تهذيب السيرة النبوية
التصنيفات
المصادر
الوصف المفصل
- تهذيب
السيرة النبوية
- مقدمة للدكتور صالح السدلان
- تقديم الكتاب
- ترجمة موجزة للإمام النووي
- نسبه - صلى الله عليه وسلم -
- كناه وأسماؤه - صلى الله عليه وسلم -
- أمه - صلى الله عليه وسلم -
- ولادته - صلى الله عليه وسلم -
- وفاته - صلى الله عليه وسلم -
- دفنه وعمره - صلى الله عليه وسلم -
- فصل
- فصل في صفته - صلى الله عليه وسلم -([54])
- فصل أولاده - صلى الله عليه وسلم -([72])
- فصل أعمامه وعماته - صلى الله عليه وسلم -
- فصل في أزواجه - صلى الله عليه وسلم -
- فصل في مواليه - صلى الله عليه وسلم -([81])
- فصل في خدمه - صلى الله عليه وسلم -
- فصل في كتابه - صلى الله عليه وسلم -
- فصل في رسله - صلى الله عليه وسلم -
- فصل في مؤذنيه - صلى الله عليه وسلم -
- فصل عمره وحجته وغزواته وسراياه - صلى الله عليه وسلم -
- فصل في أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -
- فصل في معجزات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ([129])
- فصل في أفراسه ودوابه وسلاحه - صلى الله عليه وسلم -
- فصل في خصائص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحكام وغيرها ([144])
تهذيب السيرة النبوية
تأليف: الإمام الحافظ أبي زكريا يحيى بن شرف النووي
حققه وعلق عليه: د. خالد بن عبد الرحمن الشايع
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة للدكتور صالح السدلان
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله محمد، أما بعد.
فقد عرض عليَّ الأخ: خالد بن عبد الرحمن الشايع، وتعليقاته وتخريجه للأحاديث على قسم السيرة، من كتاب: تهذيب الأسماء واللغات للنووي، وبعد قراءة ما كتبه قراءة مفصلة قررت ما يلي:
1- استحسان كثير من التعليقات وتخريج الأحاديث.
2- التعديل في بعض التعليقات ([1]).
3- استحسان العمل الذي قام به من ناحية فصل قسم السيرة عن كتاب تهذيب الأسماء واللغات، وذلك لأمرين:
( أ ) حاجة الناس إلى تداول كتاب في السيرة، مثل هذا الجزء اللطيف.
(ب) إن المؤلف – وهو النووي – إمام يرجع إليه، وقد سلك في هذا الجزء مسلكًا نادرًا، حيث جمع فيه بين ذكر المواضع المهمة في السيرة، ثم المعجزات ثم الخصائص التي تتصل بجوانب فقهية، وقد استحسنت ما سلكه الأخ خالد بعدم التعليق عليها، إلا ما دعت الحاجة إليه، وذلك لأن النووي ينقل رأي الشافعية، فيلزم من مناقشة آرائهم التوسع في ذكر الآراء الأخرى، مما يخالف مقصود المؤلف من الإيجاز والاختصار.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
د. صالح بن غانم السدلان
الأستاذ المشارك بكلية الشريعة بالرياض
14/3/1413هـ
* * * *
تقديم الكتاب
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنه لم تحفل سيرة بشر، منذ عهد أبينا آدم - عليه السلام - بالعناية والاهتمام وشديد المتابعة والتحري والتدقيق والتدوين، كما لقيته سيرة رسول الله، محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - ولا غرو في ذلك فهو سيد البشر أجمعين، وأفضل الخلق.
وقد تتابع علماء المسلمين جيلاً من بعد جيل، على العناية بحياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته، وتقديمها للأمة واضحة جلية، وقد تعددت أساليبهم وطرقهم في تناول سيرته - صلى الله عليه وسلم - بين التوسع والإسهاب، وبين الإيجاز والاختصار.
وبين يديك – أخي المسلم – تحفة نفيسة، من ذخائر السلف جادت بها يراع الإمام يحيى بن شرف النووي رحمه الله حيث كتب ترجمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمعت بين الإيجاز، والشمول لشمائله وسيرته - صلى الله عليه وسلم - حيث انتخب من سيرته - صلى الله عليه وسلم - ما يعتبر بحق مدخلاً لدراسة السيرة النبوية، بحيث تكون للدارس وطالب العلم قاعدة معرفية يطلع من خلالها على مجمل حياته - صلى الله عليه وسلم - لينطلق منها إلى الإحاطة بأطراف هذا العلم؛ علم السيرة، ومما يهيئ هذا الكتاب لهذه المكانة المهمة عدة أمور منها:
1- تميُّزه بالاختصار والشمول المجمل، حيث حوى بين طياته نبذًا من شمائله وسيرته - صلى الله عليه وسلم - مما ينبغي للمسلم الاطلاع عليه، أو لا يسعه الجهل به.
2- أسلوبه المبسَّط الرَّصين: في عرضه لحياته - صلى الله عليه وسلم - وسيرته.
3- أن مؤلفه إمام محقق، ذو باع واسع في خدمة السنة النبوية والعناية بها، وذلك بشهادة العلماء له بذلك، مما جعل أقواله، وتصويباته، وترجيحاته محل عناية واعتبار عند العلماء.
هذه بعض مميزات هذا البحث النفيس في سيرته - صلى الله عليه وسلم - فجدير بطالب العلم المبتدئ، ومحب معرفة حياته - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل هذا البحث مدخلاً وتأصيلاً لعلمه في جانب سيرته - صلى الله عليه وسلم - كما أن هذا البحث تذكرة العالم، ومدارسة له، تدقق علمه وتوجهه.
وهذا الكتاب جاء ضمن ما كتبه النووي رحمه الله في كتابه: تهذيب الأسماء واللغات، فجعله مقدمة له تشريفًا للكتاب بسيرته وذكره - صلى الله عليه وسلم -، وقد طبع «تهذيب الأسماء واللغات» في إدارة الطباعة المنيرية، بمصر، وفيه الكثير من الأخطاء والتحريفات المطبعية، ثم قامت دار السلام العالمية بمصر([2]) بإفراد هذه السيرة العطرة في كتاب مستقل، ولكنه وإن قلت أخطاؤه وتحريفاته المطبعية عن أصله إلا أنه لم يسلم من كثير منها.
ومن هنا فقد حرصت على نشره مصححًا مدققًا – على قلة البضاعة – ومن الله أستمد العون والهداية، فقمت بتوثيق نصوص الكتاب، وتدعيم اختيارات المؤلف بالأدلة الصحيحة، وإن وجدت قولاً مرجوحًا نبه عليه العلماء فإني أشير لذلك، وقمت، أيضًا بتدقيق أسماء الأعلام ونحوها، وخرجت الأحاديث القولية الواردة في الكتاب في غالب الأحيان على وجه الاختصار، وعدم الاستقصاء والاقتصار على الكتب الستة في الغالب خشية الإطالة.
وقد عمدت إلى الإيجاز والاختصار فيما أنقله في الهوامش من غير إشارة للأخطاء المطبعية السابقة وإثبات الصحيح في المتن اعتمادًا على دواوين العلم الأخرى المختلفة، واكتفيت بما يهم القارئ من شرح مشكل، أو إيراد دليل أو عرض لمسألة مهمة ونحو ذلك، من أجل المحافظة على مقصود المؤلف من الإيجاز والاختصار، هذا وأستغفر الله من الخطأ والزلل الذي كل واقع فيه إلا من عصم الله، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على خير الأولين والآخرين، وعلى سائر النبيين وآل كل وسائر الصالحين، وحسبي الله ونعم الوكيل.
وكتب:
أبو عبد الرحمن
خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع
عفا الله عنه وعن والديه ومشايخه وأحبته
الخميس 8/2/1413هـ
الرياض: 11574
ص.ب: 57242
* * * *
ترجمة موجزة للإمام النووي
* اسمه ومولده ولمحات عن نشأته:
هو: يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام، أبو زكريا، النووي، الدمشقي، ونسبته إلى نوى وهي من أرض حوران في بلاد الشام.
ولد سنة 631هـ في نوى، وتولى أبوه رعايته وتأديبه، ونشأه تنشئة طيبة، فختم القرآن وقد ناهز الحلم، ثم ذهب به أبوه لدمشق، فدرس على العلماء فيها وعمره تسع عشرة سنة.
وقد كان رحمه الله على جانب عظيم من التقوى والإنابة وخشية الله، منذ نعومة أظفاره.
قال المحدث أبو العباس بن فرح: كان الشيخ محيى الدين – يعني النووي – قد صار إليه ثلاث مراتب كل مرتبة منها لو كانت لشخص، شدت إليه آباط الإبل من أقطار الأرض، المرتبة الأولى: العلم والقيام بوظائفه، والثانية: الزهد في الدنيا وجميع أنواعها، الثالثة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
* من مشايخه:
جمال الدين بن الصيرفي، أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي، وتقي الدين بن أبي اليسر، وزين الدين بن عبد الدائم.
* ومن تلامذته:
شهاب الدين الأربدي، علاء الدين العطار، ابن أبي الفتح.
* من مؤلفاته:
رياض الصالحين – شرحه لصحيح مسلم – الأربعين النووية الإرشاد في مصطلح الحديث – المجموع شرح المهذب – روضة الطالبين – الأذكار. وله غير هذا كثير، في فنون العلم المختلفة.
* وفاته:
توفي رحمه الله بعد رجوعه من دمشق إلى بلدته نوى، حيث مرض بها، وكانت وفاته ليلة الأربعاء في الرابع والعشرين من رجب سنة 676هـ، وله من العمر نحوًا من خمسة وأربعين عامًا، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.
* وانظر في ترجمته:
شذرات الذهب 5/354-356.
المنهل العذب الروي، مؤلف كامل في ترجمته، للحافظ السخاوي.
بسم الله الرحمن الرحيم
* قال الإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي رحمه الله:
نسبه - صلى الله عليه وسلم -
هو - صلى الله عليه وسلم - محمد، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان([3]).
إلى هنا إجماع الأمة، وأما ما بعده إلى آدم فمختلف فيه أشد اختلاف.
قال العلماء: ولا يصح فيه شيء يعتمد.
وقُصي بضم القاف، ولؤي بالهمز وتركه، وإلياس بهمزة وصل، وقيل: بهمزة قطع.
كناه وأسماؤه - صلى الله عليه وسلم -
وكنية النبي - صلى الله عليه وسلم - المشهورة: أبو القاسم ([4]).
وكناه جبريل - صلى الله عليه وسلم - أبا إبراهيم ([5]).
ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسماء كثيرة([6])، أفرد فيها الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله الشافعي الدمشقي، المعروف بابن عساكر رحمه الله بابًا في تاريخ دمشق([7])، ذكر فيه أسماء كثيرة، جاء بعضها في الصحيحين، وباقيها في غيرهما، منها:
محمد، وأحمد، والحاشر، والعاقب، والمقفي، والماحي، وخاتم النبيين، ونبي الرحمة، ونبي الملحمة – وفي رواية: نبي الملاحم -، ونبي التوبة، والفاتح، وطه، وياسين، وعبد الله ([8]).
قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي رحمه الله: «زاد بعض العلماء فقال: سماه الله عز وجل في القرآن: رسولاً، نبيًا، أميًّا، شاهدًا، مبشرًا، نذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، ورءوفًا، رحيمًا، ومذكرًا، وجعله رحمة ونعمة، وهاديًا، - صلى الله عليه وسلم - ([9]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اسمي في القرآن محمد، وفي الإنجيل أحمد، وفي التوراة أحيد، وإنما سميت أحيد لأني أحيد عن أمتي نار جهنم»([10]).
قلت: وبعض هذه المذكورات صفات، (فإطلاقهم الأسماء عليها مجاز).
وقال الإمام الحافظ القاضي أبو بكر بن العربي المالكي في كتابه «الأحوذي في شرح الترمذي»([11]): «قال بعض الصوفية: لله عز وجل ألف اسم، وللنبي - صلى الله عليه وسلم - ألف اسم»([12]).
قال ابن العربي: «فأما أسماء الله عز وجل فهذا العدد حقير فيها، وأما أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم أحصها إلا من جهة الورود الظاهر بصيغة الأسماء البينة، فوعيت منها أربعة وستين اسمًا» ثم ذكرها مفصلة مشروحة فاستوعب وأجاد. ثم قال: «وله وراء هذا أسماء».
أمه - صلى الله عليه وسلم -
وأمُّ النبي - صلى الله عليه وسلم - آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بين مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.
ولادته - صلى الله عليه وسلم -
ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل، وقيل: بعده بثلاثين سنة.
قال الحاكم أبو أحمد: «وقيل: بعده بأربعين سنة، وقيل: بعده بعشر سنين». رواه الحافظ أبو القاسم بن عساكر في «تاريخ دمشق»([13]).
والصحيح المشهور: أنه (ولد) عام الفيل.
ونقل إبراهيم بن المنذر الحزامي، شيخ البخاري، وخليفة بن خياط وآخرون الإجماع عليه، واتفقوا على أنه ولد يوم الاثنين ([14]) من شهر ربيع الأول.
واختلفوا هل هو في اليوم الثاني، أم الثامن، أم العاشر، أم الثاني عشر؟ فهذه أربعة أقوال مشهورة ([15]).
وفاته - صلى الله عليه وسلم -
وتوفي - صلى الله عليه وسلم - ضحى يوم الاثنين ([16])، لاثنتي عشرة ليلة ([17]) خلت من شهر ربيع الأول، سنة إحدى عشرة من الهجرة، ومنها ابتداء التاريخ كما سبق ([18]).
دفنه وعمره - صلى الله عليه وسلم -
ودفن يوم الثلاثاء حين زالت الشمس ([19])، وقيل: ليلة الأربعاء([20]). وتوفي - صلى الله عليه وسلم - وله ثلاث وستون سنة، وقيل: خمس وستون سنة، وقيل: ستون سنة، والأول أصح وأشهر، وقد جاءت الأقوال الثلاثة في الصحيح ([21]).
قال العلماء: الجمع بين الروايات أن من روى ستين لم يعد معها الكسور، ومن روى خمسًا وستين عد سنتي المولد والوفاة، ومن روى ثلاثًا وستين لم يعدهما.
