال، قال رسول الله ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»([14])، ومعنى هذا أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين لا يقومون بواجبهما، ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه فهو مغبون.
· · · ·
(سؤال العبد عن النعم)([15])
الحمد لله الذي أعطى عبادهُ الأسماعَ والأبصارَ والأفئدةً لعلَّهُم يشكرون. وأسْدى عليهم أصنافَ النِعمِ وسَيُحاسِبهم عليها وعنْها يسْألون. فمنْ استعانَ بها على طاعةِ المنعمِ فأولئك هُم المفلِحون. ومن صرفها في معاصِيه فأولئك الذين خسروا أنفسهَمُ وأهلَهم يوم القيامة ألا ذلكَ هو الخسرانُ المُبين. وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لهْ الذي إذا أراد شيئاً قالَ لهُ كُن فيكون.
و أشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُهُ ورسُولُهُ الذي خُتِمتْ به الأنبياء والمُرسَلونَ. وبهدْيِهِ وسيرِتِه يهتْدي المهتدون. اللَّهُمَّ صلّ وسلّم على محمَّد وعلى آله وأصحابه ومن تبعَهُم في الأقوالِ والأفعالِ والحركة والسُّكونِ. أمَّا بعدُ: أيُّها النَّاسُ اتَّقوا الله واعرفوا مِقدار نعم الله فقد قال ﷺ: " لا تزولُ قَدما عبدٍ يوم القيامةِ حتَّى يُسألُ عن خمسْ عن عُمُره فيم أفْناهُ وعن شبابه فيم أبلاُه. وعن ماله مِن أينَ اكتسبهُ وفيم أنفقهُ، وماذا عملَ فيما عَلِم "([16]). فكلّنا معْشر المسلمين. مسئولٌ عن هذه الخمس كما أخبر به الصادقُ في المقالِ فلْينظرِ العَبدُ موقعَ حِالِه وماذا يجيبُ به هذا السؤال فمن قالَ بصدق يارب قد أفنيتُ عمري في طاعتك. وأبْليتُ قُوَّتي وشبابي في خدمتك. ولم أزلْ مُقِلعاً تائباً عن معْصِيِتك واكتسبتُ مالي من طُرُقِ الحلالِ واجتنبتُ المكاسب الرديَّة الموجبةَ للهلاك والنكال وأنفقتْهُ فيما تُحب واجتنْبتُ إنفاقَهُ في الفسوقِ. ولم أبخل بالزكاة ولا في النفقات الواجبةِ وأدَّيْتُ الحقُوق. وعلمتُ الخير ففعلْتُهُ. وعرفْتُ الشَّرّّ فتركتُهُ. فليبشر عند ذلك برحمةِ الله وأمانه. والفوِز بجنته ورضوانه. ومن قال قدْ انقضى عمري وشبابي في الذنوب والغفلات. ولم أُبالِ بالمكاسبِ الخبيثةِ ولا بالغش والخيانات. وعلمتُ الخير والشَّرَّ فلم أنتفع بعلمي. ولا أغنَت عني معرفتي ولا فهمي. فذلك العبدُ الذي هلك مع الهالكين. وسلك سبيل الظالمين المعتدين. فيا سوأتاهُ حين ينْدبُ الشَّابُّ شبابَهُ. ويفتضحُ الشيخُ إذا قرأ كتابهُ ويا ندامةَ المفرطين حين يُحْشرُ المتَّقون إلى الرحمن وفداً. ويُساقُ المجرمون إلى جهنم ورداً لا يملكون الشفاعة إلاَّ من اتخذ عند الرحمنِ عهدًا يُنادونَ مالكاً خازِنَ النَّار }يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ ولَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ{([17]). ويقولون: }رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا ولا تُكَلِّمُونِ{([18]) الآيات بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
· · · ·
(و سوف تسألون)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فيا شباب الإسلام ويا أمة القرآن ويا أتباع محمد ﷺ ويا خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله ويا حماة الدين والعقيدة ويا أحفاد المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان – عليكم بتحقيق هذه الأمور لتفوزوا بسعادة الدنيا والآخرة واغتنموا فرصة الشباب والصحة والحياة قبل زوالها فيما يسعدكم في دراسة القرآن الكريم ودراسة تفسيره وتدبره والعمل به ليكون حجة لكم عند ربكم فالقرآن حجة لك أو عليك وفي دراسة الحديث الشريف والسيرة النبوية فلنا فيهما عظة وعبرة ولنا فيهما أسوة حسنة وفي الدعوة إلى الله تعالى. عن علم وبصيرة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن }قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي{([19]) فالشباب والصحة والحياة فرصة ثمينة تمر بسرعة فإن شغلت بخير وإلا شغلت بشر ولابد والأوقات محدودة والأنفاس محدودة وسوف تسأل عن أوقاتك في أي شيء قضيتها فإن قضيتها في طاعة كانت لك مكسباً وإن قضيتها في معصية كانت عليك وبالاً وخسراناً وإن قضيتها في غفلة تحسرت عليها في قبرك ويوم حشرك وقد قيل: الوقت كالسيف إن قطعته فيما ينفعك وإلا قطعك فيما يضرك وفي الحديث اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل مرضك وحياتك قبل موتك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك([20]).
وقال ﷺ: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ»([21]) يعني أنهم مقصرون في شكر هاتين النعمتين لا يقومون بواجبهما ومن لا يقوم بحق ما وجب عليه فهو مغبون.
