أحكام الجمعة والعيدين والأضحية
التصنيفات
- فقه >> العبادات >> الصلاة >> صلاة التطوع >> صلاة العيدين
- فقه >> العبادات >> الحج والعمرة فضائل وأحكام
- دراسات إسلامية >> مناسبات دورية >> العيد >> عيد الأضحي >> الأضحية
- دراسات إسلامية >> مناسبات دورية >> العيد >> عيد الفطر
الوصف المفصل
- أحكام
الجمعة والعيدين والأضحية
- مقدمة
- من أحكام الجمعة
- وجوب صلاة الجمعة وتحريم التخلف عنها بلا عذر
- شروطها ووجوب الإنصات والاستماع للخطبة
- صفتها
- خطبة الجمعة
- مواصفات الخطيب الناجح
- مواصفات الخطبة الناجحة
- سلبيات في خطبة الجمعة
- نصائح للخطيب
- خصائص يوم الجمعة
- آداب صلاة الجمعة
- مخالفات تتعلق بالجمعة
- من بدع الجمعة
- من فضائل عشر ذي الحجة وفضل العمل الصالح فيها
- فضل يوم عرفة
- التوبة إلى الله تعالى ومحاسبة النفس
- أنواع العمل في هذه العشر
- العيد
- صلاة العيدين
- من آداب العيد
- من أحكام الأضحية
- الذكاة وشروطها ([27])
- آداب الذكاة([40])
- مكروهات الذكاة
- كيف تذبح أضحيتك؟
- كيفية الذبح على هديه صلى الله عليه وسلم
- أخطاء تقع عند الذبح
- فضل أيام التشريق (*) وأنواع الذكر المشروعة فيها
أحكام الجمعة والعيدين والأضحية
جمعها الفقير إلى الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين فإياه نعبد وإياه نستعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله رحمة للعالمين وحجة على الخلائق أجمعين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد شرع الله للمسلمين اجتماعات يومية وأسبوعية وسنوية. فشرع الاجتماعات للصلوات الخمس في اليوم والليلة خمس مرات. وشرع في الأسبوع الاجتماع لصلاة الجمعة لسكان الحي كما شرع في السنة الاجتماع لصلاة العيدين وهو أكبر مما قبله وشرعت هذه الاجتماعات لحكم بالغة ومزايا جمة وفوائد عديدة منها السلام والتعارف والمحبة والتعاون وهذه الفوائد بعد كونها عبادة وطاعة لله ورسوله وفيها تكفر السيئات وزيادة الحسنات ورفع الدرجات.
فيوم الجمعة عيد الأسبوع وهو أفضل الأيام وأعظمها عند الله وله خصائص يأتي ذكرها، ويوم عيد الفطر يوم الذكر والشكر.
وفيه يستوفي الصائمون أجر صيامهم وينالون جوائزهم من ربهم فيحمدونه ويذكرونه ويشكرونه فيرجعون من عيدهم مغفوراً لهم فهنيئاً لهم بذلك.
وأما عيد الأضحى فهو يوم الحج الأكبر لأن معظم أعمال الحج تعمل فيه وقبله يوم عرفة الذي رتب على صيامه لغير الحاج تكفير ذنوب سنتين وهذان اليومان العظيمان أفضل أيام عشر ذي الحجة التي فضل العمل الصالح فيها على الجهاد في سبيل الله الذي هو ذروة سنام الدين الإسلامي فهنيئاً لمن وفق لطاعة الله والعمل الصالح فيها هنيئاً له بالأجر العظيم والثواب الجسيم من الرب الكريم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ولما كان كثير من الناس قد يجهلون أحكام الجمعة والعيدين والأضاحي جمعت فيه هذه الرسالة. وهي مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسوله ﷺ وكلام المحققين من أهل العلم أسأل الله تعالى أن ينفع بها من قرأها أو سمعها فعمل بها.
وقد أضيف إلى ما تقدم فضائل عشر ذي الحجة ويوم عرفة وفضل العمل الصالح فيه وفضل أيام التشريق وأنواع الأذكار المشروعة فيها.
فكانت هذه الرسالة جامعة لما تفرق في غيرها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من أحكام الجمعة
قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{. [الجمعة، الآيات: 9 - 11].
قال ابن كثير -رحمه الله- (إنما سميت الجمعة جمعة لأنها مشتقة من الجمع فإن أهل الإسلام يجتمعون فيه في كل أسبوع مرة بالمعابد الكبار وفيه كمل جميع الخلائق فإنه اليوم السادس من الستة التي خلق فيها السماوات والأرض، وفيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تقوم الساعة وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه كما ثبت بذلك الأحاديث. وكان يقال له في اللغة القديمة يوم العروبة وثبت أن الأمم قبلنا أمروا به فضلوا عنه واختار اليهود يوم السبت واختار النصارى يوم الأحد واختار الله لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أكمل فيه الخليقة ([1]). اهـ ملخصاً.
وقد أمر الله المؤمنين بالاجتماع لعبادته يوم الجمعة فقال: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ{. أي إذا سمعتم الأذان لصلاة الجمعة فاقصدوها واهتموا في سيركم إليها وإن كان يندب السعي إليها من الصباح الباكر اغتناماً للأجر والمراد بالسعي هنا المبادرة والاهتمام لا المشي السريع فإنه منهي عنه عند المضي إلى الصلاة، ويستحب لمن جاء إلى الجمعة أن يغتسل قبل مجيئه إليها وأن يلبس أحسن ثيابه ويتطيب ويتسوك ويتنظف ويتطهر، والمراد بالنداء في قوله تعالى: } إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ {. المراد به هو الأذان الثاني للجمعة الذي كان يفعل بين يدي رسول الله ﷺ إذا خرج فجلس على المنبر فإنه كان حينئذ يؤذن بين يديه فهذا هو المراد، قاله ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره قال فأما النداء الأول الذي زاده أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه- فإنما كان هذا لكثرة الناس لكي يجتمعوا قبل خروج الإمام. وقوله تعالى: } وَذَرُوا الْبَيْعَ {. أي اتركوا البيع إذا نودي للصلاة وامضوا إليها } ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {. أي ترككم للبيع وإقبالكم إلى ذكر الله وإلى الصلاة خير لكم في الدنيا والآخرة من اشتغالكم بالبيع أو تفويتكم لصلاة الفريضة التي هي من أعظم الفروض } لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {. أن ما عند الله خير وأبقى وأن من آثر الدنيا على الآخرة والدين فقد خسر خسراناً مبيناً من حيث يظن أنه يربح، وهذا الأمر بترك البيع مؤقت مدة الصلاة } فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ{. أي فرغ منها. } فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ {. لطلب المكاسب والتجارات والأرزاق لما منعهم من التصرف بعد النداء وأمرهم بالاجتماع أذن لهم بعد الفراغ بالانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله، ولما كان الاشتغال بالتجارة مظنة الغفلة عن ذكر الله أمر الله بالإكثار من ذكره فقال: } وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا {. أي في حال بيعكم وشرائكم وأخذكم وإعطائكم وفي حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم اذكروا الله كثيراً ولا تشتغلوا بالدنيا عن الذي ينفعكم في الدار الآخرة } لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {. أي لكي تفوزون فإن الإكثار من ذكر الله من أكبر أسباب الفلاح والفوز } وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا{. يعاتب تبارك وتعالى على ما كان وقع من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التجارة التي قدمت المدينة من الشام يومئذ والرسول ﷺ قائماً يخطب يوم الجمعة فقدمت عير إلى المدينة فابتدرها أصحاب رسول الله ﷺ حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً فقال: "والذي نفسي بيده لو تتابعتم لسال بكم الوادي ناراً" ونزلت هذه الآية: } وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا {. وقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة قال: كانت للنبي ﷺ خطبتان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس، قال ابن كثير: ولكن ههنا شيء ينبغي أن يعلم وهو أن هذه القصة قد قيل إنها كانت لما كان رسول الله ـ ﷺ ـ يقدم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة كما رواه أبو داود في كتاب المراسيل } قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ { أي من الأجر والثواب في الدار الآخرة لمن لازم الخير وصبر نفسه على عبادة الله } خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ { والمراد باللهو الطبل الذي ضرب إيذاناً بقدوم العير } وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ { لمن توكل عليه وطلب الرزق في وقته منه فمن اتقى الله رزقه من حيث لا يحتسب. هذا وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل يوم الجمعة وأنه خير يوم طلعت عليه الشمس وأنه يكفر به ما بين الجمعتين من الذنوب لمن اجتنب الكبائر وأنه خير الأيام وأفضلها عند الله وأفضل عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر وفيه خصائص لا توجد في غيره من الأيام كما ورد الوعيد الشديد على ترك الجمعة في عدة أحاديث منها قول الرسول ﷺ : "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين" ([2]) وقوله ﷺ: "من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه" ([3]) وهم ﷺ بتحريق بيوت المتخلفين عن الجمعة ([4]) فعلى المسلم أن يحافظ عليها امتثالاً لأمر الله ورسوله وخوفاً من عقاب الله ورغبة في ثوابه المعد لمن أطاعه وبالله التوفيق.