والصحيح ثلاث وستون، وكذا الصحيح في سن أبي بكر ([22])، وعمر ([23])، وعلي([24]) وعائشة ([25]) - رضي الله عنهم - ثلاث وستون سنة.
قال الحاكم أبو أحمد – وهو شيخ الحاكم أبي عبد الله – يقال وُلد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين ونبئ يوم الاثنين، وهاجر من مكة يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين ([26]).
وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - ولد مختونًا مسرورًا ([27]).
وكفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيض ([28])، ليس فيها قميص ولا عمامة، ثبت ذلك في الصحيحين([29]).
قال الحاكم أبو أحمد: «ولما أدرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في أكفانه وضع على سريره على شفير القبر، ثم دخل الناس أرسالاً يصلون عليه فوجًا فوجًا، لا يؤمهم أحد ([30])، فأولهم صلاة عليه العباس، ثم بنو هاشم، ثم المهاجرون، ثم الأنصار، ثم سائر الناس، فلما فرغ الرجال دخل الصبيان، ثم النساء، ثم دفن - صلى الله عليه وسلم - ونزل في حفرته العباس، وعلي، والفضل وقثم ابنا العباس، وشقران».
قال: «ويقال كان أسامة بن زيد وأوس بن خولي ([31]) معهم».
ودفن في اللحد ([32])، وبني عليه، - صلى الله عليه وسلم - في لحده اللبن، يقال: إنها تسع لبنات، ثم أهالوا التراب، وجعل قبره - صلى الله عليه وسلم - مسطحًا ([33])، ورش عليه الماء رشًا ([34]).
قال: ويقال نزل المغيرة في قبره ولا يصح ([35]).
قال الحاكم أبو أحمد: يقال مات عبد الله والد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثمانية وعشرون شهرًا، وقيل: تسعة أشهر، وقيل سبعة أشهر، وقيل شهران، وقيل: مات وهو حمل ([36])، وتوفي بالمدينة. قال الواقدي، وكاتبه محمد بن سعد: لا يثبت أنه توفي وهو حمل ([37]).
ومات جده عبد المطلب وله ثمان سنين، وقيل ست سنين ([38])، وأوصى به إلى أبي طالب.
وماتت أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وله ست سنين، وقيل أربع (سنين) وماتت بالأبواء – مكان بين مكة والمدينة - ([39]).
وبعث - صلى الله عليه وسلم - رسولاً إلى الناس كافة وهو ابن أربعين سنة، وقيل أربعين ويومٍ ([40]).
وأقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة، وقيل عشرًا، وقيل خمس عشرة (سنة)([41])، ثم هاجر إلى المدينة، فأقام بها عشر سنين بلا خلاف، وقدم المدينة يوم الاثنين لثنتي عشرة خلت من شهر ربيع الأول ([42]).
قال الحاكم: وبدأ الوجع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة ([43])، يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من شهر صفر ([44]).
فصل
أرضعته - صلى الله عليه وسلم -، ثوبية ([45]) – بضم المثلثة – مولاة أبي لهب أيامًا ([46]). ثم أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث السعدية، وروي عنها أنها قالت: كان يشب في اليوم شباب الصبي في شهر([47]).
ونشأ - صلى الله عليه وسلم - يتيمًا فكفله جده عبد المطلب، ثم عمه أبو طالب.
وطهره الله عز وجل من دنس الجاهلية فلم يعظم صنمًا لهم في عمره قط، ولم يحضر مشهدًا من مشاهد كفرهم، وكانوا يطلبونه لذلك فيمتنع ويعصمه الله تعالى من ذلك.
وفي الحديث: عن علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما عبدت صنمًا قطُّ. وما شربت خمرًا قطُّ. وما زلت أعرف أن الذي هم عليه كفر»([48]). وهذا من لطف الله تعالى به أن برأه من دنس الجاهلية ومن كل عيب؛ ومنحه كل خلق جميل؛ حتى كان يعرف في قومه بالأمين؛ لما شاهدوا من أمانته وصدقه وطهارته.
فلما بلغ اثنتي عشرة سنة خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام حتى بلغ بصرى ([49])، فرآه بحيري الراهب فعرفه بصفته، فجاء وأخذ بيده وقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله حجة للعالمين.
قالوا: فمن أين علمت هذا؟.
قال: إنكم حين أقبلتم من العقبة لم يبق (شجر) ولا حجرٌ إلا خرَّ ساجدًا، ولا يسجد إلا لنبي، وإنا نجده في كتبنا.
وسأل أبا طالب أن يرده خوفًا من اليهود فرده ([50]).
ثم خرج - صلى الله عليه وسلم - ثانيًا إلى الشام مع ميسرة غلام خديجة رضي الله عنها في تجارة لها قبل أن يتزوجها حتى بلغ سوق بصرى ([51]).
فلما بلغ خمسًا وعشرين سنة تزوج خديجة ([52]).
ولما خرج إلى المدينة مهاجرًا خرج معه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ومولى أبي بكر: عامر بن فهيرة بضم الفاء ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي، وهو كافر، ولا يعلم له إسلام([53]).
فصل في صفته - صلى الله عليه وسلم -([54])
كان - صلى الله عليه وسلم - ليس بالطويل البائن، ولا القصير ([55])، ولا الأبيض الأمهق، ولا الآدم ([56])، ولا الجعد القطط. ولا السبط ([57]). وتوفي وليس في رأسه عشرون شعرة بيضاء، وكان حسن الجسم، بعيد ما بين المنكبين. له شعر إلى منكبيه. وفي وقت إلى شحمتي أذنيه. وفي وقت إلى نصف أذنيه، كث اللحية ([58])، شثن الكفين، أي غليظ الأصابع ([59]). ضخم الرأس والكراديس ([60]).
في وجهه تدوير، أدعج العينين ([61])، طويل أهدابهما ([62])، أحمر المآقي([63]). ذا مَسْرُبَة، وهي: الشعر الدقيق من الصدر إلى السرة كالقضيب.
إذا مشى تقلع كأنما ينحط من صبب، أي: يمشي بقوة. والصبب: الحدور. يتلألأ وجهه (تلألؤ) القمر ليلة البدر، كأن وجهه القمر. حسن الصوت. سهل الخدين. ضليع الفم ([64])، سواء البطن والصدر.
أشعر المنكبين والذراعين، وأعالي الصدر([65])، طويل الزندين([66]). رحب الراحة. أشكل العينين، أي: طويل شقيهما. منهوس العقبين – أي قليل لحم العقب – بين كتفيه خاتم النبوة كزرِّ الحجلة أو كبيضة الحمامة ([67]).
وكان إذا مشى كأنما تطوى له الأرض، ويجدون في لحاقه وهو غير مكترث. وكان يسدل شعر رأسه ([68])، ثم فرقه ([69])، وكان يرجله، ويسرح لحيته، ويكتحل بالإثمد كل ليلة في كل عين ثلاثة أطراف عند النوم.
وكان أحب الثياب إليه: القميص، والبياض، والحبرة، وهي: ضرب من البرود فيه حمرة. وكان كم قميص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرسغ ([70]).
ولبس في وقت حلة حمراء وإزارًا ورداءً، وفي وقت ثوبين (أخضرين). وفي وقت جبة ضيقة الكمين. وفي وقت قباء. وفي وقت عمامة سوداء، وأرخى (طرفيها) بين كتفيه. وفي وقت مرطًا أسود من شعر، أي: كساء. ولبس الخاتم ([71]) والخف والنعل.
فصل أولاده - صلى الله عليه وسلم -([72])
له - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة بنين:
القاسم، وبه كان يُكْني. ولد قبل النبوة. وتوفي وهو ابن سنتين.
وعبد الله (ويسمى) الطيب. والطاهر. لأنه ولد بعد النبوة. وقيل: الطيب والطاهر غير عبد الله. والصحيح الأول.
والثالث إبراهيم. ولد بالمدينة سنة ثمان. ومات بها سنة عشر، وهو ابن سبعة عشر شهرًا، أو ثمانية عشر شهرًا.
وكان له - صلى الله عليه وسلم - أربع بنات:
زينب، تزوجها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس وهو ابن خالتها، وأمه: هالة بنت خويلد.
وفاطمة، تزوجها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
ورقية، وأم كلثوم، تزوجهما عثمان بن عفان، تزوج رقية ثم أم كلثوم، وتوفيتا عنده، ولهذا سمي ذا النورين. توفيت رقية يوم بدر في رمضان سنة اثنتين من الهجرة، وتوفيت أم كلثوم في شعبان سنة تسع من الهجرة.
فالبنات أربع بلا خلاف. والبنون ثلاثة على الصحيح.
وأول من ولد له القاسم، ثم زينب، ثم رقية، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، وجاء أن فاطمة رضي الله عنها أسن من أم كلثوم، ذكر ذلك علي بن أحمد بن سعيد بن (حزم) أبو محمد الحافظ، ثم في الإسلام عبد الله بمكة. ثم إبراهيم بالمدينة. وكلهم من خديجة إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية، وكلهم توفوا قبله، إلا فاطمة فإنها عاشت بعده ستة أشهر على الأصح الأشهر.
فصل أعمامه وعماته - صلى الله عليه وسلم -
أعمامه - صلى الله عليه وسلم - أحد (عشر):
أحدهم: الحارث، وهو أكبر أولاد عبد المطلب. وبه كان يكنى. وقثم، والزبير، وحمزة، والعباس، وأبو طالب. وأبو لهب. وعبد الكعبة. وحجل – بحاء مهملة مفتوحة، ثم جيم ساكنة -، وضرار، (والغيداق)([73]).
أسلم منهم حمزة والعباس، وكان حمزة أصغرهم سنًا لأنه رضيع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم العباس قريب منه في السن، وهو الذي كان يلي زمزم ([74]) بعد أبيه عبد المطلب، وكان أكبر سنًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنين.
وعماته - صلى الله عليه وسلم - ست: صفية: أسلمت وهاجرت وهي أم الزبير بن العوام، توفيت بالمدينة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنها، وهي أخت حمزة لأمه، وعاتكة، قيل: إنها أسلمت، وهي التي رأت رؤيا غزو بدر. وقصتها مشهورة ([75])، وبرة، وأروى، وأميمة، وأم حكيم، وهي: البيضاء.
فصل في أزواجه - صلى الله عليه وسلم -
(أولاهن) خديجة، ثم سودة، ثم عائشة، ثم حفصة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وميمونة، وجويرية، وصفية. وسنذكرهن في تراجمهن إن شاء الله تعالى([76]).
وهؤلاء التسع - بعد خديجة – توفي عنهن، ولم يتزوج في حياة خديجة غيرها، ولا تزوج بكرًا غير عائشة.
وأما اللاتي فارقهن - صلى الله عليه وسلم - في حياته فتركناهن لكثرة الاختلاف فيهن.
وكانت له سُرِّيَّتان([77]): مارية([78]): وريحانه بنت زيد، وقيل: بنت شمعون، ثم أعتقها([79]).
روينا عن قتادة قال: تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة امرأة، فدخل بثلاث عشرة، وجمع بين إحدى عشرة. وتوفي عن تسع ([80]).
* * * *
فصل في مواليه - صلى الله عليه وسلم -([81])
منهم: زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي أبو أسامة، وثوبان بن بجدد – بضم الموحدة والدال، وإسكان الجيم. وأبو كبشة. واسمه سليم، شهد بدرًا، وباذام ([82])، ورويفع، وقصير ([83])، وميمون ([84])، وأبو بكرة ([85])، وهرمز ([86])، وأبو صفية عبيد، وأبو سلمى ([87])، وأنسة – بفتح الهمزة والنون – وصالح، (وهو) شقران، ورباح – بالموحدة – أسود. ويسار الراعي: نوبي، وأبو رافع، واسمه أسلم. وقيل غير ذلك، (وأبو مويهبة)، وفضالة اليماني، ورافع ([88]).
ومدعم – بكسر الميم وإسكان الدال وفتح العين المهملتين – أسود. وهو الذي قتل (بخيبر). وكركرة. بكسر الكافين. وقيل بفتحهما. كان على ثقل ([89]) النبي - صلى الله عليه وسلم -، وزيد: جد هلال بن يسار بن زيد. وعبيدة ([90]). وطهمان أو كيسان أو مهران أو ذكوان أو مروان ([91])، ومأبور القبطي، (وواقد)، وأبو واقد ([92]).
وهشام، وأبو ضميرة، وحنين، وأبو عسيب، واسمه أحمر. وأبو عبيدة وسفينة، (وسلمان) الفارسي، وأيمن ابن أم أيمن ([93])، وأفلح، وسابق ([94])، وسالم ([95])، وزيد بن بولا. وسعيد، (وضميرة)، وعبيد الله بن أسلم، ونافع، ونبيه ([96])، ووردان وأبو أثيلة، وأبو الحمراء ([97]).
ومن الإماء: سلمى – بفتح السين – أم رافع، وأم أيمن: بركة بفتح الباء – وهي أم أسامة بن زيد، وميمونة بنت سعد ([98])، وخضرة، ورضوى، وأميمة، وريحانة، وأم ضميرة، ومارية. وشيرين([99]) وهي أختها، وأم عباس([100]).
وكثير من هؤلاء (المذكورين) لهم ذكر في هذه الكتب ([101])، وسيأتي بيان أحوالهم في تراجمهم – إن شاء الله تعالى.
واعلم أن هؤلاء الموالي لم يكونوا موجودين في وقت واحد للنبي - صلى الله عليه وسلم -، بل كان كل بعض منهم في وقت، والله أعلم.
فصل في خدمه - صلى الله عليه وسلم -
منهم أنس بن مالك، وهند، وأسماء ابنا حارثة الأسلميان، وربيعة بن كعب الأسلمي، وكان عبد الله بن مسعود صاحب نعليه إذا قام ألبسه إياهما، وإذا جلي حطهما وجعلهما في ذراعيه حتى يقوم، وكان عقبة بن عامر الجهني صاحب بغلته - صلى الله عليه وسلم - يقود به في الأسفار، وبلال المؤذن، وسعد مولى أبي بكر الصديق، وذو مخمر ويقال: مخبر – بالباء الموحدة – ابن أخي النجاشي، ويقال ابن أخته، ويكير بن (شداخ) الليثي، ويقال بكر، وأبو ذر الغفاري والأسلع بن شريك بن عوف الأعرجي، ومهاجر مولى أم سلمة وأبو (السمح) - رضي الله عنهم -.