· · · ·
(السؤال في القبر ويوم الحشر)
أخي المسلم: وسوف تسأل في قبرك من ربك وما دينك ومن نبيك؟ ولا يستطيع الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة إلا من كان مستقيماً في هذه الحياة على طاعة الله ورسوله والعمل بشرائع دينه }وَ مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا{ [سورة الأحزاب: 71] وسوف تسأل يوم القيامة عن عمرك فيما أفنيته وعن شبابك فيما أبليته وعن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته وعن علمك الذي تعلمته ماذا عملت به: قال ﷺ: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل فيه([22]): فأعد للسؤال جوابا صحيحا لتكون من الناجحين الفائزين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ولنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة فقد كان يذكر الله على كل أحيانه([23]) وبذكر الله تطمئن القلوب وسوف يسأل الأولون والآخرون يوم القيامة (ماذا كنتم تعبدون وماذا أجبتم المرسلين) ولا يستطيع الفوز بالإجابة الصحيحة إلا المؤمنون التائبون العاملون الصالحات في الدنيا قال تعالى: }وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ * فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ{([24]) ويحصل جواب الفقرة الأولى بالإخلاص للمعبود وجواب الفقرة الثانية بالمتابعة للرسول ﷺ.
· · · ·
(النتيجة)
والمؤمنون الفائزون يوم القيامة تبيض وجوههم ويعطون كتب أعمالهم بأيمانهم وهي بمنزلة الشهادات للناجحين ويردون حوض نبيهم فيسقون منه شربة لا يظمؤون بعدها أبدا وتثقل موازين حسناتهم ويمرون على الصراط على حسب أعمالهم ويدخلون الجنة بشفاعة محمد ﷺ - فيفوزون فيها بما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون في شباب لا يفنى وصحة لا تزول ونعيم مقيم وحياة دائمة ويتمتعون بالنظر إلى وجه الرب الكريم ويفوزون برضاه وقربه }وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{([25]) أما المجرمون فتسود وجوههم ويطردون عن حوض النبي ﷺ، ويعطون كتب أعمالهم بشمائلهم وتخف موازين حسناتهم ويسحبون إلى النار على وجوههم، ولا تنفعهم شفاعة الشافعين ولا يموتون في النار ولا يحيون ولا يخرجون منها ولا ينقطع عنهم عذابها وهم فيها خالدون جزاء بما كانوا يعملون([26]).
أخي المسلم وسوف تسأل عن حركاتك وسكناتك وأقوالك وأفعالك وسوف يشهد عليك لسانك وسمعك وبصرك ويدك ورجلك عما سمعت أذنك ونظرت عينك، ومشت رجلك، ونالت يدك، وتكلم به لسانك، قال تعالى: }إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً{([27]). وقال }يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وأَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{([28]). }فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ{([29]). فلا تتكلم إلا بخير ولا تنظر ولا تسمع إلى ما لا يحل لك ولا تأكل ولا تشرب ما حرم عليك ولا تمشي إلى معصية ولا تتناولها يدك لتكون هذه الحواس والجوارح شاهدة لك لا عليك عند ربك.
· · · ·
(مهمة الإنسان في الحياة)
أخي المسلم: إن مهمتك في هذه الحياة أن تتعلم العلم النافع الشرعي قال ﷺ: «من يرد الله به خيراً يفقه في الدين»([30]) ثم تعمل به وتدعو إليه وتصبر على ذلك وأن تخلص لله في علمك وعملك ودعوتك وفي حبك وبغضك وفعلك وتركك فإن تكلمت فلله وإن سكت فلله وإن نظرت أو سمعت فلله وإن مشيت فلله وإن أحببت أو أبغضت فلله وإن واليت أو عاديت فلله.
و صدق الله العظيم إذ يقول:
}قُلْ إِنَّ صَلاتِي ونُسُكِي ومَحْيَايَ ومَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{([31]) اللهم وفقنا وجميع المسلمين لما تحب وترضى إنك على كل شيء قدير.
· · · ·
(ملاحظة)
يرجى قراءتها على الجماعة في المساجد وعلى الأهل والأولاد في البيوت.. اللهم اغفر لمن كتبها أو قرأها أو طبعها إنك على كل شيء قدير([32]).
· · · ·
(1) كما في الحديث الذي رواه البزار والطبراني. بإسناد صحيح (انظر الترغيب والترهيب للمنذري 5 / 357).
(2) سورة الإسراء: آية 36.
(3) سورة الحجر: آية 92 – 93.
(4) سورة الشعراء: آية 88 – 89.
(5) حِكَم وإرشادات للمؤلف ص 13 – 14.
(1) تفسير ابن سعدي 4 / 278.
(1) المصدر السابق 6 / 49 -51.
(1) انظر تفسير ابن كثير 4 / 545 – 547.
(2) أخرجه ابن جرير ورواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة بنحوه.
(3) أخرجه أحمد والنسائي.
(1) أخرجه أحمد.
(2) أخرجه الترمذي وابن حبان.
(3) أخرجه ابن أبي حاتم ورواه الترمذي وابن ماجة.
(1) أخرجه البخاري.
(1) الفواكه الشهية للشيخ عبد الرحمن السعدي ص 62.
(2) رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح.
(1) سورة الزخرف آية 77 – 78.
(2) سورة المؤمنون آية 107 – 108.
(1) سورة يوسف 108.
(1) رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان.
(2) رواه البخاري في صحيحه.
(1) رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح.
(2) رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
(3) سورة القصص: 65 – 67.
(1) سورة التوبة: 72.
(2) الخلود في النار خاص بالكفرة والمشركين.
أما عصاة الموحدين فهم تحت مشيئة الله إن شاء غفر لهم وإن شاء عذبهم في النار بقدر ذنوبهم ثم يخرجهم منها كما عليه أهل السنة والجماعة.
(3) سورة الإسراء: 36.
(4) سورة النور: 24.
(5) سورة الحجر: 92 – 93.
(1) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
(2) سورة الأنعام: 162 – 163.
(1) كلمات مختارة للمؤلف ص 205 – 209.