ما يستفاد من هذه الآيات الكريمات:
1- أن الجمعة فريضة على المؤمنين يجب عليهم السعي إليها والمبادرة والاهتمام بشأنها.
2- أن الخطبتين يوم الجمعة فريضة يجب حضورهما لأنه فسر الذكر هنا بالخطبتين فأمر الله بالمضي إليه والسعي له.
3- مشروعية الأذان للجمعة والأمر به.
4- النهي عن البيع والشراء بعد نداء الجمعة الثانية وتحريم ذلك لأنه يفوت الواجب ويشغل عنه.
5- أن كل أمر وإن كان مباحاً في الأصل إذا كان ينشأ عنه تفويت واجب فإنه لا يجوز في تلك الحال.
6- إن ترك البيع والسعي إلى الجمعة خير لفاعله في الدنيا والآخرة.
7- الأمر بحضور الخطبتين يوم الجمعة وذم من لم يحضرهما ومن لازم ذلك الإنصات لهما.
8- أن الإمام يخطب يوم الجمعة قائماً.
9- أنه ينبغي للعبد المقبل على عبادة الله وقت دواعي النفس لحضور اللهو والتجارات والشهوات أن يذكرها بما عند الله من الخيرات وما يؤثر رضا الله على هواه.
10- الحث على ذكر الله كثيراً على كل حال وفي كل زمان وفوز وفلاح من فعل ذلك.
11- الحث على التوبة إلى الله وطلب الرزق منه لأنه المتكفل بأرزاق العباد بالأسباب التي ينالونها به وهو خير الرازقين.
وجوب صلاة الجمعة وتحريم التخلف عنها بلا عذر
تجب على جميع الرجال من المسلمين المكلفين المقيمين في المدن وما حولها من أصحاب المصانع والنخيل والقرى وما حولها من أهل البساتين والمزارع سواء سمعوا النداء أو لا بما جرت به العادة في الاستيطان من البناء وغيره بخلاف أهل البادية الذين من عادتهم الانتقال من مواضع الجفاف والقحط إلى مواطن الأمطار والأعشاب ولا يستقرون في المكان شتاء ولا صيفاً والمرضى والمسافرين والنساء والصبيان فلا جمعة عليهم بل يصلونها ظهراً إذا دخل وقتها وإن حضرها مريض أو مسافر أو من دون البلوغ لزمته وجازت إمامته فيها إذا احتيج إليه.
ويستحب بتأكيد التنظف والاغتسال وقص الشارب وتقليم الأظفار والتطيب والتسوك والتجمل والتبكير في الرواح إلى المسجد والدنو من الإمام والإكثار من النوافل وتلاوة القرآن وقراءة سورة الكهف والذكر والدعاء والاستغفار والصلاة على النبي ﷺ ويجب السعي إليها عند سماع النداء الثاني للقريب والبعيد في الوقت الذي يدرك فيه الخطبة ويكره التأخر في الذهاب إليها والسفر قبل الزوال ويحرم التخلف عنها بلا عذر والخروج للنزهة ونحوها إذا لم يصلها في أحد المساجد القريبة منه وفيه الوعيد الشديد، وكذلك البيع والشراء والصناعة والزراعة والسفر بعد الزوال وسماع النداء.
ويحرم على أهل القرية صلاتها ظهراً مع وجود من يخطب بهم وإن صلاها من يجب عليه حضورها ظهراً مع إمكان إدراكها أو ركعة منها مع الإمام لم تصح صلاته.
شروطها ووجوب الإنصات والاستماع للخطبة
يشترط لها ما سبق من الاستيطان بما جرت به العادة في البناء ونحوه بخلاف أهل البادية والمسافرين ونحوهم فلا جمعة عليهم، ودخول الوقت وأوله من وقت صلاة العيد إلى نهاية وقت الظهر والأفضل بعد الزوال مباشرة وأن يكونوا جماعة وأقلهم ثلاثة فأكثر يخطب أحدهم ويستمع الباقون، ولا يجوز إقامة أكثر من جمعة في البلد إلا للحاجة والمصلحة وإذن الإمام أو نائبه في ذلك كضيق المسجد أو كثرة أهل البلد أو تباعد أطرافه أو خوف الفتنة بين أهله ونحو ذلك فيزاد بقدر ذلك.
ويحرم تخطي رقاب الناس في صفوفهم إلا لحاجة كالإمام أو إلى فرجة أو أخذ مصحف مع الرفق ومن قام من موضعه لما سبق أو سلام على شخص ثم رجع إليه قريباً فهو أحق به، وإن خرج من المسجد لوضوء أو غيره فجاء فيه غيره فهو أولى به ويكره السبق بالعصا والسجادة ونحو ذلك.
ويشترط تقدم خطبتين مشتملتين على حمد الله والثناء عليه والشهادتين والصلاة والسلام على رسوله ﷺ والوصية بتقوى الله ـ عز وجل ـ وقراءة آية فأكثر، ويستحب أن يخطب على منبر أو موضع مرتفع ويسلم على المأمومين إذا دخل المسجد وإذا صعد المنبر، ويجلس إلى فراغ الأذان وبين الخطبتين ويخطب قائماً معتمداً على العصا ونحوها ويقصر الخطبة ويدعو للمسلمين ويطول الصلاة.
ويحرم العبث ومس الحصى والكلام والإمام يخطب إلا له أو لمن يكلمه ويجب الإنصات والاستماع والامتثال، وله التأمين على الدعاء والصلاة على النبي ـ ﷺ ـ عند سماع ذكره وحمده في نفسه إذا عطس، ومن دخل والإمام يخطب لم يجلس حتى يصلي ركعتين خفيفتين تحية المسجد وإن كان في آخر الخطبة تركها وانتظره قائماً منصتاً إلى فراغه منها وإقامة الصلاة.
صفتها
صلاة الجمعة فريضة الوقت وأفضل من الظهر وهي بدل عنها لأهل الأعذار كالمريض والمسافر والمرأة وهي ركعتان يشرع الجهر فيها بالقراءة بسورة (سبح) و (الغاشية) بعد الفاتحة أو بـ (الجمعة) و (المنافقون) ، وفي فجرها بـ (ألم تنزيل) السجدة و (هل أتى) بلا مداومة، ومن أدرك مع الإمام منها ركعة أتمها جمعة وإن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهراً إذا نواه ودخل وقته، وإلا جعلها نافلة وصلى الظهر إذا دخل وقتها وإن وافق العيد يوم الجمعة جاز الاكتفاء بصلاة العيد عن حضور الجمعة غير الإمام فعليه إقامتها لمن يريد حضورها أو فاتته صلاة العيد وللقادم من السفر ونحو ذلك.
ويستحب أن يصلي بعد الجمعة السنة الراتبة ركعتين إذا صلاها في بيته أو أربعاً إن صلاها في المسجد بسلامين بعد الاستغفار والذكر والتسبيح والتحميد والكبير المشروع ويحرم الوصل بينهما وبين صلاة الجمعة أو نيتها ظهراً ([5]).
خطبة الجمعة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
لقد شرع الله للمسلمين الاجتماع في يوم الجمعة لأداء صلاة الجمعة في المسجد الجامع. يجتمع فيه سكان الحي فيتعارفون، ويتآلفون، وسلم بعضهم على بعض، وتتكون فيما بينهم أسباب المحبة والإخاء والمودة.
وجعل الله الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر، وشرع للإمام بهذا الاجتماع أن يخطب بهم خطبة تناسب الحال، وتعالج المشاكل الحادثة في أثناء الأسبوع الماضي.
لذا ينبغي للخطباء وفقهم الله أن يراعوا المناسبات في خطبهم ليكون لها وقع وفائدة ملموسة. وقد أوجب الله على المؤمنين الإنصات والاستماع للخطبة، وحرم الكلام والإمام يخطب ليتجه السمع والبصر والعقل والفكر إلى الخطبة؛ فيتأثر السامع بما يسمع من أمر ونهي، ووعد ووعيد، وترغيب وترهيب، وحلال وحرام.
لهذا ينبغي للخطيب أن ينتهز الفرصة في الدعوة إلى الله، والحث على فعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات، وأن يشيد بمحاسن الإسلام وشعب الإيمان، وحقوق المسلم على أخيه المسلم، وأن يذكر بأحكام العبادات والمعاملات ما يحل منها وما يحرم، والعقائد والأخلاق والآداب الإسلامية وأن يعنى بالتحذير من المعاصي المتفشية بين الناس حتى استحلها أكثرهم، وخصوصاً كبائر الذنوب التي ورد فيها حد في الدنيا، أو وعيد في الآخرة أو لعن فاعلها، أو ورد فيها وعيد بالنار، أو نفي إيمان كالزنا والسرقة وشرب الخمر والربا وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين.