فصل في كتابه - صلى الله عليه وسلم -
ذكرهم الحافظ أبو القاسم في «تاريخ دمشق» أنهم ثلاثة وعشرون، وروى ذلك كله بأسانيده.
وهم: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي (وطلحة) والزبير، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ومعاوية بن أبي سفيان، ومحمد بن مسلمة، والأرقم بن أبي الأرقم، وأبان بن سعيد بن العاص، وأخوه خالد بن سعيد بن العاص، وثابت بن قيس، وحنظلة بن الربيع، وخالد بن الوليد، وعبد الله بن الأرقم، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه، والعلاء بن (عقبة)، والمغيرة بن شعبة، والسجل.
وزاد غيره: شرحبيل ابن حسنة ([102]).
قالوا: وكان أكثرهم كتابة: زيد بن ثابت، ومعاوية - رضي الله عنهم -.
فصل في رسله - صلى الله عليه وسلم -
أرسل - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي، فأخذ كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضعه على عينيه، ونزل عن سريره، فجلس على الأرض، ثم أسلم حين حضره جعفر بن أبي طالب، وحسن إسلامه([103]).
وأرسل دحية بن خليفة الكلبي بكتاب إلى هرقل عظيم الروم.
وعبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس.
وحاطب بن أبي بلتعة اللخمي إلى المقوقس ملك مصر والإسكندرية فقال خيرًا، وقارب أن يسلم، وأهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مارية القبطية وأختها شيرين ([104])، فوهبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان بن ثابت.
وأرسل عمرو بن العاص إلى ملكي عمان، فأسلما، وخليا بين عمرو وبين الصدقة، والحكم فيما بينهم، فلم يزل عندهم حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأرسل سليط بن عمرو العامري إلى اليمامة إلى هوذة بن علي الحنفي.
وأرسل شُجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني، ملك البلقاء من أرض الشام.
وأرسل المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى الحارث الحميري.
وأرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين، فصدق وأسلم.
وأرسل أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل إلى جملة اليمن (داعيين) إلى الإسلام، فأسلم عامة أهل اليمن، ملوكهم وسوقتهم([105]).
فصل في مؤذنيه - صلى الله عليه وسلم -
له - صلى الله عليه وسلم - أربعة من المؤذنين: بلال، وابن أم مكتوم بالمدينة، وأبو محذورة بمكة، وسعد القرظ بقباء، وسيأتي بيان أحوالهم في تراجمهم – إن شاء الله تعالى ([106]).
فصل عمره وحجته وغزواته وسراياه - صلى الله عليه وسلم -
ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع عمر بعد الهجرة ([107]) ولم يحج إلا حجة (واحدة: حجة) الوداع، التي ودع الناس فيها سنة عشر من الهجرة ([108]).
وغزا بنفسه - صلى الله عليه وسلم - خمسًا وعشرين غزوة، هذا هو المشهور، وهو قول موسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق، وأبي معشر، وغيرهم من أئمة السِّير والمغازي، وقيل: سبعًا وعشرين.
ونقل أبو عبد الله محمد بن سعد في «الطبقات» الاتفاق على أن غزواته - صلى الله عليه وسلم -، بنفسه سبع وعشرون غزوة ([109])، وسراياه ست وخمسون (وعددها) واحدة واحدة مرتبة على حسب وقوعها.
قالوا: ولم يقاتل ([110]) إلا في تسع: بدر، وأحد، والخندق، وبني قريظة، وبني المصطلق، وخيبر، وفتح مكة، وحنين، والطائف، وهذا على قول من قال فتحت مكة عنوة ([111]).
وقيل: قاتل بوادي القرى، وفي الغابة ([112])، وبني النضير، والله أعلم.
فصل في أخلاقه - صلى الله عليه وسلم -
كان - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان أحسن الناس خَلْقًا وخُلقًا، وألينهم كفًا، وأطيبهم ريحًا، وأكملهم حجًا ([113])، وأحسنهم عشرة، (وأشجعهم)، وأعلمهم بالله، وأشدهم لله خشية، ولا يغضب لنفسه، ولا ينتقم لها، وإنما يغضب إذا انتهكت حرمات الله عز وجل فحينئذ يغضب ولا يقوم لغضبه شيء حتى ينتصر للحق، وإذا غضب أعرض وأشاح.
وكان خلقه القرآن، وكان أكثر الناس تواضعًا، يقضي حاجة أهله، ويخفض جناحه للضعفة، وما سئل شيئًا قط فقال لا، وكان احلم الناس، وكان أشد حياء من العذراء في خدرها، والقريب والبعيد والقوي والضعيف عنده في الحق سواء.
وما عاب طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه، ولا يأكل متكئًا، ولا على خوانٍ ([114]) ويأكل ما تيسر، ولا يمتنع من مباح ما، وكان يحب الحلواء والعسل، ويعجبه الدُّبَّاءُ – وهو اليقطين ([115]) وقال: «نعم الإدامُ الخلُّ»([116]). «وفضل عائشة على النساء كفضل الثَّريد على سائر الطعام»([117]). وكان أحب الشاة إليه الذراع، وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، ويعني للعدم. وكان يأتي الشهر والشهران ولا يوقد في بيت من بيوته نار.
وكان يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة ([118])، ويكافئ على الهدية، ويخصف ([119]) النعل، ويرقع الثوب، ويعود المريض، ويجيب من دعاه من غني وفقير ودني وشريف، ولا يحقر أحدًا.
وكان يقعد تارة القرفصاء([120]) وتارة متربعًا، واتكأ في أوقات، وفي كثير من الأوقات أو في أكثرها محتبيًا بيديه ([121])، وكان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن، ويتنفس في الشراب بالإناء ثلاثًا خارج الإناء.
ويتكلم بجوامع الكلم، ويعيد الكلمة ثلاثًا لتفهم، وكلامه بيِّنٌ يفهمه من سمعه، ولا يتكلم من غير حاجة، ولا يقعد ولا يقوم إلا على ذكر الله تعالى، وركب الفرس والبعير والحمار والبغلة، وأردف معاذًا خلفه على ناقة وعلى حمار، ولا يدع أحدًا يمشي خلفه. وعصب ([122]) على بطنه الحجر من الجوع، وكان يبيت هو وأهله الليالي طاوين ([123]). وفراشه من أدم ([124])، حشوه من ليف، وكان متقللا من أمتعة الدنيا كلها، وقد أعطاه الله – تعالى مفاتيح خزائن الأرض كلها فأبى أن يأخذها واختار الآخرة عليها.
وكان كثير الذكر، دائم الفكر، جل ضحكه التبسم، وضحك في أوقات حتى بدت نواجذه، وهي الأنياب، ويحب الطيب، ويكره الريح الكريهة، ويمزح ولا يقول إلا حقًا ويقبل عذر المعتذر إليه، وكان كما وصفه الله تعالى: }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{ [سورة التوبة الآية: 128]. وقال تعالى: }وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ{ [جزء من الآية 103 سورة التوبة].
وكانت معاتبته تعريضًا: «ما بال أناس يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله تعالى»([125])، ونحو ذلك، ويأمر بالرفق، ويحث عليه، وينهى عن العنف، ويحث على العفو والصفح، ومكارم الأخلاق، ويحب التايمن في طهوره وتنعله وترجله وفي شأنه كله. وكانت يده اليسرى لخلائه، وما كان من أذى، وإذا نام أو اضطجع؛ اضطجع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة.
وكان مجلسه مجلس حلم وحياء، وأمانة وصيانة، وصبر وسكينة. ولا ترفع فيه الأصوات، ولا (تؤبن) فيه الحرم أي: لا تذكر فيه النساء ([126])، (يتفاضلون) فيه بالتقوى، ويتواضعون ويوقر الكبار، ويرحم الصغار، ويؤثرون المحتاج، ويحفظون الغريب، ويخرجون أدلة على الخير.
وكان يتألف أصحابه، ويكرم كريم كل قوم، ويوليه أمرهم، ويتفقد أصحابه، ولم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، ولا يجزي بالسيئة السيئة، بل يعفو ويصفح، ولم يضرب خادمًا ولا امرأة، ولا شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله تعالى، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا.
ودلائل كل ما ذكرته في الصحيح مشهورة، فقد جمع الله سبحانه وتعالى له - صلى الله عليه وسلم - كمال الأخلاق ومحاسن الشيم. وآتاه علم الأولين والآخرين ([127]). وما فيه النجاة والفوز، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولا معلم له من البشر، وآتاه (الله) ما لم يؤت أحدًا من العالمين، واختاره على جميع الأولين والآخرين. صلوات الله وسلامه [عليه] دائمين إلى يوم الدين.
ثبت في الصحيح ([128]) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «ما مسست ديباجًا ولا حريرًا ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله، ولقد خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا».
فصل في معجزات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ([129])
لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - معجزات ظاهرات، وأعلام متظاهرات، تبلغ ألوفًا وهي مشهورات.
فمنها: القرآن، المعجزة الظاهرة، والدلالة الباهرة، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، الذي أعجز البلغاء في أفصح الأعصار، وأعياهم أن يأتوا بسورة (مثله)، ولو استعانوا بجميع الخلق. قال الله تعالى: }قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا{ [سورة الإسراء الآية: 88]. فتحداهم بذلك مع (تكاثرهم) وفصاحتهم وشدة عداوتهم وإلى يومنا هذا.
وأما المعجزات غيره فلا يمكن حصرها أبدًا، لأنها كثيرة جدًا ومتجددة متزايدة، ولكن أذكر منها أمثلة: وذلك كانشقاق القمر ونبع الماء من بين أصابعه، وتكثير الماء والطعام، وتسبيح الطعام، وحنين الجذع. وتسليم الحجر، وتكليم الذراع المسمومة، ومشي الشجرة إليه، واجتماع الشجرتين المتباعدتين ورجوعهما إلى مكانيهما، ودرور الشاة الحائل ([130])، وردُّه عين قتادة بن النعمان بعد أن ندرت وصارت في يده إلى مكانها، فلم تكن تعرف بعد ذلك، وتفله في عين علي وكان أرمد – فبرئ من ساعته، ومسحه رجل عبد الله بن عتيك فبرأت في الحال.
وإخباره بمصارع المشركين يوم بدر: «هذا مصرع فلان» فلم يعدو مصارعهم، وإخبراه بقتله أبي بن خلف، وإخباره بأن طائفة من أمته يغزون البحر، وأن أم حرام منهم، فكان كذلك، وبأنه يفتح على أمته ما زوي له من مشارق الأرض ومغاربها، وبأن كنوز كسرى تنفقها أمته في سبيل الله عز وجل وبأنه يخاف على أمته ما يفتح عليهم من زهرة الدنيا، وبأن خزائن فارس والروم تفتح لنا، وبأن سراقة بن مالك يسور بسواري كسرى.
وبأن الحسن بن علي يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، وبأن سعد بن أبي وقاص يعيش حتى ينتفع به أقوام ويضر به آخرون، وبأن النجاشي مات يومكم هذا وهو بالحبشة، وبأن الأسود العنسي قتل ليلتكم هذه وهو باليمن، وبأن المسلمين يقاتلون الترك: صغار الأعين، عراض الوجوه، ذلف الأنوف، وبأن اليمن تفتح عليكم والشام والعراق.
وبأن المسلمين يجندون ثلاثة أجناد: جندًا بالشام، وجندًا باليمن، وجندًا بالعراق، وبأنهم يفتحون مصر: أرضًا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرًا فإن لهم ذمة ورحما، وبأن أويسًا القرني يقدم عليكم في أمداد أهل اليمن، كان به برص فبرأ منه إلا قدر درهم، فقدم كذلك على عمر.
وبأن طائفة من أمته على الحق، وبأن الناس يكثرون، وبأن الأنصار يقلون، وبأن الأنصار يلقون بعده أثرةً، وبأن الناس لا يزالون يسألون حتى يقولوا هذا: «خلق الله الخَلْق...»([131]) الحديث، وبأن رويفع بن ثابت تطول به الحياة، وبأن عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية، وبأن هذه الأمة ستفترق، وبأنه سيكون بينهم قتال.
وبأنه ستخرج نار من أرض الحجاز، وأشباه هذا، فوقعت كلها كما (أخبر) - صلى الله عليه وسلم -، واضحة جلية، وقال لثابت بن قيس: «تعيش حميدًا.. وتقتل شهيدًا». فعاش حميدًا، واستشهد باليمامة، وقال لعثمان: «تصيبه بلوى شديدة»([132])، وقال في رجل من المسلمين يقاتل قتالاً شديدًا: «وإنه من أهل النار» فقتل نفسه، وجاءه وابصة بن معبد يسأله عن البر والإثم، فقال: «جئت تسأل عن البر والإثم؟». وقال لعلي والزبير والمقداد: «اذهبوا إلى روضة خاخ، (فإن بها) ظعينة ([133]) معها كتاب»، فوجدوها، فأنكرته، ثم أخرجته من عقاصها.
وقال لأبي هريرة حين سرق الشيطان التمر: «إنه سيعود» فعاد. وقال لأزواجه: «أطْوَلُكُنَّ يدًا أسْرَعُكُنَّ لحاقًا بي»([134]). فكان كذلك، وقال لعبد الله بن سلام: «أنت على الإسلام حتى تموت»، ودعا - صلى الله عليه وسلم - لأنس بأن يكثر ماله وولده ويطول عمره فكان كذلك؛ عاش فوق مائة سنة، ولم يكن أحد من الأنصار أكثر مالاً منه، ودفن من أولاده الذكور لصلبه مائة وعشرين ابنًا قبل قدوم الحجاج، سوى غيرهم وهذا مصرح به في صحيح البخاري ([135]) وغيره.
ودعا - صلى الله عليه وسلم - أن يعز الله الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل، فأعزه الله بعمر - رضي الله عنه - ودعا على سراقة بن مالك؛ فارتطمت به فرسه في جلد من الأرض وساخت قوائمها فيها، فناداه بالأمان وسأله الدعاء له، ودعا لعلي أن يذهب الله عنه الحر والبرد، فلم يكن يجد حرًا ولا بردًا. ودعا لحذيفة ليلة بعثه يأتي بخبر الأحزاب ألا يجد بردًا، فلم يجده حتى رجع، ودعا لابن عباس أن يفقهه الله في الدين، فكان كذلك، ودعا على عتبة ([136]) بن أبي لهب أن يسلط الله عليه كلبًا من كلابه فقتله الأسد بالزرقاء.
ودعا بنزول المطر حين سألوه ذلك (لقحط) المطر، ولم يكن في السماء قزعة، فثار سحاب أمثال الجبال، ومطروا إلى الجمعة الأخرى حتى (سألوه برفعه)، فدعا فارتفع وخرجوا يمشون في الشمس، ودعا لأبي طلحة وامرأته أم سليم أن يبارك الله لهما في ليلتهما، فكان كذلك، فحملت فولدت عبد الله، فكان من أولاده تسعة كلهم علماء، ودعا لأم أبي هريرة - رضي الله عنه - بالهداية فذهب أبو هريرة فوجدها تغتسل وقد أسلمت، ودعا لأم قيس بنت محصن أخت عكاشة بطول العمر. فلم نعلم امرأة عمرت ما عمرت – رواه النسائي في باب غسل الميت ([137]).
ورمى الكفار يوم حنين بقبضة من تراب، وقال: «شاهت الوجوه». فهزمهم الله تعالى وامتلأت أعينهم ترابًا، وخرج على مائة من قريش ينتظرونه ليفعلوا به مكروهًا. فوضع التراب على رءوسهم ومضى ولم يروه.
فصل في أفراسه ودوابه وسلاحه - صلى الله عليه وسلم -
كان (لرسول الله) - صلى الله عليه وسلم - أفراس:
فأول فرس ملكه: السَّكْب ([138]) – بفتح السين المهملة وإسكان الكاف و (بالموحدة) – وكان أَغَرَّ مُحَجَّلاً. طلق (اليمين). وهو أول فرس غزا عليه.
وفرس آخر يقال له: (سبحة)، وهو الذي سابق عليه فسبق.
وفرس آخر يقال له: المرتجز، وهو الذي اشتراه من الأعرابي الذي شهد له به خزيمة بن ثابت.
وقال سهل بن سعد: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أفراس: لزاز – بكسر اللام وبزاءين – والظَّرِب – بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء، واللُّحَيف – بضم اللام وفتح الحاء المهملة: وقيل بالمعجمة، وقيل: النحيف – بالنون.
فأما لزاز فأهداه له المقوقس، واللحيف أهداه له ربيعة بن أبي البراء، فأثابه عليه فرائض، والظَّرِب أهداه له فروة بن عمرو الجذامي.
وكان له فرس يقال له: الورد، أهداه له تميم الداري ثم وهبه لعمر، ثم وهبه عمر لرجل، ثم وجد يباع.
وكان له - صلى الله عليه وسلم - بغلته دُلدُل – بضم الدالين المهملتين – يركبها في الأسفار، وعاشت بعده - صلى الله عليه وسلم -، حتى كبرت وذهبت أسنانها، وكان يجش([139]) لها الشعير، وماتت بينبع ([140]). ورُوِّينا في تاريخ دمشق من طرق أنها بقيت حتى قاتل عليها علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في خلافته الخوارج.
وكان له - صلى الله عليه وسلم - ناقته العضباء، ويقال لها أيضًا: الجدعاء. والقصواء، هكذا روينا عن محمد بن إبراهيم التيمي أن هذه الأسماء الثلاثة لناقة واحدة ([141])، وكذا قاله غيره، وقيل: هن ثلاث.
وكان له حمار يقال له: عفير – بضم العين المهملة. وفتح الفاء – وذكره القاضي عياض بالغين المعجمة، واتفقوا على تغليطه في ذلك. مات عفير في حجة الوداع.
وكان له في وقت عشرون لِقْحَة ([142]) ومائة شاة. وثلاثة أرماح وثلاثة أقواس. وستة أسياف، منها: ذو الفقار. تنفلَّهُ يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد ([143])، ودرعان وترس، وخاتم، وقدح غليظ من خشب، وراية سوداء مربعة من نمرة، ولواء أبيض، وروي: أسود.
* * * *
واعلم أنَّ أحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيره، وما أكْرَمَه الله تعالى به، وما أفاضه على العالمين من آثاره - صلى الله عليه وسلم - غير (منحصرة)، ولا يمكن استقصاؤها، لا سيما في هذا الكتاب الموضوع للإشارة إلى نبذ من عيون الأسماء وما يتعلق بها، وفيما ذكرته تنبيه على ما تركته؛ ولأن مقصودي تشريف الكتاب بتصدير بعض أحوال رسول الله في أوله.
وقد حصل ذلك ولله الحمد؛ وكيف لا يشرف كتاب صدِّر بأحوال الرسول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، والحبيب المجتبى، خيرة العالم، وخاتم النبيين، إمام المتقين، وسيد المرسلين، هادي الأمة، ونبي الرحمة، - صلى الله عليه وسلم - وزاده فضلاً وشرفًا لديه، والحمد لله رب العالمين.
فصل في خصائص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحكام وغيرها ([144])
وهذا فَصْلٌ نفيس، وعادةُ أصحابنا([145]) يذكرونه في أول كتاب النكاح، لأن خصائصه - صلى الله عليه وسلم - في النكاح أكثر من غيرها، وقد جمعتها في الروضة([146]) (مستقصاة) ولله الحمد، وهذا الكتاب لا يحتمل بسطها فأشير فيه إلى مقاصدها مختصرة – إن شاء الله تعالى -.
قال أصحابنا: خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أربعة أضرب:
الضرب الأول: ما اختص به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الواجبات قالوا: والحكمة فيه زيادة الزلفى، والدرجات العلى، فلن يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترض عليهم، كما صرح به الحديث الصحيح ([147]).
ونقل إمام الحرمين عن بعض أصحابنا أن ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل سبعين درجة، واستأنسوا فيه بحديث.
فمن هذا الضرب: صلاة الضحى، ومنه: الأضحية، والوتر والتهجد، والسواك، والمشاورة.
والصحيح عند أصحابنا أنها واجبات عليه. وقيل (سنن)، والأصح عند أصحابنا أن الوتر غير التهجد، والصحيح أن التهجد نسخ وجوبه في حقه - صلى الله عليه وسلم - كما نسخ في حق الأمة، وهذا هو المنصوص للشافعي رحمه الله قال الله تعالى: }وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ{ [جزء من الآية 79، سورة الإسراء]. وفي صحيح مسلم عن عائشة ما يدل عليه ([148]).
ومنه وجوب مصابرته على العدو وإن كثروا وزادوا على الضعف، ومنه قضاء دين من مات عليه دين لم يخلف وفاء، وقيل: كان يقضيه تكرمًا لا وجوبًا، والأصح عند أصحابنا أنه كان واجبًا، وقيل: كان يجب عليه - صلى الله عليه وسلم - إذا رأى شيئًا يعجبه أن يقول: «لبيك إن العيش عيش الآخرة»([149]).
ومن هذا الضرب في النكاح: أنه أوجب عليه تخيير نسائه بين مفارقته واختياره، وقال بعض أصحابنا: كان هذا التخيير مستحبًا والصحيح وجوبه، فلما خَيَّرَهُنَّ اخَتَرْنَهُ والدار الآخرة، فحَرَّم الله عليه التزوج عليهن والتبدل بهن مكافأة لهن على حسن صنيعهنَّ.
قال الله تعالى: }لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ{ [جزء من الآية 52 سورة الأحزاب]. ثم نسخ لتكون المنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بترك التزوج عليهن، فقال الله تعالى: }إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أَجُورَهُنَّ{ الآية. [جزء من الآية 50، سورة الأحزاب].
واختلف أصحابنا هل حرم طلاقهن بعد الاختيار؟ فالأصح أنه لم يحرم، وإنما حرم التبدل. وهو غير مجرد الطلاق.
الضرب الثاني: ما اختص به من المحرمات عليه ليكون الأجر في اجتنابه أكثر.
وهو قسمان:
أحدهما: في غير النكاح، فمنه الشعر والخط([150])، ومنه الزكاة، وفي صدقة التطوع قولان للشافعي، أصحهما أنها محرمة عليه. وأما الأكل متكئًا وأكل البصل والثوم والكراث فكانت مكروهة له غير محرمة في الأصح، وقال بعض أصحابنا محرمات.
وكان يحرم عليه إذا لبس لامته([151]) أن ينزعها حتى يلقي العدو ويقاتل، وقيل: كان مكروهًا، والصحيح عند أصحابنا تحريمه، وقال بعض أصحابنا تفريعًا على هذا: إنه كان إذا شرع في تطوع لزمه إتمامه، وهذا ضعيف، وكان يحرم عليه مدُّ العين إلى ما متع (الله) به الناس من زهرة الدنيا. (ويحرم) عليه خائنة الأعين، وهي الإيماء برأس أو يد أو غيرهما إلى مباح من قتل أو ضرب أو نحوهما، على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال.
وكان لا يصلي أولاً على من مات وعليه دين لا وفاء له، ويأذن لأصحابه في الصلاة عليه، واختلف أصحابنا هل كان يَحْرُمُ عليه الصلاة أم لا؟ ثم نسخ ذلك؟ وكان يصلي عليه ويوفي دينه من عنده.
القسم الثاني: في النكاح فمنه إمساك من كرهت نكاحه، والصحيح عند أصحابنا تحريمه، وقال بعضهم: (يفارقها تكرمًا)، ومنه نكاح الكتابية([152]) والأصح عند أصحابنا أنه كان محرمًا عليه، وبه قال ابن سريج وأبو سعيد الإصطخري، والقاضي أبو حامد المروروذي. وقال أبو إسحاق المروزي: ليس بحرام، ويجري الوجهان في التسري بالأمة الكتابية ونكاح الأمة المسلمة، لكن الأصح في التسري بالكتابية الحل، وفي نكاح الأمة المسلمة التحريم! وأما الأمة الكتابية فقطع الجمهور بأن نكاحها كان محرمًا عليه، وطرد الحناطي الوجهين، وفرع الأصحاب هنا تفريعات لا أراها لائقةً بهذا الكتاب.
الضرب الثالث: التخفيفات والمباحات وما أبيح له - صلى الله عليه وسلم - دون غيره نوعان:
أحدهما: لا يتعلق بالنكاح، فمنه الوصال في الصوم، واصطفاء ما يختاره من الغنيمة قبل القسمة من جارية وغيرها، ويقال لذلك المختار الصفي، والصفية، وجمعها صفايا، ومنه خمس (خمس الفيء) والغنيمة، وأربعة أخماس الفيء، ودخول مكة بلا إحرام، وإباحة القتال فيها ساعة دخلها يوم الفتح، وله أن يقضي بعلمه، وفي غيره خلاف، ويحكم لنفسه وولده، ويشهد لنفسه وولده. ويقبل شهادة من يشهد له، ويحيى الموات لنفسه ([153])، ولا ينتقض وضوؤه بالنوم مضطجعًا. وذكر بعض أصحابنا في انتقاض وضوئه بلمس المرأة وجهين (الأصح) المشهور الانتقاض([154]).
وفي إباحة مكثه في المسجد مع الجنابة وجهان لأصحابنا، قال أبو العباس بن القاس في التلخيص: يباح، وقال القفال وغيره: لا يباح، وغلط إمام الحرمين وغيره صاحب التلخيص في الإباحة.
وقد يحتج للإباحة بحديث عطية عن أبي سعيد، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك». قال الترمذي: (هذا) حديث حسن، وقد يعترض على هذا الحديث بأن عطية ضعيف عند الجمهور، ويجاب بأن الترمذي حكم بأنه حسن فلعله اعتضد بما اقتضى حسنه ([155]).
وأبيح له أخذ الطعام والشراب من (مالكهما) المحتاج إليهما إذا احتاج هو - صلى الله عليه وسلم - إليهما، ويجب على صاحبهما البذل له - صلى الله عليه وسلم - وصيانة مهجته - صلى الله عليه وسلم - (بمهجته) قال الله تعالى: }النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ{ [جزء من الآية 6 سورة الأحزاب]. واعلم أن معظم هذه المباحات لم يفعلها - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت مباحة له. والله أعلم.
النوع الثاني:
متعلق بالنكاح، فمنه إباحة تسع نسوة، والصحيح جواز الزيادة له - صلى الله عليه وسلم - ومنه انعقاد نكاحه بلفظ الهبة على الأصح، والأصح انحصار طلاقه في الثلاث، وقيل: لا ينحصر، وإذا عقد نكاحه بلفظ الهبة لا يجب مهر بالعقد ولا بالدخول بخلاف غيره
ومنه انعقاد نكاحه بلا ولي ولا شهود، وفي حال الإحرام ([156]) على الصحيح في الجميع، وإذا رغب في نكاح امرأة خلية ([157]) لزمها الإجابة على الصحيح، ويحرم على غيره خطبتها، وفي وجوب القسم بين أزواجه وإمائه وجهان: قال الإصطخري: لا يجب، فيكون من الخصائص، وقال آخرون: يجب فليس منها.
وبنى الأصحاب أكثر هذه المسائل ونظائرها على أصل عندهم وهو أن نكاحه - صلى الله عليه وسلم - هل هو كالنكاح في حقنا أم كالتسري؟([158]).
وأعتق صفية وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، فقيل: أعتقها وشرط أن ينكحها، فلزمه الوفاء، بخلاف غيره، وقيل جعل نفس العتق صداقًا، وصح ذلك بخلاف غيره، وقيل: أعتقها بلا عوض وتزوجها بلا مهر لا في الحال ولا فيما بعد، وهذا أصح، وذكر الأصحاب في هذا النوع أشياء كثيرة جدًا حذفتها.
الضرب الرابع:
ما اختص به - صلى الله عليه وسلم - من الفضائل والإكرام: فمنه أن أزواجه اللاتي توفي عنهن محرمات على غيره أبدًا، وفيمن فارقها في الحياة أوجه، أصحها تحريمها، وهو نص الشافعي رحمه الله في أحكام القرآن، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة: لقول الله تعالى: }وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ{. [جزء من الآية 6 سورة الأحزاب]. والثاني: تحل، والثالث: تحرم التي دخل بها فقط، فإذا قلنا بالتحريم؛ ففي أمة يفارقها بوفاة أو غيرها بعد الدخول وجهان.