والجمعة تجمع أقواماً قد لا يحضرون الصلاة في المساجد إلا يوم الجمعة، فهي فرصة ثمينة للإمام والمأمومين، كما ينبغي للخطباء مراعاة هدي النبي ﷺ في خطبه، وكان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش، يقول صبحكم أو مساكم.
قال ابن القيم -رحمه الله- في "زاد المعاد في هدي خير العباد" المجلد الأول: "وكان مدار خطبه ﷺ على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصاف كماله، ومحامده، وتعاليم قواعد الإسلام، وذكر الجنة والنار والمعاد، والأمر بتقوى الله، وتبيين مواقع رضاه، وموارد غضبه. فعلى هذا كان مدار خطبه، وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة الناس، ويكثر الذكر، ويقصد الكلمات الجوامع، وكان يقول "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته منة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة" ([6]). وكان يعلم أصحابه في خطبته شرائع الإسلام وقواعده، ويأمرهم وينهاهم إذا عرض له أمر أو نهي، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين، ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك وأمره بالجلوس، وكان يفتتح خطبه بالحمد، ويختمها بالاستغفار، وكان كثيراً ما يخطب بالقرآن ([7]) والله ولي التوفيق.
مواصفات الخطيب الناجح
1- معالجة واقع الناس.
2- العلم وسعة الاطلاع.
3- الالتزام بأحكام الإسلام وخاصة بما يدعو إليه.
4- الجرأة والشجاعة والحماس.
5- مراعاة المناسبات.
6- الإخلاص في القول والعمل.
7- أن يراعي هدي رسول الله ﷺ في خطبه.
8- قناعته بصدق ما يدعو إليه.
9- أن يكون قدوة حسنة لغيره في جميع المجالات.
مواصفات الخطبة الناجحة
1- اشتمالها على الترغيب والترهيب.
2- وحدة الموضوع.
3- اشتمالها على ذكر الوعد والوعيد.
4- البعد عن إثارة الخلافات.
5- الارتباط بحياة الناس.
6- بيان الحكم والحكمة.
7- قصر الخطبة وقصر جملها.
8- الحث على فعل الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات.
سلبيات في خطبة الجمعة
1- الإطالة في الخطبة.
2- عدم حفظ النصوص.
3- عدم صحة الأحاديث المحتج فيها.
4- اللحن في اللغة.
5- الكلام باللغة العامية.
6- كثرة السجع المتكلف في الخطبة ([8]).
نصائح للخطيب
1- أن يقصد بخطبته وجه الله ـ عز وجل ـ .
2- أن يتخلق بالمحاسن والأخلاق التي ورد بها الشرع.
3- أن يجتهد في العمل بما يعظ الناس به.
4- أن يكون عالماً بالعقائد السلفية الصحيحة حتى لا يزيغ ويؤذي الناس بسوء عقيدته.
5- أن يكون عالماً بالسنة عارفاً بما صح منها وما لم يصح حتى لا يكون سبباً لإذاعة الأحاديث الضعيفة والموضوعة بين الناس.
6- أن يتحر معرفة الثابت عن رسول الله ﷺ في العبادات والمعاملات والأخلاق.
7- أن يكون لديه إلمام باللغة العربية الفصحى. (مستفاد من تحفة الواعظ بتصرف).
خصائص يوم الجمعة
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره منها:
1- أنه ﷺ يقرأ في فجره بسورتي ألم تنزيل (السجدة) وهل أتى على الإنسان.
2- استحباب كثرة الصلاة فيه على النبي ﷺ .
3- صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام.
4- الأمر بالاغتسال في يومها وهو أمر مؤكد جداً.
5- التطيب فيه، وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع.
6- السواك فيه وله مزية على السواك في غيره.
7- التبكير لصلاة الجمعة وفيه فضل عظيم.
8- أن يشتغل بالصلاة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام.
9- الإنصات للخطبة إذا سمعها وجوباً.
10- قراءة سورة الكهف في يومها.
11- أنه لا يكره فعل الصلاة في يومها وقت الزوال.
12- قراءة سورتي الجمعة والمنافقين أو سبح والغاشية في صلاة الجمعة.
13- أنه يوم عيد متكرر في كل أسبوع.
14- أنه يستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها.
15- أنه يستحب فيه تجمير المسجد ـ أي تطييبه بالبخور.
16- أنه لا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة بعد دخول وقتها.
17- أن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها. لحديث عبد الله بن عمرو قال المنذري رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وحديث أوس بن أوس بمعناه.
18- أن يوم الجمعة يوم تكفير السيئات ومغفرة الذنوب.
19- أن جهنم توقد كل يوم إلا يوم الجمعة.
20- إن فيه ساعة الإجابة التي لا يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه. لحديث أبي هريرة وفيه: "لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه إياه" ([9]).
21- أن في يوم الجمعة صلاة الجمعة التي خصت من بين سائر الصلوات المفروضة بخصائص لا توجد في غيرها.
22- أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله تعالى وتمجيده والشهادة له بالوحدانية ولرسوله بالرسالة والوصية بتقوى الله تعالى.
23- أن يوم الجمعة يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة.
24- أنه في الأسبوع كالعيد في العام.
25- أن للصدقة فيه مزية على سائر الأيام.
26- أنه يوم يتجلى الله فيه لأوليائه المؤمنين في الجنة.
27- أنه فسر (الشاهد) الذي أقسم الله به في كتابه العزيز بيوم الجمعة.
28- أنه اليوم الذي تفزع منه السماوات والأرض والجبال والبحار والخلائق كلها إلا الإنس والجن.
29- أنه اليوم الذي ادخره الله لهذه الأمة وأضل عنه أهل الكتاب قبلهم.
30- أنه خيرة الله من أيام الأسبوع كما أن شهر رمضان خيرته من شهور العام.
31- أن الموتى تدنوا أرواحهم من قبورهم فيعرفون زوارهم ومن يمر بهم ويسلم عليهم.
32- أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم.
33- إن يوم الجمعة يوم تذكير الناس بالمبدأ والمعاد والثواب والعقاب فهو يوم الاجتماع شرعاً في الدنيا وقدراً في الآخرة وفي مقدار انتصافه وقت الخطبة والصلاة يكون أهل الجنة في منازلهم وأهل النار في منازلهم كما ثبت ذلك عن ابن مسعود من غير وجه ([10]).
آداب صلاة الجمعة
1- الغسل لها.
2- تنظيف الجسد من الأوساخ والروائح.
3- أن لا يفرق بين اثنين.
4- لبس أحسن الثياب.
5- لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد مكانه.
6- من نعس يوم الجمعة فليتحول عن مكانه.
7- التبكير إلى المسجد.
8- صلاة ركعتين عند دخول المسجد.
9- المشي إلى الجمعة بسكينة.
10- النهي عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة.
11- الإنصات للخطبتين.
12- أن لا يتخطى رقاب الناس ولا يفرق بين اثنين.
13- أن لا يمر بين يدي المصلي.
14- أن يقطع النفل من الصلاة والذكر عند خروج الإمام ويشتغل بإجابة المؤذن ثم بسماع الخطبة.
15- يكره الاحتباء يوم الجمعة.
مخالفات تتعلق بالجمعة
1- ترك الاغتسال لصلاة الجمعة.
2- تخطي رقاب الناس في أثناء الخطبة.
3- الاحتباء يوم الجمعة والإمام يخطب.
4- اعتقاد بعض الناس وجوب قراءة السجدة والإنسان في فجر يوم الجمعة أو ترك قراءتهما.
5- الصلاة على النبي ﷺ والترضي عن الصحابة بصوت عال والإمام يخطب.
6- انتظار المؤذن حتى يفرغ من أذانه يوم الجمعة ثم أداء التحية.
7- وصل صلاة الجمعة بصلاة بعدها دون أن يفصل بينهما بكلام.
8- صلاة ركعتين بعد الأذان الأول في الحرمين ([11]).
9- التسوك في أثناء الخطبة.
10- السجع لدى كثير من الخطباء.
من بدع الجمعة
إن هناك بدع كثيرة منتشرة في كثير من بلدان المسلمين وقد بينها العلماء في مصنفاتهم قديماً وحديثاً ولكن سنذكر بعضاً منها ليتجنبها المسلمون.
1- التجمل والتزين لها ببعض المعاصي كحلق اللحية ولبس الحرير والذهب.
2- تقديم بعضهم مفارش إلى المسجد يوم الجمعة أو غيرها قبل ذهابهم إلى المسجد.
3- قيام بعض الحاضرين في أثناء الخطبة الثانية أو بين الخطبتين يصلون التحية.