ومنه أن أزواجه أمهات المؤمنين، سواء من توفيت تحته ومن توفي عنها، وذلك في تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن وطاعتهن وتحريم عقوقهن، لا في النظر والخلوة وتحريم بناتهن وأخواتهن؛ فلا يقال: بناتهن أخوات المؤمنين، ولا آباؤهن وأمهاتهن أجداد وجدات المؤمنين، ولا يقال: إخوتهن وأخواتهن أخوال وخالات المؤمنين، وقال بعض أصحابنا: يطلق اسم الإخوة على بناتهن، واسم الخؤولة على إخوتهن وأخواتهن، وهذا ظاهر نص الشافعي رحمه الله في مختصر المزني.
وهل كن أمهات (المؤمنين) والمؤمنات؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما: لا، بل هن أمهات المؤمنين دون المؤمنات، وهو المنقول عن عائشة رضي الله عنها، بناءً على المذهب المختار لأهل الأصول: أن النساء لا يدخلن في ضمير الرجال ([159]).
وقال البغوي من أصحابنا: ويقال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أبو المؤمنين والمؤمنات، ونقل الواحدي عن بعض أصحابنا أنه لا يقال ذلك؛ لقول الله تعالى: }مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ{ [سورة الأحزاب، جزء من الآية: 40]. قال: ونص الشافعي رحمه الله على جوازه، أي: أبوهم في الحرمة، قال: ومعنى الآية: ليس أحد من رجالكم ولد صلبه، وفي الحديث الصحيح في سنن أبي داود ([160]) وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما أنا لكم مثل الوالد». قيل: في الشفقة. وقيل: في ألا يستحيوا من سؤالي عما يحتاجون إليه من (أمور) العورات وغيرها، وقيل: في ذلك كله وغيره، وقد أوضحت ذلك كله في كتاب الاستطابة من شرح المهذب ([161]).
ومنه تفضيل نسائه - صلى الله عليه وسلم - على سائر النساء، وجعل ثوابهن وعقابهن ضعفين، وتحريم سؤالهن إلا من وراء حجاب، ويجوز في غيرهن مشافهة ([162]). وأفضل أزواجه خديجة وعائشة، قال أبو سعد المتولي: واختلف أصحابنا؛ أيتهما أفضل.
ومنه في غير النكاح:
أنه - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين وخير الخلائق أجمعين، وأمته أفضل الأمم، وأصحابه خير القرون، وأمته معصومة من الاجتماع على ضلالة، وشريعته مؤبدة وناسخة لجميع الشرائع، وكتابه معجز محفوظ عن التحريف والتبديل، وهو حجة على الناس بعد وفاته، ومعجزات سائر الأنبياء انقرضت ونصر بالرعب مسيرة شهر، وجعلت له الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلت له الغنائم، وأعطي الشفاعة والمقام المحمود، وأرسل إلى الناس كافة.
وهو سَيِّد ولد آدم، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول شافعٍ وأول مشفع وأول من يقرع باب الجنة، وهو أكثر الأنبياء تبعًا، وأعطي جوامع الكلم، وصفوف أمته في الصلاة كصفوف الملائكة.
وكان لا ينام قلبه، ويرى من وراء ظهره كما يرى من قدامه ([163])، ولا يحل لأحد أن يرفع صوته فوق صوته، ولا أن يناديه من وراء الحجرات، ولا أن يناديه باسمه فيقول: «يا محمد» بل يقول: «يا نبي الله، يا رسول الله»([164])، ويخاطبه المصلي بقوله: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»، ولو خاطب آدميًا غيره بطلت صلاته، ويلزم المصلي إذا دعاه أن يجبيه وهو في الصلاة، ولا تبطل صلاته.
وكان بوله ودمه يتبرك بهما ([165])، وكان شعره طاهرًا، وإن حكمنا بنجاسة شعر الأمة ([166]) واختلف أصحابنا في طهارة دمه وبوله وسائر الفضلات.
وكانت الهدية حلالاً له، بخلاف غيره من ولاة الأمور؛ فلا تحل (لهم) هدية رعاياهم على تفصيل مشهور، ولا يجوز الجنون على الأنبياء، ويجوز عليهم الإغماء؛ لأنه مرض بخلاف الجنون، واختلفوا في جواز الاحتلام، والأشهر امتناعه.
وفاته - صلى الله عليه وسلم - ركعتان بعد الظهر فقضاهما بعد العصر، وواظب عليهما بعد العصر. وفي اختصاصه بهذه الملازمة والمداومة وجهان لأصحابنا؛ أصحهما وأشهرهما: الاختصاص ([167]).
وقال و: «تسمَّوا باسمي ولا تكنوا بكنيتي»([168]).
وفي جواز التكني بأبي القاسم خلاف أوضحته في الروضة ([169]) وفي كتاب الأذكار([170]).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ سَبَبٍ وَنَسبٍ ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي»([171]) قيل: معناه أن أمته ينسبون إليه وقيل ينتفع يومئذ بالانتساب إليه، ولا ينتفع بسائر الأنساب.
قال أصحابنا: ومن استهان أو زنى بحضرته كفر، كذا قالوه، وفي الزنى نظر، قال ابن القاصِّ والقفال المروزي: «ومن الخصائص أنه - صلى الله عليه وسلم - يؤخذ عن الدنيا عند تلقي الوحي، ولا تسقط عنه الصلاة، ولا غيرها». ومنه أن من رآه في المنام فقد رآه حقًا؛ فإن الشيطان لا يتمثل بصورته، ولكن لا يعمل بما يسمعه الرائي منه في المنام مما يتعلق بالأحكام إن خالف ما استقر في الشرع، لعدم ضبط الرائي لا للشك في الرؤية، لأن الخبر لا يقبل إلا من ضابط مكلف والنائم بخلافه.
ومنها أن ألأرض لا تأكل لحوم الأنبياء للحديث المشهور ([172])، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن كذبًا علي ليس ككذب على أحد»([173]). قال أصحابنا وغيرهم: فتعمد الكذب عليه من الكبائر؛ فإن استحله المتعمد كفر، وإلا فهو كسائر الكبائر لا يكفر بها. وقال الشيخ أبو محمد الجويني، والد إمام الحرمين يكفر بذلك. والصواب الأول. وبه قال الجمهور. والله أعلم.
واعلم أن هذا الضرب لا ينحصر، ولكن نبهنا بما ذكرناه على ما سواه.
ولنختم الفصل بكلامين:
أحدهما: قال إمام الحرمين: قال المحققون: ذكر الخلاف في مسائل الخصائص خبط لا فائدة فيه، فإنه لا يتعلق به حكم ناجز تمس الحاجة إليه، وإنما يجري الخلاف فيما لا نجد بدًا من إثبات حكم فيه، فإن الأقيسة لا مجال لها، والأحكام الخاصة يتبع فيها النصوص، وما لا نص فيه فالخلاف فيه هجوم على الغيب من غير فائدة.
الكلام الثاني: قال الصيمري: منع أبو علي بن خيران الكلام في الخصائص لأنه أمر انقضى، قال: وقال سائر أصحابنا: لا بأس به، وهو الصحيح، لما فيه من زيادة العلم.
هذا كلام الأصحاب، والصواب الجزم بجواز ذلك، بل باستحبابه، ولو قيل بوجوبه لم يكن بعيدًا، إن لم يمنع منه إجماع، لأنه ربما رأى جاهل بعض الخصائص ثابتًا في الصحيح، فعمل به أخذًا بأصل التأسي، فوجب بيانها لتعرف، ولا يشاركه فيها، وأيُّ فائدة أعظم من هذه؟
وأما ما يقع في أثناء الخصائص مما لا فائدة فيه اليوم فقليل جدًا لا تخلو أبواب الفقه عن مثله للتدرب ومعرفة الأدلة وتحقيق الشيء على ما هو عليه، كما يقولون في الفرائض، ترك مائة جده ونحو ذلك. وبالله التوفيق.
فهذا آخر ما انتخبته من نبذ العيون المتعلقة بترجمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبيب رب العالمين([174]). وخير الأولين والآخرين، صلوات الله عليه وسلامه، وعلى سائر النبيين. وآل كل وسائر الصالحين، وحسبي الله ونعم الوكيل.
قال أبو عبد الرحمن: وكان الفراغ من تدقيق نصوصه وتخريج أحاديثه وضبط متنه والتعليق عليه قدر الوسع والاستطاعة صبيحة يوم الأربعاء 7/2/1413هـ
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
([1]) وقد أجريت هذه التعديلات.
([2]) بعد أن أعددت الكتاب للطبع وقفت على طبعة أخرى لهذا الكتاب «السيرة النبوية» للنووي، صدرت عن دار البصائر في دمشق عام 1400هـ. بتحقيق: عبد الرءوف علي وبسام عبد الوهاب الجابي، وذكرا أنهما قد اعتمدا في طبعتهما تلك على كتاب: «تهذيب الأسماء واللغات» والذي طبع مرتين، الأولى: طبعة المستشرق الألماني فردينند وستنفلد، في غوتنجن ما بين عامي 1842، 1847، والثانية في مصر في المطبعة المنبرية، إضافة إلى مخطوطتين في المكتبة الظاهرية بدمشق، وقد قام المحققان بجهد كبير يظهر في ضبطهما لمتن الكتاب وتصحيحه، فاستفدت من عملهما ذلك، حيث قمت بمقابلة النسختين فوجدت التطابق بينهما متحققًا في الجملة، فلله الحمد والشكر، وأجزل للمحققين الأجر، ولا يفوتني أن أشكر كُلَّ من أسدى لي نصحًا أو توجيهًا من إخوتي الأحبة الكرام، كما أشكر فضيلة شيخنا د. صالح السدلان على تفضله بالمراجعة والتوجيه، شكر الله للجميع عملهم ووفقني وإياهم لما فيه الخير. كما أسأله سبحانه أن يجمعنا بحبيبنا محمد ﷺ في جنات النعيم، آمين.
([3]) وهذا ما اكتفى بذكره البخاري في صحيحه: انظر: «الصحيح مع الفتح» 7/162. وانظر: «زاد المعاد» 1/71 للعلامة ابن القيم. وكذا بحث الحافظ ابن حجر في هذا الموضوع في «فتح الباري» 6/538-539.
([4]) قال الحافظ الذهبي، في تاريخ الإسلام (ص33): وقد تواتر أن كنيته أبو القاسم.
([5]) انظر: تهذيب تاريخ دمشق، لابن عساكر، 1/278، وقال: رواه الدارمي، والبيهقي، عن أنس t لكن في إسناده ابن لهيعة، قال الذهبي. فيه: ضعف. «تاريخ الإسلام» (ص34). قلت: وهو عند الحاكم 2/604 وفيه ابن لهيعة أيضًا.
([6]) قال القسطلاني في المواهب اللدنية 2/11: «وكثرة الأسماء تدلُّ على شرف المسمى».
([7]) (ص12) وانظر: تهذيبه 1/274.
([8]) بعض المذكورات أسماء، وبعضها صفات، وكلها ثابتة بأحاديث صحيحة أو حسنة، غير الفاتح، وطه، ويس، فإنه لم يثبت أنها من أسماء النبي ﷺ؛ أما الفاتح: فقد قال الذهبي في «السيرة» من تاريخ الإسلام (ص33) أنه يروى بإسناد واهٍ عن أبي الطفيل، وأمّا (طه): فذلك يروى عن ابن عباس، وقد نقله عنه الكلبي وهو متروك، والثابت عن ابن عباس أن معنى (طه): يا رجل، بالنبطية، واختار هذا القول إمام المفسرين: ابن جرير يرحمه الله كما في تفسيره 16/136، أما (يس) وكذلك (طه): فلم يصح أنهما من أسماء النبي ﷺ، وإنما هما اسما سورتين من القرآن، وهما مثل (ص)، (ن)، ونحوهما.
([9]) انظر: «دلائل النبوة» 1/160.
([10]) رواه ابن عدي، كما في «تهذيب تاريخ دمشق» 1/275، ورواه ابن عساكر أيضًا في «تاريخ دمشق» (ص24) وفي سنده إسحاق بن بشر، وهو كذاب متروك. راجع ميزان الاعتدال، للذهبي 1/184. وعليه فلا يعتمد على هذا الحديث في إثبات اسم أحيد، أما الاسمان الأولان: محمد وأحمد فهما ثابتان بنص القرآن.
([11]) 10/280-287.
([12]) أما حصرهم أسماء الله عز وجل بأن عددها ألف فهذا ينقضه الحديث الصحيح: «أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك...» الحديث رواه الإمام أحمد 1/391، 452، وابن حبان (2372)، والحاكم 1/509. فدل الحديث أن لله أسماء استأثر بعلمها سبحانه أما قولهم أن للنبي ﷺ ألف اسم، فالجواب أن له ﷺ كل اسم جميل وكل صفة كريمة غير أن ما قاله الصوفية لا دليل عليه وهذا من تخرصاتهم وخبطهم وغلوهم في النبي ﷺ ورفعه فوق منزلته وقد حذر النبي ﷺ من ذلك أشد التحذير.
([13]) (ص53)، قال الحافظ الذهبي: «لا أبعد أن الغلط وقع من هنا على من قال ثلاثين عامًا أو أربعين عامًا، فكأنه أراد أن يقول: يومًا، فقال: عامًا». «السيرة» (ص27).
([14]) روى مسلم في «صحيحه»: 2/820، أن رسول الله ﷺ سئل عن صوم يوم الاثنين؟، فقال: «فيه ولدت، وفيه أنزل علي».
([15]) والخلاف في هذا كبير، ولا يمكن القطع والجزم فيه إذ لكل قول ناصروه من العلماء، ومما يحسن التنبيه عليه هنا: خطأ بعض المسلمين في إقامتهم احتفالات لمولده ﷺ كل عام في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، وهذه بدعة منكرة، فمن حيث التحديد باليوم الثاني شعر هذا قول وليس بالأصح ثم لو صح فهو منكر حيث لم يفعل ذلك، النبي ﷺ في حياته ولم يفعلها الصحابة من بعد موته ولا التابعون لهم بإحسان، وانظر: ما كتبه سماحة شيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حول هذا الموضوع، في رسالة بعنوان: التحذير من البدع.