4- ترك تحية المسجد والإمام يخطب يوم الجمعة.
5- رفع الخطيب يديه في الدعاء.
6- رفع المأمومين أيديهم تأميناً على دعاء الخطيب.
7- صلاة الظهر بعد الجمعة.
8- المصافحة بعد السلام من الصلاة وقول يتقبل الله منا ومنكم أو حرماً.
من فضائل عشر ذي الحجة وفضل العمل الصالح فيها
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن شهر ذي الحجة شهر كريم وموسم عظيم شهر الحج شهر المغفرة والوقوف بعرفة شهر يتقرب فيه المسلمون إلى الله بأنواع من القربات من حج وصلاة وصوم وصدقة وأضاحي وذكر الله ودعاء واستغفار، وعشره الأول عشر مباركات وهن الأيام المعلومات التي أقسم الله بهن في محكم الآيات في قوله تعالى: } وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ { ([12]). وهن أفضل من كل عشر سواها والعمل فيها أفضل من العمل في غيرها، وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ﷺ قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله. قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء". ورواه الطبراني ولفظه "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير". (أي أكثروا فيهن من قول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) وفي رواية للبيهقي ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى، فكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه، وروي عن النبي ﷺ أنه قال: "في أيام العشر: يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر". رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي. وعن أنس بن مالك قال: كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم. يعني في الفضل. رواه البيهقي والأصبهاني.
وعن الإمام الأوزاعي ـ رضي الله عنه ـ قال: بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله يصام نهارها ويحرس ليلها إلا أن يختص امرؤ بشهادة. رواه البيهقي. وفي هذه العشر تضاعف الحسنات وتجاب الدعوات وتغفر الخطايا والسيئات، وهذه الأيام العظام يشترك في خيرها الحجاج إلى بيت الله الحرام والمقيمون في أوطانهم على الطاعات، والعمل المفضول في هذه العشر خير من الفاضل في غيرها من الأوقات، والعمل الصالح فيها أفضل عند الله وأحب إليه من كثير من العبادات، وهذه العشر تحتوي على فضائل عشر:
الأولى: أن الله تعالى أقسم بها في قوله } وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ {([13]).
الثانية: أنه سماها الأيام المعلومات.
الثالثة: أن الرسول ﷺ شهد لها بأنها أفضل أيام الدنيا.
الرابعة: أنه حث على أفعال الخير فيها.
الخامسة: أنه أمر بكثرة التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير فيها.
السادسة: أن فيها يوم التروية اليوم الثامن وهو من الأيام الفاضلة.
السابعة: أن فيها يوم عرفة اليوم التاسع وصومه بسنتين.
الثامنة: أن فيها ليلة شريفة ليلة المزدلفة وهي ليلة عيد النحر.
التاسعة: أن فيها الحج الأكبر الذي هو ركن من أركان الإسلام.
العاشرة: وقوع الأضاحي فيها التي هي علم من معالم الملة الإبراهيمية والشريعة المحمدية.
فضل يوم عرفة
وأما يوم عرفة فقد عظم الله أمره ورفع على الأيام قدره وقد أقسم الله به في قوله تعالى: } وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ { ([14]) فذكر عن النبي ﷺ أنه قال: "الوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر". وفي قوله: }وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ { ([15]) الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. ومن فضائله أن الله أنزل فيه: } الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا { ([16]) فهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة. ويوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها والعتق من النار وفي صحيح مسلم عن عائشة عن النبي ﷺ قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو فيباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء". فمن طمع بالعتق من النار ومغفرة ذنوبه في يوم عرفة فليحافظ على الأسباب التي يرجى بها العتق والمغفرة ومنها صيام ذلك اليوم ففي صحيح مسلم عن النبي ﷺ قال: "صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده"، ومنها حفظ جوارحه عن المحرمات ففي مسند الإمام أحمد عن النبي ﷺ قال: "يوم عرفة من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له".
ومنها الإكثار من شهادة التوحيد بصدق وإخلاص فإنها أصل دين الإسلام وأساسه الذي أكمله الله في ذلك اليوم فتحقيق كلمة التوحيد يوجب عتق الرقاب الذي يوجب العتق من النار كما ثبت في الصحيح: "أن من قالها مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ومن قالها عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل". وكان عبد الله بن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرها: الله أكبر..... الله أكبر..... الله أكبر..... لا إله إلا الله...... الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وإذا دخلت العشر فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئاً حتى يضحي. لحديث أم سلمة رواه مسلم وغيره.
التوبة إلى الله تعالى ومحاسبة النفس
أيها المسلم... تب إلى ربك من الذنوب والخطايا قبل أن تموت فإن الموت يأتي فجأة ومن تاب قبل أن يموت تاب الله عليه والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
أيها المسلم.... حافظ على ما أوجبه الله عليك من الطاعات وابتعد عن المحرمات التي تمنع القبول فإن المعاصي تزيل النعم وتوجب النقم وهي سبب هلاك الأمم، حافظ على الفرائض وكملها بالنوافل فإن النوافل تجبر ما نقص من الفرائض، وهي من أسباب محبة الله لعبده وإجابة دعائه ومن أسباب رفع الدرجات ومحو السيئات وزيادة الحسنات وفي هذه العشر المباركات تضاعف الحسنات فأكثر فيها من نوافل الصلاة والصدقة والصوم وأكثر من تلاوة القرآن الكريم فإن الله يثيبك عليه بكل حرف عشر حسنات أكثر من ذكر الله ودعائه واستغفاره فإن الله يذكر من ذكره ويجيب من دعاه ويغفر لمن استغفره واحذر أن تترك الصلاة أو تمنع الزكاة أو تعق والديك أو تقطع أرحامك أو تسيء إلى جيرانك فإن ذلك من كبائر الذنوب التي توجب العقوبة وحرمان المغفرة، واحذر الفواحش ما ظهر منها وما بطن كالكبر والخيلاء والزنى والسرقة وشرب الخمر والدخان وحلق اللحى وتصوير ذوات الأرواح واستماع الأغاني الصادة عن ذكر الله وعن الصلاة وإسبال الثياب ولبس الذهب وأكل الربى وغير ذلك مما حرمه الله عليك ورسوله لتكون من المقبولين الفائزين عند الله } يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ { ([17]) } وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا { .[سورة الأحزاب، آية: 71].
أيها الإخوة الكرام قولوا كما قال المؤمنون قبلكم: } سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا {.
قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ{ ([18]) } إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ { ([19]).
اللهم اهدنا وسائر إخواننا المسلمين صراطك المستقيم...
اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ([20]).
أنواع العمل في هذه العشر
الأول: أداء الحج والعمرة وهو أفضل ما يعمل ويدل على فضله عدة أحاديث منها قوله ﷺ: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحق المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". غيره من الأحاديث الصحيحة.
الثاني: صيام هذه الأيام أو ما تيسر منها ـ وبالأخص يوم عرفة ـ ولاشك أن جنس الصيام من أفضل الأعمال وهو ما اصطفاه الله لنفسه كما في الحديث القدسي: "الصوم لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي". وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ﷺ : "ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً". متفق عليه. أي مسيرة سبعين عاماً. وروى مسلم رحمه الله عن أبي قتادة عن النبي ـ ﷺ ـ قال: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده".
الثالث: التكبير والذكر في هذه الأيام، لقوله تعالى: } وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ {. وقد فسرت بأنها أيام العشر، واستحب العلماء لذلك كثرة الذكر فيها لحديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عند أحمد رحمه الله وفيه: "فأكثروا فيهن التهليل والتكبير والتحميد". وذكر البخاري ـ رحمه الله ـ عن ابن عمر وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنهما ـ أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما وروى إسحاق ـ رحمه الله ـ عن فقهاء التابعين ـ رحمة الله عليهم ـ أنهم كانوا يقولون في أيام العشر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ويستحب رفع الصوت بالتكبير في الأسواق والدور والطرق والمساجد وغيرها لقوله تعالى: } وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ { ولا يجوز التكبير الجماعي وهو الذي يجتمع فيه جماعة على التلفظ بصوت واحد، حيث لم ينقل ذلك عن السلف وإنما السنة أن يكبر كل واحد بمفرده، وهذا في جميع الأذكار والأدعية إلا أن يكون جاهلاً فله أن يلقن من غيره حتى يتعلم، ويجوز الذكر بما تيسر من أنواع التكبير والتحميد والتسبيح، وسائر الأدعية المشروعة.
الرابع: التوبة والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب، حتى يترتب على الأعمال المغفرة والرحمة، فالمعاصي سبب البعد والطرد، والطاعات أسباب القرب والود، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه". متفق عليه.