([16]) ذهب بعض أهل العلم إلى أنه ﷺ توفي بعد زوال شمس ذلك اليوم، وذلك تمسكًا بظاهر حديث أنس بن مالك عند البخاري (4448)، وفيه: «توفي ﷺ من آخر ذلك اليوم»، وهذا خلاف المشهور وهو أنه في الضحى، وجمع الحافظ ابن حجر بين ذلك بأنه ﷺ توفي عند الزوال حيث إن هذا الوقت هو غاية اشتداد الضحى، كما أنه بداية آخر اليوم، بمعنى أنه ابتداء الدخول في أول النصف الثاني من النهار. (فتح الباري 8/143، 144).
([17]) اتفق العلماء على أن النبي ﷺ قد توفي في سنة إحدى عشرة للهجرة، واتفقوا على تحديد الشهر وأنها شهر ربيع الأول من ذلك العام، واتفقوا على أنه في يوم الاثنين، ويكاد يكون ذلك إجماعًا منهم، غير أنهم اختلفوا في تاريخ ذلك اليوم، فقال بعضهم: في أول يوم من الشهر، وقال آخرون: في اليوم الثاني منه، وقال بعضهم: في اليوم الثامن، وقال آخرون: في اليوم الثاني عشر، وقال آخرون: في اليوم الثالث عشر، وغير ذلك والخلاف في ذلك كبير، وأقوى ما وقفت عليه ثلاثة أقوال:
1- اليوم الثاني وهذا ما اعتمده الحافظ ابن حجر وآخرون.
2- اليوم الثاني عشر وهذا قول الجمهور.
3- اليوم الثالث عشر وهذا ما أثبته بعض العلماء وقد أشار إليه غير واحد من أهل العلم. وانظر: فتح الباري 8/129، 130، البداية والنهاية 5/275-277، السيرة للذهبي (568)، طبقات ابن سعد 2/272-274، تاريخ الطبري 3/232، عيون الآثار لابن سيد الناس 2/432، لطائف المعارف (ص113).
([18]) أي أن الهجرة هي مبتدأ التاريخ الإسلامي، قال الحافظ ابن حجر: وقد أبدى بعضهم للبداء بالهجرة مناسبة، فقال: كانت القضايا التي اتفقت له ويمكن أن يؤرخ بها أربعة:
مولده، ومبعثه، وهجرته، ووفاته، فرجح عندهم جعلها من الهجرة، لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة، وأما وقت الوفاة، فأعرضوا عنه، لما يتوقع بذكره من الأسف عليه، فانحصر في الهجرة، وإنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة، وهي مقدمة للهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم، فناسب أن يجعل مبتدأ، وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم.
والمشهور أن أول من ابتدأ بالتاريخ عمر بن الخطاب t وقيل: يعلى بن أمية باليمن. انظر: «صحيح البخاري» بشرحه «فتح الباري» 7/267-269، و «زاد المعاد» 3/316.
([19]) معنى زالت الشمس: أي مالت عن وسط السماء إلى الغرب. وهو وقت الظهر.
([20]) قال الحافظ ابن كثير: والصحيح أنه مكث بقية يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء بكماله، ودفن ليلة الأربعاء..، وقال أيضًا: أن دفنه ﷺ، ليلة الأربعاء هو القول الذي نص عليه غير واحد من الأئمة سلفًا وخلفًا... (انظر: البداية والنهاية 5/291، 292). وبهذا جزم خليفة بن خياط كما في تاريخه: (ص94).
([21]) راجع – إن شئت - «صحيح البخاري»: (3536)، (4466)، و «صحيح مسلم»: (2347)، (2348)، (2349).
([22]) صحيح مسلم (2348).
([23]) صحيح مسلم (2348).
([24]) انظر: تاريخ الإسلام للذهبي: عهد الخلفاء الراشدين (ص652).
([25]) انظر: سير أعلام النبلاء: 2/193.
([26]) هذا مروي عن ابن عباس. انظر: المسند 1/277. ودلائل النبوة للبيهقي 7/233.
([27]) الختان: معروف، وقوله مسرورًا: أي قد قطعت سرته، وهي حبل المشيمة، وما أورده المؤلف رحمه الله أنه ﷺ ولد مختونًا مسرورًا، روي فيه حديث لا يصح، أورده ابن الجوزي في «الموضوعات»، وهذا ليس من خواصه ﷺ، فإن كثيرًا من الناس يولد مختونًا، كذا قال الإمام ابن القيم، وذكر قولاً ثالثًا في ختانه ﷺ، وهو أنه ﷺ ختن يوم شق قلبه الملائكة عند مرضعته حليمة، وقولاً ثالثًا: وهو أنه جده عبد المطلب ختنه يوم سابعه، وصنع له مأدبة وسماه محمدًا، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومال إلى القول الثالث الحافظ الذهبي، كما في السيرة النبوية، من تاريخ الإسلام (ص27)، وانظر الطبقات الكبرى: 1/103، السيرة لابن كثير: 1/210، زاد المعاد لابن القيم: 1/81، وتحفة المودود له أيضًا: (ص121-125).
([28]) المراد بالأثواب هنا: قطع القماش.
([29]) انظر: صحيح البخاري: (1264)، (1271)، (1272)، (1273)، (1387)، وصحيح مسلم (941).
([30]) قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: 5/286: أن صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه أمر مجمع عليه، لا خلاف فيه، وقد اختلف في تعليله...»، قال الشافعي: إنما صلوا عليه مرة بعد مرة أفذاذ لعظم قدره، ولمنافستهم أن يؤمهم عليه أحد» انظر: الأم: 1/244.
([31]) نقل الحافظ ابن حجر في «الإصابة»: 1/135: في ترجمة أوس t عن ابن إسحاق أنه ذكره ضمن من نزلوا في قبره ﷺ، وأن الطبراني رواه من الطريق نفسه وفيه ضعف.
([32]) اللحد: هو الشق في عرض القبر، ومما يدل على أنه قد ألحد له ﷺ ونصب اللبن عليه: قول سعد بن أبي وقاص t «ألحدوا لي لحدًا، وانصبوا علي اللبن نصبًا، كما صنع برسول الله ﷺ». رواه مسلم (966).
([33]) الصحيح أن قبره ﷺ قد جعل مسنمًا، ويدل لذلك ما رواه البخاري (1390) عن سفيان التمار أنه رأى قبر النبي ﷺ مسنمًا، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما «أن النبي ﷺ ألحد، ونصب عليه اللبن نصبًا، ورفع قبره من الأرض نحوًا من شبر». رواه ابن حبان في «صحيحه»: 14/602، قال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرك مسلم.
فائدة: ينبغي عدم الزيادة في رفع القبر عن الأرض بنحو شبر، وتحرم المبالغة في رفعه، أو البناء عليه، أو اتخاذ السرج على القبور، أو أن تتخذ القبور مساجد، لقول النبي ﷺ: «لا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبرًا مشرقًا إلى سويته». رواه مسلم (666)، وكان من آخر كلامه ﷺ، قبل وفاته: «لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد». يحذِّر ما صنعوا، متفق عليه البخاري (4443)، مسلم (529). ولقد عظمت فتنة القبور والأضرحة في بعض بلاد المسلمين، وضل بها أقوام، فلا حول ولا قوة إلا بالله، والحكم في القبور التي بالمساجد: «أنه إن كان المسجد قبل الدفن غير، إما بتسوية القبر، وإما بنبشه إن كان جديدًا، وإن كان المسجد بني بعد القبر، فإما أن يزال المسجد، وإما أن تزال صورة القبر، فالمسجد الذي على القبر لا يصلي فيه فرض ولا نفل منهي عنه». اهـ. من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الفتاوى 22/195.
واعلم وفقك الله أنه لا حجة لأحد من المبتدعة في كون قبر رسول الله ﷺ داخل المسجد الآن؛ وكيف وقد حذر النبي ﷺ من ذلك!! فإنه ﷺ قد دفن في بيته خارج المسجد، وبقي قبره على حاله تلك، في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، حتى أمر الوليد بن عبد الملك، حين ولي الإمارة بتوسعة مسجد رسول الله ﷺ ووسعه من ناحية الشرق، فدخلت الحجرة النبوية في المسجد سنة 88هـ. ولم يكن مصيبًا في فعله ذلك، فقد تعقبه الأئمة وخطؤوه، واقتضت الحكمة أن يبقى على وضعه ذلك لكيلا يفتتن عوام الناس عندما تخرج الحجرة النبوية من المسجد وتغير عن وضعها الحالي.
وراجع تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للشيخ الألباني.
([34]) ذكره الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» 2/133، وقال في إسناده الواقدي. وعزاه صاحب المشكاة للبيهقي في «دلائل النبوة»: 7/264، وفي إسناده الواقدي، وهو متروك في رواية الحديث. وروي في رش الماء على القبر حديث عند ابن ماجه (1551) عن أبي رافع قال: سل رسول الله ﷺ سعدًا ورش على قبره ماء». وسنده ضعيف كما قال العلامة الألباني.
قال ابن قدامة، في «المغني»: 3/436: «ويستحب أن يرش على القبر ماء، ليلتزق ترابه».
([35]) راجع البداية والنهاية، لابن كثير: 5/290.
([36]) الذي عليه جمهور العلماء، أن أبا نبينا محمد ﷺ عبد الله بن عبد المطلب، قد توفي ورسول الله ﷺ، حمل في بطن أمه، وممن رجح ذلك: ابن القيم، ابن كثير، الذهبي، ابن حجر، ابن الجوزي، وهذا ظاهر قوله تعالى: }أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى{ [سورة الضحى الآية: 6]. وأبلغ اليتم وأعلى مراتبه موت والده، وهو جنين ﷺ في بطن أمه. وقد روى الحاكم عن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده، أن أبا رسول الله ﷺ توفي وأمه حبلى به» أي به ﷺ، قال الحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وراجع: المستدرك 2/605، زاد المعاد 1/76، البداية والنهاية 2/322، 323، السيرة للذهبي (ص50)، فتح الباري 7/163، الوفا بأحوال المصطفى 1/153.
([37]) الذي رجَّحه الواقدي، وكاتبه محمد بن سعد – حسب ما وقفت عليه – بأن أثبت الأقاويل أن عبد الله بن عبد المطلب توفي ورسول الله ﷺ حمل. وهذا خلاف ما ذكره المؤلف. فتأمل، وانظر: الطبقات الكبرى 1/99، البداية والنهاية 2/323.
([38]) المشهور عند أهل السير أن لرسول الله ﷺ ثمان سنين لما توفي جده عبد المطلب.
([39]) حيث كانت راجعة من المدينة إلى مكة، وقد زارت أخوال والد رسول الله ﷺ، من بني عدي بن النجار.
([40]) جزم الحافظ ابن حجر، في فتح الباري 7/164، أن عمر النبي ﷺ حين أنزل عليه كان أربعين سنة وستة أشهر، وذلك على اعتبار ما ثبت في الصحيح أنه ﷺ بعث على رأس أربعين سنة، وأنه ﷺ أنزل عليه في رمضان، وعلى المشهور من أن مولده ﷺ في شهر ربيع الأول.
([41]) الصحيح أن مكث النبي ﷺ بمكة استمر ثلاث عشرة سنة وذلك بعد النبوة، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أنزل على رسول الله ﷺ وهو ابن أربعين، فمكث ثلاث عشرة سنة، ثم أمر بالهجرة، فهاجر إلى المدينة، فمكث بها عشر سنين، ثم توفي ﷺ». رواه البخاري في مواضع متعددة، منها رقم (3851) وهذا أثبت مما رواه مسلم، أن النبي ﷺ أقام بمكة خمس عشرة سنة، كما قال الحافظ ابن حجر، في فتح الباري 7/164، قلت: وهو أثبت مما في «صحيح مسلم» (2350) أيضًا عن عروة أن النبي ﷺ لبث بمكة عشرًا».
([42]) ثبت في صحيح البخاري (3906) أن مقدم النبي ﷺ للمدينة كان في يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، واختلف في تاريخ اليوم فقيل: 1، 2، 7، 13، 15، 22، والمشهور أنه يوم 12. راجع فتح الباري 7/244.
([43]) قال الحافظ ابن حجر، في: «فتح الباري»، 8/148: «... روى عبد الرزاق بإسناد صحيح، عن أسماء بنت عميس قالت: «إن أول ما اشتكى كان في بيت ميمونة... الخ».
([44]) قال الحافظ ابن حجر، في «الفتح» 8/129: واختلف في مدة مرضه فالأكثر على أنها ثلاثة عشر يومًا، وقيل بزيادة يوم وقيل بنقصه».
([45]) ثويبة: توفيت سنة سبع للهجرة، وفي إسلامها خلاف.
([46]) رواه البخاري: (5101)، (5106)، (5107)، (5123)، (5372) ومسلم: (1449)، وأبو داود: (2056)، والنسائي: 6/96.
([47]) ساق الذهبي في السيرة من «تاريخ الإسلام» (ص46)، أثرًا طويلاً عن حليمة السعدية رضي الله عنها وفيه قولها: «فكان ﷺ يشب في يومه شباب الصبي في الشهر»، ثم قال: هذا حديث جيد الإسناد. قلت: وقد عزاه الحافظ ابن حجر لأبي يعلي وصحيح ابن حبان. كما في «الإصابة»: 12/200. غير أن العلامة الألباني قد حكم بضعف هذا الأثر كما في (دفاع عن الحديث النبوي ص38)، ومن علله الانقطاع إذ لم يصرح فيه عبد الله بن جعفر بالسماع من حليمة رضي الله عنها وفي إسناده جهم بن أبي جهم قال في ميزان الاعتدال 1/426: لا يعرف. وقال ابن كثير – في رضاع النبي ﷺ عند حليمة السعدية: روينا ذلك بإسناد صحيح، وأقام عندها في بني سعد نحوًا من أربع سنين. ومهما يكن من أمر، فإن رضاع رسول الله ﷺ في بادية بني سعد، عند حليمة السعدية رضي الله عنها ثابت ومتقرر عليه دلائل متعددة ليس هذا محل بسطها ولو لم يكن فيه إلا إطباق شهرته وروايته وتداوله لكان كافيًا. وانظر: البداية والنهاية 2/333-340.