الخامس: كثرة الأعمال الصالحة من نوافل العبادات كالصلاة والصدقة والجهاد والقراءة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك فإنها من الأعمال التي تضاعف في هذه الأيام، فالعمل فيها وإن كان مفضولاً فإنه أفضل وأحب إلى الله من العمل في غيرها وإن كان فاضلاً حتى الجهاد الذي هو من أفضل الأعمال إلا من عقر جواده وأريق دمه.
السادس: يشرع في هذه الأيام التكبير المطلق في جميع الوقت من ليل أو نهار إلى صلاة العيد ويشرع التكبير المقيد وهو الذي يكون بعد الصلوات المكتوبة التي تصلى في جماعة، ويبدأ لغير الحجاج من فجر يوم عرفة، وللحجاج من ظهر يوم النحر، ويستمر إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق.
السابع: تشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق، وهو سنة أبينا إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين فدى الله ولده بذبح عظيم: وقد ثبت أن النبي ﷺ : "ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما". متفق عليه.
الثامن: روى مسلم - رحمه الله - وغيره عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي ﷺ قال: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره". وفي رواية: "فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي" ولعل ذلك تشبهاً بمن يسوق الهدي، فقد قال الله تعالى: } وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلهُ {. وهذا النهي ظاهره أنه يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه، ولا بأس بغسل الرأس ودلكه ولو سقط منه شيء من الشعر.
التاسع: على المسلم الحرص على أداء صلاة العيد حيث تصلى، وحضور الخطبة والاستفادة، وعليه معرفة الحكمة من شرعية هذا العيد، وأنه يوم شكر وعمل بر، فلا يجعله يوم أشر وبطر ولا يجعله موسم معصية وتوسع في المحرمات كالأغاني والملاهي والمسكرات ونحوها مما قد يكون سبباً لحبوط الأعمال الصالحة التي عملها في أيام العشر.
العاشر: بعد ما مر بنا ينبغي لكل مسلم ومسلمة أن يستغل هذه الأيام بطاعة الله وذكره وشكره والقيام بالواجبات والابتعاد عن المنهيات واستغلال هذه المواسم والتعرض لنفحات الله ليحوز على رضا مولاه والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبها
فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
العيد
العيد هو موسم الفرح والسرور وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا أنما هو بمولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته كما قال تعالى: } قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ { [سورة يونس، آية: 58].
قال بعض العارفين: ما فرح أحد بغير الله إلا لغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه والعاقل يفرح بمولاه.
لما قدم النبي ﷺ المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما فقال: "إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما يوم الفطر والأضحى". أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح. والحديث دليل على أن إظهار السرور في العيدين مندوب وأن ذلك من الشريعة فيجوز التوسعة على العيال في الأعياد بما يحصل لهم من ترويح البدن وبسط النفس مما ليس بمحظور ولا شاغل عن طاعة الله.
وأما ما يفعله كثير من الناس في الأعياد من التوسع في الملاهي والملاعب فلا يجوز لأن ذلك خلاف ما شرع لهم من إقامة ذكر الله فليست الأعياد للهو واللعب والإضاعة وإنما هي لإقامة ذكر الله والاجتهاد في الطاعة. فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو.
ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد: عيد يتكرر كل أسبوع وعيدان يأتيان في كل عام مرة من غير تكرار في السنة.
فأما العيد المتكرر فهو يوم الجمعة وهو عيد الأسبوع وهو مترتب على إكمال الصلوات المكتوبات وهي أعظم أركان الإسلام ومبانيه بعد الشهادتين.
وأما العيدان اللذان لا يتكرران في كل عام وإنما يأتي كل واحد منهما في العام مرة واحدة فأحدهما. عيد الفطر من صوم رمضان وهو مترتب على إكمال صيام رمضان وهو الركن الرابع من أركان الإسلام ومبانيه فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم استوجبوا من الله المغفرة والعتق من النار فإن صيامه يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب وآخره عتق من النار يعتق فيه من النار من استحقها بذنوبه فشرع الله تعالى لهم عقب إكمالهم لصيامهم عيداً يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له وشرع لهم في ذلك العيد الصلاة والصدقة وهو يوم الجوائز يستوفي الصائمون فيه أجر صيامهم ويرجعون من عيدهم بالمغفرة.
والعيد الثاني عيد النحر وهو أكبر العيدين وأفضلهما وهو مترتب على إكمال الحج وهو الركن الخامس من أركان الإسلام ومبانيه فإذا أكمل المسلمون حجهم غفر لهم. فهذه أعياد المسلمين في الدنيا وكلها عند إكمال طاعة مولاهم الملك الوهاب وحيازتهم لما وعدهم من الأجر والثواب ([21]).
هدي النبي - ﷺ - في العيد:
كان يلبس أجمل ثيابه ويأكل في عيد الفطر قبل خروجه تمرات ويأكلهن وتراً - ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً - .
وأما في عيد الأضحى فلا يأكل حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.
وكان يؤخر صلاة عيد الفطر ليتسع الوقت قبلها لتوزيع الفطرة ويعجل صلاة عيد الأضحى ليتفرغ الناس بعدها لذبح الأضاحي. قال تعالى: } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { .
وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج لصلاة العيد حتى تطلع الشمس ويكبر من بيته إلى المصلى.
وكان النبي ﷺ يبدأ بالصلاة قبل الخطبة فيصلي ركعتين يكبر في الأولى سبعاً متوالية بتكبيرة الإحرام ويسكت بين كل تكبيرتين سكته يسيرة ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات ولكن ذكر عن ابن مسعود أنه قال: يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي ﷺ.
وكان ابن عمر يرفع يديه مع كل تكبيرة.
وكان ﷺ إذا أتم التكبير أخذ في القراءة فقرأ في الأولى الفاتحة ثم (ق) وفي الثانية (اقتربت) وربما قرأ فيها بـ (سبح) و (الغاشية) فإذا فرغ من القراءة كبر وركع ثم يكبر في الثانية خمساً متوالية ثم أخذ في القراءة فإذا انصرف قام مقابل الناس وهم جلوس على صفوفهم فيعظم ويأمرهم وينهاهم.
وكان يخالف الطريق يوم العيد فيذهب من طريق ويرجع من آخر ([22]).
وكان يغتسل للعيدين، وكان ﷺ يفتتح خطبه كلها بالحمد وقال: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم". رواه أحمد وغيره. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - "أن النبي ﷺ صلى يوم العيد ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما". أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
والحديث دليل على أن صلاة العيد ركعتين وفيه دليل على عدم مشروعية النافلة قبلها وبعدها في موضعها.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
صلاة العيدين
تجب على الرجال من المسلمين المكلفين المقيمين في المدن والقرى وما حولها في المصلى وبعض الجوامع عند الحاجة وفي مكة في المسجد الحرام وفي المدينة في المسجد النبوي لاتساع المدينة وفي القدس وفي المسجد الأقصى وتستحب بتأكد على النساء الطاهرات مع التستر والاحتشام والاحتجاب وترك الطيب.
ويستحب التنظف بالاغتسال وقص الشارب والتطيب والتسوك ولبس أجمل الثياب من غير إسبال ولا فخر ولا خيلاء والذهاب إلى المصلى مشاة وركباناً وتأخير صلاة الفطر إلى ارتفاع الشمس قدر رمحين لتفريق الصدقة وأكل تمرات قبلها وتراً إلى الزوال، وإن لم يعلموا بالعيد إلا بعده صلوا من الغد، وتقديم صلاة الأضحى بعد طلوع الشمس قدر رمح تقريباً لاتساع وقت الذبح والبداءة بالأكل من الأضحية ويكره التنفل بعد الصلاة وقبلها إلا إذا أقيمت في الجامع لحاجة فتشرع تحية المسجد.
ويصليها الإمام ركعتين قبل الخطبتين يكبر في الأولى بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة سبعاً وفي الثانية قبل القراءة خمساً يرفع يديه مع كل تكبيرة ثم يقرأ جهراً بعد الفاتحة بـ (سبح) وفي الثانية بـ (الغاشية) أو بسورة (ق) و (اقتربت) فإذا سلم خطب خطبتين يجلس بينهما كالجمعة يبدؤهما بالحمد والتكبير تسعاً في الأولى وسبعاً في الثانية، ويوصيهم في الفطر بتقوى الله سبحانه ويحذرهم من المعاصي ويرغب في الحج من وجب عليه من أهل الاستطاعة، وفي الأضحى يوصيهم بتقوى الله تعالى وينهاهم عن المحرمات ويبين لهم أحكام الأضاحي ومن فاته شيء منها قضاه على صفته مع التكبير ويرجع بعد الفراغ منها من طريق آخر.
ويستحب الجهر بالتكبير من رؤية هلال الفطر إلى الفراغ من صلاة العيد وفي الأضحى التكبير المطلق في جميع الأوقات ابتداء من دخول عشر ذي الحجة إلى الفراغ من صلاة العيد والمقيد من صلاة الظهر يوم النحر للحجاج ولغيرهم من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق بعد السلام من المكتوبات وصفته (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد)، ويستحب للمسلم حمد الله وشكره على أداء فريضة الصيام وسؤاله القبول والمغفرة والعتق من النار والاستقامة على طاعة الله وكذلك الحاج إذا فرغ من حجه.
ويحرم التعريف في المساجد كفعل الحجاج في عرفة وحضور أعياد أهل الكتاب وغيرهم واتخاذ الأعياد والموالد المبتدعة ويباح اللهو والغناء اليسير إذا لم يصحبه طبل ولا رقص وتكسر وتصفيق وإلا حرم ([23]).
من آداب العيد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله...
وبعد:
وللعيد آداب منها:
* التجمل: يستحب للمسلم أن يتجمل يوم العيد فيغتسل ويتنظف ويلبس أحسن ما يجد ويتطيب أطيب ما يجد ويتسوك.
وقال ابن القيم في زاد المعاد (جـ 1 ص441): "وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة".
* الأكل يوم الفطر قبل الخروج: يستحب أن يأكل قبل خروجه إلى صلاة عيد الفطر. تمرات ويأكلهن وتراً وأما في عيد الأضحى فالسنة ألا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته وذلك لحديث أنس رضي الله عنه - في البخاري قال: "كان رسول الله - ﷺ - لا يغدو الفطر حتى يأكل تمرات" قال أنس: ويأكلهن وتراً.
* إظهار التكبير: يستحب إظهار التكبير في العيدين في المساجد والمنازل والطرق والأسواق للمسافر والمقيم وذلك لفعل ابن عمر وابن عباس وابن مسعود.
* صيغة التكبير: الله أكبر.... الله أكبر..... لا إله إلا الله ...... والله أكبر....... الله أكبر...... ولله الحمد.
أو يكرر التكبير ثلاثًا، ووقته من غروب الشمس إلى حضور الصلاة.
* الخروج إلى المصلى من طريق والرجوع من أخرى: يسن الخروج من طريق والرجوع من طريق أخرى وذلك لما رواه جابر في البخاري قال: "كان النبي - ﷺ - إذا كان يوم عيد خالف الطريق".
* الخروج ماشياً: يستحب أن يخرج إلى العيد ماشياً وعليه السكينة والوقار وإن كان له عذر فركب فلا بأس وذلك أن علياً - رضي الله عنه - قال: "من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً".
* تهنئة العيد: لا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد تقبل الله منا ومنك وذلك لوروده عن السلف كأبي أمامة الباهلي وغيره.
* الرخصة في اللعب: يرخص يوم العيد في اللعب واللهو الذي لا معصية فيه وذلك لحديث عائشة المتفق عليه.
أخوكم
حمد بن إبراهيم الحريقي
من أحكام الأضحية
تعريفها:
ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام الأضاحي تقرباً إلى الله -عز وجل-.
الأدلة على مشروعيتها:
الأضحية من العبادات المشروعة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وإجماع المسلمين.
فأما كتاب الله فقد قال تعالى: } فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ { ([24]) وقال تعالى: } قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ*لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ{([25]).
وأما سنة رسول الله - ﷺ - فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال قال عليه الصلاة والسلام: "من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين" وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ضحى النبي - ﷺ - بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما".
وأما إجماع المسلمين على مشروعية الأضحية فقد نقله غير واحد من أهل العلم، قال في المغني: أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية.
حكمها:
سنة مؤكدة.
هل الأفضل التصدق بقيمة الأضحية أم الذبح؟
الأفضل الذبح كما نص عليه الإمام أحمد وشيخ الإسلام وغيرهما لأنه عمل النبي - ﷺ - والمسلمين فإنهم كانوا يضحون. ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل لعدلوا إليها، وما كان رسول الله - ﷺ - ليعمل عملاً مفضولاً يستمر عليه منذ أن كان في المدينة إلى أن توفاه الله مع وجود الأفضل والأيسر، ويدل على أن ذبح الأضحية أفضل ما ورد في الصحيحين عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - ﷺ - : "من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء. فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي فقال - ﷺ - كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها".
حكم الأضحية عن الأموات:
الأصل في الأضحية أنها للحي كما كان النبي ﷺ وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم خلافاً لما يظنه العامة أنها للأموات فقط. وأما الأضحية عن الأموات فهي ثلاثة أقسام:
* القسم الأول: أن تكون تبعاً للأحياء كما لو ضحى الإنسان عن نفسه وأهله وفيهم أموات فقد كان النبي ﷺ يضحي ويقول: "اللهم هذا عن محمد وآل محمد وفيهم من مات سابقاً".
* القسم الثاني: أن يضحي عن الميت استقلالاً تبرعاً مثل أن يتبرع لشخص ميت مسلم بأضحية فقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه، ولم ير بعض العلماء أن يضحي أحد عن الميت إلا أن يوصي به لكن من الخطأ ما يفعله كثير من الناس اليوم يضحون عن الأموات تبرعاً أو بمقتضى وصاياهم ثم لا يضحون عن أنفسهم وأهليهم الأحياء فيتركون ما جاءت به السنة أن يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته فيشمل الأحياء والأموات وفضل الله واسع.
* القسم الثالث: أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه تنفيذاً لوصيته فتنفذ كما أوصى بدون زيادة ولا نقص.
وقتها:
الأضحية عبادة مؤقتة لا تجزأ قبل وقتها على كل حال ولا تجزأ بعده إلا على سبيل القضاء إلى أخرها لعذر. وأول وقتها بعد صلاة العيد لمن يصلون كأهل البلدان أو بعد قدرها من يوم العيد لمن لا يصلون كالمسافرين وأهل البادية، فمن ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم وليست بأضحية ويجب عليه ذبح بدلها على صفتها بعد الصلاة. لما روى البخاري عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال: "من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء". والأفضل أن يؤخر الذبح حتى تنتهي الخطبتان لأن ذلك فعل النبي - ﷺ - قال جندب بن سفيان البجلي - رضي الله عنه - صلى النبي - ﷺ - يوم النحر ثم خطب ثم ذبح رواه البخاري. وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة فيكون الذبح في أربعة أيام: يوم العيد، واليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر.
شروطها:
1- أن تكون الأضحية ملكاً للمضحي غير متعلق به حق غيره فلا تصح بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق.
2- أن تكون من الجنس الذي عينه الشارع وهو الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها.
3- بلوغ السن المعتبر شرعاً بأن يكون ثنياً إن كان من الإبل أو البقر أو المعز، وجذعاً إن كان من الضأن لقول النبي ﷺ : "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن". رواه مسلم.
4- السلامة من العيوب والعيوب تنقسم إلى قسمين:
أ- عيوب تمنع الأضحية وهي المذكورة في حديث البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قام فينا رسول الله ﷺ فقال: "أربع لا تجوز في الأضاحي" وفي رواية: "لا تجزئ: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكسيرة التي لا تنقي". رواه الخمسة.
ويلحق بهذه الأربع ما كان بمعناها مثل: العمياء التي لا تبصر بعينها، والزمني وهي العاجزة عن المشي لعاهة، ومقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين، وما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، والمبشومة، والتي أخذتها الولادة حتى تنجوا منها.
وهذه العيوب المانعة من الأجزاء وهي عشرة: أربعة منها بالنص وستة بالقياس فمتى وجد واحد منها في بهيمة لم تجز التضحية بها لفقد أحد الشروط وهو السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء.
ب- عيوب مكروهة في الأضحية وهي تسعة:
1- العضباء: وهي مقطوعة القرن أو الأذن.
2- المقابلة: وهي التي شقت أذنها من الأمام عرضاً.
3- المدابرة: وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضاً.
4- الشرقاء: وهي التي شقت أذنها طولاً.
5- الخرقاء: وهي التي خرقت أذنها.
6- المصفرة: وهي التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها.
7- المستأصلة: وهي التي ذهب قرنها من أصله.
8- البخقاء: وهي التي بخقت عينها.
9- المشيعة: وهي التي لا تتبع الغنم عجفاً وضعفاً.
(تنبيه هام) فيما يجتنبه من أراد الأضحية:
عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي ﷺ قال: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة" وفي لفظ: "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره". رواه مسلم وفي لفظ لمسلم وأبي داود والنسائي: "فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي" ولمسلم والنسائي وابن ماجه: "فلا يمس من شعره ولا بشرته شيئاً".
ففي هذا الحديث النهي عن أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة ممن أراد أن يضحي من دخول شهر ذي الحجة حتى يضحي فإن دخل العشر وهو لا يريد الأضحية ثم أرادها في أثناء العشر أمسك عن أخذ ذلك منذ إرادته ولا يضره ما أخذ قبل إرادته.