([48]) عزاه السيوطي في «الخصائص الكبرى» 1/150 لأبي نعيم، وعزاه له أيضًا الصالحي كما في «سبل الهدى» 2/201. وزاد السيوطي نسبته لابن عساكر.
([49]) بصرى: مدينة في جنوب غرب سوريا. (معجم البلدان 1/441).
([50]) هذه إحدى روايات قصة بحيري الراهب، وخبره مع النبي ﷺ وهي عند الترمذي (3620)، وخرجها الحاكم في المستدرك 2/615-617، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قال الذهبي: «أظنه موضوع، فبعضه باطل، وقال في «السيرة» من «تاريخ الإسلام»: (ص57): هو حديث منكر جدًا. واستغربه الحافظ ابن كثير كما في «البداية والنهاية» 2/348. لذكر أبي بكر وبلال في بعض رواياته، وقال في السيرة (ص36) رجال إسناده كلهم ثقات، وقال ابن القيم في «الزاد» 1/76: أن هذه النقطة من الغلط الواضح، وقال ابن حجر: رجاله ثقات وليس فيه إلا ذكر أبي بكر وبلال وهذه لفظة منكرة وهي وهم من أحد الرواة، انظر: «الإصابة». ترجمة بحيرى، وذهب المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني إلى القول بصحة هذا الحديث كما في «صحيح الترمذي» 3/191، والمشكاة (5918) وقال: «لكن ذكر بلال فيه منكر».
([51]) قال الحافظ الذهبي، في «السيرة» من «تاريخ الإسلام» (ص64): وروى قصة خروجه ﷺ تاجرًا المحاملي عن عبد الله بن شبيب، وهو واه».
([52]) انظر: فتح الباري 7/133.
وخديجة: هي أم القاسم، بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهنا يجتمع نسبها مع رسول الله ﷺ، وهي أم أولاده ﷺ وأول من آمن به وصدقه قبل كل أحد، وثبتت جأشه ونصرته، فكانت وزيرة صدق رضي الله عنها، ومناقبها جمة، وهي ممن كمل من النساء، كانت عاقلة، جليلة، دينة، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، وكان النبي ﷺ يثني عليها ويفضلها، ويبالغ في تعظيمها حتى غارت عائشة رضي الله عنها منها على الرغم من أنها كانت ميتة، ومن كرامتها عليه ﷺ أنه لم يتزوج قبلها ولم يتزوج عليها في حياتها، إلى أن قضت نحبها، فحزن على فقدها حزنًا كبيرًا فإنها كانت نعم القرين، وكانت خديجة رضي الله عنها أولاً تحت أبي هالة بن زرارة التميمي، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد الله بن مخزوم، وتزوجها النبي ﷺ، من بعد ذلك، وكان عمرها إذ ذاك أربعين سنة على المشهور، فأقامت معه ﷺ خمسًا وعشرين سنة، حيث توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين، أي بعد المبعث بعشر سنين (الفتح 7/134)، (السير 2/109).
([53]) في شأن الهجرة وصحبة أبي بكر t لرسول الله ﷺ فيها، يقول الله تعالى: }إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ [سورة التوبة الآية: 40].
وأورد البخاري في «صحيحه» (3905) سياق حديث عائشة في الهجرة وخروج أبيها معه ﷺ وجاء فيه ذكر عامر بن فهيرة t وأنه كان يأتي بالغنم في الليل إلى الرسول ﷺ، وصاحبه أبي بكر t وهما بالغار ليحلبانها، وأنه كان يرجع بها قبل الفجر حتى لا يعلم به أحد، وفيه أيضًا ذكر عبد الله بن أريقط دليلاً لهم.
وجزم عبد الغني المقدسي (ت600هـ) في السيرة له (ص23) بأنه لا يعرف لابن أريقط إسلامًا. قال الحافظ ابن حجر في «الإصابة» 6/5: ولم أر من ذكره في الصحابة إلا الذهبي في «التجريد».
([54]) انظر: في هذا الفصل كتاب الشمائل المحمدية للترمذي، اختصار الشيخ الألباني.
([55]) أي أنه ﷺ معتدل القامة.
([56]) أي أنه ﷺ لم يكن (أمهقًا) شديد البياض، ولم يكن (آدمًا) أسمر بل بياضه إلى السمرة مشربًا بحمرة.
([57]) أي أن شعره ﷺ ليس بـ (جعد قطط) ملتوٍ، ولا (سبط) أي شديد الاسترسال والنعومة؛ بل كان وسطًا بين ذلك وهذا هو الكمال.
([58]) أي أنه ﷺ كثيف شعر اللحية.
([59]) وهذا محمود في الرجال لأنه أشد لقبضهم، ويذم في النساء، لأن الأليق بها النعومة. وانظر: «النهاية» 2/444.
([60]) الكراديس، جمع كردوس، وهي كل عظمين التقيا في مفصل مثل الركبتين والوركين والمنكبين.
([61]) أي أنه ﷺ شديد سواد العينين.
([62]) أي أن شعر أجفانه ﷺ كثير مستطيل.
([63]) المآقي: جمع مؤق وهو مؤخر العين.
([64]) أي أنه عظيم الفم ﷺ وهذه صفة كمال في الرجال.
([65]) أي على ذراعيه ومنكبيه وأعلى صدره شعر ﷺ.
([66]) الزند: هو موصل طرف الذراع في الكف.
([67]) الزر: معروف، وهو الذي يجعل في الثياب جمعه أزرار، والحجلة: بيت العروس، (انظر القاموس) وقيل زر الحجلة: بيض طائر معروف. لكن أنكر هذا القسطلاني كما في شرح البخاري. وانظر: النهاية 2/300.
وخاتم النبوة: شامة ناتئة أي مرتفعة، قطعة لحم بين كتفيه ﷺ بقدر بيضة الحمامة، وعليها شعرات مجتمعات.
([68]) أي يرخيه ويرسله على جبينه ﷺ.
([69]) أي جعله فرقتين على جانبي رأسه ولم يترك شيئًا منه على جبهته ﷺ.
([70]) رواه أبو داود (4027) والترمذي (1765) وفي سنده شهر بن حوشب، وهو ضعيف. والرسغ هو مفصل ما بين الكف والساعد. انظر مختصر الشمائل للألباني (ص46).
([71]) وكان خاتمه ﷺ من فضة يلبسه في خنصره الأيمن، وربما لبسه في الأيسر. انظر: صحيح البخاري (5877) وصحيح مسلم (2094).
([72]) انظر: «تسمية أزواج النبي ﷺ وأولاده» لأبي عبيدة معمر بن المثنى.
([73]) قال عبد الغني المقدسي، في «مختصر السيرة» (ص51): «وإنما سمي الغيداق لأنه كان أجود قريش وأكثرهم طعامًا».
([74]) يلي زمزم: أي يتولى سقايتها.
([75]) وملخصها أن عاتكة أرسلت للعباس بن عبد المطلب تخبره أنها رأت رؤيا مفزعة، وهي أن راكبًا أقبل على بعير له، يستصرخ الناس في الأبطح: يالغدر لمصارعكم في ثلاث، ثم تبعوه إلى المسجد ثم ظهر به بعيره على الكعبة، ثم استصرخهم مثل المرة الأولى، ثم ظهر به على جبل أبي قبيس، فأرسل عليهم صخرة، فتفتت، فما بقي بيت في مكة إلا دخله منها، وكانت هذه الرؤيا سببًا في تثبيط عدو الله أبي لهب عن الخروج لبدر. انظر: سيرة ابن هشام 1/607، مرويات غزوة بدر (ص128) للدكتور العليمي باوزير.
([76]) يريد المؤلف في كتابه: «تهذيب الأسماء واللغات»، الذي هذا مقدمته.
وقد فات المؤلف رحمه الله ذكر أم المؤمنين زينب بنت خزيمة رضي الله عنها وكان يقال لها: أم المساكين لإحسانها إليهم، وقد تزوجها النبي ﷺ بعد زواجه من حفصة رضي الله عنها، ومكثت عنده شهرين أو ثلاثة ثم توفيت رضي الله عنها، ولم يمت أحد من أزواجه ﷺ في حياته إلا هي وخديجة قبلها رضي الله عنهما، ومن خصائصه ﷺ دون أمته أن يجمع أكثر من أربع زوجات كما نبه المؤلف (ص78). (انظر: الاستيعاب: 1/88، الإصابة: 12/280، السِّير: 2/218).
([77]) السرية: بضم السين وكسر الراء وفتح الياء والتشديد في الجميع: هي الأمة التي تحل في البيت، سميت بذلك لأن الإنسان يُسِرُّ معاشرتها عن زوجته. (راجع: مختار الصحاح، القاموس مادة (السر)).
([78]) وهي القبطية، أم ولد رسول الله ﷺ إبراهيم، وقد أهداها المقوقس صاحب الإسكندرية لرسول الله ﷺ (الإصابة 13/125).
([79]) وهي من بني النضير من اليهود، وقد أسلمت رضي الله عنها راجع الإصابة 12/267.
([80]) راجع: تسمية أزواج النبي ﷺ، وأولاده لأبي عبيدة (ص70-80) الاستيعاب لابن عبد البر 1/90-91. حيث قال ابن عبد البر: «وأما اللواتي اختلف فيهم ممن ابتنى بها وفارقها، أو عقد عليها ولم يدخل بها، أو خطبها، ولم يتم له العقد منها، فقد اختلف فيهن، وفي أسباب فراقهن اختلافًا كثيرًا يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن». اهـ.
([81]) الموالي جمع مولى وهو من كان مملوكًا ثم أعتق.
وانظر في هذا الفصل والذي يليه كتاب الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي ﷺ من الخدم والموالي، للحافظ السخاوي.
([82]) باذام – بالذال المعجمة، ويذكره بعضهم بالدال المهملة، قيل هو ذكوان الآتي ذكره.
([83]) قصير هذا لم أجد من ذكره ضمن مواليه ﷺ فيما بين يدي من المصادر، والله أعلم.
([84]) قيل هو ذكوان الآتي ذكره.
([85]) وهو الصحابي المعروف نفيع بن الحارث وبعضهم لم يعده في مواليه ﷺ.
([86]) قيل هذا اسم لأبي رافع القبطي، أو ذكوان: الآتي ذكرهما.
([87]) قيل إنه يسار الراعي النوبي الآتي ذكره.
([88]) قيل هو أبو رافع المتقدم ذكره.
([89]) الثقل هو متاع السفر، وما يثقل حمله، وكل شيء نفيس مصون.
([90]) قيل هو عبيد، أو عبيدة الآتي ذكره.
([91]) هذه الألفاظ بعض ما عرف به ذكوان.
([92]) الصواب أنه واقد وإما أبو واقد، كما ذكر الشيخ مشهور حسن سلمان في الفخر المتوالي (ص61).
([93]) عدَّه بعض العلماء من الخدم لا الموالي.
([94]) بعضهم يعده من الموالي وآخرون يعدونه من الصحابة مطلقًا.
([95]) أنكر الحافظ السخاوي أن يكون سالمًا من مواليه ﷺ، الفخر المتوالي (ص44).
([96]) في نسخة أخرى نبيل. وكلا الاسمين يذكران في مواليه ﷺ.
([97]) من العلماء من يعده في الخدم ومنهم من يعده من الموالي، أو منهما جميعًا.
([98]) وقيل ميمونة بنت سعيد.
([99]) ويقال أيضًا سيرين، بالسين المهملة. وهي خالة إبراهيم ابن النبي ﷺ.
([100]) ويقال أيضًا: أم عياش.
([101]) أي في كتب العلماء المؤلفة ويعني: المزني، والمهذب، والتنبيه، والوسيط، والوجيز، والروضة، وهي من كتب الشافعية، وتراجمهم مبثوثة في ثنايا كتابه تهذيب الأسماء واللغات، كما أوضح ذلك كله في المقدمة (ص3).
([102]) هؤلاء المذكورون كلهم من كتابه ﷺ وهناك آخرون لم يذكرهم المؤلف رحمه الله غير أن من سماه: السجل قد اختلف فيه، لحديث يروى كما عند أبي داود (2935) والنسائي في التفسير من «سننه الكبرى» كما في «التحفة» 4/366 من حديث أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «السِّجِلُ كاتبٌ للنبي ﷺ»، وقد صححه بطرقه الحافظ ابن حجر في «الإصابة»: 4/122، غير أن الحافظ ابن كثير قال في «تفسيره» 3/200: «هذا الحديث منكر جدًا ولا يصح أصلاً وقد صرح جماعة من الحفاظ بوضعه وإن كان في سنن أبي داود، منهم شيخنا الحافظ الكبير أبو الحجاج المِزِّي فسح الله في عمره، وقد أفردت لهذا الحديث جزءًا على حدته ولله الحمد، وقد تصدى الإمام أبو جعفر بن جرير [17/100] للإنكار على هذا الحديث ورده أتمَّ ردٍّ وقال: لا يُعرف في الصحابة أحد اسمه السجل، وكتاب النبي ﷺ معروفون وليس فيهم أحد اسمه السجل، وصدق رحمه الله في ذلك وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث، وأما من ذكره في أسماء الصحابة فإنما اعتمد على هذا الحديث لا على غيره والله أعلم. اهـ. وانظر: «المصباح المضيء» (ص80) و «كُتَّاب النبي» (ص100).
([103]) قال ابن القيم في: «زاد المعاد» (1/120 إن أصحمة النجاشي الذي صلى عليه رسول الله ﷺ ليس هو الذي كتب إليه، هذا الثاني لا يعرف إسلامه بخلاف الأول فإنه مات مسلمًا، ونبه لهذا من قبل أبو محمد بن حزم، كما في «جوامع السيرة» (ص30) وفي صحيح مسلم (774) ما يدل على هذا من حديث أنس موقوفًا عليه.
([104]) ويقال سيرين – بالسين المهملة – كما تقدم ص48.
([105]) أي أسلم الملوك والرعية، وهناك رسل آخرون للنبي ﷺ، آثر المؤلف عدم ذكرهم بغية الاختصار. وأسلم سائر هؤلاء الملوك وأسلم قومهم ما عدا هرقل والمقوقس وهوذة وكسرى والحارث بن أبي شمر والنجاشي وهو غير الذي هاجر إليه الصحابة كما تقدم، وانظر: جوامع السيرة (ص30).
([106]) يريد المؤلف في مواضعها من الكتاب الأصل: «تهذيب الأسماء واللغات».