والنهي في هذه الأحاديث للتحريم لأنه أصل في النهي ([26]) والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الذكاة وشروطها ([27])
الذكاة: فعل ما يحل به الحيوان الذي لا يحل إلا بها من نحر أو ذبح أو جرح.
فالنحر للإبل: والذبح لغيرها. والجرح لما لا يقدر عليه إلا به.
ويشترط للذكاة شروط تسعة:
1- الأول: أن يكون المذكي عاقلاً مميزاً فلا يحل ما ذكاه مجنون أو سكران أو صغير لم يميز أو كبير ذهب تمييزه ونحوهم.
2- الثاني: أن يكون المذكي مسلماً أو كتابياً وهو من ينتسب إلى دين اليهود والنصارى. فأما المسلم فيحل ما ذكاه سواء كان ذكراً أم أنثى عدلاً أم فاسقاً طاهراً أم محدثاً.
وأما الكتابي فيحل ما ذكاه سواء كان أبوه وأمه كتابيين أم لا. وقد أجمع المسلمون على حل ما ذكاه الكتابي لقوله تعالى: } وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ { ([28]). ولأن النبي - ﷺ - أكل من شاة أهدتها له امرأة يهودية.
3- الشرط الثالث: أن يقصد التذكية لقوله تعالى: } إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ { ([29]) والتذكية فعل خاص يحتاج إلى نية فإن لم يقصد التذكية لم تحل الذبيحة مثل أن تصول عليه بهيمة فيذبحها للدفاع عن نفسه فقط.
4- الشرط الرابع: أن لا يكون الذبح لغير الله فإن كان لغير الله لم تحل الذبيحة كالذي يذبح تعظيماً لصنم أو صاحب قبر أو ملك أو والد ونحوهم لقوله تعالى: } حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ{([30]) إلى قوله: } وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ { ([31]).
5- الشرط الخامس: أن لا يسمي عليها باسم غير الله مثل أن يقول باسم النبي أو جبريل أو فلان فإن سمى عليها باسم غير الله لم تحل وإن ذكر اسم الله معه لقوله تعالى: } حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ { ([32]) إلى قوله: } وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ { ([33]).
وفي الحديث الصحيح القدسي قال الله تعالى: "من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" ([34]).
6- الشرط السادس: أن يذكر اسم الله تعالى عليه فيقول عند تذكيتها باسم الله لقوله تعالى: } فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ { ([35]). وقول النبي - ﷺ - : "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا". رواه البخاري وغيره فإن لم يذكر اسم الله تعالى عليها لم تحل لقوله تعالى: } وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ { ([36]). ولا فرق بين أن يترك اسم الله عليها عمداً مع العلم أو نسياناً أو جهلاً ([37]). لعموم هذه الآية ولأن النبي ﷺ جعل التسمية شرطاً في الحل والشرط لا يسقط بالنسيان والجهل، ولأنه لو أزهق روحها بغير إنهار الدم ناسياً أو جاهلاً لم تحل فكذلك إذا ترك التسمية لأن الكلام فيهما واحد من متكلم واحد فلا يتجه التفريق.
وإذا كان المذكي أخرس لا يستطيع النطق بالتسمية كفته الإشارة الدالة لقوله تعالى: } فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ { ([38]).
7- الشرط السابع: أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم من حديد أو أحجار أو زجاج أو غيرها لقول النبي - ﷺ - : "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سناً أو ظفراً وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة". رواه الجماعة. وللبخاري في رواية غير السن والظفر فإن السن عظم والظفر مدى الحبشة ([39]). وفي الصحيحين أن جارية لكعب بن مالك - رضي الله عنه - كانت ترعى غنماً له بسلع فأبصرت بشاة من الغنم موتاً فكسرت حجراً فذبحتها به فذكروا ذلك للنبي - ﷺ فأمرهم بأكلها.
8- الشرط الثامن: إنهار الدم أي إجراؤه بالتذكية لقول النبي ﷺ : "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه". ثم إن كان الحيوان غير مقدور عليه كالشارد والواقع في بئر أو مغارة ونحوه كفى إنهار الدم في أي موضع كان من بدنه والأولى أن يتحرى ما كان أسرع إزهاقاً لروحه لأنه أريح للحيوان وأقل عذاباً.
9- الشرط التاسع: أن يكون المذكي مأذوناً في ذكاته شرعاً.
آداب الذكاة([40])
للذكاة آداب ينبغي مراعاتها ولا تشترط في حل التذكية بل تحل بدونها فمنها:
1- استقبال القبلة بالذبيحة حين تذكيتها.
2- الإحسان في تذكيتها بحيث تكون بآلة حادة يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة وقيل هذا من الآداب الواجبة لظاهر قول النبي ﷺ : "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" رواه مسلم وهذا القول هو الصحيح.
3- أن تكون الذكاة في الإبل نحراً وفي غيرها ذبحاً فينحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى فإن صعب عليه ذلك نحرها باركة. ويذبح غيرها على جنبها الأيسر فإن كان الذابح أعسر يعمل بيده اليسرى ذبحها على الجنب الأيمن إن كان أريح للذبيحة وأمكن له. ويسن أن يضع رجله على عنقها ليتمكن منها وأما البروك عليها والإمساك بقوائمها فلا أصل له من السنة وقد ذكر بعض العلماء أن من فوائد ترك الإمساك بالقوائم زيادة إنهار الدم بالحركة والاضطراب.
4- قطع الحلقوم والمريء زيادة على قطع الودجين وانظر الشرط الثامن من شروط الذكاة.
5- أن يستر السكين عن البهيمة عند حدها فلا تراها إلا عند الذبح.
6- أن يكبر الله تعالى بعد التسمية.
7- أن يسمي عند ذبح الأضحية أو العقيقة من هي له بعد التسمية والتكبير ويسأل الله قبولها فيقول بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك عني إن كانت له أو عن فلان إن كانت لغيره.
اللهم تقبل مني إن كانت له أو من فلان إن كانت لغيره.
مكروهات الذكاة
للذكاة مكروهات ينبغي اجتنابها فمنها:
1- أن تكون بآلة كالة أي غير حادة وقيل يحرم ذلك وهو الصحيح.
2- أن يحد آلة الذكاة والبهيمة تنظر.
3- أن يذكي البهيمة والأخرى تنظر إليها.
4- أن يفعل بعد التذكية ما يؤلمها قبل زهوق نفسها مثل أن يكسر عنقها أو يسلخها أو يقطع شيئاً من أعضائها قبل أن تموت وقيل يحرم ذلك وهو الصحيح.
وإلى هنا انتهى ما أردنا تلخيصه من كتاب (أحكام الأضحية والذكاة) نسأل الله تعالى أن ينفع به وبأصله وكان الفراغ منه عصر يوم الأربعاء الموافق 13 من ذي الحجة سنة 1400هـ أربعمائة وألف.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مختصر من رسالة أحكام الأضحية
للشيخ محمد الصالح العثيمين
كيف تذبح أضحيتك؟
خلاصة لما تقدم:
الأضحية: وهي ما يذبح من النعم تقرباً إلى الله تعالى من يوم عيد النحر إلى آخر أيام التشريق.
حكمها: سنة مؤكدة يثاب فاعلها ولا يأثم تاركها.
الحكمة من مشروعيتها: اقتداء بأبينا إبراهيم عليه السلام واتباعاً لسنة نبينا محمد - ﷺ - .
وقت الذبح: من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، ويجوز الذبح ليلاً ونهاراً.
لمن تكون الأضحية؟ الأصل أن تكون الأضحية عن الحي وأهل بيته (ويجوز إشراك الأموات معهم) لفعل نبينا محمد ﷺ وإبراهيم - عليه السلام - إلا أن تكون هناك وصية للميت فيضحي عنه.
السن المجزئ في الأضحية: من الإبل ما له خمس سنوات، ومن البقر ما تم له سنتان، ومن المعز ما تم له سنة، ومن الضأن ما تم له ستة أشهر.
ما لا يجزئ من الأضحية: لا تجزئ العوراء البين عورها، ولا المريضة البين مرضها، ولا العرجاء البين عرجها، ولا الهزيلة وتكره مقطوعة الأذن والذنب، أو مشقوقة الأذن طولاً، أو عرضاً، ويكره مقطوع الألية والضرع، وفاقدة الأسنان، والجماء ومكسورة القرن.
أفضل الأضاحي: ما كان أسمنه وأكثره لحماً وأغلاه ثمناً. ويستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته ويهدي ويتصدق.
كيفية الذبح على هديه صلى الله عليه وسلم
أما الذبح فهو أن تطرح الشاة على جنبها الأيسر مستقبلة القبلة بعد إعداد آلة الذبح الحادة، ثم يقول الذابح: "إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً، وما أنا من المشركين، وإن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين" وإذا باشر الذبح أن يقول: "بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك" ويجهز على الذبيحة فيقطع في فور واحد حلقومها ومريئها وودجيها".
أخطاء تقع عند الذبح
1- حد السكين والبهيمة تنظر.
2- أن يذكي البهيمة بآلة غير حادة وهذا فيه تعذيب للحيوان.
3- أن يفعل ما يؤلمها قبل زهوق نفسها. مثل: أن يكسر عنقها أو يبدأ بسلخها أو يقطع شيئاً من أعضائها قبل أن تموت.
4- ومن الأخطاء: ما يفعله كثير من الناس من منع البهيمة من تحريك يديها أو رجليها بعد ذبحها ويظن أن ذلك من تمام الذبح وكماله.
5- يظن بعض الناس أنه لابد من الجهر بالنية عند الذبح وأنه إذا لم يجهر بها فإنها لا تجزئ وهذا غير صحيح، فإن الجهر بالنية سنة وليس بواجب.
فضل أيام التشريق (*) وأنواع الذكر المشروعة فيها
الحمد لله الذي جعل لعباده مواسم يتقربون إليه فيها بأنواع الطاعات ويتطهرون بها من أدران السيئات، أحمده على نعم لا تزال تتوالى على ممر الأوقات. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وما له من الأسماء والصفات. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أول مسارع إلى الخيرات. صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته إلى يوم الدين. وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله اتقوا الله واشكروا نعمة الله عليكم حيث هيأ لكم مواسم الخيرات وشرع لكم من أنواع الطاعات ما يرفع به درجاتكم ويكفر خطاياكم. ومن ذلك هذه الأيام التي أنتم فيها - وهي أيام التشريق المباركة وهي أيام منى - أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث نبيشة الهذلي أن النبي ﷺ قال: "أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل". وفي بعض الروايات أن النبي ﷺ بعث في أيام منى منادياً ينادي: لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وذكر لله - عز وجل - .
وفي رواية أيام أكل وشرب وصلاة. وفي رواية أنها هي الأيام المعدودات التي قال الله - عز وجل - فيها: } وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ { ([42]) وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر. وقد أمر الله بذكره في هذه الأيام المعدودات كما قال النبي - ﷺ - إنها أيام أكل وشرب وذكر الله - عز وجل - .
عباد الله: وذكر الله - عز وجل - المأمور به في هذه الأيام أنواع متعددة منها:
1- ذكر الله - عز وجل - عقب الصلوات المكتوبات بالتكبير في أدبارها بعد السلام وذلك من فجر يوم عرفة إلى آخر يوم الثالث من أيام التشريق. ويسمى بالتكبير المقيد فإذا سلم من الصلاة المكتوبة قال: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله. والله أكبر الله أكبر. ولله الحمد.
2- ومن ذكر الله - عز وجل - في هذه الأيام - ذكره بالتسمية والتكبير عند ذبح النسك من الهدي والأضاحي. فإن ذبح الأضاحي سنة مؤكدة من سنة إبراهيم -عليه السلام- . ومن سنة خاتم المرسلين نبينا محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم. فيذبح المسلم الأضحية عنه وعن أهل بيته. ويذبح الأضحية عن الأموات من أقاربه وعن غيرهم من المسلمين. وفيها أجر عظيم. وثواب جزيل. ويأكل من هذه الأضاحي ويهدي منها لجيرانه ويتصدق منها على الفقراء والمساكين. ويمتد وقت الأضاحي إلى غروب الشمس من اليوم الثالث عشر من ذي الحجة على الصحيح من أقوال العلماء. والسن المجزئ فيها من الضأن ما تم له ستة أشهر ومن المعز ما تم له سنة. ومن البقر ما تم له سنتان. ومن الإبل ما تم له خمس سنين. وتجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته وتجزئ البقرة والبدنة عن سبع أضاح... ويتجنب المعيبة والمريضة والهزيلة. وأفضل كل جنس من هذه الأجناس أسمنه وأوفره لحماً ثم أغلاه ثمناً قال الله تعالى: } وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ{([43]).
3- ومن ذكر الله - عز وجل - في هذه الأيام المباركة ذكره على الأكل والشرب، فإن المشروع في الأكل والشرب أن يسمي الله في أوله ويحمده في آخره. وفي الحديث عن النبي ﷺ: "إن الله عز وجل يرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة ويحمده عليها"([44]). وقد روي أن من سمى على أول طعامه وحمد الله على آخره فقد أدى ثمنه ولم يسأل بعد عن شكره.
4- ومن ذكر الله - عز وجل - في هذه الأيام المباركة ذكره بأداء المناسك فيها من الوقوف بالمشاعر والطواف والسعي ورمي الجمار وغير ذلك بالنسبة للحجاج.
5- ومن ذكر الله في هذه الأيام المباركة ذكره بالتكبير المطلق في كل أوقاتها فقد كان عمر - رضي الله عنه يكبر بمنى في قبته فيسمعه الناس. فيكبرون فترتج منى تكبيراً. وقد قال الله تعالى: } فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا { ([45]). وقد استحب كثير من السلف كثرة الدعاء بقوله: } رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { ([46]) فهذا الدعاء من أجمع الأدعية للخير وكان النبي - ﷺ - يكثر منه. فإنه يجمع خير الدنيا والآخرة. قال الحسن: الحسنة في الدنيا: العلم والعبادة. وفي الآخرة الجنة.
عباد الله: إن أيام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل والشرب ونعيم قلوبهم بالذكر والشكر وبذلك تتم النعم. وفي قول النبي - ﷺ - إنها أيام أكل وشرب وذكر لله - عز وجل - إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب إنما يستعان به على طاعة الله - عز وجل - وقد أمر الله في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له بالطاعات. فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله عليه وبدلها كفراً فاحذروا من ذلك يا عباد الله ولا تجعلوا هذه الأيام المباركة أيام غفلة عن ذكر الله وأيام اشتغال باللهو واللعب. والإعراض عن طاعة الله، فتلكم حال الأشقياء.
قال الله تعالى: } فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ { ([47]). وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
([1]) تفسير ابن كثير 4 – 365.
([2]) رواه مسلم.
([3]) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.
([4]) في الحديث الذي رواه مسلم.
([5]) العمدة في فقه الشريعة الإسلامية.
([6]) رواه أحمد ومسلم.
([7]) انظر هدي النبي ﷺ في خطبه "زاد المعاد لابن القيم: (جـ 1/186 و 425).
([8]) انظر (إرشادات لتحسين خطبة الجمعة).
([9]) رواه البخاري ومسلم.
([10]) انظر زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم جـ 1 ص100 – 101.
([11]) من مخالفات الطهارة والصلاة للشيخ عبد العزيز سدحان.
([12]) سورة الفجر، آية: 1 – 2.
([13]) سورة الفجر، آية 1 – 2.
([14]) سورة الفجر، آية: 3.
([15]) سورة البروج، آية: 3.
([16]) سورة المائدة: آية: 3.
([17]) سورة الشعراء، آية: 88 – 89.
([18]) سورة الأنفال، آية: 20 – 22.
([19]) سورة النور، آية: 51.
([20]) مراجع هذا البحث:
1- (مراجع هذا البحث) لطائف المعارف لابن رجب ص 275 -282.
2- الترغيب والترهيب للمنذري جـ 2 ص321 – 323.
3- قرة العيون المبصرة بتلخيص كتب التبصرة ص275.
([21]) انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 285 – 288.
([22]) انظر زاد المعاد في هدي خير العباد جزء 1 ص 250 – 254 لابن القيم رحمه الله تعالى.
([23]) العمدة في فقه الشريعة الإسلامية للشيخ أحمد بن عبد الرحمن القاسم ص44.
([24]) سورة الكوثر، آية: 2.
([25]) سورة الأنعام ، آية: 162، 163.
([26]) مختصر من كتاب أحكام الأضحية والذكاة للشيخ محمد الصالح العثيمين.
([27]) المصدر السابق.
([28]) سورة المائدة، آية: 5.
([29]) سورة المائدة، آية: 3.
([30]) سورة المائدة، آية: 3.
([31]) سورة المائدة، آية: 3.
([32]) سورة المائدة، آية: 5.
([33]) سورة المائدة، آية: 5
([34]) رواه مسلم.
([35]) سورة الأنعام، آية: 118.
([36]) سورة الأنعام، آية: 121.
([37]) انظر الأصل ص 62 – 70.
([38]) سورة التغابن، من آية: 16.
([39]) انظر الأصل ص70 – 72.
([40]) المصدر السابق.
(*) خطب الشيخ صالح الفوزان 1/108 وانظر لطائف المعارف لابن رجب ص300.
([42]) سورة البقرة، آية: 203.
([43]) سورة الحج، آية: 32.
([44]) رواه مسلم.
([45]) سورة البقرة، آية: 200.
([46]) سورة البقرة، آية: 201.
([47]) سورة البقرة، آية: 152.