([107]) رواه البخاري: (1778)، (1779)، (1780)، (3066)، (4148)، ومسلم (1253)، وأبو داود (1994)، والترمذي (815) وهُنَّ: ثلاث في ذي القعدة: عمرة الحديبية، وعمرة القضية، وعمرة من الجعرانة بعد قسم غنائم حنين، والرابعة مع حجته ﷺ.
([108]) انظر صحيح البخاري (1778)، وصحيح مسلم (1254). قلت: وقد ثبت في صحيح البخاري ومسلم ما يدل على أنه ﷺ قد حج قبل الهجرة، وهذا ما رجحه الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: 3/517، وانظر صحيح البخاري (1664) وصحيح مسلم (1220)، وسنن النسائي 5/255، وسنن الدارمي 1/384.
([109]) روى مسلم في صحيحه (1813)، عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: غزوت مع رسول الله ﷺ تسع عشرة غزوة. قال جابر: لم أشهد بدرًا ولا أحدًا، منعني أبي، فلما قتل عبد الله يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله، ﷺ في غزوة قط. ويفهم من ذلك أن عدد الغزوات إحدى وعشرين أو نحوًا من ذلك، وهذا ما رواه مصرحًا به عن جابر أبو يعلي بسند صحيح، كما قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» 7/280، ويعلل التفاوت في إحصاء عدد الغزوات أن بعضهم ربما دمج الغزوتين باسم واحد، وآخرون يجعلون للغزوة الواحدة أكثر من اسم لاختلاف زمانها أو مكانها، ونحو ذلك نبه لهذا الحافظ في الفتح 7/380، أو لأن بعضهم عد الغزوات مطلقًا وبعضهم يخص التي حصل فيها قتال فقط.
([110]) قال ابن تيمية يرحمه الله: لا يعلم أنه ﷺ قاتل في غزاة إلا في أحد، ولم يقتل أحدًا إلا أبي بن خلف فيها، فلا يفهم من قولهم قاتل في كذا أنه بنفسه، كما فهمه بعض الطلبة ممن لا اطلاع له على أحواله u (حاشية محقق المواهب اللدنية للقسطلاني 1/335).
([111]) عنوة: أي قهرًا، وليس صلحًا.
([112]) وادي القرى والغابة: موضعان بين المدينة والشام، قرب المدينة. (معجم البلدان).
([113]) بكسر الحاء المهملة أولاً وفتح الجيم ثانيًا، أي أنه ﷺ أكملهم عقلاً.
([114]) الخوان: كلمة معربة تطلق على ما ارتفع عن الأرض ليؤكل الطعام عليه. وقد روى البخاري (5386).. عن أنس «أنه ﷺ ما أكل على خوان قط».
([115]) وهو القرع، كما في القاموس.
([116]) رواه مسلم: (2051).
([117]) رواه البخاري: (3770)، (5419)، (5428)، ومسلم: (2426)، وغيرهما.
([118]) أي أنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة ﷺ.
([119]) أي يخرزه ويصلحه.
([120]) قعدة القرفصاء: أن يجلس على أليتيه، ويلصق فخذيه ببطنه ويضع يديه على ساقيه.
([121]) الاحتباء: أن يجمع ظهره وساقيه بيديه.
([122]) أي ربطه وشده.
([123]) أي جائعين.
([124]) أي من جلد.
([125]) رواه البخاري: (2155)، (2563)، ومسلم (1504)، وغيرهما. وصح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي ﷺ إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول، ولكن يقول: «ما بال أقوام يقولون كذا وكذا» رواه أبو داود (4788).
([126]) أي مما لا حاجة لذكرهن فيه، ولا تذكر محاسنهن وأوصافهن، وما يسبب الفتنة بهن، أو الرغبة عن الزوجات.
([127]) هذه العبارة فيها إجمال والمراد بقوله: آتاه علم الأولين والآخرين أي من علم الغيب الذي أطلعه الله عليه، كما قال سبحانه: }عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ...{ الآية. وما لم يطلعه عليه فهو كسائر البشر، كما قال تعالى: }قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ...{ الآية. والصواب أن يقال كما قال سبحانه: }وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ{ الآية.
([128]) صحيح البخاري: (3561)، صحيح مسلم: (2309).
([129]) في هذا الباب مؤلفات عدة للعلماء المتقدمين والمتأخرين رحمهم الله تعالى ومن ذلك ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» وكذا ما كتبه الحافظ ابن كثير في «تاريخه» والحافظ الذهبي في «تاريخ الإسلام» والحافظ ابن حجر في «فتح الباري» 6/582. ويحسن الاطلاع على كتاب: معجزات المصطفى، عليه الصلاة والسلام، للأستاذ: خير الدين وانلي، ط الثالثة. مكتبة السوادي جدة. وانظر: فيه الأدلة على أكثر ما ذكر هنا.
([130]) أي أنها قد انقطع الحمل عنها عدة سنوات، وما كان حالها كذلك فإنه لا لبن فيها، وانظر: القاموس مادة (حول).
([131]) يشير إلى قوله ﷺ: «لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا هذا الله خالق كل شيء، فمن خلق الله؟» رواه البخاري (7296)، ومسلم (136). وغيرهما. راجع فتح الباري 13/272.
([132]) والمراد بالبلوى هو حصاره في بيته ومقتله على أيدي البغاة. انظر: «تاريخ الإسلام»، عهد الخلفاء الراشدين، للذهبي (ص429-462).
([133]) هي المرأة التي أرسل معها حاطب بن أبي بلتعة t كتابًا إلى أهل مكة يخبرهم فيه بما عزم عليه رسول الله ﷺ، من غزوهم ليتخذ عندهم يدًا، وفي ذلك نزلت الآيات الأولى من سورة الممتحنة، و(روضة خاخ): مكان بين مكة والمدينة، و(العقاص): هو الشعر المضفور، وانظر: صحيح البخاري (3983)، وصحيح مسلم (2494) وتفسير ابن كثير 4/344.
([134]) يريد بذلك ﷺ أطول أيديهن – أي أزواجه – في الصدقة وفعل الخير، وقد كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها كذلك، فماتت أولهن، وهي زوجه ﷺ في الدنيا والآخرة، وسائر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن كذلك والحديث في صحيح مسلم (2452).
([135]) انظر: صحيح البخاري (1982)، وشرح الحديث معه في الفتح.
([136]) كذا في سائر المطبوعات، ولعل مراد المؤلف عتيبة بن أبي لهب؛ فهو الذي دعا عليه النبي ﷺ لما آذاه، أما عتبة بن أبي لهب فقد أسلم عام الفتح.
([137]) 4/29.
([138]) سمي بذلك لسرعته، فإن الفرس إذا كان خفيف الجري فهو سكبٌ، وفيضٌ، كانسكاب الماء. انظر: «النهاية».
([139]) يجش: بالجيم، أي يطحن لها الشعير.
([140]) قال في معجم البلدان: سميت بذلك لكثرة ينابيعها، وعيونها. قلت: وهي المدينة المعروفة اليوم على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية حرسها الله.
([141]) وكانت لا تُسبق كلما سابقوها، فلما سبقها أعرابي على قعود اشتد ذلك على الصحابة وشق عليهم، فقال رسول الله ﷺ: «إن حقًا على الله ألا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه» رواه البخاري (6501) وغيره.
([142]) أي عشرون ناقة حلوب.
([143]) حيث رأى ﷺ أنه هزَّ السيف فانقطع صدره، فأوَّله بقتل أصحابه في أحد، راجع: «صحيح البخاري (4081)، «صحيح مسلم» (2272).
([144]) الكثير من الخصائص التي يوردها من يؤلف في هذا الباب لا دليل عليه عند التمحيص والمراجعة، وبعضها يخالف سنته ﷺ والأصل في هذا الباب أنه ﷺ، كسائر البشر، إلا ما خصَّه الدليل، والدليل على هذا قول الله تعالى: }قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ{ [جزء من الآية 110، سورة الكهف، وجزء من الآية 6 سورة فصلت]. وقوله ﷺ: «إنما أنا بشر..»، وما أحسن ما نقله المؤلف في آخر هذا الفصل بأن الخصائص لا مجال للأقيسة فيها، وأن تتبع النصوص فيها، وما لا نصَّ فيه، فالخلاف فيه هجوم على الغيب من غير فائدة. فتنبه.
([145]) مراد المؤلف بقوله هنا (أصحابنا) وفيما سيأتي: فقهاء الشافعية.
([146]) يريد كتابه «روضة الطالبين وعمدة المفتين» أول المجلد السابع.
([147]) يقصد بذلك ما خرجه البخاري في «الصحيح» (6502) أن رسول الله ﷺ قال: «قال الله تعالى: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه...» الحديث.
([148]) يريد بذلك ما رواه مسلم في «صحيحه (746) عن عائشة رضي الله عنها قالت: «إن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة تعني سورة المزمل فقام نبي الله وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة..».
([149]) رواه البخاري في مواضع منها رقم (2834)، ومسلم (1805).
([150]) المراد بالخط هنا الكتابة، قال الله تعالى: }وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ{ [سورة العنكبوت، الآية: 48]. وأما الشعر فلقوله تعالى: }وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ{. [جزء من الآية 69 سورة يس].
([151]) بالهمز وتركه أي درعه ﷺ.
([152]) أي من كانت على دين أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
([153]) المراد بهذا استصلاح الأرض الميتة ونحوها.
([154]) الصواب أن مس المرأة لا ينقض الوضوء، وهذا عام للنبي ﷺ، ولغيره من أمته، ولو كان المس بشهوة لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ، قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، رواه أبو داود (178) والترمذي (86) وابن ماجه (502) وصححه العلامة الألباني.
([155]) الحديث ضعيف، ففي سنده عطية العوفي، صدوق يخطئ وهو شيعي مدلس، كما قال في التقريب، وجرحه غير واحد من الأئمة، وقد ألمح الترمذي (3727) لضعف هذا الحديث حيث قال بعده: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وسمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث فاستغربه». اهـ. وممن ضعف هذا الحديث المحدث العلامة الألباني.
([156]) في مسألة انعقاد النكاح في حال الإحرام: يظهر أن المؤلف اعتمد على قول من قال إنه ﷺ تزوج ميمونة حال الإحرام، والصواب أنه ﷺ تزوج ميمونة وهو حلال – غير محرم – لقول ميمونة نفسها، ولقول أبي رافع وهو السفير بينهما، وهو في هذا مثل أمته ﷺ، كما هو الأصل. وانظر: «زاد المعاد» 1/113.
([157]) أي لا زوج لها.
([158]) الأصل أنه ﷺ كما قال الله تعالى: }قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ{ ومن ادعى خصوصية فعليه الدليل.
([159]) الذي ذهب إليه الجمهور وهو الصحيح أن النساء يدخلن في ضمير الرجال، ما لم تظهر خصوصية الرجال بذلك، وهنا لا تظهر خصوصية (وانظر: في المسألة) روضة الناظر لابن قدامة 2/148-150).
([160]) الحديث رقم (8) وقد حسنه العلامة الألباني.
([161]) راجع باب الاستطابة في المجموع شرح المهذب للمؤلف 2/86 وما بعدها.
([162]) الصواب أن غيرهن مأمور بالحجاب – أيضًا – ومنه ستر الوجه والكفين لعموم قوله ﷺ: «المرأة عورة» رواه ابن خزيمة في صحيحه (1685)، والترمذي (1173)، وصححه الألباني في «الإرواء» (273). وأما قوله تعالى: }وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ{ [سورة الأحزاب، جزء من الآية: 53] ففيها عموم معنوي للنساء كافة، قال القرطبي عند تفسير هذه الآية: «ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة بدنها وصوتها... فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة...» انظر: تفسير القرطبي 14/227.
([163]) وهذا في الصلاة، لحديث أنس بن مالك t قال: قال رسول الله ﷺ، «أتموا الصفوف، فإني أراكم من وراء ظهري». رواه البخاري (1/176) ومسلم (433).
([164]) أي حاله حياته ﷺ.
([165]) الأصل أنه ﷺ كسائر الأمة لقوله تعالى: }قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ{ والأحاديث التي يستدل بها من يرى هذه الخصوصية للرسول ﷺ من جهة التبرك ببوله ودمه ﷺ أو طهارة بوله لا تنهض للاستدلال بها على هذه الخصوصية إما لضعفها أو لعدم الدلالة الصريحة لذلك. فلا ننتقل عن الأصل – وهو المنطوق – }إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ{ إلى أمر محتمل قد يعتريه الضعف وهذا من لازم محبتنا له ﷺ أن نلزم الدليل ونتبع ولا نبتدع أقر الله عيوننا برؤيته وحشرنا في زمرته ﷺ.
([166]) الصواب طهارة الشعر لعموم الأمة ولا خصوصية في هذا إذ لا دليل صريح على نجاسة الشعر.
([167]) دليل الاختصاص ما ثبت عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: فقلت يا رسول الله أنقضيها إذا فاتتنا؟ فقال: «لا» قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: حديث أم سلمة المذكور حديث حسن أخرجه أحمد في المسند بإسناد جيد، وهو حجة على أن قضاء سنة الظهر بعد العصر من خصائصه، عليه السلام كما قال الطحاوي والله أعلم. اهـ. (حاشية فتح الباري 2/65).
([168]) رواه البخاري (3539)، (6188)، ومسلم (2134)، وغيرهما.
([169]) 7/15.
([170]) (ص 422، 423) قلت: قد ذهب بعض أهل العلم إلى أن هذا النهي خاص في حياته ﷺ.
([171]) رواه الإمام أحمد في المسند 4/323، 332، وغيره وقد صححه العلامة الألباني وذكر له طرقًا عديدة في «الصحيحة» (2036).
([172]) وهو قوله ﷺ: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» رواه الإمام أحمد 4/8 وأبو داود 1047)، والنسائي 3/91، 92، وابن ماجه 1085). وصححه العلامة الألباني.
([173]) رواه البخاري (1291)، ومسلم في مقدمة «صحيحه» (4).
([174]) مرتبة الخلة أعلى من مرتبة المحبة، وقد اتخذ الله محمدًا ﷺ خليلاً لحديث: «وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً». رواه مسلم (2383) وانظر: المواهب اللدنية 3/314-